قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين فلما خرج طالوت بالجنود عن البلد قال لهم ان الله مختبركم بنهر فمن شرب منه فليس على طريقتي ولا يصاحبني في قتال ومن لم يشرب منه فانه على طريقته ويصاحبني في القتال الا من اضطر فشرب مقدار غرفة بكف يده فلا شيء عليه فشرب الجنود الا قليلا منهم صبروا على عدم الشرب مع شدة العطش فلما جاؤوا زطال طالوت النهر هو والمؤمنون معه قال بعض جنوده لا قدرة لنا اليوم على قتال جالوت وجنوده بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعه باحسان الى يوم الدين اما بعد فهذه الصفحة الحادية والاربعون من كتاب الله تعالى. قال تعالى فلما فصل طالوت بالجنود قال ان الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فانه مني الا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه الا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين امنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده وعندئذ قال الذين يوقنون انهم ملاقوا الله يوم القيامة كم من طائفة مؤمنة قليلة العدد غلبت طائفة كافرة غلبت طائفة كافرة كثيرة العدد باذن الله وعونه فالعبرة في النصر بالايمان لا بالكثرة. والله مع الصابرين من عباده يؤيدهم وينصرهم اقول ايها الاخوة هذه الاية التاسعة والاربعون بعد المئتين اية عظيمة وفيها مسألة مهمة تمر علينا كل يوم ليل نهار صباح مساء وهو اننا ممتحنون ومختبرون يجب على الانسان ان يقاوم ما يكره اذا احبه الله وان يترك ما يحب اذا كرهه الله والذي صنعه طالوت اراد ان يختبر هؤلاء من الذي يسيطر على نفسه ويقدم محاب الله تعالى على محابه الانسان حينما تتنازعه الشهوات يحبها ويريدها ولكن الله سبحانه وتعالى قد جعل الشهوات في محل مخصوص وهو فيما احله الله تعالى من النكاح. اما النظر الى الحرام ومباشرة الحرافة ومن اشد الاشياء النفس تسوق الى هذا فمن كان عفيفا وظبط نفسه وترك محابه لاجل محاب الله وقدم امر الله ومراد الله فانه ينال النصرة من الله واما من خالف في هذا فهو يصاب بالخذلان والخذلان هو الترك والتخليل فهذه الاية فيها مقصد مهم جدا وهو ان الانسان يتحمل ما يكره اذا احبه الله ويترك ما يحب اذا كرهه الله. فاذا فعل الانسان هذا نال النصرة والتأييد من الله العزيز الحميد ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ولما خرجوا ظاهرين لجالوت وجنوده توجهوا الى الله بالدعاء قائلين ربنا صب على قلوبنا الصبر صبا ثبت اقدامنا حتى لا نفر ولا ننهزم امام عدونا وانصرنا بقوتك وتأييدك على القوم الكافرين وهذه الاية الكريمة فيها ملمح مهم الى حاجة الانسان الى الضراعة الى الله سبحانه وتعالى وصدق التوكل على الله سبحانه وتعالى وان الانسان به حاجة الى ذكر الله سبحانه وتعالى في جميع اموره فاذا فعل الانسان هذا ثبت ومن ثبت نبت فهزموا فهزموهم باذن الله وقتل داوود جالوت واتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين فهزموهم باذن الله وقتل داوود قائدهم جالوتر واتاه الله الملك والنبوة وعلمه مما يشاء من انواع العلوم فجمع له بينما يصلح الدنيا والاخرة ولولا ان من سنة الله ان يرد ببعض الناس فساد بعضهم لفسدت الارض بتسليط المفسدين فيها ولكن الله ذو فضل على جميع المخلوقات اذا هذي سنة سنة التدافع هي سنة قد جعلها الله سبحانه وتعالى فينبغي على الانسان ان يدفع الشر بالخير وان يدفع الجهل بالعلم وان يرد اهل الباطل الى باطلهم فهذه سنة كونية ومن اعظم ما ترد به المفاسد العلم النافع الذي يدفع الظلمة وينير قلوبا ينير دروب الناس المظلمة. فيا عباد الله جدوا بتعلم العلم النافع الى العمل الصالح وبثوه بين الانام فهو العمل الذي يستطيعه كل احد تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق وانك لمن المرسلين تلك ايات الله الواضحة البينة نتلوها عليك ايها النبي متظمنة صدقا في الاخبار وعدلا في الاحكام وانك لمن المرسلين من رب العالمين من فوائد الايات من حكمة القائد ان يعرض جيشه لانواع الاختبارات التي يتميز بها جنوده ويعرف الثابت من غيره العبرة في النصر ليست بمجرد كثرة العدد والعدة فقط وانما معونة الله وتوفيقه اعظم الاسباب للنصر والضرر لا يثبت عند الفتن والشدائد الا من عمر اليقين بالله قلوبهم فمثل اولئك يصبرون عند كل محنة ويثبتون عند كل بناء ويثبتون عند كل بلاء الضراعة الى الله تعالى بقلب صادق متعلق به من اعظم اسباب اجابة الدعاء ولا سيما في مواطن القتال من سنة الله تعالى وحكمته ان يدفع شر بعض الخلق وفسادهم في الارض ببعض واقول ايها الاخوة ليس شيء انجى من عذاب الله من ذكر الله. كما قال معاذ بن جبل والانسان مأمور ان يذكر ربه في جميع احواله وفي جميع اموره وذكر الله حسن والذي احسن منه ان الانسان يذكر ربه حينما توسوسه نفسه بالمعصية فيترك المعصية ونفسه تشتهيها فيقدم محاب الله على محابه ويقدم مراد الله على مراده. اذا ذكر الله تعالى اجره عظيم وثوابه كبير والذكر العظيم هو الذي يغير حياة الانسان فيجعل الحياة على ما يريده الله حتى تتحول حياة الانسان الى سجل من الحسنات نسأل الله ان يهدينا اجمعين وان يصلحنا ويصلح بنا هذا وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته