انه ذهب خبثه وكدره وبقي صافيا صالحا للنمو. واستمر على الدوام كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله صدقة من مال بل تزيده. قال تعالى وما انفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين. فتزكي المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه. ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. وصلى الله على محمد وعلى اله واصحابه وسلم تسليما كثيرا اما بعد فهذا تأليف بديع المنزع سهل الالفاظ والمعاني حسن الترتيب يحتوي على مهمات مسائل الاحكام. رتبته بصورة السؤال المحرر الجامع والجواب المفصل النافع يحتوي على اصول وضوابط وتقسيمات تقرب اشتات المسائل وتضم النظائر والفواكه كثير من هذه الاجوبة يتناول ابوابا من الفقه عديدة واصولا تنبني عليها احكام مفيدة. وتعرف القارئ من اي قاعدة اخذت وعلى اي اساس اثبتت وتوضح التعليلات والحكم ولعل هذه الامور اكثر فائدة مما في الاجوبة من التفصيلات الفقهية لعموم نفعها وحسن موقعها عند ذكر الاحكام اذكر المشهور من مذهب الامام احمد عند متأخري الاصحاب. فان كان فيه قول اخر اصح منه ذكرته وصححته واشرت اشارة لطيفة الى دليل كل من القولين ومأخذهما. اذ المقام لا يقتضي البسط واستطرد في الجواب ذكر الاشباه والنظائر لتحصل الفائدة الكثيرة والانس بكثرة ما يدخل في الاصل والضابط. واذكر ايضا الفوارق بين المسائل التي يكثر انتباهها ليحصل التمييز بينها. واسأل الله تعالى ان يكون الداعي له ارادة وجهه وثوابه. وقصد النفع لعباده. وان يكون موافقا محبته ورضاه وان يسهل تتميم ما انعم في ابتدائه. انه جواد كريم. اسئلة في الطهارة. السؤال الاول ما حكم المال المتغير. الجواب وبالله التوفيق. ومنه استمد الهداية والاصابة. يدخل تحت هذا السؤال انواع كثيرة. وافراد متعددة. لكنها تنضبط بامور. اما الماء الذي تغير لونه او طعمه او ريحه بالنجاسة فهو نجس بالاجماع قليلا كان او كثيرا. واما الماء الذي تغير بمكثه وطول اقامته في مقره او تغير بمروره على الطاهرات او بما يشق صونه عنه وبما هو من الارض كطيب بها وترابها فهذا طهور لا كراهة فيه قولا واحدا. واما الماء الذي تغير بما لا يمازجه كدهن ونحوه فهو مكروه على مذهب غير مكروه على القول الصحيح. لان الكراهة حكم شرعي يحتاج الى دليل. ولا دليل على الكراهة. والاصل في المياه الطهورية وعدم المنع فمن ادعى خلاف الاصل فعليه الدليل. واما الماء المتغير لونه او ريحه او طعمه بالطاهرات كالزعفران ونحوه اذا كان التغير يسيرة فهو طهور قولا واحدا. وكذلك اذا كان التغير في محل التطهير. فهذا او نحوه لا بأس به. وان كان المتغير بالطاهرات تغير كثيرة فهو طاهر غير مطهر على المشهور من المذهب وعلى القول الصحيح هو طهور لانه ماء فيدخل في قوله تعالى فلم تجدوا ماء ولعدم الدليل الدال على انتقاله عن الطهورية فبقي على الاصل. وذلك ان العلماء رحمهم الله اتفقوا على نوعين من انواع انواع المياه واختلفوا في النوع الثالث اتفقوا على ان كل ماء تغير بالنجاسة فهو نجس. كما اتفقوا على ان الاصل في المياه كلها النازلة من السماء والنابعة من الارض والجارية والراكدة انها طاهرة مطهرة. واختلفوا في بعض المياه المتغيرة بالاشياء الطاهرة او التي رفع بها حدث ونحوها هل هي باقية على طهوريتها؟ واننا نستصحب فيها الاصل كما هو الصحيح بادلة كثيرة ليس هذا موضعها او انها صارت في مرتبة متوسطة بين الطهور والنجس فصارت طاهرة غير مطهرة. والاستدلال بهذا القول ضعيف جدا فان اثبات قسم من المياه لا طهور ولا نجس. مما تعم به البلوى وتشتد الحاجة والضرورة الى بيانه. فلو كان ثابتا لبينه الشارع وبيانا صحيحا قاطعا للنزاع. فعلم ان الصواب المقطوع به ان الماء قسمان طهور ونجس. السؤال الثاني ما حكم الماء المستعمل الجواب يدخل تحت هذا انواع متعددة مستعمل في ازالة النجاسة ومستعمل في رفع الحدث ومستعمل في طهارة مشروعة مستعمل في نظافة ومستعمل في رفع حدث انثى ومستعمل في غمس يد النائم. اما المستعمل في ازالة النجاسة فان كان متغيرا فهو نجس وان لم يتغير وهو كثير فهو طهور قولا واحدا. وان كان قليلا والنجاسة لم تزل عن المحل او قبل السابعة فهو نج على المذهب وعلى الصحيح طهور لعدم تغيره بالنجاسة. وان كان اخر غسلة زالت بها النجاسة فهو طاهر على المذهب غير مطهر وهو طهور على القول الصحيح من باب اولى مما قبلها. واما المستعمل في رفع الحدث فان كان يغترف خارج الاناء فالباقي في الاناء طهور قليلا كان او كثيرا قولا واحدا. وان كان يستعمله وهو في موضعه بان كان يغتسل او يتوضأ في نفس الماء. فان كان الماء كثيرا فالماء طهور قولا واحدا. وان كان يسيرا صار طاهرا غير مطهر على المذهب وهو طهور على القول الصحيح لعدم الدليل الناقل له عن اصله وان كان مستعملا في طهارة غير مشروعة فهو طهور لا كراهة فيه قولا واحدا. وان كان مستعملا في حدث انثى وهو كثير فهو لا منع فيه مطلقا قولا واحدا. وان كان يسيرا ولم تخلو به فلا منع ايضا. وان خلت به فلا منع في طهارة النجاسة ولا في المرأة قولا واحدا وانما يمنع منه الرجل في طهارة الحدث على المذهب مع بقائه على طهوريته. وعند عدم غيره يجمع بين استعماله والتيمم احتياطا. واما الصحيح فلا مانع فيه مطلقا. لقوله صلى الله عليه وسلم ان الماء لا يجنب. وما استدل به على المنع ضعيف لا يدل على المنع. واما المستعمل في غمس يد النائم فان كان نهارا او نوما لا ينقض الوضوء فلا يضر مطلقا. وان كان نوما كثيرا الليل وغمسها كلها فان كان الماء كثيرا لم يضر قولا واحدا. وان كان دون القلتين صار طاهرا غير مطهر على المذهب. ولكن عند الفرار اليه يستعمل مع التيمم. وعلى القول الصحيح في المذهب يبقى على طهوريته لعدم الدليل على زوال طهوريته. والحديث انما يدل على الامر بغسلهما قبل ادخالهما الاناء. للعلة التي علل بها في الحديث فان احدكم لا يدري اين باتت يده. السؤال الثالث اذا كان الماء نجسا متى يطهر؟ الجواب اما على القول الصحيح وهو رواية عن احمد فمتى زال تغير الماء على اي وجه كان بنزح او اضافة ماء اليه او بزوال تغيره بنفسه او بمعالجته طهر بذلك. وسواء كان قليلا او كثيرا. لان الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. ولا علة للتنجيس على التحقيق الا التغير بالنجاسة. فما دام التغير موجودا فنجاستك هو محكوم بها ومتى زال التغير طهر. واما على المذهب فلا يخلو الماء اما ان يكون اقل من قلتين او يكون قلتين فقط او يكون اكثر منهما. فان كان اقل من قلتين لم يطهر الا باضافة طهور كثير اليه. وان كان قلتين فقد طهر باحد امرين اما باضافة طهور كثير اليه مع زوال التغير. واما بزوال تغيره بنفسه. وان كان اكثر من قلتين طهر باحد ثلاثة اشياء. هذين الامرين او بنزح يبقى بعده كثير غير متغير. الا اذا كان مجتمعا في متن يسير وتطهيره باضافة كثير اليه مع زوال التغير لابد منه في الاحوال كلها. وهل يشترط شيء اخر معه قد ذكرنا تفصيله الجامع السؤال الرابع اذا تطهر بالماء ثم وجده بعد ذلك نجسا او صلى ثم وجد على بدنه او ثوبه نجاسة. ما حكم ذلك؟ الجواب لا يخلو الامر من حالين او ثلاثة. واحد لانه اما ان يعلم ان النجاسة قبل طهارة وصلاته او يعلم انها بعدهما او يجهل الامر. فان علم انها قبل طهارته بسبب من الاسباب الموجبة للعلم ومنه خبر الثقة المتيقن حيث عين السبب اعاد طهارته وغسل ما اصاب النجاسة من بدن او ثوب وكذلك يعيد الصلاة على المذهب وعلى القول الصحيح ان من نسي وصلى في ثوب نجس او على بدنه نجاسة نسيها او جهل ذلك ولم يعلم حتى فرغ صحت صلاته ولا اعادة عليه. لانه صلى الله عليه وسلم خلع نعليه وهو في الصلاة. حيث اخبره جبريل ان فيه بما قذرا وبنى على صلاته ولم يعدها. فاذا بنى عليها في اثنائها فاذا وجدها بعد فراغ الصلاة فالحكم كذلك. ولان من قاعدة الشريعة اذا فعل العبادة وقد فعل محظورا فيها هو معذور فلا اعادة عليه. بخلاف من ترك المأمور فتارك لا تبرأ ذمته الا بفعله. وفاعل المحظور الذي هو معذور لا شيء فيه. وان علم ان ذلك بعد الفراغ من طهارته فهذا واضح لا شيء عليه. لانه توضأ بماء طهور وصلى وليس عليه نجاسة. وانما ذكرنا هذا لاجل التقسيم. واما ان جهل الحال فلم يدري هل هي نجاسة الماء قبل استعماله او بعده او النجاسة قد اصابته قبل الصلاة او بعدها. فطهارته صلاته صحيحتان قولا واحدا لبنائه على الاصل لان الاصل عدم النجاسة. السؤال الخامس اذا اشتبه ماء ممنوع منه بما ليس بممنوع ما حكمه؟ الجواب ان كان المشتبه ماء نجسا بطهور او ماء مباحا بمحرم اجتنب الجميع. وصار وجودهما وعدمهما واحدة. لعدم قدرته على الوصول الى الماء الطهور المباح. ويعدل الى التيمم الا ان تمكن من تطهير الماء النجس بالطهور بان يكون الطهور كثيرا وعنده اناء يسعهما فيخلطهما ويصيران مطهرين. وعلى القول صحيح يبعد جدا اشتباه النجس بالطهور. لانه لا ينجس الماء الا بالتغير. ولكن متى وقع الاشتباه في الصور النادرة فعن الجميع وان كان الاشتباه بين ماء طهور وماء طاهر غير مطهر على المذهب. توضأ منهما وضوءا واحدا من كل واحد منهما غرفة وصحت طهارته. لان الطهور يطهره والطاهر لا يضره. فان احتاج احدهما للشرب تحرى في هذه الحال وتطهر بما غلب على ظنه ثم تيمم احتياطا. وعلى القول الصحيح لا تتصور المسألة لان الصحيح ان الماء اما نجس او طهور كما تقدم. السؤال السادس اذا شككنا في نجاسة شيء او تحريمه. فما الطريق الى السلامة؟ الجواب الطريق الى السلامة الرجوع الى الاصول الشرعية والبناء على الامور اليقينية. فان الاصل في الاشياء الطهارة والاباحة. اما لم يأتنا امر شرعي يقين ينقل عن هذا الاصل والا استمسكنا به. وادلة هذا الاصل من الكتاب والسنة كثيرة. فعلى هذا الاصل اذا شككنا في نجاسة ماء او ثوب او بدن او اناء او غير ذلك فالاصل الطهارة. وكذلك الاصل جواز استعمال الامتعة والاواني واللباس والالات الا ما ورد تحريمه عن الشارع. وما انفع هذا الاصل واكثر فائدته واجل عائدته على اهل العلم. وهو من نعم الله على عباده فادح وتيسيره وعفوه ونفيه الحرج عن هذه الامة. فلله الحمد والثناء. السؤال السابع ما حكم استعمال الذهب والفضة الجواب وبالله التوفيق. يتحرر جوابه بانواع الاستعمالات ودرجاتها. فباب اللباس اخف من باب الانية. واثقل من باب لباس حرب. واما استعمال الذهب والفضة في الاواني ونحوها من الالات فلا يجوز لا للذكور ولا للاناث. لا القليل منه ولا الكثير. للعموم الناهية عنه المتوعدة عليه وعدم المخصص. الا انه يستثنى الشيء القليل من الفضة اذا احتيج اليه. لانه لما انكسر النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. والحديث صحيح. فهذا وما اشبهه من الفضة جائز ما من الذهب واما باب اللباس والعتاد فأبيح ذلك للنساء لحاجتهن الى التزين ولتميز النساء عن الرجال. فجميع انواع الحلي المستعمل للنساء جائز قليله وكثيره. واما الرجل فلم يبح له شيء من ذلك الا خاتم الفضة. وحلية المنطقة من الفضة وكذلك من الذهب والفضة ما دعت اليه حاجته من انف او رباط اسنان ونحوها. واما لباس الحرب فهو اخف من ذلك كله فانه يباح تحلية السيف والرمح والبارود. ونحوها بانواع الذهب والفضة وكذلك الجوشن والخوذة ونحوها. وهذا وتفصيل المذكور في غير الضرورة. اما الضرورة فتبيح الذهب والفضة مطلقا. ما دامت الضرورة موجودة فان الضرورات تبيح محظورات كما اباح الله للمضطر اكل الميتة ونحوها. السؤال الثامن ما حكم اجزاء الميتة؟ الجواب الميتة نوعان ميتة طاهرة كالسمك والجراد وما لا نفس له سائلة والادمي. فهذه اجزاؤها تبع لها طهارة وحلة. والنوع الثاني الميتة النجسة وهي نوعان احدهما ما لا تفيد فيه الذكاة كالكلب والخنزير ونحوهما. فهذه اجزاؤها كلها نجسة ذكرت ام لا؟ والثاني ما تفيد فيه الذكاة كالابل والبقر والغنم والطيور. فهذه اجزائها ثلاثة اقسام. واحد قسم مطلقة كاللحم والشحم والمصران ونحوها. اثنان وقسم طاهر مطلقا. كالشعر والصوف والوبر والريش. ثلاثة قسم فيه خلاف وهو الجلد بعد الدبغ والعظام ونحوها. والمشهور من المذهب بقاؤها على نجاستها. الا ان الجلد بعد الدبغ يخف امره فيستعمل في اليابسات دون الماءات. والصحيح ان الجلد يطهر بالدماغ للاحاديث الصحيحة الصريحة. التي لا معارضة لها. وكذلك الصحيح ان العظام طاهرة. لان العلة في تحريم الميتة الذي هو احتقان الفضلات الخبيثة فيها غير موجودة في العظام والله اعلم. السؤال التاسع ما الاشياء الموجبة للطهارة الشرعية؟ وكيفية ذلك وما يتطهر له؟ الجواب الطهارة نوعان. واحد كبرى توجب غسل البدن كله. والذي يوجبها الجنابة بوطء او انزال او بهما. والحيض والنفاس واسلام الكافر وموت غير الشهيد. فهذه الاشياء كل واحد منها يوجب غسل البدن كله. اثنان والنوع الثاني الطهارة الصغرى والذي يوجبها شيئان. احدهما يوجب الاستنجاء والاستجمار من غسل الاعضاء الاربعة. وهو جميع الخارج من السبيلين من بول وغائط ونحوهما مما له جرم. فهذا اذا حصل اوجب اما الاستجمار بثلاث مسحات منقية احجار ونحوها غير الروث والعظام والاشياء المحترمة. واما الاستنجاء بماء يزيل الخارج حتى يعود المحل كما كان قبل قبل خروج الخارج والجمع بين الامرين اكمل. ويجوز الاقتصار على احدهما. والشيء الثاني يوجب غسل الاعضاء الاربعة فقط. وذلك كالريح والنوم الكثير ومس الفرج باليد ومس المرأة بشهوة واكل لحوم الابل. وتجتمع الاحداث الكبرى بالمنع من الصلاة والطواف ومس المصحف وقراءة القرآن واللبس في المسجد. وينفرد الحيض والنفاس منها بمنع الصوم والطلاق والوتر في الفرج وتشاركها الاحداث الصغرى في المنع من الثلاثة الاول. ومتى تمت الطهارة بنوعيها ابيحت جميع الاشياء الممنوعة وقد علم بهذا التفصيل ما يتطهر له وجوبا. واما ما يتطهر له استحبابا فتستحب الطهارتان الكبرى والصغرى للاذان وانواع الذكر والخطب والاحرام ودخول مكة والوقوف بعرفة والافاقة من اغماء او جنون والاكل والنوم العاشر ما الاعضاء الممسوحة في الطهارة وكيفية ذلك؟ الجواب اما طهارة التيمم فتشترك الطهارتان الكبرى والصغرى بوجوب مسح المتيمم بوجهه جميعه ويديه الى الكوعين حيث تعذر استعمال الماء بعدمه ولضرر يلحق باستعمال اعماله على ما هو مفصل في بابه. ولكنه راجع الى هذا الضابط. ومن الحكمة في ان الطهارتين في التيمم تساوتا في ذلك ان البدل لا يجب ان يساوي المبدل منه. بل يحصل فيه من التخفيف بحسب الحال المناسبة وهذا منه. ولان القصد لله بتعفير الوجه واليدين بالتراب. وليس فيه نظافة حسية فاشترك. واما طهارة الماء فالطهارة الكبرى لا مسح فيها عضو اصلي ولا شيء من الحوائل الموضوعة على الاعضاء للحاجة اليها. الا الجبيرة الموضوعة على كسر او جرح فانها تمسح كلها في الطهارتين للضرورة. ولذلك لا توقيت لها. بل تمسح ما دامت على العضو المحتاج اليها. واما الطهارة الصغرى فالممسوح فيها فيها نوعان اصلي وحوائل وعوارض. اما الاصلي فهو مسح الرأس والاذنين. فيجب مسح ذلك كله كلما وجبت الطهارة يصير حكمه حكم الاعضاء المغسولة ببقاء الطهارة حتى ولو زال شعر الرأس بعد الطهارة لم تنتقض الطهارة الا بنواقضها معروفة. واما الحوائل العوارض فالعمامة على الرأس للرجل. وكذلك الخمار للمرأة. حيث حصل نوع مشقة بنزع ذلك. وما يلبس في الرجل من خف ونحوه للرجل والمرأة فهذه للمسح عليها شروط. وهي تقدم الطهارة بالماء بان يلبسها وهو طاهر الطهارة قولا واحدا في هذا كله. ويشترط ايضا على المذهب ان يكون الخف ساترا سترا تاما. لا فتق فيه ولا خرق لا صغيرة ولا كبير. الصحيح عدم اعتبار هذا الشرط لعمومات النصوص المبيحة للمسح عليها من دون قيد. مع انه لو كان شرطا بينه الشارع بيانا واضحا لشدة الحاجة اليه. ولانه يعلم ان خفاف الصحابة رضي الله عنهم لا تخلو من فتق او شق. ولذلك ذلك عفا الاصحاب في العمامة عن بروز بعض الرأس الذي جرت به العادة. فدل على ان العادة لها حكم واعتبار في هذا الوضع. واما كيفية مسح ذلك فلا يجب استيعابه بل يكفي فيه اكثر ظاهر الخفين واكثر العمامة والخمار لانه لما انتقل الى المسجد وسهل فيه زادت السهولة بعدم وجوب الاستيعاب. وهذا النوع من المسح مختص بالطهارة الصغرى. ولذلك وقت فيه للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة ايام بلياليها. والابتداء من الحدث على المشهور من المذهب. لانه السبب الموجب. وعلى الصحيح الابتداء من اول المسح. لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المدة كلها تمسح. ثم ما كان ممسوحا لا يشرع فيه تكرار بل مرة واحدة تكفي وهذا النوع الاخير هل اذا زال الممسوح والطهارة باقية تبطل الطهارة بزواله كما هو المذهب او الطهارة باقية ما لم يوجد ناقض شرعي. وهذا هو الصحيح. ولا فرق في الحقيقة بين زوال الخف وزوال شعر الرأس. وكذلك الخلاف اذا تمت المدة هل تنتقض الطهارة او تزول مدة المسح فقط وهو الصحيح؟ هذا القول الصحيح في المسألتين هو احد القولين اين في المذهب اختاره جماعة من الاصحاب والله اعلم. السؤال الحادي عشر هل يجب ايصال الطهارة الى ما تحت الشعر كاللحية ونحوها ام لا؟ الجواب اما التيمم فيكفي مسح ظاهر الشعر خفيفا كان او كثيف. في الحدث الاكبر والاصغر. واما طهارة الماء فان كان الحدث اكبر فلابد من ايصال الماء الى باطن الشعر كظاهره خفيفا كان او كثيفا. فان كان الحدث اصغر فيجب ايصاله الى باطن الشعر الخفيف. وهو الذي ترى البشرة من ورائه. ويكفي ظاهر الشعر الكثيف. ويسن ايصاله الى باطنه في شعر الوجه دون شعر الرأس. السؤال الثاني عشر عن كيفية تطهير الاشياء المتنجسة. وهل يجب للصلاة ام لا؟ الجواب النجاسات ثلاثة انواع خفيف وثقيل ومتوسط. فاما الخفيف من النجاسات فمثل بول الغلام الصغير الذي لم يأكل كل الطعام لشهوة فهذا يكفي فيه غمره بالماء مرة واحدة قولا واحدا في المذهب كما صحت به الاحاديث. وقيءه اخص حكما من بوله وكذلك على الصحيح المذي. فانه يكفي فيه النضح كما ثبت به الحديث وهو الموافق لحكمة المشقة. ومثله النبي النجاسة على اسفل الخف والحذاء ونحوه فيكفي مسحها بالارض والتراب. كما صحت به الاحاديث وهو الموافق للحكمة الشرعية. ومثل كل هذا مسح السيف السقيل وسكين الجزار ونحوها. ولكن المشهور من المذهب في هذه الصور لابد من غسلها. وقد تقدم مما هو خفيف النجاسة الخارجة من السبيلين عليهما انه يكفي فيهما الاستجمار بالاتفاق. فكل ما شق واشتدت الحاجة اليه سهل فيه الشارع. وكذلك النجاسة اذا كانت على الارض فيكفي فيها غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة. كما امر النبي صلى الله عليه عليه وسلم في غسل بول الاعرابي انه يصب عليه ذنوب من ماء ومثله ما اتصل بالارض من الاحواض والاحجار ونحوها يكفي فيها مرة واحدة قولا واحدا في هذا كله. وكذلك على الصحيح النجاسة التي في ذيل المرأة كما ثبت به الحديث. والمذهب لابد من غسله. وكل هذه المسائل تعلل بالمشقة. بل قد تكون المشقة موجبة لعدم ايجاب غسل المتنجس. كقول الاصحاب رحمهم الله ولا يجب غسل جوانب بئر نزحت للمشقة. وكذلك الاناء الذي تخمر فيه العصير. فقد تخلل لا يجب غسله وكذلك الحفيرة التي فيها ماء نجس اذا طهر. وكل هذا قول واحد في المذهب. وكذلك على الصحيح لا يجب غسل ما اصابه فم كلب الصيد من الصيد لعدم امر الشارع بغسل محل ذلك. والمذهب لابد من غسله وهو ضعيف. وكذلك النجاسة والجنابة في داخل العين لا يجب غسلها. وكل هذه يحكم لها بالطهارة مع وجود سبب التنجس للحكمة المذكورة. واما الاضطرار على بقاء النجاسة في بدن او ثوب او بقعة وصحة الصلاة مع ذلك فتلك مسألة اخرى وترجع الى اصل صحة العبادة مع شرطها المعجوز عنه كما يأتي. واما الثقيل من النجاسات فنجاسة الكلب. وما الحق به من الخنزير. فانه لا بد فيها من سبع وصلات وان يكون احداها بتراب ونحوه كما امر به النبي صلى الله عليه وسلم في نجاسة الكلب والحق العلماء فيه الخنزير لانه شر منه والنوع الثالث ما سوى ذلك من النجاسات على البدن او الثوب او الاواني ونحوها. فلا بد فيها من زوال عينه قولا واحدا وهل يشترط مع هذا غيره ام لا؟ الصحيح ان النجاسة متى زالت على اي وجه كان باي مزيل كان ان المحل يطهر من غير اشتراط عدد ولا ماء. وهو ظاهر النصوص. حيث امر الشارع بازالة النجاسة وازالها تارة بالمال وتارة بالمسح وتارة بالاستجمار وتارة بغير ذلك. ولم يأمر بغسل النجاسات سبعة سوى نجاسة الكلب. وكما انه مقتضى النصوص الشرعية فانه مناسب غاية المناسبة. لان ازالة النجاسة من باب ازالة الاشياء المحسوسة. ولذلك قال الفقهاء انها من باب الترق التي يكون القصد ازالة ذاتها بقطع النظر عن المزيل لها. ولهذا لم يشترطوا فيها نية ولا فعلة ادمي فلو غسلها من غير نية او غسلها غير عاقل او جاءها الماء فانصب عليها طهرت بخلاف طهارة الحدث التي هي هي عبادة لابد من نيتها. واشترط لها الشارع من الترتيب والموالاة والكيفيات والنية ما يوجب ان تكون عبادة مقصودة لهذا شرع في هذا النوع العدد والتثليث في الوضوء وفي الغسل كله على المذهب. وعلى الصحيح لا يشرع الا تثليث افاضة الماء على الرأس حيث ورد فيه الحديث. واما المشهور من المذهب في هذا النوع فلابد من غسله بالماء سبع مرات. قياسا على نجاسة الكلب ولكنه قول في غاية الضعف. والقياس لابد فيه من مساواة الاصل للفرع. وان يحكم على الامرين بحكم واحد. فالمساواة منتفية بعدما خص الشارع الكلب بذلك الحكم مختلف. عند القائلين بهذا القياس لا يوجبون التراب حيث تبين كيفية سالت النجاسة باختلاف احوالها فكل نجاسة يجب ازالتها. فازالتها من البدن والبقعة والثوب شرط لصحة الصلاة لامر الشارع بتطهير البدن والثياب. وذلك لا يجب لغير الصلاة. فتعين وجوبه للصلاة. وقولنا كل نجاسة يجب احتراز من امرين احدهما اذا اضطر الانسان الى بقائها بان عجز عن الماء الذي يزيلها وغيره او كانت تضره ازالتها او لم يجد الا ثوبا نجسا يصلي به او حبس ببقعة نجسة لا يستطيع الخروج منها. فهذا مضطر والمضطر معذور اتفاقا وعليه ان يصلي في هذه الحال ولا يعيد فيها كلها على القول الصحيح الذي تدل عليه الاصول الشرعية. واما المشهود من المذهب فيها فانه ايضا لا يعيد اذا حبس ببقعة نجسة ولا اذا صلى وعلى بدنه نجاسة يعجز او يتضرر ازالتها لكن يتيمم عنها اذا كانت على البدن. قياسا على التيمم للحدث. واما نجاسة الثوب والبقعة فلا يتيمم لهما قولا واحدا. الصحيح ايضا ولا نجاسة البدن. لان القياس على الحدث غير صحيح. ولو كان صحيحا لوجب ان يعم الذي على البدن والثوب والبقعة. والشارع انما شرع التيمم للاحداث فقط. واما اذا صلى في ثوب نجس فعليه الاعادة على المذهب وليس لهذا حجة اصلا. والصواب كما تقدم انه يصلي ولا يعيد. فان الله لم يوجب على احد ان يصلي الفرض مرتين الا اذا اخل بما يقدر عليه من واجباتها الشرعية. الامر الثاني احترازا من النجاسات التي يعفى عنها او يعفى عن يسيرها كالدم والقيء ونحوهما. فاذا صلى مع وجودها حيث عفي عنها فان صلاته صحيحة اتفاقا. وهذا معنى العفو عنها والله اعلم السؤال الثالث عشر هل الاشياء النجسة محدودة او معدومة؟ وصفة ذلك؟ الجواب اولا يجب ان يعلم ان الاصل فيه جميع الاشياء الطهارة فلا تنجس ولا ينجس منها الا ما دل عليه الشرع. فهذا اصل محدود ولا يشذ عنه شيء. واما ما ورد انه نجس فمنه ما هو محدود ومنه صورة معدومة. ويجمعها جميعا انها كلها خبيثة. ولكن محل الخبث قد يخفى علينا فنبهنا الشارع على ما يدلنا ويرشدنا الى ذلك. فمن المحدود ان الخارج من السبيلين الذي له جرم نجس الا المني فانه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم طهارته. وانه ينبغي فرك يابسه وغسل رطبه. ومن المحدودة ان ما حرم اكله وهو واكبر من الهر خلقة فانه نجس كالكلب والخنزير. وسباع البهائم. فهذه جميع اجزائها وما خرج منها نجس يستثنى منها شيء على المشهور من المذهب. والصحيح ان الحمار والبغل ريقه وعرقه وشعره وما خرج من انفه طاهر. بخلاف قوله وروثه واجزائه فانها خبيثة نجسة. لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يركبهما. الصحابة رضي الله عنهم ولم بتوقي عرقها وريقها وشعرها. وهي اولى من طهارة سؤر الهر الذي ثبتت طهارته. وعلله النبي صلى الله عليه وسلم هن من الطوافين عليكم والطوافات. ومشقة ملامسة الحمير والبغال اشق من الهر بكثير. واولى بالاباحة والتطهير واما محرم الاكل مما هو مثل الهر او اصغر منه. فان ثؤره وريقه وعرقه طاهر. واما بوله وروشه وجميعه ازاء لحمه فانها نجس. سواء ما ليس له نفس سائلة فان جميع اجزائه طاهرة. كالعقرب والذباب ونحوهما. واما مأكول لحم فكل ما منه طاهر سوى الدم. وما تولد من الدم من قيح وصديد. ومن المحدود من النجاسات جميع الميتات. سوى اميتت الادمي والسمك والجراد وما لا نفس له سائلة فانها طاهرة. ومن المحدود ايضا كل مسكر مائع نجس. من اي نوع كان ومن المحدود ايضا ان جميع الدماء نجسة الا دم ما لا نفس له سائلة. وما يبقى بعد الذبح في العروق واللحم فهو طاهر. والا دم الشهيد عليه خاصة. ولهذا كان الدم ثلاثة اقسام. واحد طاهر كهذه المذكورات اثنان ونجس لا يعفى ولا عن يسيره كدم الكلب والسباع. ثلاثة ونجس يعفى عن يسيره وهو ما سوى هذين. فصار والدم اصله النجاسة كما بينا. فقد علم من هذا ومما تقدم ان الخارج من بدن الانسان ثلاثة اقسام. واحد نج لا يعفى عن يسيره كالبول والغائط. اثنان ونجس يعفى عن يسيره كالدم وما تولد منه والقيء على المذهب. وهذا المذي على الصحيح. ثلاثة وما سوى ذلك فطاهر كالريق والبساط والنخامة والمخاط والعرق. وما سال من الفم وقت النوم صمغ الاذنين وغير ذلك والله اعلم. ومن النجس غير ما تقدم الحشيشة المسكرة. السؤال الرابع عشر ما الفارق بين دمك في الحيض ودم الاستحاضة ودم النفاس. الجواب وبالله التوفيق هذه الدماء المذكورة تخرج من محل واحد. ولكن تختلف اسماء واحكامها باختلاف اسبابها. فاما دم النفاس فسببه ظاهر. وهو الدم الخارج من الانثى بسبب الولادة. وهو بقية الدم المحتبس وقت الحمل في الرحم فاذا ولدت خرج هذا الدم شيئا فشيئا. وما تولد بعد الولادة وتطول مدته وقد تقصر. اما اقل فلا حد له قولا واحدا. واما اكثره فعلى المذهب ما جاوز الاربعين ولم يوافق عادة حيض فهو استحاضة. وعلى الصحيح لا حد لاكثره كما ياتي التنبيه على دليله في مسألة الحيض. واما الدم الذي يخرج بغير سبب الولادة فقد اجرى الله سنته وعادته ان الانثى اذا صلحت للحمل والولادة يأتيها الحيض غالبا في اوقات معلومة بحسب حالتها وطبيعتها. ولذلك من حكمة وجود الدم انه احد اركان مادة حياة الانسان. ففي بطن الام يتغذى بالدم. ولهذا ينحبس غالبا في الحمل واذا كان هذا اصله وهو الواقع الموجود علم ان اصل الدم الخارج من الانثى حيض. لان وجوده في وقته يدل على الصحة والاعتدال وعدمه يدل على ضد ذلك. وهذا المعنى متفق عليه بين اهل العلم بالشرع والعلم بالطب. بل معارف الناس وعوائدهم وتجاربهم دلتهم على ذلك. ولذلك قال العلماء في حده هو دم طبيعة وجبلة يأتي الانثى في اوقات معروفة. والتسمية تابعة لذلك. والشارع اقر النساء على هذه التسمية لهذا الدم الخارج منهن. وعلق عليه من الاحكام الشرعية ما علق ففهم الناس عنه هذه الاحكام وعلقوها على وجود هذا الدم. ومتى زال زالت بان الحكم يدور مع علته وجودا عدم فلهذا كان الصحيح بل الصواب المقطوع به انه لا حد لاقل الحيض سنا وزمنا ولا لاكثره. ولا لاقل الطهر بين الحيضة بل الحيض هو وجود الدم الطهر فقده ولو زاد او نقص او تأخر او تقدم لظاهر النصوص الشرعية وظاهر عمل المسلمين ولانه لا يسع النساء العمل بغير هذا القول. واما المشهور من المذهب فان اقل ما تحيض فيه المرأة تسع سنين. واكثره خمسون سنة واقل مدة الحيض يوم وليلة واكثره خمسة عشر يوما. وما خرج عن هذا فهو دم فساد لا تترك له العبادة زاد عن العادة او تقدم او تأخر لم تصل اليه حتى يتكرر ثلاثة فيصير عادة تنتقل اليه. ثم تقضي ما صامته او اعتكفته ونحوه وحجتهم على هذا القول بعضه لا كله ان هذا الموجود غالبا وما خرج عنه نادر. الاصل ان النادر لا يثبت له حكم. وهذه حجة ضعيفة جدا. فان الوجود يتفاوت تفاوتا كثيرا. وبالاجماع ان النساء يتفاوتن في هذه امور تفاوتا ظاهرا. والاسماء ثلاثة اقسام. شرعية ولغوية وعرفية. وكلها تتطابق على ان هذا الدم حيض. وان عدمه طهر. فلا ابلغ من حكم اتفقت عليه الحقائق الثلاث. فعلى المذهب الاستحاضة ما تجاوز دمها خمسة عشر يوما او كان دما غير صالح للحيض بان نقص عن يوم وليلة او كان قبل تسع سنين او بعد خمسين سنة. واما على القول الصحيح فالحق هو الاصل والاستحاضة عارض لمرض او نحوه مثل ان يطبق عليها الدم او تكون شبيهة بالمطبق عليها الدم بان لا تطهر الا اوقاتا لا تذكر. وعلى كل فانه اذا ثبتت استحاضتها. فان كان لها عادة قبل ذلك رجعت الى عادتها صارت العادة هي حيضها. وما زاد فهو استحاضة تغتسل وتتعبد فيه. وان لم يكن لها عادة وصار دمها متميزا بعضه غليظ وبعضه رقيق او بعضه اسود وبعضه احمر او بعضه منتن وبعضه غير منتن فالغليظ والاسود والمنتن حيض والاخر استحاضة ولكن على المذهب يشترطون في المتميز ان يكون صالحا للحيض لا ينقص عن يوم وليلة ولا يزيد على خمسة عشر يوما ونحو ذلك مما هو على اصل المذهب. والصواب عدم اعتبار ذلك كما تقدم. فان لم يكن لها عادة ولا تمييز جلست من كل في شهر غالب الحيض ستة ايام او سبعة. للاحاديث الثابتة في ذلك. ثم تغتسل اذا مضى المحكوم بانه حيض. فتسد حسب الامكان تتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي بلا اعادة. فظهر مما تقدم ان دم النفاس سببه الولادة. وان دم استحاضة دم عارض لمرض ونحوه. وان دم الحيض والدم الاصلي والله اعلم. السؤال الخامس عشر اذا جاز التيمم عدم اول الضرر هل ينوب مناب طهارة الماء في كل شيء ام لا؟ الجواب حيث جاز التيمم لعذره الشرعي وهو عدمه او خوف باستعمال الضرر فانه ينوب مناب طهارة الماء في كل شيء على الصحيح. وهو ظاهر النصوص وهو احدى الروايتين عن الامام احمد فعلى هذا لا يشترط له دخول وقت ولا يبطل بخروجه بل بمبطلات الطهارة. ولو تيمم للنفل استباح الفرض كما يستباح ريحه في طهارة الماء وذلك ان البدل يقوم مقام المبدل ويسد مسده الا ما دل دليل على خروجه عن هذا الاصل ولم والمشهور من المذهب انه مثله في اكثر الاشياء. فيستباح به ما يستباح بطهارة الماء من صلاة وغيرها. ولكنه يخالف طهارة الماء في امور منها انه يشترط له دخول الوقت. وانه يبطل بخروج الوقت مطلقا. وانه لو تيمم للنفل لم يستبح الفرض وانه لا يستبيح به الا ما نواه او كان مثله او دونه لا اعلى منه. واحتجوا على هذا بانها طهارة اضطرار فتقدر بقدر الحاجة وهذا الاستدلال ضعيف ومنقود ايضا. اما ضعفه فلان هذه الطهارة عند وجود شرطها المبيح طهارة كاملة كما سماها الله تعالى لما ذكرت الطهارة بالماء ثم بالتيمم قال ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم. فليست بمنزلة اكل الميتة للمضطر. فان التحريم باق ولكن لاجل اضطراره وخوفه من التلف ابيح ذلك. واما التيمم مع تعذر الماء فانه عبادة نابت مناب عبادة اخرى عند العذر. فيقتضي انها مثل من كل وجه. نعم هي طهارة اضطرار بالنسبة الى شرطها الذي هو تعذر استعمال الماء. فما دام هذا الشرط موجودا فطهارة التيمم صحيحة ومتى زال ووجد الماء وزال الضرر بطل التيمم. هذا الذي دل عليه الدليل. ثم قولهم ابيح بقدر الضرورة ممنوع بالاجماع فانه لا يقول احد انه يجب ان يتيمم عند كل صلاة يصليها فرضا او نفلا وانه يقتصر على الفرض بل يجب على الواجب منه كما قالوا فيمن تعذر عليه الطهارة بالماء والتراب مع انه ضعيف ايضا فان من تعذر عليه ذلك فلا يكلف الله نفسا الا وسعها. فان جميع الواجبات الشرعية انما تجب مع القدرة عليها. فاذا عجز عنها سقط وجوبها على وهذا مضطرد في جميع اركان الصلاة وشروطها وواجباتها. والحمدلله رب العالمين. اسئلة من كتاب الصلاة قد يتناول غيرها من بقية العبادات. السؤال السادس عشر ما هي الشروط التي تشترك فيها الصلاة والزكاة والصيام والحج او يشترك فيها اثنان منها فاكثر. والتي يتفرد بها كل واحد منها. الجواب وبالله التوفيق والاعانة ونسأله الهداية الى الصواب. اعلم ان هذه العبادات الاربعة هي مع الشهادتين اركان الاسلام التي ينبني عليها وهي اعظم مهمات الدين واكبر ما يقرب الى رب العالمين ورضاه وثوابه. وفيها من الفضائل الايمانية والاخلاقية والاعمال ومحاسن الدين ومصالح جميع المسلمين. ما لا يدخل تحت الحصر والحج وفيها من تكميل الاسلام وتحقيق الايمان وقيام شعائر الدين سادة الايمان وتكفير السيئات وزيادة الحسنات. وعلو الدرجات وصلاح القلوب والارواح والابدان والدنيا والاخرة. وغير لذلك مما هو معروف. وكل هذه المصالح اشتركت فيها. وان اختصت كل واحدة منها بما اختصت به. ثم انها اشتركت كلها في في وجوبها على المسلمين. فالاسلام هو الشرط المشترك لان المسلمين هم الذين التزموا ما جاء به الشرع. وهذا اعظمه. واما غيره المسلمين فيؤمرون بالاسلام ولا يخاطبون بهذه العبادات الاربع ابتداء. وان كانوا يعاقبون على تركها في الاخرة كما يعاقبون على ترك الاسلام واشتركت كلها ايضا باشتراط القدرة عليها. اذ القدرة هي مناط الاوامر والنواهي. فمن لا يقدر على الشيء لا فيلزمه فعله ومن لا يقدر على الترك بل هو مضطر فلا حرج عليه. ولا يكلف الله نفسا الا وسعها. ولكن تختلف القدرة فيها بحسبها. فالقدرة على الصلاة ثبوت العقل. ولذلك قال الفقهاء ولا تسقط الصلاة ما دام العقل ثابتا. فيصلي فان عجز فقاعدا فان عجز فعلى جنبه ويومئ برأسه فان عجز فيومئ بطرفه فان عجز استحضر ذلك بقلبه هذا المذهب وعند الشيخ تقي الدين الايماء بالرأس اخر المراتب. لان غيره لم يثبت به الحديث. وهذا اصح والاول احوط. واما القدرة في الزكاة فهي ملك نصاب زكوي. واما القدرة على الصيام فهي القدرة عليه من غير ضرر يلحقه. ولهذا يسقط وعن الكبير الذي لا يقدر عليه والمريض الميؤوس من برئه ويطعم عن كل يوم مسكينا. واما الذي يرجى برؤه فيؤخره الى البر واما القدرة على الحج فهي ملك زاد وراحلة فاضلين عن ضروراته وحوائجه الاصلية. فهذا الشرط اشتركت فيه كما ترى الا انه فسر بكل واحدة بما يناسبها شرعا. واما التكليف وهو البلوغ والعقل فتشترك فيه الصلاة والصيام والحج لحديث رفع القلم عن ثلاثة النائم حتى يستيقظ والصغير حتى يبلغ. والمجنون حتى يفيق. فمن لا عقل له او لم يبلغ فلا صلاة عليه ولا صيام ولا حج. لان هذه اعمال بدنية محضة او معها مال كالحج. وهذا من حكمة الشارع ان من لا عقل له بالكلية او له عقل قاصر كالصغير انه لا يجب عليه شيء يفعله. ولما كان الصغير له وعقل صحت عباداته اذا كان مميزا لوجود العقل الذي ينوي به اختص الحج والعمرة بصحته ممن دون التمييز وينوي عنه وليه. واما الزكاة فلا يشترط لها التكليف عند جمهور العلماء مالك والشافعي واحمد. وهو ظاهر النصوص الشرعية وظاهر المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم. والسبب ان الزكاة عبادة مالية محضة متعلقة بالمال. فوجبت في مال الصغير ومال المجنون المسلم كما يجب في ماله نفقة من تلزمه نفقته وهذه حكمة مناسبة. وتشترك ايضا الاربع في لزوم النية. لحديث انما الاعمال بالنيات. فلا تصح صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حج الا تقع من الفاعل لها تتقدم عليها. الا ان المجنون والصغير ينوي الزكاة عنهما وليهما. وكذلك ينوي الحج عن من لم يميز وليه اتشترك الصلاة والصيام بوجوبهما على الاحرار والعبيد المكلفين بخلاف الزكاة والحج فانهما يختصان اخواني بالأحرار السبب في ذلك انه تقدم ان القدرة شرط في الجميع. والزكاة والحج عماد القدرة فيهما المال. والعبد لا مال له فهو كالفقير المعسر. وكذلك العبادات المالية لا تجب على الارقاء لهذا السبب. فصارت الحرية شرطا في الزكاة والحج فقط. ومن الشروط المشتركة بين الاربع كلها الوقت. وانها كلها لا تلزم الا بدخول وقتها. والوقت باختلاف هذه العبادات. فاوقات الصلوات الخمس الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر لا تلزم الا بدخولها ولا تصح الا بدخولها. فالظهر من الزوال الى مصير الفيء مثله بعد فيء الزوال. والعصر من مصيره مثله الى مثليه على المذهب وعلى الى اصفرار الشمس والمغرب من الغروب الى مغيب الحمرة والعشاء من مغيب الحمرة الى ثلث الليل على المذهب او نصفه على صحيح والفاجر من طلوعه الى طلوع الشمس. والزكاة لا تلزم الا بدخول وقتها. وهو تمام الحول في جميع الاموال الزكوية الا المعثرات فوقتها حصادها وجذاذها. كما قال تعالى واتوا حقه يوم حصاده. ولكنه يجوز تقديمها قبل كذلك حيث وجد السبب. فالصيام صيام رمضان لا يلزم ولا يصح الا بمجيء رمضان. والحج لا يلزم ولا يصح الا بوقته الحج اشهر معلومات. بخلاف العمرة فانها تصح كل وقت. ومما تختص به الصلاة من الشروط الطهارة من الحدث والخبث ويشاركها في هذين من جزئيات الحج الطواف فقط. وستر العورة واستقبال القبلة واجتناب النجاسة في البدن والثوب والبقعة. فالحاصل انها اشتركت في اربعة اشياء. الاسلام والقدرة والنية والوقت. اشتركت ما سوى الزكاة تكليف اشتركت الزكاة والحج باشتراط الحرية. واختصت الصلاة بالبقية لشرفها وفضلها. واعتناء الشارع بها والله اعلم اعلم السؤال السابع عشر باي شيء تدرك الصلاة؟ الجواب الادراكات متعددة واحد ادراك الوقت للجماعة جمعة اثنان وادراك الجماعة ثلاثة وادراك الجمعة اربعة ومن به مانع فزال وادرك الوقت. وكلها الصحيح وهي احدى الروايتين عن الامام احمد لا تدرك الا بركعة. فمن ادرك من الوقت ركعة فقد ادركه. ومن ادرك من الجمعة او الجماعة ركعة فقد ادركهما. ومن ادرك من الوقت ركعة بعد زوال مانعه لزمته تلك الصلاة. ومن ادرك اقل من ركعة لم يدرك فيها كلها. للحديث الصحيح من ادرك ركعة من الصلاة فقد ادركها متفق عليه. فهذا يعم جميعا الادراكات المذكورة ولم يعلق الشارع باقل من الركعة ادراك ركعة ولا غيرها. والمشهور من المذهب في هذه المسائل انها تدرك بادراك تكبيرة الاحرام من الوقت او قبل انقضاء الجماعة. واما الجمعة صلاتها لا وقتها. فلا تدرك الا بركعة قولا واحدا في المذهب والاول اصح كما تقدم. السؤال الثامن عشر ما حكم الصلاة بعد خروج وقتها؟ وما حكم وفي وقتها. الجواب لا يخلو اما ان تكون الصلاة فرضا او نفلا. فان كانت فرضا وكان المؤخر متعمدا غير معذور وليس ليس للتأخير عذره فحكمه انه اثم وان كان غير متعمد فلا اثم. واما القضاء في تفويتها او فواتها فمنها ما لا فيقضى كالجمعة فانها ان فاتت لم تقضى وانما يصلي بدلها ظهرا. ومنها ما لا يقضى جماعة الا في نظير وقته العيدين اذا فاتتا فعلت من الغد او بعده قضاء. ومنها ما يجب قضاؤه مطلقا وهو الباقي. ومن احكام هذا القضاء وجوب الفورية فيه. لان الامر المطلق يقتضي الفورية وان كانت متعددات وجب ايضا الترتيب. فالفورية لا تسقط الا مع الضرر والترتيب يسقط بالنسيان وبضيق الوقت قولا واحدا في المذهب. وبالجهل وخوف فوت الجماعة على الصحيح. ومن هذا القضاء ايضا ان من عليه فرائض متعددة وجهلها ابرأ ذمته. فاحتاط بما يعلم خروجه من التبعة. وان كانت فائدة صلاة النافلة استحب قضاؤها. الا الرواتب اذا فاتت مع فرائض كثيرة فانه يشتغل باداء الفرائض سوى سنة سنة الفجر فيقضيها مطلقا. والا النوافل المشروعة لاسباب فتفوت بفوات تلك الاسباب. فلا تقضى الكسوف ولا الاستسقاء ولا تحية المسجد ولا نحوها مما له سبب شرع لاجله ثم فاتت مع سببها فلا يشرع قضاؤها والله اعلم. واما حكم الصلاة في وقتها فالاصل انه يجوز اوله واوصافه واخره. بحيث لا يخرج جزء منها عن الوقت. هذا من جهة الجواز. واما من جهة الفضيلة والكمال فاول الوقت هو الافضل الا في شدة الحر. فيسن تأخير الظهر مطلقا او مع غيم لمن يصلي للجماعة ليكون الخروج لهما واحدا. وكذلك يستحب تأخير العشاء الاخرة حيث لا مشاقة. ويستحب ايضا لمن يرجو وجود سائل عادمه اذا رجاه في اخر الوقت. ويستحب التأخير للمغرب ليلة مزدلفة للحاج. وكذلك كل جمع استحب تأخيره بان يكون ارفق. وضابط ذلك ان التقديم اولى الا اذا كان في التأخير مصلحة شرعية. وقد يجب تقديم الصلاة اول وقتها لمن يظن وجود مانع في اخر الوقت. كالمرأة التي تظن الحيض ونحوه. وقد يجب التأخير كمن يشتغل بتحصيل شرط في الصلاة او ركنها الذي لا يفرغ منه الا في اخر الوقت. وكتحصيل الجماعة الواجبة لها. وكما قال الفقهاء لو امره ابوه التأخير ليصلي بابيه وجب عليه التأخير. لكن هذه الصورة مبنية على منع الفرض خلف النفل. والله اعلم ال التاسع عشر هل تشترك صلاة الفرض وصلاة النفل في الاحكام ام بينهما فرق؟ الجواب الاصل اشتراك الفرض والنفل في جميع الامور الواجبة والمكملة والمفسدة والمنقصة. فما ثبت حكمه في احدهما ثبت للاخر. الا ما دل الدليل على ولهذا اخذ العلماء احكام صلاة الفرض والنفل من مطلق صلاته صلى الله عليه وسلم وامره ونهيه. ولكن مع هذا فبين فروق كثيرة ترجع الى سهولة الامر في النفل والترغيب في فعله. فمنها ان القيام على القادر ركن في الفرض لا في النفل يصح النفل جالسا للقاعد. ولكن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم. ومنها جواز صلاة النفل للمسافر وراكبا متوجها الى جهة سيره وكذلك ماشية. وسواء كان السفر طويلا او قصيرا. واما الفرض فلا يصح على الراحلة الا عند الاضطرار اليه كخوف على نفسه بنزوله او خوف فوات ما يضره فواته او اذا كانت الارض ماشية ماء والسماء تهطل بالمطر نحو ذلك من مسائل الاضطرار. ومنها انهم اشترطوا في الفرض ستر الرجل احد عاتقيه دون النفل. مع ان الصحيح اشتراكهما في هذا الحكم وان الجميع مشروع فيه ستر المنكب لا واجب. لانه غير عورة. والحديث لا يصلين احدكم في ثوب ليس على عاتقه منه شيء عام في الفرض والنفل. ومنها جواز النفل في جوف الكعبة بخلاف الفرض على المذهب. والصحيح عدم المنع ايضا في فرض لان الحديث الذي احتجوا به على المنع غير صحيح. فبقي الامر على الاصل. ومنها ان اوقات النهي خاصة بالنهي عن النوافل دون الفرائض ومنها ما قالوا بجواز يسير الشرب في النفل دون الفرض. ومنها ان من دخل في فرض وجب اتمامه. ولم يجز قطعه الا العذر بخلاف النفل الا الحج والعمرة. وهذا فرق عام بين الفروض والنوافل. واعلم ان هذه الفروق غير الفروق العامة في الواقعة بين الفرائض والنوافل من تعيين الفروض والاثم والعقوبة على تاركها لغير عذر وتقدمها عند المزاحمة وعظم اجرها ورفعة درجاتها. فان هذا معلوم من حد الفرض وحد النفل. لا يحتاج الى ذكره في المسائل المعينة. وانما يذكر عند الكلام على الامور الكلية العامة. السؤال العشرون ما هي العورة التي يجب سترها؟ الجواب للعورة اطلاق في باب سترة الصلاة واطلاق في باب تحريم النظر والحكم فيهما متفاوت. اما العورة في باب سترة الصلاة فمنها مخففة وهي عورة من سبع سنين الى تمام العشر. فلا يجب ان يستر في الصلاة الا الفرجين فقط. ومنها مغلظة وهي عورة الحرة البالغة. فكلها عورة في الصلاة الا وجهها وفي كفيها وقدميها عن احمد روايتان والمشهور وجوب سترهما. ومنها متوسطة وهو من عدا المذكورين فيدخل فيه عورة الامة وان كانت بالغة. والحرة غير البالغة والرجل البالغ وابن عشر الى البلوغ من حر وعبد. فكل هؤلاء عورتهم في الصلاة من السرة الى الركبة. واقل مجزئ في ذلك ما يستر بشرة البدن. ولابد ان يكون الساتر مباحا. وسيأتي ان شاء الله تفصيل الثياب المباحة من المحرمة في غير هذا السؤال والجواب. وثم قسم اخر وهو انه يجب ستر جميع بدن الميت بثوب لا يصف البشرة صغيرا كان الميت او كبيرا او ذكرا او انثى. الحال الثاني عورة في باب النظر. وهو النظر الى ما وراء الثياب من بدن الانسان. فهو ايضا ثلاثة اقسام. شديد وهو الرجل البالغ للشهوة للحرة البالغة الاجنبية غير القواعد. فيحرم الى شيء من بدنها لا وجهها ولا يديها ولا وقدميها ولا شعرها المتصل لغير حاجة. اثنان وخفيف وهو نظر الرجل الى زوجته وسريته. ونظرها اليه فيجوز لكل نظر جميع بدن الاخر. وكذلك نظر عورة من دون سبع سنين. تسمية هذا النوع عورة تجوز لاهل التقسيم ثلاثة ونوع متوسط وهو نظر الرجل الى الرجل ونظر المرأة للرجل وللمرأة ونظرة لذوات محارمه نسبا وصهرا. والنظر لحاجة خطبة ومعاملة ونظر الامة. فيجوز من ذلك ما جرت به العادة وما احتيج اليه. وشرط الا يكون معه شهوة فان كان لم يجز. ومثله النظر للاضطرار كنظر الطبيب والمنقذ من مهلكة. ونحو ذلك فهذا لا يجوز لما يحتاج اليه والله اعلم. السؤال الحادي والعشرون ما الفارق بين الثياب المباحة من المحرمة؟ واذا كان محرما رمى فهل تصح به الصلاة ام لا؟ الجواب الاصل في الثياب واللباس الاباحة. قال الله تعالى قل من حرم زينة الله التي خرج لعباده والطيبات من الرزق. فانكر على من حرم اللباس والمطاعم والمشارب التي اخرجها لعباده نعمة منه ورحمة فدل على ان اصلها الاباحة حتى يأتي من الشرع ما يدل على تحريم. ودخل في هذا الاصل جميع ما تتخذ منه الاكسية من اي نوع كان فهو مباح ولم يحرم الشارع الا اشياء مخصوصة ترجع الى دفع الضرر وحفظ العباد في دينهم ومعاشهم. والمحرم من اللباس اما لمكسبه الخبيث كالمغصوب ونحوه فهذا تحريمه عام للذكور والاناث لاشتراك الجميع في المعنى الذي حرم لاجله واما محرم لهيئته المشتملة على مفسدة. فكذلك هذا محرم على الصنفين. فيدخل فيه اللباس الذي يحصل فيه التشبه الخاص بالكفار وتشبه الرجال بلباس النساء الخاص بهن. وكذلك تشبه النساء بلباس الرجال الخاص بهم هذا النوع الحكم فيه يدور مع علته. فمتى وجد الشبه المحذور فالحكم بقاء المحظور. ومتى زال زال. ومن هذا النوع اللباس الذي فيه صور الحيوانات ولباس الفخر والخيلاء. فهو محرم على الرجال والنساء. ومن اللباس ما يكون محرما على الرجال محللا للنساء. وذلك كالذهب والفضة واكسية الحرير الخالصة. او التي غالبها حرير او فيها اكثر من اربع اصابع من الحرير ويستثنى من هذا للرجل ما دون اربع اصابع من الحرير او اربع فقط واستعماله في الحرب او لمرض من حكة ونحوها وكذلك كسوة الكعبة والمصحف بالحرير كل هذا جائز. واما تحريم الاكسية النجسة كجلود السباع فهذا من باب وجوب تجنب الخبائث كلها في كل شيء. واما صحة الصلاة وعدمها في الثوب المحرم المتعلق بستر العورة فانها لا تصح به الصلاة فرضا ولا نفلا الا معذورا بجهل او نسيان. وكذلك المضطر فان كل معذور اذا فعل محظورا في العبادة عبادته غير فاسدة. كما انه غير اثم. السؤال الثاني والعشرون ما الصور التي تصح الصلاة فيها لغير الكعبة؟ الجواب الاصل ان استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة. وان من ترك الاستقبال فصلاته باطلة. لكن يستثنى من هذه صور منها والمصلوب لغير القبلة. وفي شدة القتال. وهذا يرجع لعدم القدرة على الاستقبال. وكل من عجز عن شرط من شروط الصلاة او ركن من اركانها سقط عنه. ومنها المتنفل على الراحلة في السفر تتوجه جهة سيره ولا يلزمه الاستقبال في كل شيء من صلاته على الصحيح. وعلى المذهب يلزمه افتتاح الصلاة الى القبلة اذا تمكن من ذلك. وكذلك الماشي ويلزمه الركوع والسجود اليها على المذهب. ومنها من اشتبهت عليه القبلة في السفر واجتهد. ثم تبين له بعد الفراغ انه لغير القبلة فلا اعادة عليه وعلى المسألتين قوله تعالى ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه الله فسر كل منهما والصحيح ان الاية تعم ذلك وما هو اعم منه ومما يسقط وجوب استقبال القبلة اذا ركب السفينة وهو لا يتمكن من الاستقبال لم يلزم. وان تمكن لزمه في الفرض دون النفل فلا يلزمه ان يدور بدورانها والله اعلم. السؤال الثالث والعشرون قد اشتهر عند اهل العلم ان لكل جارحة من اعضاء البدن عبودية خاصة في الصلاة فما هذه خواص الجواب وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب. الاصل في هذا ان تعلم ان الصلاة المقصود الاعظم بها اقامة ذكر الله والخشوع له والحضور بين يديه ومناجاته بعبادته. وهذا المقصود للقلب اصلا وجوارح كلها تبع له. ولهذا يتنقل العبد في الصلاة من قيام الى ركوع ومنه الى سجود ومنه الى رفع. وهو في ذلك يتنوع في الخشوع لربه القيام بعبوديته ويتنقل من حال الى حال. ولكل ركن من الحكم والاسرار ما هو من اعظم مصالح القلب والروح والايمان. ولهذا علق الله الفلاح التام على هذا في قوله قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ان يجتهد العبد في تدبر ما يقوله من القراءة والذكر والدعاء. وما يفعله من هذه التنقلات. وكمال هذا ان يعبد الله كانه انه يراه فان لم يقوى على هذا استحضر رؤية الله له وبحسب حصول هذا المقصود يحصل تأخيرها للعبد له من الاجر والثواب القبول والقرب من ربه ما يحصل. ولهذا ورد في الاثر ليس لك من صلاتك الا ما عقلت منها. معناه حصول هذه المقاصد والا ابراء الذمة وزوال التبعة تحصل باداء جميع لازمات الصلاة. ولكن يتفاوت المؤمنون في صلاتهم بحسب تفاوت ايمانهم. فهذا المعنى الذي ذكرته واشرت اليه تشترك فيه جميع الجوارح الظاهرة والباطنة. ثم بعد هذا الاجمال فاللسان بعد كالقلب اعظمها واكثرها عبودية لانه يتنقل في صلاته من قراءة الى اذكار متنوعة الى ادعية بعضها كان وبعضها واجبات وبعضها مكملات. اما الاركان المتعلقة باللسان فتكبيرة الاحرام وقراءة الفاتحة في كل ركعة على كل احد الا المأموم. اذا جهر امامه على القول الصحيح فيتحملها عنه. وعلى المذهب حتى في السر والتشهد الاخير الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسليمتان. واما واجبات اللسان فالتكبيرات كلها غير تكبيرة الاحرام غير التكبيرة الثانية للركوع في حق المسبوق. اذا ادرك الامام راكعا ثم كبر للاحرام فانها تجزئه عن تكبيرة الركوع لاجتماع عبادتين في وقت واحد من جنس واحد. فاكتفي فيهما بفعل واحد. فان كبر للركوع فهو اكمل فتبين بهذا التفصيل ان التكبيرات ثلاثة اقسام. ركن وهو تكبيرة الاحرام ومسنون وهو هذه الاخيرة وواجب ويحرم منها الا ما ورد الشرع بمنعه وتحريمه. قال تعالى واحل الله البيع. وقال يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم. اي فانها مباحة لكم وهذا شامل لجميع كن وهو باقيها. ومن واجباته قول سمع الله لمن حمده للامام والمنفرد. وقول ربنا ولك الحمد للامام والمنفرد مأمون وقول سبحان ربي العظيم مرة في الركوع. سبحان ربي الاعلى مرة في السجود. وربي اغفر لي بين السجدتين وما زاد على ذلك فهو مسنون مكمل. التشهد الاول. واما باقي القراءة بعد الفاتحة وباقي التسبيحات والادعية تكميل التشهد فانها من سنن مكملات. فلا يشرع في الصلاة سكوت اصلا. الا اذا جهر الامام في شرع للمأموم انصتوا لقراءته وكذلك لقنوته. كما قال تعالى واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا. وكما ان اللسان يتنقل في هذه الانواع التعبدية فلا يحل ان يشغل بغيرها. ولهذا كانت حركته بغير ما يتعلق بالصلاة مبطلة للصلاة. فالكلام عمدا فانه مبطل اجماعا. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان صلاتنا هذه لا يصلح ولا يحل فيها شيء من كلامه الناس فان كان الكلام من جاهل الحكم او جاهل الحال او من ناس فالمشهور من المذهب ابطال الصلاة به. الا ان نام كلم او غلب الكلام عليه حال قراءته. وعلى الصحيح كلام المعذور غير مبطل للصلاة. لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر تكلم في صلاته جاهلا بالاعادة بل اخبره بالحكم فقط. وكذلك لما تكلم المسلمون حين سهى فسلم قبل اتمامها لم يأمره بالاعادة بل تكلم هو وهم وبنوا جميعا على ما مضى. واما ما يتعلق باليدين فرفع اليدين الى حذو المنكبين في في اماكنها وهي عند تكبيرة الاحرام وعند تكبيرة الركوع وعند الرفع وكذلك على الصحيح عند الرفع من التشهد الاول كما ثبت به الحديث المشهور الاقتصار على الثلاثة الاول. وكذلك تكبيرات العيد اللاتي بعد تكبيرة الاحرام. وبعد تكبيرة الانتقام للركعة الثانية وتكبيرات الجنازة كلها. والاستسقاء كالعيد وكذلك على المذهب تكبيرة السجود للتلاوة والشكر. والصحيح لا يستحب رفعها بهما. لان النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفعهما في السجود. ومن عبادة اليدين ان يكون في حال قيام فيه قابضا يسراه بيمناه. خاضعا لهما على سرته او تحتها او فوقها. وان يجعلهما على ركبتيه في الركوع مفرقتين ولا يستحب تفريق اصابعهما في غير هذا الموضع. وان يجعلهما في سجوده حذو منكبيه مستقبلا بهما القبلة. مجافيا له عن جنبيه مبسوطتين مضمومتي الاصابع وان يجعلهما على ركبتيه او فخذيه في الجلوس بين السجدتين مبسوطتين مضمومتي الاصابع موجها اصابعهما للقبلة. وكذلك في التشهدين الا انه ينبغي في التشهدين ان يقبض من اليمنى والبنصر ويحلق الابهام مع الوسطى. وان يشير بالسبابة الى توحيد الله وذكره. ومن خواص اليدين في حق المرأة عند تنبيه الامام الى سهو ان تصفق بهما. واما الرجل فالمشروع في حقه التسبيح كما امر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم الفرق بين الرجل والمرأة ظاهر. لان المطلوب منها الاستتار لشخصها وكلامها. فهذا ما يتعلق باليدين. ومن المشترك بينهما ما بين بقية الاعضاء السبعة الركبتين والقدمين والجبهة مع الانف ان السجود عليهما ركن لا تتم الصلاة الا به واما ما يتعلق بالقدمين القيام في الفرض ركن لا تتم الا به على القادر. وينبغي ان يفرقها ولا يضم بعضها الا لبعض حيث امكن بلا مشقة وان تكونا في السجود منصوبتين وبطون اصابعهما على الارض موجهة اطرافها الى قبلة. واما الجلوس فينصب اليمنى ويوجه اصابعها الى القبلة ويفترش اليسرى ويجلس عليها الا في التشهد الاخير تتورك بان يخرجها من تحته ويجلس على الارض. وكذلك ينبغي موازنة الرجلين فلا يقدم احداهما على الاخرى. وان جماعة سووا صفوفهم بمساواة المناكب والاكعب. واما ما يتعلق بالعينين فالمشروع ان يكون نظره الى موضع سجوده لانه اعون له على الخشوع وعدم تفرق القلب كما شرع لاجل هذا المعنى ان يصلي الانسان الى سترة فان في سترة فوائد عديدة منها هذا المقصد. ويستثنى من هذا اذا كان في التشهد فانه ينظر الى سبابته عند الاشارة الى التوحيد واستثنى الاصحاب اذا كان مشاهدا للكعبة فانهم قالوا ينظر اليها. والصحيح انه لا يستحب في الصلاة النظر الى الكعبة وان كان النظر اليها خارج الصلاة عبادة لانه في الصلاة يفوت الخشوع خصوصا اذا كان المطاف مشغولا بالطائفين يستثنى من ذلك ايضا صلاة الخوف. انه ينبغي ان يكون نظره الى جهة عدوه الذي في قبلته لكمال الاحتراز. وليجمع بين الصلاة والجهاد. وكما انه يستحب نظره الى موضع سجوده فيكره نظره في صلاته الى كل ما يلهي قلبه ويشوشه ولهذا كره العلماء ان يكون في قبلة المصلي ما يلهي من زخرفة او غيرها. ويكره ان يغمض عينيه او يرفع نظره الى السماء يكره العبث بشيء من الاعضاء. فان كثر وتوالى لغير ضرورة بطلت به الصلاة. ويكره افتراش ذراعيه ساجدا. وتخصره قوتنا وان تثاوب كظم فان لم يستطع وضع يده على فيه ويكره من الجلوس والاقعاء وهو ان ينصب قدميه تجلس عليهما فقيل هو ان ينصب قدميه ويجلس بينهما ويكره فرقعة الاصابع وتشبيكها. ومما يتعلق بالاعضاء كلها الصفات المشروعة في هيئات الركوع والسجود والجلوس. فهذا الجواب يأتي على غالب او كل صفة الصلاة والله اعلم. السؤال الرابع والعشرون. ما المواضع التي لا تصح الصلاة فيها؟ الجواب الاصل في هذا قوله، صلى الله عليه وسلم، جعلت لي الارض كلها مسجدا وطهورا. متفق عليه. الاصل ان جميع المواضع من الارض تصح فيها الصلاة كما هو صريح الحديث. فمتى ادعى احد انعدم الصحة في موضع منها من غير دليل شرعي صحيح فقوله مردود. والذي يصح النهي عنه غير الاماكن النجسة والمغفرة والحمام واعطان الابل والمقبرة سوى صلاة جنازة فيها فلا تضر. والحج من باب اولى واحرى. واما النهي عن المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق وفوق ظهر بيت الله فهو ضعيف لا تقوم به حجة واضعف من ذلك قولهم الصحتها مثلها فالصواب جواز الصلاة في هذه الاماكن المجزرة وما بعدها. ان كان المذهب انها كلها لا تصح فيها. السؤال الخامس والعشرون عشرون ما النية المشترطة للصلاة وغيرها؟ الجواب اعلم ان النية التي يتكلم عليها العلماء نوعان نية المعمول له ونية ونفس العمل. اما نية المعمول له فهو الاخلاص الذي لا يقبل الله عملا خلا منه بان يقصد العبد بعمله رضوان الله وثوابه العمل لغير الله او الاشراك به في العمل بالرياء. وهذا النوع لا يتوسع الفقهاء بالكلام عليه. وانما يتوسع به اهل الحقائق واعمال القلوب. وانما يتكلم الفقهاء بالنوع الثاني وهو نية العمل. هذا له مرتبتان. احداهما تمييز العادة عن عبادة بانه مثلا غسل الاعضاء والبدن تارة يقع عبادة في الوضوء والغسل وتارة يقع عادة لتنظيف وتبريد نحوها. كذلك مثلا الصيام تارة يمسك عن المفطرات يومه كله بنية الصوم. وتارة من دون نية. فلابد في هذه بمناسبة من نية العبادة لاجل ان تتميز عن العادة. ثم المرتبة الثانية اذا نوى العبادة فلا تخلو اما ان تكون مطلقة كالصلاة المطلقة والصوم المطلق. فهذا يكفي فيه نية مطلق تلك العبادة. واما ان تكون مقيدة كصلاة الفرض والراتبة والوقت وتر فلابد مع ذلك من نية ذلك العين لاجل تمييز العبادات بعضها عن بعض. فهذه ضوابط في النية نافعة مغنية عن تطويل البحث في النية وتحصيلها. وكون هذا زمنها او هذا او نحو ذلك من الامور التي ان صحت فهي من باب تحصيل الشيء الحاصل وكذلك مسائل الشكوك في النية التي اذا اهتم بها الانسان فتحت عليه ابواب الوسواس. ومن المعلوم ان من معه عقله لا يمكنه ان يباشر عبادة بلا نية. حتى قال بعض العلماء لو كلفنا الله عملا بلا نية لكان من باب تكليف لا يطاق والله الموفق للصواب. السؤال السادس والعشرون المصلون امام او مأموم او منفرد. فهل يصوغ ان انتقل اثناء صلاته من حالة الى اخرى؟ الجواب اما من دون عذر فلا يصوغ ان ينتقل من امامة الى امام او انفراد ومن ائتمام الى امامة او انفراد. ومن انفراد الى امامة او ائتمام. ومن امام الى اخر. واما عند العذر والحاجة اليه كشيء من ذلك فالصواب جواز ذلك كله. بورود النص في افراد من هذه الامور. ولم يرد ما يدل على المنع في هذه الحال. واما المشهور من المذهب فجوزوه في صور مخصوصة. منها اذا صلى لغيبة الامام الراتب ثم حضر الراتب في اثناء الصلاة جاز ان مرجع النائب من الامامة الى الاهتمام بالراتب. ومنها اذا سبق اثنان في الصلاة فاتم احدهما بالاخر في قضاء ما فاتهما بعد سلام الامام الاول فقد انتقل من امام الى امام كالاولى. ومنها اذا احرم منفردا ضانا حضور مأموم ثم حضر المأموم فقد انتقل من انفراد الى امامة فقد يقال انه في هذه الحال كان قد نوى امامة من سيدخل معه. ومنها اذا عرض الامام عارض يسوغ له الخروج من الصلاة او الانفراد ثم استناب بعض المأمومين جاز. فقد انتقل من اهتمام الى امامة عكس الاولى ومنها اذا عرض للامام او المأموم عذر او شغل يبيح ترك الجماعة جاز ان ينفرد ويكمل صلاته وحده. فقد انتقل من امامة الى انفراد ومن ائتمام الى انفراد. ومنها اذا صلى بمأموم ثم فارقه المأموم لعذر او لا. نوى الانفراد وكمل صلاته. فقد انتفل من امامة الى انفراد والله الموفق للصواب. السؤال السابع والعشرون عن اسباب سجود السهو وكيفية حكم تلك الاسباب؟ الجواب وبالله التوفيق هذا سؤال جامع يحتاج الى جواب جامع لجميع تفاصيل سجودك السهو وما يناسبها ويرتبط بها. وهذا الباب من اصعب ابواب العبادات. لانتشار مسائله واشتباهها. وبحول الله سيأتي الجواب جامعا لمتفرقاته مقربا لبعيده مسهلا لشديده. اعلم رحمك الله بالعلم النافع والعمل الصالح ان اسباب سجود السهو ثلاثة لا غيب. واحد زيادة اثنان ونقصان ثلاثة وشك في الصلاة. اما الزيادة في الصلاة فلا تخلو من حالين. اما ان تكون من جنس الصلاة كزيادة قيام او قعود او ركوع فهذه زيادة فعلية ان تعمدها المصلي بطلت صلاته وان فعلها ناسيا او جاهلا صحت صلاته وعليه سجود السهو. فهذه زيادة افعال من جنس الصلاة. وان كانت الزيادة التي من جنس الصلاة زيادة اقوال كان يأتي بقول مشروع في غير محله. فان كان سهوا استحب السجود له ولم يجب ان كان عمدا فهو مكروه ان كان قراءة في ركوع او سجود او تشهد في قيام. وان كان غير ذلك فهو ترك للاولى. وان كانت الزيادة الفعلية او قولية من غير جنس الصلاة مثال فعلية الحركة والاكل والشرب فهذه لا سجود فيها ولكن يبحث عن حكمها من جهة ابطال بالصلاة وعدمه. اما الحركة فهي ثلاثة اقسام. حركة مبطلة وهي الكثيرة عرفا. المتوالية لغير ضرورة. وحركة مكروهة وهي اليسيرة لغير حاجة. وحركة جائزة وهي اليسيرة لحاجة او الكثيرة للضرورة. فقد تكون مأمورا بها كالتقدم والتأخر في صلاة الخوف ومثله التقدم الى مكان فاضل. واما الاكل والشرب فان كان عمدا ابطلها الا يسير الشرب في حفل وان كان سهوا ابطلها الكثير. ومثال القولية التي من غير جنس الصلاة الكلام. فان كان عمدا غير جاهل ابطلها. وان كان كان سهوا او جهلا فالصحيح انه لا يبطلها. والمذهب الابطال كما تقدم. واما النقصان فلا يخلو اما ان يكون نقص ركن او نقص واجب او نقص مسنون. فان كان نقص ركن وذكره قبل السلام وقبل شروعه في قراءة الركعة التي بعد المتروك منها اه لزمه ان يأتي به وبما بعده. وان كان بعد شروعه في قراءة التي بعدها. فكذلك على الصحيح لان الذي فعله بعد المتروك وقع لاغيا عفوا فيرجع فيأتي بالمكروك وبما بعده ان لم يصل الى محله. فان وصل الى محله فلا حاجة الى الرجوع بانه قد حصل الوصول اليه. وعلى المذهب لا يرجع بعد الشروع في القراءة. بل تقوم هذه الركعة مقام الركعة المتروكة منها الركن وتنوب منابها وتلغو تلك الركعة وعليه السجود للسهو في هذه الصور. وان ذكر المتروك بعد السلام فكتركه قبله الصحيح وعلى المذهب كترك ركعة كاملة. فيأتي بركعة كاملة الا ان يكون المتروك تشهدا اخيرا او جلوسا له تأتي به وعليه السجود في هذه الصور كلها. فهذا تفصيل القول في ترك الاركان. ويستثنى منها اذا كان المتروك تكبيرة الاحرام فان الصلاة وقعت غير مجزية فتعاد من اصلها. واما نقص الواجب فان ذكره قبل الوصول الى الركن الذي يليه وجب عليه في الرجوع وان وصل الى الركن الذي يليه لم يرجع مطلقا على الصحيح وعلى المذهب يستثنى التشهد الاول اذا وصل الى القيام قبل ان يشرع في القراءة يجوز له الرجوع. والاولى عدم الرجوع. وعليه سجود السهو في كل هذه السور. وان كان ترك الركن والواجب عمدا بطلت الصلاة. واما نقصان المسنون فاذا ترك مسنونا لم تبطل صلاته. ولم يشرع السجود لتركه سهوا. فان سجد فلا بأس ولكنه يقيد بمسنون كان من عزمه ان يأتي به فتركه سهوا. اما المسنون الذي لم يخطر له على بال او كان من عادته تركه فلا يحل السجود لتركه لانه لا موجب لهذه الزيادة. واما الشك فان كان بعد السلام لم يلتفت اليه كذلك اذا كثر الشكوك لا يلتفت اليها. وان لم يكن كذلك فالشك اما في زيادة او نقصان. الشك في زيادة ركن او واجب في غير المحل الذي هو فيه لا يسجد له. واما الشك في الزيادة وقت فعلها فيسجد له. واما الشك في نقص الاركان فكتركها. والشك في ترك واجب لا يوجب السجود. واذا حصل له الشك بنى على اليقين وهو الاقل. تساوى عنده الامران او غلب احدهما اماما كان او غيره هذا المذهب وعن احمد يبني على اليقين الا ان كان عنده غلبة ظن فيأخذ بغلبة ظنه. هذا القول هو الذي تدل عليه النصوص الشرعية. فهذه اسباب سجود السهو وتفاصيلها. لا يشذ عنها شيء. حيث وجب عليه سجود السهو او شرع له فهو مخير من شاء جعله قبل السلام وان شاء جعله بعده. والله تعالى اعلم. السؤال الثامن والعشرون ما حكم السجود على حال الجواهر السجود على حائل ثلاثة انواع. ممنوع وجائز ومكروه. فالممنوع اذا جعل بعض اعضاء سجوده على بعض كأن يجعل يديه او احداهما على ركبتيه او يسجد بجبهته على يديه او يضع احدى رجليه على الاخرى فهذا غير جائز وهو مبطل للصلاة لان السجود على الاعضاء السبعة ركن. وفي هذه الحال ترك منها ذلك العضو وصار الحكم للعضو واما الحائل المكروه فان يسجد على ثوبه المتصل به او عمامته من غير عذر. واما الجائز فان كان الحائل غير متصل بالانسان فدخل في ذلك الصلاة على جميع ما يفرش من الفرش المباحة. السؤال التاسع والعشرون ما حكم سترة المصلي الجواب لها حكمان حكم في حق المصلي وحكم في حق المار. اما المصلي فيسن ان يصلي الى سترة شاخصة ويدنو منها ويجعلها يمينه او يساره. فان لم يجد شاخصا خط خطا وفي ذلك فوائد. منها اتباع السنة وطاعة الله ورسوله. ومن انه يرد البصر عن مجاوزته فيمنع القلب من الالتفات. ولها في هذا المعنى خاصية عجيبة. ومنها انه يفيده ان انه لا يقطع صلاته ولا ينقصها من مر وراءها. فان مر احد دونها نقص صلاته الا ان يكون المار امرأة او حمار او كلبا اسود بهيما فانه يبطلها كما صح به الحديث. والمشهور ان المرأة والحمار لا يبطلانها. لكن الاول اولى واما في حكم المار فيحرم المرور بين المصلي وسترته. فان لم يكن سترة فاذا مر وبين يديه نحو ثلاثة اذرع فانه يأثم المار اثما عظيما الا ان يصلي في موضع يحتاج الناس الى المرور فيه او في المسجد الحرام خصوصا فيما قرب من البيت صحيح انه يقيد ذلك بالحاجة. والحاجة تختلف بحسب كثرة الناس في البيت الحرام وقلتهم. واذا مر بين يديه في الحالة التي يجوز له المرور فيها دفعه عنه بالاسهل فالاسهل. السؤال الثلاثون ما الحالة التي يسقط فيها شيء من الاركان في الصلاة مع القدرة. الجواب يسقط القيام عن المأمومين اذا صلى بهم الامام الراتب جالسا لعجزه عن القيام. فيشرع لهم الجلوس وهو واولى من القيام الا اذا ابتدأ بهم الصلاة قائما ويسقط بالمداواة اذا كان القيام يمنع الحصول المقصود ويسقط ايضا اذا خاف عدوا ينظر اليه اذا قام. فتسقط الفاتحة عن المأموم اذا جهر امامه فيتحملها الامام عنه. ويسقط القيام ايضا للعريان على المذهب. والصحيح عدم السقوط لعدم الدليل على سقوطه. وكذلك على المذهب اذا قدر ان يصلي في غير الجماعة قائمة. واذا حضر الجماعة لم يقدر على القيام. المذهب انه يخير. فقيل يقدم القيام. فقيل يقدم صلاة الجماعة وهو اولى لان القيام في حقه يصير غير ركن لعجزه عنه. ويدرك الجماعة التي لا تعد مصالحها. السؤال الحادي والثلاثون ما السور الايات المخصوصة المشروعة قراءتها في الصلاة. الجواب يشرع قراءة قل يا ايها الكافرون بعد الفاتحة في الركعة الاولى وفي الثانية قل هو الله احد في سنة الفجر. وكذلك المغرب واخر الوتر وسنة الطواف. ويشرع ايضا في ركعتي الفجر في الركعة اولى بعد الفاتحة قولوا امنا بالله الى اخر الاية وفي الثانية قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الاية. ويسن ان يقرأ في فجر الجمعة الف لام ميم تنزيل السجدة. وفي الثانية الاتي على الانسان. وفي صلاة الجمعة سبح والغاشية او سورة الجمعة والمنافقون. وفي العيدين بقاف والقرآن المجيد وبسبح والغاشية هذه الصلوات التي خصصت فيها هذه السور والايات لحكم لا تخفى على من تدبرها. مع جواز قراءة غيرها. السؤال الثاني والثلاثون ما الذي يجوز من الصلوات اوقات النهي؟ الجواب يجوز فيه واحد الفرائض اثنان والمنذورات ثلاثة سنة الظهر اذا جمع بينها وبين العصر اربعة واعادة جماعة اقيمت وهو في المسجد على المذهب وعلى الصحيح ولو اقيمت وهو خارج المسجد. خمسة وسنة الطواف ستة. واذا دخل والامام يخطب سبعة وكذلك على الصحيح ذوات الاسباب. السؤال الثالث والثلاثون من الذي تجب عليه الجماعة والجمعة؟ الجواب تجب الجماعة على الذكور المكلفين القادرين. ويشترط وايضا في وجوب الجمعة ان يكون مستوطنا بقرية وهل الحرية شرط لوجوب الجمعة والجماعة على قولين المذهب منهما قيراطها فلا تجبان على عبد مملوك باشتغاله بخدمة سيده. الصحيح وجوب جميع التكاليف البدنية على المكلفين من الارض جماعة او جمعة او غيرهما. لان النصوص الموجبة لذلك تتناول الارقاء كما تتناول الاحرار. ولان وجوب الصلاة والصيام ونحوهما لم يختلف الناس انها شاملة للصنفين. فكذلك يجب ان تكون الجمعة والجماعة. وقولهم العبد مشغول بخدمة سيده يجاب عنه بانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. الخدمة الواجبة للسيد مؤخرة عن حق الله تعالى العبد وسيده داخلان في رق التكليف. اما العبادات المالية كالزكاة والحج حيث احتاج للمال والكفارات والنذور المالية العبد فيها في حكم المعسر بانه لا يملك ولو ملكه السيد. فالمال الذي بيده للسيد يتعلق بالسيد احكامه. والله اعلم السؤال الرابع والثلاثون الذي يقضيه المسبوق هل هو اول صلاته او اخرها؟ الجواب ليس باولها في ابتداء النية تكبير الاحرام قولا واحدا. وكذلك اذا ادرك المسبوق من الثلاثية او الرباعية ركعة فانه اذا قام يقضي ما عليه ليسرد ركعتين من يصلي ركعة ثم يجلس للتشهد ثم يتم ما عليه. وما سوى هذه الصور الثلاث فيها قولان في المذهب هما روايتان عن عن الامام احمد المشهور عند المتأخرين ان ما يقضيه اول صلاته فيستفتح له ويستعين ويقرأ مع الفاتحة غيرها. وهذا ان القضاء يحكي الاداء فيقتضي ان الذي يقضيه يكون بصفة ما فاته سوى الصور المتقدمة. هذا حجة هذا القول. واما استدلال بعض بان في بعض الفاظ حديث ابي هريرة فما ادركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا فليس الاستدلال صحيحا. لان القضاء بمعنى الاتمام كما هو طريقة الكتاب والسنة. والقول الاخر ان الذي يقضيه هو اخر صلاته. وهو الصحيح الذي تدل عليه الادلة والاصول والواقع فان الحديث صح بلا شك قوله وما فاتكم فاتموا. والاتمام بناء الاخر على الاول وتتميمه له. ولفظه فقد وبمعناها ويدل على ذلك الصور السابقة. فلو كان ما يقضيه اول صلاته لوجب عليه ابتداء النية وتكبيرة الاحرام في قضائه وايضا هذا خلاف الواقع فليس اخر الشيء هو اوله. لكن قال بعض القائلين بهذا القول اذا قام لقضاء اولتي الرباعية او الثلاثية قرأ مع الفاتحة استدراكا للقراءة الفائتة. وهذا قول حسن. السؤال الخامس والثلاثون اذا سبق المأموم امام فما حكم ذلك؟ الجواب المشروع ان المأموم لا يشرع في ركن حتى يصل امامه الى الركن الذي يليه. كما دلت عليه الاحاديث وعمل الصحابة رضي الله عنهم. واما سبق المأموم لامامه فهذا محرم منهي عنه. متوعد عليه بالعقوبة. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. اما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الامام ان يحول الله رأسه رأس حمار او يجعل صورته صورة حمار فقال انما جعل الامام ليؤتم به. والحديثان في الصحيحين. واما حكم سبقه له فلا يخلو الحال اما ان يكون السبق عمدا اما ان يكون جهلا او نسيانا. فالعمد يبحث فيه عن الاثم وعن بطلان الركعة وبطلان الصلاة. والجهل والنسيان انما يبحث فيهما عن بطلان الركعة فقط وبيان ذلك انه ان سبقه عمدا ذاكرا بركن الركوع او بركنين غير الركوع فان صلاته تبطل مجرد هذا السبق مثال سبقه بركن الركوع ان يركع المأموم ويرفع من الركوع قبل ان يصل الامام للركوع. ومثال السبق بركنين ان يسجد المأموم قبل سجود امامه ثم يرفع ثم يسجد السجدة الثانية قبل ان يصله الامام. فهذا تبطل صلاته ويعيدها من اولها. وان سبقه بركن غير الركوع او الى ركن الركوع بان ركع مثلا قبل ركوع امامه فهذا عليه ان يرجع ان يأتي بالركوع بعد امامه فان لم يفعل حتى ادركه الامام فيه بطلت صلاته ولا تبطل صلاته بمجرد هذا السبق الى ركن ركوع او بركن واحد غير الركوع على المذهب. وعن احمد ما يدل على بطلان صلاته بمجرد السبق. وهو ظاهر الادلة فهذا حكم المتعمد. واما اذا وقع السبق نسيانا او جهلا فلا يخلو اما ان يرجع فيأتي بما سبق به مع الامام او لا. فان رجع صح ركعته مطلقة سواء كان السبق الى ركن او بركن او بركنين او اكثر. فان لم يرجع حتى لحقه الامام فان كان سبقه الى حكم الركوع بان ركع ساهيا او جاهلا قبل امامه ثم ركع الامام والسابق في ركوعه صحت ركعته واعتد بها ومثله السبق في ركن واحد غير الركوع. وان كان السبق بركن الركوع او بركنين غير الركوع فان رجع قبل وصول الامام له صحت ايضا وان لحقه الامام لغت الركعة التي وقع فيها السبق. هذا تفصيل جامع لاحوال المسابقة. فقد تبين ان الجاهل لا صلاته على كل حال. وكذلك الناس وانما التفصيل المذكور في ركعته هل يعتد بها ام لا؟ السؤال السادس والثلاثون ما الصفات المعتبرة في الامام في الصلاة اشتراطا واولوية. الجواب اذا جمع الامام خمسة امور الذكورية والتكليف الاسلام والعدالة والقدرة على جميع شروط الصلاة واركانها صحت امامته في كل الاحوال. الا الجمعة فيشترط مع الخمس الحرية والاستيطان في القرية. فان اختل من هذه الامور شيء فاما الا تصح صلاته وامامته كالكافر. واما ان صحة صلاته دون امامته كالفاسق. واما ان تصح امامته في النفل مطلقا وفي الفرض بمثله كالصبي المميز. واما ان تصح امامته بمثله فقط كالمرأة والعاجز عن شيء من الاركان والشروط ويستثنى الامام الراتب اذا عجز عن القيام فتصح امامته بالقادرين عليه. فكذلك الرفيق والمسافر وغير المتوطن لا تصح امامتهم في الجمعة. هذا التفصيل المذكور هو المشهور في المذهب وفيه قول اخر وهو الاصح دليلا ان كل من صحت صلاته لنفسه صحت امامته بل من لم تصح صلاته لنفسه اذا لم يعلم به المأموم حتى فرغ فلا اعادة وليس ثم دليل يجب المصير اليه في ابطال امامة الفاسق عاجز عن الشروط والاركان والصبي البالغ بل عموم الادلة تدل على جواز ذلك. والنبي صلى الله عليه وسلم قال في ائمة يصلون لكم فان اصابوا فلهم ولكم وان اخطأوا فعليهم ولكم. والعاجز عن واجبات الصلاة لا يصير مخلا بواجب عليه فكما انه معذور فالمصلي خلفه كذلك. وعموم قوله صلى الله عليه وسلم يؤم القوم اقرأهم لكتاب الله. فان كانوا في القراءة سواء فاعلمهم بالسنة. فان كانوا بالسنة سواء فاقدمهم هجرة. وهو في الصحيح يتناول العدل والفاسق والحر والكبير والصغير والمسافر والمقيم والجمعة والجماعة والقادر على جميع الاركان والشروط والعاجز عن بعضها. فقد اما عن عمر بن سلمة قومه وهو ابن سبع سنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. هذا في صحة الامامة فقط بقطع النظر عن الاولوية واما من هو اولى بالامامة فاعلم ان جميع الولايات والتقديمات الشرعية ينظر فيها الى من هو اقوم بمقاصد تلك الولاية معظمهم كفاءة وقدرة عليها ومنها الامامة. فقد فصل النبي صلى الله عليه وسلم فيها الامر في الحديث السابق. وجعل العلم بالكتاب السنة والدين هي اولى ما يقدم به الامام. فمن جمع القراءة والعلم والدين فهو احق بالامامة. فان اشترك اثنان فاكثر في بهذه الصفات المتميز منهما والراجح يرجح. والترجيحات متعددة قد ذكرها الفقهاء. ومع الاستواء في وجودها او عدمها الاسن وهذا في ابتداء الامر. والا من كان مترتبا في مسجد او في بيته فهو احق بالامامة من غيره. وان كان الغير افضل منه بتلك الصفات وهذا في جميع الولايات والوظائف الدينية ان كان المتولي لها غير مخل بمقصودها فلا يفتات عليه ويقدم غيره ولو افضل منه. واما الذي يعتبر التقديم به في الفضل في الصفات المقصودة. ففي ابتداء الامر لا في استمراره ودوامه فلا تؤخذ احكام الابتداء من احكام الدوام ولا بالعكس والله اعلم. السؤال السابع والثلاثون ما الذي يعتبر في اقتداء المأموم بامامه. الجواب الشرط الذي لا يختلف العلماء فيه انه اذا امكن المأموم متابعة امامه فلابد من هذا الشرط وامكان متابعته برؤية للامام او لمن خلفه او سماع صوته او صوت المبلغ عنه. فمتى فقد هذا الشرط لم يصح الاقتداء ومن توجد الامام والمأموم في المسجد لم يشترط غيره. فان كان احدهما خارج المسجد فلابد من رؤية المأموم للامام او لمن خلفه ولو في بعض الصلاة ولابد ايضا الا يكون بينهما طريق مسلوك او نهر تجري فيه السفن على المذهب. والصحيح عدم واعتبار الامرين وهو احد القولين في المذهب لعدم الدليل على انجاب ذلك مع امكان الاقتداء ولعدم المانع في مواضع صلاتهما فلا يضر الحائل المانع. هذا مع قولنا ان الصلاة لا تصح في الطريق. وان قلنا بصحتها وهو الصحيح فالامر واضح. السؤال الثاني الثامن والثلاثون في موقف المأموم مع امامه في الصلاة. الجواب الموقف اربعة. واجب ومندوب وجائز وممنوع. اما المندوب فهو وقوف المأمومين اذا كانوا اثنين فاكثر خلف الامام. ووقوف المرأة الواحدة خلف الرجل. والجائز وقوف المأمومين جانبي الامام او عن يمينه ووقوف المرأة عن يمين الرجل. واختلف في الوقوف عن يسار الامام مع خلو يمينه. المذهب انه ممنوع صحيح انه من الجائز وادارة النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس لما وقف عن يساره الى يمينه يدل على استحباب ذلك واستحباب باب الادارة لا وجوبها. لان فعله صلى الله عليه وسلم يدل على الندب. الموقف الممنوع وقوف الرجل وحده خلف الامام او خلف الصف مطلقا على المذهب وعلى القول الثاني في حال امكان اصطفافه فان لم يمكنه بان لم يجد في الصف مكان سقط عنه وجوبه والاصطفاف ووقف وحده. واما العراة يقف بينهم وجوبا. والمرأة اذا امت النساء تقف وسطهن استحبابا. فان وقف معه من يعلم عدم صحة صلاته فهو منفرد. وان وقف معه محدث او نجس لا يعلم منه ذلك. فالاصطفاف صحيح. وان وقف معه صبي وهو رجل لم يصح على المذهب وعلى القول الصحيح يصح والله اعلم. السؤال التاسع والثلاثون عن رخص السفر ما هي؟ الجواب من قواعد الشريعة المشقة تجلب اليسر. فلما كان السفر قطعة من العذاب يمنع العبد نومه وراحته وقراره رتب عليه ما رتب من الرخص حتى ولو فرض خلوه عن المشقات. لان الاحكام تتعلق بعللها العامة. فان تخلفت في بعض الصور والافراد فالحكم الفرد يلحق بالاعم ولا يفرد بالحكم. وهذا معنى قول الفقهاء النادر لا حكم له. يعني لا القاعدة ولا يخالف حكمه حكمها. فهذا اصل يجب اعتباره. فاعظم رخص السفر واكثرها حاجة القصر. لذلك ليس للقصر من الاسباب غير السفر. ولهذا اضيف السفر الى القصر لاختصاصه به. فتقصر الرباعية من اربع الى ركعتين. ومن معاني القصر قصر اركان الصلاة وهيئاتها. ولذلك قال الفقهاء في قراءة قصار المفصل الفجر لا ينبغي الا في السفر. ومن رخصه الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت احداهما. الجمع اوسع من القصر. ولهذا له اسباب اخر غير السفر كالمرض والاستحاضة ونحوها من الحاجات. والقصر افضل من الاتمام بل يكره الاتمام لغير سبب. واما الجمع في السفر فالافضل تركه الا عند الحاجة اليه او ادراك الجماعة به. فاذا اقترن به مصلحة جاز. ومن رخص السفر الفطر في رمضان. الصلاة النافلة على الراحلة الى جهة سيره. فكذلك المتنفل الماشي. ومنها المسح على الخفين والعمامة والخمار ونحوها ثلاثة ايام بليال تاليها واما التيمم فليس سببه السفر ان كان الغالب ان الحاجة اليه في السفر اكثر منه في الحضر. ولعل هذا السبب في ذكر السفر في اية التيمم فان كنتم مرضى او على سفر. الاية وانما سبب التيمم العدم للماء او الضرر باستعماله. قال تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا. وكذلك اكل الميتة للمضطر عام في السفر والحضر. ولكن الغالب وجود الضرورة في ومن رخص السفر ايضا انه موسع للانسان ان يترك الرواتب في سفره ولا يكره له ذلك مع انه يكره تركها في الحضر من رخص السفر ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من مرض او سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما. فالاعمال يعملها في حضره من الاعمال القاصرة والمتعدية يجري له اجرها اذا سافر. وكذلك اذا مرض فيا لها نعمة ما لها واعظمها. واما صلاة الخوف فليس سببه السفر ولكنه فيه اكثر. السؤال الاربعون ما الامور التي اشتركت فيها الجمعة مع العيدين والتي افترقت؟ الجواب وبالله الاعانة والوصول الى ما يحبه ويرضاه. اعلم ان الشارع من حكمته ومحاسن شرعه شرع للمسلمين الاجتماع للصلوات وانواع التعبدات. وهو اما اجتماع خاص كاجتماع اهل المحال المتقاربة لجماعة الصلوات الخمس واما اجتماع عام يجتمع فيه اهل البلد في مسجد واحد للجمعة. واما اجتماع اعم من ذلك كاجتماع اهل بلد رجالهم ونسائهم احرارهم وارقائهم في الاعياد. واما اجتماع اعم من ذلك كله. كاجتماع المسلمين في جميع اقطار الارض في عرفة ومناسك الحج. وفي هذه الاجتماعات من الحكم والاسرار ومحاسن الشريعة ومصلحة الامة ما لا يعد ولا يحصر. فمنها اظهار شعائر الدين وبروزها مشاهدا جمالها عند الموافقين والمخالفين. فان الدين نفسه وشعائره ومن اكبر الادلة على انه الحق. وانه شرع لوصول الخلق الى صلاح دينهم ودنياهم وصلاح اخلاقهم واعمالهم. سعادتهم الدنيوية والاخروية فوقوف الخلق على حقيقة دين الاسلام وشرحه لافهام الناس كاف وحده لكل منصف قصده الحقيقة لمحبته وبيان انه لا دين الا هو. وان ما خالفه فهو باطل وايصال هذا المعنى لافهام الخلق له طرق كثيرة من ابلاغها واجلها اظهار هذه الشعائر. وما احتوت عليه من التقربات واصناف العبادة. ولهذا كانت هذه الشعائر علما على بلد وظهور الدين وعلوه على سائر الاديان. ومنها ان حقائق هذه العبادات لا تحصل بدون الاجتماعات المذكورة. فالحكم التي شرعت لاجلها متوقفة على هذا الاجتماع. ومنها ان اجتماع الخلق لهذه العبادات من اعظم محبوبات الرب. لما فيها من تنشيط العباد كعبادة ربهم وزيادة رغبتهم وتنافسهم في قربه وحصول ثوابه وسهولة العبادة عليهم وخفتها وكثرة ما تشتمل عليه من انكسار لعظمة الرب والتذلل له والتضرع وخشوع القلب وحضورها بين يدي الله واجتماعهم على طلبهم من ربهم مصالحهم العامة المشتركة والخاصة ومنها ما في اجتماع المسلمين من قيام الالفة والمودة لان الاجتماع الظاهر عنوان الاجتماع الباطن وتفكيرهم في صالحهم والسعي للعمل لها وتعلم بعضهم من بعض. فالعلم الذي لابد منه للصغير والكبير والذكر والانثى. قد تكفلت هذه الاجتماعات بحصوله ولولا هذه الاجتماعات لم يعرف الناس من مبادئ دينهم واصوله شيئا الا افذاذا منهم. ولهذا كان الوافد يفد الى النبي صلى الله عليه وسلم ويسأله عن الصلوات الخمس فيأمره بحضور الصلاة معه يوما او يومين ثم ينصرف من عنده فاهما لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وقال صلوا كما رأيتموني اصلي. وقد حج النبي صلى الله عليه وسلم بعد فرض الحج مرة واحدة. وحج مع المسلمون وقال خذوا عني مناسككم فانصرف الناس اخذين عن نبيهم صلى الله عليه وسلم احكام الحج الكلية والتفصيلية التعليم العملي ابلغ من التعليم القولي والجمع بينهما اكمل. ومنها ان في هذه الاجتماعات من معرفة مراتب المسلمين. وما هم عليه من العلم والدين والاخلاق والمحافظة على الشرائع او غير ذلك. من اعظم الفوائد المميزة لتحصل معاملتهم بحسب ذلك ولولا هذا الاجتماع لكان ناقص الدين قليل الاهتمام به يتمكن من ترك شرائعه. ولا يمكن الزامه بها. وفي ذلك من مضرته ومضر العموم ما فيه. وفي الجملة فيها من صالح الدين والدنيا ما هو من الضرورات التي لا بد منها. فهذه الفوائد وغيرها قد اشتركت فيها وبانها من شروط الدين وواجباته. وبانها ركعتان يجهر فيهما في القراءة. وبمشروعية الخطبتين فيهما. فالذي اشتركت فيه اكثر مما افترقت استحباب التجمل والتطيب وتبكير المأموم اليهما وتأخر الامام الى وقت الصلاة والاستيطان والعدد على القول قولي به افترقت باشياء بحسب احوالها ومناسبة الحال الواقعة فمنها الوقت الجمعة من الزوال الى وقت العصر عند اكثر العلماء عند الامام احمد من اول صلاة العيد الى وقت العصر ووقت العيد من ارتفاع الشمس قيد رمح الى قبيل الزوال ومنها صلاة الجمعة اذا فاتت لا تقضى بل يصلون ظهرا. واما العيد فتقضى من الغد بنظير وقتها. الفرق ان العيد لما كان لا يتكرر الا بتكرر العام ولا يمكن تفويت ما في ذلك لاجتماع من المصالح شرع قضاؤه. واما الجمعة فتتكرر بالاسبوع. فاذا فات اسبوع حصل المقصود بالاخر مع حكمة اخرى وهي ان العيد كثيرا ما يعذر الناس بفواته بتعلقه بالاهلة بخلاف الجمعة ومنها ان الجمعة الخطبتان قبلها والعيدين بعدهما. فقد ذكر الحكمة في ذلك انهما في العيد سنة. وفي الجمعة شرط لازم. فاهتم بتقديمه وهذا ايضا فرق اخر. ومنها انه يشرع في صلاة العيد تكبيرات زوائد في اول كل ركعة في الاولى. ست بعد تكبيرة الاحرام في الثانية خمس بعد تكبيرة الانتقال. ومنها ان المشروع ان تكون صلاة العيدين في الصحراء الا لعذر جمعة مشروع ان تكون في قصبة البلد الا لعذر. فمن الحكمة في ذلك لاشتهار العيد وزيادة اظهاره والاشتراك الرجال والنساء هذا ايضا من الفروق بينهما. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر النساء بالخروج للعيد حتى يأمر ذوات الخدور وحتى يأمر الحيض ليحضرن دعوة المسلمين. فان دعوتهم مجتمعة اقرب للاجابة. كما ان العبادة المشتركة افضل من المنفردة حتى فضلت صلاة الجماعة على صلاة الفجر بسبع وعشرين ضعفا. وهذا من المعاني المشتركة. ومنها وجوب فطر يوم العيد دون فان افراد صومه مكروه لكون العباد اضياف كرم الكريم فيهما. ومنها انه في العيد ينبغي ان يخرج من طريق ويرجع في اخر بخلاف الجمعة ومنها كراهة التنقل في مصلى العيد قبل الصلاة وبعدها بخلاف الجمعة. ومنها ان الجمعة فرض عين بالاجماع. واما ففيهما خلاف معروف. المشهور من المذهب انهما فرض كفاية. والصحيح انهما فرض عين. وهو احدى الروايتين عن احمد الشيخ تقي الدين ومنها ما يتعلق بالعيدين من زكاة الفطر والتكبير المطلق والمقيد ومن الاضاحي والهدي. فلا تشاركها الجمعة فيها ومنها ان في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم يدعو الله الا استجيب له ولم يرد مثل هذا في العيدين. كذلك استحب العلماء زيارة القبور يوم الجمعة دون العيدين. الجمعة تتأكد فيهما الزيارة والعيد استحباب مطلق كسائر الايام. ومن الفروق ما قاله الله اصحاب ان خطبتي العيدين تستفتح الاولى بتسع تكبيرات والثانية بسبعة بخلاف الجمعة فانها تستفتح بالحمد. صحيح استوائها بالاستفتاح بالحمد. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح جميع خطبه بالحمد. تشترك صلاة عيد الفطر وصلاة عيد النحر في جميع هذه الاحكام ويفترقان في امور يسيرة بحسب وقتهما. ففي الفطر ينبغي الا يخرج من بيته حتى يأكل تمرات وترا تحقيقا للفرق بينه وبين الايام التي قبله في وجوب الصيام ووجوب الفطر. كما يكره ان يتقدم شهر رمضان بصيام يوم او كما يكره قرن الفرائض بسننها. وكره للامام ان يتطوع موضع المكتوبة. الحكمة في ذلك لاجل ان يتميز الفرد من غيره واما النحر فلا ينبغي ان يأكل الا من اضحيته بعد الصلاة. وعيد الفطر تتعلق به احكام صدقة الفطر. وعيد النحر تتعلق به في احكام الاضاحي. ولهذا ينبغي في خطبة عيد الفطر ان يذكر احكام صدقة الفطر. وفي النحر ان يذكر احكام الاضاحي. وهذا من الفروق بل ينبغي لكل خاطب ومذكر ان يعتني بهذا المقصود. يذكر الناس ما يحتاجون اليه بحسب الزمان والمكان والاحوال كما كانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النمط لان المقصود بالخطب امران تعليم الناس ما ينفعهم من مهمات دينهم ترغيبهم وترهيبهم بالوعظ عن التقصير بالمأمور والوقوع في المحظور. السؤال الحادي والاربعون ما الاحكام المتعلقة الميت على وجه الاجمال؟ الجواب احكامه نوعان. نوع يتعلق بذاته ونوع يتعلق بمخلفاته. اما النوع الاول فهو تجهيز بالتغسيل والتكفين والصلاة عليه ودفنه وحمله وهي فرض كفاية لشدة حاجته وضرورته الى هذه الامور وتجهيزه الى ربه في احسن الاحوال من تمام النظافة. شفاعة اخوانه المسلمين ودعائهم له واكرامه واحترامه الشرعيات. واما المتعلق بمخلفات فيما يتعلق بتركاته اربعة حقوق مرتبة. واحد مؤن التجهيز تقدم على كل شيء. اثنان ثم الديون التي عليه ثلاثة ثم تنفذ وصاياه من ثلثه. اربعة ثم يقسم الباقي على ورثته. والحمد لله رب العالمين. اسئلة تتعلق بالزكاة اه السؤال الثاني والاربعون ما الاموال التي فيها الزكاة ومقدار ما تجب فيه ومقدار الواجب والحكمة في ذلك كله؟ الجواب وبالله استعين في جميع اموري. اعلم ان الزكاة احد اركان الاسلام ومبانيه العظام. شرعها رحمة بعباده لكثرة منافعها الكلية والجزئية. ولهذا سميت زكاة لانها تزكي صاحبها. فيزداد ايمانه ويتم اسلامه ويتخلق باخلاق الكرماء عن اخلاق اللؤماء وتطهره من الذنوب ويكثر اجره وثوابه وقربه من الله ويبارك الله في اعماله وتزكو حسناته تقبل طاعاته ويدخل في غمار المحسنين. فالزكاة اصل الاحسان الى الخلق. وكذلك تزكي المال المخرج منه بحفظه من الافات اخلاصه من مخالطة السحت الذي ينسحت ويسحت ما خالطه ويبارك فيه. فانه وان نقصته الزكاة حسا فانها زادته معنى. لان مخرج اليه المدفوع له فان المدفوع له نوعان. نوع يعطى لحاجته كالفقير والمسكين وابن السبيل والغارم لنفسه. ونوع لحاجة المسلمين اليه وعموم نفعه كالعامل عليها والمؤلفة قلوبهم والغارم لاصلاح ذات البين والاخراج في سبيل الله هذه المصالح الكلية العامة تلك المصالح الفردية الجزئية بها قوام الخلق ودفع حاجاتهم وحصول منافعهم واعطاؤها على هذا الوجه من اعظم محاسن الاسلام. وانه الدين الذي يقوم للناس امر دينهم ودنياهم. ويدفع من الشرور والفوضى ما لا يندفع الا اوقف ولا ينكح ولا يعتق ولا يفسخ شيئا من ذلك سوى مالكه. او من يقوم مقام المالك من وكيل الحي الرشيد وولي الصغير وغير العاقل ووصي الميت وناظر الوقف. والحاكم ولي الغائبين والممتنعين مما وجب عليهم. فلو اوقع هذه الامور بحصول هذه الاحكام الجليلة الجميلة. ثم ان الشارع سهلها على الخلق جدا في الاموال التي اوجبها. وفي مقدار الواجب فلم يوجبها في الاموال التي ترتبط بها ضرورات الانسان وحاجاته كالمنزل الذي يسكنه. والعقار الذي يحتاج اليه. والاواني والفرش والاثاث التي يستعملها وعبيد الخدم وحيوانات العمل في حوائج الانسان وضروراته في غير التجارة بل ولم يجبها في الخير والبغال والحمير وانواع حيوانات غير الاصناف الثلاثة الا اذا كانت للتجارة فهذا برهان انها ما اوجبت الا في الاموال الفضلية لا اموال القنية للحاجة وشرعها في اربعة اصناف من المال. واحد في بهيمة الانعام من الابل والبقر والغنم. اثنان وفي الخارج من الارض من والشمال ونحوها ثلاثة وفي الاثمان. اربعة وفي عروض التجارة. ثم من تيسره على عباده انها لا تجود. ثم من تيسره على عباده انها لا تجب في هذه الاشياء حتى تبلغ نصابا قدره الشارع الحكيم. فجعل اول نصاب الابل خمسا ولم يوجب فيها من جنسها لانه يجتاح رب المال بل اوجب فيها شاة. وهكذا كل خمس شاة حتى تبلغ ما يناسب ان يخرج من نوعها اقل س وفي بنت مخاض في خمس وعشرين. ثم بنتي لابون في ست وثلاثين. ثم حقة في ست واربعين لها ثلاث سنين ثم جذعة لها اربع سنين في احدى وستين. ثم في ست وسبعين ابنتا لبون. وفي احدى وتسعين حقتان. وفي احدى ومئة ثلاث بنات لبون. ثم يستقر السن الاوسط في كل اربعين بنت لبون. وفي كل خمسين حرقة. ولم يوجب في الغنم حتى ستبلغ اربعين وفيها شاة وفي مائة واحدى وعشرين شاتان. وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه. ثم تستقر الفريضة في كل كل مائة شاء. واما البقر فلا يجب فيها حتى بلوغ ثلاثين. فاذا بلغتها ففيها تبيع له سنة. وفي اربعين مسنة لها سنتان ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل اربعين مسنة ولم يوجب في الواتس الذي بين الفرضين شيء عفوا وترغيبا للملاك وشكرا لهم على اداء الحق. والفرق بين بهيمة الانعام وغيرها ان غيرها متى زاد ولو قليلا على النصاب ففيه بحسابه. وان بهيمة الانعام قد دار الشارع فيها اول النصاب واوسطه واخره. وغيرها من الاموال قدر اول النصاب فقط. فدل على انها كلما زاد عنه زاد الواجب والله اعلم. ثم من تسهيله لم يوجب في هذا النوع حتى تتغذى بالمباح. وتسوم الحول او اكثره. اذا كان صاحبه يعنفها فلا يجمع عليه بين مؤنة العلف وايجاب الزكاة عليه. واما الخارج من الارض من حبوب وثمار فلم يوجب فيها شيئا قبل ذلك ثماني ثلاثمائة صاع ستة اوسق. ففرق بين الشارب بمؤنة فلم يوجب فيها الا نص العشر. وبينما لم يكن بمؤنة فجعل فيه العشر تاما وجعل وجوب هذا النوع عند حصاده وجذاذه ليسر اخراجه على الملاك وتعلق الاطباع به في تلك واما النقدان وما تبعهما من الذهب والفضة فجعل نصاب الذهب عشرين مثقالا ونصاب الفضة مئتي درهم وجعل فيها ربع العشر وكذلك النوع الرابع وهو عروض التجارة فهي تابعة للنقدين. وبها عرف مقدار الواجب في جميع الاموال الزكوية والحكمة الشرعية فيه وهذه المذكورة هي الاموال النامية بالفعل او المستعدة للنماء بخلاف اموال القنية وما لا تجب فيه فليس فيها هذا المعين وطرد هذا وجوب الزكاة في انواع الايجارات. كما هو قول في المذهب اختيار شيخ الاسلام. لان هذا احد انواع التجارة وطرد هذا المعنى عدم وجوب الزكاة في الديون التي لا قدرة لصاحبها على تحصيلها كالتي على المعسرين والمماطلين والاموات وللضائعة ونحوها مما هو اولى بعدم وجوب الزكاة من اثاث القنية فان اموال القنية بامكان صاحبها ان يبيعها وينميها انتفع بها. واما هذه فلا قدرة له على الانتفاع بها اصلا فضلا عن تنميتها. وهذا القول احدى الروايتين عن الامام احمد وان كان المشهور عند المتأخرين وجوب الزكاة في هذا المال اذا قبضه للسنين الماضية ولو استغرقته. الصحيح الذي لا شك فيه الاول لان الزكاة شرعها الشارع الحكيم مواساة في الاموال التي ينتفع بها وهي مرصدة للنماء. وهذا بخلاف ذلك. ولان في القول في ايجابها بها في طالبي منعا للانذار الواجب وتسببا. اما لقلب الدين الذي هو اعظم انواع الربا واما اذية المعسر المحرمة. ومن رفق الشارع باهل للاموال انه لم يوجب الزكاة الا بعد تمام الحول ليتكامل النماء. ولا يضار غني ولا فقير. الا ربح التجارة ونتاج دائمة فانها تابعة لاصلها. السؤال الثالث والاربعون هل يمنع الدين وجوب الزكاة ام لا؟ الجواب في هذا التفصيل فان كان الدين بعد وجوب الزكاة لم يمنعها مطلقا. لان الزكاة وجبت وصار اهل الزكاة كالشركاء لصاحب المال. كما ان شركاء الانسان في المال لا يأخذ اهل الديون من حقهم شيئا فكذلك اهل الزكاة اذا وجبت. ان كان الدين بسبب مؤنة الزرع والثمر كمؤنة الدياس والحصاد ونحوه وكذلك لو كان بسبب ضمان لم يسقط الزكاة لوجوبها في الصور الاولى ولكون الدين في الضمان له مقابل. وان كان الدين موجودا قبل لوجوب الزكاة منع الزكاة بقدره في الاموال الباطنة كالنقدين والعروض. لانه في الحقيقة كأنه غير مالك لما تعلق به الدين وان كان المال ظاهرا كالمواشي والحبوب والثمار فهو على قولين وهما روايتان عن احمد المشهور منهما ايضا المنع والصحيح عدم المنع لان اخذ الزكاة من الاموال الظاهرة جارية مجرى الشعائر للدين. فاذا كان سبب الزكاة وهو النصاب موجودا فيها. فالقول بان الدين يسقطها يمنع هذا المقصود. ولان المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ارسال السعاة لقبض زكاة الاموال الظاهرة لا يستفصلون اهلها هل عليهم دين ام لا؟ السؤال الرابع والاربعون الحكمة في زكاة الفطر وما نصابها؟ وما الذي تجب عليه جواد زكاة الفطر واجبة على كل مسلم. ذكر او انثى صغير او كبير. حر او عبد اذا فضل عن قوته وقوت عائلته يوم عيدي وليلته صاع فاكثر. وتلزمه عن نفسه. وعن مسلم تجب عليه مؤنته. عن كل شخص صاع تمر او شعير او زبيب او بر او اقطأ ولها عدة حكم منها انها زكاة للبدن. حيث ابقاه الله تعالى عاما من الاعوام. وانعم عليه بالبقاء. وهذا قضي عام لاجله وجبت للصغير الذي لا صوم عليه. والمجنون ومن عليه قضاء قبل قضائه. فلاجله وجب في عبد التجارة زكاتان زكاة عروض لقيمته وزكاة بدن لنفسه. ولاجله استوى الكبير والصغير والذكر والانثى والغني والفقير والكامل والناقص في مقدار الواجب وهو الصاع ومن حكمها انها فيها مواساة للمسلمين اغنيائهم وفقراءهم ذلك اليوم. فيتفرغ الجميع لعبادة الله تعالى تعالى والسرور بنعمه. لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم اغنوهم عن المسألة في هذا اليوم. ولهذا انحصر وقتها بيوم العيد وقبله بيوم او يومين ولم يجز تقديمها ولا تأخيرها. ومن اعظم حكمها انها من شكر نعم الله على الصائمين بالصيام. كما ان من حكم الهدايا شكر نعمة الله بالتوفيق لحج بيته الحرام. فصدقة الفطر كذلك. ولذلك اضيفت الى الفطر اضافة الاشياء الى اسبابها. ومن فوائدها ان بها تمام السرور للمسلمين يوم العيد. وترفع خلل الصوم ولله في شرعه احكام واسرار. لا تصل اليها عقول اسئلة في الصيام. السؤال الخامس والاربعون ما حكم الصيام وما حكمته؟ الجواب وبالله التوفيق. اما حكمة صيام فقد ذكر الله في ذلك معنى جامعا فقال يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلهم لعلكم تتقون. يجمع جميع ما قاله الناس في حكمة الصيام. فان التقوى اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من محبوبات وترك المنهيات. فالصيام الطريق الاعظم للوصول الى هذه الغاية التي هي غاية سعادة العبد في دينه ودنياه واخرته ونحوه فيقضى ايضا على المذهب لانه ادركه وقت الوجوب. والصحيح ان حكمه حكم الواجب باصل الشرع. وهو احد القولين في المذهب وهو الموافق لقاعدة المذهب فان القاعدة ان الواجب بالنذر انه يحذى به حذو الواجب باصل الشرع. فنهاية الامر يلحق به الصائم يتقرب الى الله بترك المشتهيات. تقديما لمحبته على محبة النفس. ولهذا اختصه الله من بين الاعمال حيث اضافه الى في الحديث الصحيح وهو من اصول التقوى اذ الاسلام لا يتم بدونه. وفيه من زيادة الايمان وحصول الصبر والتمرن على المشقات المقربة الى رب السماوات وانه سبب لكثرة الحسنات من صلاة وقراءة وذكر وصدقة. مما يحقق التقوى. وفيه من ردع النفس عن الامة المحرمة من الافعال المحرمة والكلام المحرم. ما هو عماد التقوى. وفي الحديث الصحيح من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله في حاجة في ان يدع طعامه وشرابه. فيتقرب العبد الى الله بترك المحرمات مطلقا. وهي قول الزور وهو كل كلام محرم. والعمل بالزور وهو كل فعل محرم. وبترك المحرمات لعارض الصوم وهي المفطرات. ولما كان فيه من المصالح والفوائد وتحصيل الخير القراءة والاجور ما يقتضي شرعه في جميع الاوقات. اخبر تعالى انه كتبه علينا كما كتبه على الذين من قبلنا. وهذا شأنه تعالى في شرائعه العامة للمصالح. واما احكامه فتجري فيه جميع الاحكام التكليفية بحسب الاسباب. اما الواجب والفرض فهو صيام شهر رمضان على كل مسلم مكلف قادر وكذلك صيام النذر والكفارة. واما المحرم فصوم ايام العيد وايام التشريق الا لمتمتع مقارن انعدم الهدي ولم يصم قبل يوم النحر ومن الصوم المحرم صوم الحائض والنفساء والمريض الذي يخاف التلف. وكذلك يجب الفطر على من يحتاجه لانقاذ معصوم من هلكة. واما الصوم المسنون فهو صوم التطوع المقيد والمطلق. واما المكروه فهو صوم المريض الذي عليه مشقة. واما الجائز فهو صوم المسافر يجوز ان يصوم وان يفطر خصوصا اذا سافر في يوم ابتدأ صومه في الحضر السؤال السادس والاربعون ما مفسدات الصوم؟ الجواب هي الاكل بجميع انواعه والشرب كذلك والجماع. فهذه مفطرات بالكتاب والسنة السنة والاجماع هذا هو المقصود الاعظم في الامساك عنها. وكذلك من المفطرات ان يباشر بلذة فيمني او يمضي على المذهب. والقول الاخر انه لا فطر الا بالامناء وهو الصحيح. لكن تحرم المباشرة بلذة للصائم والمصلي والمعتكف والمحرم بحج او عمرة وتمرة ينقض الوضوء. وكذلك القيء عمدا لا يفطر ان زرعه القيء. وكذلك الحجامة حاجما كان او محجوما. واما الاكتحال والتداوي والاحتقان ومداواة بروحي اذا وصل ذلك الى حلقه او جوفه فالمذهب فطره بذلك اختار الشيخ تقي الدين لا فطر بذلك وهو الصحيح لانه لم يرد فيه دليل ليل صحيح ولا هو من حكم الاكل والشرب. اما ايصال الاغذية بالابرة الى جوفه من طعام او شراب فلا يشك في فطره به لانه في معنى الاكل والشرب من غير فرق. فان فعل شيئا من المفطرات ناسيا لم يفطر الا في الجماع على المذهب. وعلى الصحيح حكمه كالاكل والشرب. وكذلك على صحيح الجاهل كالناسي والله اعلم. السؤال السابع والاربعون من مات قبل ان يصوم الواجب عليه ما حكمه؟ الجواب اذا مات قبل قبل ان يصوم الواجب عليه من رمضان او غيره فلا يخلو اما ان يكون قد تمكن من اداء ما وجب عليه من غير عذر مرض ولا سفر ولا عجز او لا يكون قد تمكن فان كان قد تمكن من صيامه ولم يكن عذر يمنعه من ادائه فهذا لا يخلو اما ان يكون صيامه نذرا موجبا له هو على نفسه او كان واجبا عليه باصل الشرع كالقضاء لرمضان والكفارة فان كان نذرا صام عنه وليه استحبابا وان كان قد خلف شركة وجب ان يصام عنا. وكذلك جميع الواجبات بالنذر. كلها تفعل عن الميت. لان النيابة دخلت فيها لخفتها. لكونها اقل مرتبة من الواجبة باصل الشرع. وان كان واجبا باصل الشرع. كمن مات وعليه قضاء رمضان. فقد عوفي ولم يصمه. فانه يجب ان وعمى عنه كل يوم مسكين بعدد ما عليه. وعند الشيخ تقي الدين ان صيم عنه ايضا اجزأ. وهو قوي المأخذ. الحال الثاني ان يموت قبل ان يتمكن من اداء ما عليه. مثل ان يمرض في رمضان او يموت في اثنائه. وقد افطر لذلك المرض او يستمر به المرض حتى يموت ولو بعد مدة طويلة فهذا لا يكفر عنه لعدم تفريطه. ولانه لم يترك ذلك الا لعذر. وان كان كفارة فكذلك. وان كان نذرا. فان عين فله وقتا ومات قبل ذلك الوقت كان عين مثلا عشر ذي الحجة ومات في ذي القعدة لم يكن عليه شيء فلا يقضي لعدم ادراك ما يتعلق به الوجوب واذا لم يعين وقتا او عين وقتا وفرط ولم يصمه وجب ان يقضى عنه. وان لم يفرط بل صادفه الوقت مريضا واما كونه يكون اقوى منه فبعيد جدا والله اعلم. اسئلة في الحج والعمرة وتوابعهما. السؤال الثامن والاربعون من الذي يجب عليه الحج وما الحكمة فيه؟ الجواب وبالله التوفيق. اتفق المسلمون على ما ثبت في الكتاب والسنة من وجوب الحج. وانه احد اركان للاسلام ومبانيه التي لا يتم الا بها. وعلى ما ورد في فضله وشرفه وكثرة ثوابه عند الله. وهذا معلوم بالضرورة من دين الاسلام وقد فرضه العليم الحكيم الحميد في جميع ما شرعه وخلقه. فاختص هذا البيت الحرام واضافه الى نفسه وجعل فيه وفي عرصاته والمشاعر التابعة اله من الحكم والاسرار ولطائف المعارف ما يضيق علم العبد عن معرفته. وحسبك انه جعله قياما للناس به تقوم احوالهم ويقوم دينهم دنياهم فلولا وجود بيته في الارض عمارته بالحج والعمرة وانواع التعبدات لاذن هذا العالم بالخراب. ولهذا من امارات الساعة واقترابها وبها هدمه بعد عمارته وتركه بعد زيارته. لان الحج مبني على المحبة والتوحيد الذي هو اصل الاصول كلها. فمن حين يدخل فيه الانسان يقول لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. ولا يزال هذا الذكر توابعه حتى يفرغ. ولهذا قال جابر رضي الله عنه فاهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد لان قول الملبي لبيك الله اللهم لبيك التزام لعبودية ربه وتكرير لهذا الالتزام بطمأنينة نفس وانشراح صدر. ثم اثبات جميع المحامد وانواع الثناء والملك العظيم لله تعالى ونفي الشرك عنه في الوهيته وربوبيته وحمده وملكه. هذه حقيقة التوحيد وهو حقيقة المحبة لانه تارة المحب لاحبابه وايفادهم اليه ليحظوا بالوصول الى بيته ويتمتعوا بالتنوع في عبوديته والذل له والانكسار بين يديه وسؤالهم مطالبهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية في تلك المشاعر العظام والمواقف الكرام. ليجزل لهم من قراء وكرمه ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وليحط عنهم خطاياهم ويرجعهم كما ولدتهم امهاتهم. والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة ولتحقق محبتهم لربهم بانفاق نفائس اموالهم وبذل مهاجهم بالوصول الى بلد لم يكونوا بالغيه الا بشق الانفس فافضل ما انفقت فيه الاموال واعظمه عائدة واكثره فوائد انفاقها في الوصول الى المحبوب والى ما يحبه المحبوب. ومع هذا فقد وعدهم باخلاف النفقة والبركة في الرزق. قال تعالى وما انفقتم من شيء فهو يخلفه. واعظم ما دخل في هذا الوعد من الكريم الصادق انفاقها في هذا الطريق. وافضل ما ابتذل به العبد قوته واستفرغ له عمل بدنه. هذه الاعمال التي هي حقيقة الاعمار حقيقة عمر العبد ما قضاه في طاعة سيده. وكل عمل وتعب ومشقة ليس بهذا السبيل فهي على العبد لا للعبد. ثم ما في ذلك من تذكر حال عابدين واصفيائه من الانبياء والمرسلين. قال تعالى واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى. والصحيح انه مفرد مضاف يشمل جميع مقاماته في الحج من الطواف والسعي والوقوف بالمشاعر والهدي واصناف متعبدات الحج. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كل موطن من موطن الحج ومشاعره لتأخذوا عني مناسككم فهو تذكير لحال الخليل ابراهيم صلى الله عليه وسلم واهل بيته. وتذكير لحال سيد المرسلين وامامهم وهذا افضل واكمل انواع التذكيرات للعظماء. تذكيرا باحوالهم الجليلة ومآثرهم الجميلة. المتذكر لذلك ذاكر لله تعالى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم انما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لاقامة ذكر الله. ففي هذا من الايمان بالله رسله الكرام وذكر مناقبهم وفضائلهم ما يزداد به المؤمن ايمانا والعارف ايقانا ويحثه على الاقتداء بسيرهم الفاضلة وصفاته الكاملة ثم ما في اجتماع المسلمين في تلك المشاعر واتفاقهم على عبادة واحدة. ومقصود واحد ووقوف بعضهم من بعض واتصال اهل المشارق بالمغارب في بقعة واحدة لعبادة واحدة. ما يحقق الوحدة الاسلامية والاخوة الايمانية. ويربط اقصاهم بادناهم. ويعلمون ان الدين كاملهم وان مصالحه مصالحهم وان تنائت بهم الديار وتباعدت بهم الاقطار. فهذا اشارة يسيرة الى بعض الحكم والاسرار المتعلقة بهذه العبادة العظيمة فلله الحمد والثناء. حيث انعم بها عليهم واكمل لهم دينهم واتم عليهم نعمته. ورضي لهم الاسلام دينا هذه الحكم من اقوى البراهين والادلة على سعة رحمة الله وعموم بره. وان الدين الحق الذي لا دين سواه هو الدين المشتمل على مثل هذه الامور والله تعالى اعلم. واما من يجب عليه فهو المكلف المستطيع السبيل القادر ببدنه وماله. هذا هو الشرط الخاص في الحج. ولهذا اقتصر الله على ذكره في قوله ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. ويدخل في الاستطاعة امن الطريق والبلد وسعة الوقت ووجود محرم للمرأة لانه من باب الاستطاعة الشرعية. فمن عجز عنه ببدنه وماله لم يكن عليه شيء. ومن عجز عنه ببدنه وقدر عليه بماله كالكبير الذي لا يستطيع الثبوت على الراحلة. والمريض الميؤوس من عافيته اناب عنه من يحج عنه. وان كان قادرا ببدنه وليس له مال. والمسافة قريبة وجب عليه لانه متحقق استطاعته. واذا كانت المسافة بعيدة ففي وجوبه عليه قولان المذهب منهما عدم وجوبه والله واعلم السؤال التاسع والاربعون عن محظورات الاحرام وحكمها؟ الجواب من فضل هذا البيت الحرام وشرفه عند الله وعظم قدره انه لا يأتيه زائر بحج او عمرة الا خاضعا خاشعا متذللا في ظاهره وباطنه معظما لحرمته مجللا له ولقدره فشرع له ترك الترفه والعوائد النفسية التي الاشتغال بها مفوت لمقصود العبادة. فيترك الثياب المعتادة ولبس المخيض ويلبس ازارا ورداء ابيضين وظيفين ويكشف رأسه ويدع الجماع ومباشرة النساء للذة وما يتبع هذا من الطيب وازالة الشعور والاظفار ويحترم فيه الصيد صيد البر ما دام محرما. فاذا قرب من البيت ودخل الحرم حرم عليه مع ذلك قطع الاشجار الرطب. واخذ حشيشه. وحكم هذا التحريم ان المحل والمحرم في هذا سواء محرم عليهما صيد الحرم وشجره وحشيشه. فاذا كانت هذه الوسائل لهذا البيت الحرام بهذه المثابة من الاحترام فما ظنك بنفس البيت والمشاعر التابعة له فصار من اعظم المقاصد في محظورات الاحرام تعظيم البيت وتعظيم رب البيت واجلاله والذل والخشوع له. وهذه المذكورات كلها محظورات. يأثم من اخل بها عالما متعمدا. فان لم يكن كذلك فالاثم موضوع. واما الفدية فان كان الاخلال بلبس مخيط او تغطية رأس او تطيب فلا فدية. وان كان غيرها ففيها الفدية على المذهب بحسب احوالها. ففدية الوطء بدأت ويفسد حجه اذا كان قبل التحلل الاول وفدية الصيد مثله من النعم ان كان او عدله صياما او اطعاما. فدية الاذى فدية تخيير بين صيام ثلاثة ايام او اطعام ستة مساكين او ذبح شاة. وهي ازالة الشعر والاظفار ولبس المخيط والتغطية لرأس الرجل ووجه الانثى عمدا والحكمة في الفدية ان النسك نقص وانجرح بفعل المحظور فيجبر بالدم. وعن احمد رواية اخرى في الجميع ان المعذور بنسيان او جهل كما لا اثم عليه لا فدية عليه. وهو ظاهر النصوص ومقتضى الحكمة وليس فيه اتلاف مال ادمي. حتى يستوي عمده وسهوه. وانما الحق كله لله. فحقه تعالى بني على المسامحة والمساهلة. وقد قيد ذلك بالعمد في الصيد مع ان الصيد من اشدها. السؤال الخمسون ما الدماء التي التي يؤكل منها والتي لا يؤكل منها. الجواب اما الفدية التي سببها فعل محظور او ترك مأمور كالمحظورات السابقة وكفدية ترك واجب من واجبات ذات الحج والعمرة لا يؤكل منها شيء. لانها جارية مجرى الكفارات. وهي جبرانات لا دماء نسك. وكذلك على المذهب الدماء الواجبة بالنذر فلا يؤكل منها وما سوى هذا من الدماء فيجوز الاكل منه. فدخل فيه هدي التطوع وهدي المتعة والقران والاضحية والعقيقة. فكذلك على الصحيح هدي النذر والمعين لان المعين بالنذر يحزى به حذو الواجب بالشرع. والمعين بالقول كالمعين بالذبح. لان كل نسيكة متى ذبحت تعين بذبحها. السؤال الحادي والخمسون ما الحكمة في ايجاب الهدي على المتمتع والقارن دون المفرد بالحج. وما تجتمع فيه الانساك وتفترق الجواب اعلم ان الدماء الواجبة لاجل النسك ومتعلقاته نوعان. احدهما دم يجبر به النقص والخلل ويسمى دم جبران وهذا النوع سببه الاخلال بترك واجب او فعل محرم كما تقدم. والثاني دم نسك. وهو عبادة مستقلة بنفسه من جميع عبادات النسك فدم المتعة والقران من هذا النوع وليس من النوع الاول فيزول الايراد لانه معلوم ان المتعة والقران لا نقص فيهما بل اما ان يكون اكمل من الافراد كما تدل عليه الادلة الشرعية وهو قول جمهور العلماء واما الا يكون افضل من الافراد فعلى كل الامور لا نقص فيهما يجبر بالدين تم فتعين انه دم نسك. فاذا قيل لم لم يوجب هذا الدم في الافراد؟ كما وجبت بقية الافعال المشتركة بين النسكين. قيل الحكمة في شرع هذا الدم في حقهما انه شكر لنعمة الله تعالى. حيث حصل للعبد نسكان في سفر واحد وزمن واحد. ولهذا حقق هذا المقصود فاشترط وجوب الدم ان يحرم بالعمرة في شهر الحج ليكون كزمن واحد. وان يكون من غير حاضر المسجد الحرام. لان حاضريه لم يحصل لهم سفر من بلد سعيد يوجب عليهم هذا الهدي. ولانه ليس من اللائق بالعبد ان يقدم بيت الله بنسكين كاملين ثم لا يهدي لاهل هذا البيت ما يكون بعض رعة ومشاركة وخطبة نكاح وخطبة الوظائف والولايات. كمن هو في وظيفة اذان او امامة او وقف او وكالة او ولاية كبيرة او صغيرة فلا يحل لاحد ان يخطبها لنفسه او غيره. وصاحبها اهل قائم بولايته ووظيفته لما وشكر هذه المهنة فهذا من اسرار الفرق بين المذكورات. واما ما تجتمع فيه الانساك الثلاثة وما تفترق فاذا عرف بهما تفترق واستثني في القاعدة الكلية علم ان الباقي مشترك بينها. فاول ما تفترق به وجوب الدم على المتمتع والقارن دون المفرد كما تقدم ان المفرد لم يحصل له الا نسك واحد. والعمرة الى الان لم يأت بها بخلاف المتمتع والقارن. والثالث ان المتمتع عليه طوافان. طواف بعمرته واخر لحجته. والمفرد والقارن انما عليهما طواف واحد. طواف للحج فقط. في المفرد ظاهر. والقارن تدخل عمرته بحجته وتكون الافعال واحدة. ولهذا يترتب عليه الرابع ان المتمتع يحل من عمرته حلا تاما. لا يمنعه من الحل الا سوق الهدي والمفرد والقارن يبقيان على احرامهما. الخامس ان الحائض والنفساء اذا قدمتا للحج ولا يمكنهما الطهر الا بعد فوات الوقوف تعين عليهما الاحرام بالافراد او القران او قلب نية العمرة قرانا. وتمتنع عليهما العمرة المفردة لتعذرها في هذه الحال. وكذلك من لا يمكنه ان يأتي بالعمرة قبل فوات الوقوف وهذا الفرق الاخير راجع لعدم القدرة على هذا النسك. السادس ان المفرد بالحج يشرع له ان يفسخ نيته ويجعلها عمرة والمتمتع والقارن لا يشرع لهما جعلها افرادا الا في حال التعذر للعمرة كما تقدم. السابع ان المفرد يشرع لهما اول ما يقدمان البيت طواف قدوم. والمتمتع يكفيه طواف العمرة عن طواف القدوم لاجتماع عبادتين من جنس واحد فتداخلتا كما ان افعال القارن كلها واحدة لا يحتاج ان يفرد حجته بافعال وعمرته باخرى. فالافعال صارت للحج واندرجت العمرة فيه والله اعلم. السؤال الثاني والخمسون ما الحكمة في انقطاع التلبية برمي جمرة العقبة؟ وبالحل من المحظورات كلها فعل الرمي والحلق والطواف. وبالحل الناقص بفعل اثنين منها. مع انه قد بقي من مناسك الحج الرمي والمبيت بمنى. الجواب من الحكمة في ذلك انه اذا شرع في الرمي فقد شرع في اول الاحلال من احرامه. والتلبية شعار الدخول في النسك. واستمرت في تضاعيفه. فلما رمى الجمرة وان حله ومن نسكه زال حكمها لان ما كان شعارا له قد شرع في الخروج منه واشتغل بمكملات نسكه عن التلبية. واما اباحة المحظورات كلها بفعل في الطواف والحلق ورمي جمرة العقبة. وانه يحل له كل شيء كان محظورا حتى النساء لانه كما تقدم قد شرع في الخروج من النسك. والمحظورات المذكورة علامة على وجوده وشعار له. وقد مضت جميع اجناس افعال النسك ومتعبداته الا افعالا قد فعل بعضها كالرمي والاقامة في منى فجرى فعل بعضها مجرى فعل جميعها بالنسبة الى حل المحظورات. وايضا في اباحتها من السهولة على الخلق. واليسر عليهم والتخفيف هي احق الناس به وفود بيت الله الحرام واضياف الله. والدليل على ان الانسان قد اخذ في الخروج من هذه العبادة او قد خرج وبقي له تكملة. ان قبل ذلك مفسد للنسك. موجب للفدية الغليظة لانه في نفس النسك. والوطء ينافيه اشد المنافاة. وبعد الحل كله زال هذا المعنى وبقي ان يقال لمن حلت المحظورات كلها بفعل اثنين من الثلاثة المذكورة دون الوطء. فلا بد في حله من فعل الثالث قيل لشدته وغلظه ومنافاته التامة للنسك وجب الامساك عنه حتى يحصل الحل كله. والله تعالى اعلم. السؤال الثالث والخمسون عن الحكمة في الهدي والاضاحي والعقيقة وتخصيصها بالانعام الثمانية. الجواب وبالله التوفيق الدماء نوعان. واحد دماء يقصد بها الاكل والتمتع وفقط اثنان ودماء يقصد بها التقرب الى الله تعالى. وهي هذه الثلاثة. ولا شك ان النحر لله تعالى من اجل العبادات واشرفها. ولذلك قرنها تعالى بالصلاة في قوله فصل لربك وانحر. وفي قوله قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. وهذه عبادة شرعت في كل شريعة لمحبة الله لها. ولكثرة نفعها. ولكونه من شرائع دينه. ولذلك اقترن الهدي والاضاحي بعيد النحر. ليحصل الجمع بين الصلاة النحر والاخلاص للمعبود والاحسان الى الخلق. وشرع الهدي ان يهدى لخير البقاع في اشرف الازمان في اجل العبادات. فصار الذبح احد انساك الواجبة او المكملة. وصار تمام ذلك ان تساق من الحل واكمل من ذلك ان تساق قبل ذلك. ويجعل لها شعارا تعرف به من التقليد والاشعار تعظيما لحرمات الله وشرائعه وشرائع دينه. وفيه من الحكمة الاقتداء بالخليل صلى الله عليه وسلم. حيث فدى ابنه بذبح عظيم. وامر والله هذه الامة بالاقتداء به خصوصا في احوال البيت الحرام. اذ هو بانيه ومؤسسه وفيه توسيع على سكان بيته الحرام حيث شرع لهم من الارزاق ساق لهم من قدره وشرعه ما به يرتزقون وبه يتمتعون. اذ قد تكفل بارزاقهم. برهم وفاجرهم كما تكفل بارزاق جميع خلقه كما في دعوة الخليل صلى الله عليه وسلم. ومن الحكمة فيها انها شكر لنعمة الله تعالى. بالتوفيق لحج بيته الحرام. ولهذا وجبت في المتعة قراء وشملت توسعته فهي للاغنياء والفقراء لمن ذبحها وغيرهم. قال تعالى فكلوا منها واطعموا البائس الفقير. ثمان العبادة لم تختص بحجاج بيته الحرام. بل شملت مشروعيتها جميع المسلمين في هذه الايام. فشرع لهم الاضاحي تحصيلا لفوائد هذه العبادة فاضلة. واما العقيقة عن المولود فشرعت شكرا لله تعالى على نعمته على العبد بحصول الولد. وضعف الذكر على الانثى اظهارا لمزيته ولان النعمة به اتم والسرور به اوفر. وتفاؤلا بان هذه العقيقة فادية للمولود من انواع الشرور. وادلال على الكريم برجاء هذا المقصد وتتميما لاخلاق المولود كما في الحديث كل مولود مرتهن بعقيقته. قيل مرتهن عن الشفاعة لوالديه. وقيل مرتهن محبوس عن كمال حتى يعق له. وحسبك من ذبيحة هذه ثمرتها. فالعبد يسعى في تكميل ولده وتعليمه وتأديبه. ويبذل الاموال الطائلة في ذلك. وهذا ان ابلغ الطرق الى هذا التكميل والله الموفق. اما تخصيصها بالانعام الثلاثة الابل والبقر والغنم. فلان هذه الذبائح اشرف الذبائح على الارض اطلاق واكملها. فشرع لها ان يكون المذبوح فيها اشرف انواع الحيوانات. والله اعلم بما اراد. وحقق هذا المعنى بان شرط فيها تمام السن الذي تصلح فيه لكمال لحمها ولذته. وهو الثني من الابل والبقر والماعز والجذع من الضأن لنقص ما دون ذلك ذاتا ولحما. واشترط وفيها سلامتها من العيوب الظاهرة. فلم يجز المريضة البينة مرضها. والعوراء البينة عورها. والعرجاء التي لا تطيق المشي مع الصحيحة والهزيلة التي لا مخ فيها ليكون ما يخرجه الانسان كاملا مكملا. ولهذا شرع استحسانها واستسمانها وان تكون على اكمل الصفات والله اعلم لم اسئلة في البيع وانواع المعاملات. هل يوجد اصول جوامع فيما يحل ويحرم من المعاملات؟ الجواب وبالله التوفيق. وعليه نتوكل في اسباب الهداية وسلوك مناهجها. نعم الحلال من فضل الله محدود مضبوط. والحرام كذلك في المعاملات وغيرها. وهذا احد البراهين بل من اكبر فيها الدالة على صحة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. وانه من عند الله ولو كان من عند غيره لوجد متناقضا غير مضبوط ليس له اصل يرجع اليه ولا قواعد يضبط بها كما هو شأن كل باطل. قال تعالى بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في امر اي مختلط متناقض. واما هذه الشريعة فمن تمامها وكمالها ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطي جوامع الكلم بما نزل عليه من الكتاب والحكمة اختصر له الكلام اختصارا مع تمام التوضيح والبيان. فالاصل الجامع لجميع المأمورات والمنهيات ان الشارع لا يأمر الا بخير صلاح ونفع للناس في دينهم وابدانهم ودنياهم. ولا ينهاهم ويحرم عليهم الا كل شر وضرر عليهم في دينهم ودنياهم. ولا عن هذا الاصل شيء. كما قال تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ووصف شريعته يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث. وقال تعالى قل امر ربي بالقسط. الاية والتي بعدها. فقال سبحانه قل انما حرم ربي الفواحش. فكل اوامر الشريعة ومباحاتها خير وقسط وعدل وصلاح ومنافع. وكل نواهيها ومحرماتها ضد ذلك ومن تتبع الشريعة لم يجد شيئا شازا عن هذا الاصل. فمن ذلك المعاملات وانواع التجارات. فالاصل فيها كلها الاباحة والحل. فلا يمنع انواع التجارة تجارة الادارة التي يعطى احد المتعاوضين فيها العوض ويقبض المعوض في مجلسه وتجارة التربص وهي التي يشتري الانسان فيها السلع وينتظر بها مواسمها واوقات غلائها وفرصها وتجارة الديون الشاملة للمبيع المؤجل مثمنه والمعجل ثمنه المعبر عنه بالسلم وللمؤجل ثمنه المعجل مسمنه. وللتجارة الايجارات التي يتخذ فيها الانسان اعيان الاشياء من عقارات وحيوانات واثاث فيؤجرها ويتاجر بمنافعها. فهذه الانواع كلها داخلة في هذا الاصل العظيم الذي اباحه الله في قوله الا ان تكون تجارة عن تراض منكم. فمتى جمعت التجارة والمعاملة الرضا المعتبر والصدق والعدل؟ فقد اباحها الله تعالى بما اشتملت عليه من شروط ووثائق واستقلال واشتراك. فهذا اصل عظيم يحيط بجميع المعاملات. بشرط ان يهذب وينقح ويخلص منه ما ينافيه. بتحرير قواعد وضوابط سيأتي ان شاء الله التنبيه عليها. ولنذكر لهذا الاصل امثلة يتقرر بها قبل ذكر القواعد والضوابط الجارية مجرى الاستثناء من هذا الاصل فمن امثلة ذلك البيع الصحيح الجامع للشروط السبعة فانها راجعة للرضا بين المتعاقدين المعتبر شرعا الدال عليه ما ينعقد وبه البيع من الفاظ وافعال يراد بها تحقيق العقد والصدق والعدل. لانه لابد من ان يكون العوضان معلومين. اذ عدم العلم عائد ضد العدل وان يكونا مالين لان المحرمات ظلم كلها. وان يكون مقدورا عليها لانه اذا لم يكن كذلك لابد ان يحصل الظلم على احدهما. لانه اما ان يغنم واما ان يغرم فيدخل في ظلم القمار. وسيأتي ان شاء الله بسط وجه الظلم في هذا في القواعد. فجميع الاشياء المبيعات من عقارات وحيوانات بنات من ادميين او بهائم وامتعة واطعمة واشربة وغيرها داخلة فيما اباحه الله ورسوله واحله للخلق. ومن ذلك الايجار الصحيحة اشترط فيها الرضا والعلم بالاجرة والعين المؤجرة. اشتمالها على النفع المباح المقصود منها. فكلها داخلة فيما احله الله ورسوله لذلك اشترط احد المتعاقدين في البيع والاجارة شرطا مقصودا معلوما فذلك جائز. ومن ذلك التوثق للحقوق بالرهون والضمانات وغيرها فكل هو مباح ومن ذلك انواع المشاركات المبنية على الصدق والعدل فهي جائزة فهذا اجمال وتعميم لهذا الاصل الكبير. يتضح لك باخراج ما ينافيه من من العقود المحرمة وتبيين حكمة تحريمها وان الحكمة فيها منافاتها لهذا الاصل. واعلم ان الشارع من حكمته ورحمته بعباده حرم عليهم معاملات ان تضرهم في دينهم ودنياهم واعظمها قاعدة الربا وقاعدة الغرر والميسر وقاعدة التغرير والخداع. فلنذكرها وغيرها ثم نتبعها بضوابط وتقصر عنها عموما وجمعا. والله المستعان على كل الامور. القاعدة الاولى قاعدة الربا. فقد ثبت في الكتاب والسنة واجماع المسلمين تحريم ربا وهو مقتضى العدل والقياس الصحيح. وهو نوعان بل ثلاثة انواع. احدها ربا الفضل. وذلك اذا بيع مكيل بمكيل من جنسه. ولو اختلف النوع او موزون بموزون من جنسه ولو اختلف النوع. فيشترط فيه التماثل بمعياره الشرعي. والقبض قبل التفرق للعوضين. ولابد من تحقيق التماثل فيه فلو جهل قدرهما او قدر احدهما لم يصح لانه لابد من علمنا بوجود الشرط الذي شرطه الشارع. فلذلك منعت المزامنة وهو بيع التمر على الشجر بتمر من جنسه الا عند الحاجة في مسألة العرايا. اذا لم يكن عنده الا تمر وهو محتاج للرطب. وكان اقل من خمسة اوسق وتقايا قضى قبل التفرق. فالخرس ينوب مناب الكيل لاجل الحاجة والسعة. والنوع الثاني ربا نسيئة. وهو اشد انواع الربا تحريما وظلما. وهو بيت بمكيل الى اجل او غير مقبوض سواء كان من جنسه كبر ببر او غير جنسه كبر بشعير وتمر بزبيب او بيع الموزون بموزون من جنسه او غير جنسه الى اجل او غير مقبوض. فما جرى فيه ربا الفضل جرى فيه ربا النسيئة. وقد يجري ربا النسيئة بما لا يجري فيه ربا الفضل كبيع بر بشعير. وتمر بزبيب. ويشترط في هذا النوع القبض قبل التفرق. واشد هذا النوع واعظمه بيع ما حل في ذمتي الى اجل قال تعالى يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة. وكانوا في الجاهلية اذا حل على احدهم دين قال له غريمه اما ان تقضيني ديني واما ان تربي فنزيد في الاجل ونزيد ما حل في الذمة. سواء كان ذلك بصريح لفظه او بالتحيل على قلب الدين بانواع الحيل فالاثم والتحريم تابع للمعنى المقصود لا لللفظ الذي لم يقصد. النوع الثالث ربا القرض وهو ان يقرضه دراهم مثلا ويشترط النفع بايفاء اكثر مما اقرضه او احسن واكمل او ينتفع بداره او حيوانه او غيره او يبقيه عنده ويعطيه كل شهر او سنة او اسبوع شيئا معروفا لهما. فهذا هو الربا بعينه وليس قرضا في الحقيقة. لان المقصود بالقرض الاحسان والارفاق. فهذا فمعاوضة ظاهرة فهو في الحقيقة بيع دراهم بدراهم الى اجل. وربحها ذلك النفع المشروط او المتواطئ عليه. فهذه الانواع الثلاثة كلها من الربا الذي حرمه الله ورسوله. الحكمة في تحريمه انه ظلم مناف للعدل الذي امر الله به ورسوله. كما نص الله على هذه العلة بقوله وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. اي لا تظلمون باخذ الزيادة التي هي الربا ولا تظلمون بنقص رؤوس اموالكم فكما انه لو اخذ من رؤوس اموالهم وبخس منه شيء كان ظلما ظاهرا. فكذلك اذا اخذوا الزيادة التي هي ربا. فان قيل كيف يكون ظلما والحال ان المأخوذ منه راض بهذه المعاملة. فالجواب عن ذلك من وجهين. احدهما ان الظلم حقيقته اخذ المال بغير حق. وذلك ان المعسر الذي حل عليه الدين الواجب انذاره من غير اخذ زيادة على هذا الانذار فاذا اخذت هذه الزيادة كان اخذا بغير حق. والعباد تحت حجر الشرع ليس الرضا بما لا يرضى به الشارع فرضاهم به على هذا الوجه غير معتبر. الوجه الثاني انه غير راض في الحقيقة فهو شبيه بالمكره لانه شاء من الغريم ان لم يدخل معه في هذه المعاملة ان يحبسه او يضره او يمنعه من معاملة اخرى. فهو راض بلفظه غير راض بحقيقة حاله انه لا يرضى عاقل ان يتضاعف ما بذمته بغير انتفاع منه. وكما انه ظلم للمعسر فهو ظلم للغريم صاحب الدين. لانه ظالم لنفسه عرض لها للعقوبة وايضا قد ظلمها من وجه اخر ظلما دنيويا من حيث لا يشعر فان المدين الذي يدخل معه في هذه المعاملات التي يتضاعف فيها فيها ما في الذمة من غير نفع ومصلحة تعود عليه. فلا يكاد يفعل ذلك الا المتهاون بامر دينه. والذي لا يبالي برئت ذمته او اشتغلت. ومن كان هذه المثابة فكثيرا ما يكون متسببا لاتلاف ما بين يديه. وتقويته على غريمه. خصوصا اذا رأى الدين تراكم ورأى موجوداته وكده وكسبه ولا يفي به. فهناك يرى فرصة في وجود شيء بين يديه تتمتع به في حياته غير مبال بعاقبة امره. وصاحب الدين يحمله الحرص والجشع ويظن بعقله الضعيف ان هذه المكاسب ستحصل له ويفوز بها وهو في الحقيقة يسعى لاتلاف نفسه وظلمها كما هو الواقع فيخسر مياه واخراه. المقصود ان الحكمة في تحريم الربا انما هو لانه ظلم وهو ظاهر كما ترى في ربا النسيئة. واما ربا الفضل فحرم تحريم الذرائع وسد ابواب الموصلة الى المحارم فانه اذا رأى الكسب الحاضر ربما حمله الطمع على الكسب الغائب فسد فيه الباب كما تسد جميع الذرائع المفضية الى كل محرم يدخل في الربا مسائل العينة بان يبيع شيئا مؤجلا بمائة وعشرين. ثم يشتريه من مشتريه حالا بمائة او يبيعه بمائة حاج ثم يشتريه من مشتريه بمائة وعشرين مؤجلة. لانه في الحقيقة انما باع مائة وعشرين مؤجلة. وهذا عين الربا كما قال ابن عباس راهم بدراهم دخلت بينهما حريرة وليست مسألة التورق من هذا الباب وهو ان يشتري ما يساوي مائة درهم بمائة وعشرين مؤجلة ليبيع ويتوسع بثمنها لانه لم يبعها على البائع عليه. عموم النصوص تدل على جوازها. وكذلك المعنى لانه لا فرق بين ان يشتريها في اكل وشرب او استعمال او يشتريها لينتفع بثمنها. وليس فيها تحيل على الربا بوجه من الوجوه. مع دعاء الحاجة اليها. وما دعت اليه الحاجة وليس فيه محظور شرعي لم يحرمه الشارع على العباد. ولا يدخل ايضا في الربا ولا التوسل اليه. من اقال غيره بشرط ان يعطيه وزيادة دراهم على اقالته. كقوله اقلني واعطيك مائة درهم. لان محزور الربا هنا بعيد. كما قاله ابن رجب وغيره مع ان عند المتأخرين من الاصحاب في هذه المسألة المنع ولكن الجواز اقوى للعمومات وعدم المحظور. وانما يدخل في الربا الحيل الربوية وهي ان يظهر عقدا صورته صورة المباح. ومعناه المقصود به الربا المحرم كالحيل المستعملة في قلب الدين وهي كثيرة جدا معروفة عند دول متأخرين ان اشتراط وضع الجائحة بعد انعقاد البيع انه نافع. مثل لو اشترى حيوانا او غيره من المعيبات ثم بعد العقد اسقط خيار والعيب وهو يجهله. وهذا وهم ظاهر فان الفرق بين جوائز الثمار وبين عيوب السلع ظاهر. فان السلعة من حين تدخل في ملك المشتري. ثم الناس فهو خداع واستهزاء بايات الله. وهي الربا الصريح. واختلف العلماء هل يدخل في الربا من باع طعاما مثلا بدراهم الى اجل؟ فلما حلت دراهم اراد ان يعوضه عنها طعاما لا يباع بالطعام الاول نسيئا. المشهور المنع قالوا لانه يتخذ وسيلة لبيع الطعام بالطعام الى يا اجل القول الثاني واختاره الموفق الجواز لان محظور التوسل بعيد بل معدوم في هذه الحال غالبا. فاختار الشيخ تقي الدين التوسط بين القولين وهو جوازه للحاجة مثل الا يكون عنده وقت الوفاء دراهم. عنده طعام. فيتفقا على اخذ حقه منه. فان لم يحتج ايه منع واختيار الموفق اولى لما ذكرنا. وليس من الربا ايفاء احد النقدين على الاخر. كمن له على واحد دينار فاعطاه عنه دراهم وبالعكس لكن بشرط الا يتفارقا قبل القبض. وكذلك ليس منه مصارفة ما في الذمة بما في الذمة. ولو لم يحضر احدهما على الصحيح كما اذا كان لزيد على عمرو دينار ولعمر على زيد عشرة دراهم. فاتفقا على ان هذا الدينار يسقط عن الدراهم لعدم المحذور الاصحاب فيه حضور احدهما بالا يصير بيع دين بدين وهو ضعيف. وبيع الدين بالدين انما حرم منه ما تضمن الربا وتحيل فيه عليه واما هذه المسألة فلا تتضمن شيئا من ذلك. وكذلك على الصحيح هو قول في المذهب اذا اشترى منه مكيلا او موزونا طعاما كان او غيره لم يقبضه بدراهم لم يقبضها. والجميع حالات فلا محزور فيه. هو بيع صحيح لازم لا يتضمن محظورا شرعيا. والمشهور من منع هذه المسألة لانه دين بدين. وقد علمت ضعف هذه الحجة. القاعدة الثانية تحريم المعاملات التي فيها ضرر وخطر. وذلك لانه ثبت بالكتاب والسنة واجماع المسلمين تحريم الميسر وهو نوعان. نوع في المغالبات والرهان. فهذا كله محرم ولم يبح الشارع منه الا ما فكان معينا على طاعته والجهاد في سبيله كاخذ العوض في مسابقة الخيل والركاب والسهام. والنوع الثاني من الميسر في المعاملات. وقد نهى النبي صلى الله عليه عليه وسلم عن بيع الغرر وهذا شامل للبيع بانواعه والايجارات. فالشيء الذي يشك في حصوله او تجهل حاله وصفاته المقصودة داخل في الغرب لان احد المتعاقدين اما ان يغنم او يغرم فهو مخاطر كالرهان. ولاجل هذه القاعدة اشترط الفقهاء في البيع ان يكون الثمن معلوما المسمن معلوما بان جهالة احداهما تدخل في الغرر. وقد ذكروا من امثلة الجهالة في احدهما شيئا كثيرا. لكن منها ما جهالته ظاهرة لا يختلف اهل العلم في منعه وتحريمه كبيع الحمل في البطن وحبل الحبلة وبيع الملامسة والمنابذة والحصاة ونحوها. ومنها ما تكون جهالته يسيرة قد يدخلها بعضهم في الغرر ويمنعها ولا يدخلها اخرون فيبيحونها. مثل البيع بما باع به زيد او بما باع به الناس او بما سينقطع به السعر وبيع المقافي في الارض التي المقصود منها مستتر. ونحوها مما تختلف فيه انظار العلماء مع اتفاقهم على اصل القاعدة ان الخلاف في الصور المعينة هل تنطبق عليها القاعدة ام لا؟ واولاهم بالصواب فيها من وافق الواقع التي هي عليه في عرف الناس ومعارفهم ولاجل هذه القاعدة ذكروا من شروط البيع بانواعه القدرة على تسليمه. فمنعوا بيع الابق والشارد ونحوهما مما يشك في حصوله. وكذلك في جارة اشترطوا العلم بالعين المؤجرة القدرة على تسليمها والعلم بالاجرة. لانه اذا لم يحصل العلم بذلك دخل في الغرر وادخلوا فيه استثناء من المعلوم قالوا بانه يصيره مجهولا. والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الا ان تعلم. فدخل فيه استثناء جزء من المبيع غير مشاع ولا معين. اشتراط حلول الثمن او المثمن بمدة غير معلومة لهما كما ورد في الحديث الصحيح. من اسلم في شيء فليسلم في لكيل معلوم ووزن معلوم الى اجل معلوم. فجهالة ذلك يدخله في الغرر ومثله بيع الشيء واستثناء بعض منافعه. فلابد ان تكون معلومة الى مدة معلومة كان يبيع البعير ويستثني ظهره او الدار ويستثني سكناها او الانية ويستثني الانتفاع بها او العبد ويستثني فكلها لابد ان تكون معلومة لهذا الاصل. والفرق بين ابواب البيوع حيث لم تجز في هذه الا تحرير النفع والمدة وبين باب الهبة والوقف والوصية حيث جاز استثناء بعض المنافع المجهولة ان باب التبرعات اوسع من باب المعاوضات. لكونه حصل للمنتقل اليه بلا عظ فلا ضير عليه ولا ضرر في ذلك. بخلاف المعاوضة لانه اخذه ودفع عوضه فلا بد من العلم. وهل من هذا الباب استثناء معلوم غير ام شاع من مبيع مجهول القدر كاستثناء صاع او عدة اوزان من هذه الشجرة او قفايز من هذه الصبرة فمنعه الاصحاب المتأخرون وقالوا اثناء المعلوم من المجهول القدر يصير الباقي مجهولا. الصحيح جوازه وهو احد القولين في المذهب لانه لا جهالة فيه وليس اعظم جهالة من استثناء المشاع المعلوم بل هذا داخل في مفهوم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الثنية الا ان تعلم وهذا معلوم. ومن الغرر في باب المشاركات والمساقات والمزارعة ونحوها ان يشترط لاحدهما ربح احدى السلعتين او السفرتين او دراهم معينة من الربح او زرع ناحية معينة او شجرا معينا ويقتسم الباقي على شرطهما فان فيه من الغرر المنافي لمقصود المشاركة ما هو ظاهر ومبنى هذه المشاركات على استواء المتشاركين فيما يحصل لهما من غنم وما عليهما من غرم ومن انواع الغرض ان يكون له في ذمته اصول مقدرة او اوزان مقدرة فيعطيه عن ذلك جزافا. لانه قد يكون قدر حقه وقد يكون اكثر او اقل ففيه خطر. فان اعطاه عن جميع حقه شيئا مجهولا وهو اقل منه يقينا وهو من جنسه ونوعه فلا بأس. لانه لا يحتمل انه اكثر من حقه بل قد علم انه دون حقه ولكنه سمح له بالباقي المجهول. وكثيرا ما تدعو الحاجة الى مثل هذه الحالة. وانواع الغرر كثيرة جدا. وقد حصل المقصود بهذه الامثلة فاما الحكمة من تحريم بيع الغرر ومعاملات الغرر فهي بعينها الحكمة التي ذكرها في الميسر حيث شارك الخمر في مفاسده. حيث قال تعالى انما الخمر والميسر والازلام رجس من عمل الشيطان. فاجتنبوه لعلكم تفلحون. انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر. ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة. فهل انتم منتهون. فاخبر انها رجس اي خبيثة وانها من اعمال الشيطان. وكل اعماله شر لا خير فيه بوجه ما كان شرا وجب اجتنابه ورتب الفلاح على اجتنابه. واخبر انه يوقع البغضاء والعداوة بين الناس. وذلك لان المتخاطرين في المغالبة والمعاملات لابد ان يغلب احدهما الاخر ويغبنه ويكون الاخر مغلوبا مغبونا ويشاهد مظلمته بعينها عندما انقهره فلا اسأل عما يحدث له من الهم والبغض له. وارادة الشر والعداوة لانه ظلم واضح. الا ان الظلم في باب الربا قد تعين المظلوم فيه وهو المأخوذ منه الزيادة. وهنا لم يتعين قد يكون الغني وقد يكون المحتاج. قد يكون هذا تارة وهذا اخرى. فمن رحمة الشارع وحكمته النهي عن هذا النوع الذي قد تبين وظهر شره وزال خيره وصار سببا لاضرار كثيرة وانه لا تصلح دنيا الخلق الا بالتزام احكام الشرع كما لا يصلح دينهم الا بذلك. واذا كانت الجهالة يسيرة ودعت الحاجة اليها فقد جوازها الاصحاب مع في هذا النوع وكذلك شددوا جدا في السلم واشتراط صفات المسلم فيه. مع انه خلاف ما نص عليه الامام احمد وخلاف ما عليه عمل الناس والميزان في هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال من اسلم في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم الى اجل معلوم معلوم متفق عليه ونهيه عن الغرر. فحيث كان المسلم فيه معلوما عند الناس لا يعدونه مخاطرة فهو جائز. ومما يدخل في الغرر مخاطرة نهي الشارع عن بيع الثمر قبل بدو صلاحها. والزرع قبل اشتداد حده لكثرة الافات. ولهذا اذا عدمت هذه العلة وشرت قطعه في الحال وكان مما ينتفع به جاز. واذا كان تابعا للارض والشجر جاز لدخوله بالتبعية فقد يثبت تبعا ما لا يثبت استقلاله واما بيع مالك الزرع لمالك الارض او بيع مالك الثمر لمالك الشجر وقد اجازه الاصحاب وهو احدى الروايتين عن الامام احمد. الرواية الثانية اصح وهو انه داخل في عموم اللفظ وعموم المعنى. فلا معنى لتخصيصه. وحقق الشارع هذا المقصود فاسقط عن مشتري الثمار بعد صلاحها الجائحة وقال بما يستحل احدكم مال اخيه؟ فعلل ذلك بانه يأخذه بغير حق. ولا يقيد في هذا شرط الجائحة على لانه شرط يخالف حكم الله. وكل شرط يخالف حكمه فهو باطل. ولان الخطر والضرر فيه ظاهر جدا. فقد يبيع ثمرا بمئة درهم ويشرط الجائحة على المشتري. ثم يجتاح ولا يساوي بعد الجائحة الا ثمنا قليلا. وهو انما رضي بالاشتراط احسان ظن انها الا تجتاح فلا يحل الزامه بالجائحة ولو اشترطها. وهذا ظاهر النصوص وظاهر كلام الاصحاب المتقدمين والمتأخرين. لانهم ذكروا جائحة على البائع ولم يستثنوا حالة من الاحوال. ولو كان في المذهب قول اخر وانه ينفع فيه شرط لنبهوا عليه. وقد ظن بعض ما يحدث فيها عيب فان العيب على المشتري شرط او لم يشرط بالاتفاق. وليس له الا رد العيب الموجود قبل الشراء. اذا كان يجهله اذا اسقطه بعد العقد فقد اسقط عيبا موجودا او حقا له ثابتا مع الخلاف فيه. واما عيوب الثمار الحادثة بعد العقد فقد دل النص على انه على البائع واذا اسقطه المشتري فقد اسقط الحق قبل ثبوته. وايضا فالحق للشارع فلا يحق تراضي المتبايعين على ما نهى الشأن عنه. ارأيت لو تراضيا على مسائل الغرر والمخاطرة كبيع الآبق ونحوه. فهل يكون رضاهما مسوغا لصحة البيع؟ كلا فانه لا تسقط الا الحق الثابت المتمحض للادمي. واما حق الله تعالى فلا يحل التراضي على اسقاطه. القاعدة الثالثة بيع التغرير والخداع. وهذا محرم على المخادع بالكتاب والسنة والاجماع. وفي الحديث الصحيح من غشنا فليس منا. فهذا عام في الغش في المعاملات كلها لها في التجارة والاجارة والمشاركة وكل شيء. فانه يجب في المعاملات الصدق والبيان ويحرم فيها الغش والتدليس والكتمان. الغش اما ان يظهر ان المبيع على صفة حسنة هو خال منها وهو الذي يسمونه بخيار التدليس. كتسرية اللبن في الدرع وتسويد شعر العجوز وجمع ماء الرحى وارساله وقت عرضها للبيع. ومن هذا ان يريه بعض المبيع وهو احسن ما يكون في المبيع. ويوهمه ان الباقي مثل الذي رأى كأن يزين وجه الصبرة وينقيها او يبيعه بالانموذج ويريه احسن مما باعه. الضابط لهذا النوع ما قالوا ان يدلس المبيع بما يزيد به الثمن. واما ان يكون فيه عيب فيكتمه ولا يبينه. واما ان يغبنه بنجش او اخبار انه اعطي في السلعة كذا وهو كاذب او تلقى الركبان ليشتري منهم او يبيعهم او يخدع من لا يحسن المماسكة او نحو ذلك. فالغار في هذه الاشياء اية وللاخر المخدوع الخيار ان شاء امسك وان شاء رد واخذ ما دفع. واما الارش في هذه المسائل فان كان قد تعذر الرد وجب خدوع الارش وان لم يتعذر الرد فالمشهور في المذهب ان المغرور مخير ان شاء امسك بالارش في العيب وان شاء رد وفي الغبن والتدليل لا ارش مع الامساك. والصحيح ان الارش معاوضة جديدة تتوقف على رضا المتعاقدين ان اتفقا عليها فذاك. وان لم يخترها الغار بل اختار التراجع لم يجبر على الارش وهو اختيار الشيخ وهو الموافق للقاعدة لانه لا يلزم الانسان شيئا لم يلتزمه ولا تسبب في تغريمه ومثل التغرير في المبيع التغرير في العين المؤجرة غبنا وتدليسا وكتم عيب. الا ان الاصحاب في الاجارة لم يخيروا الاجير بين الامساك مع الارش والرد بل بين الامساك والرد فقط. ولا فرق بين البابين كما قاله بعض الاصحاب. ومما يدخل في هذه القاعدة من غر غيره فاخبره انه عبد زيد وهو كاذب. فاشتراه منه او اخبره ان المال ما له فاشتراه. او اخبره بصفة مقصودة في المبيع لغيره اغتر واشتراه ووجد الامر على خلاف ما قال فانه يرجع على من غره كما قاله صاحب الفروع وغيره وهو الموافق للقاعدة الشرعية كان المتأخرون من الاصحاب رحمهم الله لا يرون رجوعه عليه فانه قول ضعيف جدا مخالف لقولهم في مواضع. ولهذا قالوا يرجع بالغرم على من تسبب له. ولهذا لو كذب عليه عند ولي الامر فاخذ ما له او دل سارقا او من يأخذ ما له فهو ضامن. والقاعدة ان المباشر والمتسبب كلاهما ضامن لكن اذا اجتمعا قدم تضمين مباشر. فان تعذر تضمينه فعلى المتسبب. ومن هذا الباب رجوع الزوج المغرور بزوج معيبة او مجنونة على من غره من ولي وزوجة عاقلة واجنبي. ومما يدخل في هذه القاعدة الايدي المترتبة على يد الغاصب ان العين اذا انتقلت من الغاصب الى من لا يعلم الحال فهو مغرور بالاتفاق. ان قرار الضمان على الغاصب الا ما دخل على انه مضمون عليه ولكن هل يملك المالك مطالبة من حصل التلف للعين او منافعها بيده كما هو المشهور والمذهب او لا يملك لانه معذور كما هو اختيار الشيخ تقي الدين الثاني اصح دليلا. ومن هذا الباب تضمين الكفيل اذا لم يف بما عليه. وضمان المعرفة ان قلنا به فان فيه قول التحقيق انه لا يلزم الا بتعريفه. الا اذا اتى بلفظ يدل على الضمان. ومن هذا الباب اطلاق الرهن في عرف النجديين وصورة ذلك ان يكون لزيد على عمرو مثلا الف دينار قد رهن فيها ملكه. فيريد ان يستدين عمرو من خالد الفا او نحوها ليوفي بها زيد او يطلق زيد لخالد رهنه في الملك المذكور رغبة منه في قبض الالف التي استدانها من خالد. وخالد لا يرغب ان يدين عمرا الا على هذا الوجه وقصدهم بذلك ان الرهن متى بان عدم صحته بان يكون غصبا او سبق فيه رهن اخر ان يستعيد خالد من زيد راهم التي قبضها زيد من عمرو لانه دينه بهذا الشرط. وهو جار عندهم وفي عرفهم مجرى الضمان. فاذا تبين في الرهن المذكور تبعا راجع خالد على زيد بالدراهم التي قبضها. ولهذا اذا اراد زيد ان يحترز عن هذا الضمان قال لا اطلق لك الرهن ولكن اقر انه ليس لي حق في هذا الرهن فلا يصير ضامنا للرهن والله تعالى اعلم بالصواب. القاعدة الرابعة صدور المعاملة عن رضا شرعي من المتعاملين. وهذا الاصل ثابت بالكتاب والسنة والاجماع. وهو مقتضى العدل والانصاف. فدخل في هذا عقود البيع انواعه وعقود الايجارات والمشاركات والتوثيقات والتبرعات وغيرها وكذلك الفسوخ. ويعلم هذا الرضا بالقول الصريح او ما يدل على ذلك من الافعال الجارية مجرى الاقوال او بالكناية مع قرينة دالة على ذلك. ولذلك قال الفقهاء في جميع ابواب عقود وينعقد بما دل عليه من قول او فعل. وكل هذا تحقيق لهذا الشرط الذي ذكره الله ورسوله وهو وهو الرضا. وانما استثنوا باب عقد النكاح فاعتبروا فيه النطق بالايجاب والقبول لخطره. واشتراط الشهادة عليه. وقولنا رضا شرعي احتراز من لو صدر الرضا من صغير او سفيه او غير عاقل فانه غير معتبر. ولهذا اشترطوا في التصرفات ان تقع من جائز التصرف بان رضا من ليس كذلك عن غير بصيرة ولا تمييز تام فصار لاغيا. ولكن وليه ينوب منابه في التصرف والرضا. واما اذا فكان جائز التصرف بالغا عاقلا رشيدا فالعبرة برضاء نفسه لاستقلاله باموره كلها فلا يكرهه وليه على شيء شيء من العقود بل ليس له في هذه الحال ولي الا مسألة واحدة. وهي اذا كانت الانثى بكرا بالغة رشيدة فان اباها او وصية يجبرانها على النكاح وان كرهت على المشهور من المذهب. وعن احمد رواية ثانية اختارها شيخ الاسلام انهما لا يجبرانها في هذه الحال. وهذا هو الصحيح كما دل عليه الحديث الصحيح في تخيير النبي صلى الله عليه وسلم بكرا زوجها ابوها فلا استثناء على هذا القول. فالكره على عقد من العقود او فسخ من الفسوخ بلا حق عقده لاغ وفسخه لا يغضب. وجوده كعدمه فان كان الاكراه بحق صح عقده وفسخه وضابط الاكراه بحق ان يمتنع عن عقد واجب عليه عقده او فسخ واجب لسبب من الاسباب فيلزم بالواجب لانه في هذه الحال غير مظلوم بل هو الظالم بامتناعه عما وجب من امثلة ذلك لو كان عليه دين لوفاء له الا ببيع ما له الواجب بيعه في الدين. فامتنع ثم اكره على بيعه. فالبيع صحيح فلو حذر بيعه باعه الحاكم وكذلك الشركاء في الاملاك. اذا احتيج الى تعميره وامتنع احد الشركاء اجبر بالحق. وكذلك الشركاء في الاملاك التي يتضررون بقسمتها اذا طلب احدهم البيع وامتنع الاخر اجبر لانه وان كان الانسان غير مجبور على بيع ماله الخاص فانه لما تعلق به ملك الغير وكان امتناعه يضر شريكه وجب ازالة هذا الضرر ولا طريق له الا بالبيع وكذلك ما قاله الاصحاب في الوصي على اداء الدين وعلى الصغار لو دعت الحاجة لبيع بعض عقار لقضاء الدين او حاجة صغار في بيع بعضه ضرر وابى الورثة الكبار او غابوا باع الوصي على الجميع. لانه الطريق لاداء هذا الواجب بلا ضرر. ومما ايجب ان يعلم ان الرضا المعتبر بين المتعاملين ونحوهم شرطه ان يكون بعد رضا الشارع وان يكون ذلك الذي وقع عليه التراضي منهما فقد اجازه الشارع واباحه. واما اذا لم يجزه الشارع فلا عبرة برضاهما. ولهذا لو تراضيا على العقود المحرمة لم انفع رضاهما. لان العبد ليس له ان يفعل ما يشاء. وانما له ان يفعل ما اجازه الشارع له. لانه مقيد بالعبودية غير خارج عن احد احكام ربه والله اعلم. القاعدة الخامسة ان تقع العقود من مالك لها او من يقوم مقامه. وهذه القاعدة ثابتة بالكتاب السنة والاجماع والميزان الذي هو العدل. فمن كان مالكا للشيء او لمنافعه فهو الذي يوقع عليه من العقود والفسوخ والاسقاطات بما يملكه منها دون غير المالك فدخل فيه انه لا يبيع ولا يؤجر ولا يرهن ولا يشارك ولا يتبرع ولا يوصي ولا وغيرهم لم يصح وصار وجود ذلك العقد كعدمه الا انه يستثنى الفضولي اذا تصرف ثم اجازه المالك. فهل العقد غير صحيح ويحتاج الى تجديده كما هو المذهب بان العبرة بتحقيق الشرط وقت العقد او انه اذا اجازه صح تنفيذه ولم يحتجب الى اعادته وهو احدى الروايتين عن الامام احمد وهو الصحيح. لان العبادات هي التي تحتاج الى نية صاحبها. واذا لم ينوي فيها قبلها بنفسه ولا بنائبه لم تصح عبادته. واما المعاملات فالمقصود فيها رضا المالك. وقد حصل وما تملك منافعه ولا تملك مراقبته صح التصرف فيما يملك بحسب حاله دون رقبته. فدخل فيه ام الولد تملك منافعها فيوقع عليها عقد التجارة والاعارة دون رقبتها. والوقف يتصرف في ريعه ومغله المملوك للموقوف عليه دون رغبته. الا في الحال التي يجوز فيها بيعه. المستأجر للعين مالك لمنافعها مدة الاجارة فيتصرف فيما يملكه دون رقبتها. ودون المنافع التي لم تدخل في استئجاره بخلاف المستعير انه لم يملك لا العين ولا النفع. وانما ابيح له الانتفاع بنفسه فلا يؤجر ولا يعير الا باذن المالك وكذلك الارض الخرجية على المذهب يمتنع بيع رقبة الارض دون التصرف فيها بايجار او بيع مغل او نحو وعلى الرواية الاخرى عن الامام هو مذهب جمهور العلماء جواز بيع الرقبة. ويكون المشتري في اداء خراجها قائما مقام البائع وهو الصحيح ومن تفريع هذه القاعدة ان الشيء اذا وقع عليه عقد واحتاج الى حق توفية فليس للمشتري التصرف فيه حتى ان ملكه له وذلك كالمبيع بكيل او وزن او عد او زرع قبل ذلك. وكالمبيع بصفة او رؤية سابقة. فاذا تم الملك بايفاءه الكيل والوزن والعد والزرع ووصول المبيع بصفة او رؤية سابقة بيده او يد وكيله صح التصرف ويتحقق هذا ان هذه الاشياء اذا تلفت قبل ما ذكر فمن ضمان البائع والحق بها في الضمان جوائح الثمار لانه وان جاز له التصرف فيها فهي الى الان ما تمت الثمرة فيتم ملكه عليها فتلفها من ضمان بائعها. ويتفرع ايضا على هذه هذه القاعدة ان المالك للشيء اذا تعلق به حق الغير لم يصح تصرفه مطلقا الا باذن من له حق فيها. كالعين مرهونة لا يتصرف بها مالكها الا باذن المرتهن. ولا ينفذ الا باذنه. حتى العتق على الرواية الاخرى عن الامام. لان في ذلك ابطالا لحق المرتهن الواجب. والمحجور عليه لا يتصرف في ما له بعد الحجر الا باذن الغرماء. والورثة لا يطلق اولاهم التصرف في التركة. والميت مدين الا ان او ضمنوه الا باذن الغرماء. وكذلك كل من له شركة في شيء لا تصرف شريكه فيها جملة الا باذنه. ولا يجوز بيع الديون التي في الذمم لغير من هي عليه. فيعلل بانه غير مقدور عليه فيدخل في القاعدة السابقة قاعدة الغرر. ويعلل بانه غير مملوك. فيدخل في هذه القاعدة. ويتفرع عليها ايضا ان منافع المستقلة عن العين اذا استثناها مدة معلومة انه صحيح. لانه اخرج العين ومنافعها عن ملكه الى هذه المستثناة اذ له في ذلك غرض ومصلحة بخلاف اشتراط البائع على المشتري الا يبيع المبيع ولا يتصرف فيه. وان اعتقه فالولاء له لانها غير مملوكة ولا تابعة لملكه. وشرطها مناف لمقتضى العقد. واما اشتراط التصرف الذي له فيه مصلحة او للمبيع كعتقه او وقفه فهو صحيح. القاعدة السادسة والسابعة اذا تضمن العقد ترك واجب او انتهاك فانه حرام غير صحيح. وقد دلت النصوص الشرعية على هذين الامرين في عدة مواضع. فمن ذلك البيع والشراء بعد نداء الجمعة واذا ضاق وقت المكتوبة او خاف فوت الجماعة وكذلك المعاملة التي تفوت الانسان وتشغله عما اوجب الله عليه من قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون اسيرون. وهذا انما هو في الاشغال عن الواجبات. لانه نهى عنه ثم رتب عليه الخسارة. ومن ذلك ان يبيع العنب والعصير ممن يتخذه خمرا او البيض والجوز لاهل القمار او السلاح في الفتنة وعلى اهل الحرب وقطاع الطرق. وبيع الرقيق المسلم كافر اذا لم يعتق عليه ومما يدخل في هذه القاعدة العقد عقد المسلم من بيع وشراء وايجارة ومساقاة ومزار في ذلك من ادخال الضرر على اخيه وحصول العداوة والبغضاء. فاذا تحررت هذه القواعد وما تبعها من الضوابط واستثنيتها من ذلك الاصل العظيم حصل لك في هذه المواضع المهمة من العلم ما تهتدي به الى هذه المسائل والصور المذكورة وما كان في معناها مما تدعو اليه الضرورة والحاجة لانه اذا ذكرت اصول المساجد ومآخذها ومقاصد الشرع وبيان حكمها واسرارها في الاذهان وصار هذا العلم على هذا الوجه اكمل بكثير من تعلم مجرد سور المسائل وافرادها دون حكمها ومآخذها فان هذا النوع قليل الثبوت في الذهن لا يكسب صاحبه تمرنا على المباحث العلمية والتفريعات النافعة. ولا يهتدي الى الفرق بين المسائل المتفرقة احكامها ولا الى الجمع بين المسائل المجتمعة احكامها في اصل وعلة واتضح لك فائدة هذا الاصل وسعة وان الاصل في المعاملات كلها الاباحة والتوسعة والسهولة الا ما ضر الناس في اديانهم او اخلاقهم او دنياهم التوفيق. السؤال الخامس والخمسون ما حكم اختلاف المتبايعين؟ الجواب الاختلاف الواقع بين البائع والمشتري انواع متعددة احدها اذا اختلف في قدر الثمن بان قال البائع مثلا الثمن مئة. وقال المشتري ثمانون. حلف البائع ما بعته بثمن وانما بعته بمائة ثم حلف المشتري ما اشتريته بمائة وانما اشتريته بثمانين. ولكل واحد الفسخ ما لم يرضى احدهما قولي الاخر وان كان المبيع قد تلف رجع الى قيمته. الثاني اختلافهما في صفة الثمن. فيؤخذ نقض البلد ان وافق قول احدهما ثم غالبه رواجا ثم الوسط. الثالث اختلافهما في عين المبيع او قدره. فكختلافهما في الثمن على القول الصحيح وهو احد قولين في المذهب لعدم الفرق بين الاختلاف في الثمن او المثمن. والمشهور من المذهب فيه القول قول البائع وهو ضعيف جدا رابع الاختلاف في شرط صحيح او فاسد او اجل او رهن او قدرهما او ضمين. فقول المنكر لان الاصل عدم ذلك الا ببينة. الخامس اذا اتفقا على العقد وادعى احدهما فساده لاختلال شرطه او وجود مانعه. وانكر الاخر وادعى صحته فالقول قول مدعي الصحة لان الاصل السلامة واتفاقهما على العقد يدل على انه شرعي. فانكار الاخر انكار لما اتفق عليه. السادس اذا حضر المبيع بصفة او رؤية سابقة. فادعى المشتري انه على غير الصفة وانه متغير عن حالته. وان البائع القول قول المشتري على المذهب قالوا لان الاصل عدم لزوم الثمن للمشتري. وقيل القول قول البائع لان الاصل بقاؤه على الوصف والحالة المرئية. السابع اذا باعه شيئا بثمن حال لكنه ليس من المشتري. فامتنع البائع من تقبيضه حتى فيحضر الثمن فهل يجبره المشتري على التسليم ثم المشتري يجبر بعد الايفاء كما هو المشهور في المذهب او لا يجبره على التسليم بل حبس المبيع على ثمنه. وهو قول الموفق وطائفة من الاصحاب. وهو الصحيح الذي لا شك فيه. ومثله حبس العين على اجرتها. الصواب انه يملك حبسها لما عليه من التسليم من الضرر. ولانه لم يوافق على اخذها والذهاب بها حتى يلزم بما التزمه. الثامن خلافهما عند من حدث العيب. فالمشهور ان القول قول المشتري بيمينه لانه منكر لقبض ما هو قابل السلامة من العيب رواية اخرى عن الامام وعليها العمل القول قول البائع بيمينه الا ان اقام المشتري بينة بما قال وهو الصحيح ان الاصل معه. واما تعليل الاصحاب المذكور ففيه نظر ظاهر. التاسع اذا تراد الثمن والمبيع لعيب او خيار او نحوهما فادعى المردود عليه انه غير العوض الذي دفعه او غير المبيع. فالصحيح ان القول قوله حتى يأتي الاخر ببينة تثبت ما قاله سواء كان معينا او في الذمة وسواء في خيار العيب او خيار الشرط لانه منكر والاخر مدع والبيت على المدعي واليمين على من انكر. ولانا لو قبلنا قول الاخر كان في ذلك من فتح مفاسد وشرور كثيرة. واما الاصحاب انهم فصلوا القول في ذلك فجعلوا القول قول البائع ان المبيع ليس المردود الا في خيار الشرط. وقول المشتري في الثمن اذا كان كان معينا وان كان في الذمة فقول البائع. وهذا التفصيل ضعيف جدا لعدم الفرق بين هذه الاقسام. وكلها في نظر العارف واعلم ان هذا الاختلاف بل وكل اختلاف قيل فيه قول احدهما اذا لم يكن بينة فان كانت رفعت الاختلاف. السؤال السادس والخمسون ما هي الوثائق للحقوق؟ وما فائدتها واحكامها؟ الجواب وبالله التوفيق من رحمة الله بعباده ان شرع الوثائق لحفظ حقوقهم واستحصالها وهي اربعة اشياء كلها ثابتة في الكتاب والسنة والاجماع والقياس. الشهادات والرهن والضمانة والكفالة. اما الشهادات فانها تثبت بها الحقوق. وهي اوسع الوثائق دائرة واعظمها مصلحة واقطعها للنزاع. وهي تثبت الحقوق في الذمم وتسقط ما ثبت بوفاء او ابراء او نحوهما. ولكن الحق لا يستوفى منها. وانما هي الة وسلاح للاستيفاء ممن عليه الحق ورد الظالم عن ظلمه. وان كتبت قويت ووجدت مع وجود الشاهد وفقده. كما ذكر الله تعالى حكمة ذلك في قوله ذلكم اقسط عند الله واقوم للشهادة وادنى الا ترتابوا. ويختلف نصابها باختلاف الحقوق. وقد ذكر الاصحاب اقسامها في باب المشهود به وعدد الشهود. واما الرهن فهو دفع من عليه الدين شيئا من ما له لصاحب الدين ليتوثق به به ويطمئن اليه ويأمن غدر صاحبه وليستوفي من الرهن اذا تعذر الوفاء من الغريم واتم ما تكون ان تكون عينا مقبوضة فان كانت قيمتها اكثر من الدين تمت من جميع الوجوه. وان كانت الوثيقة دينا او غير مقبوضة او اقل من قيمة الدين صارت ناقصة فحصل فيها من التوثيقة بحسبها. واما منع التوثيق بها في هذه الحال وجعل وجودها كعدمها كما هو المشهور من مذهبي في غير المقبوضة والدين كما في الناقصة فقول لا دليل عليه. بل هو مناف للعمومات الدالة على ان المؤمنين على شروطهم وعلى وجوب الوفاء بما تعاقدوا عليه مع منفاتها لمصلحة الناس وتمكين الغادر من غدره. فاما ذكر الله تعالى القبض للرهن فرهان مقبوضة فهذا ارشاد منه تعالى لاقوى الطرق في التوثق بها. ليس فيه انه اذا لم يقبض فليس برهن بل مفهومه يدل على انه يسمى رهنا. واما حكم الرهن فهو لازم في حق الراهن ليس له فكه ولا التصرف فيه ما دام متعلقا به الدين. والدين يتعلق به كله لا ينفك منه شيء بايفاء بعض الدين. بل بوفاء كله او عند فك المرتهن. واذا حل الدين فاذا حصل وفاء والا بيع الرهن وجوبا بطلب صاحب الدين ثم اوفي من ثمنه فان وفى بالدين كله فذاك والا اذا بقي باقي دينه على غريمه. واما الضمان والكفالة فالضمان يكون للدين. والكفالة لاحضار بدن الغريم. وفائدتهما الزام الضامن بالوفاء مع الزام صاحب الحق. يتعلق الحق بذمة كل واحد منهما. فلصاحبه طلبهما جميعا. وطلب احدهما الا اذا شرط الضامن انه لا يطالبه حتى يتعذر عليه اخذ الحق من صاحبه. فالقول الثاني ان هذا حكم الضامن لا اوفى منه حتى يتعذر الاصيل. واما الكفيل فانه اذا سلم المكفول لرب الحق برئ سواء استوفى منه صاحب الحق ام لا فان عجز عن احضاره صار ضامنا. واذا ادى الضامن والكفيل عن المدين بنية الرجوع رجعا. وكذا كل من اوفى عن غيره دينا واجبة. وقد عرف بما ذكرنا حكمة الشارع في هذه الوثائق وانها لمصالحهم وحفظ حقوقهم. فلله الحمد والمنة. السؤال السابع والخمسون عن حكم الصلح وفائدته. الجواب الصلح من اعم الامور واوسعها دائرة. ويدخل في امور كثيرة. وفوائده لا تعد كثرة قال تعالى والصلح خير. فيقع الصلح بين المسلمين واهل الحرب. فيجتنى منه راحة المسلمين واجمامهم لقتال اعدائهم في وقت الفرصة ويحصل من اختلاط المسلمين بالكفار من المصالح وبيان محاسن الاسلام ما يوجب لكثير من المنصفين الدخول فيه ويحصل من المصالح الدينية والدنيوية شيء كثير. ويقع الصلح بين اهل العدل واهل الظلم والبغاة فينكفوا بسببه شر كثير وربما حصل خير كثير. ويقع بين الناس في الدماء والجروح ونحوها. فيحصل من العفو والتغاضي عن الحقوق. واطفاء الشر وحصول في مقابلة ذلك شيء من المال تأنس به النفوس. ويسهل عليها ترك الاخذ بالثأر. ويقع بين الزوجين عند المشاقة والمخاصمة فيحصل الالتئام وتزول اسباب الشر. ويتراجع الزوجان الى العشرة المأمور بها. ويقع بين الاصحاب المتهاجرين المتنافرين. فتتدانى القلوب بعد بعدها ويزول نفارها. ولذلك لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الكذب الا في الحرب. حديث الرجل لها مؤانسة والاصلاح بين الناس لعظم نفعه وجزيل وقعه. ويقع الصلح بين الناس حين تقوم الفتن. فيحسم الفتن والشرور. لهذا جعل الشارع المصلح بين الناس نصيبا من الزكاة ولو كان غنيا حثا لهم على الاصلاح بكل طريق. وهذه الاصلاحات اذا وقعت عادلة لا جور فيها على واحد من الطرفين واحسن الداخل فيها الطريق الموصلة الى ذلك. حصل المقصود بسرعة وانحسم الشر فاذا دخلها الهوى والظلم على احد الطرفين او سلك طرق لا توصل اليها انعكست ولم يحصل منها المقصود. وان حصل فما اسرع زواله. ولهذا امر الله بالاصلاح صاحب العدل والاحسان فيه والله اعلم. ويقع الصلح بين الناس في الاموال والمعاملات وهو مراد الفقهاء بذكر باب الصلح المتعلق بالمعاملة وهو كله جائز الا صلحا احل حراما او حرم حلالا كما ورد به الاثر. فالحقوق المالية المصالح عليها اما ان يعترف بها من هي عليه واما الا يعترف. فان اعترف بها وصالحه على بعضها لسرعة الوفاء كانت مصلحة للطرفين. وكان شبيها بالتبرع كذلك اذا ياسره على المال وجعله اجالا متعددة. فالصواب انه لازم. وقال اصحابنا انه جائز فله ان يطالبه قبل الاجل المقبل مضروب لان التأجيل غير لازم ثم الزم به نفسه ووعده. والمؤمن اذا وعد وفى خصوصا اذا كان في هذه الحال سيجتهد في بيع ما ليس عليه بيعه من مسكن واثاث او يستدين من الناس ما يوفي به. فهنا يتعين الالزام بالتأجيل بلا ريب. وقد يصالحه عن المؤجل ببعضه حال. والمشهور من المذهب المنع قياسا على الربا وقلب الديون الحالة. والرواية الاخرى عن احمد اصح وهو جواز ذلك اذ في ذلك مصلحة للطرفين هذا ينتفع بتعجيل حقه والاخر بتخفيف ما عليه. وقد اشتهر ان النبي صلى الله عليه وسلم لما اجلى بني النضير قالوا ان لهم مع الناس مداينات. فقال ضعوا وتعجلوا. مقياسها على الربا ضعيف جدا. بل هذا ضد الربا فان الربا يزيد في الاجل ويزداد ما في ذمته. وهذا يتعجل الوفاء ويخف ما في ذمته. فما ابعد احدهما من الاخر ما تدعو الحاجة بل الضرورة الى هذه المسألة وما دعت له الحاجة ولا محذور شرعي فالاصل جوازه. وقد يصالحه عن الدين او العين بغير جنس فيصير معاوضة يثبت لها من الاحكام ما يثبت للبيع بل قد تكون اوسع. وان كان المدعى عليه الحق منكرا فالصلح ايضا جائز ما اعظم فائدته للمدعي والمدعى عليه ويصير في حق المدعي بيعا. لانه يعتقد ما صالح عليه عوضا عن حقه. وفي حق الاخر امراء لانه يزعم انه دخل في الصلح لدفع الخصومة والنزاع وظهور براءة ذمته. فما دام كل منهما معتقدا ما يقوله الصلح جائز ظاهرا وباطلا. حلال لكل منهما ما دخل عليه. فان اعتقد احدهما خلاف ما يقول الصلح في الظاهر جاز ونفذ وهو في في الباطن حرام عليه ما اخذ مما لا يستحق او انكر ما عليه. ومن الحقوق التي اختلف في جواز الصلح عليها حق الشفعة والخيار فالمذهب المنع لانه ليس المقصود بها تحصيل مال. وانما هو النظر لاحظ الامرين. والقول الثاني في المذهب الجواز لعموم قوله صلى الله عليه وسلم الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا احل حراما او حرم حلالا. وهذا عام في الحقوق كلها. ولا يتضمن هذا احلال حرام ولا تحريم حلال. وقولهم ان المقصود بهما وباثباتهما للانسان ان ينظر اي الامرين احظ. صحيح جملة ما يراعيه صاحب الحق في الاقدام على الشفعة وفي اتمام الخيار او عدم ذلك النفع المالي. بل هذا اعظم ملاحظهم. فاذا بذل له مال ليترك هذا الحق رجع هذا الجانب فلا مانع من ذلك. واما الصلح الذي لا يجوز فهو ان يتصالحا على امور محرمة. اما ان صالحة حرا يقر له بالعبودية او انثى تقر له بالزوجية فهذا الذي اجمع المسلمون على منعه. السؤال الثامن والخمسون عن كامل جوار. الجواب اقل ما يجب على الجار لجاره ان يمنع عنه اذاه القولي والفعلي. فلا يحدث بملكه المختص او المشترك بينهما وبين جاره ما يضر بالجار من كل وجه. وذلك شيء كثير. وان يمكنه من وضع الخشب على جداره اذا احتاج الى ذلك ولا ظرر على حائطه. وكذلك على الصحيح ما اشبه ذلك مما لا يتضرر به. الجار ينتفع به كاجراء الماء على ارضه لينتفع هذا بمرور ماء والجار يسقي ما يمر عليه ماؤه. وهذا احدى الروايتين عن احمد وقد الزم بذلك عمر رضي الله عنه. ومن انفع ما يكون وقوع الصلح بين الجيران في الامور التي تتعلق بمصالحهم كالمرور على جاره واجراء ماء سطوحه على سطحه او ارضه او نحو ذلك. وينبغي ان ساهل مع جاره بكل طريق. ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه. فان لم ابذل له هذه الاشياء تبرعا فلا اقل من محاباته في الصلح. ويربح الاحسان الى جاره اذا رأى المحروم ان الربح في مقاصته. ومن احكام الجيران الاشتراك في تعمير ما يحتاج الى تعمير من جدار او بئر او سقف على قدر الاملاك. كما ان هذا الحق واجب بين الاملاك وان احدهما يجبر على التعمير المحتاج اليه. السؤال التاسع والخمسون من هو المحجور عليه وما احكامه وفائدته؟ الجواب او لا تملك الفسخ كما هو احدى الروايتين عن الامام احمد وهو ظاهر القرآن. قال الله تعالى لينفق ذو سعة من ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله. لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها. سيجعل الله التوفيق. حد الحجر منع المالك من التصرف في ماله. والحجر الشرعي المقصود به حفظ الاموال وصيانتها وايصال الحقوق الى اهلها هذا المعنى اشتركت فيه انواعه كلها. وهو ينقسم الى قسمين. احدهما من يحجر عليه لحظ نفسه لضعف عقله عن حفظ ما له واحسان التصرف فيه. وذلك كالصغير والسفيه والمجنون. فيجب على وليهم منعهم من التصرف في مالهم. ويتولى هو حفظه والتصرف فيه. ولا في مالهم الا بما فيه مصلحة فيجري عليهم من النفقة من اموالهم بالمعروف وما احتاجوا اليه من تعلم علم او صنعة في امواله ولا يأكل من مالهم الا اذا كان فقيرا اقل من كفايته واجرة عمله. الضابط في الواجب عليه كما قال تعالى ولا تقربوا قال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده. وهو البلوغ والرشد. فاذا بلغ ذلك وجرب رشده فوجده حافظا لماله هذه محسنا للتصرف فيه دفع اليه. قال تعالى فاذا دفعتم اليهم اموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا مشهور من المذهب ان الولاية في هذا الباب ليست كسائر الابواب. فلا تثبت الا للاب او وصية ثم تنتقل بعدهم الى الحاكم. الفرق بين هذا وبين سائر الابواب ان المال تتعلق به المطامع النفسية والاغراض النفسانية فيقدمها الانسان على مصلحة موليه فمنعت ولايتهم اصالة بخلاف الاب فانما معه من الشفقة والحنو وما له من التمول في مال ولده ما اثبت له الولاية. والرواية الثانية عن الامام احمد اجراء هذا الباب كسائر الابواب من الميراث والعقل والنكاح والحضانة وجميع الولايات التي تثبت لجميع العصبات. ولا فرق في الحقيقة واذا شرطنا الا يتولى مالهم الا من هو عدل مرضي صارت ولاية اقاربه الذين هم اشفق الناس عليه واحرصهم على مصالحه اولى بلا شك من ولاية البعداء الذين لو وجدت عدالتهم لم يوجد فيهم من الشفقة ما في الاقارب وهذا ارجح دليل الى الثاني في المحجور عليه لحظ غيره. فمنهم المرتد يحجر عليه في ما له وقت استتابته لحظ المسلمين او حظ ورثته على خلاف القولين والمريض مرضا مخوفا يحجر عليه بما فوق الثلث لحظ ورثته. والراهن يمنع من التصرف في الرهن بلا اذن المرتهن لحظ المرتهن والمشتري في الشخص المرفوع يمنع من التصرف فيه بعد الطلب لحظ الشفيع. ومنهم المدين يحجر عليه لحظ غرماء بثلاثة شروط ان تكون ديونهم حالة وان تستغرق جميع موجوداته وان يطلبوا او بعضهم من الحاكم الحجر عليه. هذا المذهب اذهب عند شيخ الاسلام لا يعتبر الشرط الثالث بل زائده يصير محجورا عليه بمجرد استغراقهم لموجوداته. وانما الحاكم يبين خافية ويزيل مشتبها ويحل نزاعا والا فلا يثبت حكما شرعيا وهو اقوى. وفي هذا القول من المصلحة للناس وحفظ حقوقهم منع الخونة من حصول مقاصدهم المحرمة ما يوجب القول به. واذا حجر عليه الحاكم امتنع عليه التصرف في ما له اعيانه وديونه وتعلقت حقوق الغرماء في ما له فمن وجد عينا زائدة باعها او اقرضها اياه بعينها ولم يأخذ من ثمنها شيئا ولم يتعلق بها احق للغير اخذها وسقط عوضها عن المحجور عليه. ومن كان له رهن اختص به وشارك الغرماء في الباقي ان بقي له شيء وان بقي هي من ثمن الرهن شيء بعد حق المرتهن رد على بقية الغرماء. ثم يقسم الباقي على الغرماء بقدر ديونهم بالحصص. فهذا غاية ممكن من العدل لان القاعدة ان الحقوق المشتركة المدلية على مال تشترك في الزيادة والنقص. كل بحسب ما له كزيادة اموال شركة او نقصانها. ومن هذا الباب العول والرد في الفرائض. واذا كان بعض الغرماء دينه مؤجلة. فهل يشارك الغرماء الحالة حقوقهم ام لا؟ فيه قولان في المذهب المشهور منهما عدم المشاركة. بل يبقى دينه في ذمة المفلس. وليس له من موجوداته شيء. لان دينه ولم يحل والثاني يشاركهم وهو اصح لاشتراك الجميع في وجوب الوفاء. ولانه انما دخل معه في المعاملة بحسب ما عنده من موجودات بل قد يكون صاحب الدين المؤجل في الحقيقة احق من اصحاب الديون الحالة. بكون اصحاب الديون الحالة مدينهم معسر لازم عليهم انذاره. فلما استدان دينا مؤجلا صار ما عند المدين اعيان ما لصاحب الدين المؤجل او اعواضه. فكيف يقال في هذه يكون محروما. والاولون يتغبطون بمال هذا المسكين صاحب الدين المؤجل. هذا لا يمكن ان تأتي به الشريعة ابدا. وهذا القول قل هو مقتضى اختيار شيخ الاسلام. حيث رأى انه يحجر عليه وان لم يحجر الحاكم حفظا لحقوق الناس وردا للظلم بكل طريق سؤال الستون ما الصور التي يباح للانسان فيها الاكل والتصرف بمال الغير بدون اذن؟ الجواب اعلم ان الاصل احترام اموال فلا يحل لاحد مال غيره الا بطيب نفسه. وطيب النفس نوعان اذن لفظي وهو ظاهر وليس هو المسؤول عنه. ونوع عرفي وهو الذي وقع السؤال عليه. فمتى دل الدليل العرفي على رضا الانسان في الاكل من ما له او التصرف فيه جاز ذلك؟ وقد دل على هذا الاصل قوله تعالى ولا على انفسكم ان تأكلوا من بيوتكم او بيوت ابائكم الى اخر الاية فهذا الاكل من دون اذن صريح. لان هؤلاء المذكورين قد جرى العرف والعادة برضاهم. ولذلك قال الاصحاب ولزوجة وكل متصرف في بيت ان يتصدق منه بما لا يضر كرغيف ونحوه. ومن هذا التقاط ما سقط من الحصاد للزرع وما سقط من من النخيل حيث جرت به العادة. ومن هذا الباب الاكل من الاشجار التي لا حافظ عليها ولا حائط من غير صعود شجرة ولا رميها بحجر ومن الزرع الذي يمر به وشرب لبن الماشية كل هذا مقيد بالعرف. فحيث جرى العرف بعدم المسامحة في شيء من ذلك منع لعدم وجود السبب المبيح. ومن هذا ذوق الطعام عند الشراء تجربة له او الاكل منه اذا جرت العادة بالمسامحة. كمن يكتال تمر امرا فيأكل منه قبل ان يدخل ملكه. وقد جرت عادة الناس في المسامحة به. السؤال الحادي والستون ما الفرق بين الاشياء التي تصح فيها الوكالة والتي لا تصح. الجواب من سعة الشرع ان اباح للانسان ان يفعل الاشياء بنفسه. او يقيم مقامه من يتولى ذلك وهذا مضطرد في حقوق الله وحقوق عباده الا ما لا يحصل المقصود الا بمباشرة الانسان له وتوليه بنفسه. فان هذا نوع لا تفيد فيه الوكالة وذلك كالصلاة والصيام والطهارة من الحدث والحلف ونحوها. وكذلك في اداء حقوق الزوجات المتعلقة ببدنه كالقسم ونحوه فهذا هو الفرق. السؤال الثاني والستون من هو الامين وما حكمه؟ الجواب وبالله الاعانة والهداية اما الامين فهو كل من ائتمنه الانسان على ماله ورضي ببقائه بيده على وجه الابقاء او الاستعمال بعوض او غيره. واما حكمه فله احكام كثيرة. منها انه يجب عليه ان يحفظ ما بيده ولا يفرط فيه ولا يتعدى. ان فعل ذلك زال ائتمانه وتحتم عليه ضمانه وانه يجب عليه الرد الى صاحبه او الى من يقوم مقامه اذا طلبها اذا لم يبق للامين حق فيها. وكل هذا مستفاد من قوله تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها. فامر بادائها الى اهلها. ومن لازم الاداء الحفظ فانه لا يتم بدونه فدخل في الامانات الودائع والرهون والاعيان المؤجرة واموال الشركة على اختلافها. والاعيان توكل عليها حفظا وتصرفا. والاموال التي هو ولي عليها كالولي على مال اليتيم والوقف والوصايا والوصي. وما اشبه ذلك ومن احكام الامناء قبول قولهم في التلف وعدم التفريط سواء كان لهم فيها حظ او كانوا محسنين. لان هذا مقتضى كونهم امناء هو مقتضى ائتمان الانسان لهم فانه رضي ان تكون ايديهم على ماله كيده. فقد اقامهم مقام نفسه. فلا ضمان عليهم لكن لو دعوا التلف بامر لا يخفى فلابد من اثباته والا لم يقبلوا لان الحس يكذبهم. واذا تلفت وقبلنا قولهم لم يضمنوا شيئا الا العارية فانها مضمونة على المذهب الا اذا تلفت فيما استعيرت له او كانت وقفة ككتب علم وسلاح. واذا اعارها المستأجر لانه فرع من الضمان عليه. واذا اركب دابته منقطعا للثواب فهذه لا ضمان فيها حتى على المذهب. والصحيح الرواية الاخرى عن الامام ان المستعير كسائر الامناء لا ضمان عليه الا ان شرط على نفسه الضمان. ولو كان ضامنا لضمن في هذه مسائل الاربع اذ لا فرق بين الجميع. واذا ادعوا الرد فلا يخلو اما ان يدعوه الى من ائتمنهم او الى غير من ائتمنهم. فان الرد الى غير من ائتمنهم لم يقبل قولهم الا ببينة. وان ادعوا الرد الى من ائتمنهم فان كان لهم حظ في قبض تلك الامانة كالعين المؤجرة او المعارة والوكيل والدلال بجعل لم يقبل قولهم ان لم يكن لهم حظ بل هم محسنون احسانا محضا وادعوا والرد قبل قولهم بايمانهم. وكل من قلنا القول قوله في حقوق الادميين فلابد من يمينه لان هؤلاء محسنون. وما المحسنين من سبيل. ومن احكامهم ان اقرار الانسان على ما اؤتمن عليه مقبول. لان صاحبه نزله منزلة نفسه. فاذا اقر وعلى ما بيده من انواع التصرفات وصفاتها كان مقبولا. ومن احكامهم انه اذا زال الائتمان وانتقل الشيء الى اخر وجب عليه فيهم الرد او التمكين من الرد بالاعلام والاخبار ووقفوا التصرف المستفاد بالاذن الصادر من المؤتمن حتى يوجد بعد ذلك اذن جديد. السؤال الثالث والستون ما شركة التصرف وما الحكمة فيها والحكم؟ الجواب وبالله التوفيق. اما الفائدة والحكمة في المشاركة فانها حصول التعاون بين الشركاء. التناوب في الاموال والاعمال والتعاون العقلي والتعاون العملي. امن رحمة الشارع وحكمته اباحتها جميعا. والحث عليها وعلى المناصحة كما في الحديث. يقول الله تعالى انا ثالث الشريكين ما لم يخن احدهما صاحبه. اذا لخانه خرجت من بينهما ومقتضى هذا الحديث وغيره ان جميع المشاركات في كل تصرف جائزة مما لم يمنع منه مانع شرعي وانواعها اما ان يقع الاشتراك في المال والعمل منهما كشركة العنان والوجوه. اما ان يكونا شريكين في العمل وحده كشركة الابدان اما ان يكون من احدهما المال ومن الاخر العمل وهي المضاربة. واما ان يجمع ذلك كله فهي شركة مفاوضة. وعلى كل في حال فلابد من العلم بالمال الذي وقعت فيه الشركة والعمل الذي وقعت عليه ولابد فيها من العلم بما لكل منهما من الكسب والربح ولابد فيها من العدل هي الاستواء فيما يحصل لهما من المكاسب والارباح. وما عليهما من النقص والاجاحة. فاذا جمعت هذه امور كانت مباحة حلالا. اذا اختل واحد منها اختلت الشركة وفسدت. واما اشتراط غير هذا من الشروط التي لا دليل عليها وهي تضيق ما وسعه الله كاشتراط المال فيها ان يكون من النقدين المضروبين او انه اذا اشترك ثلاثة واحد منه العمل والاخر منه الدابة والثالث منه المحل او معهم رابع منه الطاحونة او المعصرة. لم تصح فانها وان كانت المشهورة عند اصحابها المتأخرين رحمهم الله وغفر لهم فانها ضعيفة جدا. والقول بصحة ذلك قول محققي الاصحاب والله اعلم. واعلم المساقات والمزارعة داخلان في انواع الشركة يشاركانها في اكثر الاحكام. لان من احدهما الارض والشجر الذي لم يغرس من الاخر السقي والعمل. والثمرة والثمرة بينهما على حسب شرطيهما. وكذلك المزارعة من احدهما الارض ومن الاخر البذر والسقي والاصلاح والغلة بينهما فيصحان بجزء مشاع معلوم من الثمر والزرع وبشيء معلوم مقدر مضمون. فالاول مشاركة يشتركان في الزيادة والنقص. والثاني اجارة يلزم العامل ذلك المقدر من دراهم او غيرها ولو من جنس الخارج من الارض وله جميع الغلة وكلا الامرين قد ثبت جوازهما مع مصلحة الناس. وبعضهم يرغب هذا دون هذا وهذا على الصحيح مذهب لابد ان يكون البذر من رب الارض. السؤال الرابع والستون ما العقود اللازمة والجائزة والفرق بينهما؟ الجواب عليه نتوكل ونسأله الهداية والصواب. اعلم ان العقود لما كانت تابعة لمنافع الخلق ومصالحهم المتنوعة اختلفت احكام باختلاف تلك المنافع وهي ثلاثة اقسام او اكثر. احدها عقود لازمة. وهذه نوعان احدهما يلزم بمجرد عقده فلا يثبت فيه خيار مجلس ولا شرط قد يثبت في بعضه خيار العيب. وذلك كعقد الوقت والنكاح ونحوهما. والثاني عقد ولكن جعل له الشارع خيار مجلس وسوغ للمتعاقدين ان يمد في ذلك بخيار شرط لكثرته. وربما حصل من غير فكرة وترو فجعل الخيار فيه لاستدراك ما لعله فات على الانسان من الحظوظ. وذلك كالبيع بانواعه. الا ان الاصحاب لم اجعلوا خيار شرط فيما قبضه شرط لصحته كالسلم وبيع الربويات بعضها ببعض. وشيخ الاسلام رحمه الله يجوز فيها خيال دار الشرط لعدم المحظور في ذلك. وللمصلحة في ذلك. والاجارة وما اشبهها من العقود. الصحيح ان المساقات والمزارعة من هذا الباب عقود لازمة لانها شبيهة بالايجار. وهي احدى الروايتين عن الامام وعليه عمل الناس. والمذهب انها من القسم الثاني وهو العقود الجائزة من الطرفين والاول اصح. القسم الثاني العقود الجائزة من الطرفين لكل منهما فسخها. وذلك الوكالة والولاية وانواع الشركة سوى المساقات والمزارعة والجعالة قبل العمل وبعده فيه خلاف. فهذا النوع ينفسخ احدهما واختلال تصرفه بخلاف النوع الاول فانه لازم. ويقوم الوارث في الاجارة ونحوها مقام مورثه. ويستثنى منه اذا جرى الموقوف عليه الوقف فانتقل الى من بعده. فالمشهور فساخه. والصحيح انه لا ينفسخ كما لا ينفسخ اذا اجره الناظر الخاص او العام لانه وان كان الريع والغلة ينتقل الى البطن الثاني مثلا فالتصرفات باقية احكامها كسائر الايجارات. ولو كانت فسخ لم يكن المستأجر على ثقة مما استأجره. وهذا ظاهر ولله الحمد. القسم الثالث لازم من احد الطرفين جائز في حق الاخر وضابط هذا اذا كان حقا على زيد وهو لعمرو. فعمرو الذي له جائز في حقه وزيد الذي عليه لازم في حق وذلك كالرهن جائز في حق المرتهن لازم في حق الراهن. وكذا الضمان والكفالة في حق المضمون له والمكفول له جائز وفي حق الضامن والكافل لازم. والله تعالى اعلم. السؤال الخامس والستون من عمل لغيره عملا فما له عليه جواب لا يخلو من احوال اما ان يكون متبرعا بعمله هذا ليس له شيء عليه. وانما هو محسن. وان كان عمل له بعوض فان كان عمله محدودا ملزما به العامل فاجارة يجب المسمى اذا عمل له العمل. وهو عقد لازم بين الطرفين. وان كان العمل غير محدود دود او محدودا غير ملزم به العامل فهو جعالة اذا حصل له العمل صار بمنزلة الاجارة بوجوب ايفاء الاجرة. وقبل ذلك يكون العقد جائزا من الطرفين ان كان باذنه من غير اجرة ولا جعالة فله اجرة المثل. خصوصا اذا كان مستعدا لذلك كالحمام والحمامي وصاحب سفينة والبنا ونحوه. وهذا ايضا حكمه كالاجارة. والفرق بين الاجارة والجعالة من وجوه. احدها ان الاجارة عقد لازم. والجعالة عقد جائز. ثانيها ان الاجارة لابد ان يكون العمل معلوما كالعوض. والجعالة قد كونوا معلوما كمن بنى لي هذا البيت فله كذا. وقد يكون مجهولا كمن رد لقطتي فله كذا. ثالثها الاجارة تكون معين والجعالة تكون مع معين وغير معين. رابعها الجعالة اوسع من الاجارة. ولهذا تجوز على اعمال القرب كالاذان امامة وتعليم القرآن ونحوها بخلاف الاجارة. خامسها الجعالة لا يستحق العوض حتى يعمل جميع العمل. واما الاجارة ففيها تفصيل يرجع الى انه ان لم يكمل الاجير ما عليه ان كان بسببه ولا عذر له فلا شيء له. كان التعذر من جهة المؤجر فعليه في جميع الاجرة كان بغير فعلهما وجب من الاجرة بقدر ما استوفى. وان كان عمله بغير اجرة لفظية ولا عرفية ولا جعانة باذنه او غير اذنه فلا شيء له الا في تخليص ما له من مهلكة فله اجرة المثل. كان العمل الذي عمل لغيره اداء واجب عنه وقد نوى الرجوع فانه يرجع عليه. السؤال السادس والستون ما الاشياء التي تضمن بها النفوس والاموال الجواب الاسباب التي تضمن بها النفوس والاموال ثلاثة. يد متعدية ومباشرة اتلاف بغير حق. وتسبب لذلك عدوانا اما اليد المتعدية فضابطها كل من وضع يده على مال غيره ظلما ابتداء او كان عنده امانة انتهت ووجب عليه الرد اذا اختلفت العين في هذه الحال او اتلفت ضمنها صاحب اليد ويدخل في هذا الغاصب على اختلاف انواعه. ومن كانت عنده امانة فطلبها صاحبها فامتنع من غير عذر او انتقلت الى غيره وسلكت عليها فهذه الصور تضمن فيها العين وتضمن اجارتها بالتفويت سواء فان استوفاها الظالم او تركها من غير استيفاء. واما المباشرة فمن اتلف نفسا محترمة او مالا بغير حق عمدا او سهوا او جهدا فانه ضامن بخلاف الاتلاف بحق. واما السبب فمن فعل ما ليس له فعله في ملك غيره او في الطرق او تسبب للاتلاف بفعل غير مأذون فيه فتلف بسبب فعله شيء نفس او مال ضمنه. لكن لو اجتمع المباشر والمتسبب كان الضمان على المباشر فان تعذر تضمينه ضمن المتسبب ويدخل في السبب ما استثناه الفقهاء يرحمهم الله من اتلافات البهائم فان الاصل في اتلافات البهائم انه لا شيء فيه كما نص النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الاصل في قوله والعجماء جبار اي هدر واستثنوا منه هذا العموم مسائل ترجع الى تفريط صاحبها وعدوانه كاتلافات الواقعة في الليل كما قضى النبي صلى الله عليه وسلم ان على اهل للحوائط حفظها بالنهار على اهل المواشي حفظها بالليل. كما اذا كان معها متصرف قادر عليها من راكب وسائر وقائد وكمن اخرج البهيمة الصائلة او كان يرسلها نهارا بقرب ما تتلفه. والله اعلم. السؤال السابع والستون عن احكام مغالبات واخذ العوض عليها. الجواب المغالبات بالنسبة الى اخذ العوض ثلاثة اقسام. قسم يجوز بلا عوض ولا يجوز بعوض وهذا الاصل وهو الاغلب فدخل في هذا المسابقة على الاقدام والسفن والمزاريق والمصارعة ومعرفة الاشد الاقوى في غير ما فيه تهلكة. هذا ان كان بغير عوض جاز لعدم محذور المقامرة. ولانه مباح في نفسه. القسم الثاني لا يجوز بعوض ولا غير عوض وذلك كالشطرنج والنرد. وكل مغالبة الهت عن واجب او ادخلت في محرم. والحكمة فيها ظاهرة لكونها تعين على الاثم والعدوان. والثالث بالعكس يجوز بعوض وبغير عوض. وهو المسابقة والمغالبة بين السهام والابل والخيل صريح الحديث المبيح لذلك في قوله صلى الله عليه وسلم لا سبق الا في نصل او حافر. والمراد اخذ العوض لان المغالبات العوضية داخلة في الميسر والقمار. فلذلك منعت وهذه الثلاثة مستثناة لان مصلحتها واعانتها على الاستعداد جهاد وتقوية المسلمين ارجح من مضرتها. ولكن الاصحاب اشترطوا فيها محللا لا يعطى شيئا اذا كان العوض من الطرفين لاجل لان تخرج عن شبه القمار. اختار الشيخ تقي الدين انه لا يحتاج الى محلل وانه يلحق بهذه الثلاثة ما كان في معناها مما قوي على طاعة الله والجهاد في سبيله. والمراهنة في المسائل العلمية. لان الحكمة المبيحة لاخذ العوض الثلاثة السابقة موجودة في ما كان في معناها وهو الراجح دليلا. والله اعلم. السؤال الثامن والستون اذا كان بيده مال لغيره فهو لا يعرف صاحبه فما يصنع؟ الجواب لا يخلو ذلك من امرين. احدهما ان يكون قد وجده. هذا لقطة له احكام اللقطة. الثاني ان يكون غصبا او امانة او عارية او رهنا او نحوها فهذا متى ايس من وجود صاحبه ومن يقوم مقامه من وكيل وواحد خير بين امرين اما ان يدفعه الى ولي الامر بانه ولي من لا ولي له. والمتعذر علمه كالمعدوم. اذا دفعه ولولي الامر برئ من عهدته حتى لو وجد بعد تسليمه لولي الامر لم يلزمه بشيء. لان هذا نهاية ما يقدر عليه حيث للولي العام واما ان يتصدق به عن صاحبه. ويكون فضوليا لو جاء بعد ذلك. فان اجاز صدقته عنه فذاك. والا فله تغريمه ويكون الاجر للمتصدق. وانما ابيح له في هذه الحال ان ينوب عنه من غير استنابة خاصة ولا عامة للحاجة الى ذلك ولتعذر ايصالها اليه فبذلها في الصدقة عنه التي هي افضل ما بذل الانسان ما له فيه. وللاثار الواردة عن من الصحابة رضي الله عنهم السؤال التاسع والستون عن الحكمة في اثبات الشفعة وفي اختصاصها بالعقارات المشتركة. الجواب وبالله التوفيق. اعلم ان الاصل انه لا ينتزع من الانسان ما هو ملكه الا بطيب نفسه. ولهذا اشترط الرضا في المعاوضات والتبرع وهذا من محاسن الشريعة انه حفظ حقوق الخلق ولم يقهرهم على اخذها الا بحق. والشفعة من الحق فان النبي صلى الله عليه وسلم اثبت الشفعة في كل ما لم يقسم. فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. الحكمة فيها دفع الضرر عن الشريك حيث نقل شريكه ملكه الى غيره واختار انتقاله بذلك العوض. المشتري الى الان لم يثبت له من احكام الاشتراك ما تضرروا بفقده. واما الشريك الاول فلان شريكه لما رغب عن شركته فتبدل باخر صار احق بالشخص بذلك الثمن. ان شاء اخذ وازال عن نفسه ما يظنه او يستيقظ من الضرر وان شاء ترك. والبائع والمشتري لا ضرر عليهما. لان البائع سيأخذ ذلك الثمن انا الذي باع به والمشتري سيرد ما اعطاه. او يخرج كما دخل من غير ان يناله ادنى ضرر. فروعي حق الشريك الاول ودفع ضرره باثباتها فصار هذا الحكم من احسن الاحكام وارفقها بالناس وابلغها دفعا للاضرار. وثبت هذا للشريك في العقار انه الذي يطول ضرره. واما المنقولات ونحوها فلا شفعة فيها لعدم الضرر. وان وجد فهو يسير بالنسبة الى العقارات. تستدفع بالمقاسمة او البيع تارة او التأجير او نحو ذلك. ومع دفعه الضرر عن الشفيع. وكذلك عليه الا يضر باحدهما فلا يضر البائع بتأخير الثمن ومطله. بل عليه ان يبادر به ولا يمهل الا بقدر ما يحضره. ولا يضار المشتري بتأخير الاخذ معلقا حتى ان كثيرا من الفقهاء ومنهم اصحابنا المتأخرون جعلوها على الفور الشديد. الا يمهل زمنا يتروى فيه اما ان يأخذ او يدع وبعض الفقهاء يرى انه من جملة الحقوق التي لا تسقط الا بالرضا باسقاطها. بقول او فعل دال على الرضا ومع هذا فلا يمكن من تأخير يضر المشتري وهذا غاية العدل. السؤال السبعون ما الذي يملك بالاحياء وما لا يملك؟ الجواب قد حد الفقهاء ضابطا لهذا فقالوا في الذي يحيى وهي الارض الخالية عن الاختصاصات وعن ملك المعصومين. فدخل في هذا كله كل ارض لا مالك لها ولا لها اختصاص بالاملاك. ولا للناس فيها اشتراك. وخرج من هذا مما لا يملك ما يضاد هذا. الارض مملوكة او التي جرى عليها ملك لاحد معصوم معلوم لا تملك بالاحياء. حتى ولو كان الدارسة عائدة مواتا ذلك ما تعلق بمصالح الاملاك. كالمتعلق بمصالح الدور والبلدان. مما يحتاجون اليه في مسيل مياههم ودفن امواتهم محتطباتهم ونحو ذلك. وكذلك ما الناس فيه شركاء. المعادن الجارية او الظاهرة. وكموات الحرم فوجود الاحياء في هذه الاشياء لا يفيد صاحبه شيئا بخلاف الاول فان من احياه ملكا. السؤال الحادي والسبعون ما الاشياء التي يكون الانسان احق بها ولا لا يملكها ولا ينقل الملك فيها ولا يملكها ولا ينقل الملك فيها لغيره. الجواب يدخل في هذه اشياء كثيرة. منها تبقوا الى الاوقاف من بيوت ودكاكين وجلوس بمساجد وطرق. السابق احق من غيره هو غير مالك لذلك. ومنها المتحدي جيروا للمواد وهو الشارع باحياء قبل تمام الاحياء. كل من يحفر بئرا لم يصل ماؤها او يدير حول الارض احجارا او حائطا غير هو احق بذلك. لكنه الى الان لم يملك. فلا يتصرف فيه ببيع ونحوه. فان وجد متشوق للاحياء فيأمره ولي الامر اما ان يحيي او يرفع يده ويجعل له مدة بحسب الحال. ومنها المعادن اذا ظهرت بملكه صار احق بها. وهو لا يملكها بذلك ولا يمنع منها من لا يضره. ومنها مرافق الطرق واثنية الدور ومصالح البلد اهلها احق بها. وهم لا يملكون بتلك الاحق ويعبر عن هذه الاشياء بالاختصاصات. ومنها من اطاعه الامام ارضا ليحييها فهو احق بها لاطاعه ولم يملكها الا الا بوجود حقيقة الاحياء. اسئلة في عقود التبرعات من الوقف والوصية والهبة ونحوها. السؤال الثاني والسبعون عن فائدة الوقف وحكمته وشروطه. الجواب على الله نتوكل ونعتمد في الوصول الى صواب الجواب وتيسير جميع الاسباب. اعلم ان الوقف فالذي هو تحبيس الاصل وتسبيل المنافع من اعظم ما يدخل في الاحسان واعمها واكثرها فائدة. وهو من الاعمال التي لا تنقطع بموت الانسان من الاثار التي قال الله فيها انا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا واثارهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به من بعده او ولد صالح يدعو له صدقة جارية كالاوقاف الجارية. نفعها كل وقت وزمان. سواء كان وقفا للمصالح العامة كالمجاهدين والمعلمين والمتعلمين ومن يقوم بوظيفة من الوظائف الدينية او خاصة لطائفة او افراد على فقراء المسلمين. فكل هذا من طرق الاحسان الناس وان كان يتفاوت بتفاوت نفعه وحصول كمال وقعه. ولما كان بهذه المثابة والفضل اشترط له شروط. بعضها يرجع الى ويقف وهو صحة تبرعه بان يكون مالكا رشيدا غير محجور عليه لدين ونحوه. وبعضها يرجع الى نفس الموقوف وهو ان ان تكون عينا ينتفع بها وهي باقية كالعقارات من دور ودكاكين واشجار واراض والحيوانات والسلاح والاثاث وكتب العلم والمصاحف. واما ما لا ينتفع به الا باتلافه فذاك يتصدق به صدقة. لا يكون وقفا. وبعضها يرجع الى الواقع والموقوف عليه كاشتراط ان يكون على جهة بر وقربة. فجهات المعصية كلها لا يصح الوقف عليها. وجهات الامور المباحة التي لا قربة فيها كذلك. وهذا يدل على ان الوقف اعظم مقاصده ان يكون معينا على البر والتقوى. في علم من هذا ان الاوقاف التي يقصد بها حرمان بعض الورثة دون بعض انها منافية لمقصود الوقف كل المنافاة. وان قول بعض متأخري الاصحاب يصح وقف ثلث ماله للانسان على بعض ورثته قول شاذ مخالف لهذا الشرط الذي اتفق عليه الاصحاب بل ومناف لمن عقد عليه الاجماع من انه لا وصية لوارث وكذلك من عليه دين لم يحجر عليه اذا وقف ملكه وترك غريمه لا وفاء له فهذا مناف للوقف اشد المنافاة بانه كيف يترك ما فرض الله عليه وفاء الدين ويفعل الاحسان الذي هو غير واجب. بل ربما وقفه على نفسه وذريته وترك غريب فلا يحل تنفيذ هذا الوقف بل ولا كل وقف ليس عليه امر الله ورسوله بنص النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد اي مردود. فالعمل غير مقبول والتصرف غير نافذ. السؤال الثالث والسبعون اذا احتاج الوقف الى تعمير فمن اين يعمر؟ الجواب لا يخلو الموقوف اما ان يكون ذا روح او لا. وعلى كل فلا يخلو اما ان يعين الواقف للنفقة والتعمير شيئا ام لا. فان عين لذلك شيئا تعين ما عينه. وان ذكر ان الغلة تقدم فيها العمارة على المستحقين تعين كان ذلك فان لم يعين فان كان له غلة كالحيوان الذي له كسب واجرة فنفقته من ذلك مقدمة. وان كان عقارا فهل تجب اذا لم يشرط الموقف ذلك ام لا؟ ام يجب الجمع بين التعمير والتنفيذ بحسب المصلحة؟ ارجحها هذا القول وهو اختيار شيخ الاسلام واضعفها المشهور من المذهب. حيث قالوا لا تجب العمارة مطلقا. فان لم يكن للحيوان غلة فنفقته على الموقوف عليهم اذا كانوا معينين. فان تعذر اوجر منه ما ينفق عليه. فان تعذر بيع بعضه لنفقته باقية. كذلك اذا احتاج الخان او الدكان الوقف الى كتعمير اوجر منه بقدر ذلك. قال الاصحاب ولا يعمر وقف من وقف اخر ولو اتحدت الجهة الموقوف عليها. وافتى الشيخ عباده ده من ائمة الاصحاب المتأخرين بجواز عمارة وقف من وقف اخر اذا كان على جهة واحدة. قال المنقح في التنقيح وعليه فيه العمل والله اعلم. السؤال الرابع والسبعون من هو الناظر على الوقف وما وظيفته وصفة تنفيذه؟ الجواب الناظر عليه من شرط الواقف له النظر اما لشخصه كقوله الناظر زيد ومن بعده عمر او لوصفه كالناظر عليه المصلح من اهل الوقت او من الطائفة الفلانية او امام المسجد او قيم المدرسة. فان لم يشرط ناظرا او شرطه وتعذر لموت او امتناع فان كان الموقوف عليه معينا فهو الناظر عليه. وان كان مكلفا. والا فوليه. وان لم يكن الموقوف عليه معينا بشخصه او وصفه فالنظر للحاكم وليس له النظر مع وجود ناظر خاص او مستحق. لكن عليه تفقد الاوقاف التي بعمله والالزام باجرائها القراءة الشرعي وعلى الناظر حفظ الوقف وعمارته وايجاره والمساقاة عليه وحفظ ريعه وتصريفها على ما نص عليه الواقف ما لم خالف المقصود الشرعي وله الاكل منه بالمعروف ولو لم يكن محتاجا. وله التقرير في وظائفه وعزل من يستحق العزل لخلل او بواجبه فان نقص الريع عن جميع التنفيذات فان كان فيها ترتيب قدم المقدم واخر المؤخر ان لم يكن فيها ترتيب اذ نقصها كلها بالقسط. وان زاد الريع فان كان يخاف نقصه في العام المستقبل او ما بعده تعين ارصاده اذا كان الموقوف عليه مقدرا استحقاقهم والا اعطاهم جميعا. فان كان لا يخاف نقصه فان شاء زادهم على ما قدره الواقف. وان شاء وضعه في غيرهم من الفقراء والمساكين ونحوهم. وعليه العمل بالاصلح فان خرب وتعطلت منافعه بالكلية او كان لا يغل الا شيئا له فيحصل به نفع وجب بيعه او بيع بعضه لتعمير باقيه ووضعه في مثله او بعض مثله. وبمجرد شراء البدل يصير وقفا وان لم يتعطل نفعه بل نقص. وكان غيره اصلح وانفع للموقوف عليهم. فهل يباع في هذه الحال؟ فيها روايتان عن الامام اشهرهما المنع والثانية الجواز وهي اختيار شيخ الاسلام. ولكن في هذه الحال لا ينبغي ان يستقل الناظر في بيعه بل يرفع الامر للحاكم ويجتهد في الاصلح لانه في هذه الحال يدخلها من الهوى والخطأ ما يحتاج الى رفعه ورفع المسؤولية عنه بالحاجة والله اعلم. السؤال الخامس والسبعون عن الفرق بين الهبة والوصية وما يجتمعان فيه. الجواب يجتمعان في كونهم عقدي تبرع يثبت لهما احكام التبرعات. ومن احكام التبرعات ان ما جاز ايقاع عقد البيع عليه جازت هبته والوصية التبرع اوسع فان الغرر لا يضر فيه. فالصواب جواز هبة الذي لا يقدر على تسليمه. والدين في الذمم كما يصح الايصال فيه وهو احد القولين في المذهب. ولكن المشهور عند المتأخرين جواز الغرر في الوصية لا في الهبة. والفرق غير صحيح. واما الفروق بينهما فالهبة هي التبرع بماله حال الحياة والصحة. والوصية التبرع به بعد الوفاة. والهبة يعتبر لها القبول من حينها والوصية محل قبولها وردها بعد الموت. ومنها ان الوصية تكون من الثلث فاقل لغير وارثه. واما الهبة فتجوز بجميع ماله للورثة وغيرهم الا انه يجب عليه ان يسوي في عطية اولاده بقدر ارثهم. والمذهب يجب التسوية في عطية ورثة كلهم غير الزوجات. والحديث انما يدل على وجوب العدل بين الاولاد. ومنها ان الوصية مقدم عليها الدين على كل حال اما الهدية فان كان محجورا عليه فكذلك والا نفذت. الا على اختيار الشيخ ولكنه يحرم عليه ان يتصدق ويهدي بما يضره غريمة ومنها صحة وصية الصغير المميز دون هبته. والفرق بينهما ان الهبة انما امتنعت منه لحفظ ماله. والوصية انما تثبت بعد موته وفيها مصلحة نحضة. واما العطية في مرض الموت المخوف فتشارك الوصية في اكثر الاحكام. وانما تفارقها بامر يعود الى نفس العقد من اشتراط قبولها حينها. ومن تقديم الاول على الثاني عند المزاحمة واحكام الهدية والهبة والصدقة والعطية متفقة الا اذا كانت في مرض الموت فكما تقدم. ويفرق بينها بفروق لطيفة. فما قصد به اكرام المعطي ومحبته فهو الهدية وما قصد به ثواب الاخرة المجرد فهو الصدقة. والغالب فيها ان المعطى يكون محتاجا بخلاف الهدية والهبة والعطية والله اعلم. السؤال السادس والسبعون ما حكم الوصية؟ وباي شيء تثبت وما يبطلها؟ الجواب وبالله التوفيق تجري فيها احكام التكليف الخمسة بحسب اسبابها فتجب الوصية على من عليه حق بلا بينة او حق واجب لا تخرجه الا بالوصية ويحرم على من له وارث بزائد على الثلث الاجنبي. ولوارث بشيء الا باجازة الورثة بعد موته. وتسن لمن ترك خيرا يغني ورثته. وتكره لفقير له ورثة فقراء. وتباح له ان كانوا اغنياء. واما ثبوتها فمن مكلف رشيد او مميز يعقلها اذا وصى قبيل موته بلفظه او خطه المعروف وتبطل برجوعه وتلف المعين الموصى به. وموت الموصى قاله قبل الموصين وقتله للموصي ورده لها بعد الموت واستغراق الدين للتركة والله اعلم. اسئلة في المواريث السؤال السابع والسبعون ما اقرب طريق يعين على فهم المواريث وكيفية ذلك؟ الجواب ونسأله تعالى ان يعيننا على اصابة صواب انه جواد كريم. اعلم ان احكام المواريث صنفت فيها التصانيف المستقلة من مختصرة ومطولة. وقد ذكر العلماء من فضلها والاهتمام بشأنها ما لا يتسع هذا الموضوع لذكره. وهي من الاحكام التي بينها الله مفصلة في كتابه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الحقوا الفرائض باهلها فما بقي لاولى رجل ذكر. ولما كانت على هذه الصفة قل الخلاف فيها جدا بالنسبة الى غيرها وحصل الاتفاق على احكامها ولله الحمد. لان الايات القرآنية المتعلقة بها مع الحديث المذكور تجمع مسائلها وتضم متفرقاتها. والحاق الفرائض باهلها ثم ما بقي يعطى اقرب العصبات هو الطريق لفهمها. فلا ابلغ في التعليم من سلوك الطرق التي نبه الشارع عليها لكمال علمه وسعة حكمته ورحمته. ولننشر ذلك وننبه عليه تنبيها يحصل به المقصود فاعلم ان احكام الفرائض كلها تنبني على معرفة ثلاثة امور. احدها في ذكر اهل الفروض والشروط المشترطة لارث كل منهم فرضه المخصوص. والثاني في ذكر العصبات ودرجاتهم وكيفية تقديم بعضهم على بعض. الثالث في ذكر الرد والعول. واما ارث ذوي الارحام فهو فرع عن ذلك. اما الامر الاول ففي ذكر اهل الفروض وشروط ارثهم لها. اما الفروض فهي النصف والربع والسمن والثلث والثلث والسدس فرضها الله للزوجين وللبنات وان نزلن. والاخوات مطلقا. والاخوة من الام والاصول مطلقا. فالزوج له اللتان يرث النصف اذا لم يكن لزوجاته ولد صلب ولا ولد ابن لا ذكر ولا انثى. لا منه ولا من غيره. وهذا هو المراد بالولد عند الاطلاق وله الربع مع وجود احد من المذكورين. والزوجة واحدة او متعددة لها حالتان. ترث الربع مع عدم الولد والسمن مع وجوده. وللام ثلاث حالات. ترث السدس مع وجود الولد او اثنين فاكثر من الاخوة والاخوات. وترث الثلث مع فقد المذكور وترث ثلث الباقي في العمريتين وهما اب وام مع زوج او زوجة. اما الجدة او الجدات فليس لها الا حال واحدة حيث ورثت ترث السدس بكل حال. والاب يرث السدس مع وجود الاولاد ذكورا او اناثا. فمع الذكور لا يزيد عليه ومع الاناث ان بقي بعد الفروض شيء اخذه. ومع عدم الاولاد مطلقا يرث بلا تقدير. والجد عند عدمه حكمه حكمه الا في العمريتين امي مع الجد فيها ثلث كامل. والصحيح ان حكمه حكم الاب مع الاخوة مطلقا. وانهم لا يرثون معه كما لا يرثون مع الاب وهو احدى الروايتين عن احمد اختارها الشيخ وهو اصح. بل هو الصواب لادلة كثيرة. وللبنت الواحدة النصف اذا لم يكن في درجتها احد الابن كذلك بشرطين الا يكون بدرجتها احد ولا فوقها احد. وللاخت الشقيقة بثلاثة شروط عدم الفروع مطلقة وعدم طول الزكور والا يكون بدرجتها احد. وللاخت للاب بهذه الشروط وعدم الاشقاء. والثلثان لثنتين فاكثر من المذكورات بهذا هذه الشروط والا يكون بدرجتهن ذكر يعصبهن. فان كان بنت وبنت ابن فاكثر كان للبنت النصف ولبنت لابن السدس تكملة الثلثين فان استغرقت العاليات الثلثين سقطت النازلات الا ان يكون بدرجتهن او انزل منهن من اولاد الابن ذكر ويسمى القريب المبارك. ومثلهن الاخوات مع الاب مع الشقيقات الا انه لا يعصبهن الا اخوهن. واما ابن الاخ فلا يعصبهن بل يختص بالباقي تعصيبا لانه من غير جنسهن. واذا كانت بنات صلب او بنات ابن معهن اخوات شقيقات او لاب اخذت الاخوات ما فضل عن فرض البنات. واما الاخوة للام ذكورهم واناثهم فيرثون في الكلالة. وهو من لا له فروع ولا اصول ذكور للواحد منهم السدس والاثنان فاكثر الثلث يستوي فيه ذكرهم وانثاهم لانهم خالفوا باقي الورثة في مساجد منها هذه ومنها ان كل ذكر يدلي بانثى فلا ارث له الا الاخوة للام. ومنها ان كل من ادلى بوارث حجبه ذلك المدلى الا الاخوة للام مع الام اجماعا. والا الجدة ام الاب وام الجد مع الاب. والجد في قول الجمهور العلماء اذا تقررت احوال اهل الفروض الامر الثاني في العصبات ودرجاتهم وكيفية ترتيبهم في الارث. وبما تقدم يعلم الحجب. فالعصبات حدهم هم الذين يرثون بلا نصيب مقدر فيترتب على هذا ان الواحد منهم اذا انفرد اخذ المال كله. واذا بقي بعد الفروض شيء اخذه قليلا كان او كثيرا. واذا استغرقت الفروض التركة سقط العاصم حتى في المسألة التي يسميها الفرضيون الحمارية. وهي زوج له النصف وام له السدس واخوة لام لهم الثلث. واخوة اشقاء عصبة يسقطون. كما هو مذهب الامام احمد وجمهور العلماء. وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الحقوا الفرائض باهلها. فما بقي فلاولى رجل ذكر. مفهوم الحديث انه اذا لم يبق شيء سقط العاصي من دون تفصيل فدخلت فيه هذه المسألة. ولهذه المسألة ادلة ذكرت في غير هذا الموضع. واما درجات العصبة فالذي عليه المعول جهات العصبة خمس. واحد البنوة وان نزلوا اثنان والابوة وان علوا بمحض الذكور. ثلاثة والاخوة وابناؤهم نزلوا بمحض الذكور وان نزلوا. اربعة. والاعمام لاب او لهما وابناؤهم وان نزلوا. خمسة والولاة. فان وجد عاصب واحد من هذه الجهات الخمس ثبتت له احكام العاصي بالسابق يأخذ المال اذا انفرد او ما ابقت الفروض او يسقط بالاستغراق. وان وجد اثنان فاكثر فلا يخلو اما ان يكون كل واحد في جهة او يكون في جهة واحدة. فان كان كل واحد في جهة قدم الاقرب جهة كما تقدم فان كانوا في جهة واحدة قدم الاقرب منزلة على الابعد ولو كان الابعد شقيقا. فان كانوا في المنزلة سواء قدم الاقوى وهو الشقيق على الذي لاب فتقديم الابن على باقي العصبات تقديم للجهة وتقديمه على ابن الابن من باب قرب المنزلة وتقديم الاخ الشقيق على الذي لاب من باب تقديم القوة. فان تساووا في كل وجه اشتركوا. وهؤلاء العصبات مع اخواتهم قسمان. قسم للذكر مثل حظ الانثيين وهم البنون وبنوهم مع اخواتهم والاخوة الاشقاء او لاب مع اخواتهم. وقسم ليس لاخته معه شيء لكونها من ذوي الارحام وهم باقيهم فعلم مما تقدم ان الاخوات مع اخواتهم في المواريث ثلاثة اقسام. هذان القسمان والثالث الذكر والانثى ثواب وهم الاخوة لام. وقد علم ايضا من هذا ومما سبق ان العصبة ثلاثة انواع. عاصب بنفسه وهم جميع الذكور الا الزوج والاخ لام والمعتقى. عاصب بغيره. وهن البنات وبنات الابن والشقيقات. واللاتي لاب مع اخوتهن. لانهم يعصبونهن ويمنعونهن ان الفرض عاصب مع غيره وهن الاخوات الشقيقات او لاب مع البنات او بنات الابن. وقد علم ايضا مما سبق ان ابن الابن لا يسقط الا بالابن او باستغراق الفروض. وان الجد لا يسقط الا بالاب او بجد اقرب منه. وان الجدة تسقط بالام وكل جدة قريبة تسقط البعيدة وان الابن وابن الابن والاب يسقطون جميع الاخوة والاخوات بالاجماع وكذلك الجد على الصحيح. وان الاخوة للامة يسقطون بالفروع مطلقا ذكورا كانوا او اناثا وبالاصول الذكور لتصير المسألة كلالة. واما الاخوة للاب ذكورا كانوا او اناثا يسقطون مع ذلك بالاخوة الاشقاء الذكور. وبالشقيقة اذا كانت عصبة مع البنات. لانها تقوم مقام الاخ. وان بنات الابن يسقطن بلبنة وباستكمال من فوقهن الثلثين ان لم يعصبهن من هو في درجتهن او انزل منهن. وكذا الاخوات للاب مع الشقيقات الا ان الاخوات للاب لا يعصبهن الا اخوهن. وان بني الاخوة يسقطون بجهة البنوة كلها. وبالابوة وبعصوبة الاخوة او لاب ويدخل في قولنا بعصوبة الاخوة الاخت شقيقة او لاب اذا كانت عصبة مع البنات او بنات الابن. وان النازل من بني اخوتي ولو شقيقا يسقط بمن فوقه ولو كان لاب. وان الاعمام وان قربوا يسقطون ببني الاخوة وان نزلوا وبعدوا. والعم للاب مقدم على ابن العم الشقيق وهكذا على هذا الترتيب. وقد علم من ذكر الوارثين من الاقارب من اصحاب الفرض والتعصيب ان من عاداهم من ذوي الارحام كاولاد البنات واولاد الاخوة للام واولاد الاخوات وبنات الاخوة وبنيهم والعمات وبنات العم والخال والخالة والجد من جهة الام فكل هؤلاء من ذوي الارحام لا يرثون ما دام احد من اهل الفروض او العصبة. لانه اذا وجد عاصب اخذ المال كله بجهة العصب وان كان صاحب فرض اخذ المال فرضا وردا. فان عدموا ورث ذوو الارحام ونزلوا منزلة من ادلوا به بفرض او تعصيب ولذلك قلنا فيما سبق انهم متفرعون عنهم. وعلم ان الاب والام والابن والبنت والزوجين لا يسقطان ابدا الا بالوصف فالحاجب بالوصف هو ان يتصف الوارث بمانع كرق واختلاف دين وقتل يمنعه يمكن دخوله على جميع الورثة. وحجب النقصان ايضا يدخل على جميع الورثة. واما حجب الحرمان بالشخص فلا يدخل الا على الخمسة المذكورين. الامر الثالث العول والرد. اما العول فسببه ازدحام الفروض غير الساقطة حتى تزيد على اصل المسألة. فحينئذ يتعين التعويل وينقص كل صاحب فرد بحسب ما دخل على المسألة من العول قلة وكثرة. وقد اتفق اهل العلم عليه اتباعا للصحابة رضي الله عنهم وسلوكا لطريق غاية ما يستطاع من العمل عدل وقد اشتهر خلاف ابن عباس رضي الله عنه ولكنه لم يتابع على هذا القول. وان كان العول سببه ازدحام الفروض فلا يتصور في الاثنين ولا اصل ثلاثة ولا اصل اربعة ولا اصل ثمانية. لانها اما ان تكون فروضها ناقصة واما ان تكون عادلة. ولا يتصور ان تزيد فروضها عن اصلها وانما يكون العول في اصل ستة واثني عشرة واربعة وعشرين فتعول الستة الى سبعة في زوج واخرى لغير ام والى ثمانية ان كان معهم ام. والى تسعة اذا كان مع الجميع اخ لام. والى عشرة اذا كان اخوة الام اثنين كيف اكثر وتعول الاثنى عشر الى ثلاثة عشر كزوج وبنتين وام والى خمسة عشر اذا كان معهم اب والى سبعة عشر في زوجة وام واختين لغير ام واختين لها. وتعول الاربعة والعشرون مرة واحدة الى سبعة وعشرين في زوجة وابوين وابن فتبين ان العول سببه زيادة الفروض على اصل المسألة. حيث لا يمكن ان يكمل لكل واحد فرضه. ولا حجب بعضهم بعضا. واما الرد فسببه ضد سبب العون بان تنقص الفروض عن اصل المسألة. ولابد من عدم العصبات كلهم. فيرد على اهل الفروض بقدر فروضهم. وتؤخذ السهامهم من اصل مسألتهم. ويجعل المال على نسبة تلك السهام. فجدة واخ من ام من اثنين. لان لكل واحد منهما سدسا هو واحد من ستة ومجموعهما اثنان فلكل منهما نصف المال وبنت وبنت ابن من اربعة وزوج وبنت من ثلاثة وزوجة وام من سبعة فعلم من هذا ان الرد يشمل جميع اهل الفروض حتى الزوجين على القول الصحيح لانه كما اجمع على دخول العول في فروضهم فالرد الذي دليله من جنس دليل العول كذلك. والرد عليهم مروي عن امير المؤمنين عثمان. وبه قال شيخ الاسلام. ولا دليل يدل على التفريق بينهم وبين سائر الفروض. خصوصا اذا فهمت اصل الحكمة في توزيع المال على الورثة. فانها لو وكلت قسمة المواريث الى اختيار المورثين او الوارثين او غيرهم لدخل فيها من الجور والضرر والاغراض النفسية ما يخرجها عن العدل والحكمة ولكن تولاها الحكيم العليم فقسمها احسن قسم واعدله بحسب ما يعلمه تعالى من قرب النفع وحصول البر وايصال المعروف الى من يجب ايصال المعروف اليه. ولذلك ذلك لما ذكر توزيعها قال لا تدرون ايهم اقرب لكم نفعا فريضة من الله. ان الله كان عليما حكيما. فدل على وقوعها في غاية العدل والحكمة التي يحمد عليها. فكما دخل العول على الزوجين ونقصت فروضهم مع سائر من معهم هل يدخل الرد عليهم فتزيد فروضهم مع من زادت والله اعلم. وقد علم مما سبق في ذكر الوارثين ان اسباب الارث ثلاثة. النسب ويدخل فيهم جميع القرابة قربوا او بعدوا. ونكاح صحيح وولاء. والمراد بالولاء من تولى عتاقة رقبة بمباشرته للعتق او عتق جزء منه فيسري الى بقيته. او يمتلك ذا رحم محرم فيعتق عليه بالملك. او يمثل برقيقه فيعتق وعليه فالمباشر لذلك او المتسبب له يثبت له ولاء الميراث ولو كان المعتق انثى. فان لم يوجد المعتق صار ولاؤه بعصبته من النسب المتعصبين بانفسهم لا بغيرهم ولا مع غيرهم. ويترتبون ترتيب عصبة النسب. فاذا عدمت هذه الاسباب الثلاثة كلها. فالمشهور من المذهب ان تركته تكون لبيت المال. والمشهور من المذهب ان التعصيب فقط لعصبة الملاعنة عنه رواية ان الملاعنة عصبة لولدها. وكذلك الملتقى. ومن اسلم على يده. ومن بينه وبينه مخالفة ومعاقبة. واختاره الشيخ تقي الدين وهو الصحيح. واما موانع الارث فثلاثة. القتل بغير حق عمدا او خطأ. والرق الكامل فان كان مبعضا عضت احكامه اختلاف الدين وحكمتها ظاهرة وشروط الارث ثلاثة. العلم بالجهة المقتضية للارث لانه لابد من تحقق السبب الذي ينال به الارث وتحقق موت المورث او الحاقه بالاموات كالمفقود بعد مدة الانتظار وتحقق وجود الوارث او الحاقه لذلك الحمل يرث اذا امتنع الزوج من وطئها قبل الموت وولدت ما يمكن ان يكون موجودا وقت الموت. فان لم يمتنع فذكر اصحاب انه اذا ولدته لاقل من ستة اشهر وعاش فانا نعلم وجوده قبل الموت. ويوقف للحمل ان اختار الورثة قسمتها قبل الولادة فان ولد حيا حياة مستقرة ورث. ومما يلحق بالورثة الموجودين المطلقة في مرض الموت المخوف اذا انقضت عدتها. فانها وان كانت الان غير زوجة لكنها تلحق بالزوجات لانه متهم بطلاقها في مرضه المخوف لاجل حرمانها الميراث فلا تحرم من ومما يلحق بالورثة المفقود في مدة الانتظار حكمه حكم الاحياء. وبعد مضيها حكمه حكم الاموات في ارثه والارث منه الصحيح ان الانتظار لا يقدر بمدة معينة لشخص لا مرجو السلامة ولا مرجو الهلاك. بل يضرب له مدة بحسب حاله وحاله الوقت الذي هو فيه اذا لم يغلب على الظن هلاكه. لانه لما تعذر الوصول الى اليقين وجب الاجتهاد في الوصول الى ذلك. فما دام فيه نوع رجاء فلا يحكم بموته. فاذا انقطع الرجاء فيه الحق بالاموات. واما المشهور من المذهب فيقدر لمن كان ظاهر غيبته الهلاك مدة اربع سنين ولمن ظاهرها السلامة تتمة تسعين سنة منذ ولد. وهذا التحديد بعيد من الصواب ومن العلل الشرعية. اسئلة في النكاح. السؤال الثامن والسبعون عن الاشياء التي اختص بها النكاح من الاحكام. الجواب وبالله التوفيق الى سلوك كل طريق يوصل الى الهداية. اعلم ان النكاح من نعمه العظيمة والاءه الجسيمة. حيث شرعه الله لعباده وجعله وسيلة وطريقا الى مصالح لا تحصر ورتب عليه من الاحكام الشرعية والحقوق الداخلية والخارجية شيئا كثيرا. وجعله من سنن المرسلين وطريقة عباده الصالحين بعدما جعله ضروريا لجميع العالمين وله من الفضائل والمزايا ما تميز عن سائر العقود ثبت له اشياء مميزة ذات يختص بها وربما شاركه قليلا بعض الاشياء بحسب الاسباب الموجبة لذلك. وجعل للدخول فيه شروطا وادابا الخروج منه حدودا وابوابا. فاول ذلك ما تميز به من الفضائل والمصالح. وانه من الشرائع المأمور بها ايجابا او استحبابا ومنها انه يبيح للانسان النظر الى الاجنبية حين يريد خطبتها وتقع في قلبه محبتها. ليحصل الالتئام ويتم الاتفاق الثالث ومنها ان الشارع حث على تخير الجامعة للصفات الدينية والصفات العقلية والاخلاق الجميلة. فقال تعالى فانكحوا وما طاب لكم من النساء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لاربع بحسبها ومالها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يمينك. فحث على مراعاة الدين قبل كل شيء. لان الدين يصلح الامور الفاسدة ويعدل الامور المعوجة تحفظ زوجها في نفسها وماله وولده وجميع ما يتصل به. فالصفات الاخر انما هي اغراض منفردة نفسية. واما الدين فصفة جامعة نافعة حالا ومآلا. الرابع ومنها ان جميع المعقود عليه من انواع المعاوضات وغيرها لا حاجة على انسان فيما له الشارع من غير مراعاة عدد. واما النكاح فاباح للانسان من الازواج الى اربع لا يتعداهن. ولا يزيد عليهن جميعا لخطره وشرفه ولان لا يترتب على الانسان من الحقوق ما يعجز عنه. ولالا يدخله في الحرام في اكثر احواله. ولمراعاة مصلحة المرأة ومع ذلك فقال فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم ذلك ادنى الا تعولوا. وهذا بخلاف بملك اليمين حيث لا يترتب على الانسان من الحقوق ما يترتب على النكاح. فابيح فيه من غير تقييد بعدد. الخامس ومنها ان النكاح يدخل فيه الا باجاب وقبول قولين. وهما ركناه اللذين لا ينعقد الا بهما. الايجاب اللفظ الصادر من الولي من قوله زوجتك او انكحتك فلانة ونحوها. والقبول الصادر من الزوج من قوله قبلت النكاح او زواجها او نحو ذلك. واما سائر العقوق فينعقد بما دل عليه من قول وفعل. السادس ومنها انه لابد فيه من تعيين الزوجين لفظا. فتعين الزوجة فيقول كبنتي فلانة ويسميها بما تميز به. او يقول ابنتي الكبيرة او الصغيرة او الوسطى او ابنتي فقط اذا لم يكن لها مشارك وتعيين الزوج من وجهين. احدهما وقت القبول بان يقول ان كان هو القابل قبلتها او قبلت نكاحها. وان كان قد وكل من يقبل فلابد ان يقول الولي زوجت موكلك فلانا. فلا يقول للوكيل زوجتك. ويقول الوكيل قبلت او قبلتها لموكلي فلان فلا يقول قبلت فقط. الثاني عند الخطبة للزوجة فلا يكفي ان يقول خطبتها لاحد اولادي او اخوتي او لاحد بني فلان ليعين من يقع العقد والخطبة له. واما سائر العقود فلا تعتبر هذه الامور لها. فلا يشترط تسمية المعقود له بوجه من السابع ومنها ان النكاح احد ما اشترط له العلماء الشهادة وهو المشهور من المذهب فلابد فيه من شاهدين عدلين يشهدان به وقت العقد وعلى الرواية الثانية عن احمد الشرط فيه ان يكون معلنا ان حصلت معه الشهادة كان نورا على نور. اما سائر العقود فالاشهادة فيها سنة لا واجب. الثامن ومنها اشتراط الولي في النكاح. فلا يصح النكاح الا بولي للمرأة يعقده وهو ابوها لم يكن فاقرب عصبتها فان لم يكونوا فالحاكم فلابد ان يتصف الولي بالصفات الولاية التي ترجع الى كفاءته وصحة عقده. ولو كانت الانثى من اعقل النساء وارشدهن فلا تعقد النكاح لنفسها ولا لغيرها من باب اولى واحرى. واما بقية الاشياء فالولاية انما ما تكون اذا كان الانسان قاصرا في عقله غير محسن لتدبير احواله فينوب وليه منابه. واما اذا كان راشدا فيستقل باحواله في عقوده وتصرفاته والفرق ظاهر لخطر النكاح وانخداع المرأة وعدم معرفتها التامة غالبا. وتعلق حقوق القرابة بهذا النكاح حتى انهم يمنعونها من تزوج من ليس كفئا لها. ولو كانت راضية بذلك بخلاف سائر العقود. فمن رضي المعقود عليه ولو كان معيبا او كان فيه غبن فاحش فلا حجر عليه من اوليائه اذا كان رشيدا. والنكاح يحجرون عليها من تزوج غير الكفر هذا فرق ثام التاسع انه لا بد من استئذان الاولياء غير الاب لمن تم لها تسع سنين ولها اذن صحيح معتبر. اما بقية العقود فمن كان صغيرا قبل بلوغه ورشده فليس على وليه استئذانه في بيع سلعة او الشراء له بل يستقل وليه بالتصرف العاشر ان سائر العقود والاشياء يصلح فيها المعاوضة والتبرع التام واعطاؤها مجانا. واما النكاح فلا يمكن ان يخلو من صداقه من قليل او كثير ان كان مقدرا مسمى وجب المسمى زاد عن مهر المثل او نقص او ساوى. ان كان لم يشرط صداق وجب مهر مثله بها من نسائها جمالا ومالا ودينا وعقلا وسائر الصفات. وان شرط فيه ان لا مهر ولا صداق لها فالشرط باطل بالاتفاق وهل يبطل النكاح كاحدى الروايتين عن احمد واختارها شيخ الاسلام او يصح النكاح ويبطل الشرط كما هو المشهور من المذهب. وعلى كل فالعوض فيه لابد منه كما رأيت. ويصح بالمال والمنافع الدينية والدنيوية. ويجب على الولي فيه الا يلحظ سوى مصلحة مولاه نيته. ولهذا نهى الشارع عن نكاح الشغار وهو ان يزوج كل واحد منهما موليته على ان يزوجه الاخر موليته. ولا مهر او شهر قليل لان فيه مفاسد كثيرة. منها ان الولي لا يلحظ الا مصلحة نفسه وهي خيانة محرمة. الحادي عشر ان سائر المعروف عليه العقود الشرعية كله مباح جائز من جميع الاشياء الواقع عليها عقد بيع او ايجارة او مشاركة او تبرع اما النكاح فجعل الشارع فيه النساء قسمين. محرمات على الانسان لقرابة او رضاع او صهر ومباحات. وهو من عداهن. فالمحرم الرماد في النسب ضابطهن الاصول من الام والجدات والفروع من البنات وبنات الاولاد وفروع الاب والام وان نزلن من الاخوات بناتهن وبنات الاخوة والعمة والخالة والباقي من الاقارب حلال. ان شئت فقل الحلال من الاقارب بنات العم وبنات العمة وبنات الخال وبنات الخالة. ومن عداهن فحرام. والمحرم في الرضاع نظير المحرم من النسب من جهة المرضعة. ومن جهة من له اللبن من زوج وسيد بشرط ان يرضع خمس رضعات فاكثر في الحولين وقت الرضاع. واما من جهة الرضع فلا تنتشر الحرمة الا عليه وعلى ذريته وان نزلوا فليعلم ذلك. وتحريم المصاهرة ان تحرم على الانسان حلائل ابائه وان علون. حلائل ابنائه وان نزلنا وامهات نسائه وان علون هؤلاء بمجرد عقد النكاح يترتب تحريمهن. والرابعة بنات زوجاته اذا دخل بهن ان لم يدخل بهن فلا جناح عليه. والمقصود ان هذا التحريم خاص بالنكاح. بل ثم غير هؤلاء محرمات فيه تحريما مؤقتا لاخلال به بما عليه من الحقوق كتحريم اخت زوجته وعمتها وخالتها ما دامت الزوجة في حباله. كذلك تحريم زوجة الغير ومعتدة الغير لوجود بقية حق الزوج الاول عليها. وكذلك يحرم من كانت في حج او عمرة حتى تحل من احرامها. فكل هذه الاحكام قصة بهذا العقد وكذلك الكافرة غير الكتابية. وتحرم المسلمة على الكافر مطلقا. الثاني عشر انه رتب على وجود هذا العقد تحريم المحرمات بالصهر كما تقدم فيصير تحريمهن مؤبدا عليه بسبب هذا الاتصال مع انها ما دامت في حبال الزوج فهي زوجة وان فارقها صارت اجنبية. واما سائر العقود فالاحكام من الملك والتصرف انما تتعلق بالمعقود عليه فقط. فلا تسري الى غيره. الثالث عشر انه كما يدخل فيه بشروط وحدود فلا يخرج منه الا بحدود وقيود. فاذا اراد ان يطلق زوجته فانه يؤمر بالصبر عليها. فعسى ان يكون فيه خير كثير. وابغض الحلال الى الله الطلاق. مع انه من نعمه على العباد. فكما ان من نعمه اباحة النكاح لما يترتب عليه من المصالح كما سبق. فمن نعمه مشروعية الطلاق بما يترتب على اباحته من ازالة اضرار كثيرة. فاذا كان لا بد له من طلاقها فليطلقها لعدتها. بان يطلقها فيبتدأ من حين طلاقه بعدة متيقنة فلذلك وجب عليه الا يطلقها وهي حائض او في طهر وطئ فيه. الا ان تبين حملها فانه اذا تبين الحمل وطلقها علم انها تشرع في العدة وهو انقضاء وضع الحمل. وايضا فلم يملكه الله الا ثلاثة تطليقات. واحدة بعد واحدة عند اليها فلا يحل ارسالها جملة واحدة على الزوجة. والمقصود من الفرقة حاصل بواحدة. والمقصود انه اذا طلقها وهي طلقها مبتدئة للعدة بالحمل. وكذلك اذا طلقها طاهرا لم يمسها فقد طلقها لعدة متيقنة. فانها تبتدأ بالاقراء من حين طلاقها. وكذلك الصغيرة التي لم تحض الايسة من المحيض يجوز طلاقها كل وقت. لانها تبتدأ في قالب العدة لان عدتها ثلاثة اشهر. وقد ابيح له طلاقها عند الحاجة اليه فيباح الخلع عند الحاجة اليه والخصومة. قال تعالى فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به. فلم يبح الله الخلع الا في هذه الحالة. وانه يباح بكل ما تراضيا عليه من الفدية ودل ذلك على ان الخلع بينونة لانه تعالى سماه افتداء ولا يحصل الافتداء وخلاصها منه والا بالبينونة ودل على انه لا يحسب من الطلاق الثلاث. وكل هذه الحدود والشروط في الخروج من النكاح لا يساويها فيها غيره ومن الفسوخ الرابع عشر ان جميع الاشياء اذا نقل الانسان ملكه منها ببيع او هبة او غيرهما انقطعت علقه منها الثاني المنتقلة اليه قائما مقامه فيما له من الملك والتصرفات الا النكاح. فانه متى فارق زوجته بقيت في علقه وتعلقه مدة العدة. فاذا كان الطلاق رجعيا وهو ما كان دون الثلاث في نكاح صحيح على غير عوض فله ان يرتجعها الى نكاح من غير تجديد عقد ويعود النكاح كما كان. فهذه شروط الرجعة ولها ايضا مدة العدة النفقة والكسوة والسكنى. واذا مات احدهم ما فيها ورثه الاخر ولم يحل لغيره التعريض ولا التصريح بخطبتها. وان كان النكاح بائنا بقيت في علق عدته اداء لحق عقده استمراء لرحمها عن ولده واحتياطا للولد وللزوج الاخر. فلم يحل لاحد نكاحها فيها ولا التصريح لها بالخطبة. واما التعريف الذي يبدي فيه رغبته للزواج وليس فيه تصريح في الخطبة فانه يباح. وهذه الخصائص كلها لا يساوي النكاح فيها ولا في بعضها فيها شيء من الفسوخ الا من اعتق مملوكته او مات عنها وكان يطأها فانها تشاركها في بعض مقاصد العدة وهو الاستبراء فقط لوجوب التمييز بين المياه والتخليص للانساب. وانه لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الاخر ان يسقي ماءه زرع غيره الخامس عشر ان جميع الاشياء اذا انتقلت من ملك الانسان ثم عادت اليه فانه يباح له الاستمرار على ذلك من غير تقييد بعدد الا النكاح فان نهاية ما يملك ثلاث تطليقات اذا طلقها الثالثة لم تحل له الا بعد نكاح زوج اخر نكاح رغبة لا نكاح تحليل وقد كانوا في الجاهلية يجرون في هذا العقد مجرى جميع العقود. ولا يزال يطلق ويعيدها من غير تقييد بعدد. اذا اراد اضرار المرأة وتمكن من ذلك يطلقها ثم يعيدها ابدا. ومن ذلك الحكم السادس عشر انهم في الجاهلية كانوا يرثون الزوجات مع مع جملة المتركات. فكان اذا مات عنها كان ابن عمه احق بها. فجاء الله بالاسلام وانزل الله يا ايها الذين امنوا لا لكم ان ترثوا النساء كرها. فصارت تركة الميت جميع مخلفاته من نقود واثاث وعقارات ومنافع مملوكات وخرجت الزوجات عن هذا الحكم الجاهلي ولله الحمد السابع عشر اغتفار الغرض غير الكثير جدا في النكاح عقدا فيغتفر الغرر في الصداق. وقد ذكر الاصحاب من امثلة ذلك صورا متعددة. كذلك يغتفر في فسخه في الخلع. السبب في ذلك ان عوض فيه ليس مقصودا لنفسه وانما المقصود اباحة الاستمتاع وانتفاع كل من الزوجين بالاخر بخلاف سائر عقود المعاوضات فانه كما قصد فيها المعقود عليه فكذلك العوض ولا يقصر ارادة احدهما عن الاخر. الثامن عشر المذهب ان عقود المعاوضات لا يصلح ان يجعل العوض بعضه للمالك المعقود عليه وبعضه لابيه. والنكاح يجوز فيه ذلك ويلزم. فاذا شرط الصداق الفا لها والف لابيها صح ذلك ويترتب على هذا التاسع عشر انه ليس للاب ان يبيع او يؤجر مال ولده بدون ثمن واجرة المثل ولو له في مطلق العقد. واما النكاح فيجوز ان يزوج ابنته بدون صداق مثلها. ولا يلزم احدا تتمته لا الزوج ولا الاب. والفرق كما اتقدم انه ليس القصد من النكاح نفس الوصول الى العوض. انما القصد ما يحصل لاحد الزوجين من المنافع في الاخر. الاب لا يزوجها بدون صداق مثلها الا لما يرى لها من المصلحة المربية على العوض. العشرون اختلف العلماء في الذي بيده عقدة النكاح. هل هو الزوج ما هو المشهور من المذهب بانه الذي يملك الامساك والارسال او هو الاب العاقد كما هو الرواية الاخرى عن الامام وهو ظاهر القرآن. فعلى هذا جاز للاب ان يعفو عما تستحقه الزوجة من نصف الصداق بلا اذنها. ولم يجوز الاصحاب العفو عن الثمن ولا عن بعضه للاب. ولكن الذي ارى في هذه الصورة الاخيرة هو القول الاخر في المذهب وهو ان هذه الصور متفرعة عن جواز تملك الاب من مال ولده ما شاء انه اذا جاز ان يتملك من ما له الموجود جاز ان يشرط بعض العوض في البيع والاجارة ونحوهما لنفسه. وجاز ان يعفو عن بعض الثمن اجرت ولا فرق والله اعلم. الحادي والعشرون ان النكاح لا يثبت فيه خيار مجلس ولا خيار غبن ولا خيار شرط ولا غير الا خيار العيب. فاذا وجد احد الزوجين الاخر معيبا عيبا ينفر الاخر منه. من غير تقييد بشيء دون اخر على الصحيح ثبت له الخيار ان شاء وامضاه وان شاء رده وهذا بخلاف عقود المعاوضات. فيثبت فيها جميع انواع الخيار الثاني والعشرون ان العقود على المنافع لابد ان يعين لها امدا معلوما. واما عقد النكاح فلا يحل ان يعين له امد معلوم. فلو فعل نكاح المتعة المحرمة في السنة الصحيحة. بل ابد النكاح مدة العمر مع الاتفاق قل او طال. ومدة الاتفاق اذا حصل قبل الموت في يترتب عليه الثالث والعشرون ان الاعواض المؤجلة كلها لابد فيها من اجل معلوم مسمى الا النكاح فانه اذا اجل الصداقة او اجل بعضه جاز ان يكون الاجل معلوما. وجاز ان يطلق في تأجيله. واذا اطلق صار حلوله الفراق بموت او طلاق او فسخ او نحوه. والسبب فيه العلة السابقة ان العوض مجعول وسيلة لا مقصودة. واغرب منه الرابع والعشرون ما قاله الاصحاب الله انه اذا عين اجله بموت او فراق لم يصح. وان اطلق صح وصار ذلك اجله. وفي هذا نظر والله اعلم. الخامس والعشرون ان السيدة اذا ملك عبده شيئا فله ان يسترده منه متى شاء وله ان يتصرف فيما ملكه الا في النكاح فانه اذا تزوج عبده ملك العبد منافع الزوجة وابقائها وارسالها. وصار الفراق بيده لا بيد سيده حتى ولو باعه السيد فالنكاح سباق السادس والعشرون ان من وجد بما عاوض عنه عيبا فله الفسخ وحده. وليس لاحد ان يلزمه بالفسخ اذا كان رشيدا الا النكاح فان من تزوجت معيبا ولو رضيته فلوليها ابا كان او غيره الفسخ. والفرق ان عقود المعاوضات يختص نفعها وضررها المالك والنكاح يتصل نفعه وضرره بالاولياء. السابع والعشرون اطلاق المعاملة مع الكفار في جميع العقود الا النكاح. فلا يتزوج كافر مسلمة ابدا. ولا يتزوج المسلم من الكفار الا الكتابيات. والحكمة فيه قوله تعالى اولئك يدعون الى النار والله يدعو الى الجنة والمغفرة باذنه. فاتصال المسلمة بالكافر والمسلم بالكافرة يدعو الى هذا الديني الثامن والعشرون ان جميع العقود الفاسدة لا تحتاج الى فسخ لفسادها. بل يصير وجوده كعدمه الا النكاح انه اذا عقد عليها عقدا فاسدا فيه خلاف انه يلزم بطلاقها ويجبر على ذلك لاجل زوال ما تعلق بها او ظن تعلقه بها من هذا العاقد ولالا ينفذه من يرى جوازه فهذه ثمانية وعشرون فرقا بين النكاح وغيره من العقود. يسرها الله تعالى وذكر في ضمن كل واحد منها احكامه الخاصة. فصارت مع افادتها الفرق المذكور مشتملة على المهم من احكام النكاح الذي لا ايستغني طالب العلم عن معرفته وبالله التوفيق وله المنة. السؤال التاسع والسبعون ما انواع الفرق والفسوخ في النكاح وحكمها؟ الجواب الاصل في النكاح بعد انعقاده بقاء الزوجية والعصمة. وتبقى احكام النكاح مع بقاء هذا الاصل حتى توجد الفرقة بسبب من اسباب متعددة شرعية جعلها الشارع سببا لزوال النكاح. وكلها موافقة للحكمة والمصلحة وازالة الضرر كما هو ظاهر للمتأمل الفرقة الاولى فرقة الطلاق. وهي اوسع الفرق دائرة ويقع في سبب وغيره. فتقدمت احكامه قريبة. الثانية فرقة الخلع والاستدانة سببها الشرعي اذا حصل بين الزوجين من النفرة والشقاق ما يخرجهما عن الاتفاق. اتخاف الا يقيما حدود الله والا يؤدي كل لحق الاخر فهذه قد اباحها الله تعالى. واما الخلع من دون سبب فهذا وان وقع لكنه منهي عنه. الثالثة الفراق بموت احدهما وهذا فراق لا اجتماع بعده في الدنيا. ويتعلق به الميراث من كل منهما من الاخر مع اتفاق الدين والعدة. والاحداد منها اذا مات اربعة اشهر وعشرة. وتجنب ما يدعو الى نكاحها وتربص في بيتها الذي مات وهي فيه. ولا تخرج منه بدون حاجة فرقة العيوب اذا وجد احدهما بالاخر عيبا يجهله فله الفسخ. فان كان الفسخ قبل الدخول فلا مهر. سواء كان منه او منها. وان كان بعد الدخول فقد تقرر الصداق بالدخول كما يتقرر بالموت. ان كان العيب به فلا شيء له. وان كان بها رجع بالمهر على من غره به من ولي وزوجة عاقلة واجنبي غره بها. والله اعلم. الخامسة اذا وجدت زوجها عنينة وثبتت عنته ببينة او ولم ييأس من الوطء اجل سنة هلالية لتمر به الفصول الاربعة اذا مرت ولم يطأ فلها الفسخ وهذا من خيار العيب لك ان افردوه بالذكر لاختصاصه بهذا الحكم. السادسة فرقة من عتقت كلها تحت رقيق كله فانها تملك فسخ نكاحها الا ان حظيت به بعد عتقها فلا فسخ لها بعد رضاها. السابعة فرقة الايلاء اذا ال من زوجته بان حلف الا يطأها ابدا. او مدة تزيد على اربعة اشهر وطلبة الوطء جعل له اربعة اشهر فاذا مضت فاما ان يطأ ويكفر كفارة يمين واما ان يطلق او تفسخ فاذا امتنع الزمه الحاكم بذلك. فان اصر فسخ الحاكم النكاح ازالة لضررها. الثامنة من سافر سفرا بعيدا طويلا طلبت قدومه باجل الفراش رسل وضرب له من الاجل ستة اشهر. فاذا قدم والا فلها الفسخ الا اذا كان سفره لواجب او لم لابد له منه فلا فسخ لها لهذا السبب. التاسعة فرقة من امتنع من النفقة الواجبة والكسوة الواجبة والاسكان الواجب مع قدرته على ذلك اذا اصر على الامتناع مع قدرته فلها الفسخ بلا ريب. واختلف فيما اذا اعسر بذلك. هل لها الفسخ وهو المشهور من المذهب الله بعد عسري يسرا. واوجب الله تعالى انذار المعسر في جميع الديون. العاشرة فراق من اسلم وبقيت زوجته على كفرها يا غير الكتابية انه لا يحل له ان يمسك بعصمتها. لكن اذا اسلمت قبل انقضاء العدة فهما على نكاحهما. وكذلك الحكم اذا اسلمت تحت كافر الحادية عشرة اذا اسلم وتحته اكثر من اربع او تحته اختان ونحوهما وجب عليه ان يختار اربعة ويفارق الباقيات ويختار احدى الاختين ويفارق الاخرى. الثانية عشرة فرقة اللعان اذا قذف زوجته بالزنا وكذبته ولم يكن له شرعية فعليه الحد الا ان يلاعنها بان يشهد عليها خمس مرات بالزنا ويلعن نفسه في الخامسة ان كان كاذبا. فان امتنع من اللعان فقيل تحبس حتى تقر او تلاعن وهو المشهور من المذهب. وقيل يقام عليها الحد وهو الصحيح وهو احدى الروايتين عن احمد فان لاعنت اندرأ العذاب هو الحبس او الحد عنها فتلاعن خمس مرات انه من الكاذبين. تزيد في الخامسة ان غضب الله عليهم ان كان من الصادقين فاذا تم لعانهما ترتب عليه الفرقة المؤبدة التي لا اجتماع بعدها. وانتفى الولد الذي وقع عليه اللعان الثالثة عشرة امرأة المفقود اذا تربصت بعد انتظاره على حسب الخلاف السابق فيه حكم بموته واعتدت ورثته وبعد العدة يجوز لها النكاح فاذا تزوجت ثم قدم زوجها المفقود حيرت بين بقائها مع زوجها الثاني ويأخذ المهر ويرجع عليها وعلى غيرها بما اخذوه من الميراث بتبين عدم الاستحقاق. وبين ان يأخذها من زوجها الثاني. الرابعة عشرة والخامسة عشرة اذا امتنع مما وجب عليه من الوطء او من المبيت مع قدرته وطلبت ذلك فلها الفسخ. الوطء الواجب قيل في كل ثلث سنة مرة وهو المذهب اقيل بقدر كفايتها وعدم ضرره وهو اولى. والمبيت الواجب ان لم يكن معه غيرها في كل اربع ليال ليلة. وان كان معه غيرها وجب عليه العدل بينهن في المبيت. وكذلك في النفقة والكسوة على الصحيح. وقيل اذا قام بالواجب من النفقة والكسوة. ففضل اخرى عليها جاز وهو المذهب لكنه ضعيف يخالف ظواهر النصوص الموجبة للعدل بينهن الا فيما لا يملك الانسان. السادسة عشرة الفرقة اذا امتنع من المهر الحال او اعصاره به فلها الفسخ. الا ان مكنته من نفسها فليس لها الامتناع بعد التمكين على المذهب على الصحيح لها ذلك ما لم ترضى بتأخيره. السؤال الثمانون ما الحق الذي على الزوج لزوجته والذي عليها لزوجها. الجواب وبالله التوفيق يلزم كل واحد من الزوجين معاشرة الاخر بالمعروف من الصحبة الجميلة وتوفية حقه وعدم مطله. فله عليها بذل نفسها وعدم التكره لبذل ما عليها من استمتاع وخدمة بالمعروف ويلزمها طاعته في ترك الامور المستحبة كالصيام وسفر الحج والحج الذي ليس بواجب والا تخرج من بيته الا باذنه ولا تدخله احدا الا برضاه وان تحفظه في نفسها وولده وماله. واما له في الامور الواجبة فالزم والزم. وعليه لها النفقة والكسوة والسكنى بالمعروف. والعشرة والمبيت والوطء اذا احتاجت الى ذلك قدرته عليه ان يؤدبها ويعلمها امر دينها وما تحتاجه من عبادتها. قال تعالى يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا. قالوا معناه علموهم وادبوهم. وعليه الا يشاتمها ويسبها ويقبح ويهجر من دون سبب. فان حصل فوز منها وعظها ان اصرت هجرها في المضجع ما شاء فان اصرت ضربها ضربا غير مبرح ان كان نشوزها لتركه حقها الزم بما اعليه ثم هي بما عليها وان كان معه سواها وجب عليه ان يعدل بينهن في القسم والنفقة والكسوة والمسكن والسفر فلا يخرج في واحدة منهن الا باذن البواقي او بقرعة وله ان يستمتع منها بما اباحه الله ورسوله. استمتاعا لا يضرها في دينها ولا بدنها وله السفر بلا اذنها. ومن العدل اذا تزوج جديدة ان يقيم عندها في ابتداء الزواج ما يزيل وحشتها. وقدره الشارع للبكر طبعا وللثيب ثلاثة وان شاءت الثيب سبعة. ويقضي لباقي نسائه سبعا سبعا فعل. السؤال الحادي والثمانون ما الاشياء التي يمتنع بها الزوج من الاستمتاع بزوجته بالوطء وتوابعه. الجواب هي عبادات وتحريمات. اما العبادات فيمتنع الوطء في الصيام الفرض الاعتكاف والاحرام بحاج او عمرة منه او منها. واما التحريمات فاما ان يكون التحريم باصل الشرع كالحيض والنفاس. واما ان يكون ما هو الموقع لها؟ وتختلف الايقاعات؟ فان كان قد اوقع عليها ايلاء فهو حلف تحله كفارة اليمين. وان كان قد ظاهر من وحرمها فلا يمسها حتى يكفر الكفارة المغلظة. عتق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع عام ستين مسكينا وان كان قد اوقع طلاقا فان كان بائنا بالثلاث لم تحل له حتى تنقضي عدتها وتتزوج زوجا اخر خطأها ثم يطلقها وتنقضي عدتها. ويشترط مع ذلك كله الا يقصد بذلك التحليل. وان كان الطلاق بائنا بغير الثلاث اما على عوض او قبل الدخول او في نكاح فاسد لم تحل له الا بعقد جديد تجتمع فيه شروط النكاح. وفي هذه حال يجوز ان يتزوجها بعد العدة كغيره ويجوز في العدة لان العدة اذا كانت للانسان من وطأ يلحق فيه الولد لم يكن فيه محذور ان يتزوجها صاحب العدة. وان كان قد طلقها رجعيا فلا يخلو اما ان تكون العدة قد فرغت فلا تحل له الا بنكاح جديد مجتمعة فيه شروطه واما ان تكون فيه العدة فان قصد بالوطء الرجعة صارت رجعة وصار الوطء مباحا. وان لم اقصد به الرجعة فعل المذهب تحصل به الرجعة. وعلى الصحيح لا تحصل به رجعة. فعليه يكون الوطأ محرما. فهذه الاشياء التي يجب على الانسان الامتناع من وطأ زوجته بحسب اسبابها. ويختلف سبب الحل فيها على ما ذكرنا. وقد يجب على الانسان ان يمتنع من وضع لزوجته لغير الاسباب المذكورة وذلك اذا توقف عليه امر واجب وله صور منها اذا مات عن امه المزوجة باجنبي وله ورثة لا يحجبون الحمل بل يرث ولد الام معهم كاخوة واعمام ونحوهم. فاذا مات ولدها وجب على زوجها ان لا يطأها حتى يحصل العلم بوجود الحمل وقت الموت او عدمه. فيتركها حتى يبين حملها او حتى يستبرأها. ومنها من كان له زوجتان فاكثر. ففي ليلة احداهن لا يحل له ان يطأ الاخرى لان وطأه يوجب ترك العدل الواجب. ومنها من كان له زوجة وهو في دار الحرب غير امن على نفسه وزوجته لم يجز ان يطأها. حتى انهم قالوا في هذه الحال ليتزوج الا فمن ضرورة فاذا اضطر الى الزواج عزل عنها خوفا من استيلاء الكفار على ما ينشأ من حملها المسبب عن الوطء. السؤال الثاني الثمانون من الذي تجب نفقته وما مقدارها؟ الجواب يجب على الانسان نفقة نفسه، ويجب عليه نفقة زوجته وسكناها وكسوتها بالمعروف بقدر يساره واعساره. وكذلك نفقته على مماليكه من الادميين والبهائم وتوابع النفقة هذه النفقة للزوجة والمماليك واجبة مع اليسار والاعسار. ومن العجز عنها يجبر في نفقة المماليك على بيعهم او ايجارهم لتحصيل النفقة الواجبة. واما الزوجة فتقدم في الصحيح انها لا تملك الفسخ في حال الاعسار. وتجب عليه نفقة اولاده ووالديه من ذكور واناث وارثين او محجوبين. واما الحواشي غير الاصول والفروع من الاقارب فاوجبوها عليه اذا كان وارثا لهم بفرض او تعصيب. وهذه النفقة المقصود بها المواساة ودفع الحاجة. ولهذا اشترط لها شرطان غنى انفقي بماله او كسبه وفقر المنفق عليه. وكل هذه النفقات مع توابعها مقيدة بالمعروف. ويختلف المعروف باختلاف الاوقات والبلدان والاحوال. ومتى امتنع من وجبت عليه النفقة في هذه الاحوال اجبر على ذلك. ولمن له النفقة مع امتناع المنفق الاخذ من ما له ولو بغير علمه ورضاه. وكذلك الضيف الواجب ضيافته. اذا امتنع من ضيافته فله الاخذ قهرا او بغير علمه مقدار ما فيجب له من الضيافة وهذا بخلاف من له حق على اخر من الحقوق التي سببها غير ظاهر فلا يحل له ان يأخذ من ماله مقدار دار حقه لانه خيانة او ينسب الى الخيانة والا ثم حق بين يحال الاخذ عليه. فهذا القول المفصل هو المذهب وهو الاقوال في المسألة التي يسمونها مسألة الظفر والله اعلم. اسئلة في الجنايات. السؤال الثالث والثمانون عن الفرق بين العمد وشبه العمد والخطأ. وما يوجبه كل منهما. الجواب اما العمد فهو ان يقصده بجناية تقتل غالبا. وهو يعلمه آدميا معصوما. فدخل فيه جميع ما قالوا واستثنوا من هذا الضابط اذا جرح ولو جرحا خفيفا يغلب على الظن عدم الموت به الصحيح انه لا يستثنى من هذا الضابط شيء. واما شبه العمد فهو ان يقصد جناية لا تقتل غالبا. فاجتمع هو والعمد في قصد جناية فاختص العمد بان الجناية يغلب على الظن موته بها. واما الخطأ فهو مضاد للامرين كليهما. فلا يقصد الجناية. واذا لم الجناية فقد لزم منه الا يقصد القتل. اما ان يخطئ في قصده بان يرمي ما يظنه صيدا فيبين ادميا معصوما. او يفعل ما له وفعله فيقتل انسانا. وعند الصغير والمجنون خطأ. واما ان يخطئ في فعله وهو ان يرمي صيدا او هدفا فيصيب اداميا لم او ينقلب وهو نائم على انسان فيقتله. فهذه انواع القتل الثلاثة ولكن احكامها مفترقة. اما العمد العدوان اذا اجتمعت فيختص به القصاص فالولي مخير ان شاء اقتص وان شاء اخذ الدية او صالح باكثر منها او عفى مطلقا وليس فيه كفارة لعظم جنايته وشدة خطره فلا يقبل التخفيف. واما الخطأ وشبه العمد فليس فيهما قصاص. وانما فيهما الدية ان لم يعفو الولي واذا كانت الدية من الابل غلظت في العمد وشبهه وخففت في الخطأ. وان كانت من غير الابل فلا تغليظ ولا تخفيف. وفيهما ايضا تحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ولا اطعام فيها. والفرق ايضا ان العمد الدية في مال القاتل الخطأ وشبه العمد على العاقلة وهم الذكور العصبة من اولياء الجاني يحملونه بحسب يسارهم وتخفف عنهم من وجهين التعميم وان يكون مؤجلا بثلاث سنين كل سنة يحل الثلث. السؤال الرابع والثمانون ما شروط القصاص وشروط الاستيفاء؟ وما الفرق الفرق بينهما؟ الجواب شروط القصاص والاستيفاء متعلقات بقتل العمد. لانه الذي يختص به القود. ولما كان اتلاف النفوس من اعظم العقوبات اشترط له شروط في وجوبه وشروط اذا وجب في استيفائه. اما شروط من يجب عليه القصاص فاربعة. واحد في القاتل وهو ان يكون مكلفا. فالصغير والمجنون عمدهما وخطأهما واحد من جهة عدم ترتب القصاص. لا من جهة انه لا يعاقب ويعذب احذر فالصغير والمجنون يؤدبان ويعزران على كل محرم ليرتدع ودفعا لوصولهما واذيتهما. ودفعا لصولهما وواحد في المقتول وهو ان يكون معصوما محترم الدم. فمن كان دمه لا حرمة له لم يتعلق به قصاص. واثنان مشتاق ركان بين القاتل والمقتول. المكافأة بالا يفضل المقتول القاتل بواحد من ثلاثة اشياء. الاسلام والحرية والملة كيف لا يقتل المسلم بالكافر ولا الحر بالعبد ولا المكاتب بعبده. الرابع كون المقتول ليس بولد للقاتل. فمن كان مكلفا غير والد للمقتول ولا فاضلا له في الصفات الثلاث وكان المقتول محترم الدم وكان القتل عمدا وجب فيه القصاص. بمعنى لا بمعنى تعين لان الولي مخير. فاذا اجتمعت هذه الشروط فلا يستوفى مع وجوبه حتى تجتمع ثلاثة شروط تكليف المستحق الدم ومع صغره وجنونه يحبس القاتل حتى يبلغ ويفيق. وفي هذا الموضع لا ينوب وليهما منابهما بخطر القتل ولما فيه من اخذ الثأر والتشفي المتعلق بمستحقي الدم. ولابد من اتفاق المستحقين على استيفائه لعدم تباعده فاذا اراد بعضهم الانفراد بالقتل منع سواء جهلنا حالة البقية وهل هم عافون ام لا. وينتظر منهم من كان غائبا ومن كان صغيرا. وعن احمد في هذه والتي قبلها ان الولي ينوب مناب موليه الصغير والمجنون كسائر الولايات لسائر الحقوق. وعليه ان ان يفعل الاصلح من الانتظار او الاقدام على احد الامرين القصاص او العفو الى الدية. الثالث ان يؤمن في استيفاء القصاص تعدي فيه الى غير الجاني فلو لزم حاملا لم تقتل حتى تضع. فمتى وجدت الشروط الاربع السابقة وكان اولياء الدم مكلف كان اولياء الدم مكلفين متفقين كلهم على الاستيفاء ولا يتعدى الاستيفاء لغير الجاني. وجب بمعنى تعين الفعل. فهذا هو الفرق بين الامرين شروط وجوب القصاص توجبه بمعنى تثبته وان ثبت القصاص الذي خير الشارع مستحقه بين الامرين الاقتصاص والدية وشروط الاستيفاء تعين الفعل بمعنى انه انحصر الحكم في القتل لا غير والله اعلم. السؤال الخامس والثمانون عن شروط القصاص في الاطراف والجروح ما هي؟ وما حكمها؟ الجواب للقصاص في الاطراف والجروح شروط مشتركة في القصاص في النفس وشروط مختصة. فالمشتركة جميع الشروط السابقة في القصاص في النفس فانها تشترط في الاطراف والجروح. ويشترط زيادة على ذلك شروط ترجع الى العدل والمساواة. منها ان يكون قطع الاطراف من المفاصل او ينتهي الى حد. كمارن الانف وهو ما لان منه وفي الجروح ان تنتهي الى العظام كالشجة والموضحة. لانه اذا لم يكن كذلك فلا بد ان يحصل الحيث وعدم العدل. ومنها في الاسم والموضع في الاطراف والجروح. وهذا ايضا يرجع الى العدل. فلا تؤخذ اليد بالرجل ولا اليمين باليسار ولا جرح الرأس بجرح غيره ولابد من مراعاة الصحة والكمال. فلا تؤخذ كاملة الاصابع والاظفار بناقصتها. ولا عين صحيحة بقائمة وكل هذه الشروط مراعاة للقصاص والعدل وخوف الحيف والجور. ويتعين الا يقتص في الاطراف والجروح حتى تبرأ ليستقر ويجب ان يكون بالة غير ضارة يحصل بها المقصود من دون ضرر وان يكون الاستيفاء للنفس وما دونها بحضرة سلطان او نائبه خوفا من الحيث. اما حكمة مشروعية القصاص في النفس وما دونها فقد نبه الله عليها بقوله ولكم في القصاص حياة. فلولا مشروعية القصاص لتجرأ المجرمون وكثر الشر والفساد. السؤال السادس والثمانون ما الحكمة في ان دية الحر مقدرة لا تزيد بزيادة فضائله ولا تنقص. ودية العبد قيمته بحسب اوصافه. الجواب وبالله التوفيق. حكمة الباري في تشريعه لعباده لا تحيطه وهالعقول ولا تعبر عنها الالسن وما ظهر للعباد منها بالنسبة الى ما خفي عنهم منها شيء قليل. وما قدره وفرضه من وحده من المحددات له في ذلك حكم واسرار ترجع الى مصالح العباد ودفع مضارهم. فان الله تعالى ارحم بهم من انفسهم ومن الخلق اجمعين. وهو ارحم الراحمين يعلم من مصالحهم ما لا يعلمون. ويريد ما لا يريدون ويقدر ما لا يقدر فاذا خفيت عليك حكمته في حكم من احكامه فانظر الى هذا الاصل العظيم الجامع لكل فرد من افراد احكامه وشرائعه. ومع ذلك فمن تأمل واحسن تأمله في ذلك وطبقه على الواقع انفتح له من معرفة حكمه بحسب استعداده وفهمه وذلك فضلا وقد اشار تعالى الى هذا المعنى في الفرائض وتقدير المقدرات فقال اباؤكم وابناؤكم لا تدرون ايهم اقرب لكم نفعا فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما. وقد تقدم شيء من حكمته في تقديمه الفروض على اهلها. ويوجد نظير ذلك في الديات. وانها بقدر لا يزيد ولا ينقص. دية الحر المسلم الذكر مائة من الابل الانثى على النصف من ذلك اختلف فيما سوى الابل هل هو اصل كما هو المذهب في البقر انها مئتان والغنم انها الف شاة والذهب ابيض الف مثقال والفضة اثنى عشر الف درهم. وان المذكورات تابعات للابل وتقويمات تزيد وتنقص بحسب نقص الابل كما هو الرواية الاخرى عن الامام وهي الصحيحة لان ديات الاعضاء والجروح لا يختلف القول انها مقدرة بالابل فقط. والتغليظ التخفيف في الابل فقط وادلة اخرى ليس هذا الموضع محل ذكرها. والمقصود انه جعل دية الحر بمقدار لا يزيد ولا ينقص. فلا يفضل عالم على جاهل ولا عاقل على عادمه ولا حسن الخلق والخلق على ضده. ولا من اتصف بصفات الكمال العقلية والبدنية على من هو دونه بل جعل الجميع في الدية سواء وفي الفطرة وفي المواريث والاوقاف والوصايا وغيرها لان هذه المعددات تشبه العبادات والتكليفات التي يشترك الناس فيها ولانه لو جعلت بحسب القيم والصفات فالاحرار لا يقومون شرعا ولو فرض التقويم من الهوى والحيف والغلظ والنزاع والشقاق. ما يوجب اشتباك الناس في شرور كثيرة. فتولى الحكيم الرحيم تقديرها فقدرها على لسانه لنبيه صلى الله عليه وسلم واراح الناس وقطع منازعاتهم. ثم ان الصفات الموجودة في الاحرار فيها من التفاوت والفرق العظيم ما عد واحد بامة عظيمة فلا يمكن انضباط ذلك. وايضا فان ما هم عليه من الصفات والاخلاق والاعمال. ليس القصد تقويمها التوحيد والفلسفة من انه تشريع للجمهور والعوام وانه تخييل للامور ورموز اليها ولم يصرح بالحقيقة فكل هذا كفر بالقرآن وخروج عن الدين. كذلك من زعم ان له خروجا عما جاء به الرسول من الشرع العظيم والصراط المستقيم. كذلك من انكر احدا وتثمينها وانما القصد اتصاف العبد بصفات الفضل والكمال ونيله من ربه على ذلك الفضل والثواب والاجر العظيم. وهذا بخلاف العبيد تماليك فانهم جارون مجرى الاموال. وقيمهم مضبوطة معروفة. فالحكمة في تفاوتهم في الدية. كالحكمة في اتلاف بقية الاموال. فكما انه مركوز في فطر الناس الفرق بين الاموال النفيسة والدنية في الاتلافات. فمركوز في فطرهم الفرق بين العبد النفيس والعبد الدنيء هذا ظاهر ولله الحمد. ويدل على هذا المعنى ان الشارع ايضا قدر في الاعضاء والاطراف كل شيء بحسب منافعه. فما في البدن منه شيء شيء واحد ومنفعة واحدة اوجب فيه هدية كاملة. وما فيه جنس متعدد جعل الدية بحسب تعدده. وذلك مفصل وقد يجني عليه جناية واحدة تذهب عدة منافع فيكون عليه ديات بحسب تلك المنافع. مع انه اذا قتله واذهب جملة منافعه واطرافه فليس عليه الا دية واحدة والله اعلم. السؤال السابع والثمانون ما الحكمة في الحدود المرتبة على المعاصي؟ وفي مقدار منها الجواب وبالله نهتدي الى طريق الصواب. اما حكمة الباري في الحدود فاعظم من ان تذكر واشهر من ان تنكر. فان فيها من الردع عن معاصي والذنوب وانواع الظلم ما هو من ضرورات الخلق فضلا عن كمالياتهم. فلولا الحدود التي رتبها الله ورسوله على المعاصي لت الجناة وتزاحم على الشر العصاة. ولكان كل من ليس في قلبه من الايمان ما يردعه اذا قدر على شيء من المعاصي والظلم لم يحجزه عنه حاجز وهذا امر فطرت عليه الخليقة برها وفاجرها انه لابد من رادع يردع المتجرئين على الشر والظلم والفساد لكن المقادير التي جاءت بها الشريعة احسن الاحكام واعدلها واكفها للشرور. فان الشارع رتب على كل جريمة ما يناسبها من العقوبة ما كان القتل اشد العقوبات رتبه على اعظم المعاصي واكثرها ضررا وفسادا على الكفر بانواعه وعلى الزنا اذا تفاقمت شناعته بان يقع من حر قد انعم الله عليه بالنكاح الحلال. فاذا اقر على نفسه اربع مرات او شهد عليه اربعة رجال عدول. وصرحوا بحقيقة الوطء المحرم فانه يرجم بالحجارة حتى يموت. ليذوق كل عضو في بدنه من العقوبة ما ذاق من اللذة المحرمة. وليكون خزيا وفضيحة ورادعا لغيره عن جنايته. وكذلك قطاع الطريق المفسدون على الناس طرقهم بالقتل ونهب الاموال واخافة الخلق عظيم وشرهم متفاقم. قال تعالى انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا اذا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض. بعض العلماء جعل هذا هذا الحكم مخيرا فيه الامام بحسب ما يراه من المصلحة. وبعضهم رآه مرتبا على الجناية بحسبها. وهو الصحيح الموافق لعدل الله وحده فان قتل واخذ المال قتل وصلب وان اخذ المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى التي تبين انه استعان بها على قطع الطريق وان اخاف الناس فقط نفي وشرد من الارض اما باجلائه حتى لا يترك يأوي الى بلد الى ان تظهر توبته او بحبسه ومنعه من التصرف والجولان. واما السارق فلما كان اخف من قاطع الطريق من جهتين احداهما انه يسرق خفية من دون مجاهرة وغصب والثاني انه يمكنه التحرر منه بالتحفظ والتيقظ صار اخف من قاطع الطريق وصار حده ان تقطع يمينه ثم اذا قطعت رجله اليسرى اذا سرق من حرز النصاب. وهو ربع دينار او ثلاثة دراهم او ما يساوي ذلك. وثبت فعله بالاقرار او قم بشهادة رجلين عدلين فاذا اختل شرط من هذه القيود لم يقطع. واما اذا كان الزاني غير محصن وهو حر فانه يجلد مائة جلدة ذكرا كان او انثى ويغرب عاما عن وطنه ومألفه ليذوق الم الضرب والاغتراب كما ذاق اللذة المحرمة. واما القذف فانه انتهاك لعرض اخيه وتعريضه لاساءة الناس به الظنون ولا يمكن المقذوف تكذيبه وازالة ما لطخ به عرضه وصار حده وثمانين جلدة اعظم من الرمي بالكفر والنفاق والفسق ونحوهما. لعدم وصولهما من الضرر الى القذف بالزنا. فالقتل صيانة للاديان والابدان القطع في السرقة والمحاربة صيانة للاموال والضرب في القذف صيانة للاعراض. واما شرب الخمر فلما كان اخف من ذلك كله كله صار حده اربعين او ثمانين جلدة بحسب اختلاف الصحابة ومن بعدهم من العلماء وهوان في ضربه ليحصل الردع من غير ضرر كبير واما المعاصي الاخر التي لم يقدر فيها حدا معينا فشرع للولاة من تعذيرهم وتأديبهم ما يوجب انقماع من تجرأ على معصية والتزام من ترك واجبا وهذا يرجع الى الاجتهاد بحسب الجريمة والفاعل لها. والوقت الذي وقعت فيه. فلله تعالى من النعمة على الخلق عموما وعلى المؤمنين خصوصا في الزواجر والروادع الاخروية والدنيوية التي خوف بها العباد لان لا يكثر الفساد ويحصل الشقاء عذاب ما لا يعد ولا يحصى. السؤال الثامن والثمانون ما الامور التي يحكم على الانسان فيها بالردة ويخرج عن الاسلام. الجواب ابواب الله التوفيق قد كثر كلام اهل العلم في هذا الباب. وكثرت تفصيلاتهم وايراد انواع بل افراد من الاشياء المكفرة. وربما تركوا ما هو نظير تلك الافراد او اولى منها؟ والاولى في هذا الباب بل وفي غيره ان تذكر اجناس الاشياء والاصول التي ترجع اليها لاجل انه اذا ذكرت الاشياء تفصيلا كان التمثيلا لا حصرا. والمرجع الى الاصل الثابت بالكتاب والسنة والاجماع. فالكافر وهو ضد المسلم والمرتد وهو الذي كفر بعد اسلامه بقول او فعل او اعتقاد او شك. وحد الكفر الجامع لجميع اجناسه وانواعه وافراده وجحد ما جاء به الرسول او جحد بعضه. كما ان الايمان اعتقاد ما جاء به الرسول. والتزامه جملة وتفصيلا. فالايمان والكفر ضدان متى ثبت احدهما ثبوتا كاملا انتفى الاخر. وقد يكون مع الانسان من الايمان وفروعه ما يستحق به المدح والثواب ومعه من شعب الكفر والنفاق ما يستحق عليه الذم والعقاب. ومراد الفقهاء في الكلام على المرتد هو الذي لا يبقى معه من الايمان ثاني ما يحقن دمه فنقول الكفار نوعان. احدهما الكفار الذين لم يدخلوا في دين الاسلام ولا انتسبوا للايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم من اميين ومشركين واهل كتاب من يهود ونصارى ومجوس وعبدة اوثان على اختلاف انواعها ودهريين وفلاسفة صابئة وغيرهم من اصناف الكفار والمتحيزين عن دين الاسلام. فهؤلاء الجنس دل الكتاب والسنة في مواضع كثيرة جدا سماع المسلمين على كفرهم وشقائهم وخلودهم في نار جهنم وتحريم الجنة عليهم. لا فرق بين عالمهم وجاهلهم واميهم كتابيهم وعوامهم وخواصهم. وهذا امر معلوم بالضرورة من دين الاسلام. فهذا القسم ليس الكلام فيه انما الكلام في القسم الثاني الذين ينتسبون لدين الاسلام ويزعمون انهم مؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم يصدر منهم ما يناقض هذا الاصل يزعمون بقاءهم على دين الاسلام وانهم من اهله. فهؤلاء لتكفيرهم اسباب متعددة ترجع كلها الى تكذيب الله ورسوله وعدد من التزام دينه ولوازم ذلك فمنها الشرك بالله تعالى والشرك بالرسول. الشرك بالله اما شرك في الربوبية بان يعتقد احدا شريكا له في الملك او التدبير او الخلق لبعض المخلوقات او الرزق الاستقلالي. واما في الوهيته وعبادته بان يصرف نوعا من انواع العبادات لغير الله تعالى بان يدعو غير الله من انبياء واولياء او غيرهم او يسجد لغير الله او يذبح لغير الله او ينذر لغير الله اه او يعتقد ان احدا يستحق الالوهية والعبادة مع الله تعالى. او يجعل بينه وبين الله وسائط يتقرب اليهم ليقربوه الى الله كما هو شرك المشركين الذين اخبر الله عنهم في كتابه وامثلة هذا لا تحصى ولكن هذا اصله الذي يرجع اليه. والنوع الثالث من الشرك بالرسول وذلك انه لا يتم الايمان بالرسول حتى يعتقد انه رسول الله الى الانس والجن والعرب وغيرهم في اصول الدين وفروعه وفي جميع ابواب الدين. وانه خاتم النبيين لا نبي بعده. فمن اعتقد انه رسول الى الانس دون الجن او الى العرب دون غيرهم او في بعض مسائل الدين دون بعضها او في شرائع الدين دون حقائقه وباطنه. او ادعى لنفسه انه رسول الله او صدق من ادعها فكل كل هذه الامور وشبهها شرك بالرسول وكفر بالله. وتكذيب لله ولرسوله وخروج عن الدين. السبب الثاني من اسباب الكفر عدم الايمان بالكتاب والسنة. وذلك انه لا يؤمن عبد حتى يعتقد ان القرآن كلام الله صدق كله حق كله. ويلتزم حكمه وكذلك كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقد انه صدق كله وحق كله وواجب التزامه كله. فمن جحد القرآن او شيئا منه ولو اية او امتهنه او استهزأ به او ادعى انه مفترا او مختلق او ادعى فيه ما ادعاه زنادقة الملاحدة من اهل التوبة من الانبياء الذين نص الله عليهم او نص رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم او شيئا من كتب الله المذكورة في الكتاب والسنة فهو مكذب للقرآن والسنة بل طريقة المؤمنين الايمان بجميع كتب الله المنزلة على انبيائه. وبجميع انبيائه ورسله الى لا يفرقون بين احد من رسله وكتبه. ومن انكر البعث والجزاء والجنة والنار فهو مكذب للكتاب والسنة. ومن جحد وجوب الصلاة او وجوب الزكاة او الصيام او الحج فهو مكذب لله ورسوله ولكتاب الله وسنة نبيه واجماع المسلمين. وهو خارج من الدين باجماع المسلمين. ومن انكر حكما من احكام الكتاب والسنة ظاهرا مجمعا عليه اجماعا قطعيا. كمن ينكر حل الخبز الخبز والابل والبقر والغنم ونحوها مما هو ظاهر او ينكر تحريم الزنا او القذف او شرب الخمر فضلا عن الامور الكفرية والخصال الشركية فهو كافر مكذب لكتاب الله وسنة رسوله. متبع غير سبيل المؤمنين. وكذلك من جحد خبرا اخبر الله به صريحا او اخبر به الرسول وهو حديث صحيح صريح فهو كافر بالله ورسوله. وكذلك من شك في شيء من بعد ذلك بعد علمه به ومثله لا يجهل فهو كافر لانه تارك لما وجب عليه من الايمان. مكذب لكتاب الله وسنة رسوله. لكن هنا تقييد لابد منه وهو ان المتأوين من اهل القبلة الذين ضلوا واخطأوا في فهم ما جاء به الكتاب والسنة. مع ايمانهم بالرسول واعتقادهم صدقه في كل ما قال. وان ما قاله كله حق والتزموا ذلك لكنهم اخطأوا في بعض المسائل الخبرية او العملية فهؤلاء قد دل الكتاب والسنة على عدم خروج من الدين وعدم الحكم لهم باحكام الكافرين. واجمع الصحابة رضي الله عنهم والتابعون ومن بعدهم ائمة السلف على ذلك. ولنذكر لك امثلة لهذا الاصل وهو ان الخوارج الحرورية الذين خرجوا على امير المؤمنين علي ابن ابي طالب رضي الله عنه ومن معه من الصحابة والمسلمين فكفروهم واستحلوا دماءهم الثابتة بالكتاب والسنة والاجماع عصمتها واحترامها. فضللوهم واستباحوا قتالهم حيث خرجوا عليهم ولم يخرجوهم من دائرة الاسلام مع استحلالهم ما هو من ضرورات الدين. ولكن التأويل الذي قام بقلوبهم وظنوا انه مراد الله ورسوله منع الصحابة من الحكم عليهم بالكفر اتباعا لقوله تعالى ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا. قال الله قد فعلت وهذا عام في كل ما اخطأ فيه المؤمنون من الامور العملية والامور الخبرية. بل ابلغ من ذلك انهم يروون عنهم ويأخذون الاحاديث المتعلقة بالدين اذا تبين صدقهم مع ان مذهبهم غير تكفير المسلمين انكار الشفاعة في اهل الكبائر مع ثبوتها وتواترها ولكنهم مع عدم تكفيرهم لهم قد حكموا عليهم بالضلال والمروق من الشريعة ومخالفة المسلمين واستحلوا بل رأوه من افضل الاعمال المقربة منه لشدة ضررهم في عقيدتهم وسيفهم. وكذلك المعتزلة ونحوهم معروف معاملة الائمة لهم وانهم مع شدة انكارهم لبدعهم لم يخرجوهم من دائرة الاسلام. ويحكموا لهم باحكام الكافرين. مع ان بدعهم مشتملة على تكذيب بخصوص كثيرة من الكتاب والسنة ونفي صفات الله وعلوه على خلقه وما اشبه هذا من الاصول العظيمة التي قررها الكتاب والسنة. ومع مع انكارهم وتحريفهم ومعاملتهم لائمة اهل السنة تلك المعاملة القبيحة لم يكفروهم. مع انهم صرحوا ان مقالاتهم كفر كاملات على الكفر وذلك لاجل تأويلهم وجهلهم. وكذلك كثير ممن شاركهم في كثير من اصولهم كالاشعرية والمتريدية ونحوهم لهذا القول الفصل في امثال هؤلاء المبتدعة المخالفين لما ثبتت به النصوص الصريحة والصحيحة انهم في هذا الباب انواع. من كان منهم عارفا بان بدعته مخالفة للكتاب والسنة فتبعها ونبذ الكتاب والسنة وراء ظهره وشاق الله ورسوله من بعد ما تبين له الحق فهذا لا شك في تكفيره. ومن كان منهم راضيا ببدعته معرضا عن طلب الادلة الشرعية وطلب ما يجب عليه فيه من العلم الفارق بين الحق والباطل ناصرا لها رادا ما جاء به الكتاب والسنة مع جهله وضلاله واعتقاده انه على الحق حق فهذا ظالم فاسق بحسب تركه ما اوجب الله عليه وتجرؤه على ما حرم الله تعالى. ومنهم من هو دون ذلك. ومنهم من هو حريص على اتباع الحق واجتهد في ذلك ولم يتيسر له من يبين له ذلك فاقام على ما هو عليه ظانا انه صواب من قول غير متجرأ على اهل الحق بقوله ولا فعله فهذا ربما كان مغفورا له خطأه والله اعلم. والمقصود انه لابد من هذا الملحق في هذا المقام لانه وجد بعض التفاصيل التي كفر اهل العلم فيها من اتصف بها وثم اخر من جنسها لم يكفروه بها. والفرق بين الامرين ان التي جزموا بكفره بها لعدم التأويل المسوغ وعدم الشبهة المقيمة لبعض العذر التي فصلوا فيها القول لكثرة التأويلات الواقعة فيها. ومما يدخل في هذا الاصل الكفر بالملائكة والجن. فان الايمان بالملائكة احد اصول الايمان الست وهو في سور كثيرة من القرآن السنة مملوءة منه. فمن لم يؤمن بذلك لم يؤمن بالكتاب ولا بالسنة. وكذلك الجن ذكرهم الله في القرآن في عدة مواضع وذكر من تكليفهم وصفاتهم ما ذكره. فالكفر بهم كفر بالكتاب والسنة. وكذلك الاستهزاء بالقرآن او بالسنة او الدين فانه كفر وزيادة. فالكفر عدم الايمان سواء اعرض او عارض وهذا معارض. وكذلك من لم يكفر من دان بغير دين الاسلام من اي دين كان. او شك في كفرهم لمناقضته ذلك نصوص الكتاب والسنة. وكذلك من قذف عائشة فبما برأها الله منه او انكر صحبة ابي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم لتصريحه بتكذيب الكتاب. الحاصل ان من كذب الله او كذب رسوله في شيء مما اخبر به فهو كافر. او لم يلتزم ما امر الله به ورسوله. لان هذا كله مناقض للايمان بالقرآن السنة وكل ما ذكره الفقهاء من تفاصيل المكفرات الصحيحة فانه يعود الى هذا السبب. فالكفر حق الله ورسوله. فلا كافر الا من كفر سفره الله ورسوله فهو قد جحد ما جاء به الرسول او جحد بعضه. والله تعالى اعلم. السؤال التاسع والثمانون عما يحل يحرم من الاطعمة والاشربة. الجواب وبالله التوفيق الاصل في هذا قوله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ووصف شريعته تحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث. وهذا يتناول جميع الاشياء من مطاعم ومشارب وغيرها. فكل ما ليس بخبيث فهو طيب حلال. ولهذا ذكر الفقهاء هذا الاصل وبنوا عليه فقالوا يباح كل طعام طاهر لا مضرة فيه. فدخل فيه انواع الحبوب والثمار وهي اوسع الاصناف حلة ودخل فيه حيوانات البحر صيده الذي صيد حيا وطعامه ما مات فيه. والصحيح حل سموم حيوانات البحر وانه لا يستثنى منها شيء. كما هو القول الصحيح في مذهب الامام احمد لان نصوص الكتاب والسنة في حله عام حتى ان حله عام للمحل والمحرم. وتباح الانعام الثمانية والخيل وانواع الصيود والدجاج والطاووس ونحوها من جميع حيوانات ولا يحرم من الحيوانات البرية الا ما كان خبيثا وخبثه يعرف بامور. واحد اما ان ينص الشارع على عينه حمر الاهلية وعلى حده كما حرم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير. واما ان يكون خبثه معروفا اما عند العربي ذوي اليسار كما هو المشهور عند الاصحاب او لا عبرة بهذا الحد بل العبرة بخبثه بنفسه وذلك كالفأرة والحية والحشرات اربعة واما ان يأمر الشارع بقتله ويسميه فاسقة. خمسة او ينهى الشارع عن قتله. ستة او كان معروفا باكل الجيف النسر والرخم ونحوهما. سبعة او متولدا بين حلال وحرام كالبغل والسمع والعسبار. او يكون تحريمه عارضا بسبب تولد الخبائث في بدنه كالجلالة التي تتغذى بالنجاسة فانها تكون خبيثة اللحم واللبن والبيض وجميع ما تولد منها حتى تمنع اكل النجاسة وتأكل الطاهر ثلاثا. واما ان يكون محرما لضرره البدني كانواع السموم او محرما لضرره العقلي الخمر والحشيشة او محرما لان طيبه وحله شرطه الزكاة الشرعية فيموت حتف انفه. او يزكى في غير محل التزكية او بغير التي تحله او المزكي لا تباح تزكيته كالكافر غير الكتابي. او يزكى ويذكر عليه اسم غير الله. فهذه الاسباب كلها تجعله خبيثا محرما. وما لم يوجد فيه سبب الخبث فهو حلال. واعلم ان الخبث نوعان احدهما الخبيث لذاته كهذه الانواع المذكورة فهذا هو المحرم. والنوع الثاني الخبيث لرداءته او دنائته او رائحته. فهذا النوع لا يحرم انما يكره بعضه في بعض الاحوال. فالاول مثل قوله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون. فان المراد به الرديء وذلك لا يحرم اكله. والثاني مثل ما سمى النبي صلى الله عليه وسلم كسب الحجام خبيثا. لدناءة مكسبه ولو كان حراما لم يعطي الحجامة اجرة. والثالث كتسمية الثوم والبصل الشجرتين الخبيثتين. ولم يأكل منهما. وامر ان تقرب لبعض اصحابه ولو كان حراما يقر على اكلها والله اعلم. السؤال التسعون ما شروط الذكاة؟ الجواب المذكى نوعان مقدور عليه وغير مقدور عليه عليه كصيد ومعجوز عنه. والثاني اوسع من الاول كما يأتي. والشروط للزكاة والصيد بعضها في الذبائح والصائد. وهو ان كون عاقلا مسلما او كتابيا وان يقول بسم الله عند تحريك يده بالذبح عند رمي سلاحه وعند ارسال الجوارح في الصيد ان يكون قاصدا للفعل. وبعضها في الالة وهو ان تكون محددة تنهر بحدها لا بثقلها. ويدخل فيها كل الة لها حد او نفوس كالرصاص ونحوه الا انه يستثنى من هذا الظفر والسن. وكذلك جميع العظام على الصحيح كما هو احدى الروايتين. وكما دل على لديه الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم اما السن فعظم فعلله بانه عظم. فدل على ان جميع العظام لا يحل الذبح بها. ويشير تارك الصيد الذبح في الالة واشتراط التحديد والنفوذ. ويزيد عليه ان يكون ايضا بالجوارح المعلمة من الكلاب والفهود والصقر ونحويها مما يصيد بنابه ومخلبه ويشترط في هذه الالة ان تكون معلمة تسترسل اذا ارسلت وتنزجر اذا دعيت ولا تأكل من ان الصيد اذا كان كلبا. وبعض الاصحاب قال التعليم ما يعد بالعرف تعليما. وهو اقرب لظاهر الاية. ولسهولة الامر. وان يذكر اسم الله عند ارسالها. والحكمة في حل صيدها نبه الله عليها بقوله فكلوا مما امسكنا عليكم. فانها اذا كانت معلمة فانها بمنزلة سيادة النائب عن صاحبها ويصير قصدها المدلول عليه بالتعليم موجبا للحل. ومنها شرط متعلق بالمذبوح وهو ان يذبحه وفي فيه حياة مستقرة وان يكون الذبح في عنقه ويقطع حلقومه ومرئه فانقطع الاوداج فهو اكمل فان كان صيدا او معجوزا عنها فبان يجرحه في اي مكان من بدنه. فائدة تبين مما تقدم ان الحيوانات ثلاثة اقسام. قسم يحل ذكي او لم يزكى وذلك كحيوانات البحر والجراد. وقسم لا يحل زكي او لم يزك. وهي الحيوانات المحرم اكلها. والثالث باق الحيوانات المباحة تباح بالتزكية الشرعية وتحرم اذا لم توجد. السؤال الحادي والتسعون ما اليمين المحترمة التي فيها الكفارة بالحنث. الجواب وبالله التوفيق. حد اليمين والقصد بها تأكيد الامر المحلوف عليه بذكر معظم. ولما كان هذا موضوعها لم يصح الحالف الا بالله تعالى ولم يصح بالمخلوق. لانه يجب تخصيص الباري بالتعظيم. وان تعقد الامور باسمه وما في معناه والايمان التي يحلف بها الناس اقسام. احدها محرمة غير محترمة كالحالف بالمخلوقات والانبياء والكعبة ونحو ذلك. فهذا محرم بل شرك ولا تنعقد به اليمين ولا كفارة. لان الكفارة بالايمان المنعقدة. ولان القصد بها التكفير عن انتهاك الحرمة. وهذه لا حرمة لها من هذا الوجه. والثاني مشروعة منعقدة بالاجماع. وهي اليمين بالله على امر مستقبل قاصدا لعقدها. فهذا اذا فعل محلوفة على تركه او ترك المحلوف على فعله غير ناس ولا جاهل فعليه كفارة يمين. اما عتق رقبة او اطعام عشرة مساكين او كسوتهم فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام. والثالث يمين محرمة محترمة بالكتاب والسنة والاجماع وهي الظهار فانه مع تحريمه وانه منكر من القول وزور. فان يمينه فيه الكفارة عتق. فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فاطعام ستين مسكينا. الرابع يمين محرمة وهي محترمة على المذهب وهي وهو الصحيح. ويدخل فيه ان يحرم فالانسان على نفسه طيبا من سرية او طعام او شراب مباح او لباس فانه يحرم عليه ان يحرم ذلك كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم. ثم ذكر بعده الكفارة وهي محترمة فيها الكفارة هذه اليمين وان لم تكن بسم الله تعالى فانها تضمنت الزام نفسه بتحريم ما احل الله عليه من المباحات. فكأنه عقدها بالله ونظير ذلك اذا قال ان فعل كذا فهو يهودي او نصراني ونحوه فانه محرم جدا. ومع ذلك فاذا حنث فعليه كفارة يمين وقيل لا كفارة في هذا والله اعلم. الخامس ايمان الطلاق التي بصورة التعاليق. وهي ايمان يقصد بها الحث على فعل او على ترك او التصديق او التكذيب. فالاصحاب اجروها مجرى التعاليق المحضة. حيث وجدت وقع الطلاق المعلق بها. وهو المفتى به في المذاهب الاربعة وشيخ الاسلام ابن تيمية وطائفة من اهل العلم ادخلوها في عموم الايمان. لان عقدها عقد الايمان. القصد بها ما يقصد به الايمان اجعلوا فيها اذا حنث كفارة يمين لا وقوع طلاق. وقد نصر هذا المذهب شيخ الاسلام في كثير مما كتبه وقررها ورد حجج من خالف فيها. السادس نذر اليمين وهو نذر اللجاج والغضب. فهذا النوع لا يختلف المذهب انه جار مجرى اليمين فيه الكفارة كفارة اليمين. وكل الايمان المنعقدة لكفارة فيها الا بالحنث. والحنث قد يكون مأمورا به اذا حلف على ترك البر والتقوى والاصلاح بين الناس. وقد يكون منهيا عنه اذا حلف على فعل هذه الاشياء. وقد يكون مباحا في المباحات. السؤال الثاني وتسعون ما الفرق بين اليمين والنذر؟ الجواب القصد باليمين والنذر تأكيد الامر المعقود عليه الحلف والنذر ولكن بينهما احدها ان النذر التزام جازم لله تعالى. فيلتزم النادر طاعة لله قاصدا به التقرب من ربه والوصول الى واليمين عقدها بالله وباسمه وقصد بها مجرد تأكيدها حلفا على فعله او على تركه. فالنذر عقده لله واليمين عقدها بالله الثاني ان النذر الشرعي لابد من فعله سواء اطلقه او علقه على حصول شيء فحصل او زوال مكروه فزال فلا فيه كفارة ولا غيرها. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من نذر ان يطيع الله فليطعه. ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصيه وهو في الصحيح. واما اليمين فتحله الكفارة. ولهذا سماها الله تحله. فقال قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم. الثالث انعقد الحالف غير منهي عنه. بل قد يكون واجبا او مسنونا بحسب اسبابه. واما عقد النذر فانه مكروه قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال انه لا يأتي بخير وانما يستخرج به من البخيل. الرابع ان الوفاء بالنذر محمود بل واجب والوفاء وبموجب اليمين فيه تفصيل تقدمت الاشارة اليه. وبهذين الوجهين علم ان النذر من غرائب العلم حيث كان عقده منهيا عنه ووفاؤه محمودا مأمورا به. والقاعدة في جميع الامور ان الوسائل لها احكام المقاصد الا هذه المسألة. السؤال الثالث والتسعون ما المرجع في ايمان الحالفين؟ الجواب الاصل في مرجع الايمان الى النية والقصد. فمتى عرف قصد الحالف بيمينه؟ تعلقت يمينه بما قصده واراده فقدم على كل شيء فيقدم على موجبات الالفاظ وعلى الاسباب. ولهذا تقع في اليمين التورية والتعريض لغير ظالم فيقصد شيئا ويفهم السامع شيئا اخر. فاذا عدمت النية او نسيت او تعذر الوصول اليها الى اقرب ما يدل عليها فيرجع دعوا الى السبب الذي هيج اليمين وحمل الحالف على حلفه ثم الى مدلول لفظه وذلك يختلف باختلاف الاحوال كلها. والحاصل انه قالوا ماذا اراد بحلفه ثم اقوى دليل يدل على ارادته والله اعلم. اسئلة في الاقضية والشهادات. السؤال الرابع تسعون ما الفرق بين القاضي والمفتي وما شروط كل منهما؟ الجواب الفرق بينهما ان القاضي يبين الحكم الشرعي ويلزم به والمفتي يبينه فقط. والفرق الثاني ان المفتي اوسع دائرة من القاضي بانه يفتي في الامور المتنازع فيها وغيرها القاضي لا يتعلق قضاؤه الا بالمسائل المتنازع فيها بين الناس. في بين الحكم الشرعي فيفصل به نزاعهم. وايضا المفتي افتي على وجه العموم. القاضي يحل القضية المعينة المترافع فيها اليه. وترتب على هذا انه لا يحكم القاضي لنفسه ولا لمن لا تقبل شهادته له ولا على من لا تقبل شهادته عليه. والمفتي بخلاف ذلك كله. ومن الفروق ان القاضي اشترطوا فيه عشر صفات والمفتي انما اشترطوا له العلم بما يفتي به. مع ان الشروط التي ذكروا في القاضي كثيرا ما يتعذر اجتماعها. ولذلك قال الشيخ تقي الدين ان هذه الشروط تعتبر حسب الامكان والقدرة. وعماد الشروط التي تشترط في القاضي والمفتي العلم وهو اصل لحل في القضاء والفتوى واشتراط الاجتهاد في القضاء ثم ذكرهم تلك الصفات التي تشترط في المجتهد فيها نظر فان العلم الذي يصلح به الانسان للفتوى هو الذي يشترط للقضاء. وحد العلم الشرعي هو معرفة الهدى بدليله. والعلم الذي يحتاج اليه نوعان مجمع عليه بين العلماء وهو اغلب مسائل الدين والاحكام. فهذا يكفي فيه التصور التام لمسائله مع ادنى التفات الى ادلته او بعضها. لانه بذلك سيحصل له العلم الاستدلالي. والنوع الثاني المسائل المختلف فيها. فهذه اذا تصورها ذلك التصور التام وعرف ادلتها من يبين واجوبة كل من المتنازعين. فان كان يحسن الاستدلال بان كان له نوع ملكة في معرفة اصول الفقه. وكيفية الاستدلال بالادلة التي ومراتبها تمكن بذلك من معرفة الراجح من المرجوح بحسب ما عنده من الفطنة والفهم فبذلك يصلح للفتية والقضاء يحتاج المفتي والقاضي احوج منه الى معرفة احوال الناس ومقاصدهم بالفاظهم واصطلاحاتهم وعرفهم وتمييز صادقهم من كاذبهم فانه اعظم عون على النهوض بوظيفته ولابد للقاضي من سلوك طريق العدل ولا يتمكن من العدل الا بمعرفة الحقوق الثابتة المنفية ولا يمكنه ذلك الا بسلوك الشرعي. واعظم كليات الشريعة في هذا الباب انه حكم بان من ادعى حقا من الحقوق التي لم يتقرر ثبوتها او ادعى الخروج من حق كان ثابتا. انه لا يثبت ذلك بمجرد دعواه حتى يأتي بالبينة الشرعية المثلى للحق او الناقلة له. فان لم يأت بذلك فاليمين على من انكر ثبوت من؟ فاليمين على من انكر ثبوت ما ادعى به او نفي ما ادعى بنفيه بعد الثبوت ومن الكليات النظر في قرائن الدعاوى والمدعين والمدعى عليهم وشواهد الاحوال التي تعينه على فهم القضية القضية في القضية المعينة والبحث عن احوال الشهود وعدالتهم. اذا كان الشيء مهم وحصلت الريبة من الشهادة فما احسن الاستعانة تحقق ما شهدوا به ان يستعيدهم صفة ما شهدوا به. وان يفرقهم عند امكان ذلك. ويسأل كلا عن انفراده كيف شهد. واين اي حال ولا يفعل ذلك الا عند الحاجة اليه ولا يشدد في تعنت الشهود ويحضر مجلسه الفقهاء واهل العلم والعقل ويشاورهم وحاجته الى التأني واستيراد كلام كل واحد من الخصمين. وان يبدي كل جميع ما عنده اعظم من حاجة غيره. لان الخطر وكل يدعي ان الحق له. السؤال الخامس والتسعون ما الطريق الى التخلص من شركة الشريك؟ الجواب لا يخلو المشترك اما ليكون وقفا او ملكا. فان كان وقفا فله طريقان مؤقتان. احدهما ان يتهايا ويتناوبا الانتفاع بالموقوف. كل على حد حسب استحقاقه زمانا مقدرا. الثاني ان يؤجراه بينهما لاجنبي او لاحدهما. ويقتسم الاجرة على قدر الاستحقاق. وثمة طريق ثالث وهو المهايات بالامكان بان يقتسم الدار ونحوها. وكل ينتفع بما صار اليه وهي باقية على شركة الوقف امد مضت هذه المهايات عادت الى حالها. النوع الثاني الاملاك غير الوقف والطرق المخلصة لضرر الشركة اكثر من الاوقاف ما يجري في الاوقاف من الطرق الثلاثة تجري في الاملاك عند التراضي منهما. ان شاء او هايا بالزمن او بالمكان والملك على وله طريق رابع وهو ان يبيع برضاهما وهو ان يبيعا برضاهما مطلقا. سواء في قسمته ضرر او رد عوض ام لا فاذا تراضيا على بيعه في جميع الاملاك فهي اوسع طريق لازالة الضرر. واذا باع اما ان يشتري احدهما او اجنبي اتسم الثمن على قدر الاملاك. وقد يجبر الممتنع منهما على البيع. وذلك اذا كان في القسمة ضرر او رد عوض. فاذا طلب احدهما بيع فيها بيع المشترك. الطريق الخامس القسمة وهي ايضا نوعان. نوع يتراضيان عليه. فعند التراضي ولو فيما فيه رد عوض وقيل حتى مع الضرر اذا رضي من عليه الضرر لان الحق له فاذا رضي به جاز وان لم يتراضيا على القسمة بان امتنع احدهم فان كان لا ضرر على واحد ولا رد عوض من احدهما على الاخر اجبر الممتنع. وقدم قوله على قول من يريد ابقاء الشركة او يريد البيع او التأجير وان كان فيها ضرر او رد عوض لم يجبر الممتنع. هذا تفصيل القول في القسمة. السؤال السادس تسعون ما حكم الشهادة وصفة الشاهد؟ وباي شيء يشهد؟ وعدد الشهود؟ الجواب اما حكم الشهادة تحملا واداء فانها فرض كفاية وتتعين على من لا يوجد وقت الحاجة الى الشهادة غيره ولا ضرر عليه. وتتعين على من تحملها. وهذا في حقوق الادميين واما في حقوق الله تعالى ففيها تفصيل. واما صفة الشاهد فان يكون مسلما عدلا ظاهرا وباطنا مكلفا ناطقا غير معروف بكثرة غلط ولا سهو غير والد للمشهود له ولا ولد ولا زوج ولا زوجة ولا شريك ولا يجلب بشهادته له نفعا ليدفع بها عنه ضررا ولا عدو لمن شهد عليه. واما ما يشهد به فلا يشهد الا بما يعلمه برؤية او سماع من المشهود عليه او من الاستفاضة فيما يقبل فيه بالاستفاضة. واما عدد الشهود فيتفاوت المشهود عليه بحسب تقدير الشارع. فمن الاشياء ما لا فيه الا اربعة رجال عدول كالزنا. ومنها ما لا يقبل فيه الا ثلاثة. فدعوى الاعسار لمن عرف بغنى ليأخذ من الزكاة ومنها ما لابد فيه من شاهدين عدلين رجلين كبقية الحدود والقصاص والطلاق والنكاح والرجعة ونحوها. ومنها ما يقبل فيه رجلان او رجل وامرأتان او رجل ويمين المدعي وذلك كالمال وما يقصد به المال. ومنها ما يقبل فيه شهادة امرأة واحدة. كالرضاع والحمل وما لا يطلع عليه الرجال غالبا. ومنها ما بينته ايمان المدعين وحلفهم على وجه المبالغة. وهي القسامة على دعوى القتل اذا حصل لوث وقرينة حلف المدعون على القاتل خمسين يمينا. وثبت موجب القتل. ومنها ما بينته دعوة المدعي قولوا المدعى عليه على اليمين في الحقوق المالية. ومنها ما بينته مجرد الوصف كاللقطة والاموال التي لا يدعيها من هي في يده منها ما بينته القافة في تنازع الولد. ومنها ما بينته وضع اليد واتصال الشيء بملك الاخر. وانواع البينات وهي المرجحات كثيرة السؤال السابع والتسعون اذا حكم الحاكم ما الذي يتعلق بحكمه؟ الجواب اذا حكم الحاكم بطريق الحكم الشرعي ترتب على حكمه امور مهمة. منها وهو المقصود الاعظم قطع الخصام. وثبوت الحق لمن حكم له به. ثبوت الحق على من حكم به عليه منها انه كما يقطع النزاع فانه يرفع الخلاف. فمتى حكم في قضية مختلف فيها رفع الخلاف. ولم يبقى في حكمه تعلق ولا معارضة ومنها ان حكمه محترم فلا ينقض حكم الحاكم الاهل حتى ولو تغير اجتهاده فلا ينقضه هو ولا ينقضه غيره ولا المدعي او المدعى عليه الدعوة لحاكم اخر فانه لولا هذا الحكم لم يثبت حكم. ولتلاعبت ايدي الشهوات بحسب الاوقات باحكام للحكام ولكثر النزاع وانتشر من حيث قصد حسمه بالحكم. ولهذا لو رجع الشهود عن شهادتهم المبني عليها الحكم لم ينقض رجع الغارم على الشهود الراجعين الا اذا خالف الحكم نص كتاب الله ونص سنة رسوله او اجماعا فهذا يتعين نقضه. ومنها انه اذا حكم الحاكم بقضية نفذها الحاكم الاخر سواء كان قريبا او بعيدا. السؤال الثامن والتسعون متى تصح الشهادة على الشهادة؟ الجواب عند تعذر شهود الاصل بموت او غيبة او عجز او خوف او غير ذلك من الاسباب فالشهادة على الشهادة بمنزلة التيمم مع طهارة الماء عند الحاجة والاضطرار. وهذا من اعظم فوائد الشهادة على الشهادة انه يحتاج الى حفظ الحقوق. وقد يتعذر شهود الاصل الذين يثبت الحق بشهادتهم فاحتيج الى شهود الفرع والله اعلم. السؤال التاسع والتسعون ما حكم الاقرار باي شيء يحصل؟ الجواب حكم الاقرار اذا حصل من مكلف مختار انه يثبت عليه ما اقر به. ولا عذر لمن اقر وهو من اقوى ولو ادعى بعد ذلك غلطا او نسيانا لم يقبل قوله. واما ما يحصل به الاقرار فقد ذكر الاصحاب رحمهم الله الفاظا كثيرة بما يحصل به الاقرار. كما ذكروا الفاظا كثيرة في ابواب متعددة. ويرتبون عليها من الاحكام ما يناسبها. واعلم ان المقصود من الفاضي ما دلت عليه من المعاني وان المدار في الحكم انما هو على المعنى المفهوم من اللفظ. وعلى هذا فلا ينبغي حصر الالفاظ الدالة على بالفاظ مخصوصة. بل يقال كل لفظ دل على هذا المعنى ترتب عليه الحكم. فكل لفظ دل على عقد بيع او ايجارة او ونحويها من المعاوضات انعقد به. وكل لفظ دل على وقف او وصية او خلع او طلاق او رجعة حصل به. وكل لفظ دل على اعتراف الانسان بحق عليه انعقد به. هذا اخر ما يسر الله اتمامه. وقد حوى من فضل الله وكرمه مع اختصاره ووضوحه اما المهمات من الفقه في الدين في ابواب العبادات والمعاملات والمشاركات والتبرعات والمواريث والانكحة وتوابعها والجنايات وتوابعها والاقضية وتوابعها. مع التنبيه على وجه الحكم والاسرار التي شرعت الاحكام لاجلها وانبنت عليها. وفيه من الاصول الضوابط وجمع المتفرقات في موضع واحد. وردها الى قاعدة جامعة ما يهيئ طالب العلم الى الارتقاء الى اعلى درجاته من طريق مختصر سهل ولله الحمد والمنة والفضل وهو الذي يسره وسهله وما توفيقي الا بالله عليه توكلت اليه انيب وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. فرغت من كتابته في السابع عشر من رمضان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة والف من الهجرة على يد جامعه عبدالرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر السعدي غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين امين