المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم لهم هذه الايات مشتملات على ذكر ثواب المؤمنين وعقاب العاصين. والسبب في ذلك ودعوة الخلق الى الاعتبار بذلك قال الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وهؤلاء رؤساء الكفر وائمة الضلال الذين جمعوا بين الكفر بالله واله والصد لانفسهم وغيرهم عن سبيل الله. التي هي الايمان بما دعت اليه الرسل واتباعه. فهؤلاء اضل الله اعمالهم اي ابطلها واشقاهم بسببها. وهذا يشمل اعمالهم التي عملوها ليكيدوا بها الحق واولياء الله. ان الله جعل كيدهم في نحورهم فلم يدركوا مما قصدوا شيئا واعمالهم التي يرجون ان يثابوا عليها ان الله سيحبطها عليهم. والسبب في انه متبع الباطل وهو كل غاية لا يراد بها وجه الله من عبادة الاصنام والاوثان. والاعمال التي في نصر الباطل لما كانت باطلة كانت الاعمال لاجلها باطلة. والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد واما الذين امنوا بما انزل الله على رسله وعلى محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا. وعملوا الصالحات بان قاموا بما عليهم من حقوق الله. وحقوق عباده الواجبة كفر الله عنهم سيئاتهم صغارها وكبارها. واذا كفرت سيئاتهم نجوا من عذاب الدنيا والاخرة ومكان امثال هذه العواقب الوخيمة والعقوبات الذميمة. واما المؤمنون فان الله تعالى ينجيهم من العذاب. ويجزي كثير الثواب. ذلك بان ان الله مولى الذين امنوا فتولاهم برحمته فاخرجهم من الظلمات الى النور. وتولى جزاءهم ونصرهم اي اصلح دينهم ودنياهم وقلوبهم واعمالهم واصلح ثوابهم بتنميته وتزكيته واصلح جميع احوالهم. والسبب في ذلك انهم اتبعوا الحق الذي هو الصدق واليقين. وما اشتمل عليه هذا القرآن العظيم الصادر من ربهم الذي رباهم بنعمته ودبرهم بلطفه. فرباهم تعالى بالحق فاتبعوه. وصلحت امورهم. فلما كانت الغاية المقصودة لهم متعلقة بالحق المنسوب الى الله الباقي الحق المبين. كانت الوسيلة صالحة باقية باقيا ثوابها حيث بين لهم تعالى اهل الخير واهل الشر. وذكر لكل منهم صفة يعرفون بها ويتميزون ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة حتى تضع الحرب اوزارها. ذلك ولو يشاء والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل اعمالهم. يقول تعالى مرشدا عباده الى ما فيه صلاحهم ونصرهم على اعدائهم فاذا لقيتم الذين كفروا في الحرب والقتال فاصدقوهم القتال. واضربوا منهم الاعناق حتى تدخلوهم وتكسروا شوكتهم ثم تبطلوا شرتهم فاذا فعلتم ذلك ورأيتم الاسر اولى واصلح فشدوا الوثاق اي الرباط وهذا احتياط لاسرهم لئلا يهربوا فاذا شد منهم الوثاق اطمأن المسلمون من هربهم ومن شرهم. فاذا كانوا تحت اسركم فانتم بالخيار بين المن عليهم واطلاقهم بلا مال ولا فداء. واما ان تفدوهم بالا تطلقوهم حتى يشتروا انفسهم. او يشتريهم اصحابهم بمال او باسير مسلم عندهم وهذا الامر مستمر. حتى تضع الحرب اوزارها. اي حتى لا يبقى حرب وتبقون في المسالمة والمهادنة فان لكل مقام مقال ولكل حال حكما. فالحال المتقدمة انما هي اذا كان قتال وحرب. فاذا كان في بعض الاوقات لا حرب فيه لسبب من الاسباب. فلا قتل ولا اسر. ذلك الحكم المذكور في ابتلاء المؤمنين بالكافرين. ومداولة الايام وانتصار بعضهم على بعض. ولو يشاء الله لانتصر منهم فانه تعالى على كل شيء قدير. وقادر على الا ينتصر الكفار في موضع واحد ابدا حتى يبيد المسلمون خضراءهم. ليقوم سوق الجهاد ويتبين بذلك احوال العباد الصادق من الكاذب. وليؤمن من امن ايمانا صحيحا عن بصيرة. لا ايمانا مبنيا على متابعة اهل الغد فانه ايمان ضعيف جدا. لا يكاد يستمر لصاحبه عند المحن والبلايا والذين قتلوا في سبيل الله لهم ثواب جزيل واجر جميل وهم الذين قاتلوا من امروا بقتالهم لتكون كلمة الله هي العليا. فهؤلاء لن يضل الله اعمالهم. اي لن يحبطها ويبطلها. بل يتقبل يقبلها وينميها لهم ويظهر من اعمالهم نتائجها في الدنيا والاخرة الى سلوك الطريق الموصلة الى الجنة. ويصلح بالهم اي حالهم وامورهم. وثوابهم يكون صالحا كاملا. لا نكد فيه ولا تنغيص بوجه من الوجوه. اي عرفها اولا بان شوقهم اليها ونعتها لهم. وذكر لهم الاعمال الموصلة اليها. التي من جملتها القتل في سبيله. ووفقهم للقيام بما امرهم به فيه ثم اذا دخلوا الجنة حرفهم منازلهم وما احتوت عليه من النعيم المقيم والعيش السليم. يا ايها الذين امنوا ثم يثبت اقدامكم. هذا امر منه تعالى للمؤمن ان ينصروا الله بالقيام بدينه والدعوة اليه وجهاد اعدائه. والقصد بذلك وجه الله. فانهم اذا فعلوا ذلك نصرهم الله وثبت اقدامهم ان يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات. ويصبر اجسامهم على ذلك. ويعينهم على اعدائهم. فهذا وعد من كريم صادق الوعد ان الذي ينصره بالاقوال والافعال سينصره مولاه وييسر له اسباب النصر من الثبات وغيره والذين كفروا فتعسى لهم ما ضل اعمالهم. واما الذين كفروا بربهم ونصروا الباطل فانهم في تعس. اي انتكار كاس من امرهم وخذلان. اي ابطل اعمالهم التي يكيدون بها الحق رجع كيدهم في نحورهم وبطلت اعمالهم التي يزعمون انهم يريدون بها وجه الله ذلك الاضلال والتعس للذين كفروا بسبب انهم كرهوا ما انزل الله من القرآن الذي الذي انزله الله صلاحا للعباد. وفلاحا لهم فلم يقبلوه بل ابغضوه وكرهوه سيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين امثالهم اي افلا يسير هؤلاء المكذبون بالرسول صلى الله عليه وسلم فانهم لا يجدون عاقبتهم الا شر العواقب. فانهم لا يلتفتون يمنة ولا يسرة الا وجدوا ما حولهم قد بادوا وهلكوا استأصلهم التكذيب والكفر. فخمدوا ودمر الله عليهم اموالهم وديارهم. بل دمر اعمالهم ومكرهم. وللكافرين في كل زمان وان الكافرين بالله تعالى حيث قطعوا عنهم ولاية الله وسدوا على انفسهم رحمته. لا مولى لهم الى سبل السلام ولا ينجيهم من عذاب الله وعقابه. بل اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات. اولئك اصحاب اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله او اشد خشية. ثم ندبهم تعالى الى ما هو الاليق بحالهم. فقال اولى لهم طاعة وقول معروف. اي فاولى لهم ان يمتثلوا الامر الحاضر المحتم عليهم. ويجمعوا عليه هممهم نارهم فيها خالدون. ان الله يدخل الذين امنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتهم الانهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام مثوى لهم لما ذكر تعالى انه ولي المؤمنين ذكر ما يفعل بهم في الاخرة من دخول الجنات التي تجري من تحتها الانهار. التي تسقي تلك الزاهرة والاشجار الناظرة المثمرة لكل زوج بهيج وكل فاكهة لذيذة. ولما ذكر ان الكافرين لا مولى لهم ذكر وانهم وكلوا الى انفسهم فلم يتصفوا بصفات المروءة ولا الصفات الانسانية بل نزلوا عنها دركات وصاروا كالانعام التي لا عقل لها ولا فضل. بل جل همهم ومقصدهم. التمتع بلذات الدنيا وشهواتها. فترى حركاتهم الظاهرة والباطنة دائرة من حولها غير متعدية لها الى ما فيه الخير والسعادة. ولهذا كانت النار مثوى لهم. اي منزلا معدا لا يخرجون منها ولا يفتر عنهم من عذابها لا هم فلا ناصر لهم. اي وكم من قرية من قرى المكذبين هي اشد قوة من قريتك. في الاموال والاولاد والاعوان والابناء والالات اهلكناهم حين كذبوا رسلنا ولم تفت فيهم المواعظ. فلم نجد لهم ناصرا ولم تغن عنهم قوتهم من عذاب شيئا فكيف حال هؤلاء الضعفاء؟ اهل قريتك؟ اذ اخرجوك عن وطنك وكذبوك. وعادوك وانت افضل المرسلين. وخير الاولين والاخرين. اليسوا باحق من غيرهم بالاهلاك والعقوبة؟ لولا ان الله تعالى بعث رسوله بالرحمة والتأني بكل كافر وجاحد اباءهم اي لا يستوي من هو على بصيرة من امر دينه علما وعملا. قد علم الحق واتبعه ورجا ما وعده الله لاهل الحق كمن هو اعمى القلب قد رفض الحق واضله واتبع هواه بغير هدى من الله. ومع ذلك يرى ان ما هو عليه من الحق فما ابعد هذا الفرق بين الفريقين وما اعظم التفاوت بين الطائفتين اهل الحق واهل الغي المتقون فيها انهار من ماء غير اس وانهار من خمر لذة للشارع ولهم فيها من كمن هو خالد حميما. وسقوما اي مثل الجنة التي اعدها الله لعباده الذين اتقوا سخطه واتبعوا رضوانه اي نعتها وصفتها الجميلة اي غير متغير لا بوخم ولا بريح منتنة ولا بمرارة ولا بقدورة بل هو اعذب المياه واصفاها واطيبها ريحا والذها شربا بحموضة ولا غيرها. وانهار من خمر لذة للشاربين اي يلتذ به شاربه لذة عظيمة. لا كخمر الدنيا الذي يكره مذاقه ويصدع الرأس ويغول العقل من شمعه وسائر اوساخه ولهم فيها من كل الثمرات من نخيل وعنب وتفاح عمان وتين وغير ذلك مما لا نظير له في الدنيا. فهذا المحبوب المطلوب قد حصل لهم ثم قال ومغفرة من ربهم يزول بها عنهم المرهوب. هؤلاء خير امن هو خالد في النار التي اشتد حرها وتضاعف عذابها حميما وسقوا فيها ماء حميما ماء اي حارا جدا. فسبحان من فاوت بين الدارين والجزاء والعاملين والعملين. ومنهم من يستمع اليك حتى اذا خرجوا من عندك قانون حين اوتوا العلم ماذا قال انفا. اولئك الذين طبع الله على قلوبهم يقول تعالى ومن المنافقين من يستمع اليك ما تقول استماعا لا عن قبول وانقياد بل معرضة قلوبهم عنه. ولهذا قال حتى اذا خرجوا من عندك قالوا للذين اوتوا العلم مستفهمين عما قلت وما سمعوا مما لم يكن لهم فيه رغبة ماذا قال انفا اي قريبا. وهذا في غاية الذم لهم. فانهم لو كانوا حريصين على الخير لالقوا اليه اسماعهم ووعته قلوبهم وانقادت له جوارحهم ولكنهم بعكس هذه الحال. ولهذا قال اولئك الذين طبع الله على قلوبهم ما اتبعوا اهوائهم. اي ختم عليها سد ابواب الخير التي تصل اليها بسبب اتباعهم اهواءهم. التي لا يهوون فيها الا الباطل. ثم بين حال المهتدين. فقال والذين اهتدوا زادهم هدى واتاهم تقواهم والذين اهتدوا بالايمان والانقياد واتباع يرضي الله زادهم هدى شكرا منه تعالى لهم على ذلك. اي وفقهم للخير وحفظهم من الشر فذكرا للمهتدين جزائين العلم النافع والعمل الصالح بغتة فقد جاء اشراطها فانى لهم اذا جاءتهم اي فهل ينظر هؤلاء المكذبون او ينتظرون؟ الا ساعة ان تأتيهم بغتة اي فجأة وهم لا يشعرون قد جاء اشراطها اي علاماتها الدالة على قربها اي من اين لهم؟ اذا جاءتهم الساعة وانقطعت اجالهم ان يتذكروا ويستعتبوا وقد فات ذلك وذهب وقت التذكر. فقد عمروا ما يتذكر فيه من تذكر. وجاءهم النذير. ففي هذا الحث على الاستعداد قبل مفاجأة الموت فان موت الانسان قيام ساعته انه لا اله الا الله واستغفر لذنب والله يعلم متقلبكم ومثواكم العلم لابد فيه من اقرار القلب ومعرفته. بمعنى ما طلب منه علمه. وتمامه ان يعمل بمقتضاه. وهذا العلم الذي امر الله به وهو علم بتوحيد الله فرض عين على كل انسان لا يسقط عن احد كائنا من كان. بل كل مضطر الى ذلك. والطريق الى العلم بانه ولا اله الا الله امور احدها بل اعظمها تدبر اسمائه وصفاته وافعاله الدالة على كماله وعظمته وجلاله فانها توجب بذل الجهد في التأله له. والتعبد للرب الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال. الثاني بانه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير. فيعلم بذلك انه المنفرد بالالوهية. الثالث العلم بانه المنفرد بالنعم الظاهرة والبطن الدينية والدنيوية. فان ذلك يوجب تعلق القلب به ومحبته. والتأله له وحده لا شريك له. الرابع ما نراه اهو نسمعه من الثواب لاوليائه القائمين بتوحيده من النصر والنعم العاجلة. ومن عقوبته لاعدائه المشركين به. فان هذا داع من العلم بانه تعالى وحده المستحق للعبادة كلها. الخامس معرفة اوصاف الاوثان والانداد التي عبدت مع الله. واتخذت الهة وانها ناقصة من جميع الوجوه فقيرة بالذات لا تملك لنفسها ولا لعابديها نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا شورى ولا ينصرون من عبدهم ولا ينفعونهم بمثقال ذرة من جلب خير او دفع شر. فان العلم بذلك يوجب العلم بانه ولا اله الا هو وبطلان الهية ما سواه. السادس اتفاق كتب الله على ذلك وتواطؤها عليه. السابع ان خواص الخلق الذين هم اكمل الخليقة اخلاقا وعقولا. ورأيا وصوابا وعلما. وهم الرسل والانبياء والعلماء الربانيون شهدوا لله بذلك. الثامن ما اقامه الله من الادلة الافقية والنفسية. التي تدل على التوحيد اعظم دلالة. وتنادي بلسان حالها بما اودعها من لطائف صنعته. وبديع حكمته وغرائب خلقه. فهذه الطرق التي اكثر الله من دعوة الخلق بها الى انه لا اله الا الله وابداها في كتابه واعادها عند تأمل العبد في بعضها لابد ان يكون عنده يقين وعلم بذلك فكيف اذا اجتمعت وتواطأت واتفقت؟ وقامت ادلة التوحيد من كل جانب. فهناك يرسخ الايمان والعلم بذلك في قلب العبد حيث يكون كالجبال الرواسي لا تزلزله الشبه والخيالات. ولا يزداد على تكرر الباطل والشبه الا نموا وكمال. هذا وان نظرت الى الدليل العظيم والامر الكبير وهو تدبر هذا القرآن العظيم والتأمل في اياته فانه الباب الاعظم الى العلم بالتوبة التوحيد ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل في غيره. وقوله واستغفر لذنبك ايطلب من الله المغفرة لذنبك بان تفعل اسباب المغفرة من التوبة والدعاء بالمغفرة. والحسنات الماحية وترك الذنوب والعفو عن الجرائم. واستغفر ايضا للمؤمنين المؤمنات فانهم بسبب ايمانهم كان لهم حق على كل مسلم ومسلمة. ومن جملة حقوقهم ان يدعو لهم ويستغفر لذنوبهم واذا كان مأمورا بالاستغفار لهم المتضمن لازالة الذنوب وعقوباتها عنهم فان من لوازم ذلك النصح لهم وان يحب لهم من خير ما يحب لنفسه ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه ويأمرهم بما فيه الخير لهم وينهاهم عما فيه ضررهم ويعفو عن مساوئهم ومعايبهم ويحرص على اجتماعهم اجتماعا تتألف به قلوبهم. ويزول ما بينهم من الاحقاد المفضية للمعاداة والشقاق الذي به تكثر ذنوبهم ومعاصيهم. والله يعلم متقلبكم ومثواكم. والله يعلم متقلبكم اي تصرفاتكم وحركاتكم وذهابكم ومجيئكم. ومثواكم الذي به تستقرون فهو يعلمكم في الحركات والسكنات فيجازيكم على ذلك اتم الجزاء واوفاه. ويقول الذين امنوا لولا نزلت سورة فاذا انزلت سورة سورة محكمة وذكر فيها القتال. وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون اليك نظر المغشي عليه من الموت. فاولى لهم طاعة وقول معروف الله لكان خيرا لهم فكان خيرا لهم. يقول تعالى ويقول الذين امنوا استعجالا ومبادرة للاوامر الشاقة. لولا نزلت سورة اي فيها الامر بالقتال. فاذا انزلت سورة محكمة اي ملزم العمل بها وذكر فيها القتال الذي هو اشق شيء على النفوس لم يثبت ضعفاء المؤمنين على امتثال هذه الاوامر. ولهذا قال نظر المغشي عليه من الموت من كراهتهم لذلك وشدته عليهم وهذا كقوله تعالى الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم واقيموا الصلاة واتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال ولا يطلب ان يشرع لهم ما هو شاق عليهم. وليفرحوا بعافية الله تعالى وعفوه لكان خيرا لهم. فاذا عزم الامر اي جاءهم الامر جد. وامر محتم. ففي هذه الحال لو صدقوا الله بالاستعانة كانت به وبذل الجهد في امتثاله. لكان خيرا لهم من حالهم الاولى. وذلك من وجوه. منها ان العبد ناقص من كل وجه له الا ان اعانه الله. فلا يطلب زيادة على ما هو قائم بصدده. ومنها انه اذا تعلقت نفسه بالمستقبل ضعف عن العمل بوظيفة وقته وبوظيفة المستقبل. اما الحال فلان الهمة انتقلت عنه الى غيره. والعمل تبع للهمة. واما المستقبل فان انه لا يجيء حتى تفتر الهمة عن نشاطها فلا يعان عليه. ومنها ان العبد المؤمل للامال المستقبلة مع كسله عن عمل في الوقت الحاضر شبيه بالمتألي الذي يجزم بقدرته على ما يستقبل من اموره. فاحرى به ان يخذل ولا يقوم بما هم به ووطن نفسه عليه فالذي ينبغي ان يجمع العبد همه وفكرته ونشاطه على وقته الحاضر. ويؤدي وظيفته بحسب قدرته. ثم كلما جاء وقت استقبله في نشاط وهمة عالية مجتمعة غير متفرقة مستعينا بربه في ذلك فهذا حري بالتوفيق والتسديد في جميع اموره ثم ذكر تعالى حالة المتولي عن طاعة ربه وانه لا يتولى الى خير بل الى شر. فقال ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم الله اي فهما امران. اما التزام لطاعة الله وامتثال لاوامره. فثم الخير والرشد والفلاح. واما بعض عن ذلك وتول عن طاعة الله فما ثم الا الفساد في الارض بالعمل بالمعاصي. وقطيعة الارحام اولئك الذين لعنهم الله فاصمهم واعمى ابصارهم. اولئك الذين افسدوا في الارض وقطعوا ارحامهم لعنهم الله بان ابعدهم عن رحمته. وقربوا من سخط الله اي جعلهم لا يسمعون ما ينفعهم ولا يبصرون. فلهم اذان ولكن لا تسمع سماع اذعان وقبول. وانما تسمع نعم تقوم به حجة الله عليها. ولهم اعين ولكن لا يبصرون بها العبر والايات. ولا يلتفتون بها الى البراهين والبينات افلا يتدبرون ام على قلوب اقفالها اي فهلا يتدبر هؤلاء المعرضون لكتاب الله ويتأملونه حق التأمل فانهم لو تدبروه لدلهم على كل خير ولحذرهم من كل شر ولملأ قلوبهم من الايمان وافئدتهم من الايقان. ولا اوصلهم الى المطالب العالية والمواهب الغالية. ولبين لهم الطريق الموصلة الى الله والى جنته ومكملاتها ومفسداتها. والطريق الموصلة الى العذاب وباي شيء تحذر. ولا عرفهم بربهم واسمائه وصفاته واحسانه ولشوقهم الى الثواب الجزيل ورهبهم من العقاب الوبيل اي قد اغلق على ما فيها من الشر فلا يدخلها خير ابدا. هذا هو الواقع الذين ارتدوا على ادبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم واملا لهم يخبر تعالى عن حالة المرتدين عن الهدى والايمان على اعقابهم الى الضلال والكفران. ذلك لا عن دليل دلهم ولا برهان. وانما هو تسويل من عدوهم الشيطاني وتزيين لهم. واملاء منه لهم. يعدهم ويمنيهم. وما يعدهم الشيطان الا غرورا الله سنطيعكم في بعض الامر والله يعلم اسرارهم. وذلك انهم قد تبين لهم الهدى فزهدوا فيه ورفضوه. وقالوا للذين كرهوا ما نزل الله من المبارزين عداوة لله ولرسوله. سنطيعكم في بعض الامر. اي الذي يوافق اهواءهم. فلذلك عاقبهم الله بالضلال. والاقامة على ما الى الشقاء الابدي والعذاب السرمدي. والله يعلم اسرارهم. فلذلك فضحهم وبينها عباده المؤمنين بالا يغتروا بها. فكيف اذا توفتهم الملائكة يضربون فكيف ترى حالهم الشنيعة ورؤيتهم الفظيعة اذا توفتهم الملائكة الموكلون بقبض ارواحهم بالمقامع الشديدة ما اسخط الله وكرهوا رضوانه فاحبط اعمالهم. ذلك العذاب الذي استحقوه ونالوه بسبب انهم اتبعوا ما اسخط الله من كل كفر وفسوق وعصيان. وكرهوا رضوانه فلم يكن لهم رغبة فيما يقربه اليه ولا يدنيهم منه. فاحبط اعمالهم. اي ابطلها واذهبها. وهذا بخلاف من اتبع ما يرضي الله وكره اذا سخط فانه سيكفر عنه سيئاته ويضاعف اجره وثوابه اظن الذي يخرج الله اظغانهم. يقول تعالى ام حسب الذين في قلوبهم مرض من شبهة او هو حيث تخرج القلب عن حال صحته واعتداله. ان الله لا يخرج ما في قلوبهم من الاضغان والعداوة للاسلام واهله. هذا ظن لا بحكمة الله فانه لا بد ان يميز الصادق من الكاذب. وذلك بالابتلاء بالمحن التي من ثبت عليها ودام ايمانه فيها فهو المؤمن حقيقة. ومن ردته على عقبيه فلم يصبر عليها. وحين اتاه الامتحان جزع وضعف ايمانه. وخرج ما في قلبه من وتبين نفاقه. هذا مقتضى الحكمة الالهية. مع انه تعالى قال هناك هم فلعرفتهم بسيماهم. اي بعلاماتهم التي هي كالوسم في وجوههم. ولتعرفن انهم في لحن القول والله يعلم اعمالكم. اي لابد ان يظهر ما في قلوبهم ويتبين بفلتات السنتهم فان الالسن مغارف القلوب يظهر منها ما في القلوب من الخير والشر. فيجازيكم عليها ثم ذكر اعظم امتحان يمتحن به عبادة وهو الجهاد في سبيل الله. فقال المجاهدين منكم ونبلوا اخباركم. ولنبلونكم اي نختبر ايمانكم وصبركم فمن امتثل امر الله وجاهد في سبيل الله لنصر دينه واعلاء كلمته فهو المؤمن حقا. ومن تكاسل عن ذلك كان ذلك نقصا في ايمانه ما لهم؟ هذا وعيد شديد لمن جمع انواع الشر كلها من الكفر بالله وصد الخلق عن سبيل الله الذين نصبه موصلا اليه وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى. اي عاندوه وخالفوه عن عمد وعناد. لا عن جهل وغي وضلال فانهم لن يضروك الله شيئا فلا ينقص به ملكه. اي مساعيهم التي بذلوها في نصر الباطل بالا تثمر لهم الا الخيبة والخسران. واعمالهم التي يرجون بها الثواب. لا تقبل لعدم وجود شرطها يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول ولا تبطلوا اعمالكم. يأمر تعالى المؤمن بامر به تتم امورهم وتحصل سعادتهم الدينية والدنيوية. وهو طاعته وطاعة رسوله في اصول الدين وفروعه هي امتثال الاوامر واجتناب النهي على الوجه المأمور به بالاخلاص وتمام المتابعة. وقوله ولا تبطلوا اعمالكم يشمل النهي عن ابطالها بعد عملها بما يفسدها من من بها واعجاب وفخر وسمعة ومن عمل بالمعاصي التي تطمحن معها الاعمال ويحبط اجرها ويشمل النهي عن افسادها حال وقوعها بقطعها او الاتيان بمفسد من مفسداتها فمبطلات الصلاة والصيام والحج ونحوها. كلها داخلة في هذا ومنهي عنها. ويستدل الفقهاء بهذه الاية على تحريم قطع الفرض وكراهة قطع النفل من غير موجب لذلك. واذا كان الله قد نهى عن ابطال الاعمال فهو امر باصلاحها واكمالها واتمامها والاتيان بها على الوجه الذي تصلح به علما وعملا هذه الاية والتي في البقرة قوله ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة. مقيدتان لكل نص مطلق. فيه احباط العمل بالكفر. فانه مقيد الموت عليه فقال هنا ان الذين كفروا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. وصدوا الخلق عن سبيل الله بتزهيدهم اياهم بالحق ودعوتهم الى الباطل وتزيينه. ثم ماتوا وهم كفار لم يتوبوا منه. فلن يغفر الله لهم. لا شفاعة ولا بغيرها. لانه قد تحتم عليهم العقاب وفاتهم الثواب. ووجب عليهم الخلود في النار. وسدت عليهم رحمة الرحيم الغفار ومفهوم الاية الكريمة انهم ان تابوا من ذلك قبل موتهم. فان الله يغفر لهم ويرحمهم. ويدخلهم الجنة. ولو كانوا مفنين ان اعمارهم في الكفر به والصد عن سبيله. والاقدام على معاصيه. فسبحان من فتح لعباده ابواب الرحمة. ولم يغلقها عن احد ما دام محي متمكنا من التوبة. وسبحان الحليم الذي لا يعادل العاصين بالعقوبة. بل يعافيهم ويرزقهم. كانهم ما عصوه مع قدرته عليهم ثم قال تعالى فلا تهنوا وتدعوا الى السلم فلا تهنوا اي لا تضعفوا عن قتال عدوكم ويستولي عليكم الخوف بل اصبروا واثبتوا ووطنوا على القتال والجلاد. طلبا لمرضاة ربكم ونصحا للاسلام واغضابا للشيطان. ولا تدعو الى المسألة والمتاركة بينكم وبين اعدائكم طلبا للراحة والحال انكم ولن يتركم اعمالا ولن يتركم ان ينقصكم اعمالكم. فهذه الامور الثلاثة كل منها مقتض للصبر وعدم الوهن. كونهم الاعلين اي قد توفرت لهم اسباب النصر ووعدوا من الله بالوعد الصادق. فان الانسان لا يهن الا اذا كان اذل من غيره واضعف عددا وعددا وقوة داخلية وخارجية. الثاني ان الله معهم فانهم مؤمنون. والله مع المؤمنين بالعون والنصر والتأييد وذلك موجب لقوة قلوبهم واقدامهم على عدوهم. الثالث ان الله لا ينقصهم من اعمالهم شيئا. بل سيوفيهم ويزيدهم من فضله. خصوصا عبادة الجهاد فان النفقة تضاعف فيه. الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة وقال تعالى ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله. ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو ميلا الا كتب لهم به عمل صالح. ان الله لا يضيع اجر المحسنين. ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة. ولا يقطع واديا الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون. فاذا عرف الانسان ان الله تعالى لا يضيع عمله وجهاده. او وجب له ذلك النشاط وبذل الجهد فيما يترتب عليه الاجر والثواب. فكيف اذا اجتمعت هذه الامور الثلاثة؟ فان ذلك يوجب النشاط التام فهذا من ترغيب الله لعباده وتنشيطهم وتقوية انفسهم على ما فيه صلاحهم وفلاحهم يؤتكم اجوركم ولا يسألكم اموالكم. هذا تزهيد منه لعباده في الحياة الدنيا باخبارهم عن حقيقة امرها. بانها لعب ولهو. لعب في الابدان ولهو في القلوب. فلا يزال العبد لاهيا في ماله واولاده وزينته ولذاته من النساء والمآكل والمشارب. والمساكن والمجالس والمناظر والرياسات. لاعب في كل في عمل لا فائدة فيه. بل هو دائر بين البطالة والغفلة والمعاصي. حتى تستكمل دنياه ويحضره اجله. فاذا هذه الامور قد ولت وفارقت ولم يحصل العبد منها على طائل. بل قد تبين له خسرانه وحرمانه. وحضر عذابه فهذا موجب للعاقل الزهد فيها وعدم الرغبة فيها والاهتمام بشأنها. وانما الذي ينبغي ان يهتم به ما ذكره بقوله. وان تؤمنوا وتتقوا بان تؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. وتقوموا بتقواه التي هي من لوازم الايمان ومقتضياته. وهي العمل بمرضاته على دوام مع ترك معاصيه فهذا الذي ينفع العبد وهو الذي ينبغي ان يتنافس فيه وتبذل الهمم والاعمال في طلبه. وهو مقصود الله من عباده رحمة بهم ولطفا. ليثيبهم الثواب الجزيل. ولهذا قال وان تؤمنوا وتتقوا يؤتكم اجور اي لا يريد تعالى ان يكلفكم ما يشق عليكم ويعنتكم من اخذ اموالكم وبقائكم بلا مال او ينقصكم نقصا يضركم. ولهذا قال ان يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج اضغانكم اي ما في قلوبكم من الضغن. اذا طلب منكم ما تكرهون بذله. هاء انتم هؤلاء تدعون وان تتولى والدليل على ان الله لو طلب منكم اموالكم واحفاكم بسؤالها انكم تمتنعون منها. انكم تدعون لتنفقوا في سبيل الله على هذا الوجه. الذي فيه مصلحتكم الدينية والدنيوية. فمنكم من يبخل اي فكيف لو سألكم وطلب منكم اموالكم في غير امر ترونه مصلحة عاجلة؟ اليس من باب اولى واحرى امتناعكم من ذلك. ثم قال ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه. لانه حرم نفسه ثواب الله تعالى وفاته خير كثير. ولن يضر الله بترك الانفاق شيئا. فان الله هو الغني وانتم الفقراء الغني وانتم الفقراء تحتاجون اليه في جميع اوقاتكم لجميع وان تتولوا عن الايمان بالله وامتثال ما يأمركم به ثم لا يكونوا امثالكم. ثم لا يكونوا امثالكم في التولي. بل يطيعون الله ورسوله. ويحبون الله ورسوله كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه