وقد ذكر بعض شراح جمع جوامع ان المصنف رحمه الله تعالى تابع صاحب الشامل الصغير في الفقه ومنه استمد هذه الخاتمة التي اتى بجمل منها وزاد عليها. وقد تقدم ايضا في مجالس سبقت ان المصنف رحمه الله تعالى منذ ان اتى بالمسائل التي لا يسوغ فيها التقليد في اصول الدين وذكر جملا من العقائد كان غير مسبوق رحمه الله تعالى بهذا الصنيع في كاصول الفقه ولم يوافق عليه من جاء قبله او بعده في ادراج هذه الجمل. باعتبار متون متون الاصول وكتبه بعلم هذا الفن وفصوله وابوابه. فاورد هذه الخاتمة على هذا النحو المذكور الذي تمت الاشارة اليه. غير انه اورد في صدره بهذه الخاتمة جملة تتعلق باول الواجبات ليست تندرج ايضا في مسائل التصوف او السلوك او الزهد او الورع لكنه ابتدأ بها باعتبارها اول واجب ومن ثم شرع في جمل مما يتعلق بالتزكية او الزهد والورع. نعم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين والحاضرين. حاضرين وقال نعم هذه الجملة التي اردت انها مما لا تتصل ايضا بالتزكية او علم السلوك لكنها يجعلونها في مسائل العقيدة في اول ما يجب على المكلف معرفته. ويقصد بقوله اول الواجبات المعرفة ان اول واجب على المكلف معرفته بالله عز وجل لانها مبنى سائر الواجبات. فان كل الواجبات الشرعية فرع عن معرفته بالايمان بالله سبحانه وتعالى. واعلم رعاك الله ان قولهم اول الواجبات المعرفة هي مقولة الجهمية والمعتزلة وتلقاها عنهم الاشاعرة وقرروها وتلقاها ايضا بعض متأخري اهل السنة في هذه الجملة واطلاق القول بان اول واجب هو معرفة الله تعالى. وبين يدي هذا الذي ساقه المصنف رحمه الله على طريقة الاشاعرة في اول الواجبات يحسن ان تقف على بيان تقرير الاشاعرة للمسألة. حكى الاشاعرة عن الامام ابي الحسن الاشعري بانه اول واجه هو المعرفة كما في كتب عقائدهم التي تقرر المذهب. اي معرفة وجود الله عز وجل وتفرده لخلق العالم واما المذهب الثاني داخل المذهب عندهم فهو المنسوب الى القاضي ابي بكر الباقلاني وذكره هنا الى الاستاذ نسبه للاستاذة اسحاق ان اول واجب النظر المؤدي اليها يعني المؤدي الى المعرفة. وهذا نوع من التسلسل في تقرير القضية فلما قرروا ان اول واجب هو المعرفة نظروا فيها منطقا وبداها. فاذا قبل المعرفة يكون النظر المؤدي الى المعرفة فليكن النظر هو اول واجب وليست المعرفة بل تكون المعرفة تالية له. وبهذا صرح الباقلاني رحمه الله لما قال اول ما فرض الله على جميع العباد النظر في النظر في اياته. الى ان قال والثاني من فرائض الله عز وجل على جميع العباد الايمان به والاقرار بكتبه ورسله الى اخر ما قال وثالث المذاهب عندهم والمنسوب الى الجويني. قال اول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن البلوغ او الحلم شرعا القصد الى النظر الصحيح وهو تسلسل كما قلت فقالوا المعرفة بالله اول الواجبات. ثم قال قائلهم ليست المعرفة هو النظر فيما يؤدي الى المعرفة ثم امعن بعضهم اكثر فقال حتى النظر لابد ان يسبقه قصد فالقصد هو اول الواجبات ويتفرع عنه النظر والنظر يوصل الى المعرفة. وقال بعضهم زيادة فيما ذكر المصنف ان اول النظر النظر بل مباديه واوله وبداياته هي اول الواجبات وهو نوع من الايغال في تقرير القضية على هذا النحو كما اشرت لك سابقة وزاد بعض متأخريهم غلوا في المسألة فقال بل اول الواجبات الشك في الله تعالى لانه ينشئ القصد الى النظر والنظر يسوق الى المعرفة. فقرروا جملا يظهر مما تفرع عنها وتوسع وتشعب شيئا من طرف الخطأ الغلو في القضية التي ساشير اليها بعد قليل قال البجوري شارح الجوهرة في احد اهم كتب العقيدة عند الاشاعرة مجامعا بين هذه الاقوال هل اول الواجب هو المعرفة او هو النظر او هو القصد الى النظر؟ قال والاصح يعني عندهم في المذهب ان اول واجب قصدا المعرفة. واول واجب وسيلة قريبة النظر. واول واجب وسيلة بعيدة القصد النظر فكأنه جمع بين الاقوال وقال كل يعتبر الاول باعتبار. كل من الثلاثة يعتبر الاول باعتبار مختلف سواء كان بالقصد او بالوسيلة قريبة او بعيدة في ظهر ان الخلاف بينهم داخل المذهب الاشعري لفظي كما قرره بعضهم وذكره ايضا شيخ الاسلام واعلم ايضا ان المراد بالنظر عندهم ليس النظر في ايات الله وملكوته بل المقصود النظر المنطقي الذي هو ترتيب امرين معلومين يتوصل بترتيبهما الى معلوم مجهول او الى امر مجهول. فيكون النظر الواجب عندهم اي نظر النظر المنطقي بناء المقدمات والوصول الى النتائج. وهذا محل اشكال اخر. هذا يجب على عموم المكلفين؟ وهل هو في مقدورهم وهذا محل نقاش بينهم وبين السلف. عدد شارح الجوهرة المطالب السبعة التي يتوصل بها الى اثبات وجود الله على طريقة الاشاعرة ثم قال وهذه المطالب السبعة لا يعرفها الا الراسخون في العلم فاذا كانت مقصورة على الراسخين فما شأن العوام وما حالهم؟ اذا كان هذا هو بوابة الواجبات واولها في حق المكلفين. ونقل عن السنوسي وبها ينجو المكلف من ابواب جهنم السبعة. يعني المطالب السبعة هي النجاة من ابواب جهنم السبعة. ويترتب على هذا من التقرير ما لا يعني ينبغي التسليم به في حصر الواجب وادائه والنجاة من النار وتحقيق التوحيد. ولهذا ترددوا كثيرا في حكم من لم يحقق المعرفة بالله نظرا وفمنهم من قرر كفر صاحبه ومنهم من صحح ايمان المقلدة واعتقادهم واقوى الاقوال عندهم تصحيح ايمان قلدت العوام ويستثنى من ذلك اهل النظر فانه ان قلد في هذه المسائل دون اعتماد على المطالب المؤدية الى المعرفة فانه يفسق على الصحيح عنده في المذهب. هذا التقرير كله داخل المذهب عندهم يستحق الاشارة الى ما يمكن الاستدراك به عليه في النقاط الاتية اولا حدوث هذا القول على يد المعتزلة والجهمية وهو من بقايا قولهم في مذهب الاشاعرة كما صرح به غير واحد يقول ابو المظفر السمعاني رحمه الله وليس من عدادهم لكنه يصف حال المذهب يقول وانما انكرنا طريقة اهل الكلام فيما اسسوها فانهم قالوا اول ما يجب على الانسان النظر المؤدي الى معرفة الباري عز وجل. قال وهذا قول ترع لم يسبقهم اليه احد من السلف وائمة الدين. اما ابو جعفر السمناني وهو من معتبري الائمة الاشاعرة ومن رؤوس يقول ان هذه المسألة بقيت في مقادة الاشعري من مسائل المعتزلة وتفرع عليها ان الواجب على كل احد معرفة الله بالادلة الدالة عليه الى ان قال وانه لا يكفي التقليد في ذلك. وقد نقل قول ابي جعفر هذا الحافظ ابن حجر في الفتح وهو ممن يعتني بمذهب الاشاعرة ويقرره في كثير من المسائل. حتى الغزالي الاشعري في المذهب اعترض على هذا التقرير داخل المذهب الاشعري في ايجاب النظر واعتباره اول الواجبات او كما قالوا المعرفة كما قرره في الاحياء. الامر الثاني في ما يتعلق بالتعليق على هذه المقالة الاصل المتقرر في نصوص الشريعة والذي يقرره علماء اهل السنة سلفا وخلفا ان اول واجبات توحيد الله عز وجل بالشهادتين تحديدا. ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت. وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون. وحديث معاذ رضي الله عنه في الصحيحين لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم الى اليمن والنص في هذا صريح للغاية فليكن اول ما تدعوهم اليه شهادة ان لا اله الا الله كما رواية مسلم وعند البخاري فليكن اول ما تدعوهم الى ان يوحدوا الله. ورواية اخرى في الصحيحين فليكن اول ما تدعوهم اليه عبادة الله فعبادة الله توحيد الله شهادة ان لا اله الا الله هي جمل يؤدي بعضها الى بعض تقرر هذا الاصل الذي ووفرت عليه النصوص وحديث الصحيحين الاخر امرت ان اقاتل الناس حتى ينظر او يقصد النظر او يتبادر بوادئ النظر قال حتى يقولوا لا اله الا الله او حتى يشهدوا ان لا اله الا الله. هذه ادلة وكثير تقريرها في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الامر الثالث فيما يتعلق بتعليق على هذه المقالة. يقول الامام ابن دقيق العيد رحمه الله والبداءة هي المطالبة بالشهادة لان ذلك اصل الدين الذي لا يصح شيء من فروع الشريعة الا به. فمن كان غير موحد فالمطالبة جهة اليه بكل واحد من الشهادتين علينا. يقول البيهقي وهو اشعري المذهبي لكنه اقرب الى اهل الحديث في عنايته بالسنة يقول في الاعتقاد والهداية الى سبيل الرشاد باب اول ما يجب على العبد معرفته والاقرار به. قال الله تعالى فاعلم انه لا اله الا الله. وقوله تعالى واعلموا ان الله مولاكم ومثله قرر الامام اللالكائي في شرح اصول اعتقاد اهل السنة. يقول شيخ الاسلام تفنيدا لهذه المقالة التي تواطأ عليها ائمة الاشاعرة معرفة الخالق فطرية ضرورية. هل تحتاج الى تقرير لتكون اول واجب؟ يقول معرفة الخالق فطرية ضرورية والقلوب مفطورة على الاقرار به سبحانه او اعظم من كونها مفطورة على الاقرار بغيره. الامر الاخير في هذا التعليق هذا فيما يتعلق باول الواجبات على الاطلاق. واما اول الواجبات نسبيا فهي مختلفة باختلاف احوال المكلفين بمعنى انه بعد الدخول في الاسلام فاول الواجبات الشرعية امر متفاوت. في هذا ايضا يقول شيخ الاسلام رحمه الله تعالى واول الواجبات الشرعية يختلف باختلاف احوال الناس. فقد يجب على هذا ابتداء ما لا يجب على هذا ابتداء. فيخاطب الكافر عند بلوغه الشهادتين وذلك اول الواجبات الشرعية التي يؤمر بها. واما المسلم فيخاطب بالطهارة اذا لم يكن متطهرا. وبالصلاة وغير ذلك من الواجبات الشرعية التي لم يفعلها. قال وفي الجملة فينبغي ان يعلم ان ترتيب الواجبات في الشرع واحدا بعد واحد ليس هو امرا يستوي فيه جميع الناس بل هم متنوعون في ذلك. فكما انه قد يجب على هذا ما لا يجب على هذا فكذلك قد يؤمر هذا ابتداء بما لا يؤمر به هذا. فكما ان الزكاة يؤمر بها بعض الناس دون بعض. وكلهم يؤمر بالصلاة. فهم مختلفين فيما يؤمرون به ابتداء من واجبات الصلاة فمن كان يحسن الوضوء وقراءة الفاتحة ونحو ذلك من واجباتها امر بفعل ذلك ومن لم يحسن ذلك امر بتعلمه ابتداء يتعلم الفاتحة ويتعلم الوضوء ولا يكون اول ما يؤمر به هذا من امور الصلاة هو اول ما يؤمر به هذا وساق كلاما في هذا المعنى فالمقصود ان تقريرهم على هذا النحو اشرت لك انه اصل موضوع في طريقة الجهمية والمعتزلة ومنه تسرب تقريره في مذهب الاشاعرة وتعاقبوا عليه الا ان عددا من الائمة المحققين ابى هذا التقرير ورأى انه لا يستقيم مع نصوص الشريعة التي تقرر اولية الواجبات في توحيد الله بالشهادتين