المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل السابع والثلاثون في قصة الرجل المثري مع صاحبه. كان رجل مثر قد اعطاه الله من اصناف المال المتنوع من قارن ونقود وعروض واموال كثيرة. كان له صاحب يعرف منه النصح والعلم. فقال لصاحبه شاكيا له الحال. الم ترى ما انا في من الغنى الواسع والاموال الكثيرة. والناس كالمتفقين على ان من كان كذلك فقد حصلت له السعادة الدنيوية والعيش الهين والحياة السعيدة وانا فيما انا فيه لم ادرك ما ذكروا ولم ازل اتنقل من هم الى كدر ولم تحصل لي اللذة الصحيحة في حياتي فاحب وان ترشدني يا صاحبي الى الحياة السعيدة والى الراحة في حياته. فقال له صاحبه يا اخي اعلم ان من اتى الامور من غير ابوابها وسلك للمنافع غير مسالكها لم يدرك المطلوب ولم ينج من المرهوب. وانت جعلت الدنيا اكبر همك ومبلغ علمك حبيبك الوحيد الذي ملك عليك ظاهرك وباطنك ومشاعرك وحواسك كلها. ومن كان كذلك فهو طبعا لا يستريح في دنياه فانه ان حصل عليه كساد او خسارة في بيع او شراء او نقص في ثمار او تشوشت عليه الاسباب في جهة من جهات دنياه فانه في كدر فضلا عن الاكدار التي تنتابه من جهة الاهل والعائلة. والمعاملين والمعاشرين واختلاف الارادات الاتفاق والانسجام بينهم من كل وجه او تعست لذلك. فقال له المثري صدقت من هذه الجهات كلها ومن غيرها يأتيني والهم ملازم لي في كل احوالي فهل من سبيل الى تخفيف ذلك او زواله بالكلية؟ فقد ضاقت علي الحيل والمحاولات وانا حريص كن على راحة نفسي باي سبيل. فقال له صاحبه يا اخي السبيل واضح ولكن ما دامت خطتك على هذا المنوال فغير ممكن كالعيشة الهنيئة فان غيرت خطتك وفهمت ما اقول لك وعملت عليه رجوت لك الخير والحياة الطيبة السعيدة. فاول ذلك ان تعلم علم اليقين ان الدنيا والاموال المتنوعة ليست هي المقصود لذاتها. وانما هي مقصودة لغيرها. ووسيلة يتوسل بها عبده الى منافعه الحقيقية ومطالبه الابدية وسعادته الاخروية. فاجعل يا اخي هذا المعنى الذي لا يستريب فيه العقلاء نصب عين فقبلة قلبك ثم اسعى في تحصيل الدنيا وفي تصريفها وفي تدبيرها من كل جهة على هذا الاساس. واستصحب النية الصادقة في جميع نواحي حياتك سعيا وتدخيلا وتصريفا. فاذا عاملت الناس ببيع وشراء وتأجير ومشاركات وغيرها. فاقصد بذلك كالقيام بالواجبات والمستحبات والاستغناء عن الخلق. واقتصر على المعاملات الطيبة الحلال. واجتهد في ان تكون مكاسبك كلها حلالا وان تصرفها في الواجبات من الزكاة والنفقات والمستحبات وتوابعها. تقرب بذلك الى الله فاحتسب عنده الاجر والثواب واحمد ربك الذي اقدرك على المال ثم وفقك في صرفه في الوجوه النافعة التي تبرئ بها ذمتك وتكتسب بها الاجر العظيم عند الله وتكون لك مغنما لا مغرما. فانك ان فعلت ذلك هانت عليك النفقات وبذلتها بسماحة ورغبة وعلم بانها تكسب لها امثالها اضعافا مضاعفة. ومع ذلك فاذا حصل فيها ما تحب من زيادة ونمو وكمال. فاكثر من حمد الله وشكره. واذا حصل فيها ما اتكره فاحتسب ذلك عند الله فاعتبرها من المصائب التي يعوض الله الصابرين عليها من الاجر اضعاف اضعاف ما فاتهم. فانك ان وفقت لذلك حصلت لك الحياة الطيبة وهي راحة القلب وطمأنينته وطمعه في فضل الله وثوابه في كل حالة وفي كل بوقت ومع ذلك فانه لا يفوتك من نصيبك في الدنيا ولا من لذاتها شيء. بل تستوفيها كاملة هنيئة تفوق فيها لذة المترفين ونعيمهم ويجمع الله لك بين خيري الدنيا والاخرة. واعلم ان هذا ليس بعسير بل هو يسير على من يسره الله عليه. ومن ذاق طعمه هذه الحياة علم ان هذه الحياة التي يسعى لها الخلق وارباب الدنيا وجمهورهم لم يدركها الساعي بل مات بغمه ولم يذق لها لا طعما ولكنك يا اخي تحتاج الى تمرين كثير وتغيير لطبيعتك الاولى حيث ملكت الدنيا عليك مشاعرك وامورك كلها وتستعين الله على ذلك فمن توكل عليه اعانه وكفاه. فواسفا لمن اعطوا نصيبا من الدنيا فخسروها. واعطوا الاسباب التي التي تدرك بها الخيرات فلم يستعملوها. ووهبت لهم المواهب المتنوعة فلم ينتفعوا بها ويستغلوها. وما احسن ما قاله الحكيم في اعره ولم ارى في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام