المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. والقرآن بل الذين كفروا في عزة وشقاء. هذا بيان من الله تعالى لحال القرآن. وحال المكذبين به معه ومع من جاء به فقال والقرآن بالذكر. اي ذي القدر العظيم والشرف المذكر للعباد كل ما يحتاجون اليه من العلم باسماء الله وصفاته وافعاله. ومن العلم باحكام الله الشرعية ومن العلم احكام المعادي والجزاء فهم مذكر لهم في اصول دينهم وفروعه. وهنا لا يحتاج الى ذكر المقسم عليه. فان حقيقة الامر ان المقسم به وعليه شيء واحد. وهو هذا القرآن الموصوف بهذا الوصف الجليل فاذا كان القرآن بهذا الوصف علم ضرورة العباد اليه فوق كل ضرورة. وكان الواجب عليهم تلقيه بالايمان والتصديق. والاقبال على استخراج ما يتذكر به منه فهدى الله من هدى لهذا وابى الكافرون به وبمن انزله وصار معهم عزة وامتناع عن الايمان به. واستكبار وشقاق له. اي مشاقة ومخاصمة في رده وابطاله. وفي القدح بما من جاء به فتوعدهم باهلاك القرون الماضية المكذبة بالرسل وانهم حين جاءهم الهلاك نادوا واستغاثوا في صرف العذاب عنهم ولكن اي وليس الوقت وقت خلاص مما وقعوا فيه. ولا فرج لما اصابهم. فليحذر هؤلاء ان يدوموا على عزتهم وشقاقهم فيصيبهم ما اصابهم وعجبوا ان جاءهم منذر منهم اي عجب هؤلاء المكذبون في امر ليس محل العجب ان جاءهم منذ كثير منهم ليتمكنوا من التلقي عنه وليعرفوه حق المعرفة. ولانه من قومهم فلا تأخذهم النخوة القومية عن اتباعه. فهذا مما يوجب الشكر عليهم وتمام الانقياد له. ولكنهم عكسوا القضية. فتعجبوا تعجب انكار وقالوا من كفرهم وظلمهم وذنبه عندهم انه اجعل الالهة الها واحدا؟ اي كيف ينهى عن اتخاذ الشركاء والانداد؟ ويامر باخلاص العبادة لله وحده ان هذا لشيء عجاب. ان هذا الذي جاء به لشيء عجاب. ان يقضي منه العجب لبطلانه وفساده انطلق الملأ منهم من امشوا واصبروا على الهتكم وانطلق الملأ منه المقبول قولهم محرضين قومهم على التمسك بما هم عليه من الشرك ايستمروا عليها وجاهدوا نفوسكم في الصبر عليها وعلى عبادتها. ولا يردكم عنها راد. ولا يصدنكم عن فيها صاد. ان هذا الذي جاء به محمد من النهي عن عبادتها لشيء يراد ان يقصد اي له قصد ونية غير صالحة في ذلك. وهذه شبهة لا تروج الا على السفهاء. فان من دعا الى قول حق او بغير حق لا يرد قوله بالقدح في نيته. فنيته وعمله له وانما يرد بمقابلته بما يبطله ويفسده. من الحجج والبراهين وهم قصدهم ان محمدا ما دعاكم الى ما دعاكم الا ليرأس فيكم ويكون معظما عندكم متبوعا ما سمعنا بهذا في الملة الاخرة ان هذا الا اختلاق. ما سمعنا بهذا القول الذي قاله. والدين الذي دعا اليه في الملة الاخرة اي في الوقت الاخير فلا ادركنا عليه اباءنا ولا اباؤنا ادركوا اباءهم عليه. فامضوا على الذي مضى اباؤكم فانه الحق. وما هذا الذي دعا اليه محمد الا اختلاق اختلقه. وكذب افتراه. وهذه ايضا شبهة من جنس لشبهتهم الاولى حيث ردوا الحق بما ليس بحجة لرد ادنى قول. وهو انه قول مخالف لما عليه اباؤهم الضالون. فاين في هذا انما يدل على بطلانه انزل عليه الذكر من بيننا؟ اي ما الذي فضله علينا؟ حتى ينزل الذكر عليه من دوننا ويخصه الله به. وهذه ايضا شبهة. اين البرهان فيها على رد ما قاله؟ وهل جميع الرسل الا بهذا الوصف؟ يمن الله عليهم برسالته ويأمرهم بدعوة الخلق الى الله. ولهذا لما كانت هذه الاقوال الصادرة منهم لا يصلح شيء منها لرد ما جاء به الرسول اخبر تعالى من اين صدرت وانهم في شك من ذكري ليس عندهم علم ولا بينة. فلما وقعوا في الشك وارتضوا به وجاءهم الحق الواضح مجازمين باقامتهم على شكهم قالوا ما قالوا من تلك الاقوال لدفع الحق. لا عن بينة من امرهم وانما ذلك من باب منه ومن المعلوم ان من هو بهذه الصفة يتكلم عن شك وعناد ان قوله غير مقبول ولقدح ادنى قدح في الحق. وان انه يتوجه عليه الذم واللوم بمجرد كلامه. ولهذا توعدهم بالعذاب فقال ثقال هذه الاقوال وتجرأوا عليها حيث كانوا ممتعين في الدنيا. لم يصبهم من عذاب الله شيء. فلو ذاقوا عذابه لم يتجرأوا رحمة ربك العزيز الوهاب. فيعطون منها من شاء ويمنعون منها من شاؤوا حيث قالوا انزل عليه الذكر من بيننا؟ اي هذا فضله تعالى ورحمته. وليس ذلك بايديهم حتى يتحجروا على الله ام لهم ملك السماوات والارض وما بينهما؟ بحيث يكونون قادرين على ما يريدون. فليرتقوا في الاسباب الموصلة لهم الى السماء فيقطع الرحمة عن رسول الله فكيف يتكلمون؟ وهم اعجز خلق الله واضعفهم بما تكلموا به؟ ام قصدهم التحزب والتجند والتعاون على نصر الباطل وخذلان الحق. وهو الواقع فان هذا المقصود لا يتم لهم بل سعيهم خائب. وجندهم ولهذا قال يحذرهم تعالى ان يفعل بهم ما فعل بالامم من قبلهم الذين كانوا اعظم قوة منهم وتحزبا على الباطل. قوم نوح وعاد. قوم هود وفرعون ذو الاوتاد. اي الجنود العظيمة القوة الهائلة وثمود قوم صالح وقوم لوط واصحاب الايكة اي الاشجار والبساتين الملتفة. وهم قوم شعيب الذين اجتمعوا بقوتهم وعددهم وعددهم على رد الحق. فلم تغني عنهم شيئا ان كل من هؤلاء الا كذب الرسل فحق عليهم عقاب الله وهؤلاء ما الذي يطهرهم ويزكيهم؟ الا يصيبهم ما اصاب اولئك واحدة ما لها من فواق. فلينتظروا صيحة واحدة ما لها من فواق. اي من رجوع ورد تهلكهم وتستأصلهم ان اقاموا على ما هم عليه. وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب اي قال هؤلاء المكذبون من جهلهم ومعاندتهم الحق. مستعجلين للعذاب. ربنا عجل لنا قطنا اي قسطنا وما لنا من العذاب عاجلا. قبل يوم الحساب ونجوا في هذا القول وزعموا انك يا محمد ان كنت صادقا فاعلامك بصدقك ان تأتينا بالعذاب. فقال لرسوله واذكر عبدنا داوود ذا الايد انه اصبر على ما يقولون. كما صبر من قبلك من الرسل. فان قولهم لا يضر الحق شيئا. ولا يضرونك في شيء وانما يضرون انفسهم. لما امر الله رسوله الصبر على قومه امره ان يستعين على الصدر بالعبادة لله وحده. ويتذكر حال العابدين كما قال في الاية الاخرى. فاصبر على ما يقول قولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها. ومن اعظم العابدين. نبي الله داود عليه الصلاة والسلام ذا الايد اي القوة العظيمة على عبادة الله تعالى في بدنه وقلبه. اي رجاع الى الله في جميع الامور بالانابة اليه بالحب والتأله والخوف والرجاء وكثرة التضرع والدعاء. رجاع اليه عندما يقع منه بعض الخلل بالاقلاع والتوبة النصوح. ومن شدة انابته لربه وعبادته ان سخر الله الجبال معه تسبح معه بحمد ربها. اول النهار واخره. وسخر الطير محشورة معه مجموعة. كل من الجبال والطير لله تعالى اواب. امتثالا لقوله تعالى يا جبال اوبي معه والطير. فهذه منة الله عليه العبادة ثم ذكر منته عليه بالملك العظيم فقال وشددنا ملكه اي قويناه بما اعطيناه من الاسباب وكثرة العدد والعدد التي بها قوى الله ملكه ثم ذكر منته عليه بالعلم فقال واتيناه الحكمة. اي النبوة والعلم العظيم. اي بين الناس. لما ذكر تعالى انه اتى نبيه داود الفصل في الخطاب بين الناس. وكان معروفا بذلك مقصودا. ذكر تعالى نبأ خصمين اختصما عنده في قضية جعلهما الله فتنة لداوود وموعظة لخلل ارتكبه. فتاب الله عليه وغفر له وقيض له هذه القضية. فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهل اتاك نبأ الخصم؟ فانه نبأ عجيب اذ تسوروا على داوود المحراب اي محل عبادته من غير اذن ولا استئذان ولم يدخلوا عليه مع باب على بعض. فلذلك لما دخلوا عليه بهذه الصورة. فزع منهم وخاف. فقالوا له نحن خصمان فلا تخف. بغى بعضنا اعلى بعض بالظلم فاحكم بيننا بالحق اي بالعدل ولا تمل مع احدنا والمقصود من هذا ان الخصمين قد عرف ان قصدهما الحق الواضح الصرف. واذا كان ذلك فسيقصان عليه نبأهما بالحق فلم يشمئز نبي الله داود من وعظهما له. ولم يؤنبهما. فقال احدهما ان هذا اخي له تسع قال ان هذا اخي نص على الاخوة في الدين او النسب او الصداقة لاقتضائها عدم البغي وان بغيه الصادر منه اعظم من غيره له تسع وتسعون نعجة اي زوجة وذلك خير كثير. يوجب عليه القناعة بما اتاه الله. ولي نعجة واحدة ايه ده فطمع فيها فقال اكفلنيها اي دعها لي وخلها في كفالتي. اي غلب في القول فلم يزل بي حتى ادركها او كاد. فقال داود لما سمع كلامه. ومن المعلوم من السياق السابق من كلامهما ان هذا هو واقع فلهذا لم يحتج ان يتكلم الاخر فلا وجه للاعتراض بقول القائل لما حكم داود قبل ان يسمع كلام الخصم الاخر فلقد ظلمك بسؤال نعجتك اذا نعاجه بعضهم على بعض الا الذين امنوا. لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه. وهذه عادة الخلطاء قرناء الكثير منهم فقال وان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض لان الظلم من صفة النفوس امنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم. الا الذين امنوا وعملوا الصالحات. فان ما معهم من الايمان العمل الصالح يمنعهم من الظلم. وقليل ما هم. كما قال تعالى وقليل من عبادي الشكور فاستغفر ربه وظن داوود حين حكم بينهما ان ما فتناه اي اختبرناه عليه هذه القضية لينتبه فاستغفر ربه لما صدر منه وخر راكعا اي ساجدا واناب لله تعالى بالتوبة النصوح والعبادة فغفرنا له ذلك الذي صدر منه واكرمه الله بانواع الكرامات فقال وان له عندنا لزلفى اي منزلة عالية وقربة منا اي مرجع وهذا الذنب الذي صدر من داوود عليه السلام لم يذكره الله لعدم الحاجة الى ذكره تعرضوا له من باب التكلف. وانما الفائدة ما قصه الله علينا من لطفه به وتوبته وانابته. وانه ارتفع محله. فكان بعد التوبة منه قبلها عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض تنفذ فيها القضايا الدينية والدنيوية. فاحكم بين الناس بالحق اي العدل. وهذا لا تمكنوا منه الا بعلم الواجب وعلم بالواقع وقدرة على تنفيذ الحق سبيل الله. ولا تتبع الهوى فتميل مع احد لقرابة او صداقة او محبة او بغض للاخر فيضلك الهوى عن سبيل الله ويخرجك عن الصراط المستقيم ان الذين يضلون عن سبيل الله خصوصا المتعمدين منهم. فلو ذكروه ووقع خوفه في قلوبهم لم يميلوا مع الهوى الفاتن ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من نار. يخبر تعالى عن تمام حكمته في خلقه السماوات والارض. وانه لم يخلقهما باطلا. اي عبثا ولعبا من غير فائدة ولا مصلحة ذلك ظن الذين كفروا بربهم حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله فانها التي تأخذ الحق منهم وتبلغ منهم كل مبلغ. وانما خلق الله السماوات والارض بالحق وللحق. فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته وسعة سلطانه. وانه تعالى وحده المعبود دون من لم يخلق مثقال ذرة من السماوات والارض ان البعث حق وسيفصل الله بين اهل الخير والشر. ولا يظن الجاهل بحكمة الله ان يسوي الله بينهما في حكمه. ولهذا قال ام نجعل الذين امنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض. ام نجعل المتقين هذا غير لائق بحكمتنا وحكمنا كتاب انزلناه اليك مبارك فيه خير كثير وعلم غزير فيه كل هدى من ضلالة وشفاء من داء ونور يستضاء به في الظلمات. وكل حكم يحتاج اليه المكلفون. وفيه من الادلة القطعية على كل مطلوب. ما كان به جل كتاب طرق العالم منذ انشأه الله. اي هذه الحكمة من انزاله ليتدبر الناس اياته فيستخرج علمها ويتأمل اسرارها وحكمها. فانه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه. واعادة الفكر فيها مرة بعد مرة. تدرك وبركاته وخيره. وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن. وانه من افضل الاعمال وان القراءة المشتملة على التدبر افضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود. اي اولو العقول الصحيحة يتذكرون بتدبرهم لها كل علم ومطلوب. فدل هذا على انه بحسب لب الانسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب اب ووهبنا لداود سليمان لما اثنى تعالى على داوود وذكر ما قاله ومنه اثنى على ابنه سليمان عليهما السلام فقال ووهبنا لداوود سليمان اي انعمنا به عليه واقررنا به عين نعم العبد سليمان عليه السلام فانه اتصف بما يوجب المدح وهو اي رجاعون الى الله في جميع احواله بالتأله والانابة والمحبة والذكر والدعاء والتضرع والاجتهاد في مرضات الله وتقديمها على كل شيء ولهذا لما عرضت عليه الخيل الجياد السبق الصافنات اي التي من وصفها الصفون وهو رفع احدى قوائم عند الوقوف وكان لها منظر رائق وجمال معجب خصوصا للمحتاج اليها كالملوك. فما زالت تعرض عليه حتى غابت الشمس في الحجاب فالهته عن صلاة المساء وذكره. فقال ندما على ما مضى منه وتقربا الى الله بما الهاه عن ذكره. وتقديما لحب الله على حب غيره اني احببت حب الخير وضمن احببت معنى اثرت اي اثرت حب الخير الذي هو المال عموما وفي هذا الموضع المراد الخيل ردوها علي فردوها فطفق فيها مسحا بالسوق والاعناق. اي جعل يعقرها بسيفه في سوقها واعناقها ولقد فتى الناس سليمان والقينا على كرسيه جسدا ثم اناب. ولقد فتنا سليمان اي ابتليناه واختبرناه بذهاب ملكه وانفصاله عنه. بسبب خلل اقتضته الطبيعة البشرية. والقينا على كرسيه جسدا. اي قضى الله وقدر ان يجلس على كرسي ملكه. ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان. ثم اناب سليمان الى الله تعالى وتاب انك انت الوهاب. فسخرنا له الريح تجري بامره رخاء حيث واخرين مقرنين فاستجاب الله له وغفر له ورد عليه ملكه وزاده ملكا لم يحصل لاحد من بعده. وهو تسخير الشياطين له يبنون ما يريد ويغوصون له في البحر. يستخرجون الدر والحلي. ومن عصاه منهم قرنه في الاصفاد واوثقه. وقلنا له هذا عطاؤنا ثمن او امسك بغير حسابه. هذا عطاؤنا فقر به عينا فمن على من شئت او امسك من شئت. اي لا حرج عليك في ذلك ولا حساب. لعلمه تعالى بكمال عدله وحسن احكامه. ولا تحسبن هذا لسليمان في الدنيا دون الاخرة. بل له في الاخرة خير عظيم. ولهذا قال وان اي هو من المقربين عند الله المكرمين بانواع الكرامات لله فصل فيما تبين لنا من الفوائد والحكم في قصة داوود وسليمان عليهما السلام. فمنها ان الله تعالى يقص نبيه محمد صلى الله عليه وسلم اخبار من قبله. ليثبت فؤاده وتطمئن نفسه. ويذكر له من عبادته من شدة صبرهم وانابتهم ما يشوقه الى منافستهم والتقرب الى الله الذي تقربوا اليه. والصبر على اذى قومه. ولهذا في هذا الموضع لما ذكر الله ذكر من اذية قومه وكلامهم فيه. وفيما جاء به امره بالصبر. وان يذكر عبده داوود فيتسلى به. ومنها ان الله تعالى يمدح ويحب القوة في طاعته. قوة القلب والبدن. فانه يحصل منها من اثار الطاعة وحسنها وكثرتها. ما لا يحصل مع الوهن وعدم القوة هو ان العبد ينبغي له تعاطي اسبابها وعدم الركون الى الكسل والبطالة المخلة بالقوة المضعفة للنفس. ومنها ان الرجوع الى الله في جميع الامور من اوصاف انبياء الله وخواص خلقه. كما اثنى الله على داوود وسليمان بذلك. فليقتدي بهما المقتدون. وليهتد هداهم السالكون. اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده. ومنها ما اكرم الله به نبيه داود عليه السلام. من حسن العظيم الذي جعل الله بسببه الجبال الصم والطيور البهم. يجاوبنه اذا رجع صوته بالتسبيح. ويسبحن معه بالعشي والاشراق ومنها ان من اكبر نعم الله على عبده ان يرزقه العلم النافع ويعرف الحكم والفصل بين الناس كما امتن الله به على عبده داوود عليه السلام ومنها اعتناء الله تعالى بانبيائه واصفيائه عندما يقع منهم بعض الخلل بفتنته اياهم وابتلائهم بما به عنهم المحذور ويعودون الى اكمل من حالتهم الاولى. كما جرى لداوود وسليمان عليهما السلام. ومنها ان الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم. معصومون من الخطأ فيما يبلغون عن الله تعالى. لان مقصود الرسالة لا يحصل الا بذلك. وانه قد يجري منهم بعض مقتضيات الطبيعة من المعاصي. ولكن الله تعالى يتداركهم ويبادرهم بلطفه. ومنها ان داوود عليه السلام كان في فباحواله لازما محرابه لخدمة ربه. ولهذا تسور الخصمان عليه المحراب. لانه كان اذا خلا في محرابه لا يأتيه احد. فلم يجعل كل وقته للناس مع كثرة ما يرد عليه من الاحكام. بل جعل له وقتا يخلو فيه بربه. وتقر عينه بعبادته. وتعينه على في جميع اموره. ومنها انه ينبغي استعمال الادب في الدخول على الحكام وغيرهم. فان الخصمين لما دخلا على داوود في حالة غير ومن غير الباب المعهود فزع منهم واشتد عليه ذلك ورآه غير لائق بالحال. ومنها انه لا يمنع الحاكم من الحكم بالحق سوء ادب الخصم وفعله ما لا ينبغي. ومنها كمال حلم داوود عليه السلام. فانه ما غضب عليهما حين جاءه استئذان وهو الملك ولا انتهرهما ولا وبخهما. ومنها جواز قول المظلوم لمن ظلمه. انت ظلمتني او يا الظالم ونحو ذلك او باغ علي لقولهما خصمان بغى بعضنا على بعض. ومنها ان الموعوظ والمنصوح ولو كان كبير القدر جليل العلم اذا نصحه احد او وعظه لا يغضب ولا يشمئز بل يبادره بالقبول والشكر فان الخصمين نصحا داوود فلم يشمئز ولم يغضب ولم يثنه ذلك عن الحق بل حكم بالحق الصرف. ومنها ان المخالطة بين الاقارب والاصحاب وكثرة التعلقات الدنيوية المالية موجبة للتعادي بينهم. وبغي بعضهم على بعض وانه لا يرد عن ذلك الا استعمال تقوى الله والصبر على الامور بالايمان والعمل الصالح. وان هذا من اقل شيء في الناس. ومنها ان الاستغفار والعبادة خصوصا الصلاة من مكفرات الذنوب فان الله رتب مغفرة ذنب داود على استغفاره وسجوده. ومنها اكرام الله لعبده داوود وسليمان بالقرب منه وحسن الثواب. والا يظن ان ما جرى لهما منقص لدرجتهما عند الله تعالى. وهذا من تمام لطفه بعباده المخلصين انه اذا غفر لهم وازال اثر ذنوبهم ازال الاثار المترتبة عليه كلها. حتى ما يقع في قلوب الخلق. فانهم اذا علموا ببعض ذنوبهم وقع في قلوبهم نزولهم عن درجتهم الاولى. فازال الله تعالى هذه الاثار وما ذاك بعزيز على الكريم الغفار ومنها ان الحكم بين الناس مرتبة دينية تولاها رسول الله وخواص خلقه. وان وظيفة القائم بها الحكم بالحق ومجانبة الهوى فالحكم بالحق يقتضي العلم بالامور الشرعية. والعلم بصورة القضية المحكوم بها. وكيفية ادخالها في الحكم الشرعي. فالجاهل في احد الامرين لا يصلح للحكم ولا يحل له الاقدام عليه. ومنها انه ينبغي للحاكم ان يحذر الهوى ويجعله منه على بال فان النفوس لا تخلو منه. بل يجاهد نفسه بان يكون الحق مقصودا. وان يلقي عنه وقت الحكم كل محبة او بغض لاحد الخصمين. ومنها ان سليمان عليه السلام من فضائل داود ومن منن الله عليه حيث وهبه له. وان من اكبر نعم الله على عبده ان يهب له ولدا صالح فان كان عالما كان نورا على نور. ومنها ثناء الله تعالى على سليمان ومدحه في قوله نعم العبد انه اواب ومنها كثرة خير الله وبره بعبيده ان يمن عليهم بصالح الاعمال ومكارم الاخلاق ثم يثني عليهم بها وهو تفضلوا الوهاب ومنها تقديم سليمان محبة الله تعالى على محبة كل شيء. ومنها ان كل ما اشغل العبد عن الله فانه مشؤوم مذموم. فليفارقه وليقبل على ما هو انفع له. ومنها القاعدة المشهورة من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. فسليمان عليه السلام عقر الجياد الصافنات المحبوبة للنفوس. تقديما لمحبة الله. فعوضه الله خيرا من ذلك بان سخر له الريح الرخاء اللينة. التي تجري بامره الى حيث اراد وقصد. غدوها شهر ورواحها شهر. وسخر له اهل الاقتدار على الاعمال التي لا يقدر عليها الادميون. ومنها ان تسخير الشياطين لا يكون لاحد بعد سليمان عليه السلام ومنها ان سليمان عليه السلام كان ملك النبي يفعل ما اراد ولكنه لا يريد الا العدل بخلاف النبي العبد فانه تكون ارادته تابعة لامر الله. فلا يفعل ولا يترك الا بالامر. كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وهذه الحال واذكر عبدنا ايوب اذ نادى ربه اني مسني الشيطان بنصب وعذاب اي واذكر في هذا الكتاب ذي الذكر. عبدنا ايوب باحسن الذكر. واثني عليه باحسن الثناء. حين اصابه الضر. فصبر على ضره فلم يشتك لغير ربه ولا لجأ الا اليه. فنادى ربه داعيا واليه لا الى غيره شاكيا. فقال ربياني مسني الشيطان بنصب وعذاب. اي بامر مشق متعب معذب. وكان سلط على جسده فنفخ فيه حتى تقرح. ثم تقيح بعد ذلك اشتد به الامر وكذلك هلك اهله وماله. فقيل له قال اركض برجلك اي اضرب الارض بها لينبع لك منها عين تغتسل منها وتشرب. فيذهب عنك الضر والاذى ففعل ذلك فذهب عنه الضر وشفاه الله تعالى ووهبنا له اهله قيل ان الله تعالى احياهم له ومثلهم معهم في الدنيا واغناه الله واعطاه مالا عظيما رحمة منا بعبدنا ايوب. حيث صبر فاثبناه من رحمتنا ثوابا عاجلا واجلا اي وليتذكر اولو العقول بحالة ايوب ويعتبر فيعلم ان من صبر على الضر ان الله تعالى يثيبه ثواب من عاجلا واجلا ويستجيب دعاءه اذا دعاه انا وجدناه صابرا نعم العبد انه اواب. وخذ بيدك ضعثا اي ازمة شماريخ فاضرب به ولا تحنث. قال المفسرون وكان في مرضه وضره قد غضب على زوجته في بعض الامور. فحلف لان اتاه الله ليضربنها مئة جلدة. فلما شفاه الله وكانت امرأته صالحة محسنة اليه. رحمها الله ورحمه. فافتاه ان يضربها فيه مائة شمراخ ضربة واحدة فيبر في يمينه انا وجدناه اي ايوب صابرا. اي ابتليناه بالضر العظيم. فصبر لوجه الله تعالى نعم العبد الذي كمل مراتب العبودية في حال السراء والضراء والشدة والرخاء اي كثير الرجوع الى الله في مطالبه الدينية والدنيوية. كثير الذكر لربه والدعاء والمحبة والتأله واسحاق ويعقوب اولي الايدي يقول تعالى واذكر عبادنا الذين اخلصوا لنا ان العبادة ذكرا حسنا. ابراهيم الخليل وابنه اسحاق. وابن ابنه يعقوب اولي الايدي. اي القوة على عبادة الله تعالى والابصار اي البصيرة في دين الله فوصفهم بالعلم النافع والعمل الصالح الكثير انا اخلصناهم بخالصة عظيمة وخصيصة جسيمة. وهي ذكرى الدار. جعلنا ذكر الدار الاخرة في قلوبهم والعمل لها صفوة وقتهم والاخلاص والمراقبة لله وصفهم الدائم. وجعلناهم ذكرى الدار. يتذكر باحوالهم متذكر ويعتبر بهم المعتبر ويذكرون باحسن الذكر وانهم عندنا لمن المصطفين. الذين اصطفاهم الله من صفوة خلقه الاخيار الذين لهم كل خلق كريم. وعمل مستقيم واذكر اسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الاخيار. اي واذكر هؤلاء الانبياء في احسن الذكر واثني عليهم احسن الثناء. فان كلا منهم من الاخيار الذين اختارهم الله من الخلق. واختار لهم اكمل الاحوال من الاعمال الاخلاق والصفات الحميدة والخصال السديدة. هذا اي ذكر هؤلاء الانبياء الصفوة وذكر اوصافهم. ذكر في هذا القرآن ذي الذكر. يتذكر باحوالهم المتذكرون. ويشتاق الى الاقتدار باوصافهم الحميدة المقتدون. ويعرف ما من الله به عليهم من الاوصاف الزكية. وما نشر لهم من الثناء بين البرية. فهذا نوع من انواع الذكر وهو ذكر اهل الخير. ومن انواع الذكر. ذكر جزاء اهل الخير واهل الشر. ولهذا قال ان للمتقين لحسن مآبه. اي وان للمتقين ربهم بامتثال الاوامر واجتناب النواهي من كل مؤمن مؤمنة اي لمآبا حسنا ومرجعا مستحسنا ثم فسره وفصله فقال جنات عدن اي جنات اقامة لا يبغي صاحبها بدلا منها من مالها وتمام نعيمها. وليسوا بخارجين منها ولا بمخرجين. مفتحة لهم الابواب. اي مفتحة لاجلهم ابواب منازلها ومساكنها. لا يحتاجون ان يفتحوها هم. بل هم مخدومون. وهذا دليل ايضا على الامان التام. وانه ليس في جنات عدن ما يوجب ان تغلق لاجله ابوابها طاب متكئين فيها على الارائك المزينات والمجالس المزخرفات يدعون فيها اي يأمرون خدامهم ان يأتوا من كل ما تشتهيه نفوسهم وتلذه اعينهم وهذا يدل على كمال للنعيم وكمال الراحة والطمأنينة وتمام اللذة وعندهم من ازواجهم الحور العين قاصرات طرفهن على ازواجهن وطرف ازواجهن عليهن. لجمالهم كلهم محبة كل منهما للاخر وعدم طموحه لغيره. وانه لا يبغي بصاحبه بدلا ولا عنه عوضا اي على سن واحد اعدل سن الشباب واحسنه والذه هذا ما توعدون ايها المتقون ليوم الحساب جزاء على اعمالكم الصالحة ان هذا لرزقنا الذي اوردناه على اهل دار النعيم اي انقطاع بل هو دائم مستمر في جميع الاوقات. متزايد في جميع الانات. وليس هذا بعظيم على الرب الكريم. الرؤوف الرحيم البر الجواد الواسع الغني الحميد اللطيف الرحمن الملك الديان الجليل الجليل المنان ذي الفضل الباهر والكرم المتواتر الذي لا تحصى نعمه. ولا يحاط ببعض بره هذا الجزاء للمتقين ما وصفناه. وان للطاغين اي المتجاوزين للحد في الكفر والمعاصي اي لشر مرجع ومنقلب. ثم فصله فقال جهنم التي جمع فيها كل عذاب واشتد حرها وانتهى قرها. يصلونها اي يعذبون فيها عذابا يحيط بهم من كل وجه لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل. فبئس المهاد المعد لهم مسكنا ومستقرا. هذا فليذوقوه حميم هذا المهاد هذا العذاب الشديد والخزي والفضيحة والنكال فليذوقوه حميم ماء حار قد اشتد حره يشربونه فيقطعوا وهو اكره ما يكون من الشراب من قيح وصديد مر المذاق كريه الرائحة واخر من شكله اي من نوعه ازواج اي عدة اصناف من اصناف العذاب يعذبون بها ويخزون بها. وعند تواردهم على النار يشتم بعضهم بعضا. ويقول بعضهم لبعض ثم اقتحموا معكم لا مرحبا بهم انهم صانوا النار. هذا فوج مقتحم معكم النار يا مرحبا بهم انهم صانوا النار. قالوا اي الفوج المقبل المقتحم لا مرحبا بكم انتم قدمتموه لنا فبكى القرار. انتم قدمتموه اي العذاب لنا بدعوتكم لنا وفتنتكم واضلالكم وتسببكم. فبئس القرار. قرار الجميع قرار السوء والشر ثم دعوا على المغوين لهم. قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذاب وقال في الاية الاخرى قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون. وقالوا ما لنا لا وقالوا وهم في النار رجالا كنا نعدهم من الاشرار. اي كنا نزعم انه من الاشرار المستحقين بالنار وهم المؤمنون. تفقدهم اهل النار قبحهم الله. هل يرونهم في النار؟ اتخذناهم سخريا امس زاغت عنهم الابصار. اي عدم رؤيتنا لهم دائر بين امرين. اما اننا غالطون في عدنا اياهم من الاشرار. بل هم من الاخيار وانما كلامنا لهم من باب السخرية والاستهزاء بهم. وهذا هو الواقع. كما قال تعالى لاهل النار انه كان فريق من عبادي يقولون ربنا امنا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الراحمين. فاتخذتموهم سخريا حتى انسوكم ذكري. وكنتم من هم تضحكون والامر الثاني انهم لعلهم زاغت ابصارنا عن رؤيتهم معنا في العذاب والا فهم معنا معذبون ولكن تجاوزتهم ابصارنا فيحتمل ان هذا الذي في قلوبهم فتكون العقائد التي اعتقدوها في الدنيا وكثرة ما حكموا لاهل الايمان بالنار تمكنت من قلوبهم وصارت صبغة لها فدخلوا النار وهم بهذه الحالة فقالوا ما قالوا. ويحتمل ان كلامهم هذا كلام تمويه كما موهوا في الدنيا موهوا حتى في النار. ولهذا يقول اهل الاعراف لاهل النار اهؤلاء الذين اقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون. قال الله تعالى مؤكدا ما اخبر به وهو اصدق القائلين ان ذلك الذي ذكرت لكم ما فيه شك ولا مرية تخاصم اهل النار الله الواحد القهار. قل يا ايها الرسول لهؤلاء المكذبين ان طلبوا منك ما ليس لك ولا بيدك هذا نهاية ما عندي. واما الامر فلله تعالى. ولكني امركم وانهاكم. واحثكم على الخير وازجره عن الشر فمن اهتدى فلنفسه ومن ظل فعليها وما من اله الا الله. اي ما احد يؤله ويعبد بحق الا الله هذا تقرير لالوهيته بهذا البرهان القاطع. وهو وحدته قال وقهره لكل شيء. فان القهر ملازم للوحدة. فلا يكون قهارين متساويين في قهرهما ابدا. فالذي يقهر جميع الاشياء هو الواحد الذي لا نظير له وهو الذي يستحق ان يعبد وحده كما كان قاهرا وحده. وقرر ذلك ايضا بتوحيد الربوبية فقال رب السماوات والارض وما بينهما العزيز الغفار. رب السماوات والارض وما بينهما اي خالق وهما ومربيهما ومدبرها بجميع انواع التدبير. العزيز الذي له القوة التي بها خلق المخلوقات العظيمة. الغفار لجميع الذنوب صغيرها وكبيرها. لمن تاب اليه واقلع منها. فهذا الذي يحب ويستحق ان يعبد. دون من لا يخلق ولا يرزق ولا يضر ولا ينفع ولا يملك من الامر شيئا وليس له قوة الاقتدار ولا بيده مغفرة الذنوب والاوزار قل لهم مخوفا ومحذرا ومنهضا لهم ومنذرا اي ما انبأتكم به من البعث والنشور والجزاء على الاعمال. خبر عظيم ينبغي الاهتمام الشديد بشأنه ولا ينبغي اغفاله. ولكنه ليس امامكم حساب ولا عقاب ولا ثواب ان شككتم في قولي وامتريتم في خبري فاني اخبركم باخبار لا علم لي بها ولا درستها في كتاب. فاخباري بها على وجهها من غير زيادة ولا نقص اكبر شاهد لصدق وادل دليل على حق ما جئتكم به. ولهذا قال في الملأ الاعلى اذ يختصمون. ما كان لي من علم بالملأ الاعلى اي الملائكة. اذ يختصمون. لو اولى تعليم الله اياي وايحاؤه الي ولهذا قال اي ظاهر النذارة جليها. فلا نذير ابلغ من نذارته صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر اختصام الملأ الاعلى فقال اذ قال ربك للملائكة اني خالق بشرا من طين. اذ قال ربك للملائكة على وجه الاخبار اي مادته من طين فاذا سويته اي سويت جسمه وتم فوطن الملائكة الكرام انفسهم على ذلك. حين يتم خلقه ونفخ الروح فيه. امتثالا لربهم واكراما ادم عليه السلام فلما تم خلقه في بدنه وروحه وامتحن الله ادم والملائكة في العلم وظهر فضله عليهم امرهم الله وبالسجود فسجدوا كلهم اجمعون الا ابليس لم يسجد. استكبر عن امر ربه واستكبر على ادم في علم الله تعالى قال الله موبخا ومعاتبا يدي استكبرت ان كنت من العاليم. ما منعك ان تسجد لما خلقت بيديك. اي شرفته وكرمته واختصرته قصصته بهذه الخصيصة التي اختص بها عن سائر الخلق وذلك يقتضي عدم التكبر عليه. استكبرت في امتناعك من العاليين. قال ابليس معارضا لربه ومناقضا وبزعمه ان عنصر النار خير من عنصر الطين. وهذا من القياس الفاسد. فان عنصر النار الشر والفساد والعلو والطيش والخفة. وعنصر الطين مادة الرزانة والتواضع. واخراج انواع الاشجار والنباتات. وهو النار ويطفئها والنار تحتاج الى مادة تقوم بها. والطين قائم بنفسه. فهذا قياس شيخ القوم الذي عارض به الامر الشفائي فهيا من الله وقد تبين غاية بطلانه وفساده. فما بالك باقيسة التلاميذ الذين عارضوا الحق باقيستهم؟ فانها كلها اعظم بطلانا وفسادا من هذا القياس. قال الله. فاخرج منها اي من السماء الكريم اي مبعد مدحور. وان عليك لعنتي اي طردي وابعادي. اي دائما ابدأ لشدة عداوته لادم وذريته ليتمكن من اغواء من قدر الله ان يغويه قال الله مجيبا لدعوته حيث اقتضت حكمته ذلك حين تستكمل الذرية يتم الامتحان. فلما علم انه منظر بادى ربه من خبثه بشدة العداوة لربه ولادم وذريته. فقال يحتمل ان الباء للقسم وانه اقسم بعزة الله ليغوينهم كلهم اجمعين. علم ان الله سيحفظهم من كيده. ويحتمل ان الباء للاستعانة انه لما علم انه عاجز من كل وجه. وانه لا يضل احدا الا بمشيئة الله تعالى. فاستعان بعزة الله على اغواء ذرية ادم هذا وهو عدو الله حقا. ونحن يا ربنا العاجزون المقصرون. المقرون لك بكل نعمة. ذرية من شرفته وكرمته. فنستعد اعينوا بعزتك العظيمة وقدرتك. ورحمتك الواسعة لكل مخلوق. ورحمتك التي اوصلت الينا بها ما اوصلت من النعم الدينية والدنيوية وصرفت بها عنا ما صرفت من النقم. ان تعيننا على محاربته وعداوته. والسلامة من شره وشركه. ونحسن الظن بك ان تجيب دعائنا ونؤمن بوعدك الذي قلت لنا وقال ربكم ادعوني استجب لكم. فقد دعوناك كما امرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا انك لا تخلف الميعاد. قال الله تعالى فالحق والحق اقول اي الحق وصفي والحق قولي لما بين الرسول للناس الدليل ووضح لهم السبيل. قال الله له قل ما اسألكم عليه اي على دعائي اياكم. ادعي امر ليس لي واقف ما ليس لي به علم. لا اتبع الا ما يوحى الي ان هو اي هذا الوحي والقرآن يتذكرون به كل ما ينفعهم من مصالح دينهم ودنياهم فيكون شرف ورفعة للعاملين به واقامة حجة على المعاندين. فهذه السورة العظيمة مشتملة على الذكر الحكيم. والنبأ العظيم قامت الحجج والبراهين على من كذب بالقرآن وعارضه وكذب من جاء به. والاخبار عن عباد الله المخلصين. وجزاء المتقين فلهذا اقسم في اولها بانه ذو الذكر. ووصفه في اخرها بانه ذكر للعالمين. واكثر التذكير بها فيما بين ذلك كقوله واذكر عبدنا واذكر عبادنا رحمة من عندنا وذكرى هذا ذكر. اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا فمنه ما نسينا نسيان غفلة ونسيان ترك. ولتعلمن اي خبر وذلك حين يقع عليهم العذاب وتتقطع عنهم الاسباب