صاحب عن صاحبه وكل محب عن حبيبه ما سعى في الدنيا من خير وشر فيتمنى زيادة مثقال ذرة في حسناته. ويغمه ويحزن لزيادة مثقال ذرة في سيئاته. ويعلم اذ ذاك المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. والنازعات غربا والناشطات نشطا السابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات امرا. هذه الاقسامات بالملائكة الكرام وافعالهم الدالة على كمال انقيادهم لامر الله. واسراعهم في تنفيذ امره. يحتمل ان المقسم عليه الجزاء والبعث. بدليل للاتيان باحوال القيامة بعد ذلك. ويحتمل ان المقسم عليه والمقسم به متحدان. وانه اقسم على الملائكة. لان الايمان بهم احد اركان الايمان الستة. ولان في ذكر افعالهم هنا ما يتضمن الجزاء الذي تتولاه الملائكة عند الموت وقبله وبعده. فقال قال والنازعات غرقا وهم الملائكة التي تنزع الارواح بقوة وتغرق في نزعها حتى تخرج الروح فتجازى والناشطات نشطا وهم الملائكة ايضا تجتذب الارواح بقوة ونشاط. او ان النزع يكون لارواح المؤمنين والنشط لارواح الكفار والسابحات اي المترددات في الهواء صعودا ونزولا سبحا. فالسابقات لغيرها يبقى فتبادر لامر الله وتسبق الشياطين في ايصال الوحي الى رسول الله حتى لا تسترقه. فالمدبرات امر الملائكة الذين وكلهم الله ان يدبروا كثيرا من امور العالم العلوي والسفلي. من الامطار والنبات والاشجار والرياح والبحار. والاجنة والحيوانات والجنة والنار وغير ذلك يوم ترجف الراجفة وهي قيام الساعة تتبعها اي الرجفة الاخرى التي تردفها وتأتي تلوها ابصارها خاشعة. قلوب يومئذ واجفة. اي موجفة ومنزعجة. من شدة ما ترى وتسمع خاشعة اي ذليلة حقيرة. قد ملك قلوبهم الخوف واذهل افئدتهم الفزع. وغلب عليهم التأسف واستولت عليهم الحسرة يقولون اي الكفار في الدنيا على وجه التكذيب اي بالية فتاتا اي استبعدوا ان يبعثهم الله ويعيدهم بعدما كانوا عظاما نخرة. جهلا منهم بقدرة الله وتجرد عليه. قال الله في بيان سهولة هذا الامر عليه فانما هي زجرة واحدة ينفخ فيها في الصور. فاذا الخلائق كلهم بالساهرة اي على وجه الارض. قيل يا من ينظرون فيجمعهم الله ويقضي بينهم بحكمه العدل ويجازيهم. يقول الله الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم هل اتاك حديث موسى وهذا الاستفهام عن امر عظيم متحقق وقوعه اي هل اتاك حديثه اذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى. وهو المحل الذي الله فيه وامتن عليه بالرسالة واختصه بالوحي والاجتباء. فقال له اي فنهاه عن طغيانه وشركه وعصيانه. بقول لين وخطاب لطيف لعله يتذكر او يخشى فقل هل لك الى ان تزكى واهديك الى ربك فتخشى؟ فقل له هل لك الى ان تزكى اي هل لك في خصلة حميدة ومحمدة جميلة يتنافس فيها اولو الالباب وهي ان تزكي نفسك وتطهرها من دنس الكفر والطغيان الى الايمان والعمل الصالح. واهديك الى ربك اي ادلك عليه وابين لك مواقع رضاه من مواقع سخطه. فتخشى الله اذا علمت الصراط المستقيم فامتنع فرعون مما دعاه اليه موسى فاراه الاية الكبرى اي جنس الاية الكبرى. فلا ينافي تعددها. فالقى فاذا هي ثعبان مبين ونزع يده فاذا هي بيضاء للناظرين فكذب بالحق وعصى الامر. اي يجتهد في مبارزة الحق ومحاربته فحشر جنوده اي جمعهم فنادى فقال لهم انا ربكم الاعلى فاذعنوا له واقروا بباطله حين استخف فهم فاخذه الله نكال الاخرة اي صارت عقوبته دليلا وزاجرا ومبينا لعقوبة الدنيا والاخرة. فان من يخشى الله هو الذي ينتفع بالايات والعبر. فاذا رأى عقوبة فرعون عرف ان كل من تكبر وعصى وبارز الملك الاعلى له في الدنيا والاخرة. واما من ترحلت خشية الله من قلبه فلو جاءته كل اية لم يؤمن بها بناها. يقول تعالى مبينا دليلا واضحا لمنكري البعث. ومستبعدي الله للاجساد اانتم ايها البشر اشد خلقا ام السماء؟ ذات الجرم العظيم والخلق القوي والارتفاع الباهر بناها بناها الله. رفع سمكها اي جرمها وصورتها. فسواها احكام واتقان يحير العقول ويذهل الالباب. واغطش ليلها اي اظلم فعمت الظلمة جميع ارجاء السماء. فاظلم وجه الارض. اي اظهر فيه النور العظيم حين اتى بالشمس فامتد الناس في مصالح دينهم ودنياهم. والارض بعد ذلك دحاها. والارض بعد كذلك اي بعد خلق السماء دحاها اي اودع فيها منافعها. وفسر ذلك بقوله اي ثبتها في الارض فدحي الارض بعد السماء كما هو نص هذه الايات الكريمة. واما خلق نفس الارض فمتقدم على خلق السماء. كما قال تعالى قل ائن انكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين. الى ان قال ثم استوى الى السماء وهي دخان. فقال لها وللارض ائتيا طوعا او قالتا اتينا طائعين فالذي خلق السماوات العظام وما فيها من الانوار والاجرام والارض الكثيفة الغبراء فيها من ضروريات الخلق ومنافعهم لا بد ان يبعث الخلق المكلفين فيجازيهم على اعمالهم. فمن احسن فله الحسنى ومن اساء فلا يلومن الا نفسه. ولهذا ذكر بعد هذا قيام الساعة ثم الجزاء. فقال آآ اي اذا جاءت القيامة الكبرى والشدة العظمى التي يهون عندها كل شدة. فحينئذ يذهل الوالد عن ولده ان مادة ربحه وخسرانه ما سعاه في الدنيا وينقطع كل سبب ووصلة كانت في الدنيا سوى الاعمال اي جعلت في البراز ظاهرة لكل احد. قد برزت لاهلها واستعدت لاخذهم منتظرة لامر ربها فاما من طغى اي جاوز الحد بان تجرأ على المعاصي الكبار ولم يقتصر على ما حده الله واثر الحياة الدنيا على الاخرة. فصار سعيه لها ووقته مستغرقا في حظوظها وشهواتها. ونسي الاخرة وترك العمل لها. فان الجحيم هي المأوى له. اي المقر والمسكن لمن هذه حال هي المأوى. اي خاف القيام عليه ومجازاته بالعدل. فاثر هذا الخوف في قلبه فنهى نفسه عن هواها الذي سيدها عن طاعة الله. وصار هواه تبعا لما جاء به الرسول. وجاهد الهوى والشهوة الصادين عن الخير فان الجنة المشتملة على كل خير وسرور ونعيم. هي المأوى لمن هذا وصفه يسألونك عن الساعة ان يسألك المتعنتون المكذبون بالبعث عن الساعة متى وقع وايانا مرساها فاجابهم الله بقوله اي ما الفائدة لك ولهم في ذكرها ومعرفة وقت مجيئها؟ فليس تحت ذلك نتيجة. ولهذا لما كان علم العباد للساعة ليس لهم فيه مصلحة دينية ولا دنيوية. بل المصلحة في خفائه عليهم. طواع المذلك عن جميع الخلق. واستأثر بعلمه. فقال اي اليه ينتهي علمها. كما قال في الاية الاخرى يسألونك عن الساعة ايان مرساها. قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو. ثقلت في السماوات والارض لا تأتيكم الا بغتة. يسألونك كانك كحفي عنها قل انما علمها عند الله. ولكن اكثر الناس لا يعلمون اي انما نذارتك نفعها لمن يخشى مجيء الساعة. ويخاف الوقوف بين يديه. فهم الذين لا يهمهم سوى الاستعداد لها والعمل لاجلها. واما من لا يؤمن بها فلا يبالي به ولا بتعنته. لانه تعنت مبني على العناد والتكذيب. واذا توصل الى هذه الحال كانت الاجابة عنه عبثا. ينزه الحكيم عنه. والحمد لله رب العالمين