ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها. واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا. هذا حث من الله لعباده المؤمنين. وتهيج لهم على القتال في سبيله. وان ذلك ارضهم فانه يعطى للاخوات ولا يعدل عنهن الى عصبة ابعد منهن. كابن الاخ والعم ومن هو ابعد منهم؟ والله اعلم ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجده يدخل جنات تجري من تحتها الانهار اي تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها ولا القصور عنها. وفي ذلك دليل على ان الوصية للوارث منسوخة بتقديره تعالى انصباء الوارثين. ثم قوله المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم ساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله افتتحت على هذه السورة بالامر بتقواه والحث على عبادته والامر بصلة الارحام والحث على ذلك وبين السبب الداعي الموجب لكل من ذلك. وان الموجب لتقواه لانه ربكم الذي خلقكم ورزقكم. ورباكم بنعم العظيمة التي من جملتها خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليناسبها فيسكن اليها وتتم بذلك النعمة ويحصل به السرور. وكذلك من الموجب الداعي لتقواه. تساؤلكم به وتعظيمكم. حتى انكم اذا اردتم قضاء حاجاتكم ومآربكم توسلتم لها بالسؤال بالله. فيقول من يريد ذلك لغيره. اسألك بالله ان تفعل الامر الفلاني لعلمه بما قام في قلبه من تعظيم الله داعي الا يرد من سأله بالله. فكما عظمتموه بذلك فلتعظموه بعبادته وتقواه. وكذلك الاخبار بانه رقيب اي مطلع على العباد في حال حركاتهم وسكونهم وسرهم وعلنهم وجميع احوالهم مراقبا لهم فيها مما يوجب مراقبته وشدة الحياء منه بلزوم تقواه وفي الاخبار بانه خلقهم من نفس واحدة. وانه بثهم في اقطار الارض مع رجوعهم الى اصل واحد. ليعطف بعضهم على بعض ويرقق بعضهم على بعض وقرن الامر بتقواه بالامر ببر الارحام والنهي عن قطيعتها. ليؤكد هذا الحق. وانه كما يلزم القيام بحق الله كذلك يجب القيام بحقوق الخلق خصوصا الاقربين منهم بل القيام بحقوقهم هو من حق الله الذي امر الله به. وتأمل كيف فتح هذه الصورة بالامر بالتقوى وصلة الارحام والازواج عموما. ثم بعد ذلك فصل هذه الامور اتم تفصيل. من اول السورة الى اخرها فكأنها مبنية على هذه الامور المذكورة. مفصلة لما اجمل منها موضحة لما امهم. وفي قوله وخلق منها زوجها على مراعاة حق الازواج والزوجات والقيام به. لكون الزوجات مخلوقات من الازواج. فبينهم وبينهن اقرب نسب واشد اتصال. واقرب علاقة وقوله تعالى هذا اول ما اوصى به من حقوق الخلق في هذه السورة وهم اليتامى الذين فقدوا اباءهم الكافلين لهم. وهم صغار ضعاف لا يقومون بمصالحهم. فامر الرؤوف الرحيم عباده ان يحسنوا اليهم وان لا يقربوا اموالهم الا بالتي هي احسن. وان يؤتوهم اموالهم اذا بلغوا ورشدوا. كاملة موفرة والا تتبدلوا الخبيث. الذي هو اكل مال اليتيم بغير حق بالطيب وهو الحلال الذي ما فيه حرج ولا تبعه. ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم اي مع اموالكم. ففي فيه تنبيح لقبح اكل مالهم بهذه الحالة التي قد استغنى بها الانسان بما جعل الله له من الرزق في ماله. فمن تجرأ على هذه الحالة فقد اتى كبيرا اي اثما عظيما ووزرا جسيما. ومن استبدال الخبيث بالطيب ان يأخذ الولي من مال اليتيم النفيس. ويجعل بدله من ما له الخسيس وفيه الولاية على اليتيم لان من لازم ايتاء اليتيم ماله ثبوت ولاية المؤتي على ماله. وفيه الامر باصلاح مال اليتيم ان تمام اتائه ما له حفظه. والقيام به بما يصلحه وينميه. وعدم تعريضه للمخاوف والاخطار مثنى وثلاث ورباع. فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم ايوا ان خفتم الا تعدلوا في يتامى النساء التي تحت حجوركم وولايتكم. وخفتم الا تقوموا حقهن لعدم محبتكم اياهن. فاعدلوا الى غيرهن وانكحوا ما طاب لكم من النساء. اي ما وقع عليهن اختياركم من ذوات الدين والجمال والحسب والنسب. وغير ذلك من الصفات الداعية لنكاحهن. فاختاروا على نظركم ومن احسن ما يختار من ذلك صفة الدين. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لاربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها. فاظفر بذات الدين شربت يمينك وفي هذه الاية انه ينبغي للانسان ان يختار قبل النكاح. بل وقد اباح له الشارع النظر الى من يريد تزوجها. ليكون على كبصيرة من امره ثم ذكر العدد الذي اباحه من النساء فقال مثنى وثلاث ورباع اي من احب ان يأخذ اثنتين فليفعل او ثلاثا فليفعل او اربعا فليفعل ولا يزيد عليها. لان الاية سيقت لبيان الامتنان. فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى اجماعا وذلك لان الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة فابيح له واحدة بعد واحدة حتى يبلغ اربعا لان في الاربع غنية لكل احد الا ما ندر. ومع هذا فانما يباح له ذلك اذا امن على نفسه الجور والظلم. ووثق بالقيام بحقوقهن. فان خاف شيئا من هذا فليقتصر على واحدة او على ملك يمينه فانه لا يجب عليه القصم في ملك اليمين. ذلك عن الاقتصار على واحدة او ما ملكت اليمين ادنى الا تعولوا اي تظلموا. وفي هذا ان تعرض العبد للامر الذي يخاف منه الجور والظلم. وعدم القيام بالواجب ولو كان مباحا انه لا ينبغي له ان يتعرض له. بل يلزم السعة والعافية. فان العافية خير ما اعطي العبد. واتوا النساء اه ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونهن حقوقهن خصوصا الصداق الذي يكون شيئا كثيرا ودفعة واحدة يشق دفعه للزوجة امرهم وحثهم على ايتاء النساء صدقاتهن اي مهورهن نحلة اي طيبي نفسك وحالي طمأنينة. فلا تنطروهن او تبخسوا منه شيئا. وفيه ان المهر يدفع الى المرأة اذا كانت مكلفة. وانها تملكه بالعقد لانه اضافه اليها. والاضافة تقتضي التمليك. فان طبن لكم عن شيء منه اي من الصداق نفسا. بان سمحنا لكم عن رضا واختيار باسقاط شيء منه او تأخيره او المعاوضة عنه. فكلوه هنيئا مريئا. اي لا حرج عليكم في ذلك ولا تبعه. وفيه دليل على ان للمرأة التصرف في مالها ولو بالتضرع اذا كانت رشيدة فان لم تكن كذلك فليس لعطيتها حكم وانه ليس لوليها من الصداق شيء غير ما طابت به. وفي قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء. دليل على ان نكاح الخبيثة غير مأمور به. بل منهي عنه. كالمشركة وكالفاجرة كما قال تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن. وقال الزانية لا ينكحها الا زان او مشرك. وقوله تعالى واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا. السفهاء جمع سفيه وهو من لا يحسن التصرف في المال يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا. يريد الله ان يخفف عنكم اي بسهولة ما امركم به وما نهاكم عنه. ثم مع حصول المشقة في بعض الشرائع. اباح لكم ما تقتضيه حاجتكم كالميتة والدم اما لعدم عقله كالمجنون والمعتوه ونحوهما. واما لعدم رشده كالصغير وغير الرشيد. فنهى الله الاولياء ان يؤتوا هؤلاء اموالهم افسادها واتلافها. لان الله جعل الاموال قياما لعباده في مصالح دينهم ودنياهم. وهؤلاء لا يحسنون القيام عليها وحفظها امر الولي الا يؤتيهم اياها. بل يرزقهم منها ويكسوهم. ويبذل منها ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية. وان يقولوا له هم قولا معروفا بان يعدوهم اذا طلبوها انهم سيدفعوها لهم بعد رشدهم ونحو ذلك. ويلطفوا لهم في الاقوال جبرا لخواطرهم وفي اضافته تعالى الاموال الى الاولياء اشارة الى انه يجب عليهم ان يعملوا في اموال السفهاء ما يفعلونه في اموالهم من الحفظ والتصرف وعدم التعريف للاخطار وفي الاية دليل على ان نفقة المجنون والصغير والسفيه في مالهم اذا كان لهم مال لقوله وارزقوهم فيها واكسوها وفيه دليل على ان قول الولي مقبول فيما يدعيه من النفقة الممكنة والكسوة. لان الله جعله مؤتمنا على مالهم. فلزم اول قول امين ولا تأكلوها اسرافا وبدارا ان يكبروا ومن كان غنيا ان اموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا. الابتلاء هو الاختبار امتحان وذلك بان يدفع لليتيم المقارب للرشد الممكن رشده شيئا من ماله ويتصرف فيه التصرف اللائق بحاله فيتبين بذلك رشده من سفهه فان استمر غير محسن للتصرف لم يدفع اليه ما له بل هو باق على سفهه ولو بلغ عمرا كثيرا. فان تبين رشده صلاحه في ماله وبلغ النكاح فادفعوا اليهم اموالهم كاملة موفرة. ولا تأكلوها اسرافا اي مجاوزة للحد الحلال الذي اباحه الله ولكم من اموالكم الى الحرام الذي حرمه الله عليكم من اموالهم. وبدارا ان يكبروا. اي ولا تأكلوها في حال صغرهم. التي لا يمكنهم في اخذها منكم ولا منعكم من اكلها. تبادرون بذلك ان يكبروا فيأخذوها منكم ويمنعوكم منها. وهذا من الامور الواقعة من كثير من الاولياء الذين ليس عندهم خوف من الله ولا رحمة ومحبة للمولى عليهم. يرون هذه الحالة حال فرصة فيغتنمونها ويتعجلون ما حرم الله عليهم فنهى الله تعالى عن هذه الحالة بخصوصها كان العرب في الجاهلية من جبروتهم وقسوتهم لا يورثون الضعفاء كالنساء والصبيان يجعلون الميراث للرجال الاقوياء لانهم بزعمهم اهل الحرب والقتال والنهب والسلب. فاراد الرب الحكيم ان يشرع لعباده شرعا. يستوي فيه رجالهم ونساؤهم واقويائهم وضعفاؤهم. وقدم بين يدي ذلك امرا مجملا. لتتوطن على ذلك النفوس. فيأتي التفصيل بعد الاجمال. قد وقت له النفوس وزالت الوحشة التي منشأها العادات القبيحة فقال للرجال نصيب اي قسط وحصة مما ترك اي خلف الادان اي الاب والام والاقربون عموم بعد خصوص وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون فكأنه قيل هل النصيب راجع الى العرف والعادة. وان يرضخوا لهم ما يشاؤون. او شيئا مقدرا. فقال تعالى نصيبا مفروضا. اي قد قدره العليم الحكيم وسيأتي ان شاء الله تقدير ذلك. وايضا فها هنا توهم اخر لعل احدا يتوهم ان النساء والولدان ليس لهم نصيب الا من من المال الكثير فازال ذلك بقوله مما قل منه او كثر. فتبارك الله احسن الحاكمين وهذا من احكام بسم الله الحسنة الجليلة الجابرة للقلوب. فقال واذا حضر القسمة اي قسمة المواريث. اولو القربى اي الاقارب غير الوارثين قوله القسمة لان الوارثين من المقسوم عليهم واليتامى والمساكين اي المستحقون من الفقراء فارزقوهم منه اي اعطوهم تيسر من هذا المال الذي جاءكم بغير كد ولا تعب. ولا عناء ولا نصب. فان نفوسهم متشوفة اليه وقلوبهم متطلعة. فاجبروا خواطركم بما لا يضركم وهو نافعهم. ويؤخذ من هذا المعنى ان كل من له تطلع وتشوف الى ما حضر بين يدي الانسان. ينبغي له ان يعطيه منه ما تيسر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اذا جاء احدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه فان لم يجلسه معه منه لقمة او لقمتين او كما قال. وكان الصحابة رضي الله عنهم اذا بدأت باكورة اشجارهم اتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرك عليها ونظر الى اصغر وليد عنده فاعطاه ذلك. علما منه بشدة تشوفه لذلك. وهذا كله مع امكان الاعطاء ان لم يمكن ذلك لكونه حق سفهاء او ثم اهم من ذلك. فليقولوا لهم قولا معروفا. يردوهم ردا جميلا. بقول حسن غير فاحش ولا قبيح يتقوا الله وليقولوا قولا سديدا. قيل ان هذا خطاب لمن يحضر من حضره الموت واجنف في وصيته. ان يأمرهم بالعدل في وصيته والمساواة فيها. بدليل قوله وليقولوا قولا سديدا. اي سدادا موافقا للقسط والمعروف. وانهم يأمرون من يريد الوصية على اولاده بما يحبون معاملة اولادهم بعدهم. وقيل ان المراد بذلك اولياء السفهاء من المجانين والصغار والضعاف ان يعاملوهم هم في مصالحهم الدينية والدنيوية بما يحبون ان يعامل به من بعدهم من ذريتهم الضعاف. فليتقوا الله في ولايتهم لغيرهم. ان يعاملوا بما فيه تقوى الله من عدم اهانتهم والقيام عليهم والزامهم لتقوى الله. ولما امرهم بذلك زجرهم عن اكل اموال اليتامى وتوعد على ذلك اشد العذاب فقال نارا انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما اي بغير حق. وهذا القيد يخرج به ما تقدم من جواز الاكل للفقير بالمعروف. ومن جواز خلط عامهم بطعام اليتامى. فمن اكلها ظلما فانما يأكلون في بطونهم نارا. اي فان الذي اكلوه نار تتأجج في اجوافهم وهم الذين حين ادخلوها في بطونهم وسيصلون سعيرا اي نارا محرقة تتوقد. وهذا اعظم وعيد ورد في الذنوب. يدل على شناعة اكل اموال وقبحها وانها موجبة لدخول النار. فدل ذلك انها من اكبر الكبائر. نسأل الله العافية. يوصيكم الله في فلهن ثلثا ما ترك وان كانت واحدة فلها النصف ولابويه لكل واحد ان هما السدس مما ترك ان كان له ولد. فان لم يكن له ولد وورثه ابواه فلأمه هذه الايات والاية التي هي اخر السورة هن ايات المواريث المتضمنة لها. فانها مع حديث عبدالله بن عباس الثابت في صحيح البخاري الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر. مشتملات على جل احكام الفرائض بل على جميعها كما سترى ذلك. الا الجداد فانه غير مذكور في ذلك. لكونه قد ثبت في السنن عن المغيرة ابن شعبة ومحمد ابن مسلمة. ان النبي صلى الله عليه وسلم والجدة السدس مع اجماع العلماء على ذلك. فقوله تعالى يوصيكم الله في اولادكم اي اولادكم يا معشر الوالدين. عندكم قد وصاكم الله عليها لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا قو انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة الاولاد عند والديهم موصى بهم. فاما ان يقوموا بتلك الوصية واما ان يضيعوها. فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. وهذا مما يدل على ان الله الله تعالى ارحم بعباده من الوالدين. حيث اوصى الوالدين مع كمال شفقتهم عليهم. ثم ذكر كيفية ارثهم فقال للذكر مثل حظ الانثيين اي الاولاد للصلب والاولاد للابن. للذكر مثل حظ الانثيين. ان لم يكن معهم صاحب فرض. او ما ابقت الفروض يقتسمونه كذلك وقد اجمع العلماء على ذلك وانه مع وجود اولاد الصلب فالميراث لهم وليس لاولاد الابن شيء. حيث كان اولاد الصلب ذكورا واناثا هذا مع اجتماع الذكور والاناث. وهنا حالتان انفراد الذكور وسيأتي حكمها وانفراد الاناث. وقد ذكره بقوله فان كن نساء فوق اثنتين اي بنات صلب او بنات ابن. ثلاثا فاكثر. فلهن ثلثا ما ترك. وان كانت واحدة اي بنتا او بنت ابن. فلها وهذا اجماع بقي ان يقال من اين يستفاد ان للابنتين الثنتين الثلثين بعد الاجماع على ذلك؟ فالجواب انه يستفاد من قوله وان كانت واحدة فلها النصف. فمفهوم ذلك انه ان زادت على الواحدة انتقل الفرض عن النصف. ولا ثم بعده الا الثلثان ايضا فقوله للذكر مثل حظ الانثيين. اذا خلف ابنا وبنتا فان الابن له الثلثان. وقد اخبر الله انه مثل حظ الانثيين فدل ذلك على ان للبنتين الثلثين. وايضا فان البنت اذا اخذت الثلث مع اخيها وهو ازيد ضررا عليها من اختها. فاخذها له اختها من باب اولى واحرى. وايضا فان قوله تعالى في الاختين فان كانت اثنتين فلهما الثلثان مما ترك. نص في الاختين الثنتين فاذا كانت الاختان الثنتان مع بعدهما يأخذان الثلثين فالابنتان مع قربهما من باب اولى واحرى. وقد اعطى النبي صلى الله عليه عليه وسلم ابنتي سعد الثلثين كما في الصحيح. بقي ان يقال فما الفائدة في قوله فوق اثنتين؟ قيل الفائدة في ذلك والله اعلم انه ليعلم ان الفرض الذي هو الثلثان لا يزيد بزيادتهن على الثنتين. بل من الثنتين فصاعدا. ودلت الاية الكريمة انه اذا وجد بنت صلب واحدة وبنت ابن او بنات ابن. فان لبنت الصلب النصف ويبقى من الثلثين الذين فرضهم الله للبنات او بنات الابن السدس فيعطى بنت الابن او بنات الابن. ولهذا يسمى هذا السدس تكملة الثلثين. ومثل ذلك بنت الابن مع بنات الابن اللاتي انزل منها وتدل الاية انه متى استغرق البنات او بنات الابن الثلثين؟ انه يسقط من دونهن من بنات الابن. لان الله لم يفرض لهن الا الثلثين. وقد تم فلو لم يسقطن لزم من ذلك ان يفرض لهن ازيد من الثلثين وهو خلاف النص. وكل هذه الاحكام مجمع عليها بين العلماء ولله الحمد ودل قوله مما ترك ان الوارثين يرثون كل ما خلف الميت من عقار واثاث وذهب وفضة وغير ذلك حتى الدية التي لم تجب الا بعد موته وحتى الديون التي في الذمم. ثم ذكر ميراث الابوين فقال ولابويه اي ابوه وامه لكل واحد منهما سدس مما ترك ان كان له ولد اي ولد صلب او ولد ابن ذكرا كان او انثى واحدا او متعددا. فاما الام فلا تزيد على مع احد من الاولاد واما الاب فمع الذكور منهم لا يستحق ازيد من السدس. فان كان الولد انثى او اناثا ولم يبق بعد الفرض كل شيء كابوين وابنتين لم يبقى له تعصيب. وان بقي بعد فرض البنت او البنات شيء. اخذ الاب السدس فرضا. والباقي تعصيبا. لاننا الحقنا الفروض باهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر. وهو اولى من الاخ والعم وغيرهما. فان لم يكن له ولد وورثه ابواه فلامه في الثلث ايها الباقي للام لانه اضاف المال الى الاب والام اضافة واحدة ثم قدر نصيب الام. فدل ذلك على ان الباقي للاب علم من ذلك ان الاب مع عدم الاولاد لا فرض له. بل يرث تعصيبا المال كله. او ما ابقت الفروض. لكن لو وجد مع الابوين احد الزوجين ويعبر عنهما بالعمريتين فان الزوج او الزوجة يأخذ فرضه ثم تأخذ الام ثلث الباقي والاب الباقي. وقد دل على ذلك كقوله وورثه ابواه فلامه الثلث. اي ثلث ما ورثه الابوان وهو في هاتين الصورتين. اما سدس في زوج واب وام اما ربع في زوجة وام واب فلم تدل الاية على ارث الام ثلث المال كاملا. مع عدم الاولاد حتى يقال ان هاتين الصورتين قد استثنيا اتى من هذا ويوضح ذلك ان الذي يأخذه الزوج او الزوجة بمنزلة ما يأخذه الغرماء فيكون من رأس المال والباقي بين الابوين لان لو اعطينا الامة ثلث المال لزم زيادتها على الاب في مسألة الزوج او اخذ الاب في مسألة الزوجة زيادة عنها نصف السدس. وهذا لا نظير له فان المعهود مساواتها للاب او اخذه ضعف ما تأخذه الام. فان كان له اخوة فلامه السدس اشقاء او لاب او بام ذكورا كانوا او اناثا. وارثين او محجوبين بالاب او الجد. لكن قد يقال ليس ظاهر قوله. فان كان له اخوة شامخ الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهما ما اجتنبت الكبائر. واحسن ما حدت به الكبائر ان الكبيرة ما فيه حد في الدنيا او عيد في الاخرة او نفي ايمان او ترتيب لعنة او غضب عليه لغير الوارثين بدليل عدم تناولها للمحجوب بالنصف. فعلى هذا لا يحجبها عن الثلث من الاخوة الا الاخوة الوارثون. ويؤيده ان الحكمة في بهم لها عن الثلث لاجل ان يتوفر لهم شيء من المال وهو معدوم. والله اعلم. ولكن بشرط كونهم اثنين فاكثر. ويشكل على ذلك فتيان لفظ الاخوة بلفظ الجمع واجيب عن ذلك بان المقصود مجرد التعدد الى الجمع ويصدق ذلك باثنين وقد يطلق الجمع ويراد به كما في قوله تعالى عن داوود وسليمان وكنا لحكمهم شاهدين. وقال في الاخوة للام وان كان رجل يورث كلالة او امرأة وله اخ او اخت. فلكل واحد منهما السدس. فان كانوا اكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث. فاطلق لفظ الجمع. والمراد اثنان بالاجماع فعلى هذا لو خلف اما وابا واخوة كان للام السدس والباقي للاب فحجبوها عن الثلث مع حجب الاب اياهم الا على الاحتمال الاخر فان للام الثلث والباقي للاب. ثم قال تعالى من بعد وصية يوصي بها او دين. اي هذه الفروض والانصباء والمواريث. انما تريد وتستحق بعد نزع الديون التي على الميت لله او للادميين. وبعد الوصايا التي قد اوصى الميت بها بعد موته الباقي عن ذلك هو التركة الذي يستحقه الورثة. وقدم الوصية مع انها مؤخرة عن الدين. للاهتمام بشأنها. لكون اخراجها شاقا على الورثة والا فالديون مقدمة عليها وتكون من رأس المال. واما الوصية فانها تصح من الثلث فاقل للاجنبي الذي هو واما غير ذلك فلا ينفذ الا باجازة الورثة. قال تعالى اباؤكم وابناؤكم لا تدرون ايهم اقرب لكم نفعا. فلو تقدير الارث الى عقولكم واختياركم لحصل من الضرر ما الله به عليم. لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو اللائق الاحسن. في كل زمان ومكان كان فلا يدرون اي الاولاد او الوالدين انفع لهم واقرب. لحصول مقاصدهم الدينية والدنيوية. فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما اي فرضها الله الذي قد احاط بكل شيء علما. واحكم ما شرعه وقدر ما قدره على احسن تقدير. لا تستطيع العقول ان تقترح مثل احكامه الصالحة الموافقة لكل زمان ومكان وحال. ثم قال تعالى في الثلث من بعد وصية. من بعد وصية يوصى بها او دين غيره وصية من الله والله عليم حليم ولكم ايها الازواج نصف ما ترك ازواجكم ان لم يكن لهن ولد. فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن. من بعد وصية يوصين بها او دين ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد. فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم. من بعد وصية توصون بها او ويدخل في مسمى الولد المشروط وجوده او عدمه. ولد الصلب او ولد الابن الذكر والانثى الواحد والمتعدد. الذي من الزوج او من غيره ويخرج عنه ولد البنت اجماعا. ثم قال تعالى وان كان رجل يورث كلالة او امرأة وله اخ او اخت اي من ام كما هي في بعض القراءات واجمع العلماء على ان المراد بالاخوة هنا الاخوة للام فاذا كان يورث كلالة اي ليس للميت والد ولا ولد اي لا اب ولا جد ولا ابن ولا ابن ولا بنت ولا بنت ابن وان نزلوا وهذه هي الكلالة كما فسرها بذلك ابو بكر الصديق رضي الله عنه. وقد حصل على ذلك الاتفاق ولله الحمد. فلكل واحد منهما اي من الاخ والاخت السدس. فان كانوا اكثر من ذلك اي من واحد فهم شركاء في الثلث اي لا يزيدون على الثلث ولو زادوا عن اثنين. ودل قوله فهم شركاء في الثلث ان وانفاهم سواء لان لفظ التشريك يقتضي التسوية. ودل لفظ الكلالة على ان الفروع وان نزلوا. والاصول الذكور وان علوا اولاد الام لان الله لم يورثهم الا في الكلالة. فلو لم يكن يورث كلالة لم يرثوا منه شيئا اتفاقا. ودل قوله فهم شركاء وفي الثلث ان الاخوة الاشقاء يسقطون في المسألة المسماة بالحمارية. وهي زوج وام واخوة لام واخوة اشقاء. للزوج وللام السدس وللاخوة للام الثلث. ويسقط الاشقاء. لان الله اضاف الثلث للاخوة من الام. فلو شاركهم الاشقاء لكان لما فرق الله حكمه. وايضا فان الاخوة للام اصحاب فروض والاشقاء عصبات. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم الحقوا الفرائض وباهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر. واهل الفروض هم الذين قدر الله انصبائهم. ففي هذه المسألة لا يبقى بعدهم شيء فيسقط الاشقاء وهذا هو الصواب في ذلك. واما ميراث الاخوة والاخوات الاشقاء او لاب. فمذكور في قوله يستفتونك. قل الله يفتيكم في الكلال فالاخت الواحدة شقيقة او لاب لها النصف. واثنتان لهما الثلثان والشقيقة الواحدة. مع الاخت لاب او الاخوات تأخذ والباقي من الثلثين للاخت او الاخوات لاب وهو سدس تكملة الثلثين. واذا استغرقت الشقيقات الثلثين سقط الاخوات لاب كما تقدم في البنات وبنات الابن. وان كان الاخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين. فان قيل فهل يستفاد حكم ميراث القاتل والرقيق والمخالف في الدين والمبعض والخنثى والجد مع الاخوة لغير ام والعول والرد وذوي الارحام وبقية العصبة والاخوات لغير ام مع البنات او بنات الابن من القرآن ام لا؟ قيل نعم فيه تنبيهات واشارات دقيقة يعسر فهمها على غير المتأمل تدل على جميع المذكورات. فاما القاتل والمخالف في الدين فيعرف انهما غير وارثين. من بيان الحكمة الالهية في توزيع المال على الورثة بحسب قربهم ونفعهم الديني والدنيوي. وقد اشار تعالى الى هذه الحكمة بقوله لا تدرون ايهم اقرب لكم نفعا؟ وقد علم ان القاتل قد سعى لمورثه باعظم الضرر. فلا ينتهض ما فيه من موجب الارث ان يقاوم ضرر القتل الذي هو ضد النفع الذي رتب عليه الارث. فعلم من ذلك ان القتلى اكبر مانع يمنع الميراث ويقطع الرحم الذي قال الله فيه. واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله. مع انه قد استقرت القاعدة او يتكل على نفسه غير مفتقر لربه او يجمع بين الامرين فان هذا مخذول خاسر. وقوله ان الله كان بكل شيء عليما تعطي من يعلمه اهلا لذلك ويمنع من يعلمه غير مستحق الشرعية ان من استعجل شيء قبل اوانه عوقب بحرمانه. وبهذا ونحوه يعرف ان المخالف لدين الموروث لا ارث له. وذلك انه قد عارض الموجب الذي هو اتصال النسب الموجب للارث. والمانع الذي هو المخالفة في الدين. الموجبة للمباينة من كل وجه. فقوي المانع ومنع موجب الارث الذي هو النسب فلم يعمل الموجب لقيام المانع. يوضح ذلك ان الله تعالى قد جعل حقوق المسلمين اولى من حقوق الاقارب الكفار دنيوية فاذا مات المسلم انتقل ماله الى من هو اولى واحق به فيكون قوله تعالى واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله اذا اتفقت اديانهم واما مع تباينهم فالاخوة الدينية مقدمة على الاخوة النسبية المجردة. قال ابن القيم في جلاء الافهام وتأمل هذا المعنى في اية المواريث وتعليقه سبحانه التوارث فيها بلفظ الزوجة. كما في قوله تعالى ولكم نصف ما ترك ازواجكم ايذانا بان هذا التوارث انما وقع بالزوجية المقتضية للتشاكل والتناسب. والمؤمن والكافر لا تشاكل بينهما ولا تناسب. فلا بينهما التوارف واسرار مفردات القرآن ومركباته فوق عقول العالمين. انتهى كلامه رحمه الله. واما الرقيق فانه يرث ولا يورث. اما كونه لا يورث فواضح. لانه ليس له مال يورث عنه. بل كل ما معه فهو لسيده. واما كونه لا يرث انه لا يملك فانه لو ملك لكان لسيده وهو اجنبي من الميت. فيكون مثل قوله تعالى للذكر مثل حظ الانثيين. ولكم نصف ما ترك ازواجكم فلكل واحد منهما السدس. ونحوها لمن يتأتى منه التملك. فاما الرقيق فلا يتأتى منه ذلك. فعلم انه لا ميراث له. واما من بعضه حر وبعضه رقيق. فانه تتبعض احكامه. فما فيه من الحرية يستحق بها ما رتبه الله في المواريث. لكون ما في من الحرية قابلا للتملك وما فيه من الرق فليس بقابل لذلك. فاذا يكون المبعض يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية واذا كان العبد يكون محمودا مذموما مثابا ومعاقبا بقدر ما فيه من موجبات ذلك فهذا كذلك. واما الخنس فلا يخلو اما ان يكون واضحا ذكوريته او انوثيته او مشكلة. فاذا كان واضحا فالامر فيه واضح. ان كان ذكرا فله حكم الذكور. ويشمله النص الوارد فيهم وان كان انثى فله حكم الاناث ويشملها النص الوارد فيهن. وان كان مشكلا فان كان الذكر والانثى لا يختلف ارثهما. كالاخوة للام فالامر فيه واضح. وان كان يختلف ارثه بتقدير ذكوريته. وبتقدير انثيته. ولم يبقى لنا طريق الى العلم بذلك. لم نعطه اكثر التقديرين لاحتمال ظلم من معه من الورثة. ولم نعطه الاقل لاحتمال ظلمنا له. فوجب التوسط بين الامرين. وسلوك اعدل الطريقين قال تعالى اعدلوا هو اقرب للتقوى. وليس لنا طريق الى العدل في مثل هذا. اكثر من هذا الطريق المذكور. ولا يكلف الله نفسا الا وسعها فاتقوا الله ما استطعتم. واما ميراث الجد مع الاخوة الاشقاء او لاب. وهل يرثون معه ام لا؟ فقد دل كتاب الله على قوله لابي بكر الصديق رضي الله عنه. وان الجد يحجب الاخوة اشقاء او لاب او لام. كما يحجبهم الاب وبيان ذلك ان الجد كن في غير موضع من القرآن. كقوله تعالى اذ حضر يعقوب الموت. اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي. قالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسحاق وقال يوسف عليه السلام واتبعت ملة ابائي ابراهيم واسحاق ويعقوب. فسمى الله الجد وجد الاب ابا. فدل ذلك على ان الجد بمنزلة الاب يرث ما يرثه الاب ويحجب من يحجبه. واذا كان العلماء قد اجمعوا على ان الجد حكمه حكم الاب عند عدمه في ميراثه مع الاولاد وغيرهم من بني الاخوة والاعمام وبنيهم وسائر احكام المواريث. فينبغي ايضا ان يكون حكمه حكمه في حجب الاخوة غير ام واذا كان ابن الابن بمنزلة ابن الصلب؟ فلما لا يكون الجد بمنزلة الاب؟ واذا كان جد الاب مع ابن الاخ قد اتفق العلماء على انه يحجبه فلما لا يحجب جد الميت اخاه؟ فليس مع من يورث الاخوة مع الجد نص ولا اشارة ولا تنبيه ولا قياس صحيح واما مسائل العول فانه يستفاد حكمها من القرآن. وذلك ان الله تعالى قد فرض وقدر لاهل المواريث انصبا. وهم بين حالتين. اما ان يحجب بعضهم بعضا او لا. فان حجب بعضهم بعضا. فالمحجوب ساقط لا يزاحم ولا يستحق شيئا. وان لم يحجب بعضهم بعضا. فلا يخلو واما ان لا تستغرق الفروض التركة او تستغرقها من غير زيادة ولا نقص. او تزيد الفروض على التركة. ففي الحالتين الاوليين كل يأخذ فرضه كاملا وفي الحالة الاخيرة وهي ما اذا زادت الفروض على التركة فلا يخلو من حالين. اما ان ننقص بعض الورثة عن فرضه الذي فرضه الله له ونكمل للباقين منهم فروضهم. وهذا ترجيح بغير مرجح. وليس نقصان احدهم باولى من الاخر. فتعينت الحال الثانية وهي اننا نعطي كل واحد منهم نصيبه بقدر الامكان. ونحاصص بينهم كديون الغرماء الزائدة على مال الغريم. ولا طريق موصل الى ذلك الا بالعول من هذا ان العول في الفرائض قد بينه الله في كتابه. وبعكس هذه الطريقة بعينها يعلم الرد فان اهل الفروض اذا لم تستغرق فروضهم وبقي شيء ليس له مستحق من عاصب قريب ولا بعيد. فان رده على احدهم ترجيح بغير مرجح. واعطاؤه غيرهم ممن ليس قريب للميت جنف وميل ومعارضة لقوله واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله. فتعين ان يرد على اهل الفروض بقدر قروضهم ولما كان الزوجان ليسا من القرابة لم يستحقا زيادة على فرضهم المقدر. هذا عند من لا يورث الزوجين بالرد. وهم جمهور بالرد فعلى هذا تكون علة الرد كونه صاحب فرض قريبا. وعلى القول الاخر ان الزوجين كغيرهما من ذوي الفروض يرد عليهما فكما ينقصان بالعول فانهما يزادان بالرد كغيرهما. فالعلة على هذا كونه وارث صاحب فرض. فهذا هو الظاهر من دلالة الكتاب والسنة السنة والقياس الصحيح والله اعلم. وبهذا يعلم ايضا ميراث ذوي الارحام. فان الميت اذا لم يخلف صاحب فرض ولا عاصبا بقي الامر دائرا بين كون ماله يكون لبيت المال لمنافع الاجانب. وبين كون ماله يرجع الى اقاربه المدنين بالورثة المجمع عليهم. ويدل وعلى ذلك قوله تعالى واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله. فصرفه لغيرهم ترك لمن هو اولى من غيره. فتعين توريث ذوي الارحام واذا تعين توريثهم فقد علم انه ليس لهم نصيب مقدر باعيانهم في كتاب الله. وان بينهم وبين الميت وسائط صاروا بسبب فيها من الاقارب فينزلون منزلة من ادلوا به من تلك الوسائط. والله اعلم. واما ميراث بقية العصبة كالبنوة والاخوة وبنيهم والاعمام وبنيهم. فان النبي صلى الله عليه وسلم قال الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر. وقال تعالى كل جعلنا مواليا مما ترك الوالدان والاقربون. فاذا الحقنا الفروض باهلها ولم يبق شيء. لم يستحق العاصب شيئا. وان بقي شيء اخذه اولى العصبة. وبحسب جهاتهم ودرجاتهم. فان جهات العصوبة خمس البنوة ثم الابوة. ثم الاخوة وبنوهم ثم وبنوهم ثم الولاء. فيقدم منهم الاقرب جهة. فان كانوا في جهة واحدة فالاقرب منزلة. فان كانوا في منزلة واحدة فالاقوى وهو الشقيق فان تساووا من كل وجه اشتركوا والله اعلم. واما كون الاخوات لغير ام مع البنات او بنات الابن عصبات يأخذن ما فضل عن فروضهن. فلانه ليس في القرآن ما يدل على ان الاخوات يسقطن بالبنات. فاذا كان الامر كذلك وبقي شيء بعد اخذ البنات فقط تعالى تلك حدود الله. فالوصية للوارث بزيادة على حقه. يدخل في هذا التعدي. مع قوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث ثم ذكر طاعة الله ورسوله ومعصيتهما عموما. ليدخل في العموم لزوم حدوده في الفرائض. او ترك ذلك. فقال ومن يطع الله رسوله بامتثال امرهما الذي اعظمه طاعتهما في التوحيد. ثم الاوامر على اختلاف درجاتها. واجتناب نهيهما الذي اعظمه الشرك بالله ثم المعاصي على اختلاف طبقاتها يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها. فمن ادى الاوامر واجتنب النواهي فلا بد له ومن دخول الجنة والنجاة من النار. وذلك الفوز العظيم الذي حصل به النجاة من سخطه وعذابه. والفوز بثوابه ورضوانه بالنعيم المقيم الذي لا يصف الواصفون نارا خالدا فيها وله عذاب مهين. ومن يعصي الله ورسوله اي ولكل من الناس جعلنا موالي ان يتولونه ويتولاهم بالتعزز والنصر والمعاونة على الامور. مما ترك الوالدان والاقربون. وهذا يشمل سائر الاقارب. من الاصول والفروع والحواشي. هؤلاء الموالي من القرابة فهو يتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين. ويدخل في اسم المعصية الكفر فما دونه من المعاصي. فلا يكون فيها شبهة من خوارج القائلين بكفر اهل المعاصي. فان الله تعالى رتب دخول الجنة على طاعته وطاعة رسوله. ورتب دخول النار على معصيته ومعصية رسوله فمن اطاعه طاعة تامة دخل الجنة بلا عذاب. ومن عصى الله ورسوله معصية تامة يدخل فيها الشرك فما دونه. دخل النار وخلد فيها ومن اجتمع فيه معصية وطاعة كان فيه من موجب الثواب والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية. وقد دلت النصوص المتواترة على ان الموحدين الذين معهم طاعة التوحيد غير مخلدين في النار. فما معهم من التوحيد مانع له من الخلود فيها اي النساء التي يأتينا الفاحشة اي الزنا ووصفها بالفاحشة لشناعتها وقبحها. فاستشهدوا عليهن اربعة منكم اي من رجالكم المؤمنين من العدول فان شهدوا فامسكوهن في البيوت. اي احبسوهن عن الخروج الموجب للريبة. وايضا فان الحبس من جملة العقوبات. حتى الموت اي هذا منتهى الحبس. او يجعل الله لهن سبيلا. اي طريقا غير الحبس في البيوت. وهذه الاية ليست منسوخة. وانما هي مغيات الى ذلك الوقت فكان الامر في اول الاسلام كذلك. حتى جعل الله لهن السبيلا. وهو رجل محصن وجلد غير المحصن. واللذان وكذلك اللذان يأتيانها اي الفاحشة منكم من الرجال والنساء. فاذوهما بالقول والتوبيخ والتعيير والضرب الرادع عن هذه الفاحشة. فعلى هذا يكون الرجال اذا فعلوا الفاحشة يؤذون. والنساء يحبسن ويؤذين. فالحبس غايته الى الموت الاذية نهايتها الى التوبة والاصلاح. ولهذا قال فان تاب اي رجع عن الذنب الذي فعلاه وندم عليه وعزم على الا يعودا واصلح العمل الدال على صدق التوبة فاعرضوا عنهما اي عن اذاهما. ان الله كان توابا رحيما. اي كثير التوبة على المذنبين الخطائين عظيم الرحمة والاحسان. الذي من احسانه وفقهم للتوبة وقبلها منهم. وسامحهم على ما صدر منهم. ويؤخذ من هاتين الايتين ان بينة الزنا لابد ان تكون اربعة رجال مؤمنين. ومن باب اولى واحرى اشتراط عدالتهم. لان الله تعالى شدد في امر هذه الفاحشة سترا لعباده حتى انه لا يقبل فيها النساء منفردات ولا مع الرجال ولا ما دون اربعة. ولا بد من التصريح بالشهادة. كما دلت على ذلك الاحاديث الصحيحة وتومئ اليه هذه الاية لما قال فاستشهدوا عليهن اربعة منكم لم يكتفي بذلك حتى قال فان شهدوا اي لابد من شهادة صريحة عن امر يشاهد عيانا من غير تعريض ولا كناية. ويؤخذ منهما ان الاذية بالقول والفعل والحبس قد شرعه الله تعزيرا لجنس المعصية الذي يحصل به الزجر آآ الان. قال اني تبت الان ولا الذين يموتون وهم كفار توبة الله على عباده نوعان توفيق منه للتوبة وقبول لها بعد من العبد فاخبر هنا ان التوبة المستحقة على الله حق احقه على نفسه كرما منه جودا لمن عمل السوء اي المعاصي بجهالة اي منه بعاقبتها وايجابها لسخط الله وعقابه. وجهل منه بنظر الله ومراقبته له. وجهل منه بما تؤول اليه من نقص الايمان او اعدام فكل عاص لله فهو جاهل بهذا الاعتبار. وان كان عالما بالتحريم بل العلم بالتحريم شرط لكونها معصية معاقب عليها. ثم يتوب من قريب ثم يتوبون قبل معاينة الموت. فان الله يقبل توبة العبد اذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب قطعا. واما بعد حضور الموت فلا يقبل من العاصين توبة ولا من الكفار رجوع. كما قال الله تعالى عن فرعون حتى اذا ادركه الغرق قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به في بنو اسرائيل وقال تعالى فلما رأوا بأسنا قالوا امنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لم رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده. وقال هنا وليست التوبة للذين يعملون السيئات اي المعاصي فيما دون الكفر حين يموتون وهم كفار اولئك اعتدنا لهم عذابا اليما ذلك ان التوبة في هذه الحال توبة اضطرار لا تنفع صاحبها انما تنفع توبة الاختيار. ويحتمل ان يكون معنى قوله من قريب اي قريب من فعلهم للذنب الموجب للتوبة فيكون المعنى ان من بادر الى الاقلاع من حين صدور الذنب واناب الى الله وندم عليه فان الله يتوب عليه خلاف من استمر على ذنوبه واصر على عيوبه حتى صارت فيه الصفات الراسخة فانه يعسر عليه ايجاد التوبة التامة. والغالب انه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لاسبابها كالذي يعمل السوء على علم تام ويقين. وتهاون بنظر الله اليك. فانه سد على نفسه باب الرحمة. نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب عن عمد ويقين لتوبة تامة. التي يمحو بها ما سلف من سيئاته وما تقدم من جناياته. ولكن الرحمة والتوفيق في الاول اقرب ولهذا ختم الاية الاولى بقوله وكان الله عليما حكيما. فمن علمه انه يعلم صادق التوبة وكاذبها. فيجازي كلا منهم بحسب ما يستحق بحكمته. ومن حكمته ان يوفق من اقتضت حكمته ورحمته توفيقه للتوبة. ويخذل من اقتضت حكمته وعدله عدم توفيقه والله اعلم عاشروهن بالمعروف كرهتموهن فاعسى ان تكرهوا شيئا كانوا في الجاهلية اذا مات احدهم عن زوجته رأى قريبه كاخيه وابن عمه ونحوهما انه احق بزوجته من كل احد وحماها عن غيره. فان احبها تزوجها على صداق يحبه دونها. وان لم ترضيها عضلها فلا يزوجها الا من يختاره هو. وربما امتنع من تزويجها حتى تبذل له شيئا مما يراث قريبه او من صداقها. وكان الرجل ايضا يعضل زوجته التي يكون يكرهها ليذهب ببعض ما اتاها. فنهى الله المؤمنين عن جميع هذه الاحوال. الا حالتين اذا اختارت نكاح قريب زوجها الاول كما هو مفهوم قوله كرها. واذا اتينا بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش واذيتها لزوجها فانه في هذه الحال يجوز له ان يعضلها عقوبة لها على فعلها لتفتدي منه اذا كان عطلا بالعدل. ثم قال وعاشرنا وهن بالمعروف وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية فعلى الزوج ان يعاشر زوجته بالمعروف من الصحبة الجميلة وكف الاذى وبذل الاحسان وحسن المعاملة ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما. فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان. وهذا التفاوت بتفاوت الاحوال. فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. اي ينبغي لكم ايها الازواج ان تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن فان في ذلك خيرا كثيرا من ذلك امتثال امر الله. وقبول وصيته التي فيها سعادة الدنيا والاخرة. ومنها ان زاره نفسه مع عدم محبته لها فيه مجاهدة النفس. والتخلق بالاخلاق الجميلة. وربما ان الكراهة تزول وتخلفها المحبة. كما هو الواقع في ذلك وربما رزق منها ولدا صالحا نفع والديه في الدنيا والاخرة وهذا كله مع الامكان في الامساك وعدم المحظور. فان كان لا بد من الفراق وليس للامساك محل. فليس الامساك بلازم بل متى اردتم استبدال زوج مكان زوج؟ اي تطليق الزوجة وتزوج اخرى اي فلا جناح عليكم في ذلك ولا حرج. ولكن اذا اتيتم احداهن اي المفارقة او التي تزوجها ان طار اي مالا كثيرة فلا تأخذوا منه شيئا. بل وفروه لهن ولا بهن وفي هذه الاية دلالة على عدم تحريم كثرة المهر. مع ان الافضل واللائق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف المهر. ووجه الدلالة ان الله اخبر عن امر يقع منهم ولم يمكنه عليهم فدل على عدم تحريمه. لكن قد ينهى عن كثرة الصداق اذا تضمن مفسدة دينية وعدم مصلحة تقاوم ثم قال اتأخذونه بهتانا واثما مبينا؟ فان هذا لا يحل. ولو تحايلتم عليه بانواع الحيل فان اثمه واضح وقد بين تعالى حكمة ذلك بقوله وقد افضى بعضكم الى بعض غليظا. وبيان ذلك ان الزوجة قبل عقد النكاح محرمة على الزوج. ولم ترضى بحلها له الا بذلك المهر الذي يدفعه لها. فاذا دخل بها وافضى اليها وباشرها المباشرة التي كانت حراما قبل ذلك. التي لم ترضى ببذلها الا بذلك العوض. فانه استوفى المعوظ فثبت عليه العوظ. فكيف يستوفي المعوظ؟ ثم بعد ذلك يرجع على العوظ. هذا من اعظم الظلم والجور. وكذلك اخذ الله على للازواج ميثاقا غليظا بالعقد. والقيام بحقوقها. ثم قال تعالى اي لا تتزوجوا من النساء ما تزوجهن اباؤكم اي الاب وان علا. انه كان فاحشة اي امرا قبيحا يفحش ويعظم قبحه. ومقتا من الله لكم ومن الخلق. بل يمقت بسبب ذلك الابن اباه. والاب ابناه. مع الامر ببره سبيلا اي بئس الطريق طريقا لمن سلكه. لان هذا من عوائد الجاهلية التي جاء الاسلام بالتنزه عنها والبراءة منها واخواتكم اختي وامهاتكم وامهاتكم اللاتي ارضعنكم واخواتكم من الرضاعة ان فلا جناح عليكم وحلال ابنائكم الذين من ان الله كان غفورا رحيما. هذه الايات الكريمات مشتملات على المحرمات بالنسب والمحرمات بالرضاع والمحرمات بالصهر والمحرمات بالجمع وعلى المحللات من النساء. فاما في النسب فهن السبع اللاتي ذكرهن الله. الام يدخل فيها كل من لها عليك ولادة وان بعدت. ويدخل في البنت كل من لك عليها ولادة والاخوات الشقيقات او لاب او لام والعمة كل اخت لابيك او لجدك وان علا والخالة كل اخت لامك او جدتك وان علت وارثة ام لا؟ وبنت الاخ وبنات الاخت اي وان نزلت. فهؤلاء هن المحرمات من النسب باجماع العلماء. كما هو نص الكريمة وما عداهن فيدخل في قوله واحل لكم ما وراء ذلكم. وذلك كبنت العمة والعم وبنت الخال والخالة. واما المحرمات بالرضاعة فقد ذكر الله منهن الام والاخت. وفي ذلك تحريم الام مع ان اللبن ليس لها انما هو لصاحب اللبن. دل بتنبيهه على ان صاحب يكون ابا للمرتظع فاذا ثبتت الابوة والامومة ثبت ما هو فرع عنهما كاخوتهما واصولهم وفروعهم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. فينتشر التحريم من جهة المرضعة ومن له اللبن. كما ينتشر في الاقارب وفي الطفل المرتظع الى ذريته فقط. لكن بشرط ان يكون الرضاع خمس رضعات في الحولين. كما بينت السنة. واما المحرمات بالصهر فهن اربع. حلائل الاباء وان علوا وحلائل الابناء وان نزلوا وارثين او محجوبين وامهات الزوجة وان علو فهؤلاء الثلاث يحرمن بمجرد العقد والرابعة الربيبة وهي بنت زوجته وان نزلت فهذه لا تحرم حتى يدخل بزوجته. كما قال هنا وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن. وقد قال الجمهور ان قوله اللاتي في حجوركم قيد خرج مخرج الغالب لا مفهوم له. فان تحرم ولو لم تكن في حجره. ولكن للتقييد بذلك فائدتان. احداهما فيه التنبيه على الحكمة في تحريم الربيبة. وانها كانت بمنزلة البنت فمن المستقبح اباحتها. والثانية فيه دلالة على جواز الخلوة بالربيبة. وانها بمنزلة من هي في حجره من بناته ونحوهن. والله اعلم واما المحرمات بالجمع فقد ذكر الله الجمع بين الاختين وحرمه. وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين المرأة وعمتها او خالتها. فكل امرأتين بينهما رحم محرم لو قدر احداهما ذكرا والاخرى انثى حرمت عليه فانه يحرم الجمع بينهما وذلك لما في ذلك من اسباب التقاطع بين الارحام ومن المحرمات في النكاح. والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم كتاب الله عليكم واحل لكم ما وراء داركم ان تبتغوا باموالكم والم المحصنات من النساء اي ذوات الازواج فانه يحرم نكاحهن ما دمنا في ذمة الزوج حتى تطلق وتنقضي عدتها الا ما ملكت ايمانكم اي بالسبي فاذا سبيت الكافرة ذات الزوج حلت للمسلمين بعد ان تستبرأ واما اذا بيعت الامة المزوجة او وهبت فانه لا ينفسخ نكاحها لان المالك الثاني نزل منزلة الاول. ولقصة بريرة حين خيرها النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله كتاب الله عليكم اي الزموه واهتدوا به. فان فيه الشفاء والنور وفيه تفصيل الحلال من الحرام. ودخل في قوله واحل لكم ما وراء ذلكم. كل ما لم يذكر في هذا هذه الاية فانه حلال طيب. فالحرام محصور. والحلال ليس له حد ولا حصر. لطفا من الله ورحمة وتيسيرا للعباد. وقوله ان تبتغوا باموالكم اي تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم. من اللاتي اباحهن الله لكم حالت كونكم محصنين. اي مستعفين عن الزنا معفين نسائكم غير مسافحين والسفح سفح الماء في الحلال والحرام. فان الفاعلا لذلك لا يحسن زوجته لكونه وضع شهوته في الحرام فتضعف داعيته للحلال فلا يبقى محسنا لزوجته. وفيها دلالة على انه لا يزوج غير العفيف. لقوله تعالى الزاني لا ينكح الا زاني او مشركة. والزانية لا ينكحها الا زان او مشرك. فما استمتعتم به منهن. اي ممن تزوجتموها فاتوهن اجورهن. اي في مقابلة الاستمتاع. ولهذا اذا دخل الزوج بزوجته تقرر عليه صداقها فريضة. اي ايتاؤكم اياهن اجورهن. فرض فرضه الله الله عليكم ليس بمنزلة التبرع الذي ان شاء امضاه وان شاء رده. او معنى قوله فريضة اي مقدرة قد قدرتموها فوجبت عليكم لا تنقصوا منها شيئا ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة. اي بزيادة من الزوج او اسقاط من الزوجة عن رضا وطيب نفس. هذا قولك كثير من المفسرين وقال كثير منهم انها نزلت في متعة النساء التي كانت حلالا في اول الاسلام. ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم. وانه يؤمر بتوقيتها واجرها. ثم اذا انقضى الامد الذي بينهما فتراضيا بعد الفريضة فلا حرج عليهما. والله اعلم. ان الله كان عليما حكيمة اي كامل العلم واسعه كامل الحكمة. فمن علمه وحكمته شرع لكم هذه الشرائع. وحد لكم هذه الحدود الفاصلة بين الحلال والحرام ثم قال تعالى ايمانكم من فتياتكم المؤمنات. والله اعلم بايمانكم بعضكم من بعض غير مسافحات ولا متخذات اقدام اي ومن لم يستطع القول الذي هو المهر لنكاح المحصنات اي الحرائر المؤمنات وخاف على نفسه العنت. اي الزنا او المشقة الكثيرة. فيجوز له نكاح الاماء المملوكات المؤمنات. وهذا بحسب ما اظهر والا فالله اعلم بالمؤمن الصادق من غيره. فامور الدنيا مبنية على ظواهر الامور. واحكام الاخرة مبنية على ما في المواطن. فانكحوه اي المملوكات باذن اهلهن اي سيدهن واحدا او متعددا. واتوهن اجورهن بالمعروف. اي ولو كنا اماء. فانه كما يجب المهر للحرة فكذلك يجب للامة. ولكن يجوز نكاح الاماء الا اذا كن محصنات. اي عفيفات عن الزنا غير مسافحات اي زانيات علانية ولا متخذات اخدان. اي اخلاء في السر. فالحاصل انه لا يجوز للحر المسلم نكاح امة. الا باربعة شروط ذكرها الله الايمان بهن والعفة ظاهرا وباطنا. وعدم استطاعة قول الحرة وخوف العنت. فاذا تمت هذه الشروط جاز له نكاحهن. ومع هذا الصبر عن نكاحهن افضل لما فيه من تعريض الاولاد للرق. ولما فيه من الدناءة والعيب. وهذا اذا امكن الصبر. فان لم يمكن الصبر عن المحرم الا بنكاح وجب ذلك. ولهذا قال وان تصبروا خير لكم. والله غفور رحيم. وقوله فاذا احصن اي تزوجنا او اي الاماء فعليهن نصف ما على المحصنات اي الحرائر من العذاب. وذلك الذي يمكن تنصيفه وهو الجلد فيكون عليه هن خمسون جلدة واما الرجم فليس على الاماء رجم. لانه لا يتنصف. فعلى القول الاول اذا لم يتزوجن فليس عليهن حد. انما عليهن كثير يردعهن عن فعل الفاحشة. وعلى القول الثاني ان الاماء غير المسلمات. اذا فعلن فاحشة ايضا عذرن. وختم هذه الاية بهذين الاسمين الكريمين الغفور والرحيم. لكون هذه الاحكام رحمة بالعباد وكرما واحسانا اليهم. فلم يضيق عليهم بل وسع غاية السعادة ولعل في ذكر المغفرة بعد ذكر الحج اشارة الى ان الحدود كفارات. يغفر الله بها ذنوب عباده. كما ورد بذلك الحديث. وحكم العبد في الحد المذكور حكم الامة لعدم الفارق بينهما يخبر تعالى بمنته العظيمة ومنحته الجسيمة وحسن تربيته لعباده المؤمنين وسهولة دينه. فقال يريد الله ليبين لكم اي جميع ما تحتاجون الى بيانه من الحق والباطل والحلال والحرام ويهديكم سنن الذين من قبلكم اي الذين انعم الله عليهم من النبيين واتباعهم في سيرهم الحميدة وافعالهم السديدة وشمائلهم الكاملة وتوفيقهم التام. فلذلك نفذ ما اراد ووضح لكم وبين بيانا ما بين لمن قبلكم وهداكم هداية عظيمة في العلم والعمل ويتوب عليكم ان يلطف بكم في احوالكم ومشرعه لكم حتى تمكنوا من الوقوف على ما حده الله والاكتفاء بما احله تقل ذنوبكم بسبب ما يسر الله عليكم. فهذا من توبته على عباده. ومن توبته عليهم انهم اذا اذنبوا فتح لهم ابواب الرحمة. واوزع قلوبهم انابة اليه والتذلل بين يديه. ثم يتوب عليهم بقبول ما وفقهم له. فله الحمد والشكر على ذلك. وقوله والله عليم حكيم. اي حملوا الحكمة فمن علمه ان علمكم ما لم تكونوا تعلمون. ومنها هذه الاشياء والحدود ومن حكمته انه يتوب على من اقتضت حكمته ورحمته التوبة عليه ويخذل من اقتضت حكمته وعدله من لا يصلح للتوبة. وقوله والله يريد ان يتوب عليكم اي توبة تلم شعثكم وتجمع متفرقكم وتقرب بعيدكم. ويريد الذين يتبعون الشهوات ان يميلون معها حيث مالت. ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم ويعبدون اهواءهم من اصناف الكفرة والعاصين. المقدمين لاهوائهم على طاعة ربهم. فهؤلاء يريدون ان تميلوا ميلا عظيما. اي ان عن الصراط المستقيم الى صراط المغضوب عليهم ولا الضالين. يريدون ان يصرفوكم عن طاعة الرحمن الى طاعة الشيطان. وعن التزام حدوده من السعادة كلها في امتثال اوامره الى من الشقاوة كلها في اتباعه. فاذا عرفتم ان الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم وان هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء. فاختاروا لانفسكم اولى الداعيين. وتخيروا احسن الطريقتين ونحوهما للمضطر وكتزوج الامة للحر بتلك الشروط السابقة. وذلك لرحمته التامة واحسانه الشامل. وعلمه وحكمته بضعف الانسان من الوجوه ضعف البنية وضعف الارادة وضعف العزيمة وضعف الايمان وضعف الصبر فنسبه ذلك ان يخفف الله عنه ما يضعف عنه وما لا يطيقه ايمانه صبره وقوته ان الله كان بكم رحيما. ينهى تعالى عباده المؤمنين ان يأكلوا اموالهم بينهم بالباطل. وهذا يشمل اكلها والسرقات واخذها بالقمار والمكاسب الرديئة. بل لعله يدخل في ذلك اكل مال نفسك على وجه البطر والاسراف. لان هذا من الباطل وليس من الحق ثم انه لما حرم اكلها بالباطل اباح لهم اكلها بالتجارات والمكاسب الخالية من الموانع المشتملة على الشروط من التراضي وغيره ولا انفسكم اي لا يقتل بعضكم بعضا. ولا يقتل الانسان نفسه. ويدخل في ذلك الالقاء بالنفس الى التهلكة. وفعل الاخطار المفضية الى التلف والهلاك ان الله كان بكم رحيما. ومن رحمته انصانا نفوسكم واموالكم. ونهاكم عن اضاعتها واتلافها. ورتب على ذلك ما رتبه من الحدود وتأمل هذا الاجازة والجمع في قوله لا تأكلوا اموالكم ولا تقتلوا انفسكم. كيف شمل اموال غيرك ومال نفسك؟ وقتل نفسك وقتل غيرك بعبارة اخسر من قوله لا يأكل بعضكم مال بعض. ولا يقتل بعضكم بعضا. مع قصور هذه العبارة على مال الغير ونفس الغير فقط مع ان اضافة الاموال والانفس الى عموم المؤمنين فيه دلالة على ان المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ومصالحهم الجسد الواحد حيث كان الايمان يجمعهم على مصالحهم الدينية والدنيوية. ولما نهى عن اكل الاموال بالباطل التي فيها غاية الضرر عليهم على الاكل ومن اخذ ماله اباح لهم ما فيه مصلحته من انواع المكاسب والتجارات وانواع الحرف والايجارات. فقال الا ان تكون تجارة عن تراض منكم اي فانها مباحة لكم. وشرط التراضي مع كونها تجارة لدلالة انه يشترط ان يكون العقد غير عقد ربا. لان الربا ليس من التجارة المخالف لمقصودها وانه لابد ان يرضى كل المتعاقدين ويأتي به اختيارا. ومن تمام الرضا ان يكون المعقود عليه معلوما. لانه اذا لم يكن كذلك لا يتصور الرضا مقدورا على تسليمه. لان غير المقدور عليه شبيه ببيع القمار. فبيع الغرر بجميع انواعه خال من الرضا. فلا ينفذ عقده وفيها انه تنعقد العقود بما دل عليها من قول او فعل. لان الله شرط الرضا فباي طريق حصل به الرضا انعقد به العقد ختم الاية بقوله ان الله كان بكم رحيما. ومن رحمته ان عصم دمائكم واموالكم وصانها. ونهاكم عن انتهاكها. ثم قال ومن يفعل ذلك اي اكل الاموال بالباطل وقتل النفوس عدوانا وظلما. اي لا اهلا ونسيانا فسوف نصليه نارا. اي عظيمة كما يفيده التنكير. وكان ذلك على الله يسيرا وهذا من فضل الله واحسانه على عباده المؤمنين. وعدهم انهم اذا اجتنبوا كبائر المنهيات غفر لهم جميع الذنوب والسيئات وادخلهم مدخلا كريما. كثير الخير وهو الجنة المشتملة على ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ويدخل في اجتناب الكبائر فعل الفرائض التي يكون تاركها مرتكبا كبيرة. كالصلوات الخمس والجمعة وصوم رمضان. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ينهى تعالى المؤمنين عن ان يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره. من الامور الممكنة وغير الممكنة. فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال. تمنيا مجردا لان هذا هو الحسد بعينه. تمني نعمة الله على غيرك. ان تكون ويسلب اياها. ولانه يقتضي السخط على قدر الله. والاخلاد الى الكسل والامان الباطنة. التي لا يقترن بها عمل ولا كسب. وانما المحمود ان يسأل العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية. ويسأل الله تعالى من فضله فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه ولهذا قال تعالى للرجال نصيب مما اكتسبوا. اي من اعمالهم المنتجة للمطلوب. وللنساء نصيب مما اكتسبن. فكل منهم لا يناله خير ما كسبه وتعب فيه. واسألوا الله من فضله. اي من جميع مصالحكم في الدين والدنيا. فهذا كمال العبد وعنوان سعادته. لا من يترك العمل ثم ذكر نوعا اخر من الموالي فقال والذين عقدت ايمانكم اي حالفتموهم بما عقدتم معهم من عقد المحالفة على النصرة والمساعدة راكب الاموال وغير ذلك. وكل هذا من نعم الله على عباده. حيث كان الموالي يتعاونون بما لا يقدر عليه بعضهم مفردا. قال تعالى فاتوا نصيبهم ايات الموالي نصيبهم. الذي يجب القيام به من النصرة والمعاونة والمساعدة. على غير معصية الله. والميراث للاقارب الادنين من من الموالي ان الله كان على كل شيء شهيدا. اي مطلعا على كل شيء بعلمه لجميع الامور. وبصره لحركات عباده. وسمعه لجميع اصواتهم بما فضل الله بعضهم على بعض قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله والتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن يخبر تعالى ان الرجال قوامون على النساء اي قوامون عليهن بالزامهن بحقوق الله تعالى من المحافظة على فرائضه وكفهن عن المفاسد. والرجال عليهم ان يلزموهن بذلك. وقوامون عليهن ايضا بالانفاق عليهن. والكسوة والمسكن كما ذكر السبب الموجب لقيام الرجال على النساء فقال بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم. اي بسبب فضل الرجال على النساء وافضالهم عليهن. فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة. من كون الولايات مختصة بالرجال والنبوة والرسالة واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد والاعيان والجمع. وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد. الذي ليس للنساء مثله. وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء. ولعل هذا سر قوله بما انفقوا وحذف المعمول ليدل على عموم النفقة فعلم من هذا كله ان الرجل كالوالي والسيد لامرأته. وهي عنده عانية اسيرة خادمة. فوظيفته ان يقوم بما استرعاه الله به ووظيفتها القيام بطاعة ربها وطاعة زوجها. فلهذا قال الصالحات قانتات اي مطيعات لله تعالى حافظات طيب اي مطيعات لازواجهن حتى في الغيب. تحفظ بعلها بنفسها وماله. وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن لا من انفسهن ان النفس امارة بالسوء. ولكن من توكل على الله كفاه ما اهمه من امر دينه ودنياه. ثم قال واللاتي تخافون نشوزهن اي ارتفاعهن عن طاعة ازواجهن بان تعصيهم بالقول او الفعل فانه يؤدبها بالاسهل فالاسهل. فعظوهن اي ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة والترهيب من المعصية. فان انتهت فذلك المطلوب والا فيهجرها الزوج في المضجع. بالا يضاجعها ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود والا ضربها ضربا غير مبرح. فان حصل المقصود بواحد من هذه الامور واطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. اي فقد حصل لكم ما تحبون. فاتركوا معاتبتها على الامور الماضية. والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر. ان الله كان كبيرا اي له العلو المطلق بجميع الوجوه والاعتمارات. علو الذات وعلو القدر وعلو القهر. الكبير الذي لا اكبر منه ولا اجل ولا اعظم كبير الذات والصفات اي وان خفتم الشقاق بين الزوجين والمباعدة والمجانبة حتى يكون كل منهما في شق فابعثوا حكم من اهله وحكما من اهله فيها اي رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين ويعرفان الجمع والتفريق. وهذا مستفاد من لفظ الحكم. لانه ولا يصبح حكما الا من اتصف بتلك الصفات. فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه. ثم يلزمان كلا منهما على ما يجب. فان لم يستطع احدهما ذلك قناع الزوج الاخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق. ومهما امكنهما الجمع والاصلاح فلا يعدلا عنه. فان وصلت الحال الى انه لا يمكن اجتماعهما واصلاحهما الا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله. ورأيا ان التفريق بينهما اصلح فرق بينهما. ولا يشترط رضا الزوج كما يدل عليه ان الله سماهما حكمين. والحكم يحكم ولو لم يرضى المحكوم عليه. ولهذا قال ان يريدا اصلاحا يوفق الله انهما اي بسبب الرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب. ويؤلف بين القرينين. ان الله كان عليما خبيرا. اي عالما بجميع الظواهر والبواطن مطلعا على خفايا الامور واسرارها. فمن علمه وخيره ان شرع لكم هذه الاحكام الجليلة والشرائع الجميلة قرينا فساء قرينا. والذين ينفقون اموالهم رئاء الناس. اي ليروهم ويمدحوهم عظموهم ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر. اي ليس انفاقهم صادرا عن اخلاص وايمان بالله ورجاء ثوابه. اي فهذا من خطوات والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنة وبني السبيل وما ملكت ايمانكم ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا. يأمر تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له. وهو تحترق عبوديته والانقياد لاوامره ونواهيه محبة وذلا واخلاصا له في جميع العبادات الظاهرة والباطنة وينهى عن الشرك به شيئا لا شركا اصغر ولا اكبر. لا ملكا ولا نبيا ولا وليا. ولا غيرهم من المخلوقين. الذين لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا. ولا موتا لا حياة ولا نشورا. بل الواجب المتعين اخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه. وله التدبير الكامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه احد ثم بعدما امر بعبادته والقيام بحقه امر بالقيام بحقوق العباد الاقرب فالاقرب. فقال وبالوالدين احسانا انا اي احسنوا اليهم بالقول الكريم والخطاب اللطيف والفعل الجميل بطاعة امرهما واجتناب نهيهما والانفاق عليهما واكرام من له تعلق بهما وصلة الرحم التي لا رحم لك الا بهما. وللاحسان ظدان الاساءة وعدم الاحسان. وكلاهما منهي عنه في القربى ايضا احسانا ويشمل ذلك جميع الاقارب قربوا او بعدوا بان يحسن اليهم بالقول والفعل وان لا يقطع برحمه بقوله او واليتامى اي الذين فقدوا اباءهم وهم صغار فلهم حق على المسلمين سواء كانوا اقارب او غيرهم بكفالتهم وبرهم لخواطرهم وتأديبهم وتربيتهم احسن تربية في مصالح دينهم ودنياهم. والمساكين وهم الذين اسكنتهم الحاجة والفقر فلم يحصلوا كفايتهم ولا كفاية من يمونون. فامر الله تعالى بالاحسان اليهم لسد خلتهم وبدفع فاقتهم والحض على ذلك والقيام بما لا يمكن منه والجار ذي القربى اي الجار القريب الذي له حقان. حق الجوار وحق القرابة. فله على جاره حق واحسان راجع الى العرف وكذلك الجار الجنب. اي الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار اقرب بابا كان اكد حقا. فينبغي للجار ان يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالاقوال والافعال وعدم اذيته بقول او فعل. والصاحب بالجنب قيل الرفيق بالسفر وقيل الزوجة وقيل الصاحب مطلقا ولعله اولى. فانه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ويشمل الزوجة. فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد اسلامه من مساعدته على امور دينه ودنياه. والنصح له والوفاء معه في اليسر والعسر. والمنشط والمكره وان يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه. وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد. وابن السبيل وهو الغريب الذي احتاج في بلد الغربة او لم يحتج له حق على المسلمين لشدة حاجته. وكونه في غير وطنه. بتبليغه الى مقصوده. او بعض مقصوده. وبإكرامه وتأنيسه. وما ملكت ايمانه اي من الادميين والبهائم بالقيام بكفايتهم وعدم تحميلهم ما يشق عليهم واعانتهم على ما يتحملون. وتأديبهم لما فيه مصلحتهم فمن قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لربه. المتواضع لعباد الله المنقاد لامر الله وشرعه. الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء الجميل ومن لم يقم بذلك فانه عبد معرض عن ربه غير منقاد لاوامره ولا متواضع للخلق. بل هو متكبر على عباد الله معجب بنفسه فخور بقوله ولهذا قال ان الله لا يحب من كان مختالا اي معجبا بنفسه متكبرا على الخلق فخورا يثني على ويمدحها على وجه الفخر والبطر على عباد الله. فهؤلاء ما بهم من الاختيال والفخر يمنعهم من القيام بالحقوق. ولهذا ذمهم بذلك بقوله الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما اتاهم الله من فضله ومن عفوه ومغفرته ان المؤمن لو اتاه بقراب الارض خطايا ثم لقيه لا يشرك به شيئا لاتاه بقرابها مغفرة الم تر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون ان تضلوا السبيل واعتدنا للكافرين على الذين يبخلون ان يمنعون ما عليه من الحقوق الواجبة يأمرون الناس بالبخل باقوالهم وافعالهم. ويكتمون ما اتاهم الله من فضله. اي من العلم الذي يهتدي به الضالون ويسترشد به الجاهلون فيكتمونه عليهم ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق. فجمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم وبين السعي في خسارة انفسهم وخسارة غيرهم وهذه هي صفات الكافرين. فلهذا قال تعالى واعتدنا للكافرين عذابا مهينا. اي كما تكبروا على عباد الله ومنعوا حقوقه وتسببوا في منع غيرهم من البخل وعدم الاهتداء. اهانهم بالعذاب الاليم والخزي الدائم. فعياذا بك اللهم من كل سوء ثم اخبر عن النفقة الصادرة عن رياء وسمعة وعدم ايمان به فقال واعماله التي يدعو حزبه اليها ليكونوا من اصحاب السعير. وصدرت منهم بسبب مقارنته لهم وازهم اليها. فلهذا قال ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا. اي بئس المقارن والصاحب الذي يريد اهلاك من قارنه. ويسعى فيه اشد السعي كما ان من بخل بما اتاه الله وكتم ما من الله به عليه عاص اثم مخالف لربه فكذلك من انفق وتعبد لغير الله فانه اثم عاص لربه مستوجب للعقوبة. لان الله انما امر بطاعته وامتثال امره على وجه الاخلاص. كما قال الله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين. فهذا العمل المقبول الذي يستحق صاحبه المدح والثواب. فلهذا حث تعالى عليه بقوله عليهم لو امنوا بالله واليوم الاخر وانفقوا مما رزقهم الله اي اي شيء عليهم واي حرج ومشقة تلحقهم لو حصل منهم الايمان بالله الذي هو الاخلاص. وانفقوا من اموالهم التي رزقهم الله وانعم بها عليهم. فجمعوا بين الاخلاص والانفاق ولما كان الاخلاص سرا بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه الا الله. اخبر تعالى بعلمه بجميع الاحوال فقال الله بهم علي ما يظلم مثقال ذرة يخبر تعالى عن كمال عدله وفضله وتنزهه عما يضاد ذلك من الظلم القليل والكثير فقال ان الله لا يظلم مثقال ذرة. اي ينقصها من حسنات عبده. او يزيدها في سيئاته. كما قال تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يرى ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. وان تكن حسنة يضاعفها اي الى عشرة امثالها الى اكثر من ذلك. بحسب حالها ونفعها وحال صاحبها اخلاصا ومحبة وكمالا. ويؤتي من لدنه اجرا عظيما. اي زيادة على ثواب العمل بنفسه. من التوفيق لاعمال خير واعطاء البر الكثير والخير الغزير. ثم قال تعالى شهيدا. اي كيف تكون تلك الاحوال وكيف يكون ذلك الحكم العظيم الذي جمع ان من حكم به كامل العلم كامل العدل كامل الحكمة بشهادة ازكى الخلق وهم الرسل على مع اقرار المحكوم عليه. فهذا والله الحكم الذي هو اعم الاحكام واعدلها واعظمها. وهناك يبقى المحكوم عليهم مقرين له لكمال الفضل والعدل والحمد والثناء. وهنالك يسعد اقوام بالفوز والفلاح والعز والنجاح. ويشقى اقوام بالخزي والفضيحة والعذاب المهين. ولهذا هذا قال توا بهم الارض ولا يكتبون الله يومئذ يود الذين كفروا وعصوا اي جمعوا بين الكفر بالله وبرسوله ومعصية الرسول. لو تسوى بهم الارض اي تبتلعهم ويكونون ترابا وعدما. كما قال تعالى ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا. ولا يكتمون الله حديثا. اي بل يقرون له بما عملوا. وتشهد عليهم السنتهم وايديهم بما كانوا يعملون. يومئذ يوفيهم الله جزاءهم الحق. ويعلمون ان الله هو الحق المبين. فاما ما ورد من ان الكفار يكتمون اللهم جحودهم فان ذلك يكون في بعض مواضع القيامة. حين يظنون ان جحودهم مغن عنهم من عذاب الله. فاذا عرفوا الحقائق وشهدت عليهم جوارحهم حينئذ ينجلي الامر ولا يبقى للكتمان موضع ولا نفع ولا فائدة صلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا ينهى تعالى عباده المؤمنين ان يقربوا الصلاة وهم سكارى حتى يعلموا ما يقولون. وهذا شامل لقربان مواضع الصلاة في المسجد فانه لا يمكن السكران من دخوله. وشامل لنفس الصلاة فانه لا يجوز للسكران صلاة ولا عبادة. لاختلاط عقله وعدم علمه بما يقول. ولهذا تحدد تعالى ذلك وغياه الى وجود العلم بما يقول السكران. وهذه الاية الكريمة منسوخة بتحريم الخمر مطلقا. فان الخمر في اول الامر كان غير محرم. ثم ان الله تعالى عرض لعباده بتحريمه. بقوله يسألونك عن الخمر والميسر. قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما. ثم انه تعالى نهاهم عن الخمر عند حضور الصلاة. كما في هذه الاية. ثم انه تعالى حرمه على الاطلاق. في جميع الاوقات في قوله يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام. رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه. ومع هذا فانه يشتد تحريمه وقت حضور الصلاة لتضمنه هذه المفسدة العظيمة. بعد حصول مقصود الصلاة الذي هو روحها ولبها. وهو الخشوع وحضور القلب. فان الخمر يسكن القلب ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة. ويؤخذ من المعنى منع الدخول في الصلاة في حال النعاس المفرط. الذي لا يشعر صاحبه بما يقول ويفعل. بل لعل فيه اشارة الى انه ينبغي لمن اراد الصلاة ان يقطع عنه كل شاغل يشغل فكره كمدافعة الاخبثين والتواقي لطعام ونحوه كما ورد في ذلك الحديث صحيح ثم قال ولا جنبا الا عابري سبيل. اي لا تقربوا الصلاة حالة كون احدكم جنبا الا في هذه الحال وهو عابر السبيل. اي تمر هنا في المسجد ولا تمكثون فيه حتى تغتسلوا. اي فاذا اغتسلتم فهو غاية المنع من قربان الصلاة للجنب. فيحل للجنب المرور في المسجد فقط وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احد منكم من الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا. فاباح التيمم للمريض مطلقا مع وجود الماء وعدمه. والعلة المرض الذي يشق معه استعمال الماء. وكذلك السفر فانه مظنة فقد الماء. فاذا فقده المسافر او وجد ما يتعلق بحاجته من شرب ونحوه جاز له التيمم. وكذلك اذا احدث الانسان ببول او غائط او ملامسة النساء فانه يباح له التيمم اذا لم يجد الماء حضرا وسفرا كما يدل على ذلك عموم الاية. والحاصل ان الله تعالى اباح التيمم في حالتين. حال عدم الماء وهذا مطلق في الحضر والسفر وحال المشقة باستعماله بمرض ونحوه. واختلف المفسرون في معنى قوله او لامستم النساء. هل المراد بذلك الجماع تكون الاية نصا في جواز التيمم للجنب. كما تكاثرت بذلك الاحاديث الصحيحة. او المراد بذلك مجرد اللمس باليد. ويقيد ذلك بما اذا كان مظنة خروج المذي وهو المس الذي يكون لشهوة فتكون الاية دالة على نقض الوضوء بذلك. واستدل الفقهاء بقوله فلم تجدوا ماء بطلب الماء عند دخول الوقت قالوا لانه لا يقال لم يجد لمن لم يطلب. بل لا يكون ذلك الا بعد الطلب. واستدل بذلك ايضا على ان الماء المتغير بشيء من الطاهرات يجوز بل يتعين التطهر به. لدخوله في قوله فلم تجدوا ماء وهذا ماء. ونزع في ذلك بانه ماء غير مطلق وفي ذلك نظر. وفي هذه الاية الكريمة مشروعية هذا الحكم العظيم. الذي امتن به الله على هذه الامة. وهو مشروعية التيمم وقد اجمع على ذلك العلماء ولله الحمد. وان التيمم يكون بالصعيد الطيب. وهو كل ما تصاعد على وجه الارض. سواء كان له غبار ام لا اتمنى ان يختص ذلك بذي الغبار. لان الله قال فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه. وما لا غبار له لا يمسح به. وقوله فامسحوا بوجوهكم وايديكم هذا محل المسح في التيمم. الوجه جميعه واليدان الى الكوعين. كما دلت على ذلك الاحاديث الصحيحة. ويستحب ان يكون ذلك بضربة واحدة كما دل على ذلك حديث عمار. وفيه ان تيمم الجنب كتيمم غيره بالوجه واليدين. فائدة اعلم ان قاعدة طبي تدور على ثلاث قواعد. حفظ الصحة عن المؤذيات والاستفراغ منها. والحمية عنها. وقد نبه تعالى عليها في كتابه العزيز. اما الصحة والحمية عن المؤذي. فقد امر بالاكل والشرب وعدم الاسراف في ذلك. واباح للمسافر والمريض الفطر حفظا لصحتهما. باستعمال ما يصلح البدن على وجه العدل وحماية للمريض عما يضره. واما استفراغ المؤذي فقد اباح تعالى للمحرم المتأذي برأسه ان يحلقه. لازالة الابخرة المحترقة فيه ففيه تنبيه على استفراغ ما هو اولى منها من البول والغائط والقيء والمني والدم وغير ذلك نبه على ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى وفي الاية وجوب تعميم مسح الوجه واليدين. وانه يجوز التيمم ولو لم يضيق الوقت. والا يخاطب بطلب الماء الا بعد وجود بسبب الوجوب والله اعلم. ثم ختم الاية بقوله ان الله كان عفوا غفورا. اي كثير العفو والمغفرة لعباده المؤمنين. بتيسير ما امر وتسهيله غاية التسهيل. بحيث لا يشق على العبد امتثاله. فيحرج بذلك. ومن عفوه ومغفرته ان رحم هذه الامة بشرع طهارة التراب بدل الماء عند تعذر استعماله. ومن عفوه ومغفرته ان فتح للمذنبين باب التوبة والانابة ودعاهم اليه. ووعدهم بمغفرة ذنوبهم وكفى بالله وليا. وكفى بالله وليا هذا ذم لمن اوتوا نصيبا من الكتاب وفي ضمنه تحذير عباده عن الاغترار بهم والوقوع في اشراكهم فاخبر انهم في انفسهم يشترون الضلالة اي يحبونها محبة عظيمة ويؤثرونها ايثار من يبذل المال الكثير في طلب ما يحبه فيؤثرون الضلال على الهدى والكفر على الايمان والشقاء على السعادة. ومع هذا يريدون ان تضلوا السبيل. فهم حريصون على اضلالكم غاية الحرص باذلون جهدهم في ذلك. ولكن لما كان الله ولي عباده المؤمنين وناصرهم بين لهم ما اشتملوا عليه من الضلال والاضلال. ولهذا فقال وكفى بالله وليا. ان يتولى احوال عباده ويلطف بهم في جميع امورهم. وييسر لهم ما به سعادتهم وفلاحهم. وكفى نصيرا ينصرهم على اعدائهم. ويبين لهم ما يحذرون منهم ويعينهم عليهم. فولايته تعالى فيها حصول الخير ونصره فيه زوال الشر ثم بين كيفية ضلالهم وعنادهم وايثارهم الباطل على الحق. فقال ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع ولو انهم قالوا سمعنا اطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم واقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون من الذين هادوا اي اليهود وهم علماء الضلال منهم يحرفون الكلم عن مواضعه اما بتغيير اللفظ او المعنى او هما جميعا. فمن تحريفهم تنزيل الصفات التي ذكرت في كتبهم التي لا تنطبق ولا تصدق الا على محمد صلى الله عليه وسلم على انه غير مراد بها ولا مقصود بها. بل اريد بها غيره وكتمانهم ذلك. فهذا حالهم في العلم اشر حال. قلبوا فيه الحقائق ونزلوا الحق على الباطل وجحدوا لذلك الحق. واما حالهم في العمل والانقياد فانهم يقولون سمعنا وعصينا. اي سمعنا قولك وعصينا وهذا غاية الكفر والعناد والشرود عن الانقياد. وكذلك يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم باقبح خطاب وابعده عن الادب يقولون اسمع غير مسمع قصدهم اسمع منا غير مسمع ما تحب بل مسمع ما تكره وراعنا قصدهم بذلك الرعونة بالعيب القبيح ويظنون ان اللفظ لما كان محتملا لغير ما ارادوا من الامور انه يروج على الله وعلى رسوله فتوصلوا بذلك اللفظ الذي يلوون به بالسنتهم الى الطعن في الدين والعيب للرسول. ويصرحون بذلك فيما بينهم. فلهذا قال لين بالسنتهم وطعنا في الدين. ثم ارشدهم الى ما هو خير لهم من ذلك. فقال ولو انهم قالوا سمعنا واطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم واقوم. وذلك لما تضمنه هذا الكلام من حسن الخطاب والادب اللائق في مخاطبة الرسول والدخول تحت طاعة الله والانقياد لامره وحسن التلطف في طلبهم العلم بسماع سؤالهم والاعتناء بامرهم فهذا هو الذي ينبغي لهم سلوكه. ولكن لما كانت طبائعهم غير زكية اعرضوا عن ذلك وطردهم الله بكفرهم وعنادهم ولهذا قال ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا امنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل ان نطمس وجوها من قبل ان نطمس يأمر تعالى اهل الكتاب من اليهود والنصارى ان يؤمنوا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وما انزل الله عليه من القرآن العظيم المهيمن على غيره من الكتب السابقة التي قد صدقها فانها اخبرت به فلما وقع المخبر به كان تصديقا لذلك الخبر وايضا فانهم ان لم يؤمنوا بهذا القرآن فانهم لم يؤمنوا بما في ايديهم من الكتب. لان كتب الله يصدق بعضها بعضا. ويوافق بعضها بعضا. فدعوة الايمان ببعضها دون بعض دعوا باطلة لا يمكن صدقها. وفي قوله امنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم. حث لهم وانهم ينبغي ان يكونوا قبل غيرهم مبادرين اليه. بسبب ما انعم الله عليهم به من العلم. والكتاب الذي يوجب ان يكون ما عليهم اعظم من غيرهم. ولهذا توعدهم على اعدم الايمان فقال من قبل ان نطمس وجوها فنردها على ادبارها. وهذا جزاء من جنس ما عملوا. كما تركوا الحق واثروا الباطل اغلب الحقائق فجعلوا الباطل حقا والحق باطلا. جوزوا من جنس ذلك بطمس وجوههم كما طمسوا الحق. وردها على ادبارها بان تجعل في اقفائهم وهذا اشنع ما يكون او نلعنهم كما لعنا اصحاب السبت بان يطردهم من رحمته ويعاقبهم بجعلهم قردة كما فعل باخوانهم الذين اعتدوا في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين. وكان امر الله مفعولا. كقوله انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء يخبر تعالى انه لا يغفر لمن به احدا من المخلوقين ويغفر ما دون الشرك من الذنوب صغائرها وكبائرها. وذلك عند مشيئته مغفرة ذلك. اذا اقتضت حكمته مغفرته فالذنوب التي دون الشرك قد جعلنا الله لمغفرتها اسبابا كثيرة كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة دعاء المؤمنين بعضهم لبعض وشفاعة الشافعين. ومن فوق ذلك كله رحمته التي احق بها اهل الايمان والتوحيد. وهذا بخلاف الشرك. فان على المؤمنين كتابا موقوتا. اي فاذا فرغتم من صلاتكم صلاة الخوف وغيرها. فاذكروا الله في جميع باحوالكم وهيئاتكم ولكن خصت صلاة الخوف بذلك لفوائد. منها ان القلب صلاحه وفلاحه وسعادته بالانابة قد سد على نفسه ابواب المغفرة واغلق دونه ابواب الرحمة فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد ولا تفيده المصائب شيئا وما لهم يوم القيامة من من شافعين ولا صديق حميم. ولهذا قال تعالى ومن يشرك بالله فقد افترى اثما عظيما. اي افترى جرما كبيرا. واي ظلم اعظم من من سوى المخلوق من تراب الناقص من جميع الوجوه الفقير بذاته من كل وجه الذي لا يملك لنفسه فضلا عن من عبده نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. بالخالق لكل شيء الكامل من جميع الوجوه. الغني بذاته عن جميع مخلوقاته. الذي بيده النفع والضر والعطاء اول من الذي ما من نعمة بالمخلوقين الا فمنه تعالى فهل اعظم من هذا الظلم شيء؟ ولهذا حتم على صاحبه بالخلود بالعذاب الثواب انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. وهذه الاية الكريمة في حق غير التائب. واما التائب فانه له الشرك فما دونه. كما قال تعالى قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. ان الله يغفر الذنوب جميعا اي لمن تاب اليه واناب بل الله يزكي من يشاء ولا يبلغن فتينا هذا تعجيب من الله لعباده. وتوبيخ للذين يزكون انفسهم من اليهود والنصارى. ومن نحى نحوهم من كل من زكى نفسه بامر ليس فيه وذلك ان اليهود والنصارى يقولون نحن ابناء الله واحباؤه. ويقولون لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى. وهذا مجرد ولا برهان عليها وانما البرهان ما اخبر به في القرآن في قوله بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليه ولا هم يحزنون. فهؤلاء هم الذين زكاهم الله. ولهذا قال هنا بل الله يزكي من يشاء. اي بالايمان والعمل الصالح بالتخلي عن اخلاق الرذيلة والتحلي بالصفات الجميلة. واما هؤلاء فهم وان زكوا انفسهم بزعمهم انهم على شيء. وان الثواب لهم وحدهم فانهم كذبة في ذلك ليس لهم من خصال الزكين نصيب بسبب ظلمهم وكفرهم لا بظلم من الله لهم. ولهذا قال ولا يظلمون فتيلا وهذا لتحقيق العموم اي لا يظلمون شيئا ولا مقدار الفتيل الذي في الشق النواة او الذي يفتن من وسخ اليد وغيرها. قال تعالى انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به اثنا مبينا انظر كيف يفترون على الله الكذب اي بتزكيتهم انفسهم. لان هذا من اعظم الافتراء على الله. لان مضمون تزكيتهم لانفسهم. الاخبار بان الله جعل ما هم عليه حقا وما عليه المؤمنون المسلمون باطلا. وهذا اعظم الكذب. وقلب الحقائق بجعل الحق باطلا. والباطل حقا. ولهذا قال وكفى به اثما مبينا. اي ظاهرا بينا. موجبا للعقوبة البليغة والعذاب الاليم هؤلاء من الذين امنوا سبيلا. وهذا من قبائح اليهود وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ان اخلاقهم الرذيلة وطمعهم الخبيث حملهم على ترك الايمان بالله ورسوله والتعوظ عنه بالايمان بالجبت وهو الايمان بكل عبادة لغير الله او حكم بغير شرع الله. فدخل في ذلك السحر والكهانة وعبادة غير الله وطاعة الشيطان كل هذا من الجبت والطاغوت. وكذلك حملهم الكفر والحسد على ان فضلوا طريقة الكافرين بالله. عبدة الاصنام على طريق المؤمنين. فقال ويقول للذين كفروا اي لاجلهم تملقا لهم ومداهنة وبغضا للايمان. هؤلاء اهدى من الذين امنوا سبيلا. اي طريقا فما اسمى واشد عنادهم واقل عقولهم. كيف سلكوا هذا المسلك الوخيم والوادي الذميم؟ هل ظنوا ان هذا يروج على احد من العقلاء؟ او يدخل عقل احد من الجهلاء فهل يفضل دين قام على عبادة الاصنام والاوثان؟ واستقام على تحريم الطيبات واباحة الخبائث. واحلال كثير من المحرمات واقامة الظلم بين الخلق وتسوية الخالق بالمخلوقين والكفر بالله ورسله وكتبه على دين قام على عبادة الرحمن والاخلاص لله في السر وهذا المجيء الى الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بحياته. لان السياق يدل على ذلك. لكون الاستغفار من الرسول لا يكون الا في حياته. واما بعد موته فانه لا يطلب منه شيء بل ذلك شرك اعلان والكفر بما يعبد من دونه من الاوثان والانداد والكاذبين. وعلى صلة الارحام والاحسان الى جميع الخلق. حتى البهائم واقامة العدل والقسط من الناس وتحريم كل خبيث وظلم والصدق في جميع الاقوال والاعمال. فهل هذا الا من الهذيان؟ وصاحب هذا القول اما من اجهل الناس واضعفهم عقل واما من اعظمهم عنادا وتمردا ومراغمة للحق. وهذا هو الواقع ولهذا قال تعالى عنهم كالذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا اولئك الذين لعنهم الله اي طردهم عن رحمته واحل عليهم نقمته. ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا. ان يتولاه ويقوم بمصالحه ويحفظه عن المكاره وهذا غاية الخذلان ام لهم نصيب من الملك؟ اي فيفضلون من شاءوا على من شاؤوا بمجرد اهوائهم فيكونون شركاء لله في تدبير المملكة وكانوا كذلك لشحوا وبخيلوا اشد البخل. ولهذا قال فاذا اي لو كان لهم نصيب من الملك لا يؤتون الناس نقيرا. اي شيئا قليلا وهذا وصف له من شدة البخل. على تقدير وجود ملكهم المشارك لملك الله. واخرج هذا مخرج الاستفهام المتقرر انكاره. عند كل احد فقد اتينا ابراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكا عظيما. ام يحسدون الناس على ما اتاهم الله من اي هل الحامل لهم على قولهم كونهم شركاء لله فيفضلون من شاءوا ام الحامل لهم على ذلك الحسد للرسول وللمؤمنين على ما اتاهم الله من فضله وذلك ليس ببدع ولا غريب على فضل الله. فقد اتينا ال إبراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكا عظيما. وذلك ما انعم الله وبه على ابراهيم وذريته من النبوة والكتاب والملك الذي اعطاه من اعطاه من انبيائه كداوود وسليمان. فان عامه لم يزل مستمرا على عباده المؤمنين فكيف ينكرون انعامه بالنبوة والنصر والملك لمحمد صلى الله عليه وسلم؟ افضل الخلق واجلهم واعظمهم معرفة بالله واخشى له فمنهم من امن به اي بمحمد صلى الله عليه وسلم فنال بذلك السعادة الدنيوية والفلاح الاخروي ومنهم من صد عنه عنادا وبغيا وحسدا. فحصل له من شقاء الدنيا ومصائبها ما هو بعض اثار معاصيهم كفى بجهنم سعيرا تسعر على من كفر بالله وجحد نبوة انبيائه من اليهود والنصارى وغيرهم من اصناف الكفرة. ولهذا قال ان الذين كفروا باياتنا سوف نصليهم نارا. كلما نضجت جلودهم بل كلما نضجت جلودهم بدلنا كلما نضجت جلودهم بدلنا ان الله كان عزيزا ان الذين كفروا باياتنا سوف نصليهم نارا. اي عظيمة الوقود شديدة الحرارة. كلما نضجت جلودهم اي احترقت بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب. اي ليبلغ العذاب منهم كل مبلغ. وكما تكرر منهم الكفر والعناد. وصار وصفا لهم كرر عليهم العذاب جزاء وفاقا. ولهذا قال ان الله كان عزيزا حكيما. اي له العزة العظيمة والحكمة في خلقه وامره وثوابه وعقابه الانهار فيها ابدا لهم فيها ازواج مطهرة وندخلهم ظلا والذين امنوا اي بالله وما اوجب الايمان به. وعملوا الصالحات من الواجبات والمستحبات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار. خالدين فيها ابدا. لهم فيها ازواج مطهرة. اي من الاخلاق الرذيلة والخلق الذميم مما يكون من نساء الدنيا من كل دنس وعيب وندخلهم ظلا ظليلا الامانات كل ما اؤتمن عليه الانسان وامر بالقيام به. فامر الله عباده بادائها اي كاملة موفرة. لا منقوصة ولا مبخوسة. ولا منطونا بها. ويدخل في ذلك امانة الولايات والاموال والاسرار والمأمورات التي لا يطلع عليها الا الله. وقد ذكر الفقهاء على ان من اؤتمن امانة وجب عليه حفظها في حرز مثلها قالوا لانه لا يمكن اداؤها الا بحفظها فوجب ذلك. وفي قوله الى اهلها دلالة على انها لا تدفع وتؤدى المؤتمن ووكيله بمنزلته. فلو دفعها لغير ربها لم يكن مؤديا لها. واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل. وهذا يشمل ما بينهم في الدماء والاموال والاعراض. القليل من ذلك والكثير. على القريب والبعيد والبر والفاجر والولي والعدو. والمراد بالعدل الذي امر الله بالحكم به هو ما شرعه الله على لسان رسوله من الحدود والاحكام. وهذا يستلزم معرفة العدل ليحكم به. ولما كانت هذه اوامر حسنة عادلة قال ان الله نعم ما يعظكم به. ان الله كان سميعا بصيرا. وهذا مدح من الله لاوامره ونواهيه. لاشتمالها على مصالح الدارين مضارهما لان شارعها السميع البصير. الذي لا تخفى عليه خافية. ويعلم بمصالح العباد ما لا يعلمون الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم. فان تنازعتم في شيء فردوه من الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر. ذلك خير واحسن تأوينا. ثم امر بطاعته وطاعة رسوله. وذلك بامتثال امرهما الواجب والمستحب واجتناب نهيهما. وامر امر بطاعة اولي الامر وهم الولاة على الناس من الامراء والحكام والمفتيين. فانه لا يستقيم للناس امر دينهم ودنياهم الا بطاعتهم والانقياد اعاد الله له بالمغفرة من دون المؤمنين ايبتغون البشارة تستعمل في الخير وتستعمل في الشر كما في هذه الاية يقول تعالى بشر المنافقين اي الذين اظهروا الاسلام وابطنوا الكفر باقبح بشارة واسوأها لهم طاعة لله ورغبة فيما عنده. ولكن بشرط الا يأمروا بمعصية الله. فان امروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الامر بطاعتهم. وذكره مع طاعة الرسول. فان الرسول لا يأمر الا بطاعة الله. ومن يطعه فقد اطاع الله اما اولو الامر فشرط الامر بطاعتهم الا يكون معصية. ثم امر برد كل ما تنازع الناس فيه من اصول الدين وفروعه. الى الله والى رسوله. اي الى كتاب الله وسنة رسوله. فان فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية اما بصريحها او عمومها او ايماء او تنبيه. او مفهوم او معنى يقاس عليه ما اشبهه. لان كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين. ولا يستقيم الايمان الا بهما. فالرد اليهما شرط في الايمان فلهذا قال ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر. فدل ذلك على ان من لم يرد اليهما مسائل النزاع. فليس بمؤمن حقيقة بل مؤمن بالطاغوت كما ذكر في الاية بعدها ذلك اي الرد الى الله ورسوله خير واحسن تأويلا. فان حكم الله ورسوله احسن الاحكام واعدلها واصلحها للناس في امر دينهم ودنياهم وعاقبتهم وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول واذا قيل لهم تعالوا المنافقين يصدون عنك صدودا. يعذب تعالى عباده من حالة المنافقين. الذين يزعمون انهم مؤمنون بما جاء به الرسول وبما قبله. ومع هذا يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت. وهو كل من حكم بغير شرع الله فهو طاغوت. والحال انهم قد امروا ان يكفروا به. فكيف يجتمع هذا والايمان؟ فان الايمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه في كل امر من الامور. فمن زعم انه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله فهو كاذب في ذلك. وهذا من اضلال الشيطان اياهم. ولهذا قال ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا عن الحق يحلفون بالله ان اردنا فكيف يكون حال هؤلاء الضالين اذا اصابتهم مصيبة بما قدمت ايديهم من معاصي ومنها تحكيم الطاغوت. ثم جاءوك معتذرين لما صدر منهم ويقولون ان اردنا الا احسانا وتوفيقا. اي ما قصدنا في ذلك الا الاحسان الى المتخاصمين. والتوفيق بينهم وهم كذبة في ذلك. فان الاحسان كل الاحسان تحكيم الله ورسوله. ومن احسن من والله حكما لقوم يوقنون. ولهذا قال اولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم اي من النفاق والقصد السيء فاعرض عنهم اي لا تبالي بهم ولا تقابلهم على ما فعلوا افعلوه واقترفوه وعظهم اي بين لهم حكم الله تعالى مع الترغيب في الانقياد لله والترهيب من تركه. وقل لهم في انفسهم قولا بليغا انصحهم سرا بينك وبينهم فانه انجح لحصول المقصود. وبالغ في زجرهم وقمعهم عما كانوا عليه. وفي هذا دليل على ان مقترف المعاصي سوى ان اعرض عنه فانه ينصح سرا ويبالغ في وعظه بما يظن حصول المقصود به ولو انهم اذ ظلموا انفسهم يخبر تعالى خبرا في ضمنه الامر والحث على طاعة الرسول والانقياد له. وان الغاية من ارسال الرسل يكونوا مطاعين ينقادوا لهم المرسل اليهم في جميع ما امروا به ونهوا عنه. وان يكونوا معظمين تعظيم المطيع للمطاع. وفي هذا اثبات الرسل فيما يبلغونه عن الله. وفيما يأمرون به وينهون عنه. لان الله امر بطاعته مطلقا. فلولا انه معصومون لا يشرعون ما هو خطأ كما امر بذلك مطلقا. وقوله باذن الله اي الطاعة من المطيع صادرة بقضاء الله وقدره. ففيه اثبات القضاء والقدر. والحث على الاستعداد بالله وبيان انه لا يمكن الانسان ان لم يعنه الله ان يطيع الرسول. ثم اخبر عن كرمه العظيم وجوده ودعوته لمن اقترف السيئات ان يعترفوا ويتوبوا ويستغفروا الله فقال ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤوك اي معترفين بذنوبهم باخعين بها فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما. اي لتاب عليهم بمغفرته ظلمهم. ورحمهم بقبول التوبة والتوفيق لها والثواب ثم اقسم تعالى بنفسه الكريمة انهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم. اي في كل شيء يحصل فيه اختلاف بخلاف مسائل اجماع فانها لا تكون الا مستندة للكتاب والسنة. ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق. وكونهم يحكمونه على الاغماض ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليما. بانشراح صدر وطمأنينة نفس وانقياد بالظاهر والباطن. فالتحكيم في مقام الاسلام وانتفاء الحرج في مقام الايمان والتسليم في مقام الاحسان. فمن استكمل هذه المراتب وكملها فقد استكمل مراتب الدين كلها. فمن فك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر. ومن تركه مع التزامه فله حكم امثاله من العاصين لكان خيرا لهم لكان خيرا لهم اشد تثبيتا. يخبر تعالى انه لو كتب على عباده الاوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار. لم يفعله الا القليل منه النادر فليحمدوا ربهم وليشكروه على تيسير ما امرهم به من الاوامر التي تسهل على كل احد. ولا يشق فعلها. وفي هذا اشارة الى انه ينبغي ان ان يلحظ العبد ضد ما هو فيه من المكروهات. لتخف عليه العبادات ويزداد حمدا وشكرا لربه. ثم اخبر انهم لو فعلوا ما يوعظون به. اي ما وظف عليهم في كل وقت بحسبه. فبذلوا هممهم ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله. ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا اليه ولم يكونوا بصدده وهذا هو الذي ينبغي للعبد ان ينظر الى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكملها ثم يتدرج شيئا فشيئا حتى يصل الى ما قدر له من العلم والعمل في امر الدين والدنيا وهذا بخلاف من طمحت نفسه الى امر لم يصل اليه. ولم يؤمر به بعد. فانه لا يكاد يصل الى ذلك بسبب تفريق الهمة حصول الكسل وعدم النشاط. ثم رتب ما يحصل لهم على فعل ما يعادون به. وهو اربعة امور. احدها الخيرية في قوله لكان خيرا لهم اي لكانوا من الاخيار المتصفين باوصافهم من افعال الخير التي امروا بها. اي وانتفى عنهم بذلك صفة الاشرار. لان ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده الثاني حصول التثبيت والثبات وزيادته. فان الله يثبت الذين امنوا بسبب ما قاموا به من الايمان الذي هو القيام بما وعظوا به ثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الاوامر والنواهي والمصائب. فيحصل لهم ثبات يوفقون لفعل الاوامر وترك الزواجر. التي تقتضي النفس لها وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد فيوفق للتثبيت بالتوفيق للصبر او للرضا او للشكر. فينزل عليه معونة من الله للقيام لذلك ويحصل له الثبات على الدين عند الموت وفي القبر. وايضا فان العبد القائم بما امر به لا يزال يتمرن على الاوامر الشرعية حتى يألفها ويشتاق اليها والى امثالها. فيكون ذلك معونة له على الثبات على الطاعات. الثالث قوله اي في العاجل والآجل الذي يكون للروح والقلب والبدن ومن المقيم مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر الرابع الهداية الى صراط مستقيم. وهذا عموم بعد خصوص لشرف الهداية الى الصراط المستقيم. من كونها متضمنة للعلم بالحق ومحبته وايثاره والعمل به. وتوقف السعادة والفلاح على ذلك. فمن هدي الى صراط مستقيم. فقد وفق لكل خير واندفع عنه كل كل شر وضير. ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله من النبيين والصالحين وحسن اولئك اي كل من اطاع الله ورسوله على حسب حاله وقدر الواجب عليه من ذكر وانثى وصغير وكبير فاولئك مع الذين انعم الله عليهم اي النعمة العظيمة التي تقتضي الكمال والفلاح والسعادة من النبيين الذين فضلهم الله في وحيه واختصهم بتفضيلهم بارسالهم الى الخلق ودعوتهم الى الله تعالى والصديقين. وهم الذين كملوا تصديقهم بما جاءت به الرسل فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم. وبالقيام به قولا وعملا وحالا ودعوة الى الله. والشهداء الذين قاتلوا في سبيل الله لاعلاء كلمة الله فقتلوا والصالحين الذين صلح ظاهرهم وباطنهم. فصلحت اعمالهم. فكل من اطاع الله تعالى كان مع هؤلاء وفي صحبتهم وحسن اولئك رفيقا. بالاجتماع بهم في جنات النعيم. والانس بقربهم في جوار رب العالمين ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ذلك الفضل الذي نالوه من الله. فهو الذي وفقهم لذلك واعانهم عليه. واعطاهم من الثواب ما لا تبلغه اعمالهم. وكفى عليما يعلم احوال عباده ومن يستحق منهم الثواب الجزيل بما قام به من الاعمال الصالحة التي تواطأ عليها القلب والجوارح يا ايها الذين امنوا خذوا حذركم فانفروا سباتا او انفروا جميعا. يأمر تعالى عباده المؤمنين باخذ حذرهم من اعدائهم الكافرين. وهذا يشمل الاخذ بجميع الاسباب التي بها يستعان على قتالهم. ويستدفع مكرهم وقوتهم من استعمال الحصون والخنادق وتعلم الرمي والركوب وتعلم الصناعات التي تعين على ذلك. وما به يعرف مداخلهم ومخارجهم ومكروهم والنفير في سبيل الله. ولهذا قال فانفروا ثبات اي متفرقين بان تنفر سرية او جيش ويقيم غيرهم. او ينفروا وكل هذا تبع للمصلحة والنكاية والراحة للمسلمين في دينهم. وهذه الاية نظير قوله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ثم اخبر عن ضعفاء الايمان المتكاسلين عن الجهاد فقال مصيبة قال قد انعم الله علي اذ لم اكن معهم شهيدا. وان منكم ايها المؤمنون لا من لا يبطئ ان ان يتثاقل عن الجهاد في سبيل الله ضعفا وخورا وجبنا. هذا الصحيح وقيل معناه لا يبطئن غيره ان عن القتال وهؤلاء هم المنافقون. ولكن الاول اولى لوجهين احدهما قوله منكم والخطاب للمؤمنين قوله في اخر الاية كان لم تكن بينكم وبينه مودة. فان الكفار من المشركين والمنافقين قد قطع الله وبينهم وبين المؤمنين المودة وايضا فان هذا هو الواقع. فان المؤمنين على قسمين صادقون في ايمانهم. اوجب لهم ذلك كمال التصديق والجهاد. وضعفاء دخلوا وفي الاسلام فصار معهم ايمان ضعيف لا يقوى على الجهاد. كما قال تعالى قالت الاعراب امنا. قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا. الى اخر الايات ثم ذكر غايات هؤلاء المتثاقلين ونهاية مقاصدهم. وان معظم قصدهم الدنيا وحطامها. فقال فان اصابتكم مصيبة اي هزيمة وقتل وظفر الاعداء عليكم في بعض الاحوال. لما لله في ذلك من الحكم. قال ذلك المتخلف قد انعم الله علي. اذ لم اكن معهم شهيدا رأى من ضعف عقله وايمانه ان التقاعد عن الجهاد الذي فيه تلك المصيبة نعمة ولم يدري ان النعمة الحقيقية هي التوفيق لهذه الطاعة الكبيرة التي بها يقوى الايمان ويسلم بها العبد من العقوبة والخسران ويحصل له فيها عظيم الثواب ورضا الكريم الوهاب. واما القعود فانه وان استراح قليلا فانه يعقبه تعب طويل والام عظيمة. ويفوته ما يحصل للمجاهدين. ثم قال لكم فضل من الله ليقولنك ان لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت كنت معهم فافوز فوزا عظيما. ولئن اصابكم فضل من الله اي نصر وغنيمة. ليقولنك ان لم تكن بينكم وبينهم مودة يا ليتني كنت معهم فافوز فوزا عظيما. اي يتمنى انه حاضر لينال من المغانم. ليس له رغبة ولا قصد في غير ذلك انه ليس منكم يا معشر المؤمنين ولا بينكم وبينهم المودة الايمانية التي من مقتضاها ان المؤمنين مشتركون في جميع مصالحهم ودفع مضارهم يفرحون بحصولها ولو على يد غيرهم من اخوانهم المؤمنين. ويألمون بفقدها ويسعون جميعا في كل امر يصلحون به دينهم ودنياهم هذا الذي يتمنى الدنيا فقط ليست معه الروح الايمانية المذكورة. ومن لطف الله بعباده الا يقطع عنهم رحمته. ولا يغلق عنهم ابوابها. بل من منه غير ما يليق امره ودعاه الى جبر نقصه وتكميل نفسه. فلهذا امر هؤلاء بالاخلاص والخروج في سبيله. فقال فليقاتل في سبيل لله الذين يشرون الحياة الدنيا بالاخرة. هذا احد الاقوال في هذه الاية وهو اصحها. وقيل ان معناه فليقاتل في سبيل الله المؤمنون كامل الايمان الصادقون في ايمانهم الذين يشترون الحياة الدنيا بالاخرة اي يبيعون الدنيا رغبة عنها بالاخرة رغبة فيها فان هؤلاء هم الذين يوجه اليهم الخطاب لانهم الذين قد اعدوا انفسهم ووطنوها على جهاد الاعداء. لما معهم من الايمان التام المقتضي لذلك اما اولئك المتثاقلون فلا يعبأ بهم خرجوا او قعدوا. فيكون هذا نظير قوله تعالى قل امنوا به او لا تؤمنوا. ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا الى اخر الايات. وقوله فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها وقيل ان معنى الاية فليقاتل المقاتل والمجاهد للكفار الذين ينشرون الحياة الدنيا بالاخرة فيكون على هذا الوجه الذي في محل نصب على المفعولية ومن يقاتل في سبيل الله بان يكون جهادا قد امر الله به ورسوله ويكون العبد مخلصا لله فيه قاصدا وجهه الله في قتل او يغلب فسوف نؤتيه اجرا عظيما. زيادة في ايمانه ودينه. وغنيمة وثناء حسنا. وثواب المجاهدين في سبيل الذين اعد الله لهم في الجنة ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لقد تعين عليهم وتوجه اللوم العظيم عليهم بتركه فقال وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله. والحال ان المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. ومع هذا فقدنا لهم اعظم الظلم من اعدائهم. فهم يدعون الله ان يخرجهم من هذه القرية اهلها لانفسهم بالكفر والشرك وللمؤمنين بالاذى والصد عن سبيل الله. ومنعهم من الدعوة لدينهم والهجرة. ويدعون الله ان يجعل لهم وليا يستنقذه من هذه القرية الظالم اهلها. فصار جهادكم على هذا الوجه من باب القتال. والذب عن عيلاتكم واولادكم ومحارمكم. لا من باب في الجهاد الذي هو الطمع في الكفار فانه وان كان فيه فضل عظيم. ويلام المتخلف عنه اعظم لوم. فالجهاد الذي فيه استنقاذ المستضعفين منكم اعظم اجر واكبر فائدة بحيث يكون من باب دفع اعداء. ثم قال والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت. فقاتلوا اولياء هذا اخبار من الله بان المؤمنين يقاتلون في سبيل والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت الذي هو الشيطان. وفي ضمن ذلك عدة فوائد. منها انه بحسب ايمان العبد يكون جهاده في في سبيل الله واخلاصه ومتابعته. فالجهاد في سبيل الله من اثار الايمان ومقتضياته ولوازمه. كما ان القتال في سبيل الطاغوت من شعب الكفر مقتضياته ومنها ان الذي يقاتل في سبيل الله ينبغي له ويحسن منه من الصبر والجلد ما لا يقوم به غيره. فاذا كان اولياء الشيطان يصبرون ويقاتلون وهم على باطل فاهل الحق اولى بذلك. كما قال تعالى في هذا المعنى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون ترجون من الله ما لا يرجون. ومنها ان الذي يقاتل في سبيل الله معتمد على ركن وثيق. وهو الحق والتوكل على الله. فصاحب القوة و في الركن الوثيق يطلب منه من الصبر والثبات والنشاط ما لا يطلب ممن يقاتل عن الباطل. الذي لا حقيقة له ولا عاقبة حميدة. فلهذا قال تعالى فقاتلوا اولياء الشيطان ان كيد الشيطان كان ضعيفا. والكيد سلوك الطرق الخفية في ضرر العدو. فالشيطان وان بلغ مكروه مهما بلغ فانه في غاية الضعف. الذي لا يقوم لادنى شيء من الحق. ولا لكيد الله لعباده المؤمنين فلما كتب عليهم وقالوا لولا اخرتنا الى اجل قريب والاخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون كان المسلمون اذ كانوا بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة اي مواساة الفقراء لا الزكاة المعروفة ذات النصب والشروط فانها لم تفرض الا بالمدينة. ولم يؤمروا بجهاد الاعداء لعدة فوائد. منها ان من حكمة الباري تعالى ان يشرع لعباده الشرائع على وجه لا يشق عليهم ويبدأ بالاهم فالاهم والاسهل فالاسهل. ومنها انه لو فرض عليهم القتال مع قلة عددهم وعددهم وكثرة اعدائهم لادى ذلك الى اضمحلال الاسلام. فروعي جانب المصلحة العظمى على ما دونها. ولغير ذلك من الحكم. وكان بعض المؤمنين يودون ان لو فرض القتال في تلك الحال غير اللائق فيها ذلك. وانما اللائق فيها القيام بما امروا به في ذلك الوقت. من التوحيد والصلاة والزكاة ونحو ذلك. كما قال تعالى ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم واشد تثبيتا. فلما هاجروا الى المدينة وقوي الاسلام كتب عليهم القتال في وقت المناسب لذلك. فقال فريق من الذين يستعجلون القتال قبل ذلك. خوفا من الناس وضعفا وخورا. ربنا لما كتبت علينا القتال. وفي هذا قدرهم واعتراضهم على الله. وكان الذي ينبغي لهم ضد هذه الحال التسليم لامر الله والصبر على اوامره. فعكسوا الامر المطلوب منهم فقالوا لولا اخرتنا الى اجل قريب. اي هلا اخرت فرض القتال مدة متأخرة عن الوقت الحاضر. وهذه الحال كثيرة ما تعرض لمن هو غير رزين مستعجلة في الامور قبل وقتها. فالغالب عليه انه لا يصبر عليها وقت حلولها. ولا ينوء بحملها. بل يكون قليل الصبر. ثم ان الله وعظهم عن هذه التي فيها التخلف عن القتال فقال قل متاع الدنيا قليل والاخرة خير لمن اتقى. اي التمتع بلذات الدنيا وراحتها قليل فتحمل الاثقال في طاعة الله في المدة القصيرة. مما يسهل على النفوس ويخف عليها. لانها اذا علمت ان المشقة التي تنالها لا يطول لبسها هانت عليها ذلك. فكيف اذا وازنت بين الدنيا والاخرة؟ وان الاخرة خير منها في ذاتها ولذاتها وزمانها. فذاتها كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عنه ان موضع صوت في الجنة خير من الدنيا وما فيها. ولذاتها صافية عن المكدرات بل كل ما خطر بالبال او دار الفكري من تصور لذة فلذة الجنة فوق ذلك. كما قال تعالى فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين. وقال الله على لسان نبيه اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. واما لذات الدنيا فانها مشوبة بانواع التنغيص الذي لو قوبل بين لذاتها وما يقترن بها من انواع الالام والهموم والغموم. لم يكن لذلك نسبة بوجه من الوجوه. واما زمانها فان الدنيا قضية وعمر الانسان بالنسبة الى الدنيا شيء يسير. واما الاخرة فانها دائمة النعيم. واهلها خالدون فيها. فاذا فكر العاقل في هاتين الدار وتصور حقيقتهما حق التصور عرف ما هو احق بالايثار والسعي له والاجتهاد لطلبه. ولهذا قال والاخرة خير لمن اتقى اي اتقى الشرك وسائر المحرمات. ولا تظلمون فتيلا اي فسعيكم للدار الاخرة. ستجدونه كاملا موفرا غير منقوص منه شيء ثم اخبر انه لا يغني حذر عن قدر. وان القاعد لا يدفع عنه قعوده شيئا. فقال الموت ولو كنتم في بروج مشيدة. اينما تكونوا يدرككم الموت اي في اي زمان واي مكان ولو كنتم في بروج مشيدة. اي قصور منيعة ومنازل رفيعة. وكل هذا حث على الجهاد في سبيل الله تارة بالترغيب في فضله وثوابه وتارة بالترهيب من عقوبة تركه. وتارة بالاخبار انه لا ينفع القاعدين قعودهم. وتارة بتسهيل الطريق في ذلك وقصرها. ثم قال يخبر تعالى عن الذين لا يعلمون المعرضين عما جاء الرسل المعارضين لهم انهم اذا جاءتهم حسنة اي خصب وكثرة اموال وتوفر اولاد وصحة قالوا هذه من عند الله وانهم اصابتهم سيئة اي جدوى وفقر ومرض وموت واولاد واحباب. قالوا هذه من عندك اي بسبب ما جئتنا به يا محمد تطيروا برسول الله الله عليه وسلم كما تطير امثالهم برسل الله كما اخبر الله عن قوم فرعون انهم قالوا لموسى فاذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وان تصبهم سيئة يتطيروا بموسى ومن معه. وقال قوم صالح قالوا اطيرنا بك وبمن معك. وقال قوم ياسين لرسلهم انا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم. فلما تشابهت قلوبهم بالكفر تشابهت اقوالهم واعمالهم. وهكذا كل من نسب حصول الشر او زوال الخير لما جاءت به الرسل او لبعضه فهو داخل في هذا الذم الوخيم. قال الله في جوابهم قل كل اي من الحسنة والسيئة والخير والشر من عند الله اي بقضائه وقدره وخلقه. فما لهؤلاء القوم اي الصادر منهم تلك المقالة الباطلة. لا يكادون يفقهون حديثا. اي لا يفهمون حديثا بالكلية ولا يقربون من فهمه او لا يفهمون منه الا فهما ضعيفا. وعلى كل فهو ذم لهم وتوبيخ على عدم فهمهم عن الله وعن رسوله. وذلك بسبب كفرهم واعراضهم. وفي ضمن ذلك مدح من يفهم عن الله وعن رسوله. والحث على ذلك وعلى الاسباب المعينة على ذلك من الاقبال على كلامهما وتدبره وسلوك الطرق الموصلة اليه. فلو فقهوا عن الله لعلموا ان الخير والشر والحسنات والسيئات. كل هذا بقضاء الله وقدره لا يخرج منها شيء عن ذلك. وان الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يكونون سببا لشر يحدث. هم ولا ما جاءوا به. لانه بعثوا بصلاح الدنيا والاخرة والدين. ثم قال تعالى ما اصابك من حسنة فمن الله وارسلناك ما اصابك من حسنة اي في الدين والدنيا فمن الله هو الذي من عليها بتيسير اسبابها وما اصابك من سيئة في الدين والدنيا فمن نفسك اي بذنوبك وكسبك وما يعفو الله عنه اكثر. فالله تعالى لقد فتح لعباده ابواب احسانه. وامرهم بالدخول لبره وفضله. واخبرهم ان المعاصي مانعة من فضله. فاذا فعلها العبد فلا يلومن الا نفسه فانه المانع لنفسه عن وصول فضل الله وبره. ثم اخبر عن عموم رسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال وارسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا. على انك رسول الله حقا بما ايدك بنصره. والمعجزات الباهرة والبراهين الساطعة. فهي اكبر على الاطلاق كما قال تعالى قل اي شيء اكبر شهادة؟ قل الله شهيد بيني وبينكم. فاذا علم ان الله تعالى كامل العلم تام القدرة عظيم الحكمة. وقد ايد الله رسوله بما ايده. ونصره نصرا عظيما. تيقن بذلك انه رسول الله. والا فلو تقول عليه بعض الاقاويل قيل لاخذ منه باليمين ثم لقطع منه الوتين. فقد اطاع الله اي كل من اطاع رسول الله في اوامره نواهيه فقد اطاع الله تعالى لكونه لا يأمر ولا ينهى الا بامر الله وشرعه ووحيه وتنزيله. وفي هذا عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم لان الله امر بطاعته مطلقا. فلولا انه معصوم في كل ما يبلغ عن الله لم يأمر بطاعته مطلقا. ويمدح على ذلك. وهذا من الحقوق المشتركة فان الحقوق ثلاثة حق لله تعالى لا يكون لاحد من الخلق. وهو عبادة الله والرغبة اليه وتوابع ذلك. وقسم مختص بالرسول وهو التعزير والتوقير والنصرة. وقسم مشترك وهو الايمان بالله ورسوله. ومحبتهما وطاعتهما. كما جمع الله بين هذه الحقوق في قوله لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا. فمن اطاع الرسول فقد اطاع الله وله من الثواب والخير رتب على طاعة الله. ومن تولى عن طاعة الله ورسوله فانه لا يضر الا نفسه ولا يضر الله شيئا. فما ارسلناك عليهم حفيظا اي تحفظ اعمالكم لهم واحوالهم. بل ارسلناك مبلغا ومبينا وناصحا. وقد اديت وظيفتك ووجب اجرك على الله. سواء اهتدوا ام لم يهتدوا. كما قال تعالى فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر والله يكتب ما يبيتون ولابد ان تكون طاعة الله ورسوله ظاهرا وباطنا في الحضرة والمغيب فاما من يظهر في الحضرة الطاعة والالتزام فاذا خلا بنفسه او ابناء جنسه ترك الطاعة واقبل على ضدها فان الطاعة اظهرها غير نافعة ولا مفيدة. وقد اشبه من قال الله فيهم ويقولون طاعة اي يظهرون الطاعة اذا كانوا عندك. فاذا برزوا من عندك اي خرجوا وخلوا في حالة لا يطلع فيها عليهم. بيت طائفة منهم غير الذي تقول. اي بيتوا ودبروا غير طاعتك. ولا ثم الا المعصية وفي قوله من يت طائفة منهم غير الذي تقول دليل على ان الامر الذي استقروا عليه غير الطاعة. لان التثبيت تدبير الامر ليلا على يستقر عليه الرأي ثم توعدهم على ما فعلوا فقال والله يكتب ما يبيتون اي يحفظه عليهم وسيجازيهم عليه اتم الجزاء ففي فيه وعيد لهم ثم امر رسوله بمقابلتهم بالاعراض وعدم التعنيف فانهم لا يضرونه شيئا اذا توكل على الله واستعان به في نصر دينه واقامة شرعه. ولهذا قال فاعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا. افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا يأمر تعالى بتدبر كتابه وهو التأمل في معانيه. وتحديق الفكر فيه وفي مبادئه وعواقبه. ولوازم ذلك فان تدبر كتاب الله مفتاح للعلوم والمعارف. وبه يستنتج كل خير. وتستخرج منه جميع العلوم. وبه يزداد الايمان في القلب. وترسخ شجرته. فانه يعرف بالرب المعبود وما له من صفات الكمال وما ينزه عنه من سمات النقص. ويعرف الطريق الموصلة اليه. وصفة اهلها وما لهم عند القدوم عليه. ويعرف والعدو الذي هو العدو على الحقيقة والطريق الموصلة الى العذاب وصفة اهلها وما لهم عند وجود اسباب العقاب. وكلما ازداد العبد تأملا فيه ازداد علما وعملا وبصيرا. لذلك امر الله بذلك وحث عليه. واخبر انه هو المقصود بانزال القرآن. كما قال تعالى كتاب انزلناه اليك كلية دبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب. وقال تعالى افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها. ومن فوائد التدبر لكتاب الله انه بذلك يصل العبد الى درجة اليقين. والعلم بانه كلام الله لانه يراه يصدق بعضه بعضا. ويوافق بعضه بعضا فترى الحكم والقصة والاخبارات تعاد في القرآن في عدة مواضع. كلها متوافقة متصادقة. لا ينقض بعضها بعضا. فبذلك يعلم كمال وانه من عند من احاط علمه بجميع الامور. فلذلك قال تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. اي فلما كان من عند الله لم يكن فيه اختلاف اصلا ولولا فضل الله عليكم ورحمة لاتبعتم الشيطان الا قليلا. هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. وانه ينبغي لهم اذا جاءهم امر من الامور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالامن وسرور مؤمنين او بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم ان يتثبتوا ولا يستعجلوا باشاعة ذلك الخبر. بل يردونه الى الرسول والى اولي الامر منهم. اهل والعلم والنصح والعقل والرزانة. الذين يعرفون الامور ويعرفون المصالح وضدها. فان رأوا في اذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين سرورا لهم وتحرزا من اعدائهم فعلوا ذلك. وان رأوا انه ليس فيه مصلحة او فيه مصلحة. ولكن مضرته تزيد على مصلحته. لم يذيعوه لهذا قال لعلمه الذين يستنبطونه منهم ان يستخرجونه بفكرهم وارائهم السديدة وعلومهم الرشيدة. وفي هذا دليل لقاعدة وهي انه اذا حصل بحث في امر من الامور ينبغي ان يولى من هو اهلا لذلك ويجعل الى اهله ولا يتقدم بين ايديهم فانه اقرب الى الصواب واحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الامور من حين سماعها. والامر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه. هل هو مصلحة فيقدم عليه الانسان ام لا فيحجم عنه؟ ثم قال تعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته اي في توفيقكم وتأديبكم وتعليمكم ما ان تكونوا تعلمون لاتبعتم الشيطان الا قليلا. لان الانسان بطبعه ظالم جاهل فلا تأمره نفسه الا بالشر. فاذا لجأ الى ربه واعتصم قام به واجتهد في ذلك لطف به ربه ووفقه لكل خير. وعصمه من الشيطان الرجيم لا تكلف الا نفسك وحرض المؤمنين. عسى الله ان يكف بأس الذين كفروا هذه الحالة افضل احوال العبد ان يجتهد في نفسه على امتثال بامر الله من الجهاد وغيره. ويحرض غيره عليه. وقد يعدم في العبد الامران او احدهما. فلهذا قال لرسوله فقاتل في سبيل الله لا الا نفسك اي ليس لك قدرة على غير نفسك. فلن تكلف بفعل غيرك. وحرض المؤمنين على القتال. وهذا يشمل كل امر يحصل به نشاط المؤمنين وقوة قلوبهم من تقويتهم والاخبار بضعف الاعداء وفشلهم. وبما اعد الله للمقاتلين من الثواب. وما على المتخلفين من العقاب. فهذا امثاله كله يدخل في التحريض على القتال. عسى الله ان يكف بأس الذين كفروا. اي بقتالكم في سبيل الله وتحريض بعضكم بعضا. والله اشد بأس اي قوة وعزة واشد تنكيلا بالمذنب في نفسه وتنكيلا لغيره. فلو شاء تعالى لانتصر من الكفار بقوته ولم يجعل لهم باقية ولكن من حكمته يبلو بعض عباده ببعض. ليقوم سوق الجهاد ويحصل الايمان النافع. ايمان الاختيار. لا ايمان الاضطرار والقهر. الذي سيفيد الشيء والمراد بالشفاعة هنا المعاونة على امر من الامور. فمن شفع غيره وقام معه على امر من امور الخير. ومنه للمظلومين لمن ظلمهم كان له نصيب من شفاعته. بحسب سعيه وعمله ونفعه. ولا ينقص من اجر الاصيل والمباشر شيء. ومن عاون غيره على امر من الشر كان عليه كفل من الاثم بحسب ما قام به وعاون عليه. ففي هذا الحث العظيم على التعاون على البر والتقوى والزجر العظيم على التعاون على والعدوان وقرر ذلك بقوله وكان الله على كل شيء مقيتا. اي شاهدا حفيظا. حسيبا على هذه الاعمال. فيجازي كل ما يستحق ان الله كان على كل شيء حسيبا. التحية هي اللفظ الصادر من احد المتلاقيين. على وجه الاكرام والدعاء وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها. واعلى انواع التحية ما ورد به الشرع من السلام ابتداء وردا. فامر تعالى المؤمنين انهم اذا باي تحية كانت ان يردوها باحسن منها لفظا وبشاشة او مثلها في ذلك. ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية او ردها بدونه ويؤخذ من الاية الكريمة الحث على ابتداء السلام والتحية من وجهين. احدهما ان الله امر بردها باحسن منها او مثلها. وذلك كيستلزموا ان التحية مطلوبة شرعا. الثاني ما يستفاد من افعال التفضيل وهو احسن. الدال على مشاركة التحية وردها بالحسن. كما هو الاصل في ذلك ويستثنى من عموم الاية الكريمة من حيا بحال غير مأمور بها فعلى مشتغل بقراءة او استماع خطبة او مصل ونحو ذلك فانه لا يطلب اجابة تحيته. وكذلك يستثنى من ذلك من امر الشارع بهجره. وعدم تحيته. وهو العاصي غير التائب الذي يرتدع بالهجر. فانه يهجر ولا يحيى ولا ترد تحيته. وذلك لمعارضة المصلحة الكبرى. ويدخل في رد التحية كل تحية اعتادها الناس. وهي غير محظورة شرعا فانه مأمور بردها او احسن منها. ثم اوعد تعالى وتوعد على فعل الحسنات والسيئات بقوله ان الله كان على كل شيء حسيبا فيحفظ على العباد اعمالهم حسنها وسيئها صغيرها وكبيرها. ثم يجازيهم بما اقتضاه فضله وعدله وحكمه المحمود الله لا اله الا هو ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه يخبر تعالى عن انفراده بالوحدانية وانه لا معبود ولا مألوه لكماله في ذاته واوصافه. ولكونه المنفرد بالخلق والتدبير والنعم الظاهرة والباطنة. وذلك يستلزم الامر بعبادته والتقرب فاليه بجميع انواع العبودية لكونه المستحق لذلك وحده. والمجازي للعباد بما قاموا به من عبوديته او تركوه منها. ولذلك اقسم على وقوع محل الجزاء وهو يوم القيامة. فقال ليجمعنكم اي اولكم واخركم في مقام واحد. في يوم القيامة لا ريب فيه. اي لا شك شك ولا شبهة بوجه من الوجوه. بالدليل العقلي والدليل السمعي. فالدليل العقلي ما نشاهده من احياء الارض بعد موتها. ومن وجود النشأة الاولى التي وقوع الثانية اولى منها بالامكان. ومن الحكمة التي يجزم بان الله لم يخلق خلقه عبثا. يحيون ثم يموتون. واما الدليل السمعي واخبار اصدق الصادقين بذلك بل اقسامه عليه. ولهذا قال ومن اصدق من الله حديثا كذلك امر رسوله صلى الله عليه وسلم ان يقسم عليه في غير موضع من القرآن كقوله تعالى زعم الذين كفروا ان لن يبعثوا. قل بلى وربي لتبعثن. ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير. وفي قوله ومن اصدق من الله حديثا. ومن اصدق من الله قيلا. اخبار بان حديثه واخباره واقواله في اعلى مراتب الصدق بل اعلاها فكل ما قيل في العقائد والعلوم والاعمال مما يناقض ما اخبر الله به فهو باطل لمناقضته للخبر الصادق اليقيني فلا يمكن ان يكون حقا فلا تتخذوا منهم اولياء حتى يهاجروا في سبيل سبيل الله فان تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم. ولا تتخذوا منهم وليا المراد بالمنافقين المذكورين في هذه الايات. المنافقون المظهرون اسلامهم. ولم يهاجروا مع كفرهم كان قد وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم فيهم اشتباه. فبعضهم تحرج عن قتالهم وقطع موالاتهم بسبب ما اظهروه من الايمان. وبعضهم علم احوالهم بقرائن افعالهم فحكم بكفرهم. فاخبرهم الله تعالى انه لا ينبغي لكم ان تشتبهوا فيهم ولا تشكوا. بل امرهم واضح غير مشكل. انهم منافقون قد تكرر كفرهم وودوا مع ذلك كفركم. وان تكونوا مثلهم فاذا تحققتم ذلك منهم فلا تتخذوا منهم اولياء. وهذا يستلزم عدم محبتهم لان الولاية فرع المحبة. ويستلزم ايضا بغضهم وعداوتهم. لان النهي عن الشيء امر بضده. وهذا الامر مؤقت هجرتهم فاذا هاجروا جرى عليهم ما جرى على المسلمين. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجري احكام الاسلام لكل من كان معه وهاجر اليه. وسواء كان كان مؤمنا حقيقة او ظاهر الايمان. وانهم ان لم يهاجروا وتولوا عنها فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم. اي في اي وقت واي محل كان وهذا من جملة الادلة الدالة على نسخ القتال في الاشهر الحرم. كما هو قول جمهور العلماء والمنازعون يقولون هذه نصوص مطلقة على تقييد التحريم في الاشهر الحرم ولو شاء فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم جعل الله لكم عليهم سبيلا. ثم ان الله استثنى من قتال هؤلاء المنافقين ثلاث فرق. فرقتين امر بتركهم وحتم على كذلك احداهما من يصل الى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق بترك القتال. فينضم اليهم فيكون له حكمهم في حقن الدم والماء والفرقة الثانية قوم حصرت صدورهم ان يقاتلوكم او يقاتلوا قومهم. اي بقوا لا تسمحوا انفسهم بقتالكم ولا بقتال قومهم واحب ترك قتال الفريقين فهؤلاء ايضا امر بتركهم. وذكر الحكمة بذلك في قوله ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فان الامور الممكنة ثلاثة اقسام. اما ان يكونوا معكم ويقاتلوا اعدائكم. وهذا متعذر من هؤلاء. فدار الامر بين قتالكم مع قومه وبين ترك قتال الفريقين وهو اهون الامرين عليكم. والله قادر على تسليطهم عليكم. فاقبلوا العافية واحمدوا ربكم الذي كف ايديهم عن مع التمكن من ذلك. فهؤلاء ان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم السلم. فما جعل الله لكم عليهم سبيلا آآ الفرقة الثالثة قوم يريدون مصلحة انفسهم بقطع النظر عن احترامكم وهم الذين قال الله فيهم ستجدون اخرين اي من هؤلاء المنافقين يريدون ان يأمنوكم اي خوفا منكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا الى الفتنة اركسوا فيها. اي لا يزالون مقيمين على كفرهم ونفاقهم. وكلما عرض لهم عارض من عوارض الفتن اعماهم ونكسهم على رؤوسهم. وازداد كفرهم ونفاقهم. وهؤلاء في الصورة كالفرقة الثانية. وفي الحقيقة مخالفة له فان الفرقة الثانية تركوا قتال المؤمنين احتراما لهم لا خوفا على انفسهم. واما هذه الفرقة فتركوه خوفا لا احتراما بل لو وجدوا فرصة في قتال المؤمنين فانهم مستعدون لانتهازها. فهؤلاء ان لم يتبين منهم ويتضح اتضاحا عظيما اعتزال المؤمنين وترك قتالهم فانهم يقاتلون. ولهذا قال فان لم يعتزلوكم ويلقوا اليكم السلم. اي المسالمة والموادعة. ويكفوا ايديهم. فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم واولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا. اي حجة بينة واضحة لكونهم معتدلين ظالمين لكم تاركين فلا يلومون الا انفسهم هذه الصيغة من صيغ الامتناع ان يمتنع ويستحيل ان يصدر من مؤمن قتل مؤمن اي متعمدا وفي هذا الاخبار بشدة تحريمه. وانه مناف للايمان اشد منافاة. وانما يصدر ذلك اما من كافر. او من فاسق قد نقص ايمانه نقص عظيما ويخشى عليه ما هو اكبر من ذلك. فان الايمان الصحيح يمنع المؤمن من قتل اخيه الذي قد عقد الله بينه وبينه الاخوة الايمانية. التي في من مقتضاها محبته وموالاته. وازالة ما يعرض لاخيه من الاذى. واي اذى اشد من القتل. وهذا يصدقه قوله صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. فعلم ان القتل من الكفر العملي واكبر الكبائر بعد الشرك بالله. ولما كان قوله ما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا لفظا عاما لجميع الاحوال. وانه لا يصدر منه قتل اخيه بوجه من الوجوه. استثنى تعالى قتل الخطأ فقال الا خطأ فان المخطئ الذي لا يقصد القتل غير اثم ولا متجرأ على محارم الله. ولكنه لما كان قد فعل فعلا شنيعا وصورته حفية في قبحه وان لم يقصده امر تعالى بالكفارة والدية فقال ومن قتل مؤمنا خطأ سواء كان القاتل ذكرا او انثى حرا او عبدا صغيرا او كبيرا عاقلا او مجنونا مسلما او كافرا كما يفيده لفظ من؟ الدالة على العموم وهذا من اسرار الاتيان لمن في هذا الموضع فان سياق الكلام يقتضي ان يقول فان قتله ولكن هذا لفظ لا يشمل ما تشمله من وسواء كان المقتول ذكرا او انثى صغيرا او كبيرا كما يفيده التنكير في سياق الشرط فان على القاتل تحرير رقبة مؤمنة كفارة لذلك تكون في ماله ذلك الصغير والكبير والذكر والانثى والصحيح والمعيب في قول بعض العلماء. ولكن الحكمة تقتضي الا يجزى عتق المعيب في الكفارة لان المقصود بالعتق نفع العتيق وملكه منافع نفسه. فاذا كان يضيع بعتقه وبقاؤه في الرق انفع له. فانه لا يجزئ عتقه. مع ان في قوله تحرير رقبة ما يدل على ذلك فان التحرير تخليص من استحقت منافعه لغيره ان تكون له. فاذا لم يكن فيه منافع لم تصور وجود التحرير فتأمل ذلك فانه واضح. واما الدية فانها تجب على عاقلة القاتل في الخطأ وشبه العمد. مسلمة الى اهله لقلوبهم والمراد باهله هنا هم ورثته. فان الورثة يرثون ما ترك الميت. فالدية داخلة فيما ترك. وللدية تفاصيل كثيرة كورة في كتب الفقه وقوله الا ان يتصدقوا ان يتصدقوا ورثة القتيل بالعفو عن الدية فانها تسقط وفي ذلك حث لهم على العفو لان الله سماها صدقة والصدقة مطلوبة في كل وقت. فان كان المقتول من قوم عدو لكم اي من كفار حربيين. وهو مؤمن فتحرير مؤمنة. اي وليس عليكم لاهله دية. لعدم احترامهم في دمائهم واموالهم. وان كان المقتول من قوم بينكم وبينهم ميثاق. فدية مسلمة الى اهله وتحرير رقبة مؤمنة. وذلك لاحترام اهله بما لهم من العهد والميثاق. فمن لم يجد الرقبة ولا ثمنها بان كان معسرا بذلك ليس عنده ما يفطر عن مؤنته وحوائجه الاصلية شيء يفي بالرقبة. فصيام شهرين متتابعين. اي لا يفطر بينهما من غير عذر. فان افطر لعذر فان العذر لا يقطع التتابع كالمرض والحيض ونحوهما. وان كان لغير عذر انقطع التتابع. ووجب عليه استئناف الصوم. توبة من ان الله اي هذه الكفارة التي اوجبها الله على القاتل توبة من الله على عباده ورحمة بهم وتكفير لما عساه ان يحصل منهم من تقصير وعدم احترام كما هو واقع كثيرا للقاتل خطأ. وكان الله عليما حكيما. اي كامل العلم كامل الحكمة. لا يخفى عليه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر. في اي وقت كان واي محل كان. ولا يخرج عن حكمته من المخلوقات والشرائع شيء. بل كل ما خلقه وشرع فهو متضمن لغاية الحكمة. ومن علمه وحكمته ان اوجب على القاتل كفارة مناسبة لما صدر منه. فانه تسبب لاعدام نفس محترمة. واخر اخرجها من الوجود الى العدم. فناسب ان يعتق رقبة ويخرجها من رق العبودية للخلق. الى الحرية التامة. فان لم يجد هذه الرقبة صام شهرين متتابعين فاخرج نفسه من رق الشهوات واللذات الحسية القاطعة للعبد عن سعادته الابدية. الى التعبد لله تعالى بتركها تقربا الى الله. ومدها تعالى بهذه المدة الكثيرة الشاقة في عددها ووجوب التتابع فيها. ولم يشرع الاطعام في هذا الموضع لعدم المناسبة. بخلاف الظهار كما ان شاء الله تعالى ومن حكمته ان اوجب في القتل الدية ولو كان خطأ. لتكون رادعة وكافة عن كثير من القتل. باستعمال الاسباب العاصمة عن ذلك ومن حكمته ان وجبت على العاقلة في قتل الخطأ باجماع العلماء لكون القاتل لم يذنب في شق عليه ان يحمل هذه الدية الباهظة حسب ان يقوم بذلك من بينه وبينهم المعاونة والمناصرة. والمساعدة على تحصيل المصالح وكف المفاسد. ولعل ذلك من اسباب منعهم لمن يعقلون عنه من القتل حذرا من تحميلهم ويخف عنهم بسبب توزيعه عليهم بقدر احوالهم وطاقتهم. وخففت ايضا بتأجيلها عليهم ثلاث سنين. ومن حكمته وعلمه انجبر اهل القتيل عن مصيبتهم بالدية التي اوجبها على اولياء القاتل فجزاؤه جهنم وغضب الله او عذاب عظيما. تقدم ان الله اخبر انه لا يصدر قتل المؤمن من المؤمن. وان القتل من الكفر العملي. وذكر هنا وعيد القاتل عمدا وعيدا ترجف له القلوب وتنصدع له الافئدة وتنزعج منه اولو العقول فلم يرد في انواع الكبائر اعظم من هذا الوعيد بل ولا مثله الا وهو الاخبار بان جزاءه جهنم. اي فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده ان يجازى صاحبه بجهنم. بما فيها من العذاب العظيم والخزي المهين وسخط الجبار وفوات الفوز والفلاح. وحصول الخيبة والخسار. فعياذا بالله من كل سبب يبعد عن رحمته. وهذا الوعيد له حكمه وامثاله من نصوص الوعيد على بعض الكبائر والمعاصي بالخلود في النار او حرمان الجنة. وقد اختلف الائمة رحمهم الله في تأويلها مع اتفاق على بطلان قول الخوارج والمعتزلة. الذين يخلدونهم في النار ولو كانوا موحدين. والصواب في تأويلها ما قاله الامام المحقق. شمس الدين ابن القيم رحمه الله في المدارج فانه قال بعدما ذكر تأويلات الائمة في ذلك وانتقدها فقال وقالت فرقة هذه النصوص وامثالها مما ذكر فيه المقتضي للعقوبة. ولا يلزم من وجود مقتضي الحكم وجوده. فان الحكم انما يتم بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه. وغاية هذه النصوص الاعلام بان كذا سبب للعقوبة ومقتض لها. وقد قام الدليل على ذكر الموانع. فبعضها بالاجماع وبعضها بالنص. فالتوبة مانع بالاجبار والتوحيد مانع بالنصوص المتواترة التي لا مدفع لها والحسنات العظيمة الماحية مانعة والمصائب الكبار المكفرة مانعة واقامة الحدود في الدنيا مانع بالنص. ولا سبيل الى تعطيل هذه النصوص. فلا بد من اعمال النصوص من الجانبين. ومن هنا قامت الموازنة بين الحسنات والسيئات اعتبارا لمقتضى العقاب ومانعه. واعمالا لارجحها. قالوا وعلى هذا بناء مصالح الدارين ومفاسدهما. وعلى هذا بناء الاحكام الشرعية والاحكام القدرية. وهو مقتضى الحكمة السارية في الوجود. وبه ارتباط الاسباب ومسبباتها خلقا وامرا. وقد جعل الله سبحانه لكل ضدا يدافعه ويقاومه. ويكون الحكم للاغلب منهما. فالقوة مقتضية للصحة والعافية وفساد الاخلاق وبغيها من عمل الطبيعة وفعل القوة. والحكم للغالب منهما. وكذلك قوى الادوية والامراض. والعبد يكون فيه مقتض للصحة. ومقتض للعطب واحدهما يمنع كمال تأثير الاخر ويقاومه. فاذا ترجح عليه وقهره كان التأثير له. ومن هنا يعلم انقسام الخلق الى من يدخل الجنة ولا يدخل النار وعكسه ومن يدخل النار ثم يخرج منها. ويكون مكثه فيها بحسب ما فيه من مقتضى المكث. في سرعة الخروج وبطئه. ومن له بصيرة يرى بها كل ما اخبر الله به في كتابه. ومن امر المعادي وتفاصيله حتى كانه يشاهده رأي عين. ويعلم ان هذا هو مقتضى الهيته سبحانه وربوبيته وعزته وحكمته. وانه يستحيل عليه خلاف ذلك. ونسبة ذلك اليه نسبة ما لا يليق به اليه. فيكون نسبة ذلك الى بصيرته كنسبة الشمس والنجوم الى بصره. وهذا يقين الايمان وهو الذي يحرق السيئات كما تحرق النار الحطب. وصاحب هذا المقام من الايمان يستحيل اصراره على السيئات. وان وقعت منه وكثرت. فان ما معه من نور الايمان يأمره بتجديد التوبة كل وقت. بالرجوع الى الله في عدد انفاسه وهذا من احب الخلق الى الله انتهى كلامه قدس الله روحه وجزاه عن الاسلام والمسلمين خيرا الذين امنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم ان الله كان بما تعملون خبيرا يأمر تعالى عباده المؤمنين اذا خرجوا جهادا في سبيله وابتغاء مرضاته. ان يتبينوا ويتثبتوا في جميع امورهم المشتبهة. فان الامور قسمان واضحة وغير واضحة. فالواضحة البينة لا تحتاج الى تثبت وتبين. لان ذلك تحصيل حاصل. واما الامور المشكلة غير الواضحة ان الانسان يحتاج الى التثبت فيها والتبين ليعرف هل يقدم عليها ام لا. فان التثبت في هذه الامور يحصل فيه من الفوائد الكثيرة والكف لشروره عظيمة ما به يعرف دين العبد وعقله ورزانته بخلاف المستعجل للامور في بدايتها قبل ان يتبين له حكمها. فان ذلك يؤدي الى ما ينبغي كما جرى لهؤلاء الذين عاتبهم الله في الاية. لما لم يتثبتوا وقتلوا من سلم عليهم. وكان معه غنيمة له او مال غيره. ظنا انه يستكفي بذلك قتلهم. وكان هذا خطأ في نفس الامر. فلهذا عاتبهم بقوله ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا. فابتغون عن عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة. اي فلا يحملنكم العرض الفاني القليل على ارتكاب ما لا ينبغي فيفوتكم ما عند الله من الثواب الجزيل للباقي فما عند الله خير وابقى. وفي هذا اشارة الى ان العبد ينبغي له اذا رأى دواعي نفسه مائلة الى حالة له فيها هوى. وهي مضرة له ان يذكرها ما اعد الله لمن نهى نفسه عن هواها. وقدم مرضاة الله على رضا نفسه. فان في ذلك ترغيبا للنفس في امتثال امر الله وان شق ذلك عليها ثم قال تعالى مذكرا لهم بحالهم الاولى قبل هدايتهم الى الاسلام. كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم كيف كما هداكم بعد ضلالكم؟ فكذلك يهدي غيركم. وكما ان الهداية حصلت لكم شيئا فشيئا. فكذلك غيركم. فنظر الكامل لحاله الاولى الناقصة ومعاملته لمن كان على مثلها بمقتضى ما يعرف من حاله الاولى. ودعاؤه له بالحكمة والموعظة الحسنة. من اكبر الاسباب لنفعه وانتفاعه. ولهذا اعاد الامر بالتبين فقال فتبينوا. فاذا كان من خرج للجهاد في سبيل الله ومجاهدة اعداء الله. وقد استعد بانواع الاستعداد للايقاع بهم مأمورا بالتبين لمن القى اليه السلام. وكانت القرينة قوية في انه انما سلم تعوضا من القتل. وخوفا على نفسه فان ذلك يدل على الامر بالتبين والتثبت في كل الاحوال التي يقع فيها نوع اشتباه. فيتثبت فيها العبد حتى يتضح له الامر. ويبين الرشد والصواب ان الله كان بما تعملون خبيرا. فيجازي كل ما عمله ونواه بحسب ما علمه من احوال عباده ونياتهم قاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله باموالهم وفضل الله المجاهدين على القاعدين اجرا عظيما اي لا يستوي من جاهد من المؤمنين وماله ومن لم يخرج للجهاد ولم يقاتل اعداء الله. ففيه الحث على الخروج للجهاد والترغيب في ذلك. والترهيب من التكاسل والقعود عنه من غير عذر واما اهل الضرر كالمريض والاعمى والاعرج. والذي لا يجد ما يتجهز به فانهم ليسوا بمنزلة القاعدين من غير عذر. فمن كان من اولي الضرر راضيا بقعوده لا ينوي الخروج في سبيل الله. لولا وجود المانع ولا يحدث نفسه بذلك فانه بمنزلة القاعد بغير عذر. ومن كان عازما على الخروج في سبيل الله لولا وجود المانع. يتمنى ذلك ويحدث به نفسه فانه بمنزلة من خرج للجهاد. لان النية الجازمة اذا اقترن بها ما مقدورها من القول او الفعل؟ ينزل صاحبها منزلة الفاعل. ثم صرح تعالى بتفضيل المجاهدين على القاعدين بالدرجة اي الرفعة. وهذا تفضيل على وجه الاجمال ثم صرح بذلك على وجه التفصيل ووعدهم بالمغفرة الصادرة من ربهم والرحمة التي تشتمل على حصول كل خير واندفاع كل شر والدرجات التي فصلها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عنه في الصحيحين ان في الجنة مئة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض اعدها الله للمجاهدين في سبيله. وهذا الثواب الذي رتبه الله على الجهاد. نظير الذي في صورة الصف. في قوله يا ايها الذين امنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم؟ تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله باموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار. ومساكن طيبة في جنات عدن. ذلك الفوز العظيم وتأمل حسن هذا الانتقال من حالة الى اعلى منها. فانه نفى التسوية اولا بين المجاهد وغيره. ثم صرح بتفضيل المجاهد على القاعد بدرجة ثم انتقل الى تفضيله بالمغفرة والرحمة والدرجات. وهذا الانتقال من حالة الى اعلى منها عند التفضيل والمدح. او النزول من حالة الى ما دونها عند القدح والذم احسن لفظا واوقع في النفس. وكذلك اذا فضل تعالى شيئا على شيء وكل منهما له فضل. احترز بذكر الفضل الجامع للامرين لان لا يتوهم احد ذم المفضل عليه. كما قال هنا وكلا وعد الله الحسنى. وكما قال تعالى في الايات المذكورة في الصف في قوله وبشر المؤمنين. وكما في قوله تعالى لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل. اي ممن لم يكن كذلك. ثم قال وكلا وعد الله الله الحسنى. وكما قال تعالى ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما. فينبغي لمن بحث في التفضيل بين الاشخاص والطوائف والاعمال ان يتفطن لهذه النكتة. وكذلك لو تكلم في ذم الاشخاص والمقالات ذكر ما تجتمع فيه عند تفضيل بعضها على بعض. لئلا يتوهم ان تفضل قد حصل له الكمال كما اذا قيل النصارى خير من المجوس. فليقل مع ذلك وكل منهما كافر. والقتل اشنع من الزنا. وكل منهما معصية كبيرة حرمها الله ورسوله وزجر عنها. ولما وعد المجاهدين بالمغفرة والرحمة الصادرين عن اسميه الكريمين الغفور الرحيم هذه الاية بهما فقال وكان الله غفورا رحيما قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض مصيرا الا المستضعفين. هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة مع قدرته عليها حتى مات. فان الملائكة الذين يقبضون روحه يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم. ويقولون لهم فيما كنتم اي على اي حال كنتم؟ وباي شيء تميزتم عن المشركين؟ بل كثرتم سوادهم وربما ظاهرتموهم على المؤمنين. وفاتكم الخير والجهاد مع رسوله والكون مع المسلمين ومعاونتهم على اعدائهم. قالوا كنا مستضعفين في الارض اي ضعفاء مقهورين مظلومين ليس لنا قدرة على الهجرة وهم غير صادقين في ذلك. لان الله وبخهم وتوعدهم ولا يكلف الله نفسا الا وسعها. واستثنى المستضعفين حقيقة ولهذا قالت لهم الملائكة الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ وهذا استفهام تقرير اي قد تقرر عند كل احد ان ارض الله الله واسعة. فحيث ما كان العبد في محل لا يتمكن فيه من اظهار دينه. فان له متسعا وفسحة من الارض. يتمكن فيها من عبادة الله. كما قال تعالى يا عبادي الذين امنوا ان ارضي واسعة فاياي فاعبدون. قال الله عن هؤلاء الذين لا عذر لهم فاولئك مأواهم جهنم مصيرا وهذا كما تقدم فيه ذكر بيان السبب الموجب فقد يترتب عليه مقتضاه مع اجتماع شروطه وانتفاء موانعه وقد يمنع من ذلك مانع وفي الاية دليل على ان الهجرة من اكبر الواجبات وتركها من المحرمات بل من الكبائر. وفي الاية دليل على ان كل من توفي فقد استكمل واستوفى ما قدر له من الرزق والاجل والعمل. وذلك مأخوذ من لفظ التوفي فانه يدل على ذلك. لانه لو بقي عليه شيء من ذلك لم يكن متوفيا وفيه الايمان بالملائكة ومدحهم. لان الله ساق ذلك الخطاب لهم على وجه التقرير والاستحسان منهم. وموافقته الا المستضعفين من الرجال والولدان لا يستطيعون ثم استثنى المستضعفين على الحقيقة الذين لا قدرة لهم على الهجرة بوجه من وجوه ولا يهتدون سبيلا. فهؤلاء قال الله فيهم فاولئك عسى الله ان يعفو عنهم. وكان الله عفوا غفورا. وعسى ونحوها فواجب وقوعها من الله تعالى بمقتضى كرمه واحسانه. وفي الترجية بالثواب لمن عمل بعض الاعمال فائدة. وهو انه قد لا يوفيه حق ولا يعمله على الوجه اللائق الذي ينبغي. بل يكون مقصرا فلا يستحق ذلك الثواب. والله اعلم. وفي الاية الكريمة دليل على ان من عجز عن المأمور من واجب وغيره فانه معذور. كما قال تعالى في العاجزين عن الجهاد. ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج. ولا على المريض حرج وقال في عموم الاوامر فاتقوا الله ما استطعتم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم. ولكن لا يعذر الانسان الا اذا بذل جهده وسدت عليه ابواب الحيل. لقوله لا يستطيعون حيلة. وفي الاية تنبيه على ان الدليل في الحج والعمرة ونحوهما مما يحتاج الى سفر من شروط الاستطاعة فقد وقع اجره على الله الله غفورا رحيما. هذا فيه بيان الحث على الهجرة والترغيب وبيان ما فيها من المصالح. فوعد الصادق في وعده ان من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته انه يجد مراغما في الارض وسعة. فالمراغم مشتمل على مصالح الدين. والسعة على مصالح الدنيا وذلك ان كثيرا من الناس يتوهم ان في الهجرة شتاتا بعد الالفة وفقرا بعد الغنى وذلا بعد العز وشدة بعد الرخاء والامر ليس كذلك فان المؤمن ما دام بين اظهر المشركين فدينه في غاية النقص لا في العبادات القاصرة عليه كالصلاة ونحوها ولا في العبادات المتعدية كالجهاد بالقول والفعل وتوابع ذلك. لعدم تمكنه من ذلك. وهو بصدد ان يفتن عن دينه. خصوصا ان كان مستضعفا. فاذا هاجر في سبيل الله تمكن من اقامة دين الله وجهاد اعداء الله. ومراغمتهم فان المراغمة اسم جامع لكل ما يحصل به اغاظة لاعداء الله من قول وفعل وكذلك يحصل له سعة في رزقه. وقد وقع كما اخبر الله تعالى واعتبر ذلك بالصحابة رضي الله عنهم. فانهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم واولادهم واموالهم لله. كمل بذلك ايمانهم. وحصل لهم من الايمان التام والجهاد العظيم والنصر لدين الله. ما كانوا به ائمة لمن وكذلك حصل لهم مما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم. ما كانوا به اغنى الناس. وهكذا كل من فعل فعلهم حصل له ما يحصل له الى يوم القيامة ثم قال ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله اي قاصدا ربه ورضاه ومحبة لرسوله ونصرا لدين الله لا لغير ذلك من المقاصد. ثم يدركه الموت بقتل او غيره. فقد وقع اجره على الله. اي فقد حصل له اجر المهاجر الذي ادرك مقصوده بضمان عن الله تعالى وذلك لانه نوى وجزم. وحصل منه ابتداء وشروع في العمل. فمن رحمة الله به وبامثاله ان اعطاهم اجرهم كاملا ولو لم يكملوا العمل وغفر لهم ما حصل منه من التقصير في الهجرة وغيرها. ولهذا ختم هذه الاية بهذين الاسمين الكريمين فقال وكان الله غفا الرحيم يغفر للمؤمنين ما اقترفوا من الخطيئات. خصوصا التائبين المنيبين الى ربهم. رحيما بجميع الخلق رحمة اوجدته ورزقتهم من المال والبنين والقوة وغير ذلك رحيما بالمؤمنين. حيث وفقهم للايمان وعلمهم من العلم ما يحصل به الايقان يسر لهم اسباب السعادة والفلاح. وما به يدركون غاية الارباح. وسيرون من رحمته وكرمه ما لا عين رأت. ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فنسأل الله الا يحرمنا خيره بشر ما عندنا من الصلاة ان خفتم ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا ان الكافرين كانوا هاتان الايتان اصل في رخصة القصر وصلاة الخوف. يقول تعالى واذا ضربتم في الارض اي في السفر وظاهر الاية انه يقتضي الترخص في اي سفر كان ولو كان سفر معصية كما هو مذهب ابي حنيفة رحمه الله وخالف في لذلك الجمهور وهم الائمة الثلاثة وغيرهم. فلم يجوزوا الترخص في سفر المعصية. تخصيصا للاية بالمعنى والمناسبة. فان الرخصة سهولة من الله من عباده اذا سافروا ان يقصروا ويفطروا. والعاصي بسفره لا يناسب حاله التخفيف. وقوله فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة. اي لا حرج ولا اثم عليكم في ذلك. ولا ينافي ذلك كون القصر هو الافضل. لان نفي الحرج ازالة لبعض الوهم واقع في كثير من النفوس. بل ولا ينافي وجوب كما تقدم ذلك في سورة البقرة في قوله ان الصفا والمروة من شعائر الله وازالة الوهم في هذا الموضع ظاهرة لان الصلاة قد تقرر عند المسلمين وجوبها على هذه الصفة التامة. ولا يزيل هذا عن نفوس اكثرهم الا بذكر ما ينافيه. ويدل على افضلية القصر على الاتمام امران احدهما ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم على القصر في جميع اسفاره. والثاني ان هذا من باب التوسعة والترخيص والرحمة بالعباد. والله تعالى يحب ان رخصه كما يكره ان تؤتى معصيته وقوله ان تقصروا من الصلاة ولم يقل ان تقصروا الصلاة فيه فائدتان احداهما انه لو قال ان تقصروا الصلاة لكان القصر غير منضبط بحد من الحدود. فربما ظن انه لو قصر معظم الصلاة وجعلها ركعة واحدة لاجزأ. فاتيانه بقوله من الصلاة ليدل ذلك على ان القصر محدود مضبوط. مرجوع فيه الى ما تقرر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه. الثانية ان من تفيد التبعيض ليعلم بذلك ان القصر لبعض الصلوات المفروضات لا جميعها فان الفجر والمغرب لا يقصران وانما الذي يقصر والصلاة الرباعية من اربعة الى ركعتين. فاذا تقرر ان القصر في السفر رخصة فاعلم ان المفسرين قد اختلفوا في هذا القيد. وهو قوله ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا. الذي يدل ظاهره ان القصر لا يجوز الا بوجود الامرين كليهما. السفر مع الخوف. ويرجع حاصل اختلافهم الى انه هل المراد بقوله ان تقصروا قصر العدد فقط او قصر العدد والصفة؟ فالاشكال انما يكون على الوجه الاول وقد اشكل هذا على امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما لنا نقصر الصلاة وقد ان اي والله يقول ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة تصدق الله بها عليكم صدقته او كما قال فعلى هذا يكون هذا القيد اوتي به نظرا لغالب الحال. التي كان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه عليها. فان غالب كاسفارهم اسفار جهاد. وفيه فائدة اخرى وهي بيان الحكمة والمصلحة في مشروعية رخصة القصر. فبين في هذه الاية انهى ما يتصور من المشقة المناسبة للرخصة وهي اجتماع السفر والخوف. ولا يستلزم ذلك الا يقصر مع السفر وحده. الذي هو مظنة المشقة. واما على الوجه الثاني وهو ان المراد بالقصر قصر العدد والصفة فان القيد على بابه. فاذا وجد السفر والخوف جاز قصر العدد وقصر الصفة. واذا وجد السفر وحده جاز قصر العدد فقط او الخوف وحده جاز قصر الصفة. ولذلك اتى بصفة صلاة الخوف بعدها بقوله ما سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة ولتأتي الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتكم فيميلون عليكم ميلة واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة اي صليت بهم صلاة تقيمها ما يجب فيها ويلزم فعلمه ما ينبغي لك ولهم فعله. ثم فسر ذلك بقوله فلتقم طائفة منهم معك. اي وطائفة قائمة العدو كما يدل على ذلك ما يأتي. فاذا سجدوا اي الذين معك اي اكملوا صلاتهم. وعبر عن الصلاة بالسجود ليدل على فضل السجود وانه ركن من اركانها بل هو اعظم اركانها. فليكونوا من ورائكم. ولتأتي طائفة اخرى لم يصلوا. وهم الطائفة الذين قاموا بايزاء العدو فليصلوا معك. دل ذلك على ان الامام يبقى بعد انصراف الطائفة الاولى منتظرا للطائفة الثانية. فاذا حضروا صلى بهما بقي من صلاته. ثم جلس سينتظرهم حتى يكملوا صلاتهم. ثم يسلم بهم. وهذا احد الوجوه في صلاة الخوف. فانها صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة كلها جائزة وهذه الاية تدل على ان صلاة الجماعة فرض عين من وجهين احدهما ان الله تعالى امر بها في هذه الحالة الشديدة وقت اشتداد الخوف من الاعداء وحذر مهاجمتهم. فاذا اوجبها في هذه الحالة الشديدة فايجابها في حالة الطمأنينة والامن. من باب اولى واحرى الثاني ان المصلين صلاة الخوف يتركون فيها كثيرا من الشروط واللوازم. ويعفى فيها عن كثير من الافعال المبطلة في غيرها. وما ذاك الا لتأكد وجوب الجماعة لانه لا تعارض بين واجب ومستحب. فلولا وجوب الجماعة لم تترك هذه الامور اللازمة لاجلها. وتدل الاية الكريمة على ان الاولى والافضل ان يصلوا بامام واحد. ولو تضمن ذلك الاخلال بشيء لا يخل به لو صلوها بعدة ائمة. وذلك لاجل اجتماع كلمة المسلمين واتفاقهم وعدم تفرق كلمتهم. وليكون ذلك اوقع هيبة في قلوب اعدائهم. وامر تعالى باخذ السلاح. والحذر في صلاة الخوف. وهذا سواء كان فيه حركة واشتغال من بعض احوال الصلاة. فان فيه مصلحة راجحة وهو الجمع بين الصلاة والجهاد. والحذر من الاعداء الحريصين غاية الحرص على الايقاف بالمسلمين والميل عليهم وعلى امتعتهم. ولهذا قال تعالى ود الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتكم. فيميلون عليكم ميلة واحدة. ثم ان الله عذر من له عذر من مرض او مطر. ان يضع سلاحه ولكن مع اخذ الحذر فقال ولا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر او كنتم مرضى ان تضعوا اسلحتكم وخذوا حذركم. ان الله اعد للكافرين عذابا مهينا. ومن العذاب المهين ما امر الله به حزبه المؤمنين وانصار دينه الموحدين من قتلهم وقتالهم حيثما ثقفوهم ويأخذوهم ويحصروهم ويقعدو لهم كل مرصد احذروهم في جميع الاحوال ولا يغفلوا عنهم خشية ان ينالوا الكفار بعض مطلوبهم فيهم. فلله اعظم حمد وثناء على ما من به على المؤمنين وايدهم بمعونته وتعاليمه التي لو سلكوها على وجه الكمال لم تهزم لهم راية ولم يظهر عليهم عدو في وقت من الاوقات. وفي قوله فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم يدل على ان هذه الطائفة تكمل جميع صلاتها قبل ذهابهم الى موضع الحارسين. وان الرسول صلى الله عليه يثبت منتظرا للطائفة الاخرى قبل السلام لانه اولا ذكر ان الطائفة تقوم معه فاخبر عن مصاحبتهم له ثم اضاف الفعل بعد اليهم الرسول فدل ذلك على ما ذكرناه. وفي قوله ولتأتي طائفة اخرى لم يصلوا فليصلوا معك. دليل على ان الطائفة الاولى قد صلوا وان جميع صلاة الطائفة الثانية تكون مع الامام حقيقة في ركعتهم الاولى وحكما في ركعتهم الاخيرة فيستلزم ذلك انتظار الامام اياهم حتى يكملوا صلاتهم ثم يسلم بهم وهذا ظاهر للمتأمل الى الله تعالى في المحبة. وامتلاء القلب من ذكره والثناء عليه. واعظم ما يحصل به هذا المقصود. الصلاة التي حقيقتها ان حاصلة بين العبد وبين ربه. ومنها ان فيها من حقائق الايمان ومعارف الايقان. ما اوجب ان يفرضها الله على عباده كل يوم من وليلة ومن المعلوم ان صلاة الخوف لا تحصل فيها هذه المقاصد الحميدة بسبب اشتغال القلب والبدن والخوف. فامر بجبرها في الذكر بعدها ومنها ان الخوف يوجب من قلق القلب وخوفه. ما هو مظنة لضعفه؟ واذا ضعف القلب ضعف البدن عن مقاومة العدو والذكر لله والاكثار منه من اعظم مقويات القلب. ومنها ان الذكر لله تعالى مع الصبر والثبات سبب للفلاح والظفر بالاعداء. كما قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا. واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. فامر بالاكثار منه في هذه الحال الى غير ذلك من الحكم. وقوله فاذا اطمأننتم فاقيموا الصلاة. اي اذا امنتم من الخوف واطمأنت قلوبكم وابدانكم فاتموا صلاتكم على الوجه الاكمل ظاهرا وباطنا باركانها وشروطها و خشوعها وسائر مكملاتها. ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. اي مفروضا في وقته. فدل ذلك على فرضيتها ان لها وقتا لا تصح الا به. وهو هذه الاوقات التي قد تقررت عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم. عالمهم وجاهلهم. واخذوا ذلك عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله صلوا كما رأيتموني اصلي. ودل قوله على المؤمنين على ان الصلاة ميزان الايمان وعلى حسب ايمان العبد تكون صلاته وتتم وتكمل. ويدل ذلك على ان الكفار وان كانوا ملتزمين لاحكام المسلمين كاهل الذمة انهم لا يخاطبون بفروع الدين كالصلاة. ولا يؤمرون بها. بل ولا تصح منهم ما داموا على كفرهم. وان كانوا يعاقبون عليها وعلى سائر الاحكام في الاخرة من الله ما لا يرجون. وكان الله عليما حكيما. اي لا تضعفوا ولا تكسلوا في ابتغاء عدوكم من الكفار اي في جهادهم والمرابطة على ذلك. فان وهن القلب مستدع لوهن البدن. وذلك يضعف عن مقاومة الاعداء. بل كونوا اقوياء نشيطين في قتالهم. ثم ذكر ما يقوي قلوب المؤمنين. فذكر شيئين. الاول ان ما يصيبكم من الالم والتعب جراح ونحو ذلك فانه يصيب اعدائكم فليس من المروءة الانسانية والشهامة الاسلامية ان تكونوا اضعف منهم وانتم وهم قد ساويتم فيما يوجب ذلك لان العادة الجارية انه لا يضعف الا من توالت عليه الالام. وانتصر عليه الاعداء على الدوام. لا من يدان مرة ويدال عليه اخرى. الامر الثاني انكم ترجون من الله ما لا يرجون. فترجون الفوز بثوابه والنجاة من عقابه الخواص المؤمنين لهم مقاصد غالية. وامال رفيعة من نصر دين الله واقامة شرعه. واتساع دائرة الاسلام وهداية الضالين وقمع اعداء الدين. فهذه الامور توجب للمؤمن المصدق زيادة القوة. وتضاعف النشاط والشجاعة التامة. لان من يقاتل ويصبر على نيل عزه الدنيوي ان نال ليس كمن يقاتل لنيل السعادة الدنيوية والاخروية والفوز برضوان الله وجنته. فسبحان ان من فاوت بين العباد وفرق بينهم بعلمه وحكمته. ولهذا قال وكان الله عليما حكيما. كامل العلم كامل حكمة يخبر تعالى انه انزل على عبده ورسوله الكتاب بالحق. اي محفوظا في انزاله من الشياطين. ان يتطرق اليه منهم باطل بل نزل بالحق مشتملا ايضا على الحق. فاخباره صدق واوامره ونواهيه عدل. وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. واخبر انه انزله ليحكم بين الناس. وفي الاية الاخرى وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم. فيحتمل ان هذه الاية في الحكم بين الناس في مسائل النزاع والاختلاف. وتلك في تبيين جميع الدين واصوله وفروعه. ويحتمل ان الايتين كليهما معناهما واحد فيكون الحكم بين الناس هنا يشمل الحكم بينهم في الدماء والاعراض والاموال وسائر الحقوق. وفي العقائد وفي جميع مسائل الاحكام وقوله بما اراك الله اي لا بهواك بل بما علمك الله والهمك كقوله تعالى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. وفي هذا دليل على عصمته صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن الله من جميع الاحكام وغيرها. وانه يشترط الحكم العلم والعدل لقوله بما اراك الله ولم يقل بما رأيت. ورتب ايضا الحكم بين الناس على معرفة الكتاب ولما امر الله بالحكم بين الناس المتضمن للعدل والقسط نهاه عن الجور والظلم الذي هو ضد العدل فقال ولا تكن الخائنين خصيما. اي لا تخاصم عمن عرفت خيانته من مدع ما ليس له. او منكر حقا عليه. سواء علم ذلك او ظنه في هذا دليل على تحريم الخصومة في الباطل. والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية. ويدل مفهوم الاية على جواز في نيابة الخصومة لمن لم يعرف منه ظلم. واستغفر الله ان الله كان غفورا رحيما واستغفر الله مما صدر منك ان صدر. ان الله كان غفورا رحيما. اي يغفر الذنب العظيم لمن استغفره وتاب اليه واناب يوفقه للعمل الصالح بعد ذلك الموجب لثوابه وزوال عقابه. ولا تجادل عن الذين يختانون ان ولا تجادل عن الذين يختارون انفسهم الاختيان والخيانة بمعنى الجناية والظلم والاثم. وهذا يشمل النهي عن المجادلة عمن اذنب. وتوجه عليه عقوبة من حد او تعزير فانه لا يجادل عنه بدفع ما صدر منه من الخيانة. او بدفع ما ترتب على ذلك من العقوبة الشرعية. ان الله الا يحب من كان خوانا اثيما. اي كثير الخيانة والاثم. واذا انتفى الحب ثبت ضده وهو البغض. وهذا كالتعليل للنهي متقدم ثم ذكر عن هؤلاء الخائنين انهم اه ولا يستخفون من الله وهو معهم اذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله لما يعملون محيطا. وهذا من ضعف الايمان ونقصان اليقين. ان تكون مخافة الخلق عندهم اعظم من مخافة الله فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس. وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم. ولم بنظره واطلاعه عليهم. وهو معهم بالعلم في جميع احوالهم. خصوصا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول. من تبرئة الجاني ورمي البريء بالجناية والسعي في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم ليفعل ما بيتوه. فقد جمعوا بين عدة جنايات ولم يراقبوا رب الارض الارض والسماوات المطلعة على سرائرهم وضمائرهم. ولهذا توعدهم تعالى بقوله وكان الله بما يعملون محيطا. اي احاط بذلك علما ومع هذا لم يعادلهم بالعقوبة بل استأنى بهم وعرض عليهم التوبة وحذرهم من الاصرار على ذنبهم الموجب للعقوبة البليغة في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة جادلتم عنهم في الحياة الدنيا. فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة امن يكون عليهم وكيلا ايهبكم جادلتم عنهم في هذه الحياة الدنيا ودفع عنهم جدالكم بعض ما يحذرون من العار والفضيحة عند الخلق فماذا يغني عنهم ومن يجادل الله عنهم يوم القيامة حين تتوجه عليهم الحجة وتشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا تعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون ان الله هو الحق المبين. فمن يجادل عنه من يعلم السر واخفى ومن اقام عليه من الشهود ما لا يمكن معه الانكار. وفي هذه الاية الارشاد الى المقابلة بينما يتوهم من مصالح الدنيا المترتبة على ترك اوامر الله او فعل مناهيه وبينما يفوت من ثواب الاخرة او يحصل من عقوباتها. فيقول من امرته نفسه بترك امر ها انت تركت امره كسلا وتفريطا. فما النفع الذي انتفعت به؟ وماذا فاتك من ثواب الاخرة؟ وماذا ترتب على هذا الترك من الشق والحرمان والخيبة والخسران. وكذلك اذا دعته نفسه الى ما تشتهيه من الشهوات المحرمة. قال لها هبك فعلت ما اشتهيتي فان لذته تنقضي ويعقبها من الهموم والغموم والحسرات. وفوات الثواب وحصول العقاب. ما بعضه يكفي العاقل في الاحجام عنه وهذا من اعظم ما ينفع العبد تدبره. وهو خاصة العقل الحقيقي. بخلاف من يدعي العقل وليس كذلك. فانه بجهله وظلمه تؤثر اللذة الحاضرة والراحة الراهنة. ولو ترتب عليها ما ترتب. والله المستعان. ثم قال تعالى ومن يعمل ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما. اي من تجرأ على المعاصي واقتحم على الاثم ثم استغفر الله استغفارا تاما. يستلزم الاقرار بالذنب والندم عليه. والاقلاع والعزم على الا يعود. فهذا قد وعده من لا يخلف ميعاد بالمغفرة والرحمة فيغفر له ما صدر منه من الذنب ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب. ويعيد اليه ما تقدم من الاعمال الصالحة ويوفقه فيما يستقبله من عمره. ولا يجعل ذنبه حائلا عن توفيقه. لانه قد غفر واذا غفر غفر وما يترتب عليه واعلم ان عمل السوء عند الاطلاق يشمل سائر المعاصي الصغيرة والكبيرة وسمي سوءا لكونه يسوء بعقوبته ولكونه في نفسه سيئا غير حسن. وكذلك ظلم النفس عند الاطلاق يشمل ظلمها بالشرك فما دونه. ولكن عند احدهما بالاخر قد يفسر كل واحد منهما بما يناسبه. فيفسر عمل السوء هنا بالظلم الذي يسوء الناس. وهو ظلمهم في دمائهم واموالهم واعراضهم. ويفسر ظلم النفس بالظلم والمعاصي. التي بين الله وبين عبده. وسمي ظلم النفس ظلما. لان العبد ليست ملكا له يتصرف فيها بما يشاء. وانما هي ملك لله تعالى. قد جعلها امانة عند العبد. وامره ان على طريق العدل بالزامها للصراط المستقيم. علما وعملا. فيسعى في تعليمها ما امر به. ويسعى في العمل بما يجب. فسعيه في غير هذا الطريق ظلم لنفسه وخيانة وعدول بها عن العدل الذي ضده الجور والظلم. ثم قال وكان الله عليما حكيما ومن يكسب اثما فانما يكسبه على نفسه. وهذا يشمل كل ما يؤثم من صغير وكبير. فمن كسب سيئة فان عقوبتها الدنيوية والاخرى على نفسه لا تتعداها الى غيره. كما قال تعالى ولا تزر وازرة وزر اخرى. لكن اذا ظهرت السيئات فلم تنكر عمت عقوبتها وشمل اثمها فلا تخرج ايضا عن حكم هذه الاية الكريمة. لان من ترك الانكار الواجب فقد كسب سيئة وفي هذا بيان عدل الله وحكمته انه لا يعاقب احدا بذنب احد. ولا يعاقب احدا اكثر من العقوبة الناشئة عن ذنبه. ولهذا قال وكان الله عليما حكيما. اي له العلم الكامل والحكمة التامة. ومن علمه وحكمته انه يعلم الذنب وما صدر منه. والسبب داعية لفعله والعقوبة المترتبة على فعله. ويعلم حالة المذنب انه ان صدر منه الذنب بغلبة دواعي نفسه الامارة بالسوء مع انابته الى ربه في كثير من اوقاته انه سيغفر له ويوفقه للتوبة. وان صدر منه بتجرؤه على المحارم اختلافا بنظر ربه وتهاونا بعقابه فان هذا بعيد من المغفرة. بعيد من التوفيق للتوبة. ثم قال ومن فقد احتمل بهتانا واثما مبينا. ومن يكسب خطيئة اي ذنبا كبيرا او اثما ما دون ذلك. ثم يرمي به اي يتهم بذنبه بريئا من ذلك الذنب. وان كان مذنبا فقد احتمل بهتانا واثما مبينا. اي فقد حمل فوق ظهره بهتا للبريء. واثما ظاهرا بينا. وهذا يدل على ان ذلك من كبائر الذنوب وموبقاتها. فانه قد جمع عدة مفاسد. كسب الخطيئة والاثم. ثم رمي من لم يفعلها بفعلها. ثم ما الكذب الشنيع بتبرئة نفسه واتهام البريء ثم ما يترتب على ذلك من العقوبة الدنيوية تندفع عمن وجبت عليه وتقام على من لا ثم ما يترتب على ذلك ايضا من كلام الناس في البريء. الى غير ذلك من المفاسد التي نسأل الله العافية منها ومن كل شر ثم ذكر منته على رسوله بحفظه وعصمته ممن اراد ان يضله. فقال طائفة منهم ان يضلوه لا يضلون الا انفسهم وما يضرونك من شيء. وان انزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم. وعلمك ما لم ولولا فضل الله ورحمته لهمت طائفة منهم ان يضلوك. وذلك ان هذه الايات الكريمات قد ذكر المفسرون ان سبب نزولها ان اهل بيت في المدينة فلما اطلع على سرقتهم خافوا الفضيحة واخذوا سرقتهم فرموها ببيت من هو بريء من ذلك واستعان بقومه ان يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه ان يبرأ صاحبهم على رؤوس الناس. وقالوا انه لم يسرق وانما الذي سرق من وجدت السرقة ببيته وهو البريء. فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبرأ صاحبهم. فانزل الله هذه في الايات تذكيرا وتبيينا لتلك الواقعة. وتحذيرا للرسول صلى الله عليه وسلم من المخاصمة عن الخائنين. فان المخاصمة عن المبطل من ضلال فان الضلال نوعان. ضلال في العلم وهو الجهل بالحق. وضلال في العمل وهو العمل بغير ما يجب. فحفظ الله رسوله عن هذا النوع من الضلال كما حفظه عن الضلال في الاعمال. واخبر ان كيدهم ومكرهم يعود على انفسهم كحالة كل ماكر. فقال وما يضلون الا انفسهم. لكون ذلك المكر وذلك التحيل. لم يحصل لهم فيه مقصودهم. ولم يحصل لهم الا بالخيبة والحرمان والاثم والخسران. وهذا نعمة كبيرة على رسوله صلى الله عليه وسلم. يتضمن النعمة بالعمل وهو التوفيق لفعل ما يجب. والعصمة له عن كل محرم. ثم ذكر نعمته عليه بالعلم فقال وانزل الله عليك الكتاب والحكمة. اي انزل عليك هذا القرآن العظيم الذكر الحكيم الذي فيه تبيان كل شيء وعلم الاولين والاخرين. والحكمة اما السنة التي قد قال فيها بعض السلف السنة تنزل عليه كما ينزل القرآن. واما معرفة اسرار الشريعة الزائدة على معرفة احكامها. وتنزيل الاشياء منازلها كل شيء بحسبه. وعلمك ما لم تكن تعلم. وهذا يشمل جميع ما علمه الله تعالى. فانه صلى الله عليه وسلم كما الله قبل النبوة بقوله ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان. ووجدك ضالا فهدى. ثم لم يزل يوحي الله اليه ويعلمه هو يكمله حتى ارتقى مقاما من العلم يتعذر وصوله على الاولين والاخرين. فكان اعلم الخلق على الاطلاق واجمعهم لصفات الكمال واكملهم فيها. ولهذا قال وكان فضل الله عليك عظيما. ففضله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. اعظم من فضله على كل الخلق واجناس الفضل الذي قد فضله الله به لا يمكن استقصاؤه ولا يتيسر احصاؤه اي لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون. واذا لم يكن فيه خير فاما لا فائدة فيه كفضول الكلام المباح. واما شر ومضرة كالكلام المحرم بجميع انواعه. ثم استثنى تعالى فقال الا من امر بصدقة من مال او علم او اي نفع كان لعله يدخل فيه العبادات القاصرة كالتسبيح والتحميد ونحوه. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تهليلة صدقة. وامر بالمعروف صدقة. ونهي عن المنكر صدقة. وفي بضع احدكم صدقة الحديث او معروف وهو الاحسان والطاعة. وكل ما عرف في الشرع والعقل حسنه. واذا اطلق الامر بالمعروف من غير ان يقرن بالنهي عن المنكر دخل فيه النهي عن المنكر. وذلك لان ترك المنهيات من المعروف. وايضا لا يتم فعل الخير الا بترك الشر. واما عند للاقتران فيفسر المعروف بفعل المأمور. والمنكر بترك المنهي او اصلاح بين الناس. والاصلاح لا يكون الا بين متنازعين متخاصمين والنزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة ما لا يمكن حصره. فلذلك حث الشارع على الاصلاح بين الناس في الدماء الاموال والاعراض بل وفي الاديان. كما قال تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. وقال تعالى وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما. فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله. وقال الله تعالى والصلح خير والساعي في الاصلاح بين الناس افضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة. والمصلح لابد ان يصلح الله سعيه وعمله كما ان السعي في الافساد لا يصلح الله عمله ولا يتم له مقصوده. كما قال الله تعالى ان الله لا يصلح عمل المفسدين فهذه الاشياء حيثما فعلت فهي خير. كما دل على ذلك الاستثناء. ولكن كمال الاجر وتمامه بحسب النية والاخلاص. ولهذا قال قال ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما. فلهذا ينبغي للعبد ان يقصد وجه الله تعالى ويخلص العمل لله في كل وقت وفي كل جزء من اجزاء الخير ليحصل له بذلك الاجر العظيم وليتعود الاخلاص فيكون من المخلصين وليتم له الاجر سواء تم مقصوده ام لا. لان النية حصلت واقترن بها ما يمكن من العمل ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا اي من يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعانده فيما جاء به من بعد ما تبين له الهدى بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية ويتبع غير سبيل المؤمنين. وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم واعمالهم. نوله ما تولى. اي نتركه وما اختاره لنفسه ونخذله فلا نوفقه للخير. لكونه رأى الحق وعلمه وتركه. فجزاؤه من الله عدلا ان يبقيه في ضلاله ويزداد ضلالا الى ضلاله. كما قال الله تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم. وقال الله تعالى ونقل وافئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ويدل مفهومها على ان من لم يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين بان كان قصده وجه الله واتباع رسوله ولزوم جماعة المسلمين. ثم صدر منه من الذنوب او الهم بها ما هو من مقتضيات النفوس وغلبة الطباع فان الله لا يوليه نفسه وشيطانه. بل يتداركه بلطفه ويمن عليه بحفظه ويعصمه من السوء. كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء. انه من عبادنا المخلصين. اي بسبب اخلاصه صرفنا عنه السوء وكذلك كل مخلص كما يدل عليه عموم التعليم. وقوله ونصله جهنم اي نعذبه فيها عذابا عظيما. وساءت اي مرجعا له ومآلا. وهذا الوعيد المترتب على الشقاق ومخالفة المؤمنين. مراتب لا يحصيها الا الله بحسب حالة صغرا وكبارا فمنه ما يخلد في النار ويوجب جميع الخذلان ومنه ما هو دون ذلك. فلعل الاية الثانية كالتفصيل لهذا المطلق وهو ان الشرك لا يغفره الله تعالى لتضمنه القدح في رب العالمين وفي وحدانيته وتسوية المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بمن هو مالك النفع والضر. الذي ما من نعمة الا منه. ولا يدفع النقم الا هو. الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه. والغنى بجميع وجوه الاعتبارات. فمن اعظم الظلم وابعد الضلال عدم اخلاص العبادة لمن هذا شأنه وعظمته. وصرف شيء منها للمخلوق الذي ليس له من صفات الكمال شيء. ولا له من صفات الغنى شيء. بل ليس له الا العدم. عدم الوجود وعدم الكمال وعدم الغنى الفقر من جميع الوجوه. واما ما دون الشرك من الذنوب والمعاصي فهو تحت المشيئة ان شاء الله غفره برحمته وحكمته. وان شاء عليه وعاقب بعدله وحكمته. وقد استدل بهذه الاية الكريمة على ان اجماع هذه الامة حجة. وانها معصومة من الخطأ ووجه ذلك ان الله توعد من خالف سبيل المؤمنين بالخذلان والنار. وسبيل المؤمنين مفرد مضاف. يشمل سائر ما المؤمنون عليه من العقائد والاعمال. فاذا اتفقوا على ايجاب شيء او استحبابه او تحريمه او كراهته او اباحته. فهذا سبيلهم فمن خالفهم هم في شيء من ذلك بعد انعقاد اجماعهم عليه فقد اتبع غير سبيلهم. ويدل على ذلك قوله تعالى كنتم خير امة للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر. ووجه الدلالة منها ان الله تعالى اخبر ان المؤمنين من هذه الامة لا يأمرون الا بالمعروف فاذا اتفقوا على ايجاب شيء او استحبابه فهو مما امروا به. فيتعين بنص الاية ان يكون معروفا ولا شيء بعد المعروف غير المنكر. وكذلك اذا اتفقوا على النهي عن شيء فهو مما نهوا عنه. فلا يكون الا منكرا. ومثل ذلك قوله تعالى كذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس. فاخبر تعالى ان هذه الامة جعلها الله وسطا اي عدلا خيارا كونوا شهداء على الناس اي في كل شيء فاذا شهدوا على حكم بان الله امر به او نهى عنه او اباحه فان شهادتهم معصومة لكونهم عالمين بما شهدوا به عادلين في شهادتهم. فلو كان الامر بخلاف ذلك لم يكونوا عادلين في شهادتهم ولا عالمين بها ومثل ذلك قوله تعالى فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول. يفهم منها ان ما لم يتنازعوا فيه بل اتفقوا عليه انهم غير مأمورين برده الى الكتاب والسنة. وذلك لا يكون الا موافقا للكتاب والسنة. لا يكون مخالفا. فهذه الادلة ونحوها تفيد القطع ان اجماع هذه الامة حجة قاطعة. ولهذا بين الله قبح ضلال المشركين بقوله وان يدعون الا وقال لاتخذن من عبادك نصيبا اي ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله الا اناثا. اي اوثانا واصناما. مسميات باسماء الاناث عزة ومناة ونحوهما. ومن المعلوم ان الاسم دال على المسمى. فاذا كانت اسماؤها اسماء مؤنثة ناقصة. دل ذلك على نقص المسميات نأتي بتلك الاسماء وفقدها للصفات الكمال. كما اخبر الله تعالى في غير موضع من كتابه انها لا تخلق ولا ترزق ولا تدفع عن عابديها بل ولا عن نفسها نفعا ولا ضرا ولا تنصر انفسها ممن يريدها بسوء. وليس لها اسماع ولا ابصار ولا افئدة. فكيف يعبد من هذا وصفه ويترك الاخلاص لمن له الاسماء الحسنى. والصفات العليا والحمد والكمال والمجد والجلال والعز والجمال. والرحمة والبر والاحسان والانفراد بالخلق والتدبير والحكمة العظيمة في الامر والتقدير. هل هذا الا من اقبح القبيح الدال على نقص صاحبه وبلوغه من الخسة والدناءة ادنى ما يتصوره متصور او يصفه واصف. ومع هذا فعبادتهم انما صورتها فقط لهذه الاوثان الناقصة. وبالحقيقة ما عبدوا غير الشيطان الذي هو عدوهم. الذي يريد اهلاكهم ويسعى في ذلك بكل ما يقدر الذي هو في غاية البعد من الله لعنه الله وابعده عن رحمته. فكما ابعده الله عن رحمته يسعى في ابعاد العباد عن الله انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. ولهذا اخبر الله عن سعيه في اغواء العباد وتزيين الشر لهم والفساد وانه قال لربه مقسما لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا اي مقدرا علم اللعين انه لا يقدر على اغواء جميع عباده الله وان عباد الله المخلصين ليس له عليهم سلطان. وانما سلطانه على من تولاه واثر طاعته وعلى طاعة مولاه. واقسم في موضع اخر ليغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين. فهذا الذي ظنه الخبيث وجزم به. اخبر الله تعالى بوقوعه بقوله ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين. وهذا النصيب المفروض الذي اقسم ليتخذه منهم ذكر ما يريد بهم وما يقصده لهم بقوله انهم فليغيرن خلق الله. ومن يتق الله وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا. ولاضلنهم اي عن الصراط المستقيم ضلالا في العلم وضلالا في العمل. ولامنين انهم اي مع الاضلال لامنينهم ان ينالوا ما ناله المهتدون. وهذا هو الغرور بعينه. فلم يقتصر على مجرد اضلالهم حتى زين لهم ما هم فيه من الضلال. وهذا زيادة شر الى شرهم. حيث عملوا اعمال اهل النار الموجبة للعقوبة. وحسبوا انها موجبة للجنة واعتبر ذلك باليهود والنصارى ونحوهم. فانهم كما حكى الله عنهم وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى. تلك فامانيهم وكذلك زينا لكل امة عملهم. قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا؟ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا. وقال تعالى عن المنافقين انهم يقولون يوم القيامة للمؤمنين. الم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم انفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الاماني حتى جاء امر الله وغركم بالله الغرور وقوله ولامرنهم فليبتكن اذان الانعام. اي بتقطيع اذانها وذلك كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام فنبه ببعض ذلك على جميعه. وهذا نوع من الاضلال يقتضي تحريم ما احل الله او تحليل ما حرم الله. ويلتحق بذلك من انتقادات الفاسدة والاحكام الجائرة ما هو من اكبر الاضلال. ولامرنهم فليغيرن خلق الله. وهذا يتناول تغيير الخلقة الظاهرة بالوشم والوشر والنمص والتفلج للحسن. ونحو ذلك مما اغواهم به الشيطان. فغيروا خلقة الرحمن. وذلك يتضمن التسخط ومن خلقته والقدح في حكمته واعتقاد ان ما يصنعونه بايديهم احسن من خلقة الرحمن. وعدم الرضا بتقديره وتدبيره. ويتناول ايضا تغيير الخلقة الباطنة. فان الله تعالى خلق عباده حنفاء مفطورين على قبول الحق وايثاره. فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن هذا خلقي الجميل وزينت لهم الشر والشرك والكفر والفسوق والعصيان. فان كل مولود يولد على الفطرة. ولكن ابواه يهودانه او يقصرانه او يمجسانه ونحو ذلك مما يغيرون به ما فطر الله عليه العباد من توحيده وحبه ومعرفته. فافترستهم الشياطين في هذا الموضع افتراس السبع والذئاب للغنم المنفردة. لولا لطف الله وكرمه بعباده المخلصين. لجرى عليهم ما جرى على هؤلاء المفتونين وهذا الذي جرى عليه من توليهم عن ربهم وفاطرهم. وتوليهم لعدوهم المريد لهم الشر من كل وجه. فخسروا الدنيا والاخرة ورجعوا بالخيبة والصفقة الخاسرة. ولهذا قال ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا. واي ابين واعظم ممن خسر دينه ودنياه. واوبقته معاصيه وخطاياه. فحصل له الشقاء الابدي. وفاته النعيم السرمدي كما ان من تولى مولاه واثر رضاه ربح كل الربح وافلح كل الفلاح وفاز بسعادة الدارين واصبح قرير العين فلا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت. اللهم تولنا فيمن توليت وعافنا فيمن عافيت. ثم قال يعده اي يعد الشيطان من يسعى في اضلالهم والوعد يشمل حتى الوعيد كما قال تعالى الشيطان يعدكم الفقر فانه يعدهم اذا انفقوا في سبيل الله افتقروا ويخوفهم اذا جاهدوا بالقتل وغيره كما قال تعالى انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه ويخوفهم عند ايثار مرضات الله بكل ما يمكن وما لا يمكن مما يدخله في عقولهم حتى يكسلوا عن فعل الخير. وكذلك يمنيهم الاماني الباطلة. التي هي عند التحقيق الذي لا حقيقة له. ولهذا قال وما يعدهم الشيطان الا غرورا اولئك مأواهم جهنم اي من انقاد للشيطان واعرض عن ربه وصار من اتباع ابليس وحزبه مستقرهم النار ولا يجدون عنها محيصا. اي مخلصا ولا ملجأ بل هم خالدون في فيها ابد الاباد. ولما بين مآل الاشقياء اولياء الشيطان ذكر مآل السعداء اوليائه فقال والذين امنوا اي امنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره على الوجه الذي امروا به علما وتصديقا واقرارا. وعملوا الصالحات الناشئة عن الايمان. وهذا يشمل سائر من واجب ومستحب. الذي على القلب والذي على اللسان. والذي على بقية الجوارح. كل له من الثواب المرتب على ذلك بحسب حاله ومقامه وتكميله للايمان والعمل الصالح. ويفوته ما رتب على ذلك بحسب ما اخل به من الايمان والعمل. وذلك بحسب ما عدم من حكمة الله ورحمته. وكذلك وعده الصادق الذي يعرف من تتبع كتاب الله وسنة رسوله. ولهذا ذكر الثواب المرتب على ذلك بقوله سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار. فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. من انواع المآكل والمشارب اللذيذة والمناظر العجيبة والازواج الحسنة والقصور والغرف المزخرفة والاشجار المتدلية والفواكه المستغربة والاصوات الشجية والنعم السابغة وتزاور الاخوان وتذكرهم ما كان منهم في رياض الجنان. واعلى من ذلك كله واجل. رضوان الله عليهم وتمتع الارواح بقربه والعيون برؤيته والاسماع بخطابه. الذي ينسيهم كل نعيم وسرور. ولولا الثبات من الله لهم لطالوا وماتوا من الفرح والحبور. فلله ما احلى ذلك النعيم. وما اعلى ما انا لهم الرب الكريم. وما حصل لهم من كل خير وبهجة لا يصفه الواصفون. وتمام ذلك وكماله الخلود الدائم في تلك المنازل العاليات. ولهذا قال خالدين فيها وعد الله حقا ومن اصدق من الله قيلا. فصدق الله العظيم الذي بلغ قوله وحديثه في الصدق اعلى ما يكون. ولهذا لم ما كان كلامه صدقا وخبره صدقا. كان ما يدل عليه مطابقة وتضمنا وملازمة. كل ذلك مراد من كلامه. وكذلك كلام رسوله صلى الله عليه وسلم لكونه لا يخبر الا بامره ولا ينطق الا عن وحيه اي ليس الامر والنجاة والتزكية بامانيكم ولا اماني اهل الكتاب والاماني احاديث النفس المجردة عن العمل المقترن بها دعوة مجردة. لو عرضت بمثلها لكانت من جنسها. وهذا عام في كل امر. فكيف فبأمر الايمان والسعادة الابدية. فان اماني اهل الكتاب قد اخبر الله بها انهم قالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى تلك امانيهم وغيرهم ممن ليس ينتسب لكتاب ولا رسول من باب اولى واحرى. وكذلك ادخل الله في ذلك من ينتسب الى الاسلام لكمال العدل والانصاف. فان مجرد الانتساب الى اي دين كان لا يفيد شيئا ان لم يأتي الانسان ببرهان على صحة دعواه. فالاعمال ما لا تصدق الدعوة او تكذبها. ولهذا قال تعالى من يعمل سوءا يجزى به. وهذا شامل لجميع العاملين. لان السوء شامل اي ذنب كان من صغائر الذنوب وكبائرها وشامل ايضا لكل جزاء. قليل او كثير دنيوي او اخروي. والناس في هذا المقام درجات لا يعلمها الا الله. فمستقل ومستكثر. فمن كان عمله كله سوءا. وذلك لا يكون الا كافرا. فاذا مات من دون توبة جوزي بالخلود في العذاب الاليم. ومن كان عمله صالحا وهو مستقيم في غالب احواله. وانما يصدر منه احيانا بعض الذنوب صغار فما يصيبه من الهم والغم والاذى وبعض الالام في بدنه او قلبه او حبيبه او ماله ونحو ذلك فانها مكفرات للذنوب وهي مما يجزى به على عمله قيدها الله لطفا بعباده. وبين هذين الحالين مراتب كثيرة. وهذا الجزاء على عمل السوء العام مخصوص في غير التائبين. فان التائب من الذنب كمن لا ذنب له. كما دلت على ذلك النصوص. وقوله ولا يجد له من دون الله ولي ولا نصيرا. لازالة بعضنا لعله يتوهم ان من استحق المجازاة على عمله قد يكون له ولي او ناصر او شافع يدفع عنهم ما استحقه فاخبر الله تعالى بانتفاء ذلك فليس له ولي يحصل له المطلوب ولا نصير يدفع عنه المرهوب الا ربه ومليكه ومن يعمل من الصالحات دخل في ذلك سائر الاعمال القلبية والبدنية. ودخل ايضا كل عامل من انس او جن صغير او كبير ذكر او انثى. ولهذا اذا قال من ذكر او انثى وهو مؤمن. وهذا شرط لجميع الاعمال. لا تكون صالحة ولا تقبل ولا يترتب عليها الثواب. ولا يندفع بها العقاب الا بالايمان. فالاعمال بدون الايمان كاغصان شجرة قطع اصلها. وكبناء بني على موج الماء. فالايمان هو والاصل والاساس والقاعدة التي يبنى عليه كل شيء. وهذا القيد ينبغي التفطن له في كل عمل مطلق. فانه مقيد به فاولئك اي الذين جمعوا بين الايمان والعمل الصالح يدخلون الجنة المشتملة على ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين ولا يظلمون نقيرا اي لا قليلا ولا كثيرا مما عملوه من الخير. بل يجدونه كاملا موفرا مضاعفا اضعافا كثيرة قضى الله ابراهيم خليدا. اي لا احد احسن من دين من جمع بين الاخلاص للمعبود. وهو اسلام الوجه لله الدال على استسلام القلب وتوجهه وانابته واخلاصه. وتوجه الوجه وسائر الاعضاء لله. وهو مع هذا الاخلاص والاستسلام. محسن. اي لشريعة الله التي ارسل الله بها رسله. وانزل كتبه وجعلها طريقا لخواص خلقه واتباعهم. واتبع ملة ابراهيم اي دينه وشرعه حنيفا اي مائلا عن الشرك الى التوحيد. وعن التوجه للخلق الى الاقبال على الله. واتخذ الله ابراهيم خليلا الى والخلة اعلى انواع المحبة. وهذه المرتبة حصلت للخليلين محمد وابراهيم عليهما الصلاة والسلام. واما المحبة من الله فهي لعموم المؤمنين. وانما اتخذ الله ابراهيم خليلا. لانه وفى بما امر به. وقام بما ابتلي به. فجعله الله اماما للناس واتخذه خليلا ونوه بذكره في العالمين وهذه الاية الكريمة فيها بيان احاطة الله تعالى بجميع الاشياء. فاخبر اهل انه له ما في السماوات وما في الارض. اي الجميع ملكه وعبيده فهم المملوكون. وهو المالك المتفرد بتدبيرهم. وقد احاط علم بجميع المعلومات وبصره بجميع المبصرات. وسمعه بجميع المسموعات. ونفذت مشيئته وقدرته بجميع الموجودات. ووسعت رحمته اهل الارض والسماوات وقهر بعزه وقهره كل مخلوق. ودانت له جميع الاشياء نساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى وترغبون الاستفتاء طلب السائل من المسؤول بيان الحكم الشرعي في ذلك المسؤول عنه فاخبر عن المؤمنين انهم يستفتون الرسول صلى الله عليه وسلم في حكم النساء المتعلق بهم فتولى الله هذه الفتوى بنفسه فقال قل الله يفتيكم فيهن فاعملوا على ما افتاكم به في جميع شؤون النساء من القيام بحقوقهن وترك في ظلمهن عموما وخصوصا. وهذا امر عام يشمل جميع ما شرع الله امرا ونهيا. في حق النساء الزوجات وغيرهن الصغار والكبار ثم خص بعد التعميم الوصية بالضعاف من اليتامى والولدان اهتماما بهم وزجرا عن التفريط في حقوقهم فقال وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء. اي ويفتيكم ايضا بما يتلى عليكم في الكتاب في شأن اليتامى من النساء. اللاتي لا تؤتونه ان ما كتب لهن وهذا اخبار عن الحالة الموجودة الواقعة في ذلك الوقت. فان اليتيمة اذا كانت تحت ولاية الرجل بخسها حقا اها وظلمها اما باكل مالها الذي لها او بعضه او منعها من التزوج لينتفع بمالها خوفا من استخراجه من يده زوجها او يأخذ من مهرها الذي تتزوج به بشرط او غيره. هذا اذا كان راغبا عنها او يرغب فيها وهي ذات جمال ومال ولا يقسط في مهرها. بل يعطيها دون ما تستحق. فكل ذلك ظلم يدخل تحت هذا النص. ولهذا قال وترغبون ان تنكحوا اي ترغبون عن نكاحهن او في نكاحهن كما ذكرنا تمثيلا. والمستضعفين من الولدان. اي ويفتيكم في المستضعفين من من البلدان الصغار ان تعطوهم حقهم من الميراث وغيره. والا تستولوا على اموالهم على وجه الظلم والاستبداد. وان تقوموا لليتامى بالقسط اي بالعدل التام. وهذا يشمل القيام عليهم بالزامهم امر الله. وما اوجبه على عباده. فيكون الاولياء مكلفين بذلك بما اوجبه الله. ويشمل القيام عليهم في مصالحهم الدنيوية. بتنمية اموالهم وطلب الاحظ لهم فيها. والا يقربوا الا بالتي هي احسن. وكذلك لا يحابون فيهم صديقا ولا غيرة. في تزوج وغيره على وجه الهضم لحقوقهم. وهذا من تعالى بعباده حيث حث غاية الحث على القيام بمصالح من لا يقوم بمصلحة نفسه لضعفه وفقد ابيه ثم حث على الاحسان عموما فقال وما تفعلوا من خير لليتامى ولغيرهم سواء كان الخير متعديا او لازما فان الله كان به عليما اي قد احاط علمه بعمل العاملين للخير قلة وكثرة حسنا وضدة فيجازي كلا بحسب عمله وان امرأة خافت من بعلها نشوزا او اعراضا فلا جناح عليهما ان يصلحا اي اذا خافت المرأة نشوز زوجها اي ترفعه عنها عدم رغبته فيها واعراضه عنها فالاحسن في هذه الحالة ان يصلح بينهما صلحا. بان تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها على وجه تبقى مع زوجها اما ان ترضى باقل من الواجب لها من النفقة او الكسوة او المسكن او القسم بان تسقط حقها منه او تهب يومها وليلتها لزوجها او لضرتها. فاذا اتفقا على هذه الحالة فلا جناح ولا بأس عليهما فيها. لا عليها ولا على زوج فيجوز حينئذ لزوجها البقاء معها على هذه الحال. وهي خير من الفرقة. ولهذا قال والصلح خير. ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى ان الصلح بين من بينهما حق او منازعة في جميع الاشياء انه خير من استقصاء كل منهما على كل حقه ما فيها من الاصلاح وبقاء الالفة والاتصاف بصفة السماح. وهو جائز في جميع الاشياء الا اذا احل حراما او حرم حلالا فانه لا سيكون صلحا وانما يكون جورا. واعلم ان كل حكم من الاحكام لا يتم ولا يكمل. الا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه. فمن هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح. فذكر تعالى المقتضي لذلك ونبه على انه خير. والخير كل عاقل يطلبه ويرغب فيه. فان كان مع ذلك قد امر الله به وحث عليه. ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه. وذكر المانع بقوله واحضرت الانفس الشح اي جبلت النفوس على الشح وهو عدم الرغبة في بذل ما على الانسان. والحرص على الحق الذي له. فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا. اي فينبغي لكم ان تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم. وتستبدل به ضده وهو السماحة وهو بذل الحق الذي عليك. والاقتناع ببعض بالحق الذي لك فمتى وفق الانسان لهذا الخلق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله. وتسهلت الطريق للوصول الى المطلوب بخلاف من لم يجتهد في ازالة الشح من نفسه. فانه يعسر عليه الصلح والموافقة. لانه لا يرضيه الا جميع ما له ولا يرضى ان يؤدي ما عليه. فان كان خصمه مثله اشتد الامر. ثم قال وان تحسنوا وتتقوا اي تحسنوا في عبادة الخاتم بان يعبد العبد ربه كانه يراه. فان لم يكن يراه فانه يراه. وتحسن الى المخلوقين بجميع طرق الاحسان. من نفع بمال او علم او جاه او غير ذلك. وتتقوا الله بفعل جميع المأمورات وترك جميع المحظورات. او تحسنوا بفعل المأمور وتتقوا ترك المحظور فان الله كان بما تعملون خبيرا. قد احاط به علما وخبرا بظاهره وباطنه. فيحفظه لكم يجزيكم عليه اتم الجزاء ان الله كان غفورا رحيما. يخبر تعالى ان الازواج لا يستطيعون. وليس في قدرتهم العدل التام بين النساء وذلك لان العدل يستلزم وجود المحبة على السواء والداعي على السواء. والميل في القلب اليهن على السواء. ثم العمل بمقتضى ذلك وهذا متعذر غير ممكن. فلذلك عفا الله عما لا يستطاع. ونهى عما هو ممكن بقوله. فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة اي لا تميل ميلا كثيرا بحيث لا تؤدون حقوقهن الواجبة. بل افعلوا ما هو باستطاعتكم من العدل. فالنفقة والكسوة والقتل ونحوها عليكم ان تعدلوا بينهن فيها. بخلاف الحب والوطء ونحو ذلك. فان الزوجة اذا ترك زوجها ما يجب لها صارت كالمعلقة التي لا زوج لها فتستريح. وتستعد للتزوج ولا ذات زوج يقوم بحقوقها. وان تصلحوا ما بينكم وبين باجبار انفسكم على فعل ما لا تهواه النفس احتسابا وقياما بحق الزوجة. وتصلح ايضا فيما بينكم وبين الناس. وتصلح ايضا ام بين الناس فيما تنازعوا فيه وهذا يستلزم الحث على كل طريق يوصل الى الصلح مطلقا. كما تقدم وتتقوا الله بفعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور. فان الله كان غفورا رحيما. يغفر ما صدر منكم من الذنوب والتقصير في الحق الواجب ويرحمكم كما عطفتم على ازواجكم ورحمتموهن. وان يتفرقا يغني الله كلا من سعي هذه الحالة الثالثة بين الزوجين اذا تعذر الاتفاق فانه لا بأس بالفراق فقال وان يتفرقا اي بطلاق او فسخ او خلع او غير ذلك يغني الله كلا من الزوجين من سعته اي من فضله واحسانه الواسع الشامل. فيغني الزوج بزوجة خير له منها. ويغنيها من فضله. وان انقطع نصيبها من زوجها فان رزقها على المتكفل بارزاق جميع الخلق القائم بمصالحهم. ولعل الله يرزقها زوجا خيرا منه. وكان الله واسع اي كثير الفضل واسع الرحمة. وصلت رحمته واحسانه الى حيث وصل اليه علمه. ولكنه مع ذلك حكيما ان يعطي بحكمته ويمنع لحكمته. فاذا اقتضت حكمته منع بعض عباده من احسانه بسبب من العبد. لا يستحق معه الاحسان من حرمه عدلا وحكمة في الارض وكان الله غنيا حميدا. ولله ما في السماوات وما في الارض وكفى بالله وكيلا اه يخبر تعالى عن عموم ملكه العظيم الواسع المستلزم تدبيره بجميع انواع التدبير وتصرفه بانواع التصريف قدرا شرع فتصرفه الشرعي ان وصى الاولين والاخرين اهل الكتب السابقة واللاحقة بالتقوى المتضمنة للامر والنهي وتشريع الاحكام والمجازاة لمن قام بهذه الوصية بالثواب والمعاقبة لمن اهملها وضيعها باليم العذاب. ولهذا قال وان تكفروا بان تتركوا تقوى الله وتشركوا بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا. فانكم لا تضرون بذلك الا انفسكم ولا تضرون الله شيئا ولا تنقصون ملكه. وله عبيد خير منكم واعظم واكثر. مطيعون له خاضعون لامره. ولهذا على ذلك قوله وان تكفروا فان لله ما في السماوات وما في الارض. وكان الله غنيا حميدا. له الجود الكامل والاحسان الشامل الصادر من خزائن رحمته التي لا ينقصها الانفاق. ولا يغيظها نفقة. سحاء الليل والنهار. لو اجتمع اهل السماوات اهل الارض اولهم واخرهم. فسأل كل واحد منهم ما بلغت امانيه. ما نقص من ملكه شيئا. ذلك بانه جواد واجب ماجد عطاؤه كلام وعذابه كلام. انما امره لشيء اذا اراد ان يقول له كن فيكون. ومن تمام غناه انه كامل الاوصاف. اذ لو كان فيه نقص بوجه من الوجوه لكان فيه نوع افتقار الى ذلك الكمال. بل له كل صفة كمال ومن تلك الصفة كمالها ومن تمام غناه انه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا في ملكه ولا ظهيرا ولا معاونا له على شيء من تدابير ملكه ومن كمال غناه. افتقار العالم العلوي والسفلي في جميع احوالهم وشؤونهم اليه. وسؤالهم اياه جميع حوائجه الدقيقة والجليلة. فقام تعالى بتلك المطالب والاسئلة. واغناهم واقناهم. ومن عليهم بلطفه وهداهم. واما الحميد فهو من اسماء الله تعالى الجليلة الدال على انه هو المستحق لكل حمد ومحبة وثناء واكرام وذلك لما اتصف به من الحمد التي هي صفة الجمال والجلال. ولما انعم به على خلقه من النعم الجزال. فهو المحمود على كل حال. وما احسن اقتران هذين الاسمين الكريمين الغني الحميد. فانه غني محمود. فله كمال من غناه. وكمال من حمده. وكمال من اقتران احدهما بالاخر ثم كرر احاطة ملكه لما في السماوات وما في الارض وانه على كل شيء وكيل اي عالم قائم بتدبير الاشياء على وجه الحكمة فان ذلك من تمام الوكالة. فان الوكالة تستلزم العلم بما هو وكيل عليه. والقوة والقدرة على تنفيذه وتدبيره وكون ذلك التدبير على وجه الحكمة والمصلحة. فما نقص من ذلك فهو لنقص الوكيل. والله تعالى منزه عن كل نقص اي هو الغني الحميد الذي له القدرة الكاملة والمشيئة النافذة فيكم. ان يشأ يذهبكم ايها الناس ويأتي باخرين غيركم. هم واعوا لله منكم وخير منكم. وفي هذا تهديد للناس على اقامتهم على كفرهم واعراضهم عن ربهم. فان الله لا يعبأ بهم شيئا الا يطيعوه ولكنه يمهل ويملي ولا يهمل ثم اخبر ان من كانت همته وارادته دنية غير متجددة متجاوزة ثواب الدنيا وليس له ارادة في الاخرة فانه قد قصر سعيه ونظره. ومع ذلك فلا يحصل له من ثواب الدنيا سوى ما كتب الله له منها فانه تعالى هو المالك لكل شيء. الذي عنده ثواب الدنيا والاخرة. فليطلبا منه ويستعان به عليه فانه لا ينال ما عنده الا بطاعته. ولا تدرك الامور الدينية والدنيوية الا بالاستعانة به والافتقار اليه على الدوام وله الحكمة تعالى في توفيقه من يوفقه. وخذلان من يخذله. وفي عطائه ومنعه. ولهذا قال وكان الله سميع عن بصيرة ثم قال تعالى آآ فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا وان تلبوا يأمر تعالى عباده المؤمنين ان يكونوا قوامين شهداء لله والقوام صيغة مبالغة. اي كونوا في كل احوالكم قائمين بالقسط. الذي هو العدل في حقوق الله وحقوق عباده فالقسط في حقوق الله الا يستعان بنعمه على معصيته. بل تصرف في طاعته. والقسط في حقوق الادميين. ان تؤدي جميع الحقوق التي عليك كما تطلب حقوقك فتؤدي النفقات الواجبة والديون وتعامل الناس بما تحب ان يعاملوك به من الاخلاق والمكافئة وغير ذلك ومن اعظم انواع القسط القسط في المقالات والقائلين فلا يحكم لاحد القولين او احد المتنازعين حسابه او ميله لاحدهما بل يجعل وجهته العدل بينهما. ومن القسط اداء الشهادة التي عندك على اي وجه كان. حتى على الاحباب بل على النفس. ولهذا قال شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين. ان يكن غنيا او فقيرا الله اولى بهما. اي فلا تراعوا الغني لغناه. ولا الفقير بزعمكم رحمة له. بل اشهدوا بالحق على من كان. والقيام بالقسط من اعظم الامور وادلها على دين القائم به وورعه ومقامه في الاسلام. فيتعين على من نصح نفسه واراد نجاتها ان له غاية الاهتمام وان يجعله نصب عينيه ومحل ارادته. وان يزيل عن نفسه كل مانع وعائق يعوقه عن ارادة القسط او العمل به واعظم عائق لذلك اتباع الهوى. ولهذا نبه تعالى على ازالة هذا المانع بقوله فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا كيف لا تتبعوا شهوات انفسكم المعارضة للحق؟ فانكم ان اتبعتموها عدلتم عن الصواب ولم توفقوا للعدل. فان الهوى اما ان يعمي بصيرة صاحبه حتى يرى الحق باطلا والباطل حقا. واما ان يعرف الحق ويتركه لاجل هواه. فمن سلم من هوى نفسه وفق للحق وهدي الى الصراط المستقيم. ولما بين ان الواجب القيام بالقسط نهى عن ما يضاد ذلك. وهو لي اللسان عن الحق في الشهادات وغيرها وتحريف النطق عن الصواب المقصود من كل وجه او من بعض الوجوه ويدخل في ذلك تحريف الشهادة وعدم تكميلها او تأويل الشاهد على امر اخر. فان هذا من الليل لانه الانحراف عن الحق. او تعرض اي تترك المنوطة بكم كترك الشاهد لشهادته وترك الحاكم لحكمه الذي يجب عليه القيام به. فان الله كان بما تعملون خبيرا اي محيط بما فعلتم يعلم اعمالكم خفيها وجليها. وفي هذا تهديد شديد للذي يلوي او يعرض. ومن باب اولى واحرى الذي يحكم بالباطل او يشهد بالزور. لانه اعظم جرما لان الاولين تركا الحق. وهذا تركا الحق وقام بالباطل والكتاب كتاب الذي انزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فقد ضل ضلالا بعيدا. اعلم ان الامر اما ان يوجه الى من لم يدخل في الشيء ولم يتصف بشيء فهذا يكون امرا له في الدخول فيه. وذلك كامر من ليس بمؤمن بالايمان. كقوله تعالى يا ايها الذين اوتوا الكتاب امنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم. واما ان يوجه الى من دخل في الشيء فهذا يكون امره ليصحح ما وجد منه. ويحصل ما لم يوجد ومنه ما ذكره الله في هذه الاية من امر المؤمنين بالايمان. فان ذلك يقتضي امرهم بما يصحح ايمانهم من الاخلاص والصدق وتجنب المفسدات والتوبة من جميع المنقصات. ويقتضي ايضا الامر بما لم يوجد من المؤمن من علوم الايمان واعماله. فانه كلما ما وصل اليه نص وفهم معناه واعتقده. فان ذلك من الايمان المأمور به. وكذلك سائر الاعمال الظاهرة والباطنة. كلها من الايمان كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة واجمع عليه سلف الامة ثم الاستمرار على ذلك والثبات عليه الى الممات. كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته. ولا تموتن الا وانتم مسلمون. وامر هنا بالايمان به وبرسله وبالقرآن الكتب المتقدمة فهذا كله من الايمان الواجب. الذي لا يكون العبد مؤمنا الا به. اجمالا فيما لم يصل اليه تفصيله. وتفصيلا في ما علم من ذلك بالتفصيل. فمن امن هذا الايمان المأمور به فقد اهتدى وانجح. ومن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله الاخر فقد ضل ضلالا بعيدا. واي ضلال ابعد من ضلال من ترك طريق الهدى المستقيم. وسلك الطريق الموصلة له الى العذاب الاليم واعلم ان الكفر بشيء من هذه الامور المذكورة كالكفر بجميعها لتلازمها وامتناع وجود الايمان ببعضها دون بعض ان الذين امنوا ثم كفروا ثم امنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم اي من تكرر منه الكفر بعد الايمان. فاهتدى ثم ضل وابصر ثم عمي. وامن ثم كفر. واستمر على كفره وازداد منه. فانه بعيد من التوفيق والهداية لاقوم طريق. وبعيد من المغفرة. لكونه اتى باعظم مانع يمنعه من حصولها. فان كفره يكون عقوبة وطبعا لا يا زول كما قال تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ودلت الاية انهم ان لم يزدادوا كفرا بل رجعوا الى الايمان وتركوا ما هم عليه من الكفران فان الله يغفر لهم ولو تكرر منهم الردة. واذا كان هذا الحكم في الكفر فغيره من المعاصي التي دونه من باب اولى. ان العبد لو تكررت منه ثم عاد الى التوبة وهو العذاب الاليم. وذلك بسبب محبتهم الكفار وموالاتهم ونصرتهم. وتركهم لموالاة المؤمنين. فاي شيء حملهم على ايبتغون عندهم العزة وهذا هو الواقع من احوال المنافقين. ساء ظنهم بالله وضعف يقينهم بنصر الله لعباده المؤمنين ولحظوا بعض الاسباب التي عند الكافرين. وقصر نظرهم عما وراء ذلك. فاتخذوا الكافرين اولياء يتعززون بهم ويستنصرون والحال ان العزة لله جميعا. فان نواصي العباد بيده ومشيئته نافذة فيهم. وقد تكفل بنصر دينه وعباده المؤمنين ولو تخلل ذلك بعض الامتحان لعباده المؤمنين. وازالة العدو عليهم ادالة غير مستمرة. فان العاقبة والاستقرار للمؤمنين وفي هذه الاية الترهيب العظيم من موالاة الكافرين. وترك موالاة المؤمنين. وان ذلك من صفات المنافقين. وان الايمان انا يقتضي محبة المؤمنين وموالاتهم. وبغض الكافرين وعداوتهم. وقد نزل عليكم في الكتاب ان اذا سمعتم من ايات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث ان الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم اي وقد بين الله لكم فيما انزل عليكم حكمه الشرعي عند حضور مجالس الكفر والمعروف عاصي ان اذا سمعتم ايات الله يكفر بها ويستهزأ بها اي يستهان بها. وذلك ان الواجب على كل مكلف في ايات الله الايمان بها وتعظيمها واجلالها وتفخيمها. وهذا المقصود بانزالها وهو الذي خلق الله الخلق لاجله. فضد الايمان الكفر بها وضد تعظيمها الاستهزاء بها واحتقارها. ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين لابطال ايات الله ونصره بكفرهم وكذلك المبتدعون على اختلاف انواعهم. فان احتجاجهم على باطلهم يتضمن الاستهانة بايات الله. لانها لا تدل الا على الحق ولا تستلزم الا صدقا. بل وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق. التي يستهان فيها باوامر الله ونواهيه. وتقتحم التي حدها لعباده ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم حتى يخوضوا في حديث غيره اي غير الكفر بايات الله والاستهزاء فيها انكم اذا اي ان قعدتم معهم في الحال المذكور مثلهم لانكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم والراضي بالمعصية الفاعل لها والحاصل ان من حضر مجلسا يعصى الله به فانه يتعين عليه الانكار عليهم مع القدرة او القيام مع عدمها الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا. كما اجتمعوا على الكفر والموالاة ولا ينفع المنافقين مجرد كونهم في الظاهر مع المؤمن كما قال تعالى يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين امنوا انظرونا نقتبس من نوركم. ثم ذكر تحقيق موالاة منافقين للكافرين ومعاداتهم للمؤمنين المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين الذين يتربصون بكم اي ينتظرون الحالة التي تصيرون عليها وتنتهون اليها من خير او شر. قد اعدوا كل حالة جوابا بحسب نفاقهم فان كان لكم فتح من الله قالوا الم نكن معكم فيظهرون انهم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا يسلم من القدح والطعن عليهم وليشركوهم في الغنيمة والفيء وليتنصروا بهم. وان كان للكافرين نصيب. ولم يقل فتح لانه لا يحصل لهم فتح يكون مبدأ لنصرتهم المستمرة. بل غاية ما يكون ان يكون لهم نصيب غير مستقر. حكمة من الله اذا كان ذلك قالوا الم نستحوذ عليكم؟ اي نستولي عليكم ونمنعكم من المؤمنين؟ اي يتصنعون عندهم بكف ايديهم عنهم معا قدرة ومنعهم من المؤمنين بجميع وجوه المنع من تفنيدهم وتزهيدهم في القتال ومظاهرة الاعداء عليهم وغير ذلك مما هو معروف منهم فالله يحكم بينكم يوم القيامة فيجازي المؤمنين ظاهرا وباطنا بالجنة. ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركات والمشركات. ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا. اي تسلطا واستيلاء عليهم. بل لا تزال طائفة من المؤمنين على الحق منصورة لا يضره من خذلهم ولا من خالفهم. ولا يزال الله يحدث من اسباب النصر للمؤمنين. ودفع تسليط الكافرين ما هو مشهود بالعيان حتى ان بعض المسلمين الذين تحكمهم الطوائف الكافرة قد بقوا محترمين لا يتعرضون لاديانهم ولا يكونون تسهرين عندهم بل لهم العز التام من الله. فلله الحمد اولا واخرا وظاهرا وباطنا الناس ولا يذكرون الله الا قليلا. يخبر تعالى عن المنافقين بما كانوا عليه من قبيح الصفات شنائع السمات وان طريقتهم مخادعة الله تعالى. اي بما اظهروه من الايمان وابطنوه من الكفران. ظنوا انه يروج على الله ولا يعلمه ولا يبديه لعباده. والحال ان الله خادعهم. فمجرد وجود هذه الحال منهم ومشيهم عليها خداع انفسهم واي خداع اعظم ممن يسعى سعيا يعود عليه بالهوان والذل والحرمان. ويدل بمجرده على نقص عقل صاحبه. حيث جمع بين المعصية ورآها حسنة وظنها من العقل والمكر. فلله ما يصنع الجهل والخذلان بصاحبه. ومن خداعه لهم يوم القيامة ما ذكره الله في قوله يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين امنوا انظرونا نقتبس من نوركم. قيل ارجعوا ورائكم فالتمسوا نورا. فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. ينادونهم الم نكن معكم. ومن صفاتهم انهم اذا قاموا الى الصلاة ان قاموا التي هي اكبر الطاعات العملية قاموا كسالى. متثاقلين لها متبرمين من فعلها. والكثرة لا يكون الا من فقد الرغبة من قلوبهم. فلولا ان قلوبهم فارغة من الرغبة الى الله والى ما عنده. عادمة للايمان لم يصدر منهم الكسل يراؤون الناس اي هذا الذي انطوت عليه سرائرهم وهذا مصدر اعمالهم. مراة الناس يقصدون رؤية الناس وتعظيمهم واحترامهم ولا يخلصون لله. فلهذا لا يذكرون الله الا قليلا. لامتلاء قلوبهم من الرياء فان ذكر الله تعالى وملازمته لا يكون الا من مؤمن ممتلئ قلبه بمحبة الله وعظمته هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا مذبذبين بين ذلك. لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء. اي مترددين بين فريق المؤمنين وفريق الكافرين. فلا امن المؤمنين ظاهرا وباطنا ولا من الكافرين ظاهرا وباطنا. اعطوا باطنهم للكافرين وظاهرهم للمؤمنين. وهذا اعظم ضلال يقدر ولهذا قال ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا. اي لن تجد طريقا لهدايته ولا وسيلة لترك غوايته. لانه من غلق عنه باب الرحمة وصار بدله كل نقمة. فهذه الاوصاف المذمومة تدل بتنبيهها على ان المؤمنين متصفون بظدها من الصدق ظاهرا وباطنا والاخلاص. وانه لا يجهل ما عندهم ونشاطهم في صلاتهم وعباداتهم وكثرة ذكرهم لله تعالى وانهم قد هداهم الله ووفقهم للصراط المستقيم. فليعرض العاقل نفسه على هذين الامرين. وليختر ايهما اولى به. والله الله المستعان اتريدون ان تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا. لما ذكر ان من المنافقين اتخاذ الكافرين اولياء من دون المؤمنين. نهى عباده المؤمنين ان يتصفوا بهذه الحالة القبيحة. وان يشابه المنافقين فان ذلك موجب لان تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا. اي حجة واضحة على عقوبتكم. فانه قد انذرنا وحذرنا منه واخبرنا بما فيها من المفاسد. فسلوكها بعد هذا موجب للعقاب. وفي هذه الاية دليل على كمال عدل الله. وان الله لا تعذب احدا قبل قيام الحجة عليه. وفيها التحذير من المعاصي. فان فاعلها يجعل لله عليه سلطانا مبينا منافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد له النصيرا. يخبر تعالى عن مآل المنافقين انهم في اسفل الدرجات من العذاب واشر الحالات من العقاب. فهم تحت سائر الكفار. لانهم شاركوهم بالكفر بالله ومعاداة رسله وزادوا عليهم المكر والخديعة. والتمكن من كثير من انواع العداوة للمؤمنين. على وجه لا يشعر به ولا يحس. ورتبوا على ذلك احكام الاسلام عليهم واستحقاق ما لا يستحقونه. فبذلك ونحوه استحقوا اشد العذاب وليس لهم منقذ من عذابه. ولا ناصر يدفع عنهم بعض عقابه. وهذا عام لكل منافق فاولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين الا من من من الله عليهم بالتوبة من السيئات. واصلحوا له الظواهر والبواطن واعتصموا به والتجأوا اليه في جلب منافعهم ودفع المضار عنهم. واخلصوا دينهم الذي هو الاسلام والايمان والاحسان. لله. فقصدوا وجه الله باعمالهم الظاهرة والباطنة. وسلموا من الرياء والنفاق. فمن اتصف بهذه الصفات فاولئك مع المؤمنين. اي في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة وسوف يؤتي الله المؤمنين اجرا عظيما. لا يعلم كنهه الا الله مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطأ على قلب بشر وتأمل كيف خص الاعتصام والاخلاص بالذكر مع دخولهما في قوله واصلحوا لان الاعتصام والاخلاص من جملة اصلاح لشدة الحاجة اليهما خصوصا في هذا المقام الحرج. الذي تمكن من القلوب النفاق فلا يزيله الا شدة الاعتصام بالله ودوام اللجأ والافتقار اليه في دفعه. وكون الاخلاص مناف كل المنافاة للنفاق. فذكرهما لفضلهما. وتوقف الاعمال الظاهرة عليهما ولشدة الحاجة في هذا المقام اليهما. وتأمل كيف لما ذكر ان هؤلاء مع المؤمنين لم يقل وسوف يؤتيهم اجرا عظيما مع ان السياق فيهم بل قال وسوف يؤتي الله المؤمنين اجرا عظيما. لان هذه القاعدة الشريفة لم يزل الله فيها ويعيد اذا كان السياق في بعض الجزئيات واراد ان يرتب عليه ثوابا او عقابا. وكان ذلك مشتركا بينه وبين الجنس الداخلي رتب الثواب في مقابلة الحكم العام الذي تندرج تحته تلك القضية وغيرها. ولان لا يتوهم اختصاص الحكم بالامر الجزئي. فهذا هذا من اسرار القرآن البديعة. فالتائب من المنافقين مع المؤمنين وله ثوابهم. ثم اخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته واحسانه فقال ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وامنتم. والحال ان الله شاكر يعطي المتحملين لاجله الاثقال. الدائبين في الاعمال جزيل الثواب وواسع الاحسان. ومن ترك شيئا لله اعطاه الله وخيرا منه. ومع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم واعمالكم. وما تصدر عنه من اخلاص وصدق وضد ذلك. وهو يريد منكم التوبة والانابة الرجوع اليه فاذا انبتم اليه فاي شيء يفعل بعذابكم فانه لا يتشفى بعذابكم ولا ينتفع بعقابكم بل العاصي لا يضر الا نفسه كما ان عمل المطيع لنفسه والشكر هو خضوع القلب واعترافه بنعمة الله وثناء اللسان على المشكور وعمل الجوارح بطاعته والا يستعين بنعمه على معاصيه الا من ظلم وكان الله سميعا عليما. يخبر تعالى انه لا يحب الجهر بالسوء من القول اي يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه. ويشمل ذلك جميع الاقوال السيئة التي تسوء وتحزن. كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك. فان ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله ويدل مفهومها انه يحب الحسن من القول. كالذكر والكلام الطيب اللين. وقوله امن ظلم اي فانه يجوز له ان يدعو على من ظلمه ويشتكي منه. ويجهر بالسوء لمن جهر له به. من غير ان يكذب عليه. ولا تزيد على مظلمته ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه. ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته اولى. كما قال تعالى فمن عفا واصلح فاجره على الله وكان الله سميعا عليما. ولما كانت الاية قد اشتملت على الكلام السيء والحسن والمباح. اخبر تعالى كانه سميع فيسمع اقوالكم. فاحذروا ان تتكلموا بما يغضب ربكم. فيعاقبكم على ذلك. وفيه ايضا ترغيب على القول الحسن عليم بنياتكم ومصدر اقوالكم. ثم قال تعالى ان تبدوا خيرا او تخفوه وهذا يشمل كل خير قوله وفعلي ظاهر وباطن من واجب ومستحب. او تعفو عن سوء اي عمن ساءكم في ابدانكم واموالكم واعراضكم. فتسمحوا عنه فان الجزاء من جنس العمل. فمن عفا لله عفا الله عنه. ومن احسن احسن الله اليه. فلهذا قال فان الله كان عفوا قديرا ان يعفو عن زلات عباده وذنوبهم العظيمة. فيسدل عليهم ستره ثم يعاملهم بعفوه التام الصادر عن قدرته. وفي هذه الاية ارشاد الى التفقه في معاني اسماء الله وصفاته. وان الخلق والامر صادر عنها. وهي مقتضية له. ولهذا يعلل الاحكام بالاسماء الحسنى. كما في هذه الاية لما ذكر عمل الخير والعفو عن المسيء رتب على ذلك بان احالنا على معرفة اسمائه. وان ذلك يغنينا عن ذكر ثوابها الخاص ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله يقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا هنا قسمان قد وضحا لكل احد مؤمن بالله وبرسله كلهم وكتبه وكافر بذلك كله. وبقي قسم ثالث وهو الذي يزعم انه ويؤمن ببعض الرسل دون بعض. وان هذا سبيل ينجيه من عذاب الله. ان هذا الا مجرد اماني. فان هؤلاء يريدون التفريق بين الله وبين رسله فان من تولى الله حقيقة تولى جميع رسله لان ذلك من تمام توليه ومن عادى احدا من رسله فقد عاد الله وعاد جميع رسله كما قال تعالى من كان عدوا لله الايات. وكذلك من كفر برسول فقد كفر بجميع الرسل. بل بالرسول الذي يزعم انه به في مؤمن ولهذا قال اولئك هم الكافرون حقا اولئك هم الكافرون حقا. وذلك لان لا يتوهموا ان مرتبتهم متوسطة بين الايمان والكفر. ووجه كونهم كافرين حتى بما زعموا الايمان به ان كل دليل دلهم على الايمان بمن امنوا به موجود هو او مثله او ما فوقه للنبي الذي كفروا به كل شبهة يزعمون انهم يقدحون بها في النبي الذي كفروا به. موجود مثلها او اعظم منها فيمن امنوا به. فلم يبق بعد ذلك الا التشهد والهوى ومجرد الدعوة التي يمكن كل احد ان يقابلها بمثلها. ولما ذكر ان هؤلاء هم الكافرون حقا. ذكر عقابا شديد شاملا لهم ولكل كافر. فقال واعتدنا للكافرين عذابا مهينا. كما تكبروا عن الايمان بالله اهانهم بالعذاب الاليم المخزي. والذين امنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين احد منهم والذين امنوا بالله وهذا يتضمن الايمان بكل ما اخبر الله به عن نفسه وبكل ما جاءت به الرسل من الاخبار والاحكام. ولم يفرقوا بين احد من رسله. بل امنوا بهم كلهم فهذا الايمان الحقيقي واليقين المبني على البرهان. اولئك سوف يؤتيهم اجورهم اي جزاء ايمانهم وما ترتب عليهم من عمل صالح وقول حسن وخلق جميل. كل على حسب حاله. ولعل هذا هو السر في اضافة الاجور اليهم. وكان الله غفورا رحيما يغفر السيئات ويتقبل الحسنات فاخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العلم فعفونا مسا سلطانا مبينا ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجد وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدو في السبت واخذنا منهم ميثاقا غليظا. فبما نقضه ميثاقهم وكفرهم بايات الله وقتله بل طبع الله عليها بكفرهم لا يؤمنون الا قليلا. وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما. وقولهم لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منهما لهم به من علم هذا السؤال الصادر من اهل الكتاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على وجه العناد والاقتراح وجعلهم هذا السؤال يتوقف عليه تصديقهم او تكذيبهم. وهو انهم سألوه ان ينزل عليهم القرآن جملة واحدة. كما نزلت التوراة والانجيل هذا غاية الظلم منهم والجهل. فان الرسول بشر عبد مدبر ليس في يده من الامر شيء. بل الامر كله لله وهو الذي يرسل ينزل ما يشاء على عباده. كما قال تعالى عن الرسول لما ذكر الايات التي فيها اقتراح المشركين على محمد. قل سبحان ربي كنت الا بشرا رسولا. وكذلك جعلهم الفارق بين الحق والباطل. مجرد انزال الكتاب جملة او مفرقا. مجرد دعوة لا دليل عليها ولا مناسبة بل ولا شبهة. فمن اين يوجد في نبوة احد من الانبياء؟ ان الرسول الذي يأتيكم بكتاب نزل مفرقا فلا تؤمنوا به ولا تصدقوه. بل نزول هذا القرآن مفرقا بحسب الاحوال. مما يدل على عظمته واعتناء الله بمن انزل عليه عليه. كما قال تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة. كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه وترتيلا ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. فلما ذكر اعتراضهم الفاسد اخبر انه ليس بغريب من امرهم بل سبق لهم من المقدمات القبيحة ما هو اعظم مما سلكوا مع الرسول الذي يزعمون انهم امنوا به. من سؤالهم له رؤية والله عيان واتخاذهم العجل الها يعبدونه من بعد ما رأوا من الايات بابصارهم ما لم يره غيرهم. ومن امتناعه من قبول كتابهم وهو التوراة حتى رفع الطور من فوق رؤوسهم وهددوا انهم ان لم يؤمنوا اسقط عليهم فقبلوا ذلك على وجه الاغماء والايمان الشبيه بالايمان الضروري. ومن امتناعه من دخول ابواب القرية التي امروا بدخولها سجدا مستغفرين. فخالفوا القول والفعل ومن اعتداء من اعتدى منهم في السبت فعاقبهم الله تلك العقوبة الشنيعة وباخذ الميثاق الغليظ عليهم فنبذوه وراء ظهورهم وكفروا بايات الله وقتلوا رسله بغير حق. ومن قولهم انهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه. والحال انهم ما قتلوه وما صلبوه بل شبه لهم غيره فقتلوا غيره وصلبوه وادعائهم ان قلوبهم غلف لا تفقه ما تقوله لهم ولا تفهمه بصدهم الناس عن سبيل الله فصدوهم عن الحق. ودعوهم الى ما هم عليه من الضلال والغي. وباخذهم السحت والربا مع نهي الله لهم من هو التشديد فيه؟ فالذين فعلوا هذه الافاعيل لا يستنكر عليهم ان يسألوا الرسول محمدا ان ينزل عليهم كتابا من السماء هذه الطريقة من احسن الطرق لمحاجة الخصم المبطل. وهو انه اذا صدر منه من الاعتراض الباطل ما جعله شبهة له ولغيره في رد الحق ان يبين من حاله الخبيثة وافعاله الشنيعة ما هو من اقبح ما صدر منه. ليعلم كل احد ان هذا الاعتراض من ذلك الوادي الخسيس وان له مقدمات يجعل هذا معها. وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. يمكن ان يقابل بمثله به او ما هو اقوى منه في نبوة من يدعون ايمانهم به. ليكتفي بذلك شرهم وينقمع باطلهم. وكل حجة سلكوها في تقرير لنبوة من امنوا به. فانها ونظيرها وما هو اقوى منها دالة ومقررة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ما كان المراد من تعديد ما عدد الله من قبائحهم هذه المقابلة لم يبسطها في هذا الموضع بل اشار اليها واحال على مواضعها وقد في غير هذا الموضع في المحل اللائق ببسطها. وقوله ان به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا. وان من اهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته يحتمل ان الضمير هنا في قوله قبل موته يعود الى اهل الكتاب. فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الامر حقيقة فانه يؤمن بعيسى عليه السلام ولكنه ايمان لا ينفع ايمان اضطرار فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد الا نستمر على هذه الحال التي سيندمون عليها قبل مماتهم. فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم؟ ويحتمل ان الضمير في قوله قبل موته راجع الى عيسى عليه السلام فيكون المعنى وما من احد من اهل الكتاب الا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت وذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار. فانها تكاثرت الاحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام. في اخر هذه الامة يقتل الدجال ويضع الجزية ويؤمن به اهل الكتاب مع المؤمنين. ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا عليهم باعمالهم وهل هي موافقة لشرع الله ام لا؟ وحينئذ لا يشهد الا ببطلان كل ما هم عليه مما هو مخالف لشريعة القرآن ولما دعاهم اليه محمد صلى الله عليه وسلم. علمنا بذلك لعلمنا بكمال عدالة المسيح عليه السلام وصدقه. وانه لا يشهد الا بالحق الا ان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق. وما عداه فهو ضلال وباطل الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات نحلت لهم بصدهم عن سبيل الله كثيرا واخذهم الربا وقد نهوا عنه واكلهم اموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذاب ثم اخبر تعالى انه حرم على اهل الكتاب كثيرا من الطيبات التي كانت حلالا عليهم. وهذا تحريم عقوبة بسبب ظلمهم واعتدائهم وصدهم الناس عن سبيل الله. ومنعهم اياهم من الهدى وباخذهم الربا وقد نهوا عنه. فمنعوا المحتاجين ممن يبايعونه عن العدل. فعاقبهم الله من جنس فعلهم. فمنعهم من كثير من الطيبات التي كانوا بصدد حلها لكونها طيبة. واما تحريم الذي على هذه الامة فانه تحريم تنزيه لهم عن الخبائث التي تضرهم في دينهم ودنياهم. لكن الراسخون في اه والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الاخر لما ذكر معايب اهل الكتاب ذكر الممدوحين منهم فقال لكن الراسخون في العلم اي الذين ثبت العلم في قلوبهم ورسخ الايقان في افئدتهم فاثمر لهم الايمان التام العام بما انزل اليك وما انزل من قبلك واثمر لهم الاعمال الصالحة من اقامة الصلاة وايتاء الزكاة. الذين هما افضل الاعمال. وقد اشتملتا على الاخلاص للمعبود والاحسان الى العبيد. وامنوا باليوم الاخر فخافوا الوعيد ورجوا الوعد. اولئك سنؤتيهم اجرا عظيما. لانهم جمعوا بين العلم والايمان والعمل الصالح. والايمان بالكتب والرسل السابقة واللاحقة. انا اوحينا اليك كما اوحينا والاسباط وعيسى وايوب ويونس وهارون وسليمان واتينا داود يخبر تعالى انه اوحى الى عبده ورسوله من الشرع العظيم والاخبار الصادقة. ما اوحى الى هؤلاء الانبياء عليهم الصلاة والسلام وفي هذا عدة فوائد. منها ان محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل. بل ارسل الله قبله من المرسلين العدد الكثير والجم الغفير. فاستغراب رسالته لا وجه لها الا الجهل او العناد. ومنها انه اوحى اليه كثير ما اوحى اليه من الاصول والعدل الذي اتفقوا عليه. وان بعضهم يصدق بعضا. ويوافق بعضهم بعضا. ومنها انه من جنس اولئك الرسل فليعتبره المعتبر باخوانه المرسلين. فدعوته دعوتهم واخلاقهم متفقة. ومصدرهم واحد وغايتهم واحدة فلم يقرنه بالمجهولين ولا بالكذابين ولا بالملوك الظالمين. ومنها ان في ذكر هؤلاء الرسل وتعدادهم من التنويه بهم والثناء الصادق عليهم وشرح احوالهم. مما يزداد به المؤمن ايمانا بهم. ومحبة لهم واقتداء بهديهم. ومعرفة حقوقهم ويكون ذلك مصداقا لقوله سلام على نوح في العالمين. سلام على ابراهيم. سلام على موسى وهارون. سلام على الياسين انا كذلك نجزي المحسنين. فكل محسن له من الثناء الحسن بين الانام بحسب احسانه. والرسل خصوصا هؤلاء مسمون في المرتبة العليا من الاحسان. ولما ذكر اشتراكهم بوحيه ذكر تخصيص بعضهم. فذكر انه اتى داود الزبور وهو الكتاب المعروف المزبور الذي خص الله به داوود عليه السلام لفضله وشرفه وانه كلم موسى تكليما اي مشافهة اليه لا بواسطة حتى اشتهر بهذا عند العالمين. فيقال موسى كليم الرحمن. ورسلا قد قصصنا الله موسى تكليما. وذكر ان الرسل منهم من قصه الله على رسوله ومنهم من لم يقصصه عليه وهذا يدل على كثرتهم بان لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. وكان الله عزيزا حكيما وان الله ارسلهم مبشرين لمن اطاع الله واتبعهم بالسعادة الدنيوية والاخروية. ومنذرين من عصى الله وخالفهم بشقاوة الدارين لان لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. فيقول ما جاءنا من بشير ولا نذير. قل قد جاءكم بشير ونذير. فلم يبق للخلق على الله حجة لارساله الرسل تترا. يبينون لهم امر دينهم ومراضي ربهم. ومساخطه وطرق الجنة وطرق النار من كفر منهم بعد ذلك فلا يلومن الا نفسه. وهذا من كمال عزته تعالى وحكمته. ان ارسل اليهم الرسل وانزل عليهم الكتب وذلك ايضا من فضله واحسانه. حيث كان الناس مضطرين الى الانبياء اعظم ضرورة تقدر. فازال هذا الاضطرار فله الحمد والشكر ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بارسالهم ان يتمها بالتوفيق لسلوك طريقهم. انه جواد كريم لكن الله يشهد بما انزله بعلمه لما ذكر ان الله اوحى الى رسوله محمد صلى الله عليه عليه وسلم كما اوحى الى اخوانه من المرسلين. اخبر هنا بشهادته تعالى على رسالته وصحة ما جاء به. وانه انزله بعلمه يحتمل ان يكون المراد انزله مشتملا على علمه. اي فيه من العلوم الالهية والاحكام الشرعية والاخبار الغيبية. ما هو من علم الله تعالى الذي علم به عباده. ويحتمل ان يكون المراد انزله صادرا عن علمه. ويكون في ذلك اشارة وتنبيه على وجه وان المعنى اذا كان تعالى انزل هذا القرآن المشتمل على الاوامر والنواهي. وهو يعلم ذلك ويعلم حالة الذي انزله عليه وانه دعا الناس اليه فمن اجابه وصدقه كان وليه ومن كذبه وعاداه كان عدوه واستباح ماله ودمه والله تعالى يمكنه ويوالي نصره ويجيب دعواته ويخذل اعداءه وينصر اولياءه. فهل توجد شهادة اعظم من هذه الشهادة واكبر ولا يمكن القدح في هذه الشهادة الا بعد القدح بعلم الله وقدرته وحكمته. واخباره تعالى بشهادة الملائكة على ما انزل على رسوله لكمال ايمانهم ولجلالة هذا المشهود عليه. فان الامور العظيمة لا يستشهد عليها الا الخواص. كما قال تعالى في الشهادة على التوحيد شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط. لا اله الا هو العزيز الحكيم وكفى بالله شهيدا. ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا. لما اخبر عن رسالة الرسول صلوات الله وسلامه عليهم. واخبر برسالة خاتمهم محمد شهد بها وشهدت ملائكته لزم من ذلك ثبوت الامر المقرر والمشهود به. فوجب تصديقهم والايمان بهم واتباعهم. ثم عدا من كفر بهم ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله اي جمعوا بين الكفر بانفسهم وصدهم الناس عن سبيل الله وهؤلاء هم ائمة الكفر ودعاة الضلال قد ضلوا ضلالا بعيدا. واي ضلال اعظم من ضلال من ضل بنفسه واضل غيره. فباء بالاثنين ورجع بالخسارتين وفاتته الهدايتان. ولهذا قال يغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ولا ليهديهم طريقا الا طريق جهنم ان مخالدين فيها خالدين فيها ابدا وكان ذلك على الله يسير ان الذين كفروا وظلموا وهذا الظلم هو زيادة على كفرهم. والا فالكفر عند اطلاق الظلم يدخل والمراد بالظلم هنا اعمال الكفر والاستغراق فيه. فهؤلاء بعيدون من المغفرة والهداية للصراط المستقيم. ولهذا قال لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا الا طريق جهنم. وانما تعذرت المغفرة لهم والهداية لانهم استمروا في طغيانهم وازدادوا في كفرهم. فطبع على قلوبهم وانسدت عليهم طرق الهداية بما كسبوا. وما ربك بظلام للعبيد وكان ذلك على الله يسيرا. اي لا يبالي الله بهم ولا يعبأ. لانهم لا يصلحون للخير ولا يليق بهم الا الحالة التي زاروها لانفسهم لكم يأمر تعالى جميع الناس ان يؤمنوا بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وذكر السبب الموجب للايمان به. والفائدة من الايمان به والمضرة من عدم الايمان به. فالسبب الموجب هو اخباره بانه جاءهم بالحق. اي فمجيؤه نفسه حق وما جاء به من الشرع حق. فان العاقل يعرف ان بقاء الخلق في جهلهم يعمهون. وفي كفرهم يترددون. والرسالة قد انقطعت عن منهم غير لائق بحكمة الله ورحمته. فمن حكمته ورحمته العظيمة نفس ارسال الرسول اليهم ليعرفهم الهدى من والغي من الرشد. فمجرد النظر في رسالته دليل قاطع على صحة نبوته. وكذلك النظر الى ما جاء به من الشرع العظيم والصراط المستقيم. فان فيه من الاخبار بالغيوب الماضية والمستقبلة. والخبر عن الله وعن اليوم الاخر. ما لا يعرفه الا احيي الرسالة وما فيه من الامر بكل خير وصلاح ورشد وعدل واحسان وصدق وبر وصلة وحسن خلق ومن نهي عن الشر والفساد والغي والظلم وسوء الخلق والكذب والعقوق. مما يقطع به انه من عند الله. وكلما ازدادوا به العبد بصيرة ازداد ايمانه ويقينه فهذا السبب الداعي للايمان. واما الفائدة في الايمان فاخبر انه خير لكم. والخير ضد الشر فالايمان خير للمؤمنين في ابدانهم وقلوبهم وارواحهم ودنياهم واخراهم. وذلك لما يترتب عليه من المصالح والفوائد فكل ثواب عاجل واجل. فمن ثمرات الايمان. فالنصر والهدى والعلم والعمل الصالح. والسرور والافراح والجنة وما اشتملت عليه من النعيم كل ذلك سبب عن الايمان. كما ان الشقاء الدنيوي والاخروي من عدم الايمان او نقصه واما مضرة عدم الايمان به صلى الله عليه وسلم. فيعرف بضد ما يترتب على الايمان به. وان العبد لا يضر الا نفسه الله تعالى غني عنه. لا تضره معصية العاصين. ولهذا قال فان لله ما في السماوات والارض. اي الجميع خلق وملكه وتحت تدبيره وتصريفه. وكان الله عليما بكل شيء حكيما في خلقه وامره. فهو العليم بمن يستحق حق الهداية والغواية. الحكيم في وضع الهداية والغواية موضعهما. يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها له ما في السماوات وما في الارض وكفى بالله وكيلا. ينهى تعالى اهل الكتاب عن الغلو في الدين وهو مجاوزات الحد والقدر المشروع الى ما ليس بمشروع. وذلك كقول النصارى في غلوهم بعيسى عليه السلام. ورفعه عن مقام النبوة والرسالة الى مقام الربوبية الذي لا يليق بغير الله. فكما ان التقصير والتفريط من المنهيات فالغلو كذلك. ولهذا هذا قال ولا تقولوا على الله الا الحق. وهذا الكلام يتضمن ثلاثة اشياء امرين منهي عنهما وهما قول الكذب على الله والقول بلا علم في اسمائه وصفاته وافعاله وشرعه ورسله. والثالث مأمور به وهو قول الحق في هذه الامور ولما كانت هذه قاعدة عامة كلية وكان السياق في شأن عيسى عليه السلام نص على قول الحق فيه المخالف لطريقة اليهودية والنصرانية. فقال انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله. اي غاية المسيح عليه السلام ومنتهى ما يصل اليه من مراتب الكمال اعلى حالة تكون للمخلوقين. وهي درجة الرسالة التي هي اعلى الدرجات المثوبات وانه كلمته القاها الى مريم. اي كلمة تكلم الله بها فكان بها عيسى. ولم يكن تلك وانما كان بها. وهذا من باب اضافة التشريف والتكريم. وكذلك قوله وروح منه. اي من الارواح التي خلقها كملها بالصفات الفاضلة والاخلاق الكاملة ارسل الله روحه جبريل عليه السلام فنفخ في فرج مريم عليها السلام فحملت به باذن الله بعيسى عليه السلام. فلما بين حقيقة عيسى عليه السلام امر اهل الكتاب بالايمان به وبرسله. ونهاهم ان الله ثالث ثلاثة احدهم عيسى والثاني مريم فهذه مقالة النصارى قبحهم الله فامرهم ان ينتهوا واخبر ان كذلك خير لهم لانه الذي يتعين انه سبيل النجاة وما سواه فهو طرق الهلاك. ثم نزه نفسه عن الشريك والولد فقال انما الله اله واحد. اي هو المنفرد بالالوهية الذي لا تنبغي العبادة الاله. سبحانه اي تنزه وتقدم ان يكون له ولد لان له ما في السماوات وما في الارض. فالكل مملوكون له مفتقرون اليه. فمحال ان يكون له اشريكم منهم او ولد. ولما اخبر انه المالك للعالم العلوي والسفلي اخبر انه قائم بمصالحهم الدنيوية والاخروية وحافظها ومجازيهم عليها تعالى ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر سيحشرهم اليه جميعا. لما ذكر تعالى غلو النصارى في عيسى عليه السلام. وذكر انه عبده ورسوله. ذكر هنا ان انه لا يستنكف عن عبادته ربه. اي لا يمتنع عنها رغبة عنها. لا هو ولا الملائكة المقربون. فنزههم عن الاستنكاف وتنزيههم عن الاستكبار من باب اولى. ونفي الشيء فيه اثبات ضده. اي فعيسى والملائكة المقربون. قد رغبوا في ربهم واحبوها وسعوا فيها بما يليق باحوالهم. فاوجب لهم ذلك الشرف العظيم والفوز العظيم. فلم يستنكفوا ان يكونوا عبيدا لربوبيته ولا لالهيته. بل يرون افتقارهم لذلك فوق كل افتقار. ولا يظن ان رفع عيسى او غيره من الخلق فوق مرتبة التي انزله الله فيها وترفعه عن العبادة كما لا. بل هو النقص بعينه وهو محل الذم والعقاب. ولهذا قال ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا. اي فسيحشر الخلق كلهم اليه. المستنكفين والمستكبرين وعباده المؤمنين فيحكم بينهم بحكمه العدل وجزاءه الفصل. ثم فصل حكمه فيهم فقال الذين امنوا وعملوا الصالحات فيهم اجورهم ويزيدهم من فضله الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا اليما فاما الذين امنوا وعملوا الصالحات اي جمعوا بين الايمان المأمور به وعمل الصالحات من واجبات ومستحبات من حقوق الله وحقوق عباده. فيوفيهم اجورهم. اي الاجور التي رتبها الله على الاعمال كل بحسب ايمانه وعمله ويزيدهم من فضله اي من الثواب الذي لم تنله اعمالهم ولم تصل اليه افعالهم ولم يخطر الى قلوبهم ودخل في ذلك كل ما في الجنة من المآكل والمشارب والمناكح والمناظر والسرور ونعيم القلب والروح ونعيم البدن بل يدخل في ذلك كل خير ديني ودنيوي رتب على الايمان والعمل الصالح. واما الذين استنكفوا واستكبروا اي عن الله تعالى فيعذبهم عذابا اليما. وهو سخط الله وغضبه. والنار الموقدة التي تطلع على الافئدة لا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا. اي لا يجدون احدا من الخلق يتولاهم فيحصل لهم المطلوب. ولا من ينصرهم يدفع عنهم المرهوب. بل قد تخلى عنهم ارحم الراحمين. وتركهم في عذابهم خالدين. وما حكم به تعالى فلا لحكمه ولا مغير لقضائه ثم انزلنا وانزلنا اليكم نورا مبينا. يمتن تعالى على سائر الناس بما اوصل اليه من البراهين القاطعة والانوار الساطعة. ويقيم عليهم الحجة ويوضح لهم المحجة. فقال يا ايها الناس قد برهان من ربكم. اي حجج قاطعة على الحق تبينه وتوضحه وتبين ضده. وهذا يشمل الادلة العقلية والنقلية الايات الافقية والنفسية. سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم. حتى يتبين لهم انه الحق. وفي بتقول ايه؟ من ربكم ما يدل على شرف هذا البرهان وعظمته. حيث كان من ربكم الذي رباكم التربية الدينية والدنيوية. فمن تربيته لكم التي يحمد عليها ويشكر ان اوصل اليكم البينات ليهديكم بها الى الصراط المستقيم. والوصول الى جنات النعيم وانزل اليكم نورا مبينا. وهو هذا القرآن العظيم الذي قد اشتمل على علوم الاولين والاخرين. والاخبار الصادقة النافعة والامر بكل عدل واحسان وخير. والنهي عن كل ظلم وشر. فالناس في ظلمة ان لم يستضيئوا بانواره. وفي شقاء عظيم ان لم يقتبسوا من خيره. ولكن انقسم الناس بحسب الايمان بالقرآن والانتفاع به قسمين فسيدخلهم في رحمة منه وفضل. فسيدخلهم في اما الذين امنوا بالله اي اعترفوا بوجوده واتصافه بكل وصف كامل. وتنزيهه من كل نقص وعيب. واعتصموا به اي لجأوا الى الله واعتمدوا عليه وتبرأوا من حولهم وقوتهم. واستعانوا بربهم فسيدخلهم في رحمة منه وفضل. اي سيتغمدهم بالرحمة الخاصة فيوفقهم للخيرات ويجزل لهم المثوبات ويدفع عنهم البليات والمكروهات اليه صراطا مستقيما. ان يوفقهم للعلم والعمل. معرفة الحق والعمل به. اي ومن لم يؤمن بالله ويعتصم به تمسك بكتابه منعهم من رحمته وحرمهم من فضله وخلى بينهم وبين انفسهم فلم يهتدوا بل ضلوا ضلالا مبينا عقوبة لهم على تركهم الايمان. فحصلت لهم الخيبة والحرمان. نسأله تعالى العفو والعافية والمعافاة نصف ما ترك وهو ييثها ان لم يكن لها ولد. فان كانت اثنتين فلهما الثلثان منا يبين الله لكم ان تضلوا والله بكل شيء عليم اخبر تعالى ان الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم اي في الكلالة بدليل قوله قل الله يفتيكم في الكلالة وهي الميت يموت وليس له ولد صلب ولا ولد ابن. ولا اب ولا جد. ولهذا قال ان امرؤ هلك ليس له ولد اي لا ذكر ولا انثى ولا ولد صلب ولا ولد ابن. وكذلك ليس له والد بدليل انه ورث فيه الاخوة والاخوات بالاجماع لا يرثون مع الوالد. فاذا هلك وليس له ولد ولا والد. وله اخت اي شقيقة او لاب لا لام انه قد تقدم حكمها فلها نصف ما ترك. اي نصف متروكات اخيها من نقود وعقار واثاث وغير ذلك. وذلك من بعد الدين والوصية كما تقدم وهو اي اخوها الشقيق او الذي للاب يرثها ان لم يكن لها ولد ولم يقدر لها له ارث لانه عاصم فيأخذ مالها كله ان لم يكن صاحب فرض ولا عاصب يشاركه او ما ابقت الفروض. فان كانتا اي الاختان اثنتين اي فما فوق فلهما الثلثان مما ترك. وان كانوا اخوة رجالا ونساء اي اجتمعن الذكور من الاخوة لغير ام مع الاناث. فللذكر مثل حظ الانثيين. فيسقط فرض الاناث ويعصبهن اخوتهن يبين الله لكم ان تضلوا. اي يبين لكم احكامه التي تحتاجونها. ويوضحها ويشرحها لكم. فضلا منه واحسانا لكي تهتدوا ببيانه وتعملوا باحكامه. ولان لا تضلوا عن الصراط المستقيم بسبب جهلكم وعدم علمكم. والله وبكل شيء عليم. اي عالم بالغيب والشهادة والامور الماضية والمستقبلة. ويعلم حاجتكم الى بيانه وتعليمه من علمه الذي ينفعكم على الدوام في جميع الازمنة والامكنة