المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله قصة عيسى وامه وزكريا ويحيى عليهم السلام. كانت زوجة عمران وهو من اكابر بني اسرائيل ورؤسائهم وذوي المقامات العالية عندهم نظرت حين ظهر حملها ان تحرر ما في بطنها لبيت المقدس. يكون خادما لبيت الله معدا لعبادة الله. ظنا ان الذي في بطنها فلما وضعتها قالت معتذرة الى الله شاكية اليه الحال. ربي اني وضعتها انثى والله اعلم بما وضعت. وليس الذكر كالانثى اي ان الذكر الذي له القوة والقدرة على ما يراد منه من القيام بخدمة بيت المقدس. واني سميتها مريم واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. فحصنتها بالله من عدوها هي وذريتها. وكان هذا اول حفظ وحماية من الله لها. ولهذا استجاب الله لها في هذه الدنيا. فتقبلها يا رب بقبول حسن اي ان الله اي ان الله جبر امها وصار لها عند ربها من القبول اعظم مما للذكور. وانبتها نباتا حسنا وكفلها فجمع الله لها بين التربية الجسدية والتربية الروحية. حيث قدر ان يكون كافلها اعظم انبياء بني اسرائيل في ذلك الوقت. فان امها لما فجاءت بها لاهل بيت المقدس تنازعوا ايهم يكفلها؟ لانها ابنة رئيسهم فاقترعوا والقوا اقلامهم. فاصابت القرعة زكريا رحمة به مريم فكفلها احسن كفالة واعانه على كفالتها بكرامة عظيمة منه. فكانت قد نشأت نشأة الصالحات الصديقات وعكفت على ربها ولزمت محرابها. فكان زكريا كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا. قال يا مريم انى لك هذا؟ فانه ليس لك كافل غير زكريا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب. اي رزقه تعالى يأتي بطرق معهودة وبطرق اخرى والله على كل شيء قدير. فحين رأى هذه الحالة تذكره ذلك لطف ربه ورجاه الى رحمته. فدعا الله ان يهب له ولدا يرثه علمه ونبوته ويقوم بعده في بني اسرائيل في تعليمهم وهدايتهم فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرك يحيى مصدقا بكلمة من الله اي بعيسى صلى الله عليه وسلم وسيده حصورا وسيدا اي عظيما عند الله وعند الخلق بما جبله الله عليه من الاخلاق الحميدة والعلوم العظيمة والاعمال الصالحة وحصورا اي ممنوعا بعصمة الله وحفظه ووقايته من مواقعة المعاصي وصفه الله بالتوفيق لجميع الخيرات والحماية من السيئات والزلات. وهذا غاية كمال العبد. فتعجب زكريا من ذلك وقال انى يكون غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا. قال كذلك قال ربك هو علي هين. وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا وهذا اعجب من حملها وهي عاقر على كبرك فمن فرحه ورغبته العظيمة في طمأنينة قلبه قال رب اجعل لي اية تدلني على وجود الولد. قال اياتك الا تكلم الناس ثلاثة ايام الا لا رمز واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار. وهي اية كبرى يمنع من الكلام الذي هو اسهل ما يقدر عليه الانسان. وهو سوي فلا ايقدر ان يكلم احدا الا بالاشارة. ومع ذلك لسانه منطلق بذكر الله وتسبيحه وتحميده. فحينئذ تمت له البشارة من الله وعرف انه لابد ان يكون فولدت زوجته يحيى وانشأه الله نشأة عجيبة فتعلم وهو صغير ومهر في العلم وهو صغير ولهذا قال واتيناه الحكم صبيا. حتى قيل ان الله ايضا نبأه وهو صغير. وكما اعطاه الله العلم العظيم فقد من عليه باكمل الصفات قال وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا. وسلام عليه يوم ولد ثم يموت ويوم يبعث حيا. ومضمون هذا وصفه بالقيام بحقوق الله وحقوق والديه. وحقوق الخلق وان الله سيحسن له العواقب في احواله كلها. واما مريم فانها انتبذت من اهلها مكانا شرقيا متجردة لعبادة ربها. فاتخذت من دونهم حجابا لئلا يشغلها احد عما هي بصدده ارسل الله لها الروح الامينة جبريل في صورة بشر سوي من اكمل الرجال واجملهم. فظنت انه يريدها بسوء فقالت اني بالرحمن منك ان كنت تقيا. فتوسلت بالله في حفظها وحمايتها. وذكرته وجوب التقوى على كل مسلم يخشى الله. فكان هذا الورع العظيم منها في هذه الحالة التي يخشى منها الوقوع في الفتنة. ورفع الله بذلك مقامها ونعتها بالعفة الكاملة. وانها احصنت فرجها. فقال لها جبريل انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا. قالت انى يكون لي غلام ولم يمسسنى بشر ولم اك بغيا؟ قال كذلك قال هو علي هين ولنجعله اية للناس ورحمة منا به وبك وبالناس. وكان امرا مقضيا. فلا تعجبي مما وقضاه. فحملته فانتبذت به اي ابتعدت به عن الناس. مكانا قصيا خشية الاتهام والاذية منهم. فاجائها اي مخاض اي الطلق الى جذع النخلة. قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا. لما تعرفه مما هي متعرضة له من ناس وانهم لا يصدقونها ولم تدري ما الله صانع لها. فناداها الملك من تحتها وكانت في مكان مرتفع. واويناهما الى ربوة قرار ومعين الا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا. اي نهرا جاريا وهزي اليك بجذع النخلة من دون ان تحوجك الى صعود اي طريا ناضجة فكلي من الرطب واشربي من السري وقري عينا بولادة عيسى وليذهب روعك وخوفك فاما ان من البشر احدا فقولي اني نذرت للرحمن صوما اي سكوتا. وكان معهودا عندهم انهم يتعبدون بالصمت في جميع النهار. ولهذا بقوله فلن اكلم اليوم انسيا. فاطمئن قلبها وزال عنها ما كانت تجد. ثم لما تعالت من نفاسها واصلحت من شأنها وقويت بعد الولادة فاتت به قومها تحمله علنا غير هائبة ولا مبالية. فلما رآه قومها وقد علموا انه لا زوج لها جزموا انه من وجهه ان اخر فقالوا يا مريم لقد جئت شيئا ثريا. يا اخت هارون ما كان ابوك امرأ سوء وما كانت امك بغيا. فاشارت اليه كما امرت بذلك فقالوا منكرين عليها مقالتها لهم كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟ فقال وهو في تلك الحال له ايام يسيرة بعد ولادته اني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا اينما كنت واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام علي يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا. فكان هذا منه في هذه الحال من ايات الله وادلة رسالته وانه عبد الله لا كما يزعمه النصارى وحصل لامه البراءة العظيمة مما يظن بها من السوء. لانها لو اتت بالف شاهد على البراءة وهي على هذه الحال ما صدقها الناس. ولكن هذا الكلام من عيسى وهو في المهد جل كل ريب يقع في القلوب فانقسم الناس فيه بعد هذا ثلاثة اقسام. قسم امنوا به وصدقوه في كلامه هذا. وفي الانقياد له بعد النبوة هم المؤمنون حقيقة وقسم غلوا فيه وهم النصارى. وقالوا فيه المقالات المعروفة ونزلوه منزلة الرب. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا وقسم كفروا به وجفوه وهم اليهود. ورموا امه بما برأها الله منه. ولهذا قال تعالى فاختلف الاحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم. ولما ارسله الله الى بني اسرائيل امن به من امن وكفر به من كفر. وجعل الا يريهم الايات والعجائب؟ فكان يصور الطين فينفخ فيه فيكون طيرا باذن الله. ويبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى باذن الله وينبئهم عن كثير مما يأكلون ويدخرون في بيوتهم. ومع هذا فتكالبت عليه اعداؤه وارادوا قتله. فالقى الله شبهة على واحد من الحواريين اصحابه او من غيرهم ورفعه الله اليه وطهره من قتلهم. فاخذوا شبيهه فقتلوه وصلبوه وباءوا بالاثم العظيم يرمي الجسيم وصدقهم النصارى انهم قتلوه وصلبوه ونزهه الله في هذه الحالة فقال وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم. وقد قام عيسى في بني اسرائيل فبشر واعلن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. فلما جاءهم محمد الذي يعرفونه كما يعرفون ابناءهم قالوا هذا سحر مبين. كما قالوا في عيسى ان هذا الا سحر مبين. وفي هذه القصة من الفوائد امور. منها ان نذر ما زال مشروعا في الامم السابقة. والنبي صلى الله عليه وسلم قال فيه كلمة جامعة للصحيح النافذ منه والباطل فقال من نذر ان يطيع الله طه فليطعه. ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصه. ومنها ان من نعمة الله على العبد ان يكون في كفالة الصالحين الاخيار. فان المربي والكافل له الاثر العظيم في حياة المكفول واخلاقه وادابه لهذا امر الله المربين بالتربية الطيبة المشتملة على الحث على الاخلاق الجميلة والترهيب من مساوئ الاخلاق ومنها اثبات كرامات الاولياء فان الله كرم مريم بامور يسر لها ان تكون في كفالة زكريا بعدما حصل الخصام في شأنها. واكرمها بان كان رزقها يأتيها من الله بلا سبب اكرمها بوجود عيسى وولادتها اياه. وبخطاب الملك لها بما يطمئن قلبها. ثم بكلامه في المهد. فهذه الاخيرة جمعت كرامة ولي معجزة نبي. ومنها الايات العظيمة التي اجراها الله على يد عيسى ابن مريم. من احياء الموتى وابراء الاكمه والابرص ونحوهما. ومنها ما اكرم الله به عيسى بان جعل له حواريين وانصارا في حياته وبعد مماته في بث دعوته والنصر لدينه. ولذلك كثر تابعوه ولكن منهم المستقيم هو الذي امن به حقيقة وامن بجميع الرسل. ومنهم المنحرف وهم الذين غلوا فيه. وهم جمهور من يدعي انهم من اتباعه. وهم ابعد الناس عن ومنها ان الله اثنى على مريم بالكمال بالصديقية وانها صدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانطين. وهذا وصف لها بالعلم الراسخ والعبادة الدائمة والخشوع لله. وانه اصطفاها وفضلها على نساء العالمين. ومنها ان اخبار النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة وغيرها مفصلة مطابقة للحقيقة من ادلة رسالته وايات نبوته لقوله ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك