المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله النور الهادي الرشيد النور من اوصافه تعالى على نوعين نور حسي وهو ما اتصف به من النور العظيم الذي لو كشف الحجاب عن وجهه لاحرقت سبحات وجهه ونور جلاله ما انتهى اليه بصره من خلقه وهذا النور لا يمكن التعبير عنه الا بمثل هذه العبارة النبوية المؤدية للمعنى العظيم وانه لا تطيق المخلوقات كلها الثبوت لنور وجهه لو تبدى لها ولولا ان اهل دار القرار يعطيهم الرب حياة كاملة ويعينهم على ذلك لما تمكنوا من رؤية الرب العظيم وجميع الانوار في السماوات العلوية كلها من نوره بل نور جنات النعيم التي عرضها السماوات والارض وسعتها لا يعلمها الا الله من نوره فنور العرش والكرسي والجنات من نوره فضلا عن نور الشمس والقمر والكواكب والنوع الثاني نوره المعنوي وهو النور الذي نور قلوب انبيائه واصفيائه واوليائه وملائكته من انوار معرفته وانوار محبته فان لمعرفته في قلوب اوليائه المؤمنين انوارا بحسب ما عرفوه من نعوت جلاله وما اعتقدوه من صفات جماله فكل وصف من اوصافه له تأثير في قلوبهم فان معرفة المولى اعظم المعارف كلها والعلم به اجل العلوم والعلم النافع كله انوار في القلوب فكيف بهذا العلم الذي هو افضل العلوم واجلها واصلها واساسها فكيف اذا انضم الى هذا نور محبته والانابة اليه فهنالك تمتلئ اقطار القلب وجهاته من الانوار المتنوعة وفنون اللذات المتشابهة في الحسن والنعيم فمعاني العظمة والكبرياء والجلال والمجد تملأ قلوبهم من انوار الهيبة والتعظيم والاجلال والتكبير ومعاني الجمال والبر والاكرام تملؤها من انوار المحبة والود والشوق ومعاني الرحمة والرأفة والجود واللطف تملأ قلوبهم من انوار الحب النامي على الاحسان وانوار الشكر والحمد بانواعه والثناء ومعاني الالوهية تملؤها من انوار التعبد وضياء التقرب وسناء التحبب واسرار التودد وحرية التعلق التام بالله رغبة ورهبة وطلبا وانابة وانصراف القلب عن تعلقه بالاغيار كلها ومعاني العلم والاحاطة والشهادة والقرب الخاص تملأ قلوبهم من انوار مراقبته وتوصلهم الى مقام الاحسان الذي هو اعلى المقامات كلها ان تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك فكل معنى ونعت من نعوت الرب يكفي في امتلاء القلب من نوره فكيف اذا تنوعت وتواردت على القلوب الطاهرة الزكية الذكية وهنا يصدق على هذه القلوب القدسية انطباق هذا المثل عليها وهو قوله مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كانها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء الاية وهذا النور المضروب هو نور الايمان بالله وبصفاته واياته مثله في قلوب المؤمنين مثل هذا النور الذي جمع جميع الاوصاف التي فيها زيادة النور وهو اعظم مثل يعرفه العباد وقد دعا صلى الله عليه وسلم لحصول هذا النور فقال اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا اللهم اجعلني نورا ومتى امتلأ القلب من هذا النور فاض على الوجه فاستنار الوجه وانقادت الجوارح بالطاعة راغبة وهذا النور الذي يكون في القلب هو الذي يمنع العبد من ارتكاب الفواحش كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن فاخبر ان وقوع هذه الكبائر لا يكون ولا يقع مع وجود الايمان ونوره والهادي الرشيد من اسمائه الحسنى هما بمعنى النور بهذا المعنى فالله يهدي ويرشد عباده الى مصالح دينهم ودنياهم ويعلمهم ما لا يعلمون ويهديهم هداية التوفيق والتسديد ويلهمهم التقوى ويجعل قلوبهم منيبة اليه منقادة لامره فالله خلق المخلوقات فهداها الهداية العامة لمصالحها وجعلها مهيئة لما خلقت له وهدى هداية البيان فانزل الكتب وارسل الرسل وشرع الشرائع والاحكام والحلال والحرام وبين اصول الدين وفروعه وعلوم الظاهر والباطن وعلوم الاولين والاخرين وهدى وبين الصراط المستقيم الموصل الى رضوانه وثوابه ووضح الطرق الاخرى ليحذرها العباد وهدى عباده المؤمنين هداية التوفيق للايمان والطاعة وهداهم الى منازلهم في الجنة كما هداهم في الدنيا الى سلوك اسبابها وطرقها ولهذا يقول اهل الجنة حين تتم عليهم نعمة الهداية الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله وقال تعالى من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فاولئك هم الخاسرون والهداية المطلقة التامة هي الهداية التي يسألها المؤمنون ربهم في قوله اهدنا الصراط المستقيم اي اهدنا اليه واهدنا فيه وفي قول الداعي اللهم اهدنا فيمن هديت وللرشيد معنى اخر بمعنى الحكيم فهو الرشيد في اقواله وافعاله وهو على صراط مستقيم فيما يشرعه لعباده من الشرائع التي هي رشد وحكمة وفيما يخلقه من المخلوقات ويقدره من الكائنات الجميع رشد وحكمة لا عبث فيها ولا شيء مخالف للحكمة