ان القتل فلما قتل اخاه لم يدري كيف يصنع به. لانه اول ميت مات من بني ادم وفي الارض ليريه كيف يواري سوءة اخيه. قال يا ويلتا اعجزت ان اكون مثل هذا حفظ للاموال واحتياط لها. وليقطع العضو الذي صدرت منه الجناية. فان عاد السارق قطعت رجله اليسرى. فان عاد ثقيلة تقطع يده اليسرى ثم رجله اليمنى وقيل يحبس حتى يموت. وقوله اذلة على مؤمنين عزة على الكافرين يجاهدون يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون امة لا ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء يخبر تعالى انه الغني عن العالمين وانه من ارتد انهم اذا سمعوا ما انزل الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم اثر ذلك في قلوبهم وخشعوا له. وفاضت اعينهم بسبب ما سمعوا من الحق الذي تيقنوه. فلذلك امنوا واقروا به الا اذا كان الحنث خيرا فتمام الحفظ ان يفعل الخير ولا يكون يمينه عرضة لذلك الخير من اياته لعلكم تشكرون. كذلك يبين الله لكم اياته المبينة للحلال من الحرام. الموضحة فبعث الله غرابا يبحث في الارض اي يثيرها ليدفنه قرابا اخر ميتا ليريه بذلك كيف يواري سوءة اخيه اي بدنه. لان بدن الميت يكون عورة وهكذا عاقبة المعاصي الندامة والخسارة من خلق بلا اب ولا ام. فهلا ادعوا فيهما الالهية كما ادعوها في المسيح. فدل على ان قولهم اتباع هوى من غير برهان ولا شبهة فرد الله عليهم بادلة عقلية واضحة. فقال الذين يأتون بكل كذب لا عقول لهم ولا همم فلا تبالي ايضا اذا لم يتبعوك. لانهم في غاية النقص والناقص لا يأبه له ولا يقولون ان اوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا. اي هذا قولهم عند فاذا كان المذكورون الامتناع عندهم يمنعهم لو اراد الله ان يهلكهم ولا قدرة لهم على ذلك. دل على بطلان الهية من لا يمتنع من الاهلاك. ولا في قوته شيء من الفكاك المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. يا ايها الذين امنوا اوفوا بالعقوب ان الله يحكم ما يريد. هذا امر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الايمان بالوفاء بالعقود. اي باكمالها واتمامها وعدم نقضها ونقصها. وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه من التزام عبوديته والقيام بها اتم قيام وعدم الانتقاص من حقوقها شيئا. والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه والتي بينه وبين الوالدين والاقارب. ببرهم وصلتهم وعدم قطيعتهم. والتي بينه وبين اصحابه من القيام بحقوق صحبة في الغنى والفقر واليسر والعسر والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات كالبيع والاجارة ونحوهما وعقود التبرعات كالهبة ونحوها بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله انما المؤمنون اخوة بالتناصر على الحق والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع. فهذا الامر شامل لاصول الدين وفروعه. فكلها داخلة في العقود التي امر الله بالقيام بها ثم قال ممتنا على عباده احلت لكم بهيمة الانعام الا ما احلت لكم اي لاجلكم رحمة بكم بهيمة الانعام من الابل والبقر والغنم بل ربما دخل في ذلك الوحشي منها والظباء حمر الوحش ونحوها من الصيود. واستدل بعض الصحابة بهذه الاية على الجنين الذي يموت في بطن امه بعدما تذبح الا ما يتلى عليكم تحريمه منها في قوله حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير الى اخر الاية. فان هذه المذكورات وان كانت من بهيمة الانعام فانها محرمة. ولما كانت اباحة بهيمة الانعام عامة في جميع الاحوال والاوقات استثنى منها الصيد في حال الاحرام فقال غير محل الصيد وانتم حرم اي احلت لكم بهيمة الانعام في كل الحال الا حيث كنتم متصفين بانكم غير محل الصيد وانتم حرم. اي متجرؤون على قتله في حال الاحرام. وفي الحرم فان ذلك لا يحل لكم اذا كان صيدا كالظباء ونحوه. والصيد هو الحيوان المأكول المتوحش. ان الله يحكم ما يريد اي فمهما اراده تعالى حكم به حكما موافقا لحكمته. كما امركم بالوفاء بالعقود لحصول مصالحكم ودفع المضار عنكم واحل لكم بهيمة الانعام رحمة بكم. وحرم عليكم ما استثنى منها من ذوات العوارض. من الميتة ونحوها صونا لكم واحتراما ومن صيد الاحرام احتراما للاحرام واعظاما ولا ان تعتلوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان آآ واتقوا الله ان الله شديد العقاب. يقول تعالى يا ايها الذين امنوا لا تحلوا شعائر الله. اي محرماته التي امركم بتعظيمها. وعدم فعلها. والنهي يشمل النهي عن والنهي عن اعتقاد حلها. فهو يشمل النهي عن فعل القبيح وعن اعتقاده. ويدخل في ذلك النهي عن محرمات الاحرام. ومحرمات ويدخل في ذلك ما نص عليه بقوله ولا الشهر الحرام اي لا تنتهكوهم بالقتال فيه وغيره من انواع الظلم كما قال تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض منها اربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن انفسكم والجمهور من العلماء على ان القتال في الاشهر الحرم منسوخ بقوله تعالى فاذا انسلخ الاشهر الحرم المشركين حيث وجدتموهم وغير ذلك من العمومات التي فيها الامر بقتال الكفار مطلقا. والوعيد في التخلف عن قتالهم مطلقا وبان النبي صلى الله عليه وسلم قاتل اهل الطائف في ذي القعدة وهو من الاشهر الحرم. وقال اخرون ان النهي عن القتال في الاشهر الحرم غير منسوخ لهذه الاية وغيرها. مما فيه النهي عن ذلك بخصوصه. وحملوا النصوص المطلقة الواردة على ذلك. وقالوا يحمل على المقيد وفصل بعضهم فقال لا يجوز ابتداء القتال في الاشهر الحرم. واما استدامته وتكميله اذا كان اوله في غيره فانه يجوز. وحملوا قتال النبي صلى الله عليه وسلم لاهل الطائف على ذلك. لان اول قتالهم في حنين في شوال كل هذا في القتال الذي ليس المقصود منه الدفع. فاما قتال الدفع اذا ابتدأ الكفار المسلمين بالقتال. فانه يجوز للمسلمين القتال دافعا عن انفسهم في الشهر الحرام وغيره باجماع العلماء. وقوله ولا الهدي ولا القلائد. اي ولا تحل الهدي الذي يهدى الى بيت الله في حج او عمرة او غيرهما من نعم وغيرها. فلا تصدوه عن الوصول الى محله. ولا تأخذوه بسرقة او غيرها. ولا تقصروا به او تحملوه ما لا يطيق. خوفا من تلفه قبل وصوله الى محله. بل عظموه وعظموا من جاء به. ولا القلائد هذا نوع خاص منه انواع الهدي وهو الهدي الذي يفتل له قلائد او عرى فيجعل في اعناقه اظهارا لشعائر الله. وحملا للناس على الاقتداء وتعليما لهم السنة وليعرف انه هدي فيحترم. ولهذا كان تقليد الهدي من السنن والشعائر المسنونة ولامين البيت الحرام اي قاصدين له يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا. اي من قصد هذا البيت الحرام وقصده فضل الله بالتجارة والمكاسب المباحة. او رضوان الله بحجه وعمرته والطواف به. والصلاة وغيرها من انواع العبادات. فلا تتعرضوا له بسوء. ولا تهينوه. بل اكرموه معظم الوافدين الزائرين لبيت ربكم. ودخل في هذا الامر الامر بتأمين الطرق الموصلة الى بيت الله. وجعل القاصدين له مطمئنين مستريحين غير خائفين على انفسهم من القتل فما دونه. ولا على اموالهم من النقص والنهب ونحو ذلك. وهذه الاية الكريمة فرصة بقوله تعالى يا ايها الذين امنوا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا. فالمشرك لا يمكن من دخولي الى الحرم والتخصيص في هذه الاية بالنهي عن التعرض لمن قصد البيت ابتغاء فضل الله او رضوانه يدل على ان من قصده ليلحد فيه بالمعاصي فان من تمام احترام الحرم صد من هذه حاله عن الافساد ببيت الله. كما قال الله تعالى ومن يرد فيه بالحاد ظلم نذقه من عذاب اليم. ولما نهاهم عن الصيد في حال الاحرام قال واذا حللتم اي اذا حللتم من الاحرام بالحج والعمرة وخرجتم من الحرم حل لكم الاصطياد وزال ذلك التحريم والامر بعد التحريم يرد الاشياء الى ما كانت عليه من قبل. ولا يجرمنكم شنآن قوم ان صدوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا. اي ليحملنكم بغض قوم عداوتهم واعتداؤهم عليكم حيث صدوكم عن المسجد على الاعتداء عليهم طلبا للاشتفاء منهم. فان العبد عليه ان يلتزم امر الله ويسلك طريق العدل. ولو جني عليه او ظلم واعتدي عليه. فلا يحل له ان يكذب على من كذب عليه. او يخون من خانه تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان. وتعاونوا على البر والتقوى اي ليعن بعضكم بعضا على البر. وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه. من الاعمال الظاهرة والباطنة. من حقوق الله حقوق الادميين والتقوى في هذا الموضع. اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله. من الاعمال الظاهرة والباطنة. وكل من خصال الخير المأمور بفعلها او خصلة من خصال الشر المأمور بتركها. فان العبد مأمور بفعلها بنفسه. وبمعاونة غيره من اخوانه المؤمنين عليها بكل قول يبعث عليها وينشط لها. وبكل فعل كذلك. ولا تعاونوا على الاثم. وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها ويحرج والعدوان وهو التعدي على الخلق في دمائهم واموالهم واعراضهم. فكل معصية وظلم يجب على العبد كف عنه ثم اعانة غيره على تركه شديد العقاب على من عصاه وتجرأ على محارمه. فاحذروا المحارم لان لا يحل بكم عقابه العاجل والاجل وما اكل السمع هذا الذي اولا الله عليه في قوله الا ما يتلى عليكم. واعلم ان الله تبارك وتعالى لا يحرم ما يحرم الا صيانة لعباده. وحماية له من ضرر الموجود في المحرمات. وقد يبين للعباد ذلك وقد لا يبين. فاخبر انه حرم الميتة والمراد بالميتة ما فقدت حياته بغير زكاة شرعية فانها تحرم لضررها. وهو احتقان الدم في جوفها ولحمها. المضر باكلها وكثيرا ما تموت بعلة سببا لهلاكها فتضر بالاكل. ويستثنى من ذلك ميتة الجراد والسمك. فانه حلال والدم اي المسفوح. كما في الاية الاخرى ولحم الخنزير وذلك شامل لجميع اجزائه. وانما نص الله عليه من بين سائر الخبائث من السباع. لان من اهل الكتاب من النصارى يزعمون ان الله احله لهم. اي فلا تغتروا بهم بل هو محرم من جملة الخبائث. وما اهل لغير الله اي ذكر عليه اسم غير الله تعالى من الاصنام والاولياء والكواكب وغير ذلك من المخلوقين. فكما ان ذكر الله تعالى يطيب الذبيحة فذكر اسم غيره عليها يفيدها خبثا معنويا. لانه شرك بالله تعالى والمنخنقة. اي الميتة بخنق بيد او حب او ادخالها رأسها بشيء ضيق فتعجز عن اخراجه حتى تموت. والموقوذة اي الميتة بسبب الضرب بعصا. او حصى او خشبة او هدم شيء عليها بقصد او بغير قصد. والمتردية اي الساقطة من علو كجبل او جدال او سطح ونحوه فتموت بذلك والنطيحة وهي التي تنطحها غيرها فتموت. وما اكل السبع من ذئب او اسد او نمر او من الطيور التي احترس الصيود فانها اذا ماتت بسبب اكل السبع فانها لا تحل. وقوله الا ما ذكيتم راجع لهذه المسائل من منطلقة وموقوذة ومتردية ونطيحة واكيلة سبع اذا ذكيت وفيها حياة مستقرة لتتحقق الذكاة فيها ولهذا قال الفقهاء لو ابان السبع او غيره حشوتها او قطع حلقومها كان وجود حياتها كعدمه. لعدم فائدة الذكاة فيها وبعضهم لم يعتبر فيها الا وجود الحياة. فاذا زكاها وفيها حياة حلت ولو كانت مبانتة الحشوة. وهو ظاهر الاية الكريمة. وان بالازلام ان يحرم عليكم الاستقسام بالازلام. ومعنى الاستقسام طلب ما يقسم لكم ويقدر بها. وهي قداح ثلاثة كانت تستعمل في الجاهلية مكتوب على احدها افعل وعلى الثاني لا تفعل. والثالث غفل لا كتابة فيها. فاذا هم احدهم بسفر او عرس او نحوهما اجال تلك القداح المتساوية في الجرم. ثم اخرج واحدا منها. فان خرج المكتوب عليه افعل مضى في امره. وان المكتوب عليه لا تفعل لم يفعل ولم يمض في شأنه. وان ظهر الاخر الذي لا شيء عليه اعادها حتى يخرج احد القدحين فيعمل به فحرمه الله عليهم الذي في هذه الصورة وما يشبهه وعوضهم عنه بالاستخارة لربهم في جميع امورهم. ذلكم فسق الاشارة لكل ما تقدم من المحرمات التي حرمها الله صيانة لعباده. وانها فسق اي خروج عن طاعته الى طاعة الشيطان ثم امتن على عباده بقوله فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم واليوم المشار اليه يوم عرفة. اذ اتم الله دينه ونصر عبده ورسوله. وانخذل اهل الشرك انخذالا بليغا. بعدما كان حريصين على رد المؤمنين عن دينهم. طامعين في ذلك. فلما رأوا عز الاسلام وانتصاره وظهوره. يئسوا كل اليأس من المؤمنين ان يرجعوا الى دينهم وصاروا يخافون منهم ويخشون. ولهذا في هذه السنة التي حج فيها النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر. حجة الوداع لم يحج فيها مشرك ولم يطف بالبيت عريان. ولهذا قال فلا تخشوهم واخشون. اي فلا تخشوا المشركين واخشوا الله الذي نصركم وخذلهم ورد كيدهم في نحورهم اليوم اكملت لكم دينكم بتمام النصر وتكميل الشرائع الظاهرة والباطنة الاصول الفروع ولهذا كان الكتاب والسنة كافيين كل الكفاية في احكام الدين اصوله وفروعه. فكل متكلف يزعم انه لابد الناس في معرفة عقائدهم واحكامهم الى علوم غير علم الكتاب والسنة. من علم الكلام وغيره فهو جاهل. مبطل في دعواه. قد كما ان الدين لا يكمن الا بما قاله ودعا اليه. وهذا من اعظم الظلم والتجهيل لله ورسوله. واتممت عليكم نعمتي الظاهرة والباطنة ورضيت لكم الاسلام دينا. اي اخترته واصطفيته لكم دينا. كما ارتضيتكم له. فقوموا به شكرا لربكم. واحمدوا الذي من عليكم وللاديان واشرفها واكملها فمن اضطر اي الجأته الضرورة الى اكل شيء من المحرمات السابقة في قوله حرمت عليكم ميتة في مخمصة اي مجاعة غير متجانس اي مائل لاثم بالا يأكل حتى يضطر ولا يزيد في الاكل على كفايته فان الله غفور رحيم. حيث اباح له الاكل في هذه الحال. ورحمه بما يقيم به بنيته من غير نقص يلحقه في دينه. يسأل فكلوا منا امسكنا عليكم واذكروا اسم الله عليكم يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يسأل يسألونك ماذا احل لهم من الاطعمة؟ قل احل لكم الطيبات وهي كل ما فيه نفع او لذة. من غير ضرر بالبدن او بالعقل. فدخل في ذلك جميع الحبوب والثمار التي في القرى والبراري. ودخل في ذلك جميع حيوانات البحر. وجميع حيوانات البر الا ما استثناه الشارع السباع والخبائث منها. ولهذا دلت الاية بمفهومها على تحريم الخبائث. كما صرح به في قوله تعالى ويحل لهم الطيبات ويحرم الخبائث وما علمتم من الجوارح اي احل لكم ما علمتم من الجوارح. دلت هذه الاية على امور احدها لطف الله بعباده ورحمته لهم حيث وسع عليهم طرق الحلال واباح لهم ما لم يذكوه مما صادته الجوارح. والمراد بالجوارح الكلاب والفهود والصقر ونحو ذلك مما يصيد بنابه او بمخلبه. الثاني انه يشترط ان تكون معلمة بما يعد في العرف تعليما. بان يسترسل اذا ارسل وان زجر اذا زجر واذا امسك لم يأكل. ولهذا قال تعلمونهن مما علمكم الله فامسكنا عليكم واتقوا الله ان الله سريع الحساب. فكل مما امسكنا عليكم اي امسكنا من الصيد لاجلكم. وما اكل منه الجارح فانه لا يعلم انه امسكه على صاحبه. ولعله ان يكون امسكه على نفسه. الثالث اشتراط ان يجرحه الكلب او الطير ونحوهما. لقوله من الجوارح مع ما تقدم من تحريم المنخنقة فلو خنقه الكلب او غيره او قتله بثقله لم يبح. هذا بناء على ان الجوارح اللاتي يجرحن الصيد بانيابها او مخالبها. والمشهورة اذكروا ان الجوارح بمعنى الكواسب اي المحصلات للصيد والمدركات لها فلا يكون فيها على هذا دلالة والله اعلم. الرابع جواز اقتناء كلب الصيد كما ورد في الحديث الصحيح مع ان اقتناء الكلب محرم. لان من لازم اباحة صيده وتعليمه جواز اقتنائه الخامس طهارة ما اصابه فم الكلب من الصيد. لان الله اباحه ولم يذكر له غسلا. فدل على طهارته. السادس فيه فضيلة العلم وان الجارح المعلم بسبب العلم يباح صيده. والجاهل بالتعليم لا يباح صيده. السابع ان الاشتغال بتعليم الكلب او الطيب او نحوهما ليس مذموما وليس من العبث والباطل. بل هو امر مقصود لانه وسيلة لحل صيده والانتفاع به. الثامن فيه حجة لمن اباح بيع كلب الصيد قال لانه قد لا يحصل له الا بذلك. التاسع فيه اشتراط التسمية عند ارسال الجارح. وانه لم يسم الله متعمدا لم يبح ما قتل الجارح. العاشر انه يجوز اكل ما صاده الجارح. سواء قتله الجارح ام لا. وانه ان صاحبه وفيه حياة مستقرة فانه لا يباح الا بها. ثم حث تعالى على تقواه وحذر من اتيان الحساب في يوم القيامة. وان كذلك امر قد دنا واقترب فقال كرر تعالى الطيبات لبيان الامتنان. ودعوة للعباد الى شكره والاكثار من ذكره. حيث اباح لهم ما تدعوهم الحاجة اليه. ويحصل لهم الانتفاع به من ولله ملك السماوات والارض وما بينهما يخلق ما يشاء. ومن الادلة بان لله وحده ملك السماوات والارض يتصرف فيهم بحكمه الكوني والشرعي والجزائي. وهم مملوكون مدبرون. فهل يليق ان يكون الطيبات وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم. اي ذبائح اليهود والنصارى حلال لكم يا معشر المسلمين. دون باقي الكفار فان ذبائحهم لا تحل للمسلمين وذلك لان اهل الكتاب ينتسبون الى الانبياء والكتب. وقد اتفق الرسل كلهم على تحريم الذبح لغير الله. لانه شرك فاليهود والنصارى يتدينون بتحريم الذبح لغير الله. فلذلك ابيحت ذبائحهم دون غيرهم. والدليل على ان المراد بطعامهم ذبائحهم ان الطعام الذي ليس من الذبائح كالحبوب والثمار ليس لاهل الكتاب فيه خصوصية. بل يباح ذلك ولو كان من طعام غيرهم. وايضا فانه الطعام اليهم فدل ذلك على انه كان طعاما بسبب ذبحهم. ولا يقال ان ذلك للتمليك. وان المراد الطعام الذي يملكه لان هذا لا يباح على وجه الغصب ولا من المسلمين. وطعامكم ايها المسلمون حل لهم. اي يحل لكم ان تطعموهم اياه والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم اذا اتيتم آآ واحل لكم المحصنات اي الحرائر العفيفات من المؤمنات والحرائر العفيفات من الذين اوتوا الكتاب من قبله اي من اليهود والنصارى. وهذا مخصص لقوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن. ومفهوم الاية ان الارقاء من لا يباح نكاحهن للاحرار. وهو كذلك. واما الكتابيات فعلى كل حال لا يبحن. ولا يجوز نكاحهن للاحرار مطلقا لقوله تعالى من فتياتكم المؤمنات. واما المسلمات اذا كن رقيقات فانه لا يجوز للاحرار نكاحهن الا بشرطين. عدم الطول وخوف العنت. واما الفاجرات غير العفيفات عن الزنا. فلا يباح نكاحهن سواء كن مسلمات او كتابيات. حتى يتبن لقوله تعالى الزاني لا ينكح الا زانية او مشركة. وقوله اذا اتيتموهن اجورهن اي ابحنا لكم نكاح اذا اعطيتموهن مهورهن. فمن عزم على الا يؤتيها مهرها فانها لا تحل له. وامر بايتائها اذا كانت رشيدة تصلح والا اعطاه الزوج لوليها. واضافة الاجور اليهن دليل على ان المرأة تملك جميع مهلها. وليس لاحد منه شيء. الا ما سمحت به لزوجها او وليها او غيرهما محصنين غير مسافحين اي حالة كونكم ايها الازواج محصنين لنسائكم بسبب لفروجكم عن غيرهن غير مسافحين اي زانين مع كل احد. ولا متخذي اخدان وهو الزنا مع العشيقات لان الزنا في الجاهلية منهم من يزني مع من كان فهذا المسافح. ومنهم من يزني مع خدنه ومحبه. فاخبر الله تعالى ان ذلك كله في العفة وان شرط التزوج ان يكون الرجل عفيفا عن الزنا. وقوله تعالى ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله اي ومن كفر الله تعالى وما يجب الايمان به من كتبه ورسله او شيء من الشرائع فقد حبط عمله بشرط ان يموت على كفره كما قال تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر. فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة. وهو في الاخرة من الخاسرين. اي الذين خسروا انفسهم واهليهم واموالهم يوم القيامة. وحصلوا على الشقاوة الابدية هذه اية عظيمة قد اشتملت على احكام كثيرة. نذكر منها ما يسره الله وسهله. احدها ان هذه المذكورات فيها امتثالها او العمل بها من لوازم الايمان الذي لا يتم الا به. لانه صدرها بقوله يا ايها الذين امنوا ايا ايها الذين امنوا اعملوا في مقتضى ايمانكم بما شرعناه لكم. الثاني الامر بالقيام بالصلاة. لقوله اذا قمتم الى الصلاة. الثالث الامر نيتي للصلاة لقوله اذا قمتم الى الصلاة اي بقصدها ونيتها. الرابع اشتراط الطهارة لصحة الصلاة. لان الله امر بها عند القيام اليها والاصل في الامر الوجوب. الخامس ان الطهارة لا تجب بدخول الوقت. وانما تجب عند ارادة الصلاة السادس ان كل ما يطلق عليه اسم الصلاة من الفرض والنفل وفرض الكفاية وصلاة الجنازة تشترط له الطهارة حتى السجود عند كثير من العلماء كسجود التلاوة والشكر. السابع الامر بغسل الوجه وهو ما تحصل به المواجهة من منابت شعر الرأس المعتاد الى من حذر من اللحيين والذقن طولا. ومن الاذن الى الاذن عرضا. ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق بالسنة. ويدخل فيه الشعور التي فيه لكن ان كانت خفيفة فلابد من ايصال الماء الى البشرة. وان كانت كثيفة اكتفي بظاهرها. الثامن الامر بغسل اليدين وان حدهما الى المرفقين والى كما قال جمهور المفسرين بمعنى مع كقوله تعالى ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم ولان الواجب لا يتم الا بغسل جميع المرفق. التاسع الامر بمسح الرأس. العاشر انه يجب مسح جميعه. لان الباء اليست للتبعيض؟ وانما هي للملاصقة؟ وانه يعم المسح بجميع الرأس. الحادي عشر انه يكفي المسح كيفما كان. بيديه او احداهما او خرقة او خشبة او نحوهما. لان الله اطلق المسح ولم يقيده بصفة. فدل ذلك على اطلاقه. الثاني عشر ان الواجب المسح فلو غسل رأسه ولم يمر يده عليه لم يكفي لانه لم يأت بما امر الله به. الثالث عشر الامر بغسل الرجلين الى فانهم الاعداء على الحقيقة ولا يبالون بضركم بل لا يدخرون من مجهودهم شيئا على اضلالكم فلا يتولاهم الا من هو مثلهم ولهذا قال لان التولي التام يوجب الانتقال الى دينهم الكعبين ويقال فيهما ما يقال في اليدين. الرابع عشر فيها الرد على الرافضة على قراءة الجمهور بالنصب. وانه لا يجوز مسحه وما دامتا مكشوفتين الخامس عشر فيه اشارة الى مسح الخفين على قراءة الجر في وارجلكم. وتكون كل من القراءتين محمولة على معنى فعلى قراءة النصب فيها غسلهما ان كانتا مكشوفتين وعلى قراءة الجر فيها مسحهما اذا اذا كانتا مسطورتين بالخف. السادس عشر الامر بالترتيب في الوضوء. لان الله تعالى ذكرها مرتبة. ولانه ادخل ممسوحا وهو الرأس بين مغسولين ولا يعلم لذلك فائدة غير الترتيب. السابع عشر ان الترتيب مخصوص بالاعضاء الاربعة. المسميات في هذه الاية واما الترتيب بين المضمضة والاستنشاق والوجه او بين اليمنى واليسرى من اليدين والرجلين فان ذلك غير واجب بل يستحب تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه. وتقديم اليمنى على اليسرى من اليدين والرجلين. وتقديم مسح الرأس على مسح الاذنين. الثامن عشر الامر بتجديد للوضوء عند كل صلاة. لتوجد صورة المأمور به. التاسع عشر الامر بالغسل من الجنابة. العشرون. انه يجب تعميم الغسل في البدن لان الله اضاف التطهر للبدن ولم يخصصه بشيء دون شيء. الحادي والعشرون. الامر بغسل ظاهر الشعر وباطنه في الجنابة الثاني والعشرون انه يندرج الحدث الاصغر في الحدث الاكبر. ويكفي من هما عليه ان ينوي ثم يعمم بدنه. لان الله لم يذكر الى التطهر ولم يذكر انه يعيد الوضوء. الثالث والعشرون ان الجنب يصدق على من انزل المني يقظة او مناما. او جامع اولو لم ينزل الرابع والعشرون ان من ذكر انه احتلم ولم يجد بللا فانه لا غسل عليه لانه لم تتحقق منه الجنابة الخامس والعشرون ذكر منة الله تعالى على العباد بمشروعية التيمم. السادس والعشرون ان من اسباب جواز التيمم وجود المرض الذي غسله بالماء فيجوز له التيمم. السابع والعشرون ان من جملة اسباب جوازه السفر والاتيان من البول والغائط اذا عدم الماء فالمرض يجوز التيمم مع وجود الماء لحصول التضرر به. وباقيها يجوزه العدم للماء ولو كان في الحضر. الثامن والعشرين ان الخارج من السبيلين من بول وغائط ينقض الوضوء. التاسع والعشرون استدل بهذا من قال لا ينقض الوضوء الا ثاني الامران فلا ينتقض بلمس الفرج ولا بغيره. الثلاثون استحباب التكنية عما يستقذر التلفظ به. لقوله تعالى او جاء احد منكم من الغائط الحادي والثلاثون ان لمس المرأة بلذة وشهوة ناقض للوضوء. الثاني والثلاثون اشتراط الماء لصحة التيمم. الثالث والثلاثون انه مع وجود الماء ولو في الصلاة يبطل التيمم. لان الله انما اباحه مع عدم الرابع والثلاثون انه اذا دخل الوقت وليس معه ماء فانه يلزمه طلبه في رحله وفيما قرب منه لانه لا يقال لم يجد لمن لم يطلب الخامس والثلاثون ان من وجد ماء لا يكفي بعض طهارته فانه يلزمه استعماله. ثم يتيمم بعد كذلك السادس والثلاثون ان الماء المتغير بالطاهرات مقدم على التيمم. اي يكون طهورا لان الماء المتغير ماء يدخل في قوله فلم تجدوا ماء السابع والثلاثون انه لابد من نية التيمم لقوله فتيمموا اي اقصدوا الثامن والثلاثون انه يكفي التيمم بكل ما تصاعد على وجه الارض من تراب وغيره. فيكون على هذا قوله فامسحوا بوجوهكم وايديكم من اما من باب التغليب وان الغالب ان يكون له غبار يمسح منه. ويعلق بالوجه واليدين. واما ان يكون ارشادا للافضل انه اذا امكن التراب الذي فيه غبار فهو اولى. التاسع والثلاثون انه لا يصح التيمم بالتراب النجس لانه لا يكون طيبا بل خبيث الاربعون انه يمسح في التيمم الوجه واليدان فقط دون بقية الاعضاء. الحادي والاربعون ان قوله بوجوهكم شامل لجميع الوجه وانه يعممه بالمسح. الا انه معفو عن ادخال التراب في الفم والانف. وفيما تحت الشعور ولو خفيفة. الثاني والاربعون ان اليدين تمسحان الى الكوعين فقط. لان اليدين عند الاطلاق كذلك. فلو كان يشترط ايصال مسح الى الذراعين لقيده الله بذلك. كما قيده في الوضوء. الثالث والاربعون ان الاية عامة في جواز التيمم لجميع الاحداث كلها الحدث الاكبر والاصغر. بل ولنجاسة البدن لان الله جعلها بدلا عن طهارة الماء. واطلق في الاية فلم يقيد. وقد يقال اننا نجاسة البدن لا تدخل في حكم التيمم لان السياق في الاحداث وهو قول جمهور العلماء. الرابع والاربعون ان محل التيمم في الحدث الاصغر والاكبر واحد وهو الوجه واليدان. الخامس والاربعون انه لو نوى من عليه حدثان التيمم عنهما فانه يجزئ من عموم الاية واطلاقها. السادس والاربعون انه يكفي المسح باي شيء كان. بيده او غيرها. لان الله قال ولم يذكر الممسوح به فدل على جوازه بكل شيء. السابع والاربعون اشتراط الترتيب في طهارة التيمم. كما يشترط ذلك في ولان الله بدأ بمسح الوجه قبل مسح اليدين. الثامن والاربعون ان الله تعالى فيما شرعه لنا من الاحكام. لم يجعل علينا في ذلك من حرج ولا مشقة ولا عسر. وانما هو رحمة منه بعباده ليطهرهم. وليتم نعمته عليهم. وهذا هو التاسع والاربعون ان طهارة الظاهر بالماء والتراب تكميل لطهارة الباطن بالتوحيد وتوبة النصوح. الخمسون ان طهارة التيمم وان لم يكن فيها نظافة وطهارة تدرك بالحس والمشاهدة. فان فيها طهارة معنوية ناشئة عن امتثال امر الله تعالى. الحادي والخمسون انه ينبغي للعبد ان يتدبر الحكم والاسرار في شرائع الله. في الطهارة وغيرها ليزداد معرفة وعلما. ويزداد شكرا لله ومحبة له كما شرع من الاحكام التي توصل العبد الى المنازل العالية الرفيعة وثقكم به اذ قلتم سمعنا واطعنا واتقوا الله ان الله عليم يأمر تعالى عباده بذكر نعمه الدينية والدنيوية بقلوبهم والسنتهم. فان في استدامة ذكرها لشكر الله تعالى ومحبته. وامتلاء القلب من احسانه. وفيه زوال للعجب من النفس بالنعم الدينية. وزيادة لفضل الله واحسانه وميثاقه اي واذكروا ميثاقه الذي وثقكم به. اي عهده الذي اخذه عليكم. وليس المراد بذلك انهم لفظوا ونطقوا بالعهد والميثاق وانما المراد بذلك انهم بايمانهم بالله ورسوله قد التزموا طاعتهما. ولهذا قال اذ قلتم سمعنا واطعنا. اي سمعنا كما دعوتنا به من اياتك القرآنية والكونية سمع فهم واذعان وانقياد. واطعنا ما امرتنا به بالامتثال. وما نهيتنا عنه بالاجتناب وهذا شامل لجميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة. وان المؤمنين يذكرون في ذلك عهد الله وميثاقه عليهم. وتكون منهم على بال ويحرصون على اداء ما امروا به كاملا غير ناقص. واتقوا الله ان الله عليم بذات الصدور واتقوا الله في جميع احوالكم. ان الله عليم بذات الصدور. اي بما تنطوي عليه من الافكار والاسرار والخواطر. فاحذروا وان يطلع من قلوبكم على امر لا يرضاه. او يصدر منكم ما يكرهه. واعمروا قلوبكم بمعرفته ومحبته والنصح لعباده. فانكم ان كنتم كذلك غفر لكم السيئات وضاعف لكم الحسنات لعلمه بصلاح قلوبكم توابين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم عظيم واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون. اي يا ايها الذين امنوا بما امروا بالايمان به. قوموا بلازم ايمانكم بان تكونوا قوامين لله شهداء بالقسط بان تنشط للقيام بالقسط حركاتكم الظاهرة والباطنة. وان يكون ذلك القيام لله وحده لا لغرض من الاغراض الدنيوية وان تكونوا قاصدين للقسط الذي هو العدل. لا الافراط ولا التفريط في اقوالكم ولا افعالكم. وقوموا بذلك على القريب والبعيد. والصديق والعدو ولا يجرمنكم ان يحملنكم بغض قوم على الا تعدلوا. كما يفعله من لا عدل عنده ولا قسط. بل كما تشهدون لوليكم فاشهدوا علي وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له ولو كان كافرا او مبتدعا فانه يجب العدل فيه. وقبول ما يأتي به من الحق حق لانه حق لا لانه قال ولا يرد الحق لاجل قوله فان هذا ظلم للحق. اعدلوه هو اقرب للتقوى. اي كلما حرص على العدل واجتهدتم في العمل به. كان ذلك اقرب لتقوى قلوبكم. فان تم العدل كملت التقوى ولعلموا انهم سينصرون عليهم اذ وعدهم الله بذلك وعدا خاصا. قال رجلان من الذين يخافون انعم الله فاذا دخلتموه فانكم غالبون وعلى الله قال رجلان من الذين يخافون الله تعالى مشجعين لقومهم ان الله خبير بما تعملون. فمجازيكم باعمالكم خيرها وشرها صغيرها وكبيرها جزاء عاجلا واجلا لهم مغفرة واجر عظيم. اي وعد الله الذي لا يخلف الميعاد. وهو اصدق القائلين المؤمنين به وبكتبه ورسله واليوم الاخر. وعملوا الصالحات من واجبات ومستحبات. بالمغفرة لذنوبهم. بالعفو عنها وعن وبالاجر العظيم الذي لا يعلم عظمه الا الله تعالى. فلا تعلم نفس ما اخفي له من قرة اعين. جزاء بما كانوا يعملون والذين كفروا وكذبوا باياتنا اولئك اولئك اصحاب الجحيم والذين كفروا وكذبوا باياتنا الدالة على الحق المبين. فكذبوا بها بعدما ابانت الحقائق. اولئك اصحاب الملازمون لها ملازمة الصاحب لصاحبه واتقوا الله وعلى الله يذكر تعالى عباده المؤمنين بنعمه العظيمة. ويحثهم على تذكرها بالقلب واللسان. وانهم كما انهم يعدون قتلهم لاعدائهم. واخذ اموالهم وبلادهم وسبيهم نعمة. فليعدوا ايضا انعامه عليهم بكف ايديهم عنهم. ورد كيدهم في نحورهم نعمة. فان الاعداء قد هموا بامر وظنوا انهم قادرون عليه. فاذ لم يدركوا بالمؤمنين مقصودهم فهو نصر من الله لعباده المؤمنين ينبغي لهم ان يشكروا الله على ذلك ويعبدوه ويذكروه. وهذا يشمل كل من هم بالمؤمنين بشر. من كافر ومنافق كف الله شره عن المسلمين. فانه داخل في هذه الاية. ثم امرهم بما يستعينون به على الانتصار من عدوهم. وعلى جميع امورهم فقال وعلى الله فليتوكل المؤمنون ان يعتمدوا عليه في جلب مصالحهم الدينية والدنيوية. ويتبرأوا من حولهم وقوتهم ويثقوا بالله تعالى في حصول ما يحبون. وعلى حسب ايمان العبد يكون توكله. وهو من واجبات القلب المتفق عليها اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا. يخبر تعالى انه اخذ على بني اسرائيل الميثاق الثقيل المؤكد وذكر صفة الميثاق واجرهم ان قاموا به واثمهم ان لم يقوموا به. ثم ذكر انهم ما قاموا به وذكر ما به فقال ولقد اخذ الله ميثاق بني اسرائيل اي عهدهم المؤكد الغليظ وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا اي رئيس وعريفا على من تحته ليكون ناظرا عليهم حثا لهم على القيام بما امروا به. مطالبا يدعوهم. وقال الله وقال الله للنقباء الذين تحملوا من الاعباء ما تحملوا. اني معكم اي بالعون والنصر فان المعونة بقدر المؤنة ثم ذكر ما وثقهم عليه فقال لان اقمتم الصلاة ظاهرا وباطنا بالاتيان بما يلزم وينبغي فيها والمداومة على ذلك واتيتم الزكاة لمستحقيها وامنتم برسلي جميعهم الذين افضلهم واكملهم محمد صلى الله عليه وسلم وعزرتموهم اي عظمتموهم واديتم ما يجب لهم من الاحترام والطاعة واقرضتم الله قرضا حسنا وهو الصدقة والاحسان الصادر عن الصدق والاخلاص وطيب المكسب. فاذا قمتم بذلك فجمع لهم بين حصول المحبوب بالجنة وما فيها من النعيم واندفاع المكروه بتكفير السيئات. ودفع ما يترتب عليها من العقوبات فمن كفر بعد ذلك العهد والميثاق المؤكد بالايمان والالتزامات اذكروني بالترغيب بذكر ثوابه. فقد ضل سواء السبيل. اي عن عمد وعلم. فيستحق ما يستحقه الضالون من حرمان الثواب. وحصول العقاب فكأنه قيل ليت شعري ماذا فعلوا؟ وهل وفوا بما عاهدوا الله عليه؟ ام نكثوا؟ فبين انهم نقضوا ذلك فقال تطلع على خائنة منهم فبما نقضهم مثال اي بسببه عاقبناهم بعدة عقوبات. الاولى انا لعناهم اي طردناهم وابعدناهم من رحمتنا. حيث اغلقوا على انفسهم ابواب الرحمة ولم يقوموا بالعهد الذي اخذ عليهم الذي هو سببها الاعظم. الثانية قوله وجعلنا قلوبهم قاسية اي غليظة لا تجدي فيها المواعظ ولا تنفعها الايات والنذر. فلا يرغبهم تشويق ولا يزعجهم تخويف. وهذا من اعظم العقوبات على العبد ان يكون قلبه بهذه الصفة التي لا يفيده الهدى والخير الا شرا. الثالثة انهم يحرفون الكلم عن مواضعه. اي ابتلوا بالتغيير والتبديل فيجعلون للكلم الذي اراد الله معنى غير ما اراده الله ولا رسوله. الرابعة انهم نسوا حظا مما ذكروا به فانهم ذكروا بالتوراة وبما انزل الله على موسى فنسوا حظا منه. وهذا شامل لنسيان علمه. وانهم نسوه وضاع منهم. ولم يوجد كثير مما انساهم الله اياه عقوبة منه لهم. وشامل لنسيان العمل الذي هو الترك. فلم يوفقوا للقيام بما امروا به. ويستدل بهذا على ان اهل الكتاب بانكارهم بعض الذي قد ذكر في كتابهم او وقع في زمانهم انه مما نسوه. الخامسة الخيانة مستمرة التي لا تزال تطلع على خائنة منهم اي خيانة لله ولعباده المؤمنين. ومن اعظم الخيانة منهم كتمهم عمن يعظهم ويحسن فيهم الظن الحق. وابقاؤهم على كفرهم فهذه خيانة عظيمة. وهذه الخصال الذميمة حاصلة لكل من اتصف بصفاته فكل من لم يقم بما امر الله به. واخذ به عليه الالتزام كان له نصيب من اللعنة وقسوة القلب. والابتلاء بتحريف الكلم. وانه ولا يوفق للصواب ونسيان حظ مما ذكر به وانه لا بد ان يبتلى بالخيانة. نسأل الله العافية. وسمى الله تعالى ما ذكروا به لانه هو اعظم الحظوظ. وما عداه فانما هي حظوظ دنيوية. كما قال تعالى فخرج على قومه في زينته. قال الذي حين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون. انه لذو حظ عظيم. وقال في الحظ النافع وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم. وقوله الا قليلا منهم اي فانهم وفوا بما عاهدوا الله عليه. فوفقهم وهداهم الصراط المستقيم. فاعف عنهم واصفح اي لا تؤاخذهم بما يصدر منهم من الاذى. الذي يقتضي ان يعفى عنهم. واصفح فان ذلك من الاحسان. ان الله يحب المحسنين. والاحسان وان تعبد الله كأنك تراه. فان لم تكن تراه فانه يراك. وفي حق المخلوقين بذل النفع الديني والدنيوي لهم كالذين قالوا انا نصارى اخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فاغرينا الى يوم القيامة وسوف ينبئهم اي وكما اخذنا على اليهود العهد والميثاق. فكذلك اخذنا على الذين قالوا انا نصارى لعيسى ابن مريم. وزكوا انفسهم بالايمان بالله ورسله. وما جاءوا به فنقضوا العهد. فنسوا حظا مما ذكروا به. نسيان العلمي ونسيانا عمليا فاغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة. اي سلطنا بعضهم على بعض. وصار بينهم من والايحان ما يقتضي بغض بعضهم بعضا. ومعاداة بعضهم بعضا الى يوم القيامة. وهذا امر مشاهد. فان النصارى لا يزالون في بغض عداوة وشقاق. فيعاقبهم عليه يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب لما ذكر تعالى ما اخذه الله على اهل الكتاب من اليهود والنصارى. وانهم نقضوا ذلك الا قليلا منهم. امرهم جميعا ان يؤمنوا محمد صلى الله عليه وسلم. واحتج عليهم باية قاطعة دالة على صحة نبوته. وهي انه بين لهم كثيرا مما يخفون عن الناس فعني العوام من اهل ملتهم. فاذا كانوا هم المشار اليهم في العلم ولا علم عند احد في ذلك الوقت الا ما عندهم. فالحريص على العلم لا سبيل انه الى ادراكه الا منهم. فاتيان الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن العظيم. الذي بين به ما كانوا يتكاتمونه بينهم. وهو لا يقرأ ولا يكتب من ادل الدلائل على القطع برسالته. وذلك مثل صفة محمد في كتبهم ووجود البشائر به في كتبهم. وبيان اية الرجم ونحو ذلك ويعفو عن كثير ان يتركوا بيان ما لا تقتضيه الحكمة. قد جاءكم من الله نور قد جاءكم من الله نور وهو القرآن يستضاء به في ظلمات الجهالة وعماية الضلالة وكتاب مبين لكل ما يحتاج اليه الخلق من امور دينهم ودنياهم. من العلم بالله واسمائه وصفاته وافعاله. ومن علمي باحكامه الشرعية واحكامه الجزائية. ثم ذكر من الذي يهتدي بهذا القرآن؟ وما هو السبب الذي من العبد لحصول ذلك؟ فقال ويخرجهم من الظلمات يهدي به الله من اتبع اخوانه سبل السلام ان يهدي به من اجتهد وحرص على بلوغ مرضات الله. وصار قصده حسنا. سبل السلام التي تسلم صاحبها من العذاب وتوصله الى دار السلام. وهو العلم بالحق والعمل به. اجمالا وتفصيلا. ويخرجهم من ظلمات الكفر والبدعة والمعصية في الجهل والغفلة الى نور الايمان والسنة والطاعة والعلم والذكر. وكل هذه الهداية باذن الله الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ويهديهم الى صراط مستقيم قل فمن يملك من الله شيئا ان اراد ان يهلك المسيح ابن مريم وامه ومن في الارض لما ذكرت على اخذ الميثاق على اهل الكتابين وانهم لم يقوم به بل نقضوه. ذكر اقوالهم الشنيعة. فذكر قول النصارى القول الذي ما قاله احد غيرهم بان الله هو المسيح ابن مريم ووجه شبهتهم انه ولد من غير اب. فاعتقدوا فيه هذا الاعتقاد الباطل. مع ان حواء نظيره خلقت بلا ام وادم المملوك العبد الفقير الها معبودا غنيا من كل وجه. هذا من اعظم المحال. ولا وجه لاستغرابهم لخلق المسيح عيسى ابن مريم من غيره فان الله يخلق ما يشاء. ان شاء من اب وام كسائر بني ادم. وان شاء من اب بلا ام كحواء وان شاء من ام بلا اب كعيسى وان شاء من غير اب ولا ام كادم. فنوع خليقته تعالى بمشيئته النافذة. التي لا يستعصي عليها شيء ولهذا قال ومن مقالات اليهود والنصارى ان كلا منهما ادعى دعوة باطلة يزكون بها انفسهم بان قال كل منهما. وقالت اليهود والنصارى نحن خاسرين دنياهم واخرتهم. واصبح قد سن هذه السنة لكل قاتل. ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة. ولهذا ورد في الحديث الصحيح انه ما من نفس تقتل الا كان على ابن ادم الاول شطر من دمها. لانه اول من الله يغفر لمن يشاء ولله ملك السماوات والارض وما بينهم واليه البصير بان قال كل منهما نحن ابناء الله واحباؤه والابن في لغتهم هو حبيب ولم يريدوا البنوة الحقيقية فان هذا ليس من مذهبهم الا مذهب النصارى في المسيح. قال الله ردا عليهم حيث ادعوا الى برهان قل فلمن يعذبكم بذنوبكم فلو كنتم احبابه ما عذبكم لكون الله لا يحب الا من قام بمراضيه. بل انتم هم بشر ممن خلق تجري عليكم احكام العدل والفضل. يغفر لمن يشاء ويعلم من من يشاء اذا اتوا باسباب المغفرة او اسباب العذاب اي فاي شيء خصكم بهذه الفضيلة؟ وانتم من جملة المماليك ومن جملة من يرجع الى الله في الدار الاخرة فيجازيكم باعمالكم لكم على فترة يبين لكم على فترة من الرسل ان تقولوا ما جاءنا بشير ولا نذير. فقد جاءكم بشير ونذير صلى الله على كل شيء قدير. يدعو تبارك وتعالى اهل الكتاب بسبب ما من عليهم من كتابه ان يؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ويشكر الله تعالى الذي ارسله اليهم على حين فترة من الرسل وشدة حاجة اليه وهذا مما يدعو الى الايمان به. وانه يبين لهم جميع المطالب الالهية والاحكام الشرعية. وقد قطع الله بذلك حجتهم لان فيقول ما جاءنا من بشير ولا نذير. ونذير فقد جاءكم بشير ونذير يبشر بالثواب العاجل والاجل بالاعمال الموجبة لذلك وصفة العاملين بها. وينذر بالعقاب العاجل والاجل. وبالاعمال الموجبة لذلك وصفة العاملين بها الله على كل شيء قدير. ان قادت الاشياء طوعا واذعانا لقدرته. فلا يستعصي عليه شيء منها. ومن قدرته انه ارسل الرسل وانزل الكتب وانه يثيب من اطاعهم ويعاقب من عصاهم وجعلكم ملوكا. واتاكم ما لم يؤت احد لما امتن الله على موسى وقومه بنجاتهم من فرعون وقومه واسرهم واستعبادهم ذهبوا قاصدين لاوطانهم ومساكنهم. وهي بيت المقدس وما حواليه. وقاربوا وصول بيت المقدس. وكان الله قد فرض عليهم جهاد عدوهم اخرجوه من ديارهم. فوعظهم موسى عليه السلام وذكرهم ليقدموا على الجهاد. فقال لهم اذكروا نعمة الله عليكم بقلوبكم السنتكم فان ذكرها داع الى محبته تعالى ومنشط على العبادة. اذ جعل فيكم انبياء يدعونكم الى الهدى ويحذركم اخوانكم من الردى ويحثونكم على سعادتكم الابدية. ويعلمونكم ما لم تكونوا تعلمون. وجعلكم ملوكا تملكون امركم بحيث انه زال عنكم استعباد عدوكم لكم فكنتم تملكون امركم وتتمكنون من اقامة دينكم. واتاكم من النعم الدينية والدنيوية ما لم يؤت احدا من العالمين. فانهم في ذلك الزمان خيرة الخلق واكرمهم على الله تعالى. وقد انعم عليهم بنعمه مما كانت لغيرهم فذكرهم من نعم الدينية والدنيوية الداعية ذلك لايمانهم وثباته وثباتهم على الجهاد واقدامهم عليه ولهذا قال كباركم فتنقلبوا خاسرين. يا قوم ادخلوا الارض المقدسة اي المطهرة التي كتب الله لكم فاخبرهم خبرا تطمئن به انفسهم ان كانوا مؤمنين مصدقين بخبر الله وانه قد كتب الله لهم دخولها وانتصارهم على عدوهم ولا ترتدوا اي ترجعوا على ادباركم فتنقلبوا خاسرين. قد خسرتم دنياكم بما فاتكم من النصر على الاعداء وفتح بلاد واخرتكم بما فاتكم من الثواب. وما استحققتم بمعصيتكم من العقاب. فقالوا قولا يدل على ضعف قلوبهم وخور نفوسهم وعدم اهتمامهم بامر الله ورسوله شديدي القوة والشجاعة. اي فهذا من الموانع لنا من دخولها منها فان يخرجوا منها فان داخلون. وهذا من الجبن وقلة اليقين والا فلو كان معهم رشدهم لعلموا انهم كلهم من بني ادم. وان القوي من اعانه الله بقوة من عنده فانه لا حول ولا قوة الا بالله منهضين لهم على قتال عدوهم واحتلال بلادهم. انعم الله عليهما بالتوفيق. وكلمة الحق في هذا الموطن المحتاج الى مثل كلامهم وانعم عليهم بالصبر واليقين. ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون. اي ليس بينكم وبين نصركم عليهم الا ان عليهم وتدخل عليهم الباب. فاذا دخلتموه عليهم فانهم سيهزمون. ثم امرهم بعدة هي اقوى العدد. فقالا وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين. فان في التوكل على الله خصوصا في هذا الموطن. تيسيرا للامر ونصرا على الاعداء. ودل هذا على التوكل وعلى انه بحسب ايمان العبد يكون توكله. فلم ينجح فيهم هذا الكلام ولا نفع فيهم المنام. فقالوا قول الاذلين قالوا يا موسى انا لن ندخلها ابدا ما داموا فيها فاذهب فما اشنع هذا الكلام منهم ومواجهة جهتهم لنبيهم فيه في هذا المقام الحرج الضيق. الذي قد دعت الحاجة والضرورة الى نصرة نبيهم. واعزاز انفسهم. وبهذا يظهر التفاوت بين سائر الامم وامة محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين شاورهم في القتال يوم بدر مع انه لم يحتم عليهم يا رسول الله لخضت بنا هذا البحر لخضناه معك ولو بلغت بنا برك الغماد ما تخلف احد ولا نقول كما قال قوم موسى لموسى اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون ولكن اذهب انت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون. من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن يسارك. فلما رأى موسى عليه السلام عتوهم عليه. قال لا املك الا نفسي واخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال ربياني لا املك الا نفسي واخي. اي فلا يدان لنا بقتالهم ولست بجبار على هؤلاء ايحكم بيننا وبينهم بان تنزل فيه من العقوبة ما اقتضته حكمتك ودل ذلك على ان قولهم وفعلهم من الكبائر العظيمة الموجبة للفسق. قال الله مجيبا لدعوة موسى فانها محرمة عليهم اربعين سنة. يتيهون في الارض. اي ان من عقوبتهم ان نحرم عليهم دخول هذه القرية التي كتبها الله لهم مدة اربعين سنة. وتلك المدة ايضا يتيهون في الارض. لا يهتدون الى طريق ولا يبقون مطمئنين هذه عقوبة دنيوية. لعل الله تعالى كفر بها عنهم. ودفع عنهم عقوبة اعظم منها. وفي هذا دليل على ان العقوبة على الذنب قد تكون بزوال نعمة موجودة او دفع نقمة قد انعقد سبب وجودها او تأخرها الى وقت اخر. ولعل الحكمة في هذه المدة ان يموت فاكثر هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة الصادرة عن قلوب لا صبر فيها ولا ثبات. بل قد الفت الاستعباد لعدوها ولم تكن لها همم الى ما فيه ارتقاؤها وعلوها. ولتظهر ناشئة جديدة تتربى عقولهم على طلب قهر الاعداء وعدم الاستعباد والذل المانع من السعادة ولما علم الله تعالى ان عبده موسى في غاية الرحمة على الخلق خصوصا قومه وانه ربما رق لهم واحتملته الشفقة على الحزن عليهم في هذه العقوبة او الدعاء لهم بزوالها مع ان الله قد حتمها قال اي لا تأسف عليهم ولا تحزن فانهم قد فسقوا. وفسقهم اقتضى وقوع ما نزل بهم لا ظلما منا ادم بالحق اذ قربا قربانا فتقبل من واتل عليهم نبأ ابني ادم بالحق اي قص على الناس واخبرهم بالقضية التي جرت على ابن ادم بالحق تلاوة يعتبر بها المعتبرون صدقا لا كذب وجدا لا لعبا. والظاهر ان ابني ادم هما ابناء لصلبه كما يدل عليه ظاهر الاية والسياق وهو قول جمهور المفسرين ايتل عليهم نبأهما في حال تقريبهما للقربان الذي اداهما الى الحال المذكورة. اذ قربا اي اخرج كل منهما شيئا من ماله لقصد التقرب الى الله. فتقبل من احدهما ولم يتقبل من الاخر. بان علم ذلك بخبر من السماء او بالعادة السابقة في الامم ان علامة تقبل الله للقربان ان تنزل نار من السماء فتحرقه. قال الابن الذي لم يتقدم تقبل منه للاخر حسدا وبغيا لاقتلنك. فقال له الاخر مترفقا له في ذلك. انما يتقبل الله من المتقين فاي ذنب لي وجناية توجب لك ان تقتلني؟ الا اني اتقيت الله تعالى الذي تقواه واجبة علي وعليك وعلى كل احد الاقوال في تفسير المتقين هنا اي المتقين لله في ذلك العمل. بان يكون عملهم خالصا لوجه الله. متبعين فيه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له مخبرا انه لا يريد ان يتعرض لقتله. لا ابتداء ولا مدافعة فقال ان يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي اليك لاقتلك لان بسطت الي يدك لتقتلني. ما انا بباسط يدي اليك لاقتلك. وليس ذلك جبنا مني ولا عجزا وانما ذلك لاني اخاف الله رب العالمين. والخائف لله لا يقدم على الذنوب. خصوصا الذنوب الكبار. وفي هذا تخويف لمن يريد قتل وانه ينبغي لك ان تتقي الله وتخافه الظالمين. اني اريد ان تبوء اي ترجع باثمي واثمك. اي انه اذا دار الامر بين ان اكون قاتلا او تقتلني. فاني اوثر ان تقتلني فتبوء بالوزرين فتكون من اصحاب النار. وذلك جزاء الظالمين. دل هذا على ان القتل من كبائر الذنوب. وانه موجب لدخول النار فلم يرتدع ذلك جاني ولم ينزجر ولم يزل يعزم نفسه ويجزمها حتى طوعت له قتل اخيه الذي يقتضي الشرع والطبع احترامه فقتله فاصبح من ولقد جاءتهم رسلنا يقول تعالى قال من اجل ذلك الذي ذكرناه في قصة ابني ادم وقتل احدهما اخاه وسنه القتل لمن بعده وان القتل عاقبته وخيمة خسارة في الدنيا والاخرة. كتبنا على بني اسرائيل اهل الكتب السماوية انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض. اي بغير فكأنما قتل الناس جميعا. لانه ليس معه داع يدعوه الى التبيين. وانه لا يقدم على القتل الا بحق. فلما تجرأ على قتل النفس لم تستحق القتل علم انه لا فرق عنده بين هذا المقتول وبين غيره. وانما ذلك بحسب ما تدعوه اليه نفسه الامارة بالسوء. فتجرؤه على قتله كأنه قتل الناس جميعا. وكذلك من احيا نفسه اي استبقى احدا فلم يقتله مع دعاء نفسه له الى قتله. فمنعه خوف الله تعالى من قتله فهذا كأنه احيا الناس جميعا. لان ما معه من الخوف يمنعه من قتل من لا يستحق القتل. ودلت الاية على ان القتل لا يجوز باحد امرين اما ان يقتل نفسا بغير حق متعمدا في ذلك. فانه يحل قتله. ان كان مكلفا مكافئا. ليس بوالد ان المقتول واما ان يكون مفسدا في الارض بافساده لاديان الناس او ابدانهم او اموالهم كالكفار المرتدين والمحاربين والدعاة الى البدع الذي لا ينكف شرهم الا بالقتل. وكذلك قطاع الطريق ونحوهم ممن يصول على الناس لقتلهم او اخذ اموالهم ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات التي لا يبقى معها حجة لاحد ثم ان كثيرا منهم اي من الناس بعد ذلك البيان القاطع الموجب للاستقامة في الارض. لمسرفون في العمل بالمعاصي. ومخالفة الرسل الذين جاءوا بالبينات والحجج اجزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا هم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم. المحاربون لله ورسوله هم الذين بارزوه العداوة وافسدوا في الارض بالكفر والقتل واخذ الاموال واخافة السبل. والمشهور ان هذه الاية الكريمة في احكام قطاع الطريق. الذين يعرضون للناس في القرى والبوادي فيغصبون اموالهم ويقتلونهم ويخيفونهم فيمتنع الناس من سلوك الطريق التي هم بها فتنقطع بذلك فاخبر الله ان جزاءهم ونكالهم عند اقامة الحد عليهم ان يفعل بهم واحد من هذه الامور. واختلف المفسرون هل ذلك على التخيير؟ وان كل قاطع طريق يفعل به الامام او نائبه ما رآه مصلحة من هذه الامور المذكورة. وهذا ظاهر اللفظ. او ان عقوبتهم تكون بحسب قائمهم فكل جريمة لها قسط يقابلها. كما تدل عليه الاية بحكمتها وموافقتها لحكمة الله تعالى. وانهم ان قتلوا واخذوا وما لم تحتم قتلهم وصلبهم حتى يشتهروا ويختزوا ويرتدع غيرهم. وان قتلوا ولم يأخذوا مالا تحتم قتلهم فقط. وان اخذوا مالا يقتلوا تحتم ان تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف. اليد اليمنى والرجل اليسرى. وان اخاف الناس ولم يقتلوا ولا اخذوا مالا ومن الارض فلا يتركون يؤوون في بلد حتى تظهر توبتهم. وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه وكثير من الائمة على اختلاف في بعض التفاصيل. ذلك النكال لهم خزي في الدنيا اي فضيحة وعار. ولهم في الاخرة عذاب عظيم. فدل هذا انقطع الطريق من اعظم الذنوب موجب لفضيحة الدنيا وعذاب الاخرة. وان فاعله محارب لله ولرسوله. واذا كان هذا شأن عظم هذه الجريمة. علم ان تطهير الارض من المفسدين من السبل والطرق عن القتل واخذ الاموال واخافة الناس. من اعظم الحسنات واجل الطاعات. وانه اصلاح في الارض. كما ان ضده فساد في الارض الله غفور رحيم. الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم اي من هؤلاء المحاربين. فاعلموا ان الله غفور الرحيم. اي فيسقط عنه مكانا لله من تحطم القتل والصلب والقطع والنفي. ومن حق الادمي ايضا ان كان المحارب كافرا ثم ما اسلم. فان كان المحارب مسلما فان حق الادمي لا يسقط عنه. من القتل واخذ المال. ودل مفهوم الاية على ان توبة المحارب بعد القدرة عليه انها لا تسقط عنه شيئا. والحكمة في ذلك ظاهرة. واذا كانت التوبة قبل القدرة عليه تمنع من اقامة الحد في الحرابة فغيرها من الحدود اذا تاب من فعلها قبل القدرة عليه من باب اولى اليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون. هذا امر من الله لعباده المؤمنين بما يقتضيه الايمان من تقوى الله والحذر من سخطه وغضبه. وذلك بان يجتهد العبد ويبذل غاية ما يمكنه من المقدور. في اجتناب ما يسخطه الله من معاصي القلب واللسان والجوارح الظاهرة والباطنة. ويستعين بالله على تركها لينجو بذلك من سخط الله وعذابه. وابتغوا اليه الوسيلة اي القرب منه والحظوة لديه والحب له وذلك باداء فرائضه القلبية كالحب له وفيه والخوف والرجاء الانابة والتوكل والبدنية كالزكاة والحج والمركبة من ذلك كالصلاة ونحوها. ومن انواع القراءة والذكر ومن انواع الاحسان من الخلق بالمال والعلم والجاه والبدن والنصح لعباد الله. فكل هذه الاعمال تقرب الى الله ولا يزال العبد يتقرب بها الى الله حتى يحبه الله فاذا احبه كان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ويستجيب الله له الدعاء ثم خص تبارك وتعالى من العبادات المقربة اليه الجهاد في سبيله. وهو بذل الجهد في قتال الكافرين بالمال والنفس والرأي اللسان والسعي في نصر دين الله بكل ما يقدر عليه العبد. لان هذا النوع من اجل الطاعات وافضل القربات. ولان من قام به فهو على القيام بغيره احرى واولى. لعلكم تفلحون اذا اتقيتم الله بترك المعاصي وابتغيتم الوسيلة الى الله بفعل الطاعات. وجاهدتم في سبيل هي ابتغاء مرضاته. والفلاح هو الفوز والظفر بكل مطلوب مرغوب. والنجاة من كل مرغوب. فحقيقته السعادة الابدية والنعيم مقيم ان الذين كفروا لو ان لهم ما في الارض جميعا يريد يخبر تعالى عن شناعة حال الكافرين بالله يوم القيامة. ومآلهم الفظيع. وانهم لو افتدوا من عذاب الله بملء الارض ذهبا ومثلا له معه ما تقبل منهم ولا افاد. لان محل الافتداء قد فات. ولم يبق الا العذاب الاليم. الموجع الدائم الذي لا يخرج منه ابدا بل هم ماكثون فيه سرمدا. والسارم والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء السارق هو من اخذ مال غيره المحترم خفية بغير رضا وهو من كبائر الذنوب الموجبة لترتب العقوبة الشنيعة. وهو قطع اليد اليمنى كما هو في قراءة بعض الصحابة. وحد اليد عند اطلاق من الكوع فاذا سرق قطعت يده من الكوع وحسمت في زيت لتنسد العروق فيقف الدم ولكن السنة قيدت عموم هذه الاية من عدة اوجه منها الحرز فانه لابد ان تكون السرقة من حرز. وحرز كل مال ما يحفظ به عادة. فلو سرق من حرز فلا قطع عليه. ومنها انه لا بد ان يكون المسروق نصابا. وهو ربع دينار او ثلاثة دراهم او ما يساوي احد احدهما فلو سرق دون ذلك فلا قطع عليه. ولعل هذا يؤخذ من لفظ السرقة ومعناها. فان لفظ السرقة اخذ الشيء على وجه لا يمكن الاحتراز منه وذلك ان يكون المال محرزا. فلو كان غير محرز لم يكن ذلك سرقة شرعية. ومن الحكمة ايضا انه لا تقطع اليد في الشيء النزر التافه فلما كان لا بد من التقدير كان التقدير الشرعي مخصصا للكتاب والحكمة في قطع اليد في السرقة ان ذلك والله والله عزيز حكيم. جزاء بما كسب اي ذلك القطع جزاء للسارق بما سرقه من اموال الناس من الله اي تنكيلا وترهيبا للسارق ولغيره. يرتدع السراق اذا علموا انهم سيقطعون اذا سرقوا. والله عزيز حكيم اي عز وحكم فقطع السارق ان الله غفور رحيم. فيغفر لمن تاب فترك الذنوب واصلح الاعمال والعيوب ذلك ان لله ملك السماوات والارض. الم تعلم ان الله له ملك السماوات والارض والله على كل شيء قدير يتصرف فيهما بما شاء من التصاريف القدرية والشرعية. والمغفرة والعقوبة بحسب ما اقتضته حكمته ورحمته الواسعة ومغفرته كان الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه على الخلق يشتد حزنه لمن يظهر الايمان ثم يرجع الى الكفر. فارشده الله تعالى الى انه لا يأسى ولا يحزن على امثالها هؤلاء فان هؤلاء لا في العير ولا في النفير. ان حضروا لم ينفعوا وان غابوا لم يفقدوا. ولهذا قال مبينا للسبب الموجب لعدم الحزن عليهم فقال فان الذين يكسى ويحزن عليهم من كان معدودا من المؤمنين. وهم المؤمنون ظاهرا وباطنا. وحاشى لله ان يرجع هؤلاء عن دينهم ويرتدوا فان الايمان اذا خالطت بشاشته القلوب لم يعدل به صاحبه غيره ولم يبغي به بدلا ومن الذين هادوا اي اليهود للكذب سماعون لقوم اخرين لم يأتوك. اي مستجيبون ومقلدون لرؤسائهم. المبني امرهم على الكذب والضلال والغيب وهؤلاء الرؤساء المتبوعون لم يأتوك بل اعرضوا عنك. وفرحوا بما عندهم من الباطل وهو تحريف الكلم عن مواضعه. اي جلب للالفاظ ما ارادها الله ولا قصدها لاضلال الخلق ولدفع الحق. فهؤلاء المنقادون للدعاة الى الضلال. المتبعين للمحال اليك لا قصد لهم الا اتباع الهوى. يقول بعضهم لبعض ان حكم لكم محمد بهذا الحكم الذي يوافق اهوائكم فاقبلوا حكمه وان لم يحكم لكم به فاحذروا ان تتابعوه على ذلك. وهذا فتنة واتباع ما تهوى الانفس. ومن يرد الله فتنة كقوله تعالى انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم اي فلذلك صدر منهم ما صدر. فدل ذلك على ان من كان مقصوده بالتحاكم الى الحكم الشرعي اتباع هواه. وانه ان حكم له وان لم يحكم له سخط فان ذلك من عدم طهارة قلبه. كما ان من حاكم وتحاكم الى الشرع ورضي به وافق هواه او خالفه انه من طهارة القلب. ودل على ان طهارة القلب سبب لكل خير. وهو اكبر داع الى كل قول رشيد وعمل سديد لهم في الدنيا خزي اي فضيحة وعار ولهم في الاخرة عذاب عظيم. هو النار وسخط الجبار سماعون للكذب والسمع ها هنا سمع استجابة اي من قلة دينهم وعقلهم ان استجابوا لمن دعاهم الى القول الكذب. الكالون للسحت اي المال الحرام ما يأخذونه على سفلتهم وعوامهم من المعلومات والرواتب التي بغير الحق. فجمعوا بين اتباع الكذب واكل الحرام. فان جاؤوك فاحكم ام بينهم او اعرض عنهم فانت مخير في ذلك. وليست هذه منسوخة فانه عند تحاكم هذا الصنف اليه يخير بين ان يحكم بينهم او يعرض عن الحكم بينهم بسبب انه لا قصد لهم في الحكم الشرعي. الا ان يكون موافقا لاهوائهم. وعلى هذا فكل مستفت ومتحالف الى عالم يعلم من حاله انه ان حكم عليه لم يرضى لم يجب الحكم ولا الافتاء لهم. فان حكم بينهم وجب ان يحكم بالقسط ولهذا قال حتى ولو كانوا ظلمة واعداء فلا يمنع كذلك من العدل في الحكم بينهم. وفي هذا بيان فضيلة العدل والقسط في الحكم بين الناس. وان الله تعالى يحبه. ثم قال متعجبا لهم فانهم لو كانوا مؤمنين عاملين بما يقتضيه الايمان ويوجبه. لم يصدفوا عن حكم الله الذي في التوراة التي بين ايديهم. لعلهم ان يجدوا عندك ما يوافق اهواءهم. وحين حكمت بينهم بحكم الله الموافق لما عندهم ايضا. لم يرضوا بذلك بل اعرضوا عنه. فلم يرتضوه ايضا. قال قال تعالى وما اولئك الذين هذا صنيعهم بالمؤمنين. اي ليس هذا دأب المؤمنين. وليسوا حريين بالايمان. لانهم الهتهم اهواءهم. وجعلوا احكام الايمان تابعة لاهوائهم والربانيون والاحبار بما احفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء. فلا تخشون الناس واخشاون ولا انا انزلنا التوراة على موسى ابن عمران عليه الصلاة والسلام فيها هدى يهدي الى الايمان والحق ويعصم من الضلالة ونور يستضاء به في ظلم الجهل والحيرة والشكوك والشبهات والشهوات كما قال تعالى قد اتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين. يحكم بها بين الذين هادوا. اي اليهود في القضايا والفتاوى النبيون الذين اسلموا لله وانقادوا لاوامره. الذين اسلامهم اعظم من اسلام غيرهم. وهم صفة الله من العباد. فاذا كان هؤلاء الكرام والسادة للأنام قد اقتدوا بها واتموا ومشوا خلفها. فما الذي منع هؤلاء الأراذل من اليهود من الإقتداء بها؟ وما الذي اوجب لهم ان ينبذوا اشرف ما فيها من الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. الذي لا يقبل عمل ظاهر وباطن الا بتلك العقيدة. هل له امام في ذلك نعم لهم ائمة دأبهم التحريف واقامة رياستهم ومناصبهم بين الناس والتأكل بكتمان الحق واظهار الباطل اولئك ائمة الضلال الذين يدعون الى النار. وقوله من كتاب الله وكانوا عليه شهداء. والربانيون والاحبار. اي وكذلك يحكم بالتوراة للذين ائمة الدين من الربانيين. اي العلماء العاملين المعلمين الذين يربون الناس باحسن تربية. ويسلكون معهم مسلك الانبياء المشفقين والاحبار اي العلماء الكبار الذين يقتدى باقوالهم وترمق اثارهم ولهم لسان الصدق بين اممهم وذلك الحكم الصادر منهم الموافق للحق بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء. اي بسبب ان الله استحفظهم على كتابه وجعلهم امناء عليه وهو امانة عندهم اوجب عليهم حفظه من الزيادة والنقصان والكتمان. وتعليمه لمن لا يعلمه. وهم شهداء عليه. بحيث ان لهم المرجوع اليهم فيه وفيما اشتبه على الناس منه. فالله تعالى قد حمل اهل العلم ما لم يحمله الجهال. فيجب عليهم القيام باعباء ما حملت والا يقتدوا بالجهال بالاخلاد الى البطالة والكسل. والا يقتصروا على مجرد العبادات القاصرة. من انواع الذكر والصلاة والزكاة والحج الصوم ونحو ذلك من الامور التي اذا قام بها غير اهل العلم سلموا ونجوا. واما اهل العلم فكما انهم مطالبون بالقيام بما عليهم انفسهم فانهم مطالبون ان يعلموا الناس وينبهوهم على ما يحتاجون اليه من امور دينهم. خصوصا الامور الاصولية والتي يكثر وقوعها والا يخشوا الناس بل يخشون ربهم. ولهذا قال فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بايات ثمنا قليلا. فتكتمون الحق وتظهرون الباطل لاجل متاع الدنيا القليل وهذه الافات اذا سلم منها العالم فهو من توفيقه وسعادته بان يكون همه الاجتهاد في العلم والتعليم اعلموا ان الله قد استحفظه ما اودعه من العلم واستشهده عليه. وان يكون خائفا من ربه ولا يمنعه خوف الناس وخشيتهم من القيام بما هو لازم له والا يؤثر الدنيا على الدين. كما ان علامة شقاوة العالم ان يكون مخلدا للبطالة. غير قائم بما امر به ولا مبال بما استحب عليه قد اهمله واضاعه. قد باع الدين بالدنيا. قد ارتشى في احكامه. واخذ المال على فتاويه. ولم يعلم عباد الله الا باجرة فهذا قد من الله عليه بمنة عظيمة كفرها ودفع حظا جسيما محروما منه غيره. فنسألك اللهم علما نافعا وعملا متقبلا وان ترزقنا العفو والعافية من كل بلاء يا كريم هم الكافرون. ومن لم يحكم بما انزل الله من الحق المبين. وحكم بالباطل الذي يعلمه لغرض من اغراضه الفاسدة فاولئك هم الكافرون. فالحكم بغير ما انزل الله من اعمال اهل الكفر. وقد يكون كفرا ينقل عن الملة وذلك اذا اعتقد حله وجوازه وقد يكون كبيرة من كبائر الذنوب ومن اعمال الكفر. قد استحق من فعله العذاب الشديد وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاسر فمن وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين. هذه الاحكام من جملة الاحكام التي في يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار. ان الله اوجب عليهم فيها ان النفس اذا قتلت تقتل بالنفس بشرط العمد والمكافأة والعين تقلع بالعين والاذن تؤخذ بالاذن والسن ينزع بالسن ومثل هذه ما اشبهها من الاطراف التي يمكن الاقتصاص منها بدون حيف. والجروح قصاص والاقتصاص ان يفعل به كما فعل. فمن جرح غيره عمدا خص من الجارح جرحا مثل جرحه للمجروح. حدا وموضعا وطولا وعرضا وعمقا. وليعلم ان شرع من قبلنا شرع لنا ما لم شرعنا بخلافه. فمن تصدق به اي بالقصاص في النفس. وما دونها من الاطراف والجروح بان عفا عمن جنى. وثبت له الحق وقبله فهو كفارة له اي كفارة للجاني. لان الادمي عفا عن حقه والله تعالى احق واولى بالعفو عن حقه سارة ايضا عن العافي. فانه كما عفا عمن جنى عليه. او على من يتعلق به فان الله يعفو عن زلاته وجناياته لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الظالمون. قال ابن عباس كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق. فهو ظلم اكبر عند استحلاله وعظيمة كبيرة عند فعله غير لله. وقفينا على اثارهم بعيسى بن مريم مصدقا اي واتبعنا هؤلاء الانبياء والمرسلين. الذين يحكمون بالتوراة بعبدنا ورسولنا عيسى ابن مريم. رح الله وكلمته التي طه الى مريم بعثه الله مصدقا لما بين يديه من التوراة. فهو شاهد لموسى ولما جاء به من التوراة بالحق والصدق. ومؤيد دعوته وحاكم بشريعته وموافق له في اكثر الامور الشرعية. وقد يكون عيسى عليه السلام اخف في بعض الاحكام. كما قال تعالى عنه انه قال لبني اسرائيل ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم. واتيناه الانجيل فيه هدى واتيناه الانجيل الكتاب العظيم المتمم للتوراة فيه هدى ونور يهدي الى الصراط المستقيم ويبين الحق من الباطل ومصدقا لما بين يديه من التوراة. بتثبيتها والشهادة لها والموافقة فانهم الذين ينتفعون بالهدى ويتعظون بالمواعظ ويرتدعون عما لا يليق اي يلزمهم التقيد بكتابهم ولا يجوز لهم العدول عنه ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون يقول تعالى وانزلنا اليك الكتاب الذي هو القرآن العظيم. افضل الكتب واجلها بالحق اي انزالا بالحق ومشتملا على الحق في واوامره ونواهيه. ومصدقا لما بين يديه من الكتاب. لانه شهد لها ووافقها وطابقت اخباره اخبارها وشرائعه الكبار شرائعها. واخبرت به فصار وجوده مصداقا لخبرها. ومهيمنا عليه اي مشتملا على ما اشتملت عليه الكتب سابقة وزيادة في المطالب الالهية والاخلاق النفسية. فهو الكتاب الذي تتبع كل حق جاءت به الكتب. فامر به وحث عليه واكثر من الطرق الموصلة اليه. وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين واللاحقين. وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة. والاحكام التي عرضت عليه الكتب السابقة فما شهد له بالصدق فهو المقبول. وما شهد له بالرد فهو مردود. قد دخله التحريف والتبديل والا فلو كان من عند الله لم يخالفه فاحكم بينهم بما انزل الله من الحكم الشرعي الذي انزله الله عليك لا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق. اي لا تجعل اتباع اهوائهم الفاسدة. المعارضة للحق بدلا عما جاءك من الحق تبديل الذي هو ادنى بالذي هو خير لكل جعلنا منكم ايها الامم جعلنا شرعة ومنهاجا اي سبيلا وسنة وهذه الشرائع التي تختلف باختلاف الامم هي التي تغيروا بحسب تغير الازمنة والاحوال. وكلها ترجع الى العدل في وقت شرعتها. واما الاصول الكبار التي هي مصلحة وحكمة في كل زمان. فان انها لا تختلف فتشرع في جميع الشرائع ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة تبعا لشريعة واحدة. لا يختلف متأخرها ولا متقدمها. ولكن ليبلوكم فيما اتاكم فيختبركم وينظر كيف تعملون. ويبتلي كل امة بحسب ما تقتضيه حكمته. ويؤتي كل احد مما يليق به وليحصل التنافس بين الامم. فكل امة تحرص على سبق غيرها. ولهذا قال فاستبقوا الخيرات. اي بادروا اليها واكملوها فان الخيرات الشاملة لكل فرض ومستحب من حقوق الله وحقوق عباده لا يصير فاعلها سابقا لغيره مستوليا على الامر الا بامرين المبادرة اليها وانتهاز الفرصة حين يجئ وقتها ويعرض عارضها. والاجتهاد في ادائها كاملة على الوجه المأمور به ويستدل بهذه الاية على المبادرة لاداء الصلاة وغيرها في اول وقتها. وعلى انه ينبغي الا يقتصر العبد على مجرد ما في الصلاة وغيرها من العبادات من الامور الواجبة. بل ينبغي ان يأتي بالمستحبات التي يقدر عليها لتتم وتكمل ويحصل بها السبق الى الله مرجعكم جميعا. الامم السابقة واللاحقة كلهم سيجمعهم الله ليوم لا ريب فيه انبئكم بما كنتم فيه تختلفون من الشرائع والاعمال. فيثيب اهل الحق والعمل الصالح ويعاقب اهل الباطل والعمل السيء وان احكم بينهم بما انزل الله هذه الاية هي التي قيل انها ناسخة لقوله فاحكم بينهم او اعرض عنهم. والصحيح انها ليست بنا وان تلك الاية تدل على انه صلى الله عليه وسلم مخير بين الحكم بينهم وبين عدمه. وذلك لعدم قصدهم بالتحاكم للحق وهذه الاية تدل على انه اذا حكم فانه يحكم بينهم بما انزل الله من الكتاب والسنة. وهو القسط الذي تقدم ان الله قال وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط. ودل هذا على بيان القسط وان مادته هو ما شرعه الله من الاحكام. فانها المشتملة على غاية العدل في القسط وما خالف ذلك فهو جور وظلم. ولا تتبع اهواءهم كرر النهي عن اتباع اهوائهم لشدة التحذير منها لان ذلك في مقام الحكم والفتوى وهو اوسع. وهذا في مقام الحكم وحده وكلاهما يلزم فيه الا يتبع اهواءهم المخالفة للحق ولهذا قال اياك والاغترار بهم وان يفتنوك فيصدوك عن بعض ما انزل الله اليك. فصار اتباع اهوائهم سببا موصلا الى ترك الحق اجب والفرض اتباعه فان تولوا عن اتباعك واتباع الحق فاعلم ان ذلك عقوبة عليهم. وان الله يريد ان يصيبهم ببعض ذنوبهم. فان للذنوب عقوبات عاجلة واجلة. ومن اعظم العقوبات ان يبتلى العبد ويزين له ترك اتباع الرسول. وذلك لفسقه اي طبيعتهم الفسق والخروج عن طاعة الله واتباع رسوله. افا حكم الجاهلية يبغون. اي افيطلبون بتوليهم واعراضهم عنك حكم الجاهلية؟ وهو كل حكم خالف ما انزل صلى الله على رسوله فلا ثم الا حكم الله ورسوله او حكم الجاهلية. فمن اعرض عن الاول ابتلي بالثاني المبني على الجهل والظلم الغيب ولهذا اضافه الله للجاهلية. واما حكم الله تعالى فمبني على العلم والعدل والقسط. والنور والهدى احسن من الله حكما لقوم يوقنون فالموقن هو الذي يعرف الفرق بين الحكم ويميز بايقانهما في حكم الله من الحسن والبهاء. وانه يتعين عقلا وشرعا اتباعه. واليقين هو العلم التام الموجب العمل هم اولياء بعض. ومن يتولهم منكم فانه منهم. ان الله لا يهدي يرشد تعالى عباده المؤمنين حين بين لهم احوال اليهود والنصارى وصفاتهم غير الحسنة ايتخذوهم اولياء فان بعضهم اولياء بعض يتناصرون فيما بينهم ويكونون يدا على من سواهم فانتم لا تتخذوهم اولياء والتولي القليل يدعو الى الكثير. ثم يتدرج شيئا فشيئا حتى يكون العبد منهم اي الذين وصفهم الظلم واليه يرجعون وعليه يعولون. فلو جئتهم بكل اية ما تبعوك ولنقادوا لك ولما نهى الله المؤمنين عن توليهم اخبر ان ممن يدعي الايمان طائفة تواليهم فقال فعسى الله فترى الذين في قلوبهم مرض اي شك ونفاق وضعف ايمان يقولون ان تولينا اياهم للحاجة فاننا نخشى ان تصيبنا دائرة اي تكون الدائرة لليهود والنصارى. فاذا كانت الدائرة لهم فاذا لنا معهم يد يكافئوننا عنها. وهذا سوء ظن منهم بالاسلام. قال الله تعالى رادا لظنهم السيء. فعسى الله ان يأتي بالفتح الذي يعز الله به الاسلام على اليهود والنصارى ويقهرهم المسلمون او امر من عنده. ييأس به المنافقون من ظفر الكافرين من اليهود وغيرهم. فيصبحوا على ما اسروا اي في انفسهم نادمين على ما كان منهم مضرهم بلا نفع حصل لهم. فحصل بالفتح الذي نصر الله به الاسلام والمسلمين. واذل به الكفر والكافرين فندموا وحصل لهم من الغم ما الله به عليم. ويقول الذين امنوا اهؤلاء الذين اقسموا بالله جهد ايمانهم انهم لمعكم حبطت اعمالهم فاصبحوا خاسرين ويقول الذين امنوا متعجبين من حال هؤلاء الذين في قلوبهم مرض. اهؤلاء الذين اقسموا بالله جهدا ايمانهم انهم لمعكم. اي حلفوا واكدوا حلفهم وغلظوه بانواع التأكيدات. انهم لمعكم في الايمان. وما يلزمه من للنصرة والمحبة والموالاة. ظهر ما اضمروه وتبين ما اسروه. وصار كيدهم الذي كادوه. وظنهم الذي ظنوه بالاسلام واهله في باطلا فبطل كيدهم وبطلت اعمالهم في الدنيا. فاصبحوا خاسرين. حيث فاتهم مقصودهم. وحضرهم الشقاء والعذاب عن دينه فلن يضر الله شيئا. وانما يضر نفسه وان لله عبادا مخلصين. ورجالا صادقين. قد تكفل الرحمن الرحيم بهدايتهم ووعد بالاتيان بهم وانهم اكملوا الخلق اوصافا واقواهم نفوسا واحسنهم اخلاقا. اجل صفاتهم ان الله يحبهم ويحبهم فان محبة الله للعبد هي اجل نعمة انعم بها عليه. وافضل فضيلة تفضل الله بها عليه. واذا احب الله عبدا يسر له الاسباب وهون عليه كل عسير. ووفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات. واقبل بقلوب عباده اليه بالمحبة والوداد. ومن لوازم محبة العبد لربه انه لابد ان يتصف بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا. في اقواله وافعاله وجميع احواله كما قال الله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. كما ان من لازم محبة الله للعبد ان يكثر العبد من التقرب الى الله بالفرائض والنوافل. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الله وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه. فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به. وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها. ولئن سألني لاعطينه. ولئن استعاذني لاعيذنه. ومن لوازم محبة الله معرفته تعالى والاكثار من ذكره. فان المحبة بدون معرفة بالله ناقصة جدا. بل غير موجودة. وان وجدت دعواها من احب الله اكثر من ذكره واذا احب الله عبدا قبل منه اليسير من العمل. وغفر له الكثير من الزلل. ومن صفاتهم انهم فهم للمؤمنين اذلة من محبتهم لهم ونصحهم لهم ولينهم ورفقهم ورأفتهم ورحمتهم بهم وسهولة جانبهم واقرب الشيء الذي يطلب منهم وعلى الكافرين بالله المعاندين باياته المكذبين لرسله اعزة قد اجتمعت هممهم وعزائمهم على معاداتهم وبذلوا جهدهم في كل سبب يحصل به الانتصار قال الله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. وقال الله تعالى اشداء على الكفار رحماء بينهم. فالغلظة والشدة على اعداء الله مما يقرب العبد الى الله. ويوافق العبد ربه في سخطه عليه بهم ولا تمنع الغلظة عليهم الشدة دعوتهم الى الدين الاسلامي بالتي هي احسن. فتجتمع الغلظة عليهم واللين في دعوتهم الى الامرين من مصلحتهم ونفعه عائد اليهم يجاهدون في سبيل الله باموالهم وانفسهم باقوالهم وافعالهم ولا يخافون لو بل يقدمون رضا ربهم والخوف من لومه على لوم المخلوقين. وهذا يدل على قوة هممهم وعزائمهم. فان ضعيف القلب ضعيف تنتقد عزيمته عند لوم اللائمين. وتفتر قوته عند عدل العادلين. وفي قلوبهم تعبد لغير الله. بحسب ما فيها من مراعاة الخلق وتقديم رضاهم ولومهم على امر الله. فلا يسلم القلب من التعبد لغير الله حتى لا يخاف في الله لومة لائم. ولما مدحهم تعالى بما من به عليه من الصفات الجليلة والمناقب العالية. المستلزمة لما لم يذكر من افعال الخير. اخبر ان هذا من فضله عليهم باحسانه لان لا يعجبوا بانفسهم وليشكروا الذي من عليهم بذلك ليزيدهم من فضله. وليعلم غيرهم ان فضل الله تعالى ليس عليه حجاب فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع اي واسع الفضل والاحسان جزيل المنن قد عمت رحمته كل شيء ويوسع على اولياءه من فضله ما لا يكون لغيرهم. ولكنه عليم بمن يستحق الفضل فيعطيه. فالله تعالى حيث يجعل رسالته اصلا وفرعى انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون لما نهى عن ولاية الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم وذكر مآل توليهم انه الخسران المبين. اخبر تعالى من يجب ويتعين توليه. وذكر فائدة ذلك ومصلحته فقال انما وليكم الله ورسوله. فولاية الله تدرك بالايمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا. كان لله وليا. ومن كان ولي لله فهو ولي لرسوله. ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه. وهم المؤمنون الذين قاموا بالايمان ظاهرا واخلصوا للمعبود باقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها. واحسنوا للخلق وبذلوا الزكاة من اموالهم لمستحقيها منهم وقوله وهم راكعون اي خاضعون لله ذليلون. فاداة الحصر في قوله انما وليكم الله ورسوله الذين امنوا تدل على انه يجب قصر الولاية على المذكورين والتبري من ولاية غيرهم. ثم ذكر فائدة هذه الولاية فقال حزب الله ومن يتولى الله ورسوله والذين امنوا فان حزب الله هم الغالبون. اي فانه من الحزب المضافين الى الله اضافة عبودية وولاية. وحزبه هم الغالبون الذين فلهم العاقبة في الدنيا والاخرة. كما قال الله تعالى وان جندنا لهم الغالبون. وهذه بشارة عظيمة لمن قام بامر الله وصار من حزبه وجنده ان له الغلبة. وان ادل عليه في بعض الاحيان لحكمة يريدها الله تعالى. فاخر امره الغلبة والانتصار ومن اصدق من الله قيلا واتقوا الله ان كنتم مؤمنين واذا ناديتم الى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ينهى عباده المؤمنين عن اتخاذ اهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن سائر الكفار اولياء يحبونهم ويتولونهم. ويبدون لهم اسرار المؤمنين. ويعاونونهم على بعض امورهم التي تضر الاسلام والمسلمين وان ما معه من الايمان يوجب عليهم ترك موالاتهم. ويحثهم على معاداتهم. وكذلك التزامهم لتقوى الله التي هي امتثال اوامر واجتناب زواجره مما تدعوهم الى معاداتهم. وكذلك ما كان عليه المشركون والكفار المخالفون للمسلمين. من قدحهم في دين مسلمين واتخاذهم اياه هزوا ولعبا واحتقاره واستصغاره. خصوصا الصلاة التي هي اظهار شعائر المسلمين. وادل عباداتهم انهم اذا نادوا اليها اتخذوها هزوا ولعبا. وذلك لعدم عقلهم ولجهلهم العظيم. والا فلو كان لهم عقول لخضعوا لها ولعلموا انها اكبر من جميع الفضائل التي تتصف بها النفوس. فاذا علمتم ايها المؤمنون حال الكفار وشدة معاداتهم لكم ولدينكم فمن لم يعادهم بعد هذا دل على ان الاسلام عنده رخيص. وانه لا يبالي بمن قدح فيه او قدح بالكفر والضلال. وانه ليس عنده من المروءة والانسانية شيء. فكيف تدعي لنفسك دينا قيما؟ وانه الدين الحق وما سواه باطل. وترضى بموالاة من اتخذه هزوا ولعبا وسخر به وباهله من اهل الجهل والحمق. وهذا فيه من التهييج على عداوتهم. ما هو معلوم لكل من له ادنى مفهوم وما انزل من قبل وان اكثركم فاسقون. اي قل يا ايها الرسول يا اهل الكتاب ملزما لهم ان دين الاسلام هو الدين الحق. وان قدحهم فيه قدحهم بامر ينبغي المدح عليه. هل تنقمون منا الا ان امنا بالله وما انزل الينا وما انزل من قبل وان اكثركم فاسقون. اي هل لنا عندكم من العيب الا ايماننا بالله وبكتبه السابقة واللاحقة وبانبيائه المتقدمين والمتأخرين. وباننا نجزم ان من لم يؤمن كهذا الايمان فانه كافر فاسق. فهل تنقمون منا بهذا الذي هو اوجب الواجبات على جميع المكلفين. ومع هذا فاكثركم فاسقون. اي خارجون عن طاعة الله. متجرأون على معاصيه فاولى لكم ايها الفاسقون فلو كان عيبكم وانتم سالمون من الفسق. وهيهات ذلك لكان الشر اخف من قدحكم فينا مع فسقكم ولما كان قدحهم في المؤمنين يقتضي انهم يعتقدون انهم على شر. قال تعالى ذلك قل لهم مخبرا عن شناعة ما كانوا عليه. هل انبئكم بشر من ذلك الذين قمتم فيه علينا مع التنزل معكم من لعنه الله اي ابعده عن رحمته وغضب عليه وعاقبه في الدنيا والاخرة وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت. وهو الشيطان. وكل ما عبد من دون الله فهو طاغوت. اولئك المذكورون بهذه الخصال القبيحة شر مكانا من المؤمنين الذين رحمة الله قريب منهم. ورضي الله عنهم واثابهم في الدنيا والاخرة. لانهم اخلصوا له الدين وهذا النوع من باب استعمال افعال التفضيل في غير بابه. وكذلك قوله واضل عن سواء السبيل. اي وابعد عن قصد السبيل بما كانوا يكتمون. واذا جاءوكم قالوا امنا نفاقا ومكرا وهم قد دخلوا مشتملين على الكفر. وهم قد خرجوا به فمدخلهم ومخرجهم بالكفر. وهم يزعمون انهم مؤمنون. فهل اشر من هؤلاء واقبح حالا منهم؟ والله اعلم بما كانوا يكتمون فيجازيهم باعمالهم خيرها وشرها. ثم استمر تعالى يعدد معايبهم انتصارا لقدحهم في عباده المؤمنين فقال كما كانوا يعملون. وترى كثيرا منهم اي من اليهود يسارعون في الاثم والعدوان اي يحرصون ويبادرون المتعلقة في حق الخالق والعدوان على المخلوقين. واكلهم السحت الذي هو الحرام. فلم يكتفي بمجرد الاخبار انهم يفعلون ذلك حتى اخبر انهم يسارعون فيه. وهذا يدل على خبثهم وشرهم. وان انفسهم مجبولة على حب المعاصي والظلم. هذا وهم يدعون المقامات العالية. وهذا في غاية الذم لهم والقدح فيهم اي هل لا ينهاهم العلماء المتصدون لنفع الناس؟ الذين من الله عليهم بالعلم والحكمة عن المعاصي التي تصدر منهم يزول ما عندهم من الجهل وتقوم حجة الله عليهم فان العلماء عليهم امر الناس ونهيهم وان يبينوا لهم الطريق الشرعي ويرغبونهم في الخير ويرهبونهم من الشر. لبئس ما كانوا يصنعون. وقالت اليهود يد الله مغلولة ولعنوا بما قالوا غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوط بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء والغينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة كلما ما اوقدوا نارا للحرب اطفأها الله ويسعون في الارض فسادا والله لا يحب المحسنين. يخبر تعالى عن مقالة اليهود الشنيعة وعقيدتهم الفظيعة. فقال وقالت اليهود يد الله مغلولة اي عن الخير والاحسان والبر. غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا. وهذا دعاء عليهم بالجنس حالتهم فان كلامهم متضمن لوصف الله الكريم. بالبخل وعدم الاحسان. فجزاهم بان كان هذا الوصف منطبقا عليهم. فكانوا ابخل الناس واقلهم احسانا واسوأهم ظنا بالله. وابعدهم الله عن رحمته التي وسعت كل شيء. وملأت اقطار العالم العلوي والسفلي هذا قال لا حجر عليه ولا مانع يمنعه مما اراد فانه تعالى قد بسط فضله واحسانه الديني والدنيوي وامر العباد ان يتعرضوا لنفحات جوع والا يسدوا على انفسهم ابواب احسانه بمعاصيهم. فيداه سحاء الليل والنهار. وخيره في جميع الاوقات مدرار فرج كربا ويزيل غما ويغني فقيرا. ويفك اسيرا ويجبر كسيرا. ويجيب سائلا. ويعطي فقيرا عائلا المضطرين ويستجيب للسائلين وينعم على من لم يسأله. ويعافي من طلب العافية. ولا يحرم من خيره عاصيا. بل خيره يشفع فيه البر والفاجر. ويجود على اوليائه بالتوفيق لصالح الاعمال. ثم يحمدهم عليها. ويضيفها اليهم. وهي من جوده. ويثيبهم هم عليها من الثواب العاجل والاجل ما لا يدركه الوصف. ولا يخطر على بال العبد ويلطف بهم في جميع امورهم. ويوصل اليهم من الاحسان ويدفع عنه من النقم ما لا يشعرون بكثير منه. فسبحان من كل النعم التي بالعباد فمنه. واليه يجأرون في دفع المكاره. وتبارك من لا يحصي احد ثناء عليه. بل هو كما اثنى على نفسه. وتعالى من لا يخلو العباد من كرمه طرفة عين. بل لا وجود لهم ولا بقاء الا بجوده وقبح الله من استغنى بجهله عن ربه. ونسبه الى ما لا يليق بجلاله. بل لو عامل الله اليهود القائلين تلك المقالة. ونحوهم مما حاله كحالهم ببعض قولهم لهلكوا. وشقوا في دنياهم ولكنهم يقولون تلك الاقوال. وهو تعالى يحلم عنهم ويصفح ويمهلهم ولا يهملهم. وقوله تعالى وهذا اعظم العقوبات على العبد ان يكون الذكر الذي انزله الله على رسوله الذي فيه هي حياة القلب والروح وسعادة الدنيا والاخرة. وفلاح الدارين الذي هو اكبر منة امتن الله بها على عباده. توجب عليهم المبادرة الى قبولها والاستسلام لله بها وشكرا لله عليها ان تكون لمثل هذا زيادة غي الى غيه. وطغيان الى طغيانه وكفر الى كفره. وذلك بسبب اعراضه عنها. ورده لها ومعاندته اياها. ومعارضته لها بالشبه الباطلة والغينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة. فلا ولا يتناصرون ولا يتفقون على حالة فيها مصلحتهم بل لم يزالوا متباغضين في قلوبهم متعادين بافعالهم الى يوم القيامة القيامة كلما اوقد نارا للحرب اطفأها كلما للحرب ليكيدوا بها الاسلام واهله وابدوا واعادوا واجلبوا بخيلهم ورجلهم. اطفأها الله بخذلانهم تفرق جنودهم وانتصار المسلمين عليهم ويسعون في الارض فسادا. اي يجتهدون ويجدون. ولكن بالفساد في الارض بعمل المعاصي والدعوة الى دينهم الباطل والتعويق عن الدخول في الاسلام. والله لا يحب المفسدين. بل يبغضهم اشد البغض وسيجازيهم على ذلك. ثم قال تعالى وهذا من كرمه وجوده. حيث ذكر قبائح اهل الكتاب ومعايبهم واقوالهم الباطلة دعاهم الى التوبة. وانهم لو امنوا بالله وملائكته وجميع كتبه وجميع رسله. واتقوا المعاصي تكفر عنهم سيئاتهم ولو كانت ما كانت. ولادخلهم جنات النعيم التي فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين انهم مقام التوراة والانجيل وما انزل اليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم. لا كانوا ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل اليه من ربهم اي قاموا باوامرهما ونواهيهما كما ندبهم الله وحثهم. ومن اقامتهما الايمان بما دعيا اليه. من الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فلو قاموا بهذه النعمة العظيمة التي انزلها ربهم اليهم اي لاجلهم وللاعتناء بهم اكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم. اي لادر الله عليهم الرزق ولامطر عليهم السماء. وانبت لهم الارض كما قال الله تعالى ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض. منهم اي من اهل الكتاب امة مقتصدة اي بالتوراة والانجيل عملا غير قوي ولا نشيط ايها المسيء منهم الكثير. واما السابقون منهم فقليل ما هم بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته. والله يعصمك من هذا امر من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم باعظم الاوامر واجلها وهو التبليغ لما انزل الله اليه. ويدخل في هذا كل امر تلقته الامة عنه صلى الله عليه وسلم. من العقائد والاعمال والاحكام الشرعية والمطالب الالهية. فبلغ صلى الله عليه وسلم اكمل تبليغ. ودعا وانذر وبشر ويسر. وعلم الجهال اميين حتى صاروا من العلماء الربانيين. وبلغ بقوله وفعله وكتبه ورسله. فلم يبقى خير الا دل امته عليه. ولا شر الا حذرها عنه وشهد له بالتبليغ افاضل الامة من الصحابة. فمن بعدهم من ائمة الدين ورجال المسلمين. وان لم تفعل اي لم تبلغ ما انزل اليك من ربك فما بلغت رسالته. اي فما امتثلت امره. والله يعصمك من الناس. هذه حماية وعصمة من الله لرسوله من الناس وانه ينبغي ان يكون حرصك على التعليم والتبليغ. ولا يثنيك عنه خوف من المخلوقين. فان نواصيهم بيد الله. وقد تكفل بعصمتك انت انما عليك البلاغ المبين. فمن اهتدى فلنفسه. واما الكافرون الذين لا قصد لهم الا اتباع اهوائهم. فان الله لا يهديهم ولا يوفقهم للخير بسبب كفرهم قيل وما انزل اليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما انزل اليك من ربك طغى اي قل لاهل الكتاب مناديا على ضلالهم ومعلنا بباطلهم لستم على شيء من الامور الدينية فانكم لا بالقرآن ومحمد امنتم ولا بنبيكم وكتابكم صدقتم ولا بحق تمسكتم ولا على اصل اعتمدتم حتى تقيموا التوراة والانجيل. اي تجعلوهما قائمين بالايمان بهما واتباعهما. والتمسك بكل ما اليه وتقيموا ما انزل اليكم من ربكم الذي رباكم وانعم عليكم وجعل اجل انعامه انزال الكتب اليكم يجب عليكم ان تقوموا بشكر الله وتلتزموا احكام الله. وتقوموا بما حملتم من امانة الله وعهده. وليزيدن كثيرا منهم ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا. فلا تأس على القوم الكافرين ولا هم يحزنون. يخبر تعالى عن اهل الكتب من اهل القرآن والتوراة والانجيل ان سعادتهم ونجاتهم في طريق واحد واصل واحد وهو الايمان بالله واليوم الاخر والعمل الصالح. فمن امن منهم بالله واليوم الاخر فله النجاة خوف عليهم فيما يستقبلونه من الامور المخوفة. ولا هم يحزنون على ما خلفوا منها. وهذا الحكم المذكور يشمل سائر الازمنة لقد اخذنا ميثاق بني اسرائيل وارسلنا اليهم رسلا. كلما جاءهم رسول قم بما لا تهوى انفسهم فريقا كذبوا فريقا يقتلون. يقول تعالى لقد اخذنا بني اسرائيل اي عهدهم الثقيل بالايمان بالله والقيام بواجباته التي تقدم الكلام عليها في قوله. ولقد اخذ الله ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا. وارسلنا اليهم رسلا يتوالون عليهم بالدعوة ويتعاهدونهم بالارشاد. ولكن ذلك لم ينجح فيهم ولم يفد. كلما جاءهم رسول بما لا تهوى انفسهم من الحق. كذبوه وعاندوه. وعملوه اقبح المعاملة. فريقا وفريقا يقتلون. وحسموا الا تكون فتنة والله بصير بما يعملون محاسب الا تكون فتنة. ايظنوا ان معصيتهم وتكذيبهم لا يجر عليهم عذابا ولا عقوبة. فاستمروا على باطلهم فعموا وصموا عن الحق يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق. اي لا تتجاوزوا وتتعدوا الحق الى الباطل. وذلك كقولهم في المسيح ما تقدم حكايته عنهم. وكغلوهم في ثم انعشهم وتاب الله عليهم حين تابوا اليه وانابوا. ثم لم يستمروا على ذلك حتى انقلب اكثرهم الى الحال القبيحة. فعموا وصموا كثير منهم بهذا الوصف والقليل استمروا على توبتهم وايمانهم. والله مصير بما يعملون. فيجازي كل عامل بعمله خيرا فخير وان شرا فشر. لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم وقال ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواهن يخبر تعالى عن كفر النصارى بقولهم ان الله هو المسيح ابن مريم. بشبهة انه خرج من ام بلا اب. وخالف المعهود من الخلقة الالهية حال انه عليه الصلاة والسلام قد كذبهم في هذه الدعوة. وقال لهم يا بني اسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم. فاثبت لنفسه العبودية التامة ولربه الربوبية الشاملة لكل مخلوق. انه من يشرك بالله احدا من المخلوقين لا عيسى ولا غيره. فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وذلك لانه سوى الخلق بالخالق وصرف ما خلقه الله له وهو العبادة الخالصة لغير من هي له الحق ان يخلد في النار. وما للظالمين من انصار ينقذونهم من عذاب الله. او يدفعون عنهم بعض ما نزل بهم. لقد كفر الذين حين قالوا ان الله ثالث ثلاثة. وهذا من اقوال النصارى المنصورة عندهم. زعموا ان الله ثالثهم ثلاثة الله وعيسى ومريم. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. وهذا اكبر دليل على قلة عقول النصارى. كيف قبلوا هذه المقالة الشنعاء والعقيدة القبيحة. كيف اشتبه عليهم الخالق بالمخلوقين؟ كيف خفي عليهم رب العالمين؟ قال تعالى رادا عليهم على اشباههم. وما من اله الا اله واحد متصف بكل صفة كمال. منزه عن كل نقص. منفرد بالخلق والتدبير. ما بالخلق من نعمة الا منه. فكيف يجعل اله غيره تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ثم توعدهم بقوله يقولون لينسن الذين كفروا منهم عذاب اليم. ثم دعاهم الى التوبة عما صدر منهم وبين انه يقبل التوبة عن عباده فقال افلا يتوبون الى الله افلا يتوبون الى الله ايرجعون الى ما يحبه ويرضاه من الاقرار لله بالتوحيد. وبان عيسى عبد الله ورسوله عما كانوا يقولونه ويستغفرونه عما صدر منهم. والله غفور رحيم ان يغفر ذنوب التائبين ولو بلغت عنان السماء ويرحمهم بقبول توبتهم وتبديل سيئاتهم حسنات. وصدر دعوتهم الى بالعرض الذي هو في غاية اللطف واللين في قوله افلا يتوبون الى الله؟ ثم ذكر حقيقة المسيح وامه الذي هو الحق فقال ما المسيح ابن مريم الا رسول قد خلت من قبل رسل وامه صديقة الطعام انظر كيف نبين لهم الايات ثم ما المسيح ابن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل. اي هذا غايته ومنتهى امره انه من عباد الله المرسلين الذين ليس لهم من الامر ولا من التشريع الا ما ارسلهم الله به وهو من جنس الرسل قبله لا مزية له عليهم تخرجه عن البشرية الى مرتبة الربوبية. وامه مريم صديقة اي هذا ايضا غايتها. ان كانت من الصديقين الذين انهم اعلى الخلق رتبة بعد الانبياء والصديقية هي العلم النافع المثمر لليقين والعمل الصالح. وهذا دليل على ان مريم لم تكن نبية بل اعلى احوالها الصديقية. وكفى بذلك فضلا وشرفا. وكذلك سائر النساء لم يكن منهن نبيا. لان الله تعالى جعل النبوة في هل الصنفين في الرجال كما قال تعالى وما ارسلنا من قبلك الا رجالا نوحي اليهم. فاذا كان عيسى عليه السلام من جنس الانبياء والرسل من قبله وامه صديقة. فلاي شيء اتخذهما النصارى الهين مع الله. وقوله دليل ظاهر على انهما عبدان فقيران. محتاجان كما يحتاج بنو ادم الى الطعام والشراب. فلو كان ناهيني لاستغنيا عن الطعام والشراب ولم يحتاجا الى شيء. فان الاله هو الغني الحميد. ولما بين تعالى البرهان قال انظر كيف نبين له الايات ثم انظر انى يؤفكون. انظر كيف نبين لهم اياتي الموضحة للحق الكاشفة لليقين. ومع هذا لا تفيد فيهم شيئا. بل لا يزالون على افكهم وكذبهم وافترائهم. وذلك ظلم وعناد منهم اي قل لهم ايها الرسول اتعبدون من دون الله من المخلوقين الفقراء المحتاجين. من لا يملك لكم ضرا ولا نفعا. وتدعون من انفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع. والله هو السميع ولجميع الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. العليم بالظواهر والبواطن والغيب والشهادة والامور الماضية والمستقبلة الكامل تعالى الذي هذه اوصافه. هو الذي يستحق ان يفرد بجميع انواع العبادة. ويخلص له الدين بعض المشايخ اتباعا لاهواء قوم قد ضلوا من قبل اي تقدم ضلالهم واضلوا كثيرا من الناس بدعوتهم اياهم الى الدين الذي هم عليه وضلوا عن سواء السبيل. اي قصد الطريق فجمعوا بين الضلال والاضلال. وهؤلاء هم ائمة الضلال الذين حذر الله عنهم وعن اتباع اهلهم اهوائهم المرضية وارائهم المضلة. ثم قال تعالى لعن الذين كفروا من بني اسرائيل اي طردوا وابعدوا عن رحمة الله على لسان داوود وعيسى ابن مريم. اي بشهادتهما واقرارهما بان الحجة قد قامت اليهم وعاندوها. ذلك الكفر واللعن بما عصوا وكانوا يعتدون. اي بعصيانهم لله وظلمهم لعباد الله صار سببا لكفرهم وبعدهم عن رحمة الله فان للذنوب والظلم عقوبات. ومن معاصيهم التي احلت بهم المثلات واوقعت بهم العقوبات. انهم كانوا ايتناهون عن منكر فعلوه اي كانوا يفعلون المنكر ولا ينهى بعضهم بعضا. فيشترك بذلك المباشر وغيره. الذي الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك. وذلك يدل على تهاونهم بامر الله. وان معصيته خفيفة عليهم. فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه. ولغضبوا لغضبه. وانما كان السكوت عن المنكر. مع القدرة موجبا للعقوبة. لما فيه من العظيمة منها ان مجرد السكوت فعل معصية وان لم يباشرها الساكت فانه كما يجب اجتناب المعصية فانه يجب الانكار وعلى من فعل المعصية. ومنها ما تقدم انه يدل على التهاون بالمعاصي. وقلة الاكتراث بها. ومنها ان ذلك يجرأ العصاة سقط على الاكثار من المعاصي اذا لم يردعوا عنها فيزداد الشر وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية ويكون لهم الشوكة والظهور ثم بعد ذلك يضعف اهل الخير عن مقاومة اهل الشر. حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه اولا. ومنها ان في ترك الانكار للمنكر يندرس العلم ويكثر الجهل. فان المعصية مع تكررها وصدورها من كثير من الاشخاص. وعدم انكار اهل الدين والعلم لها. يظن وانها ليست بمعصية. وربما ظن الجاهل انها عبادة مستحسنة. واي مفسدة اعظم من اعتقاد ما حرم الله حلالا. وانقلاب الحقائق النفوس ورؤية الباطل حقا. ومنها ان السكوت على معصية العاصين. ربما تزينت المعصية في صدور الناس. واقتدى بعضهم ببعض فالانسان مولع بالاقتداء باضرابه وبني جنسه. ومنها ومنها فلما كان السكوت عن الانكار بهذه المثابة نص الله تعالى ان بني اسرائيل الكفار منهم لعنهم بمعاصيهم واعتدائهم. وخص من ذلك هذا المنكر العظيم. لبئس ما كانوا يفعلون. تراك لبئس ما قدمت لهم انفسهم ان سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. ترى كثير منهم يتولون الذين كفروا بالمحبة والموالاة والنصرة. لبئس ما قدمت لهم انفسهم هذه البضاعة الكاسدة. والصفقة خاسرة وهي سخط الله الذي يسخط لسخطه كل شيء. والخلود دائم في العذاب العظيم. فقد ظلمتهم انفسهم حيث قدمت لهم هذا النزول الكريم وقد ظلموا انفسهم اذ فوتوها النعيم المقيم. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما انزل الي لو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما انزل اليه ما اتخذوهم اولياء. فان الايمان بالله وبالنبي وما انزل اليه. يوجب على العبد موالاة ربه وموالاة اولياءه ومعاداة من كفر به وعاداه. واوضع في معاصيه. فشرط ولاية الله والايمان به الا يتخذ اعداء الله اولياء وهؤلاء لم يوجد منهم الشرط فدل على انتفاء المشروط اي خارجون عن طاعة الله والايمان به وبالنبي. ومن فسقهم موالاة اعداء الله. ثم قال تعالى ذلك بان منهم قسيسين يقول تعالى في بيان اقرب الطائفتين الى المسلمين والى ولايتهم ومحبتهم وابعدهم من ذلك. لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا. فهؤلاء الطائفتان على الاطلاق اعظم الناس معاداة للاسلام والمسلمين. واكثرهم سعيا في ايصال الضرر اليهم. وذلك لشدة بغضهم لهم بغيا وحسدا عنادا وكفرا وذكر تعالى لذلك عدة اسباب منها ان منهم قسيسين ورهبانا اي علماء متزهدين وعبادا في الصوامع المتعبدين والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة. فلذلك لا يوجد فيهم اليهود وشدة المشركين. ومنها انهم لا يستكبرون. اي ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق. وذلك موجب لقربهم من المسلمين ومن محبتهم. فان المتواضع اقرب الى الخير من المستكبر. ومنها فقالوا ربنا امنا فاكتبنا مع الشاهدين. وهم امة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون لله بالتوحيد. ولرسله بالرسالة والصحة ما جاءوا به ويشهدون على الامم السابقة بالتصديق والتكذيب. وهم عدول شهادتهم مقبولة. كما قال الله تعالى وكذلك فجعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس. ويكون الرسول عليكم شهيدا. فكأنهم ليموا على ايمانهم ومسارعتهم فيه. فقال الو وما لنا لا نؤمن بالله وما من الحق ونطمع ان يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين. وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع ان يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين. اي ما الذي يمنعنا من الايمان بالله؟ والحال انه قد جاءنا الحق من ربنا الذي لا يقبل الشك والريب ونحن اذا امنا واتبعنا الحق طمعنا ان يدخلنا الله الجنة مع القوم الصالحين. فاي مانع يمنعنا اليس ذلك موجبا المسارعة والانقياد للايمان وعدم التخلف عنه. قال الله تعالى فاثابهم الله بما قالوا تجري من تحتها الانهار خالدين فيها فاثابهم الله بما قالوا اي بما تفوهوا به من الايمان ونطقوا به من التصديق بالحق جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها. وذلك جزاء المحسنين. وهذه الايات نزلت في النصارى الذين امنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم. كالنجاشي وغيره ممن امن منهم. وكذلك لا يزال يوجد فيه من يختار دين الاسلام. ويتبين له ما كانوا عليه وهم اقرب من اليهود والمشركين الى دين الاسلام. ولما ذكر ثواب المحسنين ذكر عقاب المسيئين. قال الذين كفروا وكذبوا باياتنا اولئك اصحاب الجحيم لانهم كفروا بالله وكذبوا باياته المبينة للحق لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم ولا تعتلوا ان الله لا يحب المعتدين يقول تعالى يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم من المطاعم والمشارب فانها نعم انعم الله بها عليكم فاحمدوه اذ احلها لكم واشكروه ولا تردوا نعمته بكفرها او عدم قبولها او اعتقاد تحريمها. فتجمعون بذلك بين على الله الكذب وكفر النعمة واعتقاد الحلال الطيب حراما خبيثا. فان هذا من الاعتداء. والله قد نهى عن الاعتداء فقال ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. فليبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم على ذلك. ثم امر بضد ما عليه المشركون الذين حرمون ما احل الله. فقال وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا اي كلوا من رزقه الذي ساقه اليكم بما يسره من الاسباب اذا كان حلالا لا سرقة ولا غصبا ولا غير ذلك من انواع الاموال التي تؤخذ بغير حق. وكان ايضا طيبا وهو الذي لا خبث فيه. فخرج بذلك الخبيث من السباع والخبائث. واتقوا الله في امتثال اوامره واجتناب نواهيه. الذي انتم به مؤمنون. فان ايمانكم بالله يوجب عليكم تقواه. ومراعاة حقه. فانه لا يتم الا بذلك. ودلت الاية الكريمة على انه واذا حرم حلالا عليه من طعام وشراب وسرية وامة ونحو ذلك فانه لا يكون حراما بتحريمه. لكن لو فعله فعليه يمين كما قال الله تعالى يا ايها النبي لما تحرم ما احل الله لك؟ الا ان تحريم الزوجة فيه كفارة ظهار ويدخل في هذه الاية انه لا ينبغي للانسان ان يتجنب الطيبات ويحرمها نفسه. بل يتناولها مستعينا بها على طاعة ربه. لا ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان. لا اخذكم الله باللغو في ايمانكم. اي في ايمانكم التي صدرت على وجه اللغو. وهي الايمان التي حلف بها المقسم من غير نية ولا قصد. او عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلاف ذلك. ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان. اي بما عزمتم عليه. وعقدت عليه قلوبكم كما قال في الاخرى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم اهنيكم او كسوتهم او تحرير رقبة. فكفارته اي كفارة اليمين الذي عقدتموها بقصدكم. اطعام عشرة مساء وذلك الاطعام من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم. اي كسوة عشرة مساكين والكسوة هي التي تجزئ في الصلاة. او تحرير رقبة اي عتق رقبة مؤمنة كما قيدت في غير هذا الموضع. فمتى فعل واحدة من هذه الثلاثة فقد انحلت يمينه فمن لم يجد واحدا من هذه الثلاثة فصيام ثلاثة ايام. ذلك المذكور كفارة ايمانكم اذا حلفتم تكفرها وتمحوها وتمنع من الاثم. واحفظوا ايمانكم عن الحلف بالله كاذبا. وعن كثرة الايمان. واحفظوها اذا حلفتم عن الحنث فيها للاحكام لعلكم تشكرون الله حيث علمكم ما لم تكونوا تعلمون. فعلى العباد شكر الله تعالى على ما من به عليهم من معرفة احكام الشرعية وتبيينها انما يريد الشيطان ان في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله يذم تعالى هذه الاشياء القبيحة اخبر انها من عمل الشيطان وانها رجس. فاجتنبوه اي اتركوه لعلكم تفلحون. فان الفلاح لا يتم الا بترك ما حرم الله خصوصا هذه الفواحش المذكورة وهي الخمر وهي كل مخامر العقل اي غطاه بسكره والميسر وهو جميع المغالبات التي فيها عوض من جانبين كالمراهنة ونحوها والانصاب التي هي الاصنام والانداد ونحوها. مما ينصب ويعبد من دون الله. والازلام التي بها فهذه الاربعة نهى الله عنها وزجر. واخبر عن مفاسدها الداعية الى تركها واجتنابها. فمنها انها رجز اي خبث نجسوا معنا وان لم تكن نجسة حسا. والامور الخبيثة مما ينبغي اجتنابها وعدم التدنس باوظارها. ومنها انها من عمل الشيطان الذي هو اعدى الاعداء للانسان. ومن المعلوم ان العدو يحذر منه. وتحذر مصايده واعماله. خصوصا الاعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوة فان فيها هلاكة. فالحزم كل الحزم البعد عن عمل العدو المبين. والحذر منها والخوف من الوقوع فيها ومنها انه لا يمكن الفلاح للعبد الا باجتنابها. فان الفلاح هو الفوز بالمطلوب المحبوب. والنجاة من المرهوب وهذه الامور مانعة من الفلاح ومعوقة له. ومنها ان هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس. والشيطان حريص على بثها. خصوصا الخمر والميسر ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء. فان في الخمر من انغلاب العقل وذهاب حجاه ما يدعو الى البغضاء بينه وبين اخوانه المؤمنين خصوصا اذا اقترن بذلك من السباب ما هو من لوازم شارب الخمر. فانه ربما اوصل الى القتل. وما في الميسر من غلبة احدهما للاخر واخذ ماله الكثير في غير مقابلة ما هو من اكبر الاسباب للعداوة والبغضاء. ومنها ان هذه الاشياء تصد القلب ويتبعه البدن عن ذكر الله وعن الصلاة. الذين خلق لهما العبد وبهما سعادته. فالخمر والميسر يصدانه عن ذلك اعظم صد. ويشتغل قلبه ويذهل لبه في الاشتغال بهما. حتى يمضي عليه مدة طويلة وهو لا يدري اين هو. فاي معصية اعظم واقبح من معصية تدنس صاحبها وتجعله من اهل الخبث. وتوقعه في اعمال الشيطان وشباكه. فينقاد له كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها. وتحول بين العبد وبين فلاحه وتوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين. وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة. فهل فوق هذه المفاسد شيء اكبر منها؟ ولهذا الله تعالى على العقول السليمة النهي عنها عرضا بقوله فهل انتم منتهون؟ لان العاقل اذا نظر الى بعض تلك المفاسد انزجر عنها وكفت نفسه ولم يحتج الى وعظ كثير ولا زجر بليغ. واطيعوا الله واطيعوا الرسول واحذروا البلاغ المبين طاعة الله وطاعة رسوله واحدة. فمن اطاع الله فقد اطاع الرسول. ومن اطاع الرسول فقد اطاع الله. وذلك شامل للقيام بما امر الله به ورسوله من الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة الواجبة والمستحبة المتعلقة بحقوق الله وحقوق خلقه والانتهاء عما نهى الله رسوله عنه كذلك. وهذا الامر اعم الاوامر فانه كما ترى يدخل فيه كل امر ونهي ظاهر وباطن. وقوله واحذر احذروا اي من معصية الله ومعصية رسوله. فان في ذلك الشر والخسران المبين. فان توليتم عما امرتم به ونهيتم عنه. فاعلموا ان ما رسولنا البلاغ المبين. وقد ادى ذلك فان اهتديتم فلانفسكم وان اسأتم فعليها. والله هو الذي يحاسبكم. والرسول قد ادى ما عليه وما حمل به والله يحب المحسنين. لما نزل تحريم الخمر والنهي الاكيد والتشديد فيه تمنى اناس من المؤمنين ان يعلموا اخوانهم الذين ماتوا على الاسلام قبل تحريم الخمر. وهم يشربونها فانزل الله هذه الاية. واخبر تعالى انه ليس على الذين امنوا عملوا الصالحات جناح اي حرج واثم فيما طعموا من الخمر والميسر قبل تحريمهما. ولما كان نفي الجناح يشمل المذكورات وغيرها قيد ذلك بقوله اذا ما اتقوا وامنوا وعملوا الصالحات. اي بشرط انهم تاركون للمعاصي. مؤمنون بالله ايمانا صحيحا موجبا لهم عمل الصالحات. ثم استمروا على ذلك والا فقد يتصف العبد بذلك في وقت دون اخر. فلا يكفي حتى يكون كذلك حتى يأتيه اجل ويدوم على احسانه. فان الله يحب المحسنين في عبادة الخالق. المحسنين في نفع العبيد. ويدخل في هذه الاية الكريمة. من طعم المحرم او فعل غيره بعد التحريم. ثم اعترف بذنبه وتاب الى الله. واتقى وامن وعمل صالحا. فان الله يغفر له. ويرتفع عنه الاثم في ذلك فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب اليم. هذا من منن الله على عباده ان اخبرهم بما سيفعل قضاء وقدرا. ليطيعوه ويقدموا على بصيرة. ويهلك من هلك عن بينة. ويحيى من حي عن بينة. فقال تعالى يا ايها الذين الذين امنوا لابد ان يختبر الله ايمانكم ليبلونكم الله بشيء من الصيد اي بشيء غير كثير فتكون محنة يسيرة تخفيفا من تعالى ولطفا وذلك الصيد الذي يبتليكم الله به تناله ايديكم ورماحكم اي تتمكنون من صيده ليتم بذلك الابتلاء لا غير مقدور عليه بيد ولا رمح. فلا يبقى للابتلاء فائدة. ثم ذكر الحكمة في ذلك الابتلاء فقال ليعلم الله علما ظاهرا للخلق يترتب عليه الثواب والعقاب من يخافه من غيب فيكف عن ما نهى الله عنه مع قدرته عليه وتمكنه فيثيبه الثواب الجزيل ممن لا اخافه بالغيب فلا يرتدع عن معصية تعرض له فيصطاد ما تمكن منه. فمن اعتدى منكم بعد ذلك البيان الذي قطع الحجج واوضح السبيل فله عذاب اليم. اي مؤلم موجع لا يقدر على وصفه الا الله. لانه لا عذر لذلك المعتدي. والاعتبار بمن يخافه طيب وعدم حضور الناس عنده. واما اظهار مخافة الله عند الناس. فقد يكون ذلك لاجل مخافة الناس. فلا يثاب على ذلك. ثم صرح نهي عن قتل الصيد في حال الاحرام فقال اي محرمون في الحج والعمرة. والنهي عن قتله يشمل النهي عن مقدمات القتل. وعن المشاركة في القتل والدلالة عليه. والاعانة على قتل حتى ان من تمام ذلك انه ينهى المحرم عن اكل ما قتل او صيد لاجله. وهذا كله تعظيم لهذا النسك العظيم. انه يحرم على المحرم قتل وصيد ما كان حلالا له قبل الاحرام. وقوله آآ او كفارة طعام مساكين او عدل ذلك صياما ليذوق وبال امره. عفا الله عما سلف. ومن عاد فينتقم الله ومن قتله منكم متعمدا اي قتل صيدا عمدا فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم. اي الابل او البقر او الغنم. فينظر ما يشبه شيئا من ذلك. فيجب عليه مثله يذبحه ويتصدق به والاعتبار بالمماثلة ان يحكم به ذوى عدل منكم اي عدلان يعرفان الحكم ووجه الشبه كما فعل الصحابة رضي الله عنهم حيث قضوا بالحمامة شاة وفي النعامة بدنة وفي بقر الوحش على اختلاف انواعه بقرة وهكذا كل ما يشبه شيئا من النعم ففيه مثله. فان لم يشبه شيئا ففيه قيمته. كما هو القاعدة في المتلفات. وذلك الهدي لابد ان يكون هديا بالغ الكعبة اي يذبح في الحرم او كفارة طعام مساكين اي كفارة ذلك الجزاء طعام مساكين اي يجعل مقابلة المثل من النعم طعام المساكين. قال كثير من العلماء يقوم الجزاء فيشتري بقيمته طعام. في طعم كل مسكين مد بر او نصف صاع من غيره او عدل ذلك الطعام صياما ان يصوموا عن اطعام كل مسكين يوما ليذوق بايجاب الجزاء المذكور عليه وبال امره ومن عاد بعد ذلك فينتقم الله منه. والله عزيز ذو انتقام. وانما نص الله على المتعمد لقتل الصيد. مع ان الجزاء يلزم متعمدا والمخطئ كما هو القاعدة الشرعية ان المتلف للنفوس والاموال المحترمة فانه يضمنها على اي حال كان. اذا كان اتلافه بغير حق لان الله رتب عليه الجزاء والعقوبة والانتقام. وهذا للمتعمد واما المخطئ فليس عليه عقوبة انما عليه الجزاء. هذا جواب جمهوري من هذا القيد الذي ذكره الله. وطائفة من اهل العلم يرون تخصيص الجزاء بالمتعمد. وهو ظاهر الاية. والفرق بين هذا وبين التضمين في الخطأ في النفوس والاموال في هذا الموضع الحق فيه لله. فكما لا اثم لا جزاء لاتلافه نفوس الادميين واموالهم. ولما كان الصيد يشمل الصيد البري والبحري. استثنى تعالى الصيد البحري فقال احل لكم صيد البحر وطعامه. اي احل لكم في حال احرامكم صيد البحر. وهو الحي من حيواناته وطعامه وهو الميت منها. فدل ذلك على حل ميتة البحر. متاعا لكم وللسيارة. اي الفائدة في اباحته لكم انه لاجل انتفاعكم وانتفاع رفقتكم الذين يسيرون معكم هما ويؤخذ من لفظ الصيد انه لابد ان يكون وحشيا. لان الانسية ليس بصيد ومأكول فان غير المأكول لا يصاد ولا يطلق عليه اسم الصيد اتقوهم بفعل ما امر به وترك ما نهى عنه. واستعينوا على تقواه بعلمكم انكم اليه تحشرون. فيجازيكم هل قمتم بتقواه فيثير الثواب الجزيل. ام لم تقوموا بها فيعاقبكم وان الله بكل شيء عليم. يخبر تعالى انه جعل الكعبة البيت الحرام قياما للناس. يقوم بالقيام تعظيمه دينهم ودنياهم. فبذلك يتم اسلامهم وبه تحط اوزارهم. وتحصل لهم بقصده العطايا الجزيلة. والاحسان الكثير بسببه تنفق الاموال وتتقحم من اجله الاهوال. ويجتمع فيه من كل فج عميق جميع اجناس المسلمين. فيتعارفون ويستعين وهم ببعض ويتشاورون على المصالح العامة. وتنعقد بينهم الروابط في مصالحهم الدينية والدنيوية. قال الله تعالى ليشهدوا منافع اللهم يذكر اسم الله في ايام معلومات. على ما رزقهم من بهيمة الانعام. ومن اجل كون البيت قياما للناس. قال من قال من العلماء ان حج بيت الله فرض كفاية في كل سنة. فلو ترك الناس حجه لاثم كل قادر. بل لو ترك الناس حجه لزال ما به قوامهم. وقامت القيامة وقوله والهدي والقلائد اي وكذلك جعل الهدي والقلائد التي هي اشرف انواع الهدي قياما للناس ينتفعون بهما ويثابون عليهما فمن علمه ان جعل لكم هذا البيت الحرام لما يعلمه من مصالحكم الدينية والدنيوية ان الله شديد العقاب وان الله غفور رحيم. اي ليكن هذان العلمان موجودين في قلوبكم على كوجه الجزم واليقين. تعلمون انه شديد العقاب العاجل والاجل على من عصاه. وانه غفور رحيم لمن تاب اليه واطاعه. فيثمر لكم هذا العلم الخوف من عقابه. والرجاء لمغفرته وثوابه. وتعملون على ما يقتضيه الخوف والرجاء. ثم قال تعالى ما على الرسول الا البلاغ وقد بلغ كما امر وقام بوظيفته وما سوى ذلك فليس له من الامر شيء. والله يعلم ما تبدون وما تكتمون. فيجازيكم بما يعلمه تعالى من قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو اعجبك كثرة الخبير فاتقوا الله يا اي قل للناس محذرا عن الشر ومرغبا في الخير. لا يستوي الخبيث والطيب من كل شيء فلا يستوي الايمان والكفر ولا الطاعة والمعصية ولا اهل الجنة واهل النار ولا الاعمال الخبيثة والاعمال الطيبة ولا المال الحرام بالمال حلال ولو اعجبك كثرة الخبيث فانه لا ينفع صاحبه شيئا بل يضره في دينه ودنياه. فاتقوا الله يا اولي الالباب فامر اولي الالباب اي اهل العقول الوافية والاراء الكاملة. فان الله تعالى يوجه اليهم الخطاب وهم الذين يؤبه لهم ويرجى ان يكون فيهم خير. ثم اخبر ان الفلاح متوقف على التقوى التي هي موافقة الله في امره ونشره فمن اتقاه افلح كل الفلاح ومن ترك تقواه حصل له الخسران وفاتته الارباح. يا ايها الذين امنوا لا تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدل ينهى عباده المؤمنين عن سؤال الاشياء التي اذا بينت لهم ساءتهم واحزنتهم وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابائهم. وعن حالهم في الجنة او النار. فهذا ربما انه لو بين للسائل ان لم يكن له فيه خير وكسؤالهم للامور غير الواقعة. وكالسؤال الذي يترتب عليه تشديدات في الشرع. ربما احرجت الامة سؤالي عما لا يعني فهذه الاسئلة وما اشبهها هي المنهي عنها. واما السؤال الذي لا يترتب عليه شيء من ذلك. فهذا مأمور به كما قال تعالى فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون اي واذا وافق سؤالكم محله فسألتم عنها حين ينزل عليكم القرآن فتسألون عن اية اشكلت او حكم خفي وجهه عليكم في وقت يمكن فيه نزول الوحي من السماء تبدى لكم اي تبين لكم وتظهر والا فاسكتوا عما سكت الله عنه. عفا الله عنها اي سكت معافيا لعباده منها. فكل ما سكت الله عنه فهو مما اباحه وعفا عنه. اي لم يزل بالمغفرة موصوفا وبالحلم والاحسان معروفا. فتعرضوا لمغفرته الثاني واطلبوه من رحمته ورضوانه. وهذه المسائل التي نهيتم عنها. قد سألها قوم من قبلكم ثم قد سألها قوم من قبلكم اي جنسها وشبهها سؤال تعنت لا استرشاد فلما بينت لهم ثم جاءتهم اصبحوا بها كافرين. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما امرتكم به منه ما استطعتم فانما اهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على انبيائهم اكثرهم لا يعقلون. هذا ذم للمشركين الذين شرعوا في الدين ما لم يأذن به الله. وحرموا ما احله الله. فجعلوا ارائهم الفاسدة شيئا من مواشيهم محرما. على حسب اصطلاحاتهم التي عارضت ما انزل الله. فقال ما جعل الله من بحيرة وهي ناقة يشقون اذنها ثم يحرمون ركوبها ويرونها محترمة. ولا سائبة وهي ناقة او بقرة او شاة. اذا بلغت شيئا اصطلحوا عليه فلا تركب ولا يحمل عليها ولا تؤكل. وبعضهم ينظر شيئا من ماله يجعله سائبة. ولا حام اي جمل يحمى ظهره عن الركوب والحمل اذا وصل الى حالة معروفة بينهم فكل هذه مما جعله المشركون محرمة بغير دليل ولا برهان. وانما ذلك افتراء على الله صادرة من جهلهم وعدم عقلهم. ولهذا قال هم لا يعقلون. فلا نقل فيها ولا عقل. ومع هذا فقد اعجبوا بارائهم التي بنيت على الجهالة والظلم اذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول قالوا حسبنا. قالوا حسبنا ما وجدنا عليه اولو كان اباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون فاذا دعوا الى ما انزل الله والى الرسول اعرضوا فلم يقبلوا وقالوا حسبنا ما وجدنا عليه اباءنا من ولو كان غير سديد ولا دينا ينجي من عذاب الله ولو كان في ابائهم كفاية ومعرفة ودراية لهان الامر ولكن ابائهم لا شيئا اي ليس عندهم من المعقول شيء ولا من العلم والهدى شيء. فتبا لمن قلد من لا علم عنده صحيح. ولا عقل رجيح. وترك اتباع ما انزل الله واتباع رسله الذي يملأ القلوب علما وايمانا وهدى وايقانا. يا ايها الذين امنوا علي مرجعكم جميعا والله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون يقول تعالى يا ايها الذين امنوا عليكم انفسكم اي اجتهدوا في اصلاحها وكمالها والزامها سلوك الصراط المستقيم فانكم اذا صلحتم لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم. ولم يهتدي الى الدين القويم وانما يضر نفسه. ولا يدل هذا على ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر المنكر لا يضر العبد تركهما واهمالهما. فانه لا يتم هداه الا بالاتيان بما يجب عليه من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر نعم اذا كان عاجزا عن انكار المنكر بيده ولسانه وانكره بقلبه فانه لا يضره ضلال غيره. وقوله الى الله مرجعكم جميعا. اي مآلكم يوم القيامة. واجتماعكم بين يدي الله تعالى. فينبئكم بما كنتم تعملون من خير وشر يا ايها الذين امنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين الوصية اثنان دواء فيقسمان بالله ان اغتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربا آآ يخبر تعالى خبرا متضمنا للامر باشهاد على الوصية اذا حضر الانسان مقدمات الموت وعلائمه فينبغي له ان يكتب وصيته ويرشد عليها اثنين ذوي عدل ممن تعتبر شهادة او اخران من غيركم اي من غير اهل دينكم. من اليهود او النصارى او غيرهم. وذلك عند الحاجة والضرورة. وعدم غيرهما من المسلمين ان انتم ضربتم في الارض اي سافرتم فيها فاصابتكم مصيبة الموت اي فاشهدوهما ولم يأمر بشهادتهما الا لان لهما في تلك الحال مقبول. ويؤكد عليهما بان يحبسا من بعد الصلاة التي يعظمونها. فيقسمان بالله انهما صدقة. وما تغير ولا بدل هذا ان ارتبتم في شهادتهما. فان صدقتموهما فلا حاجة الى القسم بذلك. ويقولان لا اي بايماننا ثمنا بان نكذب فيها لاجل عرض من الدنيا. ولو كان ذا قربى فلا نراعيه لاجل قربه منا. ولا نكتم شهادة الله بل نؤديها على ما سمعناها. انا اذا اي ان كتمناها لمن الاثمين فان عثر على انهما اي الشاهدين استحقا اثم بان وجد من القرائن ما يدل على كذبهما وانهما خانا فاخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان. اي فليقم رجلان من اولياء الميت. وليكونا من اقرب الاولياء اليه فيقسمان بالله لشهادتنا احق من شهادتهما. اي انهما كذبا وغيرا وخانا. وما اعتدينا. انا اذا لمن الظالمين اي ان ظلمنا واعتدينا وشهدنا بغير الحق. قال الله تعالى في بيان حكمة تلك الشهادة وتأكيدها. وردها على اولياء الميت حين تظهر من مشاهدينا الخيانة ذلك ادنى اي ان يأتوا بالشهادة على وجهها حين تؤكد عليهم تلك التأكيدات او يخافوا ان ترد ايمان بعد ايمانهم. اي لا تقبل ايمانهم ثم ترد على اولياء الميت. والله لا يهدي القوم الفاسقين. اي الذين وصفهم الفسق. فلا يريدون الهدى والقصد الى الصراط المستقيم وحاصل هذا ان الميت اذا حضره الموت في سفر ونحوه مما هو مظنة قلة الشهود المعتبرين انه ينبغي ان يوصي شاهدين مسلمين فان لم يجد الا شاهدين كافرين جاز ان يوصي اليهما ولكن لاجل كفرهما فان الاولياء اذا ارتابوا بهما فانهم بعد الصلاة انهما ما خانا ولا كذبا ولا غيرا ولا بدلا. فيبرآن بذلك من حق يتوجه اليهما. فان لم يصدقوهما وجدوا قرينة تدل على كذب الشاهدين. فان شاء اولياء الميت فليقم منهم اثنان فيقسمان بالله لشهادتهما احق من شهادة الاولين وانهما خان وكذبا فيستحقون منهما ما يدعون. وهذه الايات الكريمة نزلت في قصة تميم الداري وعلي بن بدر الدائن المشهورة حين اوصى لهما العدوي والله اعلم. ويستدل بالايات الكريمات على عدة احكام. منها ان الوصية مشروعة وانه ينبغي لمن حضره الموت ان يوصي. ومنها انها معتبرة ولو كان الانسان وصل الى مقدمات الموت وعلاماته. ما دام عقله ثابتا ومنها ان شهادة الوصية لابد فيها من اثنين عدلين. ومنها ان شهادة الكافرين في هذه الوصية ونحوها مقبولة لوجود ظرورة وهذا مذهب الامام احمد. وزعم كثير من اهل العلم ان هذا الحكم منسوخ. وهذه دعوة لا دليل عليها. ومنها انه ربما استفيد من تلميح الحكم ومعناه ان شهادة الكفار عند عدم غيرهم حتى في غير هذه المسألة مقبولة كما ذهب الى ذلك شيخ الاسلام ابن ابن تيمية ومنها جواز سفر المسلم مع الكافر اذا لم يكن محذور. ومنها جواز السفر للتجارة. ومنها ان الشاهدين اذا منهما ولم تبدو قرينة تدل على خيانتهما. واراد الاولياء ان يؤكدوا عليهم اليمين. ويحبسوهما من بعد الصلاة. فيقسمان صفة ما ذكر الله تعالى. ومنها انه اذا لم تحصل تهمة ولا ريب. لم يكن حاجة الى حبسهما. وتأكيد اليمين عليهما. ومنها تعظيم امر الشهادة حيث اضافها تعالى الى نفسه. وانه يجب الاعتناء بها والقيام بها بالقسط. ومنها انه يجوز امتحان الشاهدين عند الريبة منهما وتفريقهما لينظر عن شهادتهما. ومنها انه اذا وجدت القرائن الدالة على كذب الوصيين في هذه المسألة قام اثنان من اولياء الميت فاقسم بالله ان ايماننا اصدق من ايمانهما. ولقد خانا وكذبا. ثم يدفع اليهما ما الدعاياه فتكون القرينة مع ايمانهما قائمة مقام البينة لا علم لنا انك انت علام الغيوب. يخبر تعالى عن يوم القيامة وما فيه من الاهوال العظام وان الله يجمع به جميع الرسل فيسألهم ماذا اجبتم؟ اي ماذا اجابتكم به اممكم؟ فقالوا لا علم لنا وانما العلم لك يا رب فانت اعلم منا انك انت علام الغيوب. اي تعلم الامور الغائبة والحاضرة ياما اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ان ايدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا اذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك. اي اذكرها بقلبك ولسانك. وقم بواجبها شكرا لربك. حيث انعم عليك نعما ما انعم بها على غيرك. اذ ايدتك بروح القدس اي قويتك بالروح والوحي. الذي طهرك وزكاك وصار لك قوة على القيام بامر لله والدعوة الى سبيله. وقيل ان المراد بروح القدس جبريل عليه السلام وان الله اعانه به وبملازمته له. وتثبيته في المشقة تكلم الناس في المهد وكهلا. المراد بالتكليم هنا. غير التكليم المعهود الذي هو مجرد الكلام. وانما المراد ذلك التكليم الذي ينتفع به المتكلم والمخاطب. وهو الدعوة الى الله ولعيسى عليه السلام من ذلك ما لاخوانه من اولي العزم من المرسلين من التكليم في حال الكهولة بالرسالة والدعوة الى الخير والنهي عن الشر. وامتاز عنهم بانه كلم الناس في المهد. فقال اني عبد الله ثاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا اينما كنت واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا واذ علمتك الكتاب والحكمة فالكتاب يشمل الكتب السابقة وخصوصا خصوصا التوراة فانه من اعلم انبياء بني اسرائيل بعد موسى بها. ويشمل الانجيل الذي انزله الله عليه. والحكمة هي معرفة اسرارها بالشرع وفوائده وحكمه وحسن الدعوة والتعليم ومراعاة ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي واذ تخلق من الطين كهيئة الطير اي مصورا لا روح فيه فتنفخ فيه فيكون طيرا باذن الله وتبرئ الاكمه الذي لا بصر له ولا عين. والابرص باذني. واذ تخرج الموتى باذني. فهذه ايات بينات ومعجزات باهرات يعجز عنها الاطباء وغيرهم. ايد الله بها عيسى وقوى بها دعوته. وان كففت بني اسراء فقال الذين كفروا منهم ان هذا الا سحر مبين. واذ كففت بني اسرائيل عنك اذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم لما جاءهم الحق مؤيدا بالبينات الموجبة للايمان به ان هذا الا سحر مبين وهموا بعيسى ان يقتلوه وسعوا في ذلك فكفى الله ايديهم عنه وحفظه منهم وعصمه. فهذه منن امتن الله بها على عبده ورسوله عيسى ابن مريم. ودعاه الى شكرها والقيام بها فقام بها عليه السلام واتم القيام وصبر كما صبر اخوانه من اولي العزم اي واذكر نعمتي عليك اذ يسرت لك عن واعوانا فاوحيت الى الحواريين. اي الهمتهم واوزعت قلوبهم الايمان بي وبرسولي. او اوحيت اليهم على لسانك. اي امرتهم بالوحي الذي جاءك من عند الله فاجابوا لذلك وانقادوا وقالوا امنا بالله واشهد باننا مسلمون. فجمعوا بين الاسلام الظاهر والانقياد بالاعمال الصالحة والايمان الباطن المخرج لصاحبه من النفاق ومن ضعف الايمان. والحواريون هم الانصار. كما قال تعالى كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من انصاري الى الله قال الحواريون نحن انصار الله ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء. قال اتقوا قال اتقوا الله ان اذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء؟ اي مائدة فيها طعام وهذا ليس منهم عن شك في الله واستطاعته على ذلك. وانما ذلك من باب العرض والادب منهم. ولما كان سؤال اية الاقتراح منافي للانقياد للحق. وكان هذا الكلام الصادر من الحواريين ربما اوهم ذلك وعظهم عيسى عليه السلام فقال اتقوا الله ان كنتم مؤمنين فان المؤمن يحمله ما معه من الايمان على ملازمة التقوى وان ينقاد لامر الله. ولا يطلب من ايات الاقتراح التي لا يدري ما يكون بعدها شيئا نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم ان قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين فاخبر الحواريون انهم ليس مقصودهم هذا المعنى. وانما لهم مقاصد صالحة ولاجل الحاجة الى ذلك. فقالوا نريد ان نأكل منها وهذا دليل على انهم محتاجون لها. وتطمئن قلوبنا بالايمان حين نرى الايات العيانية. فيكون الايمان عين اليقين كما كان قبل ذلك اليقين كما سأل الخليل عليه الصلاة والسلام ربه ان يريه كيف يحيي الموتى؟ قال او لم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي. فالعبد الى زيادة العلم واليقين والايمان كل وقت. ولهذا قال ونعلم ان قد صدقتنا اي نعلم صدق ما جئت به انه حق وصدق. ونكون عليها من الشاهدين فتكون مصلحة لمن بعدنا نشهدها لك. فتقوم الحجة ويحصل زيادة البرهان بذلك. فلما سمع عيسى عليه الصلاة والسلام ذلك وعلم مقصودهم اجابهم الى طلبهم في ذلك. فقال تكون لنا عيدا لنا عيدا لاولنا واخرنا واية منك وارزقنا وارزقنا وان اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا واخرنا واية منك ان يكون وقت نزولها عيدا وموسما يتذكر به هذه الاية العظيمة فتحفض ولا تنسى على مرور الاوقات وتكرر السنين كما جعل الله تعالى اعياد المسلمين ومناسكهم مذكرا لاياته ومنبها على سنن المرسلين وطرقهم القويمة وفضله واحسانه عليهم ارزقنا وانت خير الرازقين. اي اجعلها لنا رزقا. فسأل عيسى عليه السلام نزولها. وان تكون لهاتين المصلحتين. مصلحة الدين بان تكون اية كم باقية؟ ومصلحة الدنيا وهي ان تكون رزقا عذابا لا اعذبه احدا من لانه شاهد الاية الباهرة وكفر عنادا وظلما. فاستحق العذاب الاليم والعقاب الشديد. واعلم ان الله تعالى وعد انه سينزلها وتوعدهم ان كفروا بهذا الوعيد. ولم يذكر انه انزلها. فيحتمل انه لم ينزلها بسبب انهم لم يختاروا ذلك ويدل على ذلك انه لم يذكر في الانجيل الذي بايدي النصارى. ولا له وجود. ويحتمل انها نزلت كما وعد الله. والله لا يخلف الميعاد ويكون عدم ذكرها في الاناجيل التي بايديهم. من الحظ الذي ذكروا به فنسوه. او انه لم يذكر في الانجيل اصلا. وانما ذلك كان متوارثا انهم ينقله الخلف عن السلف فاكتفى الله بذلك عن ذكره في الانجيل. ويدل على هذا المعنى قوله ونكون عليها من الشاهدين. والله اعلم بحقيقة الحال قال سبحانك ما يكون لي ان نقول ما ليس لي واذ قال الله يا عيسى ابن مريم اانت قلت الناس يتخذوني وامنية الهين من دون الله. وهذا توبيخ للنصارى الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة. فيقول الله هذا الكلام لعيسى فيتبرأ عيسى ويقول سبحانك عن هذا الكلام القبيح وعما لا يليق بك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق اي ما ينبغي لي ولا ان اقول شيئا ليس من اوصافي ولا من حقوقي. فانه ليس احد من المخلوقين. لا الملائكة المقربون ولا الانبياء المرسلون. ولا غيرهم له حق ولا استحقاق لمقام الهية. وانما الجميع عباد مدبرون وخلق مسخرون. وفقراء عاجزون. ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك. فانت اعلم بما صدر مني وانت علام الغيوب. وهذا من كمال ادب المسيح عليه الصلاة والسلام في لربه فلم يقل عليه السلام لم اقل شيئا من ذلك وانما اخبر بكلام ينفي عن نفسه ان يقول كل مقالة تنافي منصبه الشريف ان هذا من الامور المحالة. ونزه ربه عن ذلك اتم تنزيه. ورد العلم الى عالم الغيب والشهادة. ثم صرح بذكر ما امر به بني اسرائيل. فقال ما قلت لهم الا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم شديدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب ما قلت له الا ما امرتني به. فانا عبد متبع لامرك. لا متجرأ على عظمتك. ان اعبدوا الله ربي وربكم. اي ما امرتهم الا بعبادة الله وحده هو اخلاص الدين له. المتضمن للنهي عن اتخاذ وامي الهين من دون الله. وبيان اني عبد مربوب. فكما انه ربكم فهو ربي وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم. اشهد على من قام بهذا الامر ممن لم يقم به. فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم. اي المطلعة على سرائر وضمائرهم وانت على كل شيء شهيد. علما وسمعا وبصرا. فعلمك قد احاط بالمعلومات وسمعك بالمسموعات. وبصرك بالمبصر الصلاة فانت الذي تجازي عبادك بما تعلمه فيهم من خير وشر فانك انت العزيز الحكيم ان تعذبهم فانهم عبادك. وانت ارحم بهم من انفسهم واعلم باحوالهم. فلولا انهم عباد متمردون لم تعذبهم ان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم. اي فمغفرتك صادرة عن تمام عزة وقدرة. لا كمن يغفر ويعفو عن عجز وعدم قدرة. الحكيم حيث كان من مقتضى حكمتك ان تغفر لمن اتى باسباب المغفرة فصدقهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا قال الله مبينا لحال عباده يوم القيامة. ومن الفائز منهم ومن الهالك؟ ومن الشقي ومن السعيد؟ هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم. والصادقون هم الذين استقامت اعمالهم واقوالهم ونياتهم على الصراط المستقيم والهدى القويم. فيوم القيامة يجدون ثمرة ذلك الصدق. اذا احلهم وهو في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ولهذا قال لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا. رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم والكاذبون بضدهم سيجدون ضرر كذبهم وافترائهم وثمرة اعمالهم الفاسدة خلق السماوات والارض وما فيهن وهو على كل شيء قدير لله ملك السماوات والارض لانه الخالق لهما. والمدبر لذلك بحكمه القدري وحكمه الشرعي وحكمه الجزائي. ولهذا هذا قال وهو على كل شيء قدير. فلا يعجزه شيء. بل جميع الاشياء منقادة لمشيئته. ومسخرة بامره