بل الحمد هو العبادة لله تعالى. واما قول العبد سبحان الله وبحمده فهو داخل في ذلك وهو من جملة العبادات ويؤمنون به ويستغفرون للذين امنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما. ويستغفر اي ذليلين حقيرين. يجتمع عليهم العذاب والاهانة عزاء على استكبارهم. الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لا اله الا هو لا اله الا هو فان تدبر هذه الايات الكريمة اي كذلك الضلال الذي كانوا عليه في الدنيا. الضلال الواضح لكل احد. حتى انه بانفسهم يقرون ببطلانه يوم القيامة. ويتبين لهم معنى قوله تعالى وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء فلا شك انهم من اكبر الملائكة واعظمهم واقواهم. واختيار الله لهم لحمل عرشه وتقديمهم في الذكر. وقربهم منه يدل على انهم افضل اجناس الملائكة عليهم السلام. قال تعالى ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية. ومن حوله ما رآه حسنا ودعا اليه وناظر مناظرة المحقين. وهو من اعظم المفسدين. وصد عن السبيل الحق بسبب الباطل الذي له وما كيد فرعون الذي اراد ان يكيد به الحق ويوهم به الناس ان المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم الكتاب من الله العزيز العليم. غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا اله الا هو اليه المصير. يخبر تعالى عن كتابه العظيم بانه صادر ومنزل من الله المألوه المعبود. لكماله انفراده بافعاله. العزيز الذي قهر بعزته كل مخلوق. العليم بكل شيء. غافر الذنب للمذنبين وقابل التوب من من التائبين شديد العقاب على من تجرأ على الذنوب ولم يتب منها. ذي الطول اي التفضل والاحسان الشامل. فلما ترى ما قرر من كماله وكان ذلك موجبا لان يكون وحده المألوه الذي تخلص له الاعمال. قال لا اله الا هو اليه مصير ووجه المناسبة بذكر نزول القرآن من الله الموصوف بهذه الاوصاف ان هذه الاوصاف مستلزمة لجميع ما يشتمل عليه القرآن من المعاني فان القرآن اما اخبار عن اسماء الله وصفاته وافعاله. وهذه اسماء واوصاف وافعال. واما اخبار عن الغيوب الماضية والمستقبلة. فهي من تعليم العليم لعباده. واما اخبار عن نعمه العظيمة والاءه الجسيمة. وما الى ذلك من الاوامر فذلك يدل عليه قوله ذي الطول. واما اخبار عن نقمه الشديدة وعن ما يوجبها ويقتضيها من المعاصي فذلك يدل عليه قوله شديد العقاب. واما دعوة للمذنبين الى التوبة والانابة والاستغفار. فذلك يدل عليهم قوله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب. واما اخبار بانه وحده المألوه المعبود. واقامة الادلة العقلية والنقلية على ذلك والحث عليه والنهي عن عبادة ما سوى الله واقامة الادلة العقلية والنقلية على فسادها والترهيب منها منها فذلك يدل عليه قوله تعالى لا اله الا هو واما اخبار عن حكمه الجزائي العدل وثواب المحسنين وعقاب عصين فهذا يدل عليه قوله اليه المصير. فهذا جميع ما يشتمل عليه القرآن من المطالب العاليات لا يجادل في ايات الله الا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد. يخبر تعالى انهما في اياته ان الذين كفروا. والمراد بالمجادلة هنا. المجادلة لرد ايات الله ومقابلتها بالباطل. فهذا من صنيع الكفار واما المؤمنون فيخضعون لله تعالى الذي يلقي الحق ليدحي ضمه الباطل. ولا ينبغي للانسان ان يغتر بحالة الدنيوية ويظن ان اعطاء الله اياه في الدنيا دليل على محبته له وانه على الحق. ولهذا قال فلا يغررك تقلبهم في البلاد. اي ترددهم فيها بانواع التجارات والمكاسب. بل الواجب على العبد ان يعتبر الناس بالحق. وينظر من الحقائق الشرعية ويزن بها الناس. ولا يزن الحق بالناس. كما عليه من لا علم ولا عقل له الاحزاب وجادلوا بالباطل ثم هدد من جادل بايات الله ليبطلها كما فعل من قبله من الامم من قوم نوح وعاد والاحزاب من بعدهم. الذين تحزبوا وتجمعوا على الحق ليبطلوه. وعلى الباطل لينصروه وانه بلغت بهم الحال وال بهم التحزب الى انه هم كل امة من الامم برسولهم ليأخذوه ان يقتلوه. وهذا ابلغ ما يكون. الرسل الذين هم قادة اهل الخير الذين معهم الحق الصدق. الذي لا شك فيه ولا اشتباه هموا بقتلهم. فهل بعد هذا البغي والضلال والشقاء؟ ان العذاب العظيم الذي لا يخرجون منه. ولهذا قال في عقوبتهم الدنيوية والاخروية. فاخذتهم اي بسبب تكذيبهم وتحزبهم. فكيف كان عقاب؟ كان اشد العقاب وافظعه. ما هو الا صيحة او حاصب ينزل عليه او يأمر الارض ان تأخذهم او البحر ان يغرقهم فاذا هم خامدون وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا اي كما حقت على اولئك عليهم كلمة الضلال الذي نشأت عنها كلمة العذاب. ولهذا قال انهم اصحاب النار يخبر تعالى عن كمال لطفه تعالى بعباده المؤمنين ومقيض لاسباب سعادتهم من الاسباب الخارجة عن قدرهم. من استغفار الملائكة المقربين لهم. ودعائهم لهم بما فيه صلاح دينهم واخرتهم وفي ضمن ذلك الاخبار عن شرف حملة العرش ومن حوله. وقربهم من ربهم وكثرة عبادتهم ونصحهم لعباد الله. لعلمهم ان الله يحب ذلك منهم. فقال الذين يحملون العرش اي عرش الرحمن الذي هو سقف المخلوقات واعظمها واوسعها واحسنها واقربها من الله تعالى الذي وسع الارض والسماوات والكرسي وهؤلاء الملائكة قد وكلهم الله تعالى بحمل عرشه من الملائكة المقربين في المنزلة والفضيلة يسبحون بحمد ربهم. هذا مدح لهم بكثرة عبادتهم لله تعالى. وخصوصا التسبيح والتحميد وسائر العبادات تدخل في تسبيح الله وتحميده. لانها تنزيه له عن كون العبد يصرفها لغيره. وحمد له تعالى للذين امنوا وهذا من جملة فوائد الايمان وفضائله الكثيرة جدا ان الملائكة الذين لا ذنوب عليهم يستغفرون لاهل الايمان المؤمن بايمانه تسبب لهذا الفضل العظيم. ثم ولما كانت المغفرة لها لوازم لا تتم الا بها. غير ما يتبادر الى كثير من الاذهان ان سؤالها وطلبها غايته مجرد مغفرة الذنوب. ذكر تعالى صفة دعائهم لهم بالمغفرة. بذكر ما لا الا به فقال ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما. فعلمك قد احاط بكل شيء لا يخفى عليك خافية. ولا يعزب عن علمك مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر. ورحمتك وسعت كل شيء. فالكون علويه وسفليه قد امتلأ برحمة الله تعالى ووسعته ووصل الى ما وصل اليه خلقه فاغفر للذين تابوا من الشرك والمعاصي. واتبعوا سبيلك باتباع رسلك. بتوحيدك وطاعتك. وقهم عذاب الجحيم. اي العذاب نفسه وقهم اسباب العذاب وازواجهم وذرياتهم انك انت العزيز الحكيم. ربنا وادخلهم جنات عدن التي وعدتهم على السنة رسلك. ومن صلح اي صلح بالايمان والعمل الصالح. من ابائهم وازواجهم زوجاتهم وازواجهن واصحابهم ورفقاؤهم وذرياتهم انك انت العزيز القاهر لكل شيء. فبعزتك تغفر ذنوبهم وتكشف عنهم المحذور. وتوصلهم به الى كل خير. الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. فلا نسألك يا ربنا امرا تقتضي حكمتك خلافة. بل من حكمتك التي اخبرت بها على السنة رسلك. واقتضى الله فضلك المغفرة للمؤمنين. وقهم السيئات وذلك هو الفوز العظيم. وقهم السيئات اي الاعمال السيئة وجزاءها. لانها تسوء صاحبها ومن تقي السيئات يومئذ اي يوم القيامة فقد رحمته. لان رحمتك لم تزل مستمرة على العباد. لا يمنعها الا ذنوب العباد وسيئاتهم. فمن وقيته السيئات وفقته للحسنات وجزائها الحسن وذلك اي زوال المحظور بوقاية السيئات وحصول المحبوب بحصول الرحمة هو الفوز العظيم الذي الى فوز مثله ولا يتنافس المتنافسون باحسن منه. وقد تضمن هذا الدعاء من الملائكة كمال معرفتهم بربهم. والتوسل الله باسمائه الحسنى التي يحب من عباده التوسل بها اليه. والدعاء بما يناسب ما دعوا الله فيه. فلما كان دعاؤهم بحصول الرحمة وازالة اثر ما اقتضته النفوس البشرية التي علم الله نقصها واقتضائها لما اقتضته من المعاصي. ونحو ذلك من المبادئ والاسباب التي قد احاط الله بها علما توسلوا بالرحيم العليم. وتضمن كمال ادبهم مع الله تعالى باقرارهم بربوبيته لهم الربوبية العامة والخاصة وانه ليس لهم من الامر شيء وانما دعاؤهم لربهم صدر من فقير بالذات من جميع الوجوه لا يدلي على ربه بحالة من الاحوال ان هو الا فضل الله وكرمه واحسانه. وتضمن موافقتهم لربهم تمام الموافقة بمحبة ما يحبه من الاعمال التي هي العبادات التي قاموا بها. واجتهدوا اجتهاد المحبين. ومن العمال الذين هم المؤمنون يحبهم الله تعالى من بين خلقه فسائر الخلق المكلفين يبغضهم الله الا المؤمنين منهم. فمن محبة الملائكة لهم دعوا الله واجتهدوا في صلاح احوالهم. لان الدعاء للشخص من ادل الدلائل على محبته. لانه لا يدعو الا لمن يحبه. وتضمن ما شرحه الله فصله من دعائهم بعد قوله يستغفرون للذين امنوا التنبيه اللطيف على كيفية تدبر كتابه والا يكون مقتصرا على مجرد معنى اللفظ بمفرده. بل ينبغي له ان يتدبر معنى اللفظ. فاذا فهمه فهما صحيحا على وجهه. نظر بعقله الى ذلك الامر والطرق الموصلة اليه وما لا يتم الا به وما يتوقف عليه وجزم بان الله اراده. كما يجزم انه اراد على الخاص الدال عليه اللفظ. والذي يوجب له الجزم بان الله اراده امران. احدهما معرفته وجزمه بانه من توابع المعنى والمتوقف عليه. الثاني علمه بان الله بكل شيء عليم. وان الله امر عباده بالتدبر والتفكر في كتابه وقد علم تعالى ما يلزم من تلك المعاني. وهو المخبر بان كتابه هدى ونور وتبيان لكل شيء. وانه افصح الكلام واجله فبذلك يحصل للعبد من العلم العظيم والخير الكثير. بحسب ما وفقه الله له. وقد كان في تفسيرنا هذا كثير من هذا من به الله علينا. وقد يخفى في بعض الايات مأخذه على غير المتأمل صحيح الفكرة. ونسأله تعالى ان يفتح علينا من خزائن رحمته ما يكون سببا لصلاح احوالنا واحوال المسلمين. فليس لنا الا التعلق بكرمه والتوسل باحسانه. الذي لا نزال يتقلب فيه في كل الانات وفي جميع اللحظات. ونسأله من فضله ان يقينا شر انفسنا المانع والمعوق لوصول رحمته انك الكريم الوهاب الذي تفضل بالاسباب ومسبباتها. وتضمن ذلك ان المقارن من زوج وولد وصاحب يسعد ويكون اتصاله به سببا لخير يحصل له. خارج عن عمله وسبب عمله. كما كانت الملائكة تدعو للمؤمنين. ولمن صلح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم. وقد يقال انه لابد من وجود صلاحهم لقوله ومن صلح. فحينئذ يكون ذلك من نتيجة عملهم والله اعلم انفسكم اذ تدعون الى الايمان يخبر تعالى عن الفضيحة والخزي الذي يصيب الكافرين. وسؤالهم والخروج من النار وامتناع ذلك عليهم وتوبيخهم. فقال ان الذين كفروا اطلقه ليشمل انواع الكفر كلها من الكفر بالله او بكتبه او برسله او باليوم الاخر حين يدخلون النار ويقرون انهم مستحقونها لما فعلوه من الذنوب فيمقتون انفسهم لذلك اشد المقت. ويغضبون عليها غاية الغضب. فينادون عند ذلك. ويقال لهم لمقت الله اي اياكم اذ تدعون الى الايمان فتكفرون. اي حين دعتكم الرسل واتباعهم الى الايمان. واقاموا لكم من ما تبين به الحق فكفرتم وزهدتم في الايمان الذي خلقكم الله له وخرجتم من رحمته الواسعة فمقتكم وابغضكم هذا اكبر من مقتكم انفسكم. اي فلم يزل هذا المقت مستمرا عليكم. والسخط من الكريم حالا بكم. حتى الت بكم الى ما الت. فاليوم حل عليكم غضب الله وعقابه. حين نال المؤمنون رضوان الله وثوابه. فتمنوا الرجوع. قالوا ربنا امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل فقالوا ربنا امتنا اثنتين يريدون الموتة الاولى وما بين النفختين على ما قيل. او انعدم المحض قبل ايجادهم ثم اماتهم بعدما اوجدهم واحييتنا اثنتين الحياة الدنيا والحياة الاخرى اي تحسروا وقالوا ذلك فلم يفد ولم ينجع ووبخوا على عدم فعل اسباب النجاة فقيل لهم حكم لله العلي الكبير. ذلكم بانه اذا دعي الله وحده. اي اذا دعي لتوحيده واخلاص العمل له ونهي عن الشرك به كفرتم به واشمأزت لذلك قلوبكم ونفرتم غاية النفور وان يشرك به تؤمنوا اي هذا الذي انزلكم هذا المنزل وبوأكم هذا المقيل والمحل انكم تكفرون بالايمان وتؤمنون بالكفر. ترضون بما هو شر وفساد في الدنيا والاخرة. وتكرهون ما هو خير وصلاح في الدنيا الدنيا والاخرة تؤثرون سبب الشقاوة والذل والغضب. وتزهدون بما هو سبب الفوز والفلاح والظفر. وان يروا سبيل الرشد لا يتخذون سبيلا وان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا. فالحكم لله العلي الكبير. العلي الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه. علو الذات وعلو القدر. وعلو القهر. ومن علو قدره كمال عدله تعالى. وانه يضع شاء مواضعها ولا يساوي بين المتقين والفجار. الكبير الذي له الكبرياء والعظمة والمجد. في اسمائه وصفاته افعاله المتنزه عن كل افة وعيب ونقص. فاذا كان الحكم له تعالى وقد حكم عليكم بالخلود الدائم. وحكمه لا غيروا ولا يبدل يذكر تعالى نعمه العظيمة على عباده بتبيين الحق من الباطل بما يري عباده من اياته النفسية والافاقية والقرآنية. الدالة على كل مطلوب مقصود. الموضحة للهدى من الضلال حيث لا يبقى عند الناظر فيها والمتأمل لها ادنى شك في معرفة الحقائق. وهذا من اكبر نعمه على عباده. حيث لم يبقي الحق مشتبه ولا الصواب ملتبسا. بل نوع الدلالات ووضح الايات ليهلك من هلك عن بينة. ويحيى من حي عن بينة. وكلما كانت سائل اجل واكبر كانت الدلائل عليها اكثر وايسر. فانظر الى التوحيد لما كانت مسألته من اكبر المسائل بل اكبرها كثرت الادلة العقلية والنقلية عليها وتنوعت. وضرب الله لها الامثال واكثر لها من الاستدلال. ولهذا ذكرها في هذا الموضع ونبه على جملة من ادلتها فقال فادعوا الله مخلصين له الدين. ولما ذكر انه يري عباده اياته نبه على اية فقال اي مطر به ترتزقون وتعيشون انتم وبهائمكم وذلك يدل على ان النعم كلها منه. فمنه نعم الدين. وهي المسائل الدينية والادلة عليها. وما يتبع ذلك من العمل بها. والنعم الدنيوية كلها كالنعم الناشئة عن الغيث. الذي تحيا به البلاد والعباد. وهذا يدل دلالة قاطعة انه وحده هو المعبود الذي يتعين اخلاص الدين له كما انه وحده المنعم وما يتذكر بالايات حين يذكر بها الا من ينيب الى الله تعالى. بالاقبال على محبته وخشيته وطاعته التضرع اليه فهذا الذي ينتفع بالايات. وتصير رحمة في حقه. ويزداد بها بصيرة. ولما كانت الايات تثمر التذكر والتذكر يوجب الاخلاص لله. رتب الامر على ذلك بالفاء الدالة على السببية. فقال الدين ولو كره الكافرون. فادعوا الله مخلصين له الدين. وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة. والاخلاص معناه تخليص القصد لله تعالى في جميع العبادات الواجبة والمستحبة. حقوق الله وحقوق عباده. اي اخلصوا لله تعالى في كل لما تدينونه به وتتقربون به اليه. ولو كره الكافرون لذلك فلا تبالوا بهم. ولا يثنكم ذلك عن دينكم. ولا اخذكم بالله لومة لائم. فان الكافرين يكرهون الاخلاص لله وحده غاية الكراهة. كما قال تعالى واذا ذكر الله وحده اشمأز قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة. واذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون. ثم ذكر من جلاله وكماله ما يقتضي اخلاصه العبادة له فقال رفيع الدرجات ذو العرش اي العلي الاعلى الذي استوى على العرش وارتفعت درجاته ارتفاعا بين به مخلوقاته. وارتفع به قدره وجلت اوصافه. وتعالت ذاته ان يتقرب اليه الا بالعمل الزكي الطاهر المطهر. وهو الاخلاص الذي يرفع درجات اصحابه ويقربهم اليه. ويجعلهم فوق خلقه. ثم ما ذكر نعمته على عباده بالرسالة والوحي. فقال يلقي الروح اي الوحي الذي للارواح والقلوب بمنزلة الارواح الاجساد. فكما ان الجسد بدون الروح لا يحيا ولا يعيش. فالروح والقلب بدون رح الوحي. لا يصلح ولا يفلح. فهو تعالى يلقي الروح من امره الذي فيه نفع العباد ومصلحتهم على من يشاء من عباده وهم الرسل الذين فضلهم الله واختصهم الله وحيه ودعوة عباده. والفائدة في ارسال الرسل هو تحصيل سعادة العباد في دينهم ودنياهم واخرتهم. وازالة الشقاوة عنهم في دينهم ودنياهم واخرتهم. ولهذا قال لينذر من القى الله اليه الوحي يوم التلاقي اي يخوف العباد بذلك ويحثهم على الاستعداد له بالاسباب المنجية مما يكون فيه. وسماه يوم لانه يلتقي فيه الخالق والمخلوق والمخلوقون بعضهم مع بعض. والعاملون واعمالهم وجزائهم يومهم بارزون اي ظاهرون على الارض قد اجتمعوا في صعيد واحد لا عوج ولا انت فيه يسمعهم الداعي وينفذهم البصر. لا يخفى على الله منهم شيء لا من ذواتهم ولا من اعمالهم. ولا من جزاء تلك الاعمال. لمن الملك اليوم؟ اي من هو المالك لذلك اليوم العظيم الجامع للاولين والاخرين اهل السماوات واهل الارض الذي انقطعت فيه الشركة في الملك وتقطعت الاسباب ولم يبق الا الاعمال الصالحة او السيئة. الملك لله الواحد القهار. اي المنفرد في ذاته واسمائه وصفاته وافعاله فلا شريك له في شيء منها بوجه من الوجوه. القهار لجميع المخلوقات. الذي دانت له المخلوقات وذلت وخضر خصوصا في ذلك اليوم الذي عانت فيه الوجوه للحي القيوم. يومئذ لا تكلم نفس الا باذنه ان الله سريع الحساب. اليوم كل نفس بما كسبت في الدنيا من خير وشر. قليل وكثير. لا ظلم اليوم على احد بزيادة في سيئاته. او من حسناته اي لا تستبطئوا ذلك اليوم فانه ات وكل ات وهو ايضا سريع المحاسبة لعباده يوم القيامة. لاحاطة علمه وكمال قدرته اذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما يقول تعالى لنبيه محمد صلى صلى الله عليه وسلم وانذرهم يوم الازفة اي يوم القيامة التي قد ازفت وقربت وان الوصول الى اهوالها وقلاقلها منازلها. اذ القلوب لدى الحناجر. اي قد ارتفعت وبقيت افئدتهم هواء. ووصلت القلوب من الروع والكرب الى الحنان شاخصة ابصارهم كاظمين لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا وكاظمين على ما في قلوبهم من من الروع الشديد والمزعجات الهائلة ما للظالمين من حميم. اي قريب ولا صاحب. ولا شفيع يطاع. لان شفعاء لا يشفعون في الظالم نفسه ولو قدرت شفاعتهم فالله تعالى لا يرضى شفاعتهم فلا يقبلها اعيني وما تخفي يعلم خائنة الاعين وهو النظر الذي يخفيه العبد من جليسه ومقاربه وهو نظر المصارقة. مما لم يبينه العبد لغيره. فالله تعالى يعلم ذلك الخفي فغيره من الامور الظاهرة من باب اولى واحرى. والله يقضي بالحق والذين يدعون ان الله هو السميع البصير والله يقضي بالحق. لان قوله حق وحكمه الشرعي حق. وحكمه الجزائي حق. وهو المحيط علما وكتابة وحفظا بجميع الاشياء. وهو المنزه عن الظلم والنقص وسائر العيوب. وهو الذي يقضي قضاؤه القدري الذي اذا شاء شيئا كان وما لم يشأ لم يكن وهو الذي يقضي بين عباده المؤمنين والكافرين في الدنيا. ويفصل بينهم بفتح ينصر به اولياءه واحبابه والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء. والذين يدعون من دونه وهذا شامل لكل ما من دون الله لا يقضون بشيء لعجزهم وعدم ارادتهم للخير واستطاعتهم لفعله ان الله هو السميع لجميع الاصوات. باختلاف اللغات على تفنن الحاجات تصير بما كان وما يكون. وما نبصر وما لا نبصر. وما يعلم العباد وما لا يعلمون. قال في اول هاتين الايتين وانذرهم هما العازفة ثم وصفها بهذه الاوصاف المقتضية للاستعداد لذلك اليوم العظيم. لاشتمالها على الترغيب والترهيب يقول تعالى او لم يسيروا في الارض اي بقلوبهم وابدانهم سير نظر واعتبار وتفكر في الاثار. فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم من المكذبين. فسيجدونها شر العواقب عاقبة الهلاك والدمار والخزي والفضيحة. وقد كانوا اشد قوة من هؤلاء في العدد والعدد. وكبر الاجسام واشد ثارا في الارض من البناء والغرس وقوة الاثار تدل على قوة المؤثر فيها وعلى تمنعه بها انه قوي شديد العقاب. فاخذهم الله بعقوبته بذنوبهم. حين اصروا واستمروا عليها انه قوي شديد العقاب. فلم تغن قوتهم عند قوة الله شيئا. بل من اعظم الامم قوة او معاد الذين قالوا من اشد منا قوة ارسل الله اليهم ريحا اضعفت قواهم ودمرتهم كل تدمير. ثم ذكر نموذجا من احوال المكذبين بالرسل وهو فرعون وجنوده فقال اي ولقد ارسلنا الى جنس هؤلاء المكذبين. موسى ابن عمران باياتنا العظيمة الدالة دلالة قطعية على احقية ما ارسل به بطلان ما عليه من ارسل اليهم من الشرك وما يتبعه. وسلطان مبين اي حجة بينة تتسلط على القلوب فتذعن لها. كالحية ونحوهما من الايات البينات التي ايد الله بها موسى ومكنه مما دعا اليه من الحق والمبعوث اليهم فرعون وهامان وزيره وقارون الذي كان من قوم موسى فبغى عليهم بماله. وكلهم ردوا عليه اشد الرد. فقالوا ساحر كذاب فلما جاءهم بالحق من عندنا وايده الله بالمعجزات الباهرة لتمام الاذعان لم يقابلوها بذلك. ولم يكفيهم مجرد الترك والاعراض بل ولا انكارها ومعارضتها بباطلهم. بل وصلت بهم الشنيعة الى ان قالوا اقتلوا ابناء الذين امنوا معه في ضلال وما كيد الكافرين حيث كادوا هذه المكيدة وزعموا انهم اذا قتلوا ابناءهم لم يقووا وبقوا في رقهم عبوديتهم فما كيدهم الا في ضلال. حيث لم يتم لهم ما قصدوا بل اصابهم ضد ما قصدوا. اهلكهم الله وابادهم عن وتدبر هذه النكتة التي يكثر مرورها بكتاب الله تعالى. اذا كان السياق في قصة معينة او على شيء معين واراد الله ان يحكم على ذلك المعين بحكم لا يختص به ذكر الحكم. وعلقه على الوصف العام ليكون اعم. وتندرج فيه الصورة التي سيق الكلام وليندفع الايهام باختصاص الحكم بذلك المعين. فلهذا لم يقل وما كيدهم الا في ضلال بل قال وما كيد الكافرين الا في ضلال فدينكم او ان يظهر في الارض الفساد. وقال فرعون متكبرا متجبرا مغررا لقومه السفهاء اني اقتل موسى وليدعو ربه اي زعم قبحه الله انه لولا مراعاة خواطر قومه لقتله. وانه لا يمنعه من دعاء ربه ثم ذكر الحامل له على ارادة قتله وانه نصح لقومه وازالة للشر في الارض. فقال دينكم او ان يظهر في الارض الفساد. اني اخاف ان يبدل دينكم الذي انتم عليه وفي الارض الفساد. وهذا من اعجب ما يكون ان يكون شر الخلق ينصح الناس عن اتباع خير الخلق. هذا من التمويه والترويج الذي لا يدخل الا عقل من قال الله فيهم فاستخف قومه فاطاعوه انهم كانوا قوما فاسقين. وقال موسى اني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب وقال موسى حين قال فرعون تلك المقالة الشنيعة التي اوجبها له طغيانه واستعان فيها بقوته واقتداره مستعينا بربه اني عذت بربي وربكم اي امتنعت بربوبيته التي دبر بها جميع الامور اي يحمله تكبره وعدم ايمانه بيوم الحساب على الشر والفساد. يدخل فيه فرعون وغيره كما تقدم قريبا في القاعدة فمنعه الله تعالى بلطفه من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب وقيض له من الاسباب من دفع به عنه شر فرعون وملأه. وقال رجل مؤمن من ال فرعون يكتم ايمانه اتقتلون رجلا بالبينات من ربكم. ومن جملة الاسباب هذا الرجل المؤمن الذي من ال فرعون من بيت المملكة لابد ان يكون له كلمة مسموعة. وخصوصا اذا كان يظهر موافقتهم ويكتم ايمانه. فانهم تراعونه في الغالب ما لا يراعونه لو خالفهم في الظاهر. كما منع الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم. بعمه ابي طالب من قريش حيث كان ابو طالب كبيرا عندهم موافقا لهم على دينهم. ولو كان مسلما لم يحصل منه ذلك المنع. فقال ذلك رجل مؤمن موفق العاقل الحازم مقبحا فعل قومه وشناعة ما عزموا عليه. اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله؟ اي كيف تستحلون قتله؟ وهذا ذنبه وجرمه ان يقول ربي الله. ولم يكن ايضا قولا مجردا عن البينات. ولهذا قال قد جاءكم بالبينات من ربكم. لان بينتهم اشتهرت عندهم اشتهارا علم به الصغير والكبير. اي هذا لا يوجب قتله. فهلا ابطلتم قبل ذلك ما جاء به من الحق؟ وقابلتم البرهان ببرهان يرده. ثم بعد ذلك نظرتم؟ هل يحل قتله اذا ظهرتم عليه بالحجة ام لا. فاما وقد ظهرت حجته واستعلى برهانه. فبينكم وبين حمل قتله مفاوز تنقطع وبها اعناق المطي. ثم قال لهم مقالة عقلية تقنع كل عاقل. باي حال قدرت؟ فقال اي موسى بين امرين اما كاذب في دعواه او صادق فيها. فان كان كاذبا فكذبه عليه وضرره مختص به. وليس عليكم في ذلك ضرر حيث امتنعتم من اجابته وتصديقه. وان كان صادقا وقد جاءكم بالبينات. واخبركم انكم ان لم تجيبوه عذبكم الله عذابا في الدنيا وعذاب في الاخرة فانه لابد ان يصيبكم بعض الذي يعدكم وهو عذاب الدنيا. وهذا من حسن عقله ولطف دفعه عن موسى حيث اتى بهذا الجواب الذي لا تشويش فيه عليهم. وجعل الامر دائرا بين تلك الحالتين. وعلى كل تقدير فقتله سفه وجهل منكم ثم انتقل رضي الله عنه وارضاه وغفر له ورحمه الى امر اعلى من ذلك. وبيان قرب موسى من الحق فقال ان الله لا يهدي من هو مسرف ان الله لا يهدي من هو مسرف اي متجاوز الحد بتركه الحق والاقبال على الباطل. كذاب بنسبته ما اسرف فيه الى الله. فهذا لا يهديه الله الى طريق الصواب. لا في مدلوله ولا في دليله ولا يوفق للصراط المستقيم. اي وقد رأيتم ما دعا موسى اليه من الحق. وما هداه الله الى بيانه من البراهين العقلية والخوارق سماوية فالذي اهتدى هذا الهدى لا يمكن ان يكون مسرفا ولا كاذبا. وهذا دليل على كمال علمه وعقله ومعرفته بربه ثم حذر قومه ونصحهم وخوفهم عذاب الاخرة. ونهاهم عن الاغترار بالملك الظاهر. فقال يا قومي لكم الملك اليوم اي في الدنيا ظاهرين في الارض على رعيتكم تنفذون فيهم ما شئتم من التدبير فهبكم حصل لكم ذلك وتم. ولن يتم جاءنا فمن ينصرنا من بأس الله اي عذابه ان جاءنا. وهذا من حسن دعوته. حيث جعل الامر مشتركا بينه وبينهم بقوله فمن ينصرنا وقوله ان جاءنا ليفهمهم انه ينصح لهم كما ينصح لنفسه ويرضى لهم لا يرضى لنفسه قال فرعون معارضا له في ذلك ومغررا لقومه ان يتبعوا موسى ما اريكم الا ما ارى وما اهديكم الا سبيل الرشاد وصدق في قوله ما اريكم الا ما ارى. ولكن ما الذي رأى؟ رأى ان يستخف قومه فيتابعوه. ليقيم بهم ولم ير الحق معه بل رأى الحق مع موسى وجحد به مستيقنا له. وكذب في قوله وما اهديكم الا سبيلا فان هذا قلب للحق. فلو امرهم باتباعه اتباعا مجردا على كفره وضلاله. لكان الشر اهون ولكنه امرهم باتباع وزعم ان في اتباعه اتباع الحق. وفي اتباع الحق اتباع الضلال وقال الذي امن مكررا دعوة قومه غير ايس من هدايته انه محق وان موسى مبطل الا في تباب. اي خسار وبوار لا يفيده الا الشقاء في الدنيا والاخرة. وقال الذي امن يا قوم اتبعون يهدكم سبيل الرشاد. وقال الذي امن معيدا نصيحته لقومه كما هي حالة الدعاة الى الله لا يزالون يدعون الى ربهم ولا يردهم عن ذلك راد ولا يثنيهم عتو من دعوه عن تكرار الدعوة فقال لهم يا قومي اني اخاف عليكم مثل يوم الاحزاب. يعني الامم المكذبين الذين تحزبوا على انبيائهم اجتمعوا على معارضتهم ثم بينهم فقال اي مثل عادتهم في الكفر والتكذيب وعادة الله فيهم بالعقوبة العاجلة في الدنيا قبل الاخرة لعباده فيعذبهم بغير ذنب اذنبوه. ولا جرم اسلفوه. ولما خوفهم العقوبات الدنيوية خوفهم العقوبات الاخروية فقال اي يوم القيامة حين ينادي اهل الجنة اهل النار ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا. ونادى اصحاب النار اصحاب الجنة ان علينا من الماء او مما رزقكم الله. قالوا ان الله حرمهما على الكافرين. وحين ينادي اهل النار مالكا ليقضي على اين ربك؟ فيقول انكم ماكثون. وحين ينادون ربهم ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون. فيجيبهم اخسئوا فيها ولا تكلمون. وحين يقال للمشركين ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم. فخوفهم رضي الله عنه هذا اليوم المهول وتوجه لهم ان اقاموا على شركهم بذلك. ولهذا قال يوم تولون مدبرين اي قد ذهب بكم الى النار. ما لكم من الله من عاصم ما من انفسكم قوة تدفعون بها عذاب الله. ولا ينصركم من دونه من احد. يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر ومن يضلل الله فما له من هاده. ومن يضلل الله فما له من هاد. لان الهدى بيد الله تعالى فاذا منع عبده الهدى لعلمه انه غير لائق به لخبثه فلا سبيل الى هدايته ولقد جاءكم يوسف بن يعقوب عليهما السلام من قبل اتيان موسى بالبينات الدالة على صدقه. وامركم بعبادة ربكم وحده لا شريك له فما زلتم في شك مما جاءكم به في حياته حتى اذا هلك ازداد شككم وشرككم وقلتم لن يبعث الله من بعده رسولا. اي هذا ظنكم الباطل وحسبانكم الذي لا يليق بالله تعالى فانه تعالى لا يترك خلقه سدى لا يأمرهم وينهاهم ويرسل اليهم رسلا وظنوا ان الله لا يرسل ورسولا ظن الضلال. ولهذا قال وهذا هو وصفهم الحقيقي الذي وصفوا به موسى ظلما وعلوا. فهم المسرفون بتجاوزهم الحق وعدولهم عنه الى الضلال. وهم الكذبة حيث نسبوا ذلك الى الله وكذبوا رسوله. فالذي وصفه السرف والكذب لا ينفك عنهما لا يهديه الله. ولا يوفقه الخير لانه رد الحق بعد ان وصل اليه وعرفه. فجزاؤه ان يعاقبه الله بان يمنعه الهدى كما قال تعالى. فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ونذرهم في طغيانهم يعمهون. والله هنا يهدي القوم الظالمين. ثم ذكر وصف المسرف الكذاب فقال كذلك يطبع الله الذين يجادلون في ايات الله التي بينت الحق من الباطل وصارت من ظهورها بمنزلة الشمس للبصر. فهم يجادلون فيها على وضوحها. ليدفعوها ويبطلوها بغير اتاهم اي بغير حجة وبرهان. وهذا وصف لازم لكل من جادل في ايات الله. فانه من المحال ان يجادل بسلطان. لان حق لا يعارضه معارض. فلا يمكن ان يعارض بدليل شرعي او عقلي اصلا كبر ذلك القول المتضمن لرد الحق بالباطل مقتا عند الله وعند الذين امنوا. فالله اشد بغضا لصاحبه لانه تضمن التكذيب بالحق والتصديق بالباطل ونسبته اليه. وهذه امور يشتد بغض الله لها ولمن اتصف بها وكذلك عباده المؤمنون يمقتون على ذلك اشد المقت موافقة لربهم. وهؤلاء خواص خلق الله تعالى. فمقتهم دليل على الشناعة من مقتوه كذلك اي كما طبع على قلوب ال فرعون يطبع الله على كل قلب متكبر جبار متكبر في نفسه على الحق وعلى الخلق باحتقارهم. جبار بكثرة ظلمه وعدوانه فاطلع الى اله موسى سداد وقال فرعون معارضا لموسى ومكذبا له في دعوته الى الاقرار برب العالمين. الذي على العرش استوى على الخلق اعتلى يا هامان ابن لي صرحا. اي بناء عظيما مرتفعا. والقصد منه لعلي اطلع الى اله موسى. وان اني لاظنه كاذبا في دعواه ان لنا ربا وانه فوق السماوات. ولكنه يريد ان يحتاط فرعون. ويختبر الامر بنفسه قال الله تعالى في بيان الذي حمله على هذا القول وكذلك زين لفرعون سوء عمله. فزين له العمل السيء فلم يزل الشيطان يزينه. وهو يدعو اليه ويحسنه. حتى يا قومي اتبعوني اهدكم سبيل الرشاد. لا كما يقول لكم فرعون فانه لا يهديكم الا طريق الغي والفساد يا قومي انما هذه الحياة الدنيا متاع يتمتع بها ويتنعم قليلا ثم تنقطع وتضمحل فلا تغرنكم وتخدعنكم عما خلقتم له التي هي محل الاقامة. ومنزل السكون والاستقرار. فينبغي لكم ان تؤثروها وتعملوا لها عملا يسعدكم فيها من عمل السيئة من شرك او فسوق او عصيان فلا يجزى الا مثلها. اي لا يجازى الا بما يسوؤه ويحزنه. لان جزاء السيئة السوء. ومن عمل صالحا من ذكر ومن عمل صالحا من ذكر او انثى من اعمال القلوب والجوارح واقوال اللسان ان يعطون اجرهم بلا حد ولا عد بل يعطيهم الله ما لا تبلغه اعمالهم. ويا قوم ما لي ادعوكم الى النجاة وتدعونني الى نار ويا قوم ما لي ادعوكم الى النجاة بما قلت لكم وتدعونني الى النار بترك اتباع نبي الله موسى عليه السلام ثم فسر ذلك فقال تدعونني لاكفر بالله واشرك به ما ليس لي به علم انه يستحق ان يعبد من دون الله. والقول على الله بلا علم من اكبر الذنوب واقبحها وانا ادعوكم الى العزيز الغفار. وانا ادعوكم الى العزيز الذي له القوة كلها وغيره ليس بيده من الامر شيء. الغفار الذي يسرف العباد على انفسهم ويتجرأون على مساخطه. ثم اذا تابوا وانا اليه كفر عنهم السيئات والذنوب ودفع موجباتها من العقوبات الدنيوية والاخروية سنني اليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الاخرة. لا جرم اي حقا يقينا انها تدعو اليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الاخرة. اي لا يستحق من الدعوة اليه والحث على اللجأ اليه لا في الدنيا ولا في الاخرة لعجزه ونقصه وانه لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فسيجازي كل عامل بعمله وهم الذين اسرفوا على انفسهم بالتجرأ على ربهم بمعاصيه والكفر به دون غيرهم. فلما نصحهم وحذرهم وانذرهم ولم يطيعوه ولا وافقوه. قال لهم وافوض امري الى الله ان الله بصير بالعباد فستذكرون ما اقول لكم من هذه النصيحة سترون مغبة عدم قبولها حين يحل بكم العقاب. وتحرمون جزيل الثواب. وافوض امري الى الله اي الجأ اليه واعتصم والقي اموري كلها لديه واتوكل عليه في مصالحي ودفع الضرر الذي يصيبني منكم او من غيركم يعلم احوالهم وما يستحقون. يعلم حالي وضعفي يمنعني منكم ويكفيني شركم. ويعلم احوالكم فلا تتصرفون الا بارادته ومشيئته. فان سلطكم علي فبحكمة منه تعالى وعن ارادته ومشيئته صدر ذلك. اي وقى الله القوي رحيم ذلك الرجل المؤمن الموفق عقوبات ما مكر فرعون واهله له من ارادة اهلاكه واتلافه لانه بادئهم بما واظهر لهم الموافقة التامة لموسى عليه السلام. ودعاهم الى ما دعاهم اليه موسى. وهذا امر لا يحتملونه. وهم الذين لهم القدرة اذ ذاك. وقد اغضبهم واشتد حنقهم عليه. فارادوا به كيدا فحفظه الله من كيدهم ومكرهم. وانقلب كيدهم ومكرهم على انفسهم وحاط بال فرعون سوء العذاب اغرقهم الله وتعالى في صبيحة واحدة عن اخرهم. وفي البرزخ ويوم تقوم الساعة ادخلوا ال فرعون اشد العذاب. فهذه العقوبات الشنيعة التي تحل بالمكذبين لرسول الله المعاندين لامره. وان يتحاجون في فهل انتم يخبر تعالى عن تخاصم اهل النار وعتاب بعضهم بعضا واستغاثتهم بخزنة النار وعدم الفائدة في ذلك. فقال واذ يتحاجون في النار يحتج التابعون باغواء المتبوع اعين ويتبرأ المتبوعون من التابعين. فيقول الضعفاء اي الاتباع للقادة للذين استكبروا على الحق ودعوهم الى ما استكبروا لاجله انا كنا لكم تبعا انتم اغويتمونا واضللتمونا وزينتم لنا الشرك والشر. فهل انتم مغنون عنا نصيبا من النار اي ولو قليلا حكم بين العباد. قال الذين استكبروا مبينين لعجزهم ونفوذ الحكم الالهي في الجميع. انا كل فيها ان الله قد حكم بين العباد وجعل لكل قسطه من العذاب. فلا يزاد في ذلك ولا ينقص منه. ولا يغير ما حكم به الحكيم وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العرض وقال الذين في النار من المستكبرين والضعفاء بخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب لعله تحصل بعض الراحة. فقالوا له لهم موبخين ومبينين ان شفاعتهم لا تنفعهم ودعاءهم لا يفيدهم شيئا. اولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات التي تبينتم بها الحق والصراط المستقيم. وما يقرب من الله وما يبعد منه. قالوا بلى قد جاءونا بالبينات. وقامت علينا حجة الله بالغة فظلمنا وعاندنا الحق بعد ما تبين افي ضلال قالوا اي الخزنة لاهل النار متبرئين من الدعاء لهم والشفاعة فادعوا انتم ولكن هذا الدعاء هل يغني شيئا ام لا؟ قال تعالى الكافرين الا في ضلال اي باطل لاغ. لان الكفر محبط لجميع الاعمال. صاد لاجابة الدعاء اصولنا والذين امنوا في الحياة الدنيا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد لما ذكر عقوبة ال فرعون في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة. وذكر حالة اهل النار الفظيعة الذين نابذوا رسله وحاربوهم قال انا لننصر رسلنا والذين امنوا في الحياة الدنيا. اي بالحجة والبرهان والنصر. وفي الاخرة بالحكم لهم لاتباعهم بالثواب ولمن حاربهم بشدة العقاب ولهم سوء يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم حين يعتذرون ولهم اللعنة ولهم سوء الدار. اي الدار السيئة التي تسوء نازليها لما ذكر ما جرى لموسى وفرعون وما اليه امر فرعون وجنوده ثم ذكر الحكم العام الشامل له ولاهل النار. ذكر انه اعطى موسى الهدى اي الايات والعلم الذي يهتدي به المهتدون واورثنا بني اسرائيل الكتاب اي جعلناهم متوارثا بينهم من قرن الى اخر وهو التوراة وذلك الكتاب مشتمل على الهدى الذي هو العلم بالاحكام الشرعية وغيرها. وعلى التذكر للخير بالترغيب فيه وعن الشر بالترهيب عنه. وليس ذلك لكل احد وانما هو لاولي الالباب فاصبر يا ايها الرسول كما صبر من قبلك من اولي العزم المرسلين. ان وعد الله حق اي ليس مشكوكا فيه او فيه ريب او كذب حتى يعسر عليك الصبر. وانما هو الحق المحض والهدى الصرف. الذي يصبر عليه الصابرون ويجتهد في التمسك به اهل البصائر. فقوله ان وعد الله حق من الاسباب التي تحث على الصبر على طاعة الله. وعما يكره الله واستغفر لذنبك المانع لك من تحصيل فوزك وسعادتك. فامره بالصبر الذي فيه يحصل المحبوب. وبالاستغفار الذي فيه دفع المحذوب وبالتسبيح بحمد الله تعالى خصوصا بالعشي والابكار الذين هما افضل الاوقات وفيهما من الاوراد والوظائف الواجبة مستحبة ما فيهما لان في ذلك عونا على جميع الامور فاستعذ بالله يخبر تعالى ان من جادل في اياته ليبطلها بالباطل. بغير بينة من امره ولا حجة. ان هذا صادر من كبر في صدورهم على الحق وعلى من جاء به. يريدون الاستعلاء عليه بما معهم من الباطل. فهذا قصدهم ومرادهم. ولكن هذا لا يتم لهم وليسوا ببالغيه. فهذا نص صريح. وبشارة بان كل من جادل الحق انه مغلوب. وكل من تكبر عليه فهو وفي نهايته ذليل فاستعذ بالله انه هو السميع البصير. فاستعذ اي اعتصم والجأ بالله. ولا لم يذكر ما يستعيذ ارادة للعموم. ايستعذ بالله من الكبر الذي يوجب التكبر على الحق. واستعذ بالله من شياطين الانس والجن. واستعذ بالله من جميع الشرور انه هو السميع البصير. انه هو السميع لجميع الاصوات على اختلافها. البصير بجميع المرئيات باي محل وموضع وزمان كانت يخبر تعالى بما تقرر في العقول ان خلق السماوات والارض على عظمهما وسعتهما اعظم واكبر من خلق الناس. فان الناس بالنسبة الى خلق السماوات والارض من اصغر ما يكون. فالذي خلق الاجر احتراما عظيمة واتقنها. قادر على اعادة الناس بعد موتهم من باب اولى واحرى. وهذا احد الادلة العقلية الدالة على البعث دلالة بمجرد نظر العاقل اليها يستدل بها استدلالا لا يقبل الشك والشبهة بوقوع ما اخبرت به الرسل من البعث. وليس كل احد احد يجعل فكره لذلك ويقبل بتدبره. ولهذا قال ولكن اكثر الناس لا يعلمون. ولذلك لا يعتبرون بذلك ولا يجعلونه منهم على بال. ثم قال تعالى قليلا ما تتذكرون. وما يستوي الاعمى والبصير والذين امنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء. اي كما لا يستوي الاعمى والبصير. كذلك لا يستوي من امن بالله وعمل الصالحات. ومن كان مستكبرا على عبادة ربه مقدما على معاصيه. ساعيا في مساخطه. اي تذكركم قليل والا فلو تذكرتم مراتب الامور ومنازل الخير والشر والفرق بين الابرار والفجار وكانت لكم همة علية لاثرتم على الضار والهدى على الضلال والسعادة الدائمة على الدنيا الفانية ولكن اكثر الناس لا يؤمنون. ان الساعة لاتية لا ريب فيها قد اخبرت بها الرسل الذين هم اصدق الخلق ونطقت بها الكتب السماوية التي جميع اخبارها اعلى مراتب الصدق. وقامت عليها الشواهد المرئية والايات الافقية ان اكثر الناس لا يؤمنون. ولكن اكثر الناس لا يؤمنون مع هذه الامور. التي توجب كمال التصديق والاذعان وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم هذا من لطفه بعباده ونعمته العظيمة. حيث دعاهم الى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم. وامرهم بدعائهم في دعاء العبادة ودعاء المسألة. ووعدهم ان يستجيب لهم وتوعد من استكبر عنها فقال الدالة على سعة رحمة الله تعالى وجزيل فضله. ووجوب شكره. وكمال قدرته وعظيم سلطانه وسعة ملكه. وعموم خلقه جميع الاشياء وكمال حياته واتصافه بالحمد على كل ما اتصف به من الصفات الكاملة. وما فعله من الافعال الحسنة. وتمام وانفراده فيها. وان جميع التدبير في العالم العلوي والسفلي. في ماضي الاوقات وحاضرها ومستقبلها بيد الله تعالى. ليس لاحد من الامر شيء ولا من القدرة شيء. فينتج من ذلك انه تعالى المألوه المعبود وحده. الذي لا يستحق احد غيره من العبودية كما لم يستحق من الربوبية شيئا. وينتج من ذلك امتلاء القلوب بمعرفة الله تعالى ومحبته وخوفه ورجائه. وهذا الامران وهما معرفته وعبادته هما اللذان خلق الله الخلق لاجلهما. وهما الغاية المقصودة منه تعالى لعباده. وهما الموصلان الى الى كل خير وفلاح وصلاح وسعادة دنيوية واخروية. وهما اللذان هما اشرف عطايا الكريم لعباده. وهما اشرف اللذات على الاطلاق وهما اللذان ان فات فات كل خير وحضر كل شر. فنسأله تعالى ان يملأ قلوبنا بمعرفته ومحبته. وان يجعل حركاته ان الباطنة والظاهرة خالصة لوجهه. تابعة لامره انه لا يتعاظمه سؤال ولا يحفيه نوال. فقوله تعالى الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ان الله لذو فضل على الله الذي جعل لكم الليل اي لاجلكم جعل الله الليل مظلما لتسكنوا فيه من حركاتكم التي لو استمرت لضرت فتؤون الى فرشكم ويلقي الله عليكم النوم الذي يستريح به القلب والبدن وهو من ضروريات الادمي لا يعيش بدونه. ويسكن ايضا كل حبيب الى حبيبه. ويجتمع الفكر وتقل الشواغل. وجعل ان النهار مبصرا. منيرا بالشمس المستمرة في الفلك. فتقومون من فرشكم الى اشغالكم الدينية والدنيوية. هذا لذكره وقراءته وهذا لصلاته وهذا لطلبه للعلم ودراسته. وهذا لبيعه وشرائه. وهذا لبنائه او حدادته. او نحوها من الصناعات وهذا لسفره برا وبحرا. وهذا لفلاحته. وهذا لتصليح حيواناته ان الله لذو فضل اي عظيم كما يدل عليه التنكير على الناس حيث انعم عليهم بهذه النعم وغيرها وصرف عنهم النقم. وهذا يوجب عليهم تمام شكره وذكره اكثر الناس لا يشكرون. بسبب جهلهم وظلمهم وقليل من عبادي الشكور. الذين يقرون بنعمة ربهم ويخضعون لله ويحبونه ويصرفونها في طاعة مولاهم ورضاه لا اله الا هو. لا اله الا هو فانى تؤفكون. ذلكم الذي فعل ما فعل. الله اي المنفرد بالالهية والمنفرد بالربوبية. لان انفراده بهذه النعم من ربوبيته. وايجابها للشكر من الوهيته لا اله الا هو. تقرير انه المستحق للعبادة وحده لا شريك له. خالق كل شيء. تقرير لربوبيته. ثم صرح بالامر بعبادته فقال اي كيف تصرفون عن عبادته وحده لا شريك له بعدما ابان لكم الدليل قيل وانار لكم السبيل. كذلك يؤفق الذين كانوا بايات الله يجحدون اي عقوبة على جحدهم ايات الله وتعديهم على رسله صرفوا عن التوحيد والاخلاص. كما قال تعالى واذا ما انزلت سورة نظر بعضهم الى بعض هل يراكم من احد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بانهم قوم لا يفقهون. الله الذي جعل لكم الارض قرارا صوركم ورزقكم من الطيبات. الله الذي جعل لكم الارض قرارا اي قارة ساكنة مهيئة لكل مصالحكم تتمكنون من حرثها وغرسها والبناء عليها والسفر والاقامة فيها والسماء بناء سقفا للارض التي انتم فيها. قد جعل الله فيها ما تنتفعون به من الانوار. والعلامات التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. وصوركم فاحسن صوركم فليس في جنس الحيوانات احسن صورة من بني ادم. كما قال تعالى لقد الانسان في احسن تقويم. واذا اردت ان تعرف حسن الادمي وكمال حكمة الله تعالى فيه. فانظر اليه عضوا عضوا. هل تجد عضوا من اعضائه يليق به ويصلح ان يكون في غير محله. وانظر ايضا الى الميل الذي في القلوب بعضهم لبعض. هل تجد ذلك في غير الادميين وانظر الى ما خصه الله به من العقل والايمان. والمحبة والمعرفة التي هي احسن الاخلاق المناسبة لاجمل الصور. ورزقكم من وهذا شامل لكل طيب. من مأكل ومشرب ومنكح وملبس ومنظر ومسمع. وغير ذلك من الطيبات التي يسرها الله لعباده ويسر لهم اسبابها ومنعهم من الخبائث التي تضادها. وتضر ابدانهم وقلوبهم واديانهم فتبارك الله رب العالمين. ذلكم الذي دبر الامور وانعم عليكم بهذه النعم. الله فتبارك الله رب العالمين. اي تعاظم وكثر خيره واحسانه. المربي جميع العالمين بنعمه لا اله الا هو. فادعوه مخلصين له الدين الحمدلله رب العالمين هو الحي الذي له الحياة الكاملة التامة المستلزمة لما تستلزمه من صفاته الذاتية التي لا تتم حياته الا بها كالسمع والبصر القدرة والعلم والكلام وغير ذلك من صفات كماله ونعوت جلاله. لا اله الا هو اي لا معبود بحق الا وجهه الكريم فادعوه وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة مخلصين له الدين اي اقصدوا بكل عبادة ودعاء وعمل وجه الله تعالى. فان الاخلاص هو المأمور به. كما قال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء. الحمد لله رب العالمين. اي جميع المحامد والمدائح والثناء قول كنطق الخلق بذكره والفعل كعبادتهم له. كل ذلك لله تعالى وحده لا شريك له. لكماله في اوصافه وافعاله وتمام نعمه وامرت ان اسلم لرب العالمين لما ذكر الامر باخلاص العبادة لله وحده. وذكر الادلة على ذلك والبينات. صرح بالنهي عن عبادة ما سواه فقال قل يا ايها النبي اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله من الاوثان والاصنام. وكل ما عبد من دون الله ولست على شك من امري بل على يقين وبصيرة. ولهذا قال لما جاءني البينات من ربي بقلبي ولساني وجوارحي بحيث تكون منقادة لطاعته مستسلمة لامره وهذا اعظم مأمور به على الاطلاق. كما ان النهي عن عبادة ما سواه اعظم منهي عنه على الاطلاق. ثم قرر هذا التوحيد بانه الخالق لكم المطور لخلقتكم فكما خلقكم وحده فاعبدوه وحده. فقال ما من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا اشدكم هو الذي خلقكم من تراب. وذلك بخلقه اصلكم وابيكم ادم عليه السلام ثم من نطفة وهذا ابتداء خلق سائر النوع الانساني ما دام في بطن امه فنبه بالابتداء على بقية الاطوار من العلقة فالمضغة فالعظام فنفخ الروح ثم يخرجكم طفلا ثم هكذا تنتقلون في الخلقة الالهية حتى ابلغوا اشدكم من قوة العقل والبدن. وجميع قواه الظاهرة والباطنة. ثم لتكونوا شيوخا. ومنكم من يتوفى من قبل بلوغ نشد ولتبلغوا بهذه الاطوار المقدرة الى اجل بمسمى تنتهي عنده اعماركم. ولعلكم تعقلون احوالكم. فتعلمون ان المطور لكم في هذه الاطوار كامل الاقتدار وانه الذي لا تنبغي العبادة الاله وانكم ناقصون من كل وجه هو الذي يحيي ويميت اي هو المنفرد بالاحياء والاماتة. فلا تموت نفسك بسبب او بغير سبب الا باذنه. وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الا في كتاب. ان ذلك على الله يسير فاذا قضى امرا جليلا او حقيرا فانما يقول له كن فيكون. لا رد في ذلك ولا مثنوية ولا تمنع الم تر الى الذين يجادلون في ايات الله الواضحة البينة متعجبا من حالهم الشنيعة انى يصرفون اي كيف ينعدلون عنها والى اي شيء يذهبون بعد البيان التام؟ هل يجد دون ايات بينات تعارض ايات الله. لا والله. ام يجدون شبها توافق اهواءهم. ويصولون بها لاجل باطلهم استبدلوا واختاروا لانفسهم بتكذيبهم بالكتاب الذي جاءهم من الله. وبما ارسل الله به رسله الذين هم خير الخلق واصدقهم واعظمهم عقولا والسلاسل يسحبون في الحميد ثم في النار يسجرون فهؤلاء لا جزاء لهم سوى النار الحامية. ولهذا توعدهم الله بعذابها فقال فسوف يعلمون اذا الاغلال في اعناقهم التي لا يستطيعون معها حركة. والسلاسل التي يقرنون بها هم شياطينهم اي الماء الذي اشتد غليانه وحره يوقد عليهم اللهب العظيم فيصلون بها. ثم يوبخون على شركهم وكذبهم ثم قيل لهم اينما كنتم تشركون من دون الله. ويقال لهم اينما كنتم تشركون من دون الله هل نفعوكم او دفعوا عنكم بعض العذاب؟ قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قالوا ضلوا عنا اي غابوا ولم يحضروا ولو حضروا لم ينفعوا. ثم انهم انكروا فقالوا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا. يحتمل ان مرادهم بذلك الانكار. وظنوا انه ينفعهم ويفيدهم ويحتمل وهو الاظهر ان مرادهم بذلك الاقرار على بطلان الهية ما كانوا يعبدون. وانه ليس لله في الحقيقة وانما هم ضالون مخطئون بعبادة معدوم الالهية. ويدل على هذا قوله تعالى يتبعون الا الظن ويدل عليه قوله تعالى ويوم القيامة يكفرون بشرككم ومن اضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب الى يوم القيامة. ويقال لاهل النار ذلكم العذاب الذي نوع عليكم بما كنتم تفرحون في الارض بغير الحق وبما كنتم تمرحون لتفرحون بالباطل الذي انتم عليه. وبالعلوم التي خالفتم بها علوم الرسل. وتمرحون على عباد الله. بغيا وعدوانا وظلما وعصيانا كما قال تعالى في اخر هذه السورة فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. وكما قال قوم قارون له لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين. وهذا هو الفرح المذموم الموجب للعقاب. بخلاف الفرح الممدوح الذي قال الله فيه قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا. وهو الفرح بالعلم النافع والعمل الصالح خالدين فيها ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ادخلوا ابواب جهنم. كل بطبقة من طبقاتها على قدر عمله. خالدين فيها لا يخرجون منها ابدا. فبئس مثوى مثوى يخزون فيه ويهانون ويحبسون ويعذبون ويترددون بين حرها وزمهريرها اي فاصبر يا ايها الرسول على دعوة قومك وما ينالك منهم من اذى. واستعن على صبرك بايمانك. ان وعد الله والله حق سينصر دينه ويعلي كلمته وينصر رسله في الدنيا والاخرة. واستعن على ذلك ايضا بتوقع العقوبة باعدائك في الدنيا والاخرة. ولهذا قال فاما نرينك بعض الذين عدهم في الدنيا فذاك او لتوفينك قبل عقوبتهم فالينا يرجعون فنجازيهم باعمالهم. ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون. ثم سلاه وصبره بذكر اخوانه المرسلين فقال وما كان لرسول ان يأتي باية الا باذن الله امر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطنون. اي ولقد ارسلنا من قبلك رسلا كثيرين الى قومهم. يدعونهم ثم يصبرون على اذاهم منهم من قصصنا عليك خبرهم. ومنهم من لم نقصص عليك. وكل الرسل مدبرون. ليس بيدهم شيء من الامر وما كان لرسول ان يأتي باية الا باذن الله. وما كان لاحد منهم ان يأتي باية من الايات السمعية والعقلية الا باذن الله. اي بمشيئته وامره. فاقتراح المقترح على الرسل الاتيان بالايات. ظلم منهم وتعنت وتكذيب. بعد ان ايدهم الله بالايات الدالة على صدقهم وصحة ما جاءوا به فاذا جاء امر الله بالفصل بين الرسل واعدائهم والفتح قضي بينهم الحق الذي يقع الموقع ويوافق الصواب بانجاء الرسل واتباعهم واهلاك المكذبين. ولهذا قال المبطنون. وخسر هنالك اي وقت القضاء المذكور. المبطلون الذين وصفهم الباطل. وما جاءوا به من العلم والعمل فلباطل وغايتهم المقصودة لهم باطلة. فليحذر هؤلاء المخاطبون ان يستمروا على باطلهم. فيخسروا كما خسر اولئك. فان ان هؤلاء لا خير منهم ولا لهم براءة في الكتب بالنجاة يمتن تعالى على عباده بما جعل لهم من الانعام التي بها جملة من الانعام. منها منافع الركوب عليها والحمل. ومنها منافع الاكل من لحومها والشرب من البانها. ومنها منافع الدفء واتخاذ الالات والامتعة من اصوافها واوبارها واشعارها الى غير ذلك من المنافع. ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم من الوصول الى الاوطان البعيدة وحصول السرور بها والفرح عند اهلها. اي على الرواحل البرية البحرية يحملكم الله الذي سخرها وهيأ لها ما هيأ من الاسباب التي لا تتم الا بها اي ايات الله تنكرون. ويريكم اياته الدالة على وحدانيته واسمائه وصفاته وهذا من اكبر نعمه. حيث اشهد عباده اياته النفسية. واياته الافقية ونعمه الباهرة. وعددها عليهم ليعرفوا ويشكروه ويذكروه. اي اية من اياته لا تعترفون بها فانكم قد تقرر عندكم ان جميع الايات والنعم منه تعالى فلم يبق للانكار محل ولا للاعراض عنها موضع بل اوجبت لذوي الالباب بذل الجهد. واستفراغ الوسع للاجتهاد في طاعته والتبتل في خدمته. والانقطاع اليه. افلا يحث تعالى المكذبين لرسولهم على السير في الارض بابدانهم وقلوبهم وسؤال العالمين. فينظروا نظر فكر واستدلال لا نظر غفلة واهمال. كيف كان عاقبة الذي من قبلهم من الامم السالفة كعاد وثمود وغيرهم. ممن كانوا اعظم منهم قوة واكثر اموالا واشد اثارا في الارض. من الامنية الحصينة والغراس الانيقة والزروع الكثيرة. فما اغنى عنه ثم كانوا يكسبون حين جاءهم امر الله. فلم تغني عنهم قوتهم ولا افتدوا باموالهم. ولا تحصنوا بحصونهم. ثم ذكر الكبير فقال فلما جاءتهم رسلهم بالبينات من الكتب الالهية والخوارق العظيمة. والعلم النافع المبين للهدى من الضلال. والحق من الباطل فرحوا بما عندهم من العلم المناقض لدين الرسل. ومن المعلوم ان فرحهم به يدل على شدة رضاهم به وتمسكهم معاداة الحق الذي جاءت به الرسل وجعل باطلهم حقا. وهذا عام لجميع العلوم التي نوقض بها ما جاءت بها الرسل. ومن احقها بالدخول في هذا علوم الفلسفة والمنطق اليوناني الذي ردت به كثير من ايات القرآن ونقصت قدره في القلوب وجعلت ادلته يقينية القاطعة ادلة لفظية لا تفيد شيئا من اليقين. ويقدم عليها عقول اهل السفه والباطل. وهذا من اعظم الالحاد في ايات الله والمعارضة لها والمناقضة. فالله المستعان. وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون وبهم اي نزل ما كانوا به يستهزؤون من العذاب. فلما رأوا بأسنا قالوا امنا بالله وحده فلما رأوا بأسنا اي عذاب انا اقر حيث لا ينفعهم الاقرار. قالوا امنا بالله وحده. وكفرنا بما كنا به مشركين. من الاصنام والاوثان تبرأنا من كل ما خالف الرسل من علم او عمل اي في تلك الحال وهذه سنة الله وعادته التي خلت في عباده ان المكذبين حين ينزل بهم بأس الله وعقابه اذا امنوا كان ايمانهم غير صحيح ولا منجيا له من العذاب وذلك لانه ايمان ضرورة. قد اضطروا اليه وايمان مشاهدة. وانما الايمان النافع الذي ينجي صاحبه هو الايمان الاختياري الذي يكون ايمانا بالغيب وذلك قبل وجود قرائن العذاب وخسر هنالك الكافرون. اي وقت الاهلاك واذاقة البأس. الكافرون دينهم ودنياهم واخراهم. ولا يكفي مجرد خسارة في تلك الدار بل لا بد من خسران يشقي في العذاب الشديد والخلود فيه دائما ابدا