المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الايمان باليوم الاخر ومن تمام الايمان بالله ورسله وكتبه الايمان باليوم الاخر وهو كل ما جاء به الكتاب والسنة مما يكون بعد الموت من احوال الموت والبرزخ والقبر والقيامة والجنة والنار ومتعلقات ذلك كله داخل بالايمان باليوم الاخر وقد تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاحاديث المتنوعة في فتنة القبر وعذابه ونعيمه وان الميت تعاد اليه روحه في قبره فيسأل عن ربه ودينه ونبيه فيثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت فيقول المؤمن الله ربي ومحمد نبيي والاسلام ديني فيفسح له في قبره وينور له فيه وينعم فيه الى يوم القيامة كما وصف ذلك وفصل في السنة واما الكافر والمنافق فيضله الله عن الصواب لظلمه وكفره فيضيق عليه قبره ولا يزال يعذب الى ان تقوم الساعة ومن المذنبين من يعذب في القبر مدة بقدر ذنوبه ثم يرفع عنه العذاب ومنهم من يرفع عنه العذاب بشفاعة او دعاء او صدقة او نحو ذلك ثم اذا تكامل الادميون وماتوا جميعا امر تعالى اسرافيل بالنفخ في الصور فيخرجون من قبورهم الى موقف يوم القيامة حفاة عراة غرلا مهضعين الى الداع كانهم الى نصب يوفضون يوم يحشر المتقون الى الرحمن وفدا ويساق المجرمون الى جهنم وردا فيقفون موقفا عظيما لا تتصور العقول عظمه وفظاعته وهوله ولكن الله يخففه على المؤمنين ويسيل العرق منهم فيكونون على قدر اعمالهم منهم من يأخذه الى كعبيه والى ركبتيه والى حقويه والى حلقه ومنهم من يلجمه العرق الجاما وتدنو الشمس منهم فتكون على قدر ميل منهم ويصيب الخلق من الهم والكرب ما الله به عليم فيفزعون الى من يشفع لهم الى ربهم ليريحهم من هذا الموقف ويفصل بينهم فيأتون ادم ثم نوحا ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى وكلهم يعتذر ويدفعهم الى من بعده فاذا جاءوا لعيسى صلى الله عليه وسلم قال اذهبوا الى محمد صلى الله عليه وسلم عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيجيب طالبتهم ويلبي دعوتهم ثم يأتي الى تحت العرش فيسجد لله سجدة عظيمة يفتح الله عليه من الثناء والتحميد والتمجيد لله ما لم يفتحه على احد من الاولين والاخرين ويقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطى واشفع تشفع. ويبعثه الله ذلك المقام المحمود الذي يحمده فيه الاولون والاخرون اهل السماء واهل الارض وينزل الله للفصل بين عباده ومحاسبتهم وحينئذ تنشر دواوين الاعمال الحاوية لحسنات العباد وسيئاتهم وكل يعطى كتابه فيكون عنوان اهل السعادة ان يعطوا كتبهم بايمانهم فيكون ذلك اول البشرى بما تحتوي عليه كتبهم من الخيرات ويعطى اهل الشقاء كتبهم بشمائلهم ومن وراء ظهورهم بشارة لهم بالشقاوة وفضيحة لهم بين الخلائق فمن جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها ويحاسب الكفار محاسبة توبيخ وفضيحة بين الخلائق ثم يؤمر بهم الى النار ويحاسب الله بعض المؤمنين حسابا يسيرا يضع الله عليه كنفه ويقرره بذنوبه فاذا ظن انه هالك قال الله له اني سترتها عليك في الدنيا وانا اغفرها لك اليوم فلا يطلع عليها احد من الخلق ويعطى كتابه بيمينه وتوضع الموازين التي توزن بها الاعمال الصالحة والسيئة فما ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون وينقسم الناس ثلاثة اقسام اسم المستحقون للثواب المحض سالمون من العقاب وهم السابقون واصحاب اليمين الذين ادوا الواجبات وتركوا المحرمات وتابوا مما جنوه من المخالفات وقسم المستحقون للعقاب المحض والمخلدون في نار جهنم وهم جميع من لم يؤمن بالرسل الايمان الصحيح من مشرك ومستكبر وجاحد ومنافق ويهودي ونصراني ومجوسي وجميع من حكمت عليه النصوص الصحيحة بالخروج من الاسلام وقسم ثالث ظالمون لانفسهم مخلطون فهؤلاء من رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة ولم يدخل النار ومن استوت حسناته وسيئاته فهم اهل الاعراف وهو موضع عال مشرف على الجنة والنار. يقيمون فيه ما شاء الله تعالى ثم يتداركهم المولى برحمته فيدخلهم الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته فلا بد من دخوله النار بقدر ذنوبه ثم بعد ذلك يدخل الجنة الا ان تحصل له شفاعة فان الشفاعة لاهل الذنوب والمعاصي ثابتة يشفع محمد صلى الله عليه وسلم ويشفع الانبياء ويشفع خواص المؤمنين في من استحق النار الا يدخلها وفي من دخلها واعماله تقتضي الزيادة على تلك المدة ان يخرج منها ويخرج الله من النار اقواما برحمته وينصب الصراط على متن جهنم يمر الناس عليه على قدر اعمالهم فمن مر عليه فهو من الناجين ولا يدع الله في النار احدا في قلبه ادنى ادنى ادنى مثقال حبة خردل من ايمان ويبقى فيها اهلها الذين هم اهلها خالدين ابدا لا يفتر عنهم عذابها وقد وصف الله تعالى عذاب النار وصفة اهلها بافظع الاوصاف وان الله يجمع لهم بين اصناف العقاب يعذبهم بالنار المحرقة التي تطلع على الافئدة وكلما احترقت جلودهم بدلوا جلودا غيرها ليعاد عليهم العذاب ويذوقوا شدته وبالجوع المفرط والعطش المفرط الجوع والعطش من اعظم العذاب والالام وما يغاثون به اذا طلبوا الشراب والطعام عذاب اشد وافظع فانهم اذا استغاثوا للشراب اغيثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه فلا يدعهم العطش الشديد حتى يتناولوه فيقطع منهم الامعاء ويستغيثون للطعام فيؤتون بالزقوم الذي حرارته اعظم من حرارة الرصاص المذاب وهي في غاية المرارة وقبح الريح ويغلي في بطونهم كغلي الحميم ويسلسل المجرمون بسلاسل من نار وتغل ايديهم الى اعناقهم ويسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ويترددون في عذابهم بين لهب النار وحرارتها التي لا يمكن وصفها وبين برد الزمهرير البارد الذي يكسر العظام من قوة برده ويجمع لهم بين جميع الوان العذاب وبين عذاب الحجاب عن ربهم. وبين اليأس من رحمته واخر امرهم العذاب المؤبد والشقاء السرمدي واما الجنة وما اعد الله فيها لاهلها من النعيم وما عليه اهلها من السرور القلبي والروحي والبدني فقد ذكر الله اوصاف الجنة مبسوطا مفصلا في كثير من الايات واطلقه معمما شاملا في ايات مثل قوله تعالى لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد للذين احسنوا الحسنى وزيادة وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين واذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا وقالوا الحمدلله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوأ من الجنة نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين الى غير ذلك من الايات العامة الشاملة لنعيم الابدان وسرور الارواح وافراح القلوب وشهوات النفوس مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ووصف نعيمها مفصلا فتقدم ذكر رؤية الباري الذي هو اعلى نعيم يحصل لاهل الجنة والتمتع بلقائه ورضوانه وسماع كلامه وخطابه واخبر تعالى ان جميع اصناف الفواكه الموجودة في الدنيا موجود في الجنة ما يشبهها في الاسم فقط لا في الحسن واللذة وطيب الطعم والتنعم بتناوله وفيها اشياء ليس لها في الدنيا نظير ولهذا قال فيهما من كل فاكهة زوجان وقوله وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وذللت قطوفها اي ثمارها تذليلا كقوله وجنى الجنتين دان يتناوله القائم والقاعد والماشي وعلى اي حال وان انهارها تجري من تحتهم انهار من ماء غير اس وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين وانهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ووصف فروشهم بان بطائنها من استبرق وهو اعلى انواع الحرير فكيف بالظهائر وان لباسهم فيها الحرير وحليهم الذهب والفضة واللؤلؤ وانواع الجواهر الفاخرة وذلك شامل لذكورهم واناثهم وان ازواجهم الحور العين خيرات الاخلاق حسان الاوجه جمع الله لهن بين الحسن والجمال الباطن والظاهر كانهن الياقوت والمرجان من حسنهن وصفائهن وانهن عرب متحببات الى ازواجهن بحسن التبعل ولطف الاداب وحسن الحركات والالفاظ الرقيقة والحواشي المليحة وانهن ابكار اتراب في غاية سن الشباب وقوته وفي كمال الصفاء بينهن وعدم التباغض بل نزع الغل من صدور جميع اهل الجنة اخوانا على سرر متقابلين وانهن مطهرات من جميع الافات مطهرات من الادناس الحسية والادناس المعنوية كاملات مكملات وانهن قاصرات طرفهن على ازواجهن من حسن ازواجهن وعفتهن قاصرات طرف ازواجهن عليهن من جمالهن الفائق الذي لا يبغي بعلها بها بدلا ولا يقول لو ان هذا الوصف اكمل من هذا لانه يرى ما يحير لبه ويذهل عقله من الحسن الباهر والبهاء التام وانهم في الجنة متعاشرون مع احبابهم واصحابهم يتزاورون ويتطارحون الكلام الطيب والاحاديث الشائقة ويتذاكرون نعم الله والاءه عليهم سابقا ولاحقا ويسبحون الله بكرة وعشيا وان الله نزههم من البول والادناس وكل ما لا تشتهيه النفوس بل طعامهم وشرابهم يخرج عرقا اطيب من المسك الاظفر وان الله جمع بينهم وبين من صلح من ابائهم وامهاتهم واولادهم وزوجاتهم ليتم نعيمهم سرورهم وهذه الاية تجمع كل نعيم تتعلق به الاماني وتطلبه النفوس وهي قوله تعالى ذواتا افنان وهي جمع فن لا جمع فننن اي كل نوع وجنس من النعيم والسرور موجود فيهما حاصل على اكمل الوجوه واتمها وتمام ذلك الخلود الدائم والنعيم المستمر والافراح المتواصلة التي تزداد على الدوام فجميع ما ورد به الكتاب والسنة من احوال الدارين وتفاصيل ذلك كله داخل في الايمان باليوم الاخر والايمان باليوم الاخر على درجتين احداهما التصديق الجازم الذي لا ريب فيه بوجود ذلك على حقيقته فهذا لا بد فيه من الايمان والدرجة الثانية التصديق الراسخ المثمر للعمل فان من علم ما اعد الله للطائعين من الثواب. وما للعاصين من العقاب علما واصلا الى القلب فلابد ان يثمر له هذا الايمان الجد في الاعمال الموصلة الى الثواب والحذر من الاعمال الموجبة للعقاب ومن اصول اهل السنة والجماعة ان الدين والايمان اسم يجمع اعتقادات القلوب واعمالها واعمال الجوارح وانه يزيد وينقص ويتفاضل اهل الايمان فيه تفاضلا عظيما وجعلهم الله في كتابه ثلاث طبقات سابقين الى الخيرات وهم الذين ادوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وفضول المباحات واصحاب اليمين اقتصروا على اداء الفرائض واجتناب المحارم وظالمين لانفسهم خلطوا عملا صالحا واخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم قال تعالى واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وقوله ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والهدى هو علوم الايمان واعماله والنصوص على هذا الاصل من الكتاب والسنة كثيرة جدا وهو معلوم بالحس والوجدان فان المؤمنين يتفاضلون في علوم الايمان قلة وكثرة وقوة يقين وضعفه ويتفاضلون في اعمال القلوب التي هي رح الايمان وقلبه مثل محبة الله وخوفه ورجائه والتوكل عليه والانابة اليه والاخبات والخضوع والتعظيم هذا امر لا يمتري فيه من له ادنى عقل ويتفاضلون في اعمال الجوارح الصلاة والزكاة والصيام والحج فارض ذلك ونفله والقيام بحقوق الله وحقوق عباده من البر والصلة للاقارب والجيران والاصحاب والاحسان الى الخلق تفاوتا عظيما فمن زعم ان الايمان لا يزيد ولا ينقص فقد قال ما خالف النقل والعقل والحس والواقع حتى ولو فسره بمجرد التصديق فانه يتفاوت تفاوتا ظاهرا لكل احد ويتفرع على هذا الاصل ان العاصي وصاحب الكبيرة لا يخرج من الايمان بالكلية ولا يعطى الاسم الكامل المطلق فهو مؤمن بما معه من الايمان فاسق الناقص الايمان بما تركه من واجبات الايمان ما معه من الايمان الذي لا يخالطه كفر يمنعه من الخلود في النار واما الايمان المطلق الكامل فانه يمنع دخول النار بالكلية وقد ذكرنا في القواعد ان اسماء المدح والثناء على المؤمنين وترتيب الثواب المطلق عليه ونفي العقاب انما هو الايمان الكامل وان خطاب الله للمؤمنين بالامر والنهي والتشريع يعم كامل الايمان وناقصه ويتفرع ايضا على هذا الاصل ان العبد قد يجتمع فيه خير وشر وايمان وخصال كفر او نفاق وانه يستحق المدح على ما فيه من خصال الخير والذم على ما فيه من خصال الشر ومن اصول اهل السنة والجماعة الايمان بقضاء الله وقدره وهو داخل في الايمان به وبكتبه وبرسله فيعلمون ان الله قد احاط بكل شيء علما وانه كتب في اللوح المحفوظ جميع الحوادث صغيرها وكبيرها سابقها ولاحقها ثم قدرها واجراها بمواقيتها بحكمته وقدرته وعنايته وتمام علمه وانه كما ان جميع الحوادث مرتبطة بحكمته وعلمه فانها مرتبطة بقدرته وانه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وان اعمال العباد كلها خيرها وشرها داخلة في قضائه وقدرته مع وقوعها طبق ارادتهم وقدرتهم ولم يجبرهم عليها فانه خلق لهم جميع القوى الظاهرة والباطنة ومنها القدرة والارادة التي بها يختارون وبها يفعلون