اثيم اي كثير الاثم. فهذا الذي يحمله عدوانه على التكذيب. ويوجب له كبره رد الحق. ولهذا عليه اياتنا قال اساطير الاولين. اذا تتلى عليه اياتنا الدالة على الحق. وعلى صدق ما جاءت به ورموهم بالضلال. ضحك المؤمنون منهم في الاخرة. ورأوهم في العذاب والنكال. الذي هو عقوبة الغي والضلال. نعم ما كانوا يفعلون. عدلا من الله وحكمة. والله عليم حكيم المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. ويل كلمة عذاب ووعيد للمطففين وفسر الله المطففين بقوله اي خذوا منهم وفاء عما ثبت لهم قبله. يستوفونه كاملا من غير نقص اي اذا اعطوا الناس حقهم الذي للناس عليهم بكيل او وزن يخسرون اي ينقصونهم ذلك اما بمكيال وميزان او بعدم ملء المكيال والميزان او نحو ذلك فهذا سرقة لاموال الناس وعدم انصاف لهم منهم. واذا كان هذا الوعيد على الذين يبخسون الناس بالمكيال والميزان. فالذي يأخذ اموالهم قهرا او سرقة. اولى بهذا الوعيد من المطففين. ودلت الاية الكريمة على ان الانسان كما يأخذ من الناس الذي له يجب عليه ان يعطيهم كل ما لهم من الاموال والمعاملات بل يدخل في عموم هذا الحجج والمقالات فانه كما ان المتناظرين قد جرت العادة ان كل واحد منهما يحرص على ما له من الحجج فيجب عليه ايضا ان يبين ما لخصمه من الحجج التي لا يعلمها. وان ينظر في ادلة خصمه كما ينظر في ادلته هو. وفي هذا الموضع يعرف ضعف الانسان من تعصبه واعتسافه وتواضعه من كبره وعقله من سفهه. نسأل الله التوفيق لكل خير. ثم توعد المطففين وتعجب من حالهم واقامتهم على ما هم عليه. فقال فالذي جرأهم على التطفيف عدم ايمانهم باليوم الاخر. والا فلو امنوا به وعرفوا انهم يقومون بين يدي الله يحاسبهم على القليل والكثير. لا اقلعوا عن ذلك وتابوا منه. يقول تعالى وهذا شامل لكل من انواع الكفرة والمنافقين والفاسقين. ثم فسر ذلك بقوله اي كتاب مذكور فيه اعمالهم الخبيثة. والسجين المحل الضيق الضنك وسجين ضد عليين الذي هو محل كتاب الابرار كما سيأتي وقد قيل ان السجين واسفل الارض السابعة مأوى تجار ومستقرهم في معادهم. ثم بين المكذبين بانهم الذين يكذبون بيوم الدين. اي يوم الجزاء يوم يدين الله فيه الناس باعمالهم وما يكذب به الا كل معتد على محارم الله. متعد من الحلال الى الحرام فيه رسله كذبها وعاندها. اي من ترهات المتقدمين واخبار الامم ليس من عند الله تكبرا وعنادا كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. واما من انصف وكان مقصوده الحق المبين فانه لا يكذب بيوم الدين. لان الله قد اقام عليه من الادلة القاطعة. والبراهين الساطعة ما يجعله حق اليقين. وصار لقلوبهم مثل الشمس للابصار بخلاف من ران على قلبه كسبه وغطته معاصيه. فانه محجوب عن الحق. ولهذا جوزي على ذلك بان حجب عن الله كما حجب قلبه في الدنيا عن ايات الله. ثم انهم مع هذه العقوبة البليغة نصال الجحيم. ثم يقال لهم توبيخا وتقريعا فذكر لهم ثلاثة انواع من العذاب عذاب الجحيم وعذاب التوبيخ واللوم وعذاب الحجاب من رب العالمين. المتضمنة لسخطه وغضبه عليهم. وهو اعظم عليهم من عذاب النار. ودل مفهوم الاية على ان المؤمنين يلقون ربهم يوم القيامة وفي الجنة ويتلذذون بالنظر اليه. اعظم من سائر اللذات ويبتهجون بخطابه ويفرحون بقربه ما ذكر الله ذلك في عدة ايات من القرآن. وتواتر فيه النقل عن رسول الله وفي هذه الايات التحذير من الذنوب. فانها ترين على القلب وتغطيه شيئا فشيئا حتى ينطمس نوره وتموت بصيرته فتنقلب عليه الحقائق فيرى الباطل حقا والحق باطلا وهذا من بعض عقوبات الذنوب كتاب مركون يشهده المقربون لما ذكر ان كتاب الفجار في اسفل الامكنة واضيقها ذكر ان كتاب الابرار في اعلاها واوسعها وافسحها وان المرقوم من الملائكة الكرام وارواح الانبياء والصديقين والشهداء وينوه الله بذكرهم في الملأ الاعلى. وعليون اسم لاعلى الجنة. فلما ذكر كتابهم ذكر انهم في نعيم. وهو اسم جامع لنعيم القلب والروح والبدن على الارائك اي على السرر المزينة بالفرش الحسان. ينظرون الى ما اعد الله لهم من النعيم وينظرون الى وجه ربهم الكريم. تعرف ايها الناظر اليهم في وجوههن نظرة النعيم اي بهاء النعيم ونضارته ورونقه. فان التوالي اللذة والسرور يكسر الوجه نورا وحسنا وبهجة. يسقون من رحيق وهو من اطيب ما يكون من تشربة والذها مختوم ذلك الشراب ختامه مسك يحتمل ان المراد مختوم عن ان يداخله شيء ينقص لذته او يفسد طعمه وذلك الختام الذي ختم به مسك ويحتمل ان المراد انه الذي يكون في اخر الاناء الذي يشربون منه الرحيق حثالة وهي المسك الاظفر فهذا الكدر منه الذي جرت العادة في الدنيا انه يراق يكون في الجنة بهذه المثابة تنافسون. وفي ذلك النعيم المقيم الذي لا يعلم مقداره وحسنه الا الله ان يتسابقوا في المبادرة اليه والاعمال الموصلة اليه. فهذا اولى ما بذلت فيه نفائس الانفاس. واحرى ما زاحمت للوصول اليه فحول الرجال ومزاج هذا الشراب من تسنيم وهي عين يشرب بها المقربون صرفا وهي اعلى اشربة الجنة على الاطلاق. فلذلك كانت خالصة الذين هم اعلى الخلق منزلة وممزوجة لاصحاب اليمين. اي مخلوطة بالرحيق وغيره من الاشربة اللذيذة لما ذكر تعالى جزاء المجرمين وجزاء المؤمنين. وذكر ما بينهما من التفاوت العظيم. اخبر ان المجرمين كانوا في الدنيا يسخرون ويستهزئون بهم ويضحكون منهم ويتغامزون بهم عند مرورهم عليهم احتقارا لهم وازدراء. ومع هذا تراهم مطمئنين لا يخطر الخوف على بالهم واذا انقلبوا الى اهلهم صباحا او مساء انقلبوا فكيهين. اي مسرورين مغتبطين. وهذا من اعظم ما يكون من الاغترار انهم جمعوا غاية الاساءة والامن في الدنيا حتى كأنهم قد جاءهم كتاب من الله وعهد انهم من اهل السعادة وقد حكموا انفسهم انهم اهل الهدى وان المؤمنين ضالون. افتراء على الله وتجرأ على القول عليه بلا علم. قال تعالى وما ارسلوا عليهم حافظين اي وما ارسلوا وكلاء على المؤمنين ملزمين بحفظ اعمالهم حتى يحرصوا على رميهم بالضلال. وما هذا منهم الا تعنت وعناد وتلاعب. ليس له مستند ولا برهان. ولهذا كان جزاؤهم في الاخرة من جنس عملهم قال تعالى فاليوم اي يوم القيامة الذين امنوا من الكفار يضحكون. حين يرونهم في غمرات العذاب يتقلبون. وقد ذهب عنهم ما كانوا يفترون والمؤمنون في غاية الراحة والطمأنينة على الارائك وهي السرر المزينة. ينظرون الى ما اعد الله لهم من النعيم. وينظرون الى وجه ربهم الكريم اذا الكفار ما كانوا يفعلون. اي هل جزوا من جنس عملهم؟ فكما ضحكوا في الدنيا من المؤمنين