المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم الظاهر ان المقسم به هو المقسم عليه. وذلك جائز مستعمل بل اذا كان امرا ظاهرا مهما وهو كذلك في هذا الموضع. فاقسم تعالى بالفجر الذي هو اخر الليل ومقدمة النهار لما في ادبار الليل واقبال النهار من الايات الدالة على كمال قدرة الله تعالى. وانه وحده المدبر لجميع الامور الذي لا تنبغي العبادة الاله. ويقع في الفجر صلاة فاضلة معظمة. يحسن ان يقسم الله بها. ولهذا اقسم بعده بالليل ليالي العشر وهي على الصحيح ليالي عشر رمضان او عشر ذي الحجة. فانها ليال مشتملة على ايام فاضلة. ويقع فيها ما من العبادات والقربات ما لا يقع في غيرها. وفي ليالي عشر رمضان ليلة القدر التي هي خير من الف شهر. وفي في نهارها صيام اخر رمضان الذي هو ركن من اركان الاسلام. وفي ايام عشر ذي الحجة الوقوف بعرفة الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان. فما رؤي الشيطان احقر ولا ادحر منه في يوم عرفة. لما يرى من تنزل والرحمة من الله لعباده. ويقع فيها كثير من افعال الحج والعمرة. وهذه اشياء معظمة. مستحقة لان يقسم الله بها والليل اذا يسر. اي وقت سريانه وارخائه ظلامه على العباد. فيسكنون ويستريحون ويطمئنون. رحمة منه تعالى وحكمة. هل في ذلك المذكور قسم لذي حجر؟ اي لذي عقل نعم بعض ذلك يكفي لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد يقول تعالى الم تر بقلبك وبصيرتك كيف فعل بهذه الامم الطاغية وهي ايران القبيلة المعروفة في اليمن ذات العماد اي القوة الشديدة والعتو والتجبر التي لم يخلق مثلها اي مثل عاد في البلاد اي في جميع البلدان في القوة والشدة كما قال لهم نبيهم هود عليه السلام واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة الاء الله لعلكم تفلحون. اي وادي القرى نحتوا بقوتهم صخور فاتخذوها مساكن. اي ذي الجنود للذين ثبتوا ملكه كما تثبت الاوتاد ما يراد امساكه بها كانت هذا الوصف عائد الى عاد وثمود وفرعون ومن تبعهم. فانهم طغوا في بلاد الله واذوا عباد الله في دينهم ودنياهم. ولهذا قال فاكثروا فيها الفساد. وهو العمل بالكفر وشعبه. من جميع اجناس المعاصي. وسعوا في محاربة الرسل وصد الناس عن سبيل الله. فلما بلغوا من العتو ما هو موجب لهلاكهم. ارسل الله عليهم من عذابه ذنوبا وصوتا عذاب. ان ربك لبالمرصاد لمن عصاه. يمهله قليلا ثم يأخذه اخذ عزيز مقتدر يخبر تعالى عن طبيعة الانسان من حيث هو وانه جاهل ظالم لا علم له وبالعواقب يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول. ويظن ان اكرام الله في الدنيا وانعامه عليه يدل على كرامته عند وقربه منه وانه اذا قدر عليه رزقه اي ضيقه فصار بقدر قوته لا يفضل منه ان هذا اهانة من الله له فرد الله عليه هذا الحسبان بقوله اي ليس كل من نعمته في الدنيا فهو كريم علي ولكل من قدرت عليه رزقه وهو مهان لدي وانما الغنى والفقر والسعة والضيق ابتلاء من الله وامتحان يمتحن به العباد ليرى من يقوم له بالشكر الصبر فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل. ممن ليس كذلك فينقله الى العذاب الوبيل. وايضا فان وقوف همة العبد عند مراد نفسه فقط من ضعف الهمة. ولهذا لامهم الله على عدم اهتمامهم باحوال الخلق المحتاجين. فقال لا تكرمون اليتيم. الذي فقد اباه وكاسبه واحتاج الى جبر خاطره والاحسان اليه. فانتم لا تكرمون بل تهينونه وهذا يدل على عدم الرحمة في قلوبكم وعدم الرغبة في الخير على طعام المسكين. اي لا يحض بعضكم بعضا على اطعام المحاويج من المساكين والفقراء. وذلك لاجل على الدنيا ومحبتها الشديدة المتمكنة من القلوب. ولهذا قال وتأكلون التراث اي المال المخلف اكلا لما اي ذريعا لا تبقون على شيء منه. اي كثير شديدا وهذا كقوله تعالى بل تؤثرون الحياة الدنيا والاخرة خير وابقى. كلا بل لا تحبون عاجلة وتذرون الاخرة والملك صفا صفا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيه يومئذ بجهنم كلا اي ليس كل ما احببتم من الاموال وتنافستم فيه من اللذات بباق لكم. بل امامكم يوم عظيم وهول جسيم تدك فيه الارض والجبال وما عليها حتى تجعل قاعا صفصفا لا عوج فيه ولا امت. ويجيء الله تعالى لفصل القضاء عباده في ظلل من الغمام. وتجيء الملائكة الكرام اهل السماوات كلهم صفا صفا. اي صفا بعد صف. كل سماء يجيء ملائكتها صفا يحيطون بمن دونهم من الخلق. وهذه الصفوف صفوف خضوع وذل للملك الجبار وجئت يومئذ بجهنم. تقودها الملائكة بالسلاسل فاذا وقعت هذه الامور يومئذ يتذكر الانسان ما قدمه من خير وشر فقد فات اوانها وذهب زمانها يقول متحسرا على ما فرط في جنب الله يا ليتني قدمت لحياتي الدائمة الباقية عملا صالحا كما قال تعالى يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا. وفي هذه الاية دليل على لان الحياة التي ينبغي السعي في اصلها وكمالها. وفي تتميم لذاتها هي الحياة في دار القرار. فانها دار الخلد والبقاء فيومئذ لا يعذب عذابه احد. لمن اهمل ذلك اليوم ونسي العمل له. ولا يوثقن وساقه احد. فانهم يقرنون بسلاسل من نار. ويسحبون على وجوههم في الحميم. ثم في النار يسجرون فهذا جزاء المجرمين. واما من اطمئن الى الله وامن به وصدق رسله. فيقال له ايتها النفس المطمئنة ترجعي الى ربك راضية. ارجعي راضية مرضية. يا ايتها النفس المطمئنة الى ذكر الله. الساكنة الى حبه التي قرت عينها بالله ارجعي الى ربك الذي رباك بنعمته. واسدى عليك من احسانه ما صرت به من اوليائه واحبابه اي راضية عن الله. وعن ما اكرمها به من الثواب. والله قد رضي عنها عبادي ودخولي جنتي. وهذا تخاطب به الروح يوم القيامة. وتخاطب به في حال الموت والحمد لله رب العالمين