او اراض او غيرها فانه يطهر بزوال النجاسة عنه. بان تزول عينها ولا يشترط ثلاث غسلات ولا سبع ولا اقل ولا اكثر الا نجاسة الكلب. وما الحق به لورود الشرع به فانه لابد فيه من سبع غسلات المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه. ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا اعمالنا من يهده الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله. اللهم صلي على محمد وعلى اله واصحابه واتباعه. وسلم تسليما. اما بعد فان العلم افضل الاعمال واكمل الاحوال قال وبه تتم الامور وتدرك المطالب. والعلم ما دل عليه الدليل والنافع منه ما هو من قول عن الرسول. والعلم لا يدرك بمجرد الاماني ولا بالكسل او السعي الضعيف. ولا يدرك بسلوك غير طرقه وابوابه. وانما يدرك العلم بالجد اجتهاد في تقرير المسائل وتصويرها وتحريرها. وبمعرفة ادلته ومآخذه واصوله التي يرجع اليها. وبالمقابلة التي بين الاقوال المتباينة والمسائل المتعارضة. فان الحق عليه ادلة وبراهين وشواهد. يتميز بها عن ضده وبضده فتتبين الاشياء واعلم ان من اجل العلوم وافرادها واعظمها نفعا. علم الفقه الذي هو معرفة الاحكام الشرعية والفروعية بادلتها التفصيلية لانه مأخوذ عن كتاب الله وسنة رسول الله نصا او ظاهرا او استنباطا او تنبيها او قياسا او اعتبارا وهو نوعان نوع مجمع عليه وهو جمهور علم الفقه ولله الحمد. ونوع وقع فيه الخلاف بين اهل العلم اختلاف مآخذهم وتباين استنباطاتهم. وان كانوا ولله الحمد قصدهم جميعا واحدا. وهو ترجيح ما رجحه الكتاب والسنة وبهذا صاروا كلهم مأجورين على اجتهاداتهم. فالمصيب له اجران. والمخطئ له اجر واحد. وخطؤه معفو عنه اصابت الصواب اسباب. منها حسن الفهم عن الله وعن رسوله. ونور الفهم والذكاء وقوة الاخلاص. والاستعانة بالله في الوصول الى الصواب وعدم التعصب لما يقوله او يقوله من يعظمه. وسرعة الرجوع الى الحق عند اتضاح الصواب. والمقابلة بين الاقوال المتعارضة واستيعاب ما امكن من ادلة كل قول ومأخذه. ووزن الادلة والمأخذ بالموازين العادلة واصول الفقه المتفق عليها. لذا احببت ان اضع في هذا التعليق عدة مسائل من مسائل الفقه المختلف فيها بين العلماء. مما اشتهر به الخلاف وكان الخلاف فيها له اهمية مية واجعلها على صورة مناظرة بين المستعين بالله والمتوكل على الله. لان في جعلها على هذه الصورة فوائد كثيرة ان في جعلها على هذه الصورة فوائد كثيرة. منها تيسر مأخذ القولين ووجودهما في محل واحد. وذلك من مقربات العلم ومنها التمرن على المناظرة والمباحثة التي هي من اكبر الوسائل لادراك العلم وثبوته وتنوعه. ومنها التمرن نحن على الاستدلال والرجوع الى اصول المسائل اليسيرة للعبد ملكة تامة. يحسن معها الاستدلال والمناظرة والنظر. ومنها عود الانسان نفسه سرعة قبول الحق اذا اتضح له صوابه وبان له رجحانه. ومنها ان يعلم ان الخلاف في مثل هذه المسائل بين اهل العلم لا يوجب القدح والعيب والذم. بل كما قال بعضهم نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه لا في حال الجاهل ضيق العطن. الذي يرى ان من خالفه او خالف من يعظمه. قد فعل اثما عظيما. وهو معذور بل ربما كان الصواب معه فهذه حالة لا يرتضيها احد من اهل العلم. ونسأل الله العافية منها ومن كل ما لا يحبه الله ورسوله. المثال الاول محاورة في احكام المياه وانقسامها. قال المتوكل على الله المياه باعتبار ما تتنوع اليه شرعا ثلاثة اق احدها طهور بنفسه مطهر لغيره. وهو الذي لم يتغير بشيء طاهر ولا بشيء نجس. تغيرا بمقر او ممره بشيء طاهر. وهذا النوع هو المختص برفع الاحداث وازالة الاخباث من الابدان والثياب وغيرها. الثاني ظاهر في نفسه غير مطهر لغيره لاسباب. اما ان يكون مرفوعا به حدث اكبر او اصغر وهو يسير. وذلك لانه استعمل في عبادة على وجه الائتلاف. فلم يستعمل فيها ثانيا قياسا على الكفارات. واما ان ينتقل الماء عن اسمه مطلقي الى التقييد فيتغير بشيء من الطاهرات تغيرا كثيرا. بحيث يقال فيه ماء زعفران او ماء حبر او من التقييدات. فهذا وجه انه طاهر لكونه لا يدخل في لفظ الماء المطلق الذي امر الشارع بالتطهر به واستعماله حيث انتقل عن الاسم المطلق انتقل عن الحكم. فتعين انه طاهر غير مطهر. ويصير وجوده كعدمه. كما لو كان معدوما بنحس او معجوزا عن ثمنه. ويتفرع على هذا النوع الماء الذي خلت به المرأة برفع الحدث. فانه لا يرفع حدث الرجل فهذا يشارك الطاهر في منع رفع حدث الرجل. ويشارك الطهور في جواز استعماله في غير هذا النوع من الطهارات الشرعية الثالث من المياه النجس. وهو نوعان متغير احد اوصافه بالنجاسة مطلقا. وملاق للنجاسة اذا كان اقل من كلتين ولو لم يتغير. اما المتغير فللاجماع واما الملاقي فلحديث ابن عمر المشهور اذا بلغ الماء كل اثنين لم يحمل الخبث او لم ينجسه شيء. رواه اهل السنن. فمفهومه انه اذا لم يبلغ قلتين فانه ينجس مجرد الملاقاة. وعلى هذا الحديث المقيد تحمل بقية الاحاديث المطلقة. كقوله ان الماء طهور لا ينجسه شيء. ونستثني من هذا النوع الماء المتغير بمجاورة نجاسة. فانه لا ينجس ولا يكره لانه تغيير مجاورة لا مخالطة. فباب حينما ذكرنا على وجه الاختصار ان المياه ثلاثة طهور وطاهر ونجس. وقد ذكرنا احكامها. فقال المستعين بالله انما دلت الادلة الشرعية الظاهرة على ان المياه نوعان طهور ونجس. فما تغير احد اوصافه بالنجاسة فهو هو نجس قليلا كان او كثيرا. تغير بمخالطة او مجاورة او غيرها. وما سوى ذلك فانه طهور. لا فرق بين باقي على خلقته والمتغير بملوحة او مرارة او حرارة او مقره او ممره او وضع فيه شيء طاهر فتغير به لو استعمل في حدث او غيره فكل ما لم يتغير بالنجاسات فانه طهور. يجوز بل يجب استعماله في طهارة الاحداث والاخباث في الابدان والثياب وغيرها. وعلى هذا الاصل تدل الادلة الشرعية فان الله اخبر ان الماء الذي انزله من السماء وانبعه من الارض طهور مطهر. كذلك النبي صلى الله عليه وسلم اخبر ان الماء طهور لا ينجسه شيء. الا ما غير احد اوصافه بالنجاسة فاذا وجد الانسان ماء متغيرا بالطاهرات على اختلاف انواعها فانه داخل في قوله تعالى لم تجدوا ماء فتيمموا. فلا يحل العدول عنه الى التيمم. فلا يحل العدول الى التيمم مع وجود هذا الماء. سواء ان كان ماء مطلقا او مقيدا بماء زعفران او غيره. وايضا فاثبات قسم طاهر غير مطهر. لم يدل عليه حديث صحيح قال يا حسن ولا اصل من الاصول الشرعية. ولو كان هذا النوع ثابتا شرعا. تعين ان يبينه الشارع بيانا تاما واضحا. لا يخفى على احد عظم مصلحته وشدة الحاجة اليه. فكل امر اشتدت حاجة العباد اليه بينه الشارع. وبرهن عليه البراهين التي لا تبقي شبهة ولا اشكالا. ولم يحوجنا الى ان نأخذ المسألة العظيمة من قولهم. لانه ليس بماء مطلق او نقيسه على الكفارات ثم ان القائلين بهذا القول لم يطردوا قولهم. والقول المتناقض من اكبر الادلة على ضعفه تناقضه عدم فانهم قالوا المتغير بالطائرات ان كان بمقره او ممره او بما يشق صون الماء عنه لا يضر هذا التغير فان وضع فيه الطاهر قصدا او تغير به عن ممازجة سلبه الطهورية. ومن المعلوم ان الشارع لا يفرق بين متماثلين. بل احكم لهما بحكم واحد كما لو تغير ماء بالنجاسة فان الشارع لم يفرق بين تغيره بمقره او ممره او وضع واضع قصدا او بغير قصد فكله نجس. وكذلك هذا كله طهور. كذلك من هذا النوع تفريقكم بين تغيره بما هو من جنس التراب او بملح مائي اصله الماء او ملح معدني هو من هذا النوع. لا يمكن ان يفرق الشارع بين امرين من دون اوصاف شرعية متباينة. واما ما خلت به المرأة فقد اعترفتم انتم بضعف هذا القول. فقلتم لو لم يجد ما يرفع به حدثه هذا الماء استعمله ثم تيمم وهذا لا نظير له شرعا. بل ان كان طهورا لم يعدل الى التيمم. وان كان ممنوعا عنه عدل التيمم من دون استعماله. كما قد اعترفتم بضعفه باعترافكم بانه ماء طهور. تستعمله النساء في الحدث والخبث. ويستعمله الصبيان كانوا كذلك ويستعمله الرجال في ازالة الخبث. واذا لم تتم المرأة طهارتها بل بقي من غسلها او وضوئها اصبع مثلا جاز للرجل ان يرفع به الحدث. فعلم بهذا انه طهور من كل وجه. مع ان الاصل طهارته مع قوله صلى الله عليه وسلم ان الماء لا يجنب. والحديث الذي فيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم ان يتوضأ الرجل بفضل المرأة ضعفه اهل العلم ولو فرض الاحتجاج به لم يقاوم الادلة الواضحة الصحيحة. ولو احتج به لوجب منع الرجل منه من كل شيء. فعلم ان القول بالمن من اضعف الاقوال ولله الحمد. واما قولكم ان الماء الملاقي للنجاسة اذا لم يبلغ الكلتين ينجس ولو لم يتغير لحديث ابن عمر السابق. فحديث ابن عمر انما الاستدلال به استدلال بالمفهوم. والمفهوم باتفاق الاصوليين لا فانه اخبر انه اذا بلغ كلتين لم يحمل الخبث. فمفهومه انه اذا لم يبلغهما فقد يحمله. فبين به وصفا جنس لكثرة النجاسة وقوتها وقلته. وقد لا يحملها. فالقائلون ان الماء لا ينجس الا بالتغير. لا يمتنعون من القول حديث ابن عمر فيقولون ان حمل الخبث يعني ان كان الخبث فيه محمولا. اي قد ظهرت فيه اوصافه نجس. والا فلا ان قلتم على هذا ايضا اذا بلغ قلتين فان هذا حكمه ان تغير نجس والا فلا. قلنا ان هذا اخبار عن ان المال اذا بلغ هذا المبلغ فانه لا يحمل الخبث غالبا. لكثرته ودفعه النجاسات. وقد تكثر النجاسة او تتوالى عليه فيبين به اوصافها فينجس بالاتفاق. حديث بئر بضاعة اصح من هذا الحديث. ويدل بمنطوقه على ان الماء طهور وظاهره سواء بلغ كلتين او لم يبلغ ما لم يتغير فيدل على صحة هذا القول انه لو كان مجرد ملاقاة الماء الذي دون القلتين للنجاسة ينجسه. ولو لم يغيره لبين الشارع بيانا مزيلا للاشكال رافعا للاحتمال وايضا فان الشارع يحكم للمتماثلات بحكم واحد. لا يفرق بينها. فالماء الذي وقعت فيه نجاسة لم تغيره سواء كان ان ثلاث قرب او اربع قرب او خمسا او اكثر. الكل لم تؤثر فيه ولا في صفاته شيئا. فيتعين ان حكمها واحد وهو وطهورية وايضا فقوله تعالى فلم تجدوا ماء يتناولوا هذا الماء الذي لم تغيره النجاسة ولو كان قليلا. فلما وصل البحث الى هذا قال المتوكل على الله هب اننا وافقناك على القول بان الماء نوعان فقط كما قررته واستدللت عليه انه ليس عندنا ما ندفع به هذه الادلة. وليس لنا ان ندفعها بمجرد الجمود على قولنا. فان القصد ظهور الحق. فلا نبالي ظهر في جانب القول الذي ننصره او تنصره انت. ولكن ما جوابك عن امر النبي صلى الله عليه وسلم باهراق ما ولغ فيه كلب ثم غسله سبع مرات احداها بالتراب. اليس في هذا اكبر دليل على ان الماء القليل اذا لاقته النجاسة انه وينجس ولو لم يتغير لان ظاهر هذا انه يسير. فقال المستعين بالله جوابي عنه من وجوه. احدها ان الماء جدا اذا لاقته النجاسة وخصوصا اذا تكررت عليه تكرر الولوغ فاننا نحكم بنجاسته. لان القليل جدا في مظنة التغير وخصوصا اذا لم تتميز النجاسة في لونها عن الماء. وبهذا الجواب قال بعض المالكية وهم يقولون ان الماء لا ينجس الا بالتغير. ثانيا انه يحتمل ان هذا في الماء الذي تغير بلعاب الكلب. ويكون هذا جمعا بين الادلة الدالة على انه لا ينجس الماء الا بالتغير. ثالثا ما قاله المالكية ان الامر بغسل بلوغ الكلب ليس لاجل نجاسته وانما هو لمخالطة لعابه الضار للشارب والمتطهر. واحسن الاجوبة هو الجواب الاول. الحاصل ان القول الصحيح الذي تدل عليه الادلة الشرعية ان المتغير بالنجاسة نجس. لكونه خبيث. فيدخل في الخبائث التي حرمها الله. واجب مع العلماء عليه وما عداه فانه طهور مطهر على اي صفة كان. وما سوى هذا القول فضعيف لعدم الدليل على اثباته وتكون مسائله غير مضطردة ولا جارية على القواعد الشرعية والله اعلم. المثال الثاني في تطهير الابدان والثياب وغيرها من النجاسات. قال المستعين بالله كل محل نجس يطرأ نجاسة عليه ماء او بدن او ثوب او انية واحداها بتراب. وهذا القول هو الذي تكثر الادلة على صحته. فان الشارع امر بتطهير النجاسات على الابدان والثياب وغيرها من غير اشتراط عدد معين ولم يثبت في العدد حديث يحتج به. يؤيد هذا ان النجاسات اعيان فما دامت العين باقية فحكمها باق فاذا زالت عينها زال الحكم معها. ويؤيد هذا ان النجاسات انما نجست لخطفها. فما دام الخبث بقي فالنجاسة باقية. فاذا زال الخبث زالت النجاسة. يؤيد هذا ان الماء الكثير المتغير بالنجاسة نجس اذا زال تغيره طهر. فعلم ان الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. يؤيد هذا ان النجاسة لو لم تزل بعد سبع الغسلات لم يطهر المحل حتى تزول. فعلم ان العدد غير معتبر وهو المطلوب. فقال المتوكل على الله النجاسة قسمان قسم حكمه كما ذكرت وهو النجاسة على الارض. وما اتصل بها من الحيطان والاحواض ونحوها. فيكفي غمرها بالماء حيث تزول عين النجاسة كما امر النبي صلى الله عليه وسلم بصب ذنوب من ماء على بول الاعرابي ولم يؤمر بتكرار فيه وقسم يشترط فيه سبع غسلات مع زوال عين النجاسة. وذلك قياسا على نجاسة الكلب. فان الشارع امر فيه بسبع تراب فنقيس عليه كل نجاسة على غير الارض من جهة العدد لا من جهة التراب. يؤيد هذا الحديث الذي ذكره فقهاؤنا الله وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما امرنا بغسل الانجاس سبعا. وهذا نص صريح في المسألة. واذا قال الصحابي امرنا او نهينا او نحوهما فانه ينصرف ذلك الى امر النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه. لانه هو المشرع الذي يطاع امره ويجتنب نهيه. اتضح بهذا ان النجاسات كلها اذا لم تكن على الارض لابد فيها من سبع غسلات مع زوالها وهو المطلوب. فقال المستعين بالله هذه الادلة التي استدللت بها على هذا التفريق لا تدل على المطلوب. اما حديث ابن عمر فما افرحه من حديث لو كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه حديث ساقط لا يصوغ الاحتجاج به. واما مقياس سائر النجاسات على نجاسة الكلب فغير صحيح من وجهين. احدهما ان الشارع فرق بين الامرين وامر بغسل نجاسة كلب سبعا مع التراب وامر بغسل سائر النجاسات لازالتها من دون اشتراط عدد. الوجه الثاني ان قياسكم هذا غير مضطرد والقياس المنتقد لا يصلح الاحتجاج به. فانكم لا تقولون باشتراط التراب في غير نجاسة الكلب والخنزير. فلو كان الالحاق صحيحا لوجب الالحاق في العدد والتراب. واما احتجاجكم بحديث امر النبي صلى الله عليه وسلم بصب الذنوب على بول الاعرابي. فهو من جملة حجاجنا فانه لم يأمر بتكرار غسلها وما سوى الارض. والارض كلها على حد سواء. لا يفرق الشارع بين متماثلين. لو فرض ان انه لم يرد سوى حديث انس المذكور فكيف وبقية النصوص الدالة على ازالة النجاسة ليس فيها شيء يأمر بالعدد. فقال توكلوا على الله من لوازم قولكم هذا ان الاستحالة تطهر ولو لم تغسل النجاسة. فقال المستعين بالله نقول بهذا اللازم وان العين اذا كانت خبيثة نجسة ثم استحالت فصارت طيبة وزال عنها الخبث فانها تطهر وهذا متفق عليه في مسائل مختلف فيه في اخرى. فالماء اذا استحال من تغيره بالنجاسة الى زوال التغير طهر قولا واحدا. اذا كان كثيرا والعلقة اذا صارت حيوانا طهرت قولا واحدا. الخمرة اذا استحالت وزالت خمريتها وصارت خلا طهرت قولا واحدا. فكذلك بقية المسائل كما اذا استحالت النجاسة بمخالطة ملح او صابون او غيرهما. ان النجاسة في الحقيقة دائرة مع الخبث وجودا وعدما فالشيء الخبيث نجس لخطفه. فاذا زال خبثه طهر لزوال علته. فهذه الادلة كما ترى قوتها. فان كان عندك فشيء تجيب به عنها جوابا صحيحا فاتي به لنرى مرتبته. والحق ضالة المحق. واذا لم يكن عندك سوى ما ذكرت من الادلة وهو كذلك فيلزمك الانقياد الى الحجة. والانقياد الى الحجة الراجحة هو مطلوب الطرفين. فقال المتوكل على الله قد رجعت الى قولك واحمد الله على ظهور البرهان وبيانه. كما اني احمد الله ان وفقني للانقياد له. اخبرك ايها الاخ اني وان كنت كنت ارى في الوقت الماضي القول الذي نصرته اولا فاني جازم بحول الله وقوته انني مثاب على تقريره ونصرته لان هذا هو اعتقادي فيه سابقا. ومن كان معتقدا لقول ضعيف. ثم تبين له بعد ذلك ضعفه فانه بمنزلة من كان يعمل على حكم من ثم نسخ فانه مأجور على عمله السابق واللاحق. وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤوف الرحيم. وانما الخشية على من اصر على التعصب على قول اتضح له ضعفه. ولكن لغرض من الاغراض اصر عليه. فنسأل الله العافية والسلامة والتوفيق لمعرفة الصواب واتباعه. المثال الثالث هل التيمم حكمه حكم الماء اذا تعذر استعماله ام لا؟ قال توكلوا على الله التيمم اذا عدم الماء او تعذر استعماله حكمه حكم الماء في اباحة الصلاة ونحوها من العبادات المتوقفة على الطهارة الا ان طهارته طهارة ضرورة تقدرها بقدرها فتبطل بخروج الوقت ودخوله. ومن تيمم لشيء لم يستبح ما هو على منه وانما هو يستبيح ما هو مثله ودونه. والسبب في ذلك ان الشارع لم يجعله طهارة الا في حال الضرورة. اذا كان كذلك تقدر بقدرها وقصر عن وصوله الى طهارة الماء من كل وجه. ويدل على ذلك ان الشارع لم يجعله رافعا للاحداث. بل اذا وجد الماء وكان قد تيمم لحدث اصغر او اكبر عاد اليه حدثه ولزمه رفعه بالماء الا في قول شاذ لا ينطق انظروا اليه فدل ذلك على ما ذكرنا. وانه لا يقوم مقام الماء من كل وجه. فقال المستعين بالله بل التيمم حكمه حكم الماء من كل وجه. فان الله تعالى جعله نائبا منابه عند عدمه. او تعذر استعماله. قضى ذلك انه نائب منابه في كل شيء وانه اذا تيمم لم تنتقد طهارته الا باحد نواقض الطهارة. فلا تنتقض بدخول الوقت ولا خروجه. ومن تيمم لشيء استباحه واستباح ما هو فوقه وما هو دونه. والدليل على ذلك ان الله جعله قائما مقام الماء عند جواز العدول اليه. وذلك دليل قيل على ما قلنا وايضا اذا تطهر العبد بالتراب. الاصل بقاء طهارته حتى يأتي ما يدل على فسادها وانتقاضها. فاي سندل على انها تبطل بدخول الوقت وخروجه. واي سبب يدعو الى ذلك ويؤيد هذا ان التيمم بدل طهارة الماء اجماع على ان البدل له حكم المبدل في كل احكامه. وما استدللتم به من كونه طهارة ضرورة فنحن اول قائل به. ولكن لكن فيما دل عليه الشرع وهو انه ضرورة. يعني عند عدم الماء او تعذر استعماله بمرض او نحوه. واما كونه يضيق فيه هذا التضييق الذي قلتم فلم يدل عليه الشرع بوجهه. ثم انتم ناقدون لما قلتم فانكم تقولون اذا تيمم للفرد صلى كل لوقته فروضا ونوافل فلو كانت طهارته اضطرارا من كل وجه لوجب عليه ان يقتصر فقط على الفرض ولا يزيد في صلاته على ما فيحصل به المقصود الواجب ولا قائل بهذا ولله الحمد. فعلم انه طهارة اضطرار في جوازه وابتدائه لا بعد ذلك بل هو وطهارة كاملة تامة. ويدل على هذا ان الشارع سماه طهارة في عدة احاديث. فكونه طهارة يثبت له ما يثبت للطهارة التامة فقوله تعالى بعد ذكر طهارة الماء والتراب. ولكن يريد ليطهركم. وقوله صلى الله عليه وسلم وجعل الى التربتها لنا طهورا. اذا لم نجد الماء فالتراب طهور او وضوء المسلم. وان لم يجد الماء عشر سنين. وما اشبه ذلك وذلك كله صريح ان التيمم طهارة تامة عند وجود شرطه. واما كون المتيمم اذا وجد الماء عاد اليه حدثه الامر كذلك فاننا لم نقل حكمه حكم طهارة الماء الا عند عدم الماء ونحوه. فاما مع وجود الماء المقدور على استعماله فان وجود طهارة التيمم في هذه الحال كعدمها فلا يبتديها. وان كانت موجودة بطلت وهذا كما ذكرتم قول جميع علماء الامة الا قولا شاذا قد دل الدليل على بطلانه. واذا اتضح انه طهارة تامة بوجود شرطه متى تيمم لنفل استباح الفرض وما دامت طهارته باقية لم يحصل له ناقض شرعي فانه يستبيح به كل العبادات فقال المتوكل على الله الان تبين لي رجحان هذا القول وان القول الذي قلته انا في غاية الضعف. وقد تعجبت من عدم اتضاح سابقا مع انه بادنى نظر وتأمل يظهر الصواب في هذه المسألة. ثم نظرت الى السبب الذي اوجب عدم اتضاحه فوجدت التسليم المجرد لقول نشأت عليه واخذته على علاته. واقتديت فيه بائمة اعلام. لم ابلغ في العلم عشر معشار ما بلغوا وكلهم مجتهدون. نرجو الله الا يعدمهم اجرا او اجرين. وهذا السبب من اعظم الموانع والحجاب للعلم. وانما البصيرة وانطلاق الفكر وارتقاء النظر انما هو بالتفكر والتأمل بمآخذ الاقوال وبراهينها ومقابلة بعضها ببعض والتصميم التام على الانقياد لما ترجح عندك. ولله الحمد والمنة. المثال الرابع في احكام الحيض هل هو الدم الموجود الذي يعتاد الانثى ام له شروط وقيود؟ قال المستعين بالله ان الحيض الذي يصيب النساء في اوقاته المعتادة لابد لنا ان نربطه بامور يضبط بها ويتميز بها عن الدماء الفاسدة التي لا يثبت لها احكامه. فنقول كل انثى لم يتم لها تسع سنين او قد جاوزت في عمرها خمسين سنة. فوجود الدم منها ليس بحيض. وانما يعتاد الانس الحيض في السن الذي بين هذين التقديرين من تمام تسع سنين الى تمام خمسين سنة. بان هذا هو المعتاد الموجود. وكذلك لا بد ان يكون الحيض لا يقل عن يوم وليلة ولا يزيد عن خمسة عشر يوما. فمتى نقص عن يوم وليلة فليس بحيض. وان تكرر حتى جاوز الخمسة عشر فهو استحاضة ولو تكرر. وكذلك الطهر بين الحيضتين. لابد ان يكون ثلاثة عشر يوما فاكثر. فمتى نقصت لم يعتد به وذلك للاثر المروي عن شريح المشهور. وذلك للاثر المروي عن شريح المشهور. وايضا اذا اختلف الدم على فتقدم او تأخر او زاد عن عادتها لم تنتقل معه ولم يثبت لها حكم الحيض حتى يتكرر ذلك ثلاثا. فاذا تكرر ثبت له حكم الحيض وقضت حينئذ ما وجب فيه من صلاة ونحوها. والدليل على ذلك والاعتماد على ان العادة لا تثبت الا الا بثلاث مرات. وكذلك المبتدئ بها الدم تجلس ما تيقن انه حيض او يظهر انه حيض. وهو يوم وليلة وتغتسل وبعدها ولو كان الدم جاريا وتصلي وتصوم ثم اذا انقطع دون الخمسة عشر يوما اغتسلت ثانية ثم اذا تكرر ثلاثا على هذه الوتيرة قضت ما وجب فيه وصار هذا عادة. وايضا فان هذه الاحوال التي ذكرناها وان كانت مشقة على النساء فان الاحتياط وطلب براءة الذمة مطلوب شرعا. ولا يخفى ما في هذه الاقوال من الاحتياط والرجوع الى حيض متيقن. قد زالت عنه الشبهة كلها وهو المطلوب. فاتضح مما تقدم ان الدماء التي تصيب الانثى سوى النفاس ثلاثة اقسام. حيض وهو ما وجدت فيه تلك الشروط والقيود السابقة واستحاضة وهو ما تجاوز خمسة عشر يوما مطلقا ودم فاسد وهو ما عدا ذلك مما اختل فيه قيد من تلك القيود. فالقسم الاول ثبت فيه احكام الحيض كلها. والقسمان الاخيران لا يثبت فيهما شيء من احكام الحيض بل تصلي فيهما المرأة وتصوم وتفعل ما تفعل الطاهرات. فقال المتوكل على الله هذا القول الذي قررته شرحته يا اخي لم يدل عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا معنى من المعاني الراجعة الى الكتاب والسنة. وانما دل الكتاب والسنة الوجود والنظر على ان الدم الذي يصيب الانثى في اوقاته يكون هو الحيض من غير فرق بين صغيرة ولا كبيرة ولا فرق بين ان عن خمسة عشر يوما او ينقص عن يوم وليلة. وبمجرد ما ترى الدم تجلس. واذا انقطع انقطاعا تاما اغتسلت معه في زيادته ونقصانه. والدليل على هذا ان الشارع رتب على الحيض احكاما كثيرة. واخبر ان النساء يعرفن دم الحيض بمجرد وجوده قد جرت عادتهن بالزيادة والنقص واختلاف الاحوال عليهن. ولم يأمرهن ويرشدهن الى التقيد تلك القيود التي لا يفهمنها. فضلا عن امكان العمل بها. وكون العادة لا تثبت الا بثلاث مرات. قول لا دليل عليه. بل الدليل يدل على ضده فان الاصل ان الدم الذي يصيب المرأة هو الاصلي الذي هو الحيض. لا العارض الذي هو دم الفساد والاستحاضة. ولان الحي ايه ده هو دم طبيعة وجبلة. وذلك يختلف باختلاف النساء والاحوال والفصول. والقوة والضعف وغيرها. فكونه يربط بسن معين ومقدار معين ويلغي ما سواه مع مماثلته له مع كونه مخالفا لظاهر النصوص الشرعية فانه مناف للاحوال الطبيعية يوضح هذا القول الصحيح ان القول الذي تقولونه مع انه لا يدل عليه كتاب ولا سنة فانه لا يمكن ان يبنى على قاعدة من القواعد ولا اصل من الاصول. لان تلك الفروع التي فرعتموها يثبت لاحدها حكم وينفى عن نظيرها المماثل ذلك الحكم ويجمع فيها بين المتباينات. ويحكم على الانثى بها تجلس عن الصلاة ونحوها في وقت. ثم تؤمر بقضاء ما تركت فيه وهي مأمورة بالترك. وقد تأمرونها ان تتقيد فيها ثم تقضي ما فعلت كما اذا عاودها النفاس في الاربعين. وكل هذه الفروق لا نظير لها في الشرع فاذا كانت لم ترد بذاتها عن الشارع ولم تبنى على مماثل لها او مقارب علم انها غير شرعية ثم اعلم يا اخي ان من خواص الاقوال الضعيفة وجود التناقض فيها وعدم بنائها على اصل متفق عليه وصعوبة فهمها وصعوبة العمل بها او تعذره. وهذه الفروع التي فرعتم كذلك. كما ان القول الصحيح تجد فهمه في غاية اليسر والعمل به في في غاية السهولة ومسائله منضبطة مبنية على الاصول الشرعية. وهو قولنا الذي نصرناه انه بسيط جدا. وهو ان الدمج الذي تراه المرأة دم حيض مطلقا. واذا انقطع فهي طاهرة تثبت لها احكام الطاهرات. ما لم يطبق عليها الدم او يزيد زيادة فاحشة. فحينئذ نعلم انه ليس كله حيضا وانما بعضه حيض وبعضه غير حيض. فنرجع حينئذ الى الشرعية والمميزات. وهي الرجوع الى عادتهن. ثم الى وصف الدم وتمييزه. فان تعذر الامران التحقت بابناء جنسها اه من النساء ستة ايام او سبعة للحيض. وما سوى ذلك طهر كما هو الغالب للنساء. فهذا هو القول الذي يتعين القول به ان لم يكن عندك من الترجيح لقولك سوى ما شرحته. وهو كذلك وجب عليك كما وجب علي اتباع القول الصحيح. فلست اقول لك قل بقولي واتبعني على ما قلت. وانما اقول انا وانت الواجب علينا واحد. وهو اتباع ما رجحه الدليل السالم عن المعارض المقاوم وقال المستعين بالله سمعا وطاعة للبراهين الشرعية المبينة على القواعد المرضية. وله الحمد على الارشاد تعلما وتوفيقا تصفيقا للعمل المثال الخامس في حكم الحمار الاهلي والبغل طهارة ونجاسة. قال المتوكل على الله الحمار الاهلي والبغل نجسان بولهما وروثهما وشعرهما وريقهما وعرقهما. لقوله صلى الله عليه وسلم في الحمر انها ركس اين نجس وعموم الحديث يقتضي نجاسة المذكورات من غير عفو عن شيء من فضلاتهما. ثم ان الاصل ان كل خبيث محرم الاكل نجس هو وجميع اجزائه. خرج في ذلك الهر وما دونها في الخلقة. لقوله صلى الله عليه وسلم انها ليلة ليست بنجس انها ليست بنجس. فيبقى ما عداها على الاصل وهو النجاسة لوجود الخبث فيها. ولهذا كان الكلب والخيار خنزير ونحوهما من السباع نجسة لخبثها وعدم حل اكلها. فقال المستعين بالله الحمار والبغل مثل الهر. روثهما وبولهما ولحومهما نجسة. والعرق والريق والشعر وما يخرج من الانف الكل طاهر. والدليل على هذا التفريق ان النبي صلى الله عليه وسلم حكم بنجاسة لحوم الحمر يوم خيبر وقال انها ريكس. الحديث الذي ذكرتم ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم يركبها ويركبها اصحابه ولم يأمر بتوقي هذه الفضلات منها ولا ورد عنه انه كان يتوقى ذلك ذلك منها وايضا فلو كانت هذه الاشياء نجسة لنبه على ذلك تنبيها يقطع العذر ويشتهر مع علمه بشدة الحاجة اليها والى ملابستها ومخالطتها. خصوصا في اوقات الامطار ونحوها. ويؤيد ذلك ان من قواعد الشريعة ان المشقة وتجلب التيسير. والمشقة الحاصلة من ملابستها لا تخفى على احد. ويؤيد ذلك ان قوله صلى الله عليه وسلم في الهرة انها ليست بنجس. انها من الطوافين عليكم والطوافات. فعلل طهارتها لكثرة طوفانها وعموم البلوى بها اين مشقة الهرة والبلوة بها من مشقة ملابسة الحمر والبغال. وهذا بخلاف لحمها وبولها وروثها. فان الخبث ظاهر فيها والاحتراز عنها في غاية السهولة. فان قلت فعلى هذا التعليل الذي قلتم فيلزمكم ان تجعلوا هذه الاشياء من الكلب طاهرة. قلنا ان الكلب نص صلى الله عليه وسلم على غسل ما ولغ فيه. والمشقة فيه دون المشقة بالحمار والبغل بكثير. ولهذا حيث وجد المشقة فيه في مسألة صيده اذا صاد وباشر الصيد بفمه ولعابه الصواب فيها القول بالعفو عن ذلك لاذن الشارع في من غير امر بغسل ما اصاب افواهها منه. علم ان الشارع له تشوق عظيم الى رفع الحرج والمشقة والعفو عن الشيء. مع قيام المقتضي لتنجيسه. فقال المتوكل على الله اذا قال النبي صلى الله عليه وسلم قولا فعلينا تعميمه وليس لنا ان اخرج من كلامه شيئا. كما انه ليس لنا ان ندخل فيه ما ليس منه. فحيث اخبر ان الحمار نجس. تعين ان جميع هذه الفضلات نجسة وانه لا يحل اخراج شيء منها بغير دليل. فقال المستعين بالله الامر كما ذكرت. فان على الجميع الخضوع اقوال الشارع والانقيادة التام لكننا لم نخرج من كلامه شيئا بمجرد اغراضنا وارادتنا فاننا اصغر واحقر ان نعارض قول الشارع بقول احد من الناس كائنا من كان وليس لاحد الاستدراك على الله ورسوله ولكننا نقيد فمشارع بعضه ببعض ونأخذ بالادلة كلها ونؤمن بها كلها. وبذلك يتم العلم والايمان. فالذي قال في الحمر انها نجس كان يستعمل البغل والحمار ولا يتوقى هذه الفضلات ولا امر امته بتوقي ذلك فنعمل بكل من الدليلين وايضا قيدنا ذلك لنقيسه على قاعدة المشقة والتسهيل في الطوافين والطوافات. وهذا هو الواجب على كل احد وهو علم الحقيقي. واما مجرد النظر الى قول واحد ودليله الخاص. وعدم مقارنته بما يقابله من الادلة فهذا نقص في العلم يتعين على كل من له قدرة على الاستدلال ان يبرأ بنفسه عنه. فان كان عندك ما يرد هذا التفصيل الذي برهنا عليه واقمنا الدليل والا فتأمل ما ذكرناه يتضح لك ان القول ما قلناه والله ولي التوفيق. فقال المتوكل على الله جزاك الله خيرا على البيان. المثال السادس في حكم من صلى وقد نسي النجاسة على بدنه او ثوبه. قال المتوكل على الله من صلى ثم بعد فراغه وجد على بدنه او ثوبه نجاسة نسيها او جهلها فان عليه الاعادة لان ازالة النجاسة شرط من شروط الصلاة. وشروط الصلاة لا تسقط عمدا ولا سهوا ولا جهلا. كما ان الطهارة من شروطها. ومن صلى بغير طهارة وجب عليه الاعادة بالاتفاق. ومن صلى عريانا ناسيا او جاهلا فعليه الاعادة. فكذلك من نسي النجاسة فعليه عادة فقال المستعين بالله قد عفا الله تعالى عن الناس والجاهل ورفع عنه المؤاخذة. فمن صلى بنجاسة ناسيا لها او فلا اعادة عليه يؤيد ذلك بل هو صريح في المسألة. ما ثبت انه صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة وهو في اثنائها بعدما اخبره جبريل ان فيهما قذرا وبنى على صلاته فلو كان على الناس اعادة او الجاهل بها او بالحكم لالغى وما مضى منها واعادها من جديد فلا فرق بين ان ينسى ويذكر في اثنائها او لم يذكر الا بعد فراغها. واما قياسكم نسيان النجاسة على نسيان الطهارة فغير صحيح. لان شرط القياس اجتماع الاصل والفرع في علة واحدة. الامر هنا منتفع فان نسيان الطهارة من باب فعل المأمور الذي لا تبرأ الذمة الا بالاتيان به. واما نسيان النجاسة فمن باب ترك المحظور وهذا النوع قد عفا الشارع فيه عن النسيان ونحوه. كما عفا عمن اكل في صومه ناسيا. مع ان ترك المفطرات من شروط الصوم اللي هي ركنه الاعظم. وكما انه عفا عمن تكلم في صلاته جاهلا للحكم او جاهلا للحال. وقد فرق بين الامرين فالمسيء وفي صلاته حيث ترك المأمور وهو الطمأنينة في الاركان امر بالاعادة وهو جاهل. والمتكلم في صلاته لم يأمره بالقضاء. لان انه معذور بجهله. وكذلك هو صلى الله عليه وسلم لم يعد الصلاة. وقد صلى اولها وقد لبس النعلين النجسين معذورا فهذا الفرق ثابت في مصادر الشريعة ومواردها انه من نسي فترك المأمور فلابد له من فعله. ومن نسي ففعل المحظور انه كما انه غير اثم فلا اعادة عليه فتقع عبادته صحيحة. وانت ايها الاخ ليس معك سوى القياس الذي قررنا انه وغير صحيح لان شرطه المساواة بين الفرع والاصل وقد ظهر الفرق. ونحن معنا ظواهر النصوص برفع الحرج عن الناس جاهل والنص الصريح بترك الرسول الاعادة والجري على القواعد الشرعية. فقال المتوكل على الله صدقت يا اخي وقد وافقتك فعلى هذا القول استغفر الله بل لقد تابعت الحق الصريح والنص الصحيح والتفريق الحسن المليح. فجزاك الله خيرا كيانك واشكر الله على احسانه الذي ساقه الي على لسانك والحمدلله. المثال السابع في المسبوق الذي تابع امامه وفي الزيادة ناسيا هل يعتد بها ام لا؟ قال المستعين بالله المسبوق اذا زاد الامام في صلاته ركعة ناسية وتابع فيها فانه لا يعتد بها. والسبب في ذلك ان الامام بالاتفاق لاغية في حقه. وكذلك في حق المسبوق. فمثلا من ادرك امامه في الرباعية وقد صلى ركعتين ودخل معه ثم صلى الامام ايضا ثلاث ركعات ناسية وتابعه المأموم اهلا بالحال او بالحكم او ناسيا. فعلى المأموم اذا فرغ الامام ان يأتي بركعتين. ويكون قد صلى خمس ركعات. لان ركعة من الركعات التي ادركها مع الامام حكمنا بالغائها. وان وجودها كعدمها. وقد حكى بعض العلماء الاتفاق على هذا. فذلك ان صلاة المأموم مرتبطة بصلاة امامه. فلما لغت من الامام تبعة المأموم فلغت منه سواء الذي ادرك اول الصلاة اه او الذي فاتته. فقال المتوكل على الله اما حكاية الاتفاق على هذا فغير صحيح. فان الخلاف متحقق فيها بل القائلون باعتداد المسبوق بها اسعد باتباع الاجماع. فقد اجمع العلماء كلهم على ان من زاد في الصلاة ركعة متعمدا لما فصلى الرباعية خمسا او الثلاثية اربعا او الثنائية ثلاثا ان صلاته باطلة. وهذا الاجماع من الاجماعات معلومة بالضرورة عند علماء المسلمين وعوامهم. وهو يتناول جميع الصور. فاي شيء يخرج هذه الصورة؟ وباي دليل او وتعليل نوجب على الانسان ان يصلي الرباعية خمسا. وهو يعلم انه صلى اربعا تامات. ويؤيد هذا ان الصلاة لا تبطل الا باحد امرين اما بالاخلال بفرد من فروضها او بالاتيان بمبطل من مبطلاتها. كالكلام ونحوه فلا تبطل الصلاة كلها ولا جزء منها الا باحد هذين الامرين. وقد عدم فصح الاعتداد للمسبوق بما صلى مع امامه. ولو كانت في حق الامام. واما استدلالكم بانه لما لغت من صلاة الامام لغت من صلاة المأموم. فهذا القياس من اعجب ما يكون. انها في حق الامام لكونها زائدة على وجه السهو. واما المسبوق فانها اصلية وسر ذلك ان الذي صلى المأموم من حيث ابتدائه دخوله في الصلاة سواء التي ادركها من صلاة الامام الاصلية. ومن الزيادة التي في حق الامام او مما يأتي به بعد ذلك حكم واحد. فاذا ابتدأ الصلاة ثم تمم اربع ركعات فقد تمت صلاته وحرم عليه الزيادة عليها. لانه لم يسهو ولم يشك واما ايجاب خمس ركعات في هذه الحال فهذا لا نظير له في الشرع. وهو مخالف لما علم به الشرع فنحن معنا نصوص اجتماع عليها ومعنى الجري ايضا على القواعد المعلومة. وانتم معكم قياس من اضعف الاقيسة بل اتضح فساده مقابل للنص. فوجب فعليكم كما وجب علينا الرجوع الى ما دل عليه النص. واما قولك ان صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الامام فانما ذلك وجوب الاقتداء في الافعال لقوله صلى الله عليه وسلم انما جعل الامام ليؤتم به. وما سوى ذلك فكل من الامام صلاته تختص به كمالها ونقصها. لا يتعدى من صلاة احدهما لصلاة الاخر شيء. لم يأت به الاخر. ومما يبين غاية البيان ضعف ما ذهبت اليه وعللت به من انه اذا لغت للامام الركعة لكونها زائدة لغت في حق المسبوق ان هذا التعليل منقود باتفاق من الطرفين. وهو ان الامام اذا صلى محدثا او نجسا ناسيا لغت في حقه. ووجب عليه عادة قولا واحدا في مسألة نسيان الحدث. وكذا تقول انت في مسألة نسيان النجاسة وصحت الصلاة للمأموم. فمسألتنا اولى فمن هذه واظهر فلما وصل البحث الى هذا الموضع قال المستعين بالله لم يخطر ببالي قبل ذلك ان فيها قولا سوى والذي ذكرته لك والان فقد ظهر لي من قوة هذا القول الذي قررته ما اضمحل معه ما كنت قبل ذلك اعتقده سابقا وافتي به واقرره مطمئنا اليه محتسبا فيه الاجر والخير. وبهذا وغيره استفدت فائدة نافعة. وهو زيادة معرفة بمقادير اهل العلم ووجوب توقيرهم. لان هذا الامر قد جربته في هذا القول وما اشبهه من الاقوال التي اتضح لي بعد ذلك ضعفها وقوة ما يقابلها. فحيث عرفت من نفسي اني كنت فيها مجتهدا محتسبا اجرها. تعلما وتعليما راجيا من الله ثوابها وثواب عملي فيها. حتى بعد رجوعي عنها. فعرفت ان اهل العلم الذين ليس لي نسبة الى علمهم وفضلهم اولى مني بذلك وان مقاصدهم جليلة حسنة هذا فيما ظهر فيه خطأ القول وضعفه. فكيف بجمهور مسائل العلم التي وقع عليها الاتفاق او كانت اصح من غيرها. وبهذا ونحوه سلمت من اعتقاد من اذا بان له قول راجح قد خالفه غيره من اهل العلم وقع في قلبه نوع تنقيص لمقادير اهل العلم وغمط فضلهم فانها طريقة وخيمة وصاحبها منقوص الحظ من التوفيق فان اهل العلم لهم من الفضائل والمحاسن والمزايا ما لا يعرفها حق المعرفة الا من شاركهم في طريقهم اعمالهم حق وحاصل هذا ان نصرنا لقول على اخر لا يدل على انتقاصنا من كان يرى خلاف ما رأينا لاجتهاده. والحمد الحمد لله على هذه النعمة. المثال الثامن في صلاة المنفرد خلف الصف. قال المستعين بالله لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف لقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لفرد خلف الصف. وعموم كلامه يقتضي التعميم سواء كان معذورا بكون الصف الذي قدامه ليس فيه موضع له او كان غير معذور. فتصحيحنا لصلاته خلفه مناقض لقول الرسول الرسول يقول لا تصح صلاة الفرد خلف الصف. والمجوزون لذلك يقبلون تجوز. فان تنازعتم في شيء فرده الى الله والرسول. فالرد الى الرسول هو الرد الى سنته. والوقوف عند اقواله وارشاداته. واما استدلال الائمة الثلاث مالك والشافعي وابي حنيفة في تجويز صلاة المنفرد خلف الصف باذنه وامره للمرأة ان تقف خلف صف الرجال فليس في فيه دليل على صحة صلاة الرجل. لان الشارع صحح صلاة المرأة خلف صف الرجل. ولم يصحح ذلك للرجل. فعلينا اتباعه في الامر وقال المتوكل على الله الاقوال المعروفة في هذه المسألة ثلاثة تجويز صلاة الرجل المنفرد خلف الصف كما هو مذهب الائمة الثلاثة كما ذكرتم. وقد احتجوا بما ذكرتم. ومنع ذلك مطلقا في حال العذر وغيره. وهو قولكم للحديث ذكرتم وهو المشهور من مذهب الامام احمد رضي الله عنه. والقول الثالث وهو الرواية الاخرى عن احمد التي اختارها شيخ الاسلام واكثر تلاميذه وهو القول الصحيح التفصيل وهو انه لا تصح صلاة الفذ خلف الصف من دون عذر كما ذكرتم من الحديث وتصحيح ذلك عند العذر. كما اذا وجد الصف ملزوزا ليس فيه موضع يقف فيه. وهذا به تجتمع الادلة وهو الذي تدل عليه اصول الشرع وقواعده. ويدخل في الاصل العظيم المتفق عليه. وهو ان جميع واجبات الصلاة وشروطها المتقية عليها والمختلف فيها تجب مع القدرة عليها وتسقط مع العجز عنها ولا يستثنى منها شيء. فلاي شيء يستثنى منه وهذا الواجب وهو وجوب المصافة مع وقوع الخلاف فيه. كما ذكرنا فان كان قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن ان لم يقرأ بفاتحة الكتاب استثنى منه من عجز عنها فانها تصح صلاته. ولا يقال فيه ان من صحح صلاة العاجز فقط قد خالف قول الرسول فكذلك مسألة مصافاة. وكذلك من عجز عن القيام في الفرض او عجز عن ستر العورة او الطهارة او اقبال القبلة او غيرها لا يقال ان المصحح لصلاته في هذه الحال مخالف لايجاب الشارع لها. فان الشارع اوجب الواجبات دي كلها وذكر قواعد واصولا تقيد بها كقوله فاتقوا الله ما استطعتم. وقوله صلى الله عليه وسلم اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم. فهذه القواعد تقيد جميع الواجبات الشرعية المطلقة. وهي متفق عليها فلاي شيء يخرج منها هذا الواجب وهو وجوب المصافاة. فالقائل بصحة صلاة الفرد خلف الصف عند عجزه عن الصف وعدم صحتها عند قدرته يقال بجميع الادلة الشرعية وكان اسعد بالدليل من المانعين مطلقا والمجيزين مطلقا. لان كلامهم لابد ان يخالف دليل ومما يدل على صحة هذا القول انه قد ثبت ثبوتا لا مرية فيه وجوب صلاة الجماعة وانه لا يحل للرجل ترك مع القدرة عليها فاذا فرضنا رجلا وجد الجماعة يصلون ولم يجد في الصف موقفا. ودار الامر بين ان يترك الجماعة ويصلي وحده منفردا. وبين ان يصلي خلف الصف ويدرك الجماعة وهو يقدر على ادراكها. كان صلاته مع الجماعة الواجبة هو المتعين وليس من الاعذار المسقطة للجمعة والجماعة عجز الانسان عن وقوفه في الصف. ثم ان امر النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة ان تصلي خلف صف الرجال انما هو للعذر. وان المرأة ليس لها الوقوف مع الرجال. يدل ذلك ان الشارع اعتبر العذر وان المصاب فتسقط بالعذر والعجز من باب اولى واحرى. فقال المستعين بالله قد ظهر لي ان هذا القول هو الصحيح. لانه لا يخالف شيئا من الادلة الشرعية وهو الذي ينبني على الاصل الكبير. ان الواجبات كلها تسقط بالعجز عنها. وهذا منها والحمد الحمد لله رب العالمين. المثال التاسع امامة العاجز عن شرط او ركن. قال المتوكل على الله لا تصح امامة العاجز عن شيء شرط او ركن الا بمثله. وذلك ان عجزه المذكور اخل بصحة امامته. بقادر على ما عجز عنه. فمن لم يقدر على القيام او الركوع او السجود او الاستقبال او السترة الواجبة او نحوها لم تصح امامته بقادر عليها ويستثنى من هذا العموم سورة واحدة وهو الامام الراتب اذا عجز عن القيام فانها تصح امامته وهو جالس بالمأمومين. وينبغي ان يصلي خلفه جلوسا كما امرهم به النبي صلى الله عليه وسلم. واما امامته بمثله فلا محظور فيها لكونه عاجزا مثل امامه فقال المستعين بالله هذا القول الذي قلته لا دليل عليه من كتاب ولا من سنة ولا قياس. بل الادلة المذكورة تدل على صحة امامة العاجز عن شرط او ركن بمثله وبدونه. وممن هو قادر عليها وذلك لامور. منها ان الاصل الصحة فالمانع عليه الدليل. وما ذكرتم من عجزه فانه غير دليل على ذلك بوجه من الوجوه. ومنها ان الامر بالامامة كقوله صلى الله عليه وسلم وليؤمكم احدكم ويؤم القوم اقرأهم لكتاب الله الى اخرها وما اشبهه تناولوا ذلك القادر على الاركان والشروط والعاجز عن بعضها بمثله او بغيره. ومنها ما ذكرتم من انه صلى الله عليه وسلم لما عجز عن القيام في مرضه وصلى بالناس وهو جالس مع قوله واذا صلى جالسا فصلوا جلوسا اجمعون هو نص في المسألة فهذا صريح في انه اذا عجز عن بعض الاركان انه تصح امامته. واعتذاركم بانه خاص بامام الحي. العاجز عن القيام وحده غير صحيح. فان كلامه صلى الله عليه وسلم في امام الحي الراتب والامام غير الراتب. فان قوله واذا صلى جالسا فصلوا جلوسا يتناول كل امام. وايضا فاذا ثبتت صحة امامته بعجزه عن القيام فعجزه عن غير القيام كذلك واي فرق بين الامرين ومنها ان العاجز عن الشرط والركن اذا عذرناه وصححنا صلاته بنفسه باتفاق ناس فكيف لا تصح صلاة غيره خلفه؟ والمأموم لم يخلو بشيء واجب عليه. بل قد تصح صلاة المأموم وحده والامام عليه الاعادة كما لو صلى محدثا ناسيا فاذا كان التارك للطهارة نسيانا تصح صلاة المأموم خلفه قولا واحدا. العاجز عنها او عن غيرها من باب اولى. ومنها ان الامام لم يترك ركنا ولا شرطا فانه عند العجز عنه تسقط ركنيته وشرطيته. فلم يخل الامام بشيء. فكيف تبطل صلاة المأموم خلفه وكل منهم لم يترك لازما ولم يفعل مبطلا. ومنها ان الامام لو ترك بعض وما هو ركن او شرط او واجب متأولا باجتهاد او تقليد صحت صلاة المأموم خلفه ولو كان المأموم يعتقد لزوم ما ترك ترك الامام فاذا عذر الامام بالتأويل الذي قد يكون الصواب فيه مع المأموم. فكيف بالعاجز الذي اتفق الناس على عذره وصحة صلاته. ومنها انه لو فرضنا اثنين احدهما عالم بكتاب الله وسنة رسول الله. قارئ يحسن القراءة على اكمل ما يكون. في هذه لفظة بان كان يبدل الراء غين بان كان يبدل الراء غينا او نحوها من الحروف. والاخر امي لاعلم عنده ولا قراءة وانما هو فقط يحسن ان يقرأ الفاتحة على وجه لا يلحن لحنا يحيل المعنى. كان الواجب عندكم ان هذا الجاهل اولى من امامته ذلك العالم التقي. بل لا تصح امامة ذلك العالم لهذا الجاهل. وفي هذا من مصادمة قوله صلى الله عليه سلم يؤم القوم اقرأهم لكتاب الله ثم نقول ايضا لو كانت امامة العاجز عن شرط او ركن لا تصح الا بمثله بينها الشارع بيانا شافيا لشدة الحاجة اليها وعموم البلوى. فكيف والنصوص الصحيحة الصريحة؟ صريحة في صحتها انتم ليس بايديكم من الادلة شيء. فقال المتوكل على الله صدقت فيما قلت وقد برهنت على هذه المسألة وازلت اللبس والاشكال ولم يبق عندي في ذلك ادنى شك. لان ادلة هذا القول واضحة جلية. ولكن اخبرني يا اخي ما السبب الذي اوجب لي الجزم التام بالقول الذي كنت اقوله وهذه الادلة التي شرحتها تمر علي في كثير من اوقاتي. وانا لم ازل حريصا على تلقي العلم الصحيح وهي في طي الخفاء كأنها لم تمر علي. فقال له المستعين بالله لهذا اسباب من ابلغها نشوؤك على هذا القول واعتقادك اياه اعتقادا رسخ فيه. والاعتقاد الراسخ في القول ولو كان خطأ لا يزيله الا علم قوي وبراهين جلية ان صادفت انصافا وعدم تعصب والا فلا. ومن الاسباب اخلادك الى ترك الاستدلال وطلب البراهين. فان من اعتاد الجري على اقوال لا يبالي دل عليها دليل صحيح او ضعيف او لم يدل يخمد ذهنه ولا ينهض بطلب الرقي والاستزادة في الفكر والذهن. فاحرص يا اخي على معرفة المسائل بادلتها ومآخذها. والمقابلة بين الاقوال الخلافية. واستوعب كل دليل قيل فيها وبذلك ترتقي الى درج ومعارف وعلوم لا يوصل اليها الا بهذا الطريق. فلتكن القواعد الشرعية والاصول نصب عينيك في جميع الصور والمسائل فقل مسألة الا وتبنى على قواعد كلية وخذ نصيبا من اصول الفقه تحتاج الى بل تضطر اليه في هذا الطريق. واسأل الله مع هذا الاعانة فمن بذل المجهود وسلك الطريق المعهود واستعان بالمعبود نال المقصود المثال العاشر في حكم الصغير والمجنون هل عليهما زكاة ام لا؟ قال المتوكل على الله ليس على صغير ولا على المجنون زكاة. لانهما غير مكلفين. كما لا صلاة عليهما ولا صوم ولا حج. فوجوب التكاليف شرطها التكليف وهو البلوغ والعقل. فقال المستعين بالله بل عليهما الزكاة اذا تمت شروطها. وذلك لان النصوص الواردة في الزكاة في جميع الاموال الزكوية تتناول مال كل مسلم سواء كان مكلفا او غير مكلف. وايضا فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث سعاته لجمع الزكاة. ولم يقل لهم لا تأخذوا من اموال الصبيان والمجانين مع كثرة وجود ذلك. وايضا فان زكاة حق مالي لا فرق فيه بين الصغير وغيره كالنفقة على من تجب نفقته من زوجة ومملوك. واما قولكم ان العبادات والفرائض لا تلزم الا المكلفين فهذا مسلم في العبادات البدنية كالصلاة والصيام ونحوهما او المركبة منها ومن المالية كالحج والجهاد. واما الحقوق المالية فلا تدخل في هذا الحكم. يدل على ذلك ايضا ان الصحابة رضي الله عنهم قد ثبت عنهم وجوب الزكاة في مال الصبي. فقال عمر رضي الله عنه اتجروا في اموال اليتامى لئلا تأكلها الصدقة. فلولا وجوب الزكاة فيها لم يقل ذلك ومن جهة المعنى وهو انه لم تجب على غير المكلف العبادات البدنية لضعف عقله وبدنه بخلاف مالية فان ما له كمال غيره تام الشروط لا مانع فيه. فقال المتوكل على الله قد رجعت الى هذا القول لانه ظاهر النصوص الشرعية ونظير النفقات الشرعية. والمقصود من الزكاة واحد وهو سد الحاجات وقيام المصالح العامة. وذلك موجود سببه في مال المكلف وغير المكلف والحمدلله. المثال الحادي عشر في زكاة الدين. قال المستعين بالله تجب الزكاة في الديون كما تجب في الاعيان. ولا فرق بين الدين الذي على مليء باذل. والذي على غيره ولا بين الدين المرجو حصوله الميؤوس منه الا انه لا يجب على الانسان الاعطاء حتى يقبضه. فلو مضى سنون كثيرة ثم قبضه زكاه لما مضى والدليل على هذا عموم النصوص الدالة على وجوب الزكاة في كل مال زكوي من غير تفريق بين الذي هو مرصد عند المال وبين ما هو عند الناس. او في ذممهم فكله داخل في العمومات. فلأي شيء تخص بعضه دون بعض. والادلة لم تخصص منها شيئا يؤيد هذا ان معاملات الناس متنوعة. فقسم كبير منها هو الديون. فلو لم توجب فيها زكاة لتعطل قال هذا النوع منها ولا قائل بذلك على وجه الاطلاق. وانما نهاية من يقول ان يخصص بعض الديون ويخرجها من ايجاد فيها والاصل عدم اخراجها. وقال المتوكل على الله الديون نوعان نوع فيه الزكاة. وهي الديون التي يتمكن تصاحبها من قبضها لملاءة من هي عليه وبذله. فهذا النوع هو الداخل في الادلة التي ذكرتم لما قررتم. وانه تناولوا العمومات كقوله والذين في اموالهم حق معلوم. وقوله خذ من اموالهم صدقة. وقوله صلى الله عليه عليه وسلم تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقرائهم. فهذا النوع لا يشك احد في دخوله في هذه النصوص وشبهها والنوع الثاني في الديون التي لا قدرة لصاحبها عليها كالديون التي على المعسرين وعلى المماطلين الذين لا يمكن اخذهم ذو الحق منهم لا بولاة ولا بغيرهم. والديون المجحودة ولا يمكن صاحبها اثباتها. وما اشبه ذلك فهذا النوع الصواب انه لا زكاة فيه. وتعرف صحة هذا القول بتقرير اصل نافع. وهو ان الشارع انما اوجب الزكاة مواساة ودفع حاجة عامة او خاصة على من لهم اموال يتمكنون من التصرف فيها وتنميتها. وهذا يدخل فيه من لهم اموال موجودة تحت ايديهم ومن لهم ديون يتمكنون من قبضها. فاما من له دين عند معسر فقير عاجز عن قوت نفسه قد ايس من حصوله او نحوه من كل دين يعجز صاحبه عن تحصيله فهذا ليس محلا للمواساة فهو والفقير الذي ليس عنده مال في هذه الحال واحد. فاذا قلتم اننا لا نوجب عليه الدفع حتى يقبضه. وانما تجب الزكاة عليه. قلنا ايجاد الزكاة عليه في مال عاجز عنه وعن الانتفاع به لم يرد به شرع ولا يقتضيه قياس ولا ميزان عادل. ثم اذا فرضنا انه قبضه وبعد سنين طويلة فاذا حسب سنيه الماضية وقدر زكاتها فربما استوعب هذا المال كله فلا يرد الشرع الذي لا يرهق الخلق وعسرا ولا شططا بايجاب الزكاة بمثل هذا المال. وايضا فاذا علم من له الدين ان عليه زكاة الدين الذي على المعسر ضيق عليه الخناق وشدد عليه وارهقه من امره عسرا. يقول كيف يجتمع علي الانذار والصبر؟ ثم اذا حصل بعد لاتيا والتي اخرجت زكاة ما لم انتفع به. يؤيد هذا القول ان الشارع لم يوجب الزكاة في الاموال التي يقتنيها الانسان بيته واثاث بيته ودابته وخادمه ونحوه من حاجاته. وذلك لصرفها عن النماء والانتفاع بالتجارة. مع انه يمكن الانسان الدفاع بها وبيعها والتوسع بها. فكيف لا يوجب الشارع الزكاة في هذا النوع؟ ويوجب في الديون التي لا يتمكن من الانتفاع بها من كل وجه وقد يحصل اليأس منها يؤيد هذا انه لو فرض ان شخصا ليس له مال الا هذه الديون التي قد يتعذر عليه اخذها واستحصالها لم يعده الناس غنيا. لان الغني هو الذي اغتنى بماله عن الخلق. فلا يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقرائهم. يؤيد هذا انه لو كان له مال كثير من هذه الديون المتعذرة وليس له مال موجود يدفع حاجته جاز له الاخذ من الزكاة. ولم تكن الاموال التي في ذمم المعسرين تمنعه من الاخذ من الزكاة. ولو بلغ من الكثرة ما بلغت فعلم بذلك انه لا يحصل بها الغنى الموجب للزكاة والمانع من اخذ الزكاة فليس غنيا لا شرعا ولا عذرا وايضا في حكمة الشارع ايجاد الزكاة في الاموال النامية والمهيئة بذلك كالمواشي من الابل والبقر والغنم اذا للدر والنسل والتسمين. بخلاف ما اذا كانت للعمل كالحبوب والثمار وكالنقضين والعروض المعدة للبيع والشراء. فالديون التي يتمكن صاحبها منها تدخل في الاموال النامية والمهيئة لذلك. والديون التي لا يتمكن منها لا تدخل تحت هذا النوع وهذا ظاهر بين جلي. فقال المستعين بالله الان ظهر قوة هذا القول ووضحانه وانه هو القول الموافق للشرع الموافق للعقل والفطر والحمد لله رب العالمين. المثال الثاني عشر في حكم العقود المعلقة بشرط. فقال المتوكل على الله العقود المعلقة على شرط لا تصح ولا تنعقد بخلاف الفسوخ. انه يصح تعليقها وبخلاف عقود اياد فانه يصح تعليقها. والدليل على انه لا يصح تعليق العقود ان مقتضى العقد انتقال الشيء من العاقد الى المعقود معه مع تعليقه بالشرط يمنع الانتقال في الحال وفي المآل على خطره. هل ينتقل او لا؟ وهذا بخلاف عقود الولايات انه ورد عن النبي صلى صلى الله عليه وسلم تعليقها في قوله اميركم زيد فان قتل فجعفر فان قتل فعبدالله بن رواحة وكذلك الفسوخ لان الحل لا اسهل من العقد فدخلته المسامحة لسهولته. فقال المستعين بالله يصح تعليق العقود كما يصح تعليق فسخها وكما يصح تعليق بعضها عندكم والذي يدل على القول بالصحة ادلة كثيرة. منها امر الشارع بالوفاء بالشروط والعقود والمعاملات والمسلمون على شروطهم الا شرطا احل حراما او حرم حلالا. ومنها ان الاصل في المعاملات كلها اصلها وشرطها وجميع ما تعلق بها الاصل فيها الحل والاباحة الا ما دل الدليل الشرعي على منعه. وتعليق العقود داخل في هذا الاصل كما دخل فيه تعليق فسخها. ومنها انه لا محظور في تعليق العقود ولا دخول في امر محرم ولا خروج عن امر لازم. وانما فيه مصلحة العاقد حيث علقه وعلى شرط يقصد انه ان تم لزم والا فلا. ومنها انه ثبت تعليق العقود ثبوتا لا شك فيه. كما ذكرتم في الحديث الصحيح اميركم زيد الى اخره. وما الفرق بين تعليق الولايات والوكالات ونحوها؟ وبين تعليق البيع والاجارة ونحوهما. وقد ثبت عن جنس تعليق المعهود ومتى ثبت في فرد او نوع من الجنس ثبت في جميع الجنس الا لفارق شرعي وانى لنا بذلك ومن انكم وافقتم على تعليق الفسوخ. وانه لا محذور فيها وما ثبت في الفسوخ ثبت في العقود الا لدليل. فكما انه لا يعقد الا جائز التصرف لا يفسخ الا جائز التصرف. وكما يشترط الرضا في العقود يشترط الرضا في الفسوخ الاختيارية الا ان دل دليل على اختصاص احدهما بحكم دون الاخر. وها هنا لم يثبت اختصاص جواز ذلك في الفسخ دون العقد. ومنها ان الممنوع منه من العقود ما فيه فيه غرر او ربا او ظلم واذا كان التعليق لم يتضمن واحدا من هذه الامور ولا غيرها من المحاذير فاي مانع يمنع منه. واما قولكم ان مقتضى العقد انتقال الشيء من العاقد الى المعهود معه والشرط ينافيه فان اردتم ان ذلك مقتضى العقد المطلق حيث لم يقيد بشيء هذا صحيح وكل الشروط وانواع الخيال لا تدخل في هذا الاطلاق. فكذلك التعليق. وان اردتم ان هذا مقتضى العقد في كل حال الا قائل بذلك فانه يصح استثناء الانتفاع والمعقود عليه مدة ويصح شرط الخيار ويصح تأجيل الثمن او المعقود عليه. وكل اتمنع انتقاله حالا الى المعقود معه فكذلك هنا يؤيد هذا ان شرط الخيار في العقود هو في الحقيقة تعليق للعقد لانه ان تم انه الشرط العقد انعقد وتم والا فهو مفسوخ. وما الفرق بين هذا وبين هذا؟ ومنها ان كل امر فيه مصلحة للخلق من دون قارة راجحة ان الشارع لا ينهى عنه بل يبيحه وتعليق العقود من هذا الباب فان فيه مصالح متنوعة. المثال الثالث عشر في حكم رهن قال المتوكل على الله الرهن من جملة الوثائق الاربع التي جعلها الشارع حفظا للحقوق. وهي الرهن والضمان والكفالة والشهادة. الثلاثة الاول يستوفى منها الحق. والشهادة يستوفى بها الحق. تمام التوثيقة فيها ان تكون تامة كاملة. وذلك بان يكون الرهن يكفي الحق ويكون مقبوضا وبذلك يحصل به التوثيقة التامة فان كان اقل من الحق او كان غير مقبوض فانه رهن صحيح وهو اقل توثقة من اول بمقداره او كيفيته. لانه اذا كان اقل من الحق كان توثقة ببعض الحق لا بكله. وان لم يكن مقبوضا كان عرضة للانكار وعرضة للاخفاء. هذا هو مقتضى العدل والمصلحة. وهو مقتضى ما دلت عليه الادلة الصحيحة. وهو الموافق غاية الموافقة لمصالح الناس وقضاء حاجاتهم ودفع اضرارهم فان الله تعالى امر بالوفاء بالعقود والشروط. وامر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. واخبر ان المؤمنين على الا شرطا احل حراما او حرم حلالا. الرهن المقبوض وغير المقبوض داخل في ضمن ذلك. حيث شرط ان يكون في يد احدهما وليس في في ذلك محذور اصلا، بل في ذلك مصلحة كبيرة، فان الانسان يعامل انسانا اخر ويستدين منه ويحتاج الغريم الى وثيقة يتوثق بها لحق والمستدين ليس عنده الا اعواض ما استدان من غريمه وهو مضطر الى العمل فيها كالحراث والجمال ونحوهما. وذاك لا يعامله الا برهن ما فتحت يده والاخر لا يتمكن من العمل والاعتياش الا ببقاء عين الرهن تحت يده فهو ضرورة في حقه ومصلحة في حق غريمه والتراضي في بين الطرفين حاصل والعقد قد تقرر بينهما. فالشارع لا يجعل هذا النوع جائزا لا لازما. بل الشارع يراعي مصالح الخلق ومنافعهم ولو عرف المستدينون ان هذا الرهن لا يلزم الوفاء به لفسخه اكثر المستدينين. ربما عقدوه مع غير الاول فيحصل من الخداع والظلم ضرر ما لا تجيزه الشريعة. وايضا فان العقود والشروط بين الناس الاصل فيها الجواز وجريانها على ما اتفق عليه المتعاملون. فان اتفقوا على قبض وصار لازما. وان اتفقوا على ابقائه بيد الراهن بقي في يده وكان لازما. ولهذا اضطر كثير من البلدان على العمل بهذا القول ما يرون من الضرورة والمصلحة فيه. وهذا كما انه مقتضى الادلة الشرعية فانه موافق للفطر وعقول العقلاء. وما رآه المسلمون حسنا فهو عند والله حسن وما رأوه قبيحا كان عند الله قبيحا. وقال المستعين بالله لا انكر ما ذكرته من المصالح والمنافع في هذا القول كذلك لا انكر ادخاله في العمومات الدالة على وجوب الوفاء بالعقود والشروط. ولا انكر ايضا ما في الاخلال به من الاضرار والمفاسد. ولكن قال الله تعالى ان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة. فهذا نص صريح على ان القبض شرط للزوم عقد الرهن. الرهن ان كان مقبوضا كان رهنا لازما وان لم يكن مقبوضا كان رهنا صحيحا لكنه غير لازم كما دلت عليه الاية الكريمة. فقال المتوكل على الله حيث بالبراهين التي سقناها على وجه التنبيه والاختصار انما بقي في قلبك ان الاية الكريمة دلت على وجوب القبض وانه شرط للزوم وهبت عارضت الاية الكريمة حيث ظننتها دالة على ما ذكرت فهذا الطريق الذي سلكته نعم الطريق وهو الواجب على كل احد انه اذا اعتقد دلالة نص على حكم من الاحكام انه لا يعارضه بقول احد من الناس كائنا من كان. ولكن الاية الكريمة لا تخالف ما ذكرنا من الادلة والبراهين انبئك عن ذلك. اولا ان تعلم ان الله تعالى ذكرها في سياق حفظ الحقوق. وذكر اعلى ما يكون من الحفظ. فذكر الشهادة شهادة الرجلين فان لم هنا رجلين فرجل وامرأتان انتقل الى الثاني عند تعذر الاول وهو طريق للحكم ولو مع امكان اشهاد رجلين يؤيده انه ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد مع اليمين مع انه لم يذكر في الاية الكريمة لان الله ذكر اعلى واكمل ما يحفظ به الحقوق. فكذلك الرهن الله اعلى حالة تكون وهو قبضه لان المقام يقتضي ذلك لكون المتعاملين في سفر ولم يجدوا كاتبا فلو كان رهنا غير مقبوض لكان عرضة للانكار ولم تحصل فيه التوثقة. فكون الاية على هذا الجواب قد دلت على كمال هذه التوثيقة بالقبض وتكون النصوص الاخر التي لها دالة على انه يكون رهنا لازما مقبوضا كان او غير مقبوض. فنعمل بالدليلين ولا نخالف واحدا منهما. ثانيا ان قوله رهان مقبوضة تدل دلالة بينة ان الرهن تارة يكون مقبوضا وتارة لا يكون مقبوضا وهو رهن في الحالين الا ان احدهما اكمل من الاخر. ثالثا انكم تعترفون انه يكون رهنا سواء كان مقبوضا او غير مقبوض. ولكن تقولون ان كان مقبوضا كان رهنا اللازمة وان لم يكن مقبوضا كان رهنا جائزا. والاية الكريمة لم تفرق بين الامرين. فباي شيء تستدلون على هذا الفرق؟ وهذا امر بين لو تدبرتموه وتدبرتم الاية لعرفتم ان دلالتها على القول الذي نصرناه ابلغ من دلالتها على ما قلتم فانها لم تدل على ما قلتم من هذا هذا التفريق لا نصا ولا ظاهرا ولا اشارة ولا منطوقا ولا مفهوما. وقال المستعين بالله لقد زال ما في قلبي من الاشكال وصارت المسألة من اوضح الواضحات اعتقدت الان ان ما قلتم هو القول الذي يجمع الادلة المتنوعة ويحصل فيه راحة الخلق ومصالحهم. ولهذا كنا سابقا ان الرهن لا يكون لازما الا بالقبض ونعمل بخلاف ما نعتقد لان الضرورة تلجأنا الى ذلك ونعتذر عن هذا التناقض بان تبيح المحرمات. الان قد اطمئن القلب للحق الذي لا شك ولا مرية فيه. الحق من علاماته احداث الطمأنينة في القلب. ومن علاماته ان يتتبع مصالح الخلق ومنافعهم فيبيح لهم كل ما فيه نفع خال من الضرر او نفعه اعظم من ضرره ومن علامات الحق انه يدفع الظلم الظلم والمكر والخديعة وسوء المعاملة بكل طريق. والحمد لله رب العالمين. المثال الرابع عشر في الاختلاف عند من حدث العين اذ قال المتوكل على الله اذا اختلف البائع والمشتري عند من حدث العيب فالقول قول المشتري بيمينه وذلك لان الاصل عدم القبض في الجزء الفائت وهو الذي يقابل العيب ان لم يخرج المبيع عن يد المشتري المشاهدة. فقال المستعين بالله هذا القول الذي قلته لا دليل عليه ولا عمل عليه بل القول قول البائع لانه منكر والمشتري مدع للعيب. والبينة على المدعي واليمين على من انكر. ايحلف البائع انه لا عيب فيه في وقت العقد او انه لا يعلم فيه عيبا ويؤيد هذا ان مع البائع اصلا اخر وهو ان الاصل السلامة فمتى ادعى المشتري انه معيب وقته العقد فقد ادعى خلاف الاصل فلا يقبل الا ببينة. وقولكم الاصل عدم القبض في الجزء الفائت كلام غير معقول. فما هو الجزء الفائت يقولون ان الجزء الذي يقابل الثمن يعني بذلك النقص الذي اعتار المعيب لسبب العيب وهل الخلاف الا في هذا النقص الذي نقول ان الاصل لم يفت من المبيع عينا ولا جزءا محسوسا ثم انكم اعترفتم بضعف هذا القول وقلتم اذا خرج عن يده المشاهدة لم يكن القول قولا لا المشتري لاحتمال حدوثه وقت خروجه عن يده وقد علم ان يد نائبه من وكيل او مستحفظ ونحوه كيد نفسه فلو كان جانب المشتري راجحا لم يكن فرق بين الامرين فهل عندك غير هذا الدليل؟ قال المتوكل على الله ليس عندي سوى ما ذكرته وقد بان لي ضعفه ورجحان ان القول البائع لموافقته الاصلين ولانه يندفع بذلك ايضا ما قد يقع من المشتري حتى يتسبب لتعييه لاجل الرد. فالحمد لله على البيان الله ولي الاحسان. المثال الخامس عشر في المصالحة عن الدين المؤجل ببعضه حالا. قال المستعين بالله لا تجوز المصالحة بحثوا عن الدين المؤجل ببعضه حالا كمئة دين تحل في رمضان وتصالحه عنها في ربيع بتسعين مثلا ووجه المنع انه قياس على تأجيل ما حل باكثر منه مؤجلا وهو الربا الذي اجمع المسلمون على منعه لانه جعل الزيادة في مقابلة زيادة المدة ونظيره اسقاط الزيادة في مقابلة المدة. وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما كراهة ذلك. وقال المتوكل على الله لا بأس بالمصالحة عن الدين المؤجل ببعضه حال. وقد روي جواز ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما. والدليل على هذا ان الاصل في جميع المعاملات الحل. فلا يمنع انها الا ما منعه الله ورسوله. ولم يأت حديث صحيح او محتج به يمنع من هذا. والاثار عن الصحابة مختلفة منهم من كره ذلك كابن عمر مرة ومنهم من اباحه كابن عباس وغيره فهي مسألة نزاع. ويتعين ان تنزل على الادلة الشرعية والقواعد المرضية. وقد ذكرنا ان الاصل وانه لا دليل على المنع. واما قياسكم هذا على تأجيل الحال بزيادة فما ابعد هذا القياس واشده مباينة بين المقيس والمقيس عليه فان التأجيل زيادة في المدة وزيادة فيما في الذمة. فيأكل الانسان الربا اضعافا مضاعفة. وتشتغل الذمة اشتغالا يخشى ان تنوء به هذا الحمل الثقيل واما المصالحة على المؤجل ببعضه حالة فهو معاكس لذلك من كل وجه فانه تعجيل لوفاء ما في الذمة وتخفيف وتقليل للكثير ونقص في المدة لنقص الواجب فاي محظور في هذا بل فيه مصالح متعددة فانه قد يحتاج من عليه الدين للاسراع بوفاء ذمته اما لوجود نقود ومال عنده يخشى ان انتظر الاجل اضمحلاله في امور اخرى واما حاجة لسفر طويل يحتاج ومن له الدين للاسراع بوفائه خشية حيلولة الغيبة عن الوفاء او مبادرته. واما ان يحتاج المدين لانتقال من غريم لاخر. والاستبدال الاول بمعامل جديد واما لغير ذلك من المصالح. ومن اعظم الحاجة انه قد يتوفى من عليه الدين فيحتاج الورثة الى تخليص الديون مؤجلة ببعضها حال لعدم رغبتهم في الاستدانة او لسرعة تخليص ميتهم من الديون. وفي هذه الاحوال قد يكون صاحب الدين راغبا اذا اتفق الجميع على ذلك فلا مانع منه ولا محذور منه. ولهذا المانعون من جوازه كثيرا ما يضطرون الى التحايل الى ذلك بحيل باردة ولكن ولله الحمد ام يحوج الشارع احدا في المعاملات الى حيلة ولا غيرها. بل فسح للعباد كل معاملة نافعة صالحة للخلق ماذا قال عليه الصلاة والسلام في قصة بني النضير ضعوا وتعجلوا وهذا نص في المسألة. فقال المستعين بالله وما ادراك انه قد وقعت معاملة مع مديني واحتجت ان اصالحه عن المؤجل ببعضه حالا. وفي اعتقادي انه لا يجوز. فدللنا على حيلة باردة لا تتمشى على اصل من الاصول وكنت مشمئزا منها في تلك الحال ولكن حاجة المعاملة اضطرتني اليها وهو انه قيل لنا اتفق انت ومدينك على ان يدينك سلعة ويبيعها عليك مؤجلة الى الاجل الذي عليك. ويكون ما في ذمتك يماثل ما في ذمته. فاذا ثبت له في ذمتك ما ثبت لك في ذمته وتماثلا اجلا وجنسا ونوعا فتقاصى وتساقطا وبذلك يحصل المقصود. وقال المتوكل على الله لهذا اكبر دليل على ضعف هذا القول فان الاثم ما اشمأز له القلب واشمأزت له النفس. وهذه حيلة باردة لا تروج على احد من الخلق فكيف تروج على علام الغيوب ولا تتأتى على مذهبكم فانكم تمنعون كل حيلة يتوسل بها الى فعل ما لا يجوز. وهذا لا يجوز عندكم فان هذا استدانة لم تقصد وكيف يكون الفقير المعسر دائما لك وبائعا عليك سلعة قد اجل عليك ثمنها وانت لا تستدين من الاغنياء لا قليلا ولا كثيرا فكيف بغريمك المستغرق ولكن القصد من هذا كله تحيل على المصالحة عن المؤجل ببعضه حالا. وقد نانا الله عن ذلك. وقال المستعين بالله قد رجعت كل الرجوع الى جواز ذلك. واستغفر الله عن وقوعي في تلك الحيلة التي لو سئلت عنها في ذلك الوقت وقيل لي هل تجوز لم اتجاسر على تجويزها ولكن الطمع له اثار غير حميدة والحمد لله رب العالمين. المثال السادس عشر في الشفعة. قال المتوكل على الله الشفعة شرطها الفور. فلو اخر الطلب بعد علمه من غير عذر سقطت دفعته لقوله صلى الله الله عليه وسلم الشفعة كحل العقال. وفي حديث اخر الشفعة لمن واثبها. ولانه اذا اخرها تضرر المشتري والضرر لا يزال بالضرر. فقال المستعين بالله بل الشفعة حق من جملة الحقوق. لا تسقط الا باسقاط صاحبها او بما يدل على رضاه فان الشارع اثبته اه واتفق العلماء على اثباتها فهي من الحقوق المجمع عليها وهي ثابتة لصاحبها فطريقها طريق سائر الحقوق ولو كانت للفورية مع شدة الحاجة الى بيانها لبينها الشارع. واما الحديثان اللذان ذكرت غير محتج بهما على حكم شرعي. واما تعليلك بان ما في التأخير تضرر المشتري فلسنا نقول انه يمكن الشفيع من استمراره على السكوت. ولكننا نقول اذا علم بالبيع فتأخيره الطلب لاجل النظر الحظ والمراودة والمشاورة وما هو يقدر عليه في الثمن. وحالة المشتري هل يرغب في شركته ام لا ونحو ذلك من الاغراض التي شرعت الشفعة لتحصيلها غير مسقط لحقه. فالجائكم للشفيع وعدم اعطائه الفرصة غير مناسب لما شرعت له الشفعة. فكما شرع الخيار ونحوه يتروى الانسان وينظر في اي الامرين يجزم به وشرع غيره من الحقوق فكذلك الشفعة. وايضا فالقاعدة الكلية ان جميع الحقوق لا تسقط والا بالرضا باسقاطها بما يدل على الرضا. فلاي شيء نخرج من هذا الحق المتأكد ولكن الناس اكثروا من الحيل لاسقاطها. وجعلوها فورية لا فرصة للانسان فيها كأنها حق شبيه بالصائل الذي يراد دفعه بكل طريق. اما الامر الشرعي فهو الجد والاجتهاد في في تنفيذ الحقوق الشرعية ومقاصد الشارع بكل طريق. وقال المتوكل على الله قد بان لي ان هذا القول هو الحق. وكنت في ريبة من القول الذي نصرته اولا لكثرة التفاريع التي ذكرها الفقهاء رحمهم الله في التضييق على الشفيع والاخذ بخناقه فالحمد لله على وضوح الحق الذي يطمئن له القلب وتنشرح له النفس. والله اعلم. المثال السابع عشر في المحلل في المسابقة. قال المستعين بالله شرط اخذ العوض في مسابقة الخيل والابل والسهام ان يكون فيها محلل لا يخرج شيئا يكافئ في مركوبه ورحبة المتسابقين. والسبب في ذلك لاجل الخروج عن شبه القمار لانه اذا لم يكن محلل فان كان كل واحد اما ان يغنم واما ان يغرم ففيه خطر وقمار وميسر فلا بد من المحلل الذي يخرج المسابقة في هذا الموضوع هذا مقصدها وموضوعها. يؤيد هذا حديث ابي هريرة مرفوعا من ادخل قال فرسا بين فرسين وهو يأمن ان يسبق فلا بأس. ومن ادخل فرسا بين فرسي وهو لا يأمن ان يسبق فهو قمار. رواه احمد وابو داوود ولكن اسناده ضعيف وهو يصلح للاعتضاد. الله تعالى قرن بين الميسر والخمر. الميسر جميع المغالبات التي فيها عوض من غير استثناء. كما ان هذا مقتضى السلامة من الخطر والميسر فهو مذهب جمهور العلماء. فتعين القول به. قال المتوكل على الله ثبت ثبوته فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا سبق اي اخذ عوض الا في مسابقة الخيل والابل والسهام ولم يشترط في ذلك محللا. ولو كان المحلل شرطا لذكره لشدة الحاجة اليه. وعظم البلوى فيه. ولذلك المسابقات الجارية في وقت الخلفاء الراشدين على كثرتها واعتناء المسلمين بها لم يثبت اشتراطهم فيها للمحلل. والحديث الذي ذكرته هو ضعيف كما ذكرته. لا يصح ان يعارض الاحاديث الصحيحة ولا العمل المستمر في القرون المفضلة. اما قولكم ان هذا هو الميسر الذي حرمه الله تعالى. الشارع صرح باستثناء هذا النوع وهو اخذ العوض في مسابقة الخيل والابل والسهام لعظم مصلحته واعانته على تعلم الرماية والركوب المعين على الجهاد الذي هو اكبر العباد سادات وانفع الطاعات. فهو وان كان فيه مفسدة يسيرة من جهة القمار ومصلحته تربو على مضرته باضعاف مضاعفة. وهذا شأن الاحكام الشرعية ان ما كانت مصلحته ترجح على مضرته فان الشارع يبيحه ويأمر به. يؤيد هذا ان المتسابقين بقطع النظر عن المحلل او كان المحظور من اخذ العوض كونه قمارا فان هذا لا يخرجه عن القمار فالخطر حاصل اما ان يغنم احدهما واما ان يغرم اما ان ان انفرد بالسبق او شاركه المحلل واما ان يغرم ان سبقه احدهما. المحلل لا يخرج المسألة عن المحذور التي توهمتم. يؤيد هذا ان المحلل ظلم للمتسابقين او تحيل بارد فانه ان كان مكافئا لهما ان تورعا وتكلفا احتمل ان يسبق فيفوز طب السبقين او يشارك احدهما من غير مقصود لمغالبته وهو من باب اكل المال بالباطل لان القصد في المسابقة في الرمي والركوب غالب متسابقين فقط. المحلل ليس له غرض في مغالبته وقهره. ولا له ايضا غرض في ذلك. وانما غرضه فقط اخذ العوض هو مخالف لموضوع المسابقة وان كان المحلل غير مكافئ لهما كما هو الغالب الذي لا يسمح اكثر المتسابقين الملتزمين للمحلل الا جعله واقل منهما بكثير. كان ذلك تحيلا باردا لا يفيد شيئا. فثبت ان المحلل غير شرط في اخذ العوض بل ولا محمود. وانه من اعظم الموانع لمقصود المسابقة اذا التزم بشروطه المذكورة عندهم. فقال المستعين بالله الحق ما قلت وانا قد جرت لي هذه المسألة والتزمت بالمحلل وتقيدنا بجميع شروطه وانه يكون معه فرس مكافئ لفرس وفرس من سابقته. فلما تمت بيننا الشروط ونحن على مضى واغماض من هذا المحلل فتح لنا بعض الحاضرين حيلة اخرى فقال لو انكم تجعلون المسابقة نوبا متكررة فمرة يكون المحلل هذا الذي اتفقتما عليه والمرة الثانية يكون المحلل صاحبك. والمحلل الاول احد المتسابقين المخرجين للسبق. والمرة الثانية تكون كونوا انت وقلنا ويصلح هذا؟ قال لا مانع ففرحنا بذلك. اذ يكون المحلل مساويا لنا في هذا الحظر. وقال المتوكل على الله هذا التحيز لا يتمشى على قولكم من وجهين احدهما انه حيلة ظاهرة بل صريحة على منع التحليل. والثاني انه باستكمال النوبات الثلاثة رجعت المسألة الى المعنى الذي منع المسابقة من دون محلل. وايضا فان منها محظورا ثالثا. وهو انه شرط عقد في عقد لان انكم لم تعقدوا العقد الاول الا بشرط التزام بالعقود الاخرى فانتم فررتم من محذور فوقعتم في عدة محاذير ولا سبيل الى السلام قامة الا بالعمل بالقول الذي نصرناه. فقال صدقت وحصلت الموافقة من كل وجه. والحمد لله رب العالمين. المثال الثامن عشر الجد مع الاخوة في الميراث. قال المستعين بالله اذا مات الميت عن جد لاب واخوة لغير ام. اشتركوا في الميراث لكن لا على سبيل المماثلة بل الجد هو المخير بين المقاسمة كاخ مثلهم وبين اخذ ثلث المال ان لم يكن معهم صاحب فرض فان كان معهم صاحب فرض خير ايضا بين المقاسمة وبين اخذ سدس جميع المال وبين اخذ ثلث الباقي. واذا لم يبق الا السدس اخذه وسقط الاخوة والدليل على هذا ان هذا قول زيد ابن ثابت رضي الله عنه ووافقه على ذلك بعض الصحابة والائمة الثلاثة مالك والشافعي واحمد في المشهور عنه ووجه اشتراكهم ان الجد والاخوة كلهم مدلون بالاب الجد ابوه والاخوة بنوه فهذا وجه واما وجه ان له الحظ الاوفر والتخيير السابق فلا ادري ما وجهه. وقال المتوكل على الله بل اذا وجد الجد اسقط جميع اخوة وهو مذهب ابي بكر الصديق وابن عباس وغيرهما من الصحابة كما هو مذهب الامام ابي حنيفة واحدى الروايتين عن الامام احمد وهذا القول هو الذي تدل عليه الادلة. فان الله تعالى سمى الجد ابا في عدة ايات. قد اجمع العلماء على ان حكمه حكم الاب في ابواب بالمواريث وغيرها الا في العمريتين لسبب معروف. فما الذي يخرج مسائل الجد والاخوة فاذا عدم الاب وما الجد مقامه في الميراث اقفي مع الام والجدات ومع الاولاد واولادهم من ذكور واناث ومع الحواشي كلهم فلاي شيء لا يحجب جميع الاخوة والاب يحجبهم ويدل على هذا ان جهات العصوبة في الفرائض منضبطة فكل جهة قريبة تحجب ما بعدها. وكل جهة من الجهات متسلسلة من طريق واحد البنوة وان نزلوا جهة والابوة وان علوا جهة وبنوا الاب وهم الاخوة لغير ام جهة وان نزلوا وبنوا الجد وبنوهم الاعمام وبنوهم جهة وان نزلوا وهكذا فما الموجب لاخراج هذه المسألة وجعل الجد مع الاخوة جهة وافراد الاب وحده بجهة وافراد بني الاخوة جهة غير جهة ابائهم. وهذا ظاهر جدا على هذا الاصل. يؤيد هذا ان الدليل الذي استدللتم به وهو قولكم ان الجد والاخوة مدلى هنا من الاب متساوون في ادلائهم فاشتركوا فهذا دليل عليكم لا لكم لا تضطردونه. فلا تقولوا ان جد الاب يساويه ابن الاخ بل المال للاول وهو الحق وهنا قد استوي في القرب من الاب الجد ابو ابيه وابن الاخ ابن ابنه لان نسبة الجد اليه كنسبة ابن الاخ عليه وهذا بين ظاهر يؤيد هذا ان من اعظم البراهين على صحة القول انضباطه ويسر معرفته والعمل به ولا يخفى ان جعل الجد ابا وحجب الاخوة به والقول المنضبط المتيسر فهمه. بل البسيط كما انه في الادلة على ضعف القول عدم انضباطه وجريانه على اعد الشرعية والاصول المرضية ولا يخفى ما في قولكم هذا من الارتباك والتناقض. فتارة تقولون له ثلث المال كله. فتفرضون فرضا لم يفرضه الله ورسوله ان الاب والجد عند عدم الاولاد ليس لهم فرض وانما هم عصبة وتارة تقولون يقاسم الاخوة كانه اخ معهم وليس في الفرائض عاصبان كل واحد من جنس يشارك الاخر وتارة تجعلون له السدس وتارة ثلث الباقي. وقد اعترفتم بحيرة في هذه التقديرات التي لم يدل عليها دليل. وتارة تجعلونه يعصب الاخوات. وتارة تفرضون للاخت معه في الاجدرية ثم وتكبرون عليها ما فرضتم فتعود معه الى التعصيب. وانما هو فرض حرمتم به الزوج والام من تمام فرضها. وقد اجمع العلماء ان كل مسألة فيها عاصب لا عول فيها وهذه المسألة من هذا الباب عالت وفيها عاصم ان الجد والاخت اخذ الباقي تعصيب الاول اسم بلا مسمى. فما الذي اخرج هذه المسألة من الاجماع؟ ومن عجائب هذا القول انهم يعادون الاخوة للاب مع الاشقاء على الجد يزاحمون بهم الجد لاجل تنقيص حقه ثم يأخذ الاشقاء ما حصل لولد الاب هذا ليس له نظير يفرض لشخص تسمى له نصيب. يكون ذلك النصيب لغيره. فمن تأمل هذه التفصيلات العجيبة المخالفة للنصوص والقواعد والفرائض التي لا اساس ليس لها ولا اصل صحيح ولا ضعيف ترجع اليه. تيقن يقينا ضعف هذا القول. وصواب القول الذي دلت عليه الادلة المتنوعة ان جد حكمه حكم الاب وهذا هو المطلوب. وقال المستعين بالله قد جزمت بضعفه في اول ما برهنت عليه قبل ان تستكمل بقية الادلة فواحد مما ذكرته كاف والباقي نور على نور. والحمد لله على فضله واحسانه. المثال التاسع عشر في حكم العيوب في النكاح. قال المتوكل على الله العيوب في النكاح معينة مخصوصة كعيوب الفرج والجنون والجذام والبرص والبخر والقرع وما سوى ذلك ليس من العيوب. الا يثبت للزوج الاخر الفسخ بعيب غير المذكورات ووجه انحصارها انها مروية عن الصحابة رضي الله عنهم فنقتصر عليها لان الاصل العصمة فلا نمكن الاخر من الفسخ الا بدليل. وقال المستعين بالله العيوب في النكاح كل عيب ينفر الزوج عن الاخر ويمنع المقصود. فمنها العيوب التي ذكرت ومنها الخرس والصمم وقطع اليدين والرجلين او احدهما. ومن العقم ومنها كل شيء يمنع المقصود من النكاح. هذا هو الذي ينبني على الاصل في جميع العيوب. فكل عيب في شيء فانه المانع المقصود وثمرته وفائدته واين البخر والقرع من الخرس والصمم وقطع اليدين والرجلين وقولكم انه مروي عن الصحابة فما روي عن الصحابة رضي الله الله عنهم فانه يثبت الحكم به وبنظيره وبما هو اولى منه بل قد روي عن بعضهم اثبات الخيار للمرأة اذا تبين ان الزوج عقيم ما هو معروف عن عمر رضي الله عنه. واما قولكم الاصل العصمة فنعم الاصل العصمة اذا تزوج الرجل بالمرأة حتى نعلم ما يخل بالنكاح ويزيله ولكن الاصل السلامة من العيوب فاذا وجد عيب خلاف المعهود ثبت للاخر خيار العيب. واذا كان العيب في المبيع ونحوه في كل شيء ينقص به قيمة المبيع. الخطر فيه اسهل. فكيف لا يثبت في النكاح العظيم خطره؟ الشديد امره. يوضح هذا قوله صلى الله عليه وسلم ان احق الشروط ان توفوا به ما استحللتم به الفرج. هذا نص صريح انها احق من غيرها بالوفاء والشروط. تارة لفظا وتارة تشترط عرفا. اذا تزوج انثى بناء على سلامتها ووجدها عمياء خرساء صماء قطعت الاعضاء. اليس هذا فمن اكبر الاخلال بالشرط الذي دخل عليه الازواج في العرف. قال المتوكل على الله صدقت يا اخي، لقد اتضح لي صواب هذا القول وساخبرك اخبرك بقضية جرت لي الان هي محل الفرجة. تزوجت امرأة بناء مني على سلامتها. وانها من جملة النساء التي يحصل المقصود بها وكان لي مع قصد الاستمتاع وحصول النسل قصد خدمة بيتي وطبخ طعامي وعمل ما احتاج اليه في بيتي. فتكلفت في مهرها وامهرت عشرة الاف درهم. فلما دخلت عليها وجدتها عجوزا صماء عمياء خرساء. فاسترجعت حين زفت الي وقلت قد فاتني مقاصدي كونها عجوزا مانع منه وجود النسل وبقية صفاتها مانعة من السرور بها والاستمتاع والانتفاع. فخاطبت وليها فبذلك وقلت كيف غررتموني بها وهي على هذه الحال؟ فقال لي هل شرطت علينا انها ليست بعجوز ولا صماء ولا عمياء ولا وقلت ما شردت ذلك ولكن كل احد يعرف ان هذا غرر منكم وانها ليست مقصودة لي. وقال لا نجبرك على البقاء معها فان شئت طلقها ولكن قم بنفقة العدة وكسوتها ومسكنها. فقلت واين الصدأ الذي سقته عليها؟ فقال لي هلم الى القاضي وانت فقاضي نفسك وقد انصفك من جعلك قاضيا على نفسه. وكان هذا الولي قد علم اني اعتقد ان هذه الاشياء ليست بعيوب بل كان من جملة للتلاميذ الذين اخذوا عني هذه المسألة وجعلت احيد عنه واقول حسبكم الله كيف غررتموني وظلمتموني؟ وقال يا استاذ لا اغضب فانا ما ظلمناك وانما انت الذي قررت لنا هذه المسألة فان كان ملامة فلم نفسك وان كان فيها ظلم فانت الذي تسببت لظلمك وان كان مثلك يا استاذ لا يعمل بما يقول فمن الذي يعمل منا ولكن بارك الله فيك المهر قد تقرر فان كنت تريد زوجتك فقم بواجبها واصبر عليها فان الله لا يضيع اجر الصابرين. وان كنت تريد فراقها فارقها فراقا جميلا. واستعد بنفقة العزة وتوابعها وحصل لي بذلك غم متتابع ولكن لا شك ان هذا الذي جرى علي من اكبر الاسباب لسرعة تلقي قولك بالقبول وصار له محل كبير عندي لكوني علمت وجربت اجتمع لي علم هذه المسألة وذوقها وعملها وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم. المثال العشرون في مسألة فعل المحلوف عليه ناسيا او جاهلا. قال المستعين بالله وان حلف ففعل المحلوف عليه ناسيا او جاهلة حدث في طلاق وعتاق ولم يحنث في اليمين بالله تعالى. والفرق بينهما ان الطلاق والعتاق فيهما حق ادمي. الم ضعف فيه عن الخطأ والنسيان بخلاف اليمين بالله فان الله تعالى قد عفا عن الخطأ والنسيان فلا يحنث بذلك. وقال المتوكل على الله ليس بين اليمين بالله وبين الطلاق والعتاق فرق. وكلها حق لله تعالى. وقد يكون ايقاع الطلاق اشد على المرأة من الرجل والله تعالى لم يفرق بين الامرين هذا من جهة دخولها بالنص. واما من جهة مقصود الحالفين فظاهر جدا. فانه اذا حلف على يأتي الا تفعل شيئا فان غرضه منعها وانها تمتنع بحلفه والا تقصد مخالفته فاذا فعلت ذلك نسيانا او خطأ فان غرضه لم ينتقض ومقصوده من عدم مخالفتها له باق فانها لم تتعمد ذلك. وحقيقة الحنف هو فعل ما حلف على تركه او ترك ما حلف على فعله على وجه القصد والعمد. فاذا طبقت الحنف على هذه المسألة عرفت انه لا حنث فيها. فالشارع رفع المؤاخذة عن الناس والمخطئ العرف الذي في عقول الناس وفطرهم انه غير حانث ولا ملوم. فتعين القول بهذا ووجب مساواة الجميع لاستوائها في المعنى الذي لاجله رفعت المؤاخذة اثما وتحنيثا وهو المطلوب. وقال المستعين بالله الحق والله ما قلت. ولقد جاءني هذا البرهان هان وانا في غاية التعطش والاضطرار اليه نصا وعلى قلبي احلى من الماء البارد العذب للظمآن الشديد ظمأه في اليوم الشديد حقا في هذا الموضوع قصة عجيبة هي انه كانت لي زوجة وكنت مشغوفا بها جدا بحيث الهتني عن كثير من مصالحي وهي اشد مني في شغف فكانت غاية امنيتي في حياتي وهي كذلك حتى ظننا انه لا يفرقنا الا الموت وكانت كريمة سخية لا ترد مستوهبة ولا مستعيرا كائنا من كان. اتفق ذات يوم ان حلفت عليها بالطلاق الثلاث الا تعير هذا المتاع. متاعا كنا كثيرا ما نستعمله حاجتنا فيه مستمرة فمن المصادفات الغريبة انه طلب منها بعض اقارب الذين كانت تعرف شدة رغبتي لصلتهم وانهم بمنزلة نفسي استعارة هذا المتاع الذي حلفت عليه لغرض ضروري بدا له حملتها معرفتها لقوة رغبتي في عدم منعه ان بادرت لاعطائه هذا المتاع ساهية عن حالف. وكانت بالطبع اشد مني على التزامها لهذا اليمين. فما هو الا ان ذكرت الحلف بعدما خرج المتاع من يدها اسقط في يدها وبقيت تتغشاها سكرات هذه الفجيعة التي هي اعظم عليها من موت اولادها وكل حبيب لها وكل سكرة تتغشاها يخشى ان تخرج معها روحها فدخلت الدار ورأيتها على هذه الحال المدهشة. واخبرني اهل الدار بالواقعة. وقد عهدت من نفسي اني امرؤ لا تؤثر تسير في المصائب ولا تزعجني الكوارث لكنه اضمحل هذا كله فاصابني من الفجيعة اعظم مما اصابها ومكثنا على هذه مدة جزمها اهلنا اننا نفارق الدنيا ثم ذهبت الى اهلها ذاهبة بقلبي وروحي وراحتي. وابقت عندي ما قابل ذلك من قلبها وروحها وراحتها حملني بعد هذه الواقعة شدة الوله وقوة الحب وعدم تماسك الصبر. اني جعلت اتتبع المشهورين بالعلم لعلهم يجدون لي فتوى تسوغ لي الرجوع ولو كان في ذلك انسلاخي من جميع موجوداتي. فبينما انا كذلك اذ قال لي بعض اصحابي الذي اعرف قوة نصحهم. يا مكتبا لك يا فلان كيف حملك الهوى وغرض النفس على تتبع اقوال كنت تعتقد خلافها وما دمت تعتقد ان الناس يحنث في يمين كيف تطلب من يفتي لك بخلاف ذلك؟ هب انك وجدت مفتيا بخلاف ما كنت تعتقد هل يحل لك ذلك؟ وقلت الضرورة حملتني والفجيعة تحيرتني حتى سلبت صبري قللت ورعي فقال لي هذا من المحن والابتلاء الذي يبتليك الله فاذا قدمت طاعته على هواك كان ما اعطاك اعظم مما اصابك وادركت السعادتين واعانك الله على الصبر وحصلت لك العواقب الحميدة فلم يزل في نصحي حتى استسلمت لحكم الله وسلمت لقضائه ووطنت نفسي على الصبر العظيم الذي لو وضع على الجبال لفتتها ثم استمررت على ذلك لا تزيد في الاوقات الا ولها حتى جمعني واياك ايها الاخ هذا المجلس فتناظرنا في هذه المسألة من دون قصد مني فلما تجلت لي البراهين التي اوردتها علي تجلت عن قلبي تلك الكروب. عرفت انها فرج من الله ساقه الي حين وطنت نفسي على طاعته والصبر عن معصيته فحينئذ راجعت حبيبتي ورجعت الينا ارواحنا وراحتنا وصار لهذا الامر موقع لا يمكن التعبير عن كونه. وشكرنا الله على فهذه الحالة التي انما جاءت واسست على العلم الشرعي والطريق المرضي. وكل قول وعمل وحال تأسس على العلم وكان تابعا للعلم فانه مؤسس على التقوى. ثابت لا يتزعزع مثمر لخير الدنيا والاخرة. ولنقتصر على هذه الامثلة التي هي من مشهور مسائل خلافيات في الفقه مقتصرين فيها على الاشارة الى الادلة على وجه التنبيه والاختصار تاركين لذكر القائلين بكل من القول لين من الائمة الاعلام الا في الشيء النادر منها طلبا للاختصار. ومن فوائد ذلك ان الاقوال التي يراد المقابلة بينها ومعرفة فتراجعها من مرجوحها ان يقطع الناظر والمناظر النظر عن القائلين فانه ربما كان ذكر القائل مغترا عن مخالفته توجب له الهيبة ان يكف عن قول ينافي ما قاله. ومن اسباب الاتفاق على القول الحق الصواب اذا كان كل من المتناظرين ليس له وقصد الا معرفة الحق والراجح وايثاره فبذلك تتم المباحثة والمناظرة ويحصل مقصودها كما تجد في قصة هذين الرجلين الموفقين المتسابقين الى معرفة الحق وايثاره. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وسلم تسليما تم على يد الفقير الى الله عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي وذلك في الثامن من جمادى الاخرة عام اربعة وستين وثلاثمائة والف من الهجرة