بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى انا عند ظن عبدي بي وروى الامام احمد عن واثلة بن الاسقع رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل انا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء وروى الامام احمد عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل انا عند ظن اني عبدي بي ان ظن بي خيرا فله. وان ظن شراء فله وروى الامام مسلم عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بثلاث قول لا يموتن احدكم الا وهو يحسن بالله الظن ورواه احمد وزاد في روايته فان قوما قد ارداهم سوء ظنهم بالله عز وجل وقال الله وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارداكم فاصبحتم من الخاسرين ان من عبوديات القلب العظيمة وواجبات الايمان الجليلة حسن الظن بالله فان حسن الظن به جل في علاه مقام علي من مقامات الدين الرفيعة والله عز وجل لا يخيب عبدا احسن الظن به فانه جل وعلا لا يخيب امل امل ولا يضيع عمل عامل فان الله لا يضيع اجر المحسنين ولقد تكاثرت الدلائل على عظم شأن حسن الظن بالله. وما يترتب عليه من المقامات الحميدة والاثار العظيمة والثمار المباركة في الدنيا والاخرة وعظم شأنه وانه عبودية عظيمة وطاعة جليلة. وكلما قوي اثمر لصاحبه الثمار العظيمة والاثار والمباركة والعوائد الحميدة في الدنيا والاخرة وحسن الظن بالله هو فرع عن المعرفة بالله فان العبد كلما كان اعظم معرفة بالله وباسمائه وصفاته وانه جل وعلا وسع كل شيء رحمة وعلما وانه سبحانه غفور رحيم تواب كريم جواد محسن يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات وانه لا يتعاظمه ذنب ان يغفره. وانه واسع المغفرة الى غير ذلكم من صفاته العظيمة الجليلة فكلما ازداد العبد معرفة بالله زاد حظه ونصيبه من حسن ظنه به لان منشأ حسن الظن ومبناه على حسن المعرفة بالله جل وعلا واسمائه وصفاته فكل اسم من اسماء الله تبارك وتعالى وكل صفة من صفاته جل وعلا له عبودية قصه وحسن ظن يخصه وهذا امر ينبغي ان يعلم وان يفقه في هذا الباب فاذا علم المسلم ان من اسماء الله تبارك وتعالى الغفار احسن الظن به في استغفاره واكثاره من الاستغفار وعنايته به وملازمته له ان يغفر ذنبه وان يتجاوز عن زلته وان يغفر خطيئته واذا علم ان من اسمائه تبارك وتعالى التواب وانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات احسن الظن به ان يتوب عليه. مهما كان ذنبه ومهما كانت خطيئته وجرمه واذا كان خطأه عظيما فالله عز وجل واسع المغفرة. يتوب على من تاب مهما كانت ذنوبه ومهما كانت خطاياه كما قال سبحانه قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. ان الله يغفر الذنوب جميع انه هو الغفور الرحيم واذا اصابته بعض المصائب او الاسقام او الاوجاع احسن الظن بالله وانه الشافي لا شفاء الا شفاؤه. كما قال خليل الرحمن عليه صلوات الله وسلامه فيما ذكر الله واذا مرضت فهو يشفين فهذا من حسن الظن بالله فمهما كانت شدة المرء فليحسن الظن بالله ان يشفيه ويكشف كربه واذا قلت ذات يده واصابه من العوز والفقر والحاجة ما اصابه احسن الظن بالله وانه واسع الفضل جزيل المن. وان ما به من نعمة فمن الله تبارك وتعالى وبهذا يعلم ان حسن الظن بالله يصاحب المؤمن في جميع شؤونه واحواله وجميع عباداته واعماله ومبناه على عقيدة راسخة وايمان قوي في قلب المؤمن وثقة بالله ولا يحسن عبد الظن بربه ويكون صادقا في حسن ظنه به الا اعطاه الله ظنه وذلك ان الخير كله بيد الله فكل ما يرجوه المرء ويأمله ويريده لنفسه او لغيره فهو بيد الله عز وجل وليعظم العبد الرغبة. فان الله لا يتعاظمه شيء يسأله يسأله من في السماوات والارض كل يوم هو في شأن فاكف جميع العالم ممتدة اليه بالطلب والسؤال ويده مبسوطة لهم بالعطاء والنوال. يمينه ملأى لا يغيظها نفقة سحاء الليل والنهار وعطاؤه وخيره مبذول للابرار والفجار له كل كمال ومنه كل خير له الحمد كله وله الثناء كله وبيده الخير كله واليه يرجع الامر كله. تبارك اسمه وتباركت اوصافه وتبارك تركت افعاله وتباركت ذاته فالبركة كلها له ومنه لا يتعاظمه خير سئله ولا تنقص خزائنه على كثرة عطائه وبذله ولو ان اول خلقه واخرهم وانسهم وجنهم وحيهم وميتهم ورطبهم ويابسهم قاموا في صعيد واحد فسألوه فاعطى كلا منهم ما سأل ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة ومقام المعرفة بالله سبحانه وباسمائه الحسنى وصفاته العليا مقام عظيم له ثماره العظيمة واثاره المباركة وعوائده الحميدة على العبد وعوائده الحميدة على العبد المؤمن في دنياه واخراه ولهذا فان من اعظم ما ينمي في العبد حسن الظن بالله تبارك وتعالى ان يعنى بهذا الباب باب المعرفة بالله وحسن الظن بالله معدود في اعظم المنن واجل العطايا روى ابن ابي الدنيا في كتابه حسن الظن بالله عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه قال والذي لا اله غيره ما اعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله عز وجل والذي لا اله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن الا اعطاه الله عز وجل ظنه ذلك بان الخير في يده وقد تقدم في الحديث القدسي قول الله عز وجل انا عند ظن عبدي بي ان ظن بي خيرا فله وان ظن شر فله اي ان للعبد ما ظن بربه جل في علاه بالغفران له اذا استغفر والقبول اذا تاب والاجابة اذا دعا والكفاية اذا طلب الكفاية وتأمين العفو اذا طلب العفو فان ظن بالله ان يقيل عثرته ويغفر زلته ويقبل توبته ويرفع درجته ويعظم مثوبته فله هذا الظن بربه جل في علاه ومن ظن خلاف ذلك فله ما ظن بربه فان للعبد في هذا المقام ما ظنه بربه. فان ظن الخير فله الخير وان ظن خلاف ذلك فله ما ظن وحسن الظن بالله لا يكون مع التفريط والاظاعة والاهمال وتتبع الملاذ والشهوات وانما يكون مع حسن العمل وتمام الاقبال على الله واما المسيء المظيع المفرط المرتكب للمحرمات المقترف للاثام فان اثامه وخطاياه تحول بينه وبين حسن الظن بالله قال الحسن البصري رحمه الله ان المؤمن احسن الظن بربه فاحسن العمل وان الفاجر اساء الظن بربه فأساء العمل وكيف يكون المضيع المفرط محسنا الظن بربه وهو عن ربه ومولاه شارد وعن طاعته مبتعد وعن ابواب رحمته ومغفرته معرض فلا يكون حسن الظن بالله الا مع حسن الاقبال على الله والواجب على عبد الله المؤمن ان يتقي الله عز وجل ربه. والا تسيطر عليه ذنوبه وخطاياه والا يتعاظم خطاياه في جنب مغفرة الله فان الله لا يتعاظمه ذنب ان يغفره وليحذر من اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله وليحسن في الاقبال على الله تائبا منيبا. وهو يحسن الظن بربه ان يغفر له زلته وان يقبل توبته وان يعفو عن اساءته وان يرفع درجته وليتدارك نفسه بذلك قبل ان يفجأه الموت وهو على حالة لا يسره ان يلقى الله جل وعلا بها وان من اشد الذنوب واعظمها ضررا على الانسان سوء الظن بالله فان الله عز وجل ذكر سوء الظن به وصفا للمشركين والمنافقين ولم يتوعد بالعقاب احدا اعظم ممن ظن به ظن السوء قال الله تعالى ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم واعد لهم جهنم وساءت مصيرا وسوء الظن بالله جل وعلا من اعظم اسباب الردى والخسران. قال الله تعالى وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارداكم فاصبحتم من الخاسرين. فان يصبروا فالنار مثوى لهم. وان يستعتبوا فما هم من وسوء الظن بالله من وراء الذنوب والاثام. فاذا ساء ظن العبد بربه ساء عمله. واذا حسن ظن ظنه بربه حسن عمله ومداواة النفس في هذا المقام ان يقبل العبد على الله عز وجل ايمانا وتوكلا ومعرفة به وباسمائه وصفاته وان يجاهد نفسه على تحقيق ما تقتضيه هذه المعرفة من عبودية لله فان كل اسم لله وكل صفة له لها من العبودية وحسن الظن بالله ما تقتضيه تلك الاسماء والصفات وبوابة الدخول الى هذا المقام العظيم هي التوبة الصادقة الى الله جل وعلا من كل ذنب خطيئة وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون. يا ايها الذين امنوا توبوا الى الله توبة نصوحا عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار يوم لا يخزي الله النبي والذين امنوا معه نورهم يسعى بين ايديهم وبايمانهم يقولون ربنا اتم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شيء قدير اي توبوا توبة نصوحا نابعة من قلوبكم ترجون بها رحمة ربكم ففلاحكم وسعادتكم في توبتكم الى ربكم جل وعلا نسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لحسن التوبة وحسن العمل وحسن الظن بالله عز وجل وان يغفر لنا اجمعين ذنوبنا واسرافنا في امرنا. وان يهدينا اليه صراطا مستقيما وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته