بينات مقام ابراهيم. ومن دخله كان امنا ومن كفر فان الله غني عن العالمين. واخبر صلى الله عليه وسلم انه احد اركان الاسلام ومبانيه العظام. وان من حج البيت فلم يرفث سليم قال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذين اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان الدين ولا تتفرقوا فيه. وقال ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى اله واصحابه واتباعه. واسأل الله العون والتوفيق والسداد بمنه. اما بعد هذه كلمات طيبات نافعات. ومقالات متنوعة في المهم من اصول الدين واخلاقه وادابه. وهاك فصولا منثورة في مواضيع متعددة نافعة. الفصل الاول في عقائد الدين الكلية. قال تعالى قولوا امنا بالله وما واسماعيل واسحاق وما اوتي موسى عيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون. وفي القرآن ايات كثيرة تشرح هذه الاصول الكلية وتفصلها. وتبين اسماء الله وصفاته وافعاله والاء. وتفصل احوال اليوم الاخر وما فيه من الحساب والعدل والفضل والثواب والعقاب. وتبين احوال الرسل عليهم الصلاة والسلام واوصافهم وهداهم وما دعوا اليه والكتب المنزلة عليهم وما فيها من الحقائق النافعة والهداية المتنوعة. وقد جمع الله في هذه الاية بين الامر الموجه الى الظاهر والباطن. قول اللسان والاعتراف والتحقق بالقلب بجميع هذه الاصول. وبين الخضوع والانقياد في الباطن والظاهر والاخلاص التام لله بجميع حقوق الدين. فهذه العقائد الصحيحة النافعة تملأ القلوب امنا وايمانا ويقينا ونورا وهداية وتعبدا لله وتألها له. وانابة اليه في كل الاحوال. ولجوءا اليه في كل النوازل والمهمات. وطمأنينة بمعرفته سكونا الى ذكره والثناء عليه. وتوجب للعبد قوة التوكل على الله والاعتماد الكامل والاستعانة به في مزاولة الاعمال الدينية والدنيوية وكلما ضعفت ارادة العبد ووهت قوته في محاولة المهمات امده هذا الايمان الصادق بقوة قلبية تتبعها الاعمال البدنية كلما احاطت به المخاوف كان هذا الايمان حصنا حصينا يلجأ اليه المؤمن فيطمئن قلبه وتسكن نفسه. قال تعالى الذين قال لهم حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم. وهذا الايمان الصادق واليقين الصحيح. يحمل صاحبه على العزة والقوة والشجاعة والفعلية انه متى يتيقن العبد ان الله هو النافع الضار المعطي المانع. وان من اعتز به فهو عزيز. ومن التجأ لغيره فهو الذليل قيل وان الخلق كلهم فقراء الى الله لا ينفعون ولا يضرون. اوجب له ذلك القوة بالله والالتجاء اليه. والا يخاف ولا يرجو واحدا غير الله ولا يطمع الا في فضله. وبهذا يتم له التحرر من رق المخلوقين. والا يعلق قلبه باحد منهم في نفع ولا دفع ولا ضر. بل يكون الله وحده مولاه وناصره يتولاه في طلب المنافع. ويستنصره في دفع المضار فيتم له من كفاية المولى وتيسير اموره ما لا يتم لمن لم يكن معه هذا الايمان ويحصل له من قوة القلب وشجاعته ما لا يصل اليه من لم يبلغ درجته وهذا كله من ثمرات الايمان الصحيح. ومن ثمراته ايضا ان يسلي العبد عند المصائب ويهون عليه الشدائد والنوائب. ومن يؤمن الله يهدي قلبه وهو العبد الذي تصيبه المصيبة. في علم انها من عند الله وان ما اصابه لم يكن ليخطئه. وما اخطأه لم يكن ليصيبه. فيرضى وهو يسلم للاقدار المؤلمة. وتهون عليه المصائب المزعجة بصدورها من عند الله وايصالها الى ثوابه. قال تعالى ولا تهينوا ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون ليمون وترجون من الله ما لا يرجون. وكان الله عليما حكيما. ولهذا لا يوجد عند المؤمنين الصادقين حين تصيبهم النوازل والقلاقل والابتلاء من الصبر والثبات والطمأنينة والسكون والقيام بحق الله ما لا يوجد عشر معشاره عند من ليس كذلك. وذلك لقوة الايمان واليقين. ومن ثمرات الايمان الصادق انه يقوي الرغبة في فعل الخيرات والتزود من الاعمال الصالحات ويدعو الى الرحمة والشفقة على المخلوقات وذلك بسبب داعي الايمان. وبما يحتسبه العبد عند الله من الجزيل ومن ثمراته ايضا انه ينهى عن الشرور والفواحش كلها ما ظهر منها وما بطن. ويحذر من كل خلق رذيل. قال تعالى اهلا انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم. واذا تليت عليهم ايات حياته زادكم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة اولئك هم المؤمنون حقا لهم عند ربهم ومغفرة ورزق كريم فذكر في هذه الاية ما الايمان من اعمال القلوب والجوارح والقيام بحق الله وحق الخلق. فهذه الاخلاق الحميدة هل يتوصل اليها بغير الايمان هل يعصم العبد من انحلال الاخلاق المؤدية الى الهلاك الا الايمان؟ وهل اودت بكثير من الخلق الامور المادية والشهوات البهيمية السبعية وهبطت بهم الى الهلاك الا حين فقدت رح الايمان. وهل تؤدى الامانات والحقوق الواجبة بغير وازع الايمان؟ وهل تثبت القلوب عند المزعجات وتطمئن النفوس عند الكريهات الا بعدة الايمان. وهل تقنع النفوس برزق الله وتتم لها الراحة والحياة الطيبة في هذه الدار الا بقوة الايمان. وهل يتحقق العبد بالصدق في اقواله وافعاله ومعاملاته ويكون امينا شريفا معتبرا عند الله وعند خلقه الا بالايمان. فكل اس تنبني عليه هذه الامور الجليلة سوى الايمان فهو منهار. وكل رقي مادي لا يصحبه الايمان فهو هبوط ودمار. الا وان الايمان يحمل العبد على الصبر على قضاء الله والشكر لنعم الله. والشفقة على عباد الله والتخلق بكل خلق جميل والتخلي من كل خلق رذيل. ومصداق ذلك ما هو موجود في كل متصف بالايمان. ومفقود ممن لم يكن كذلك. فان موصوفا ببعض هذه الصفات وهو غير ملتزم للاسلام. فعن الدين الاسلامي قد اخذها. وقد يصبغها بغير صبغة الدين. فليأتي المعترض في مثال واحد يخرج عن هذا الاصل ان كان صادقا. فان الدين يهدي للتي هي اقوم ويدعو الى كل خير. قال تعالى يا يا ايها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وقال سبحانه واولئك هم المفلحون. ومن ثمرات الايمان انه يأمر بالعدل والقسط في جميع المعاملات واداء الحقوق المتنوعة الواقعة بين الناس وينهى عن الظلم في الدماء والاموال الاعراض والحقوق كلها؟ وهل يمكن صلاح هذه الامور الا بالعدل والقسط الذي هو روح الدين وقوامه؟ قال تعالى ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وقال تعالى يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء ياه شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين يكن غنيا او فقيرا فالله اولى بهما. واذا اعتبرت تفاصيل العدل في الشرعية المتعلقة بالعقود والمعاملات من معاوضات وشركات وحقوق المواريث والزوجية والاقارب والمعاملين. وجدتها في غاية العدل والانتظام المصلح للاحوال الجالب للمنافع الدافع للمضار والمفاسد. فصل تابع لما قبله. وهذا الايمان الصحيح الشامل اصول الايمان وحقائقه يتضمن الخضوع الكامل لله والانابة اليه في كل الاحوال. وذلك هو غاية صلاح القلوب والارواح فيدخل في فيه الاخلاص لله في عبوديته. والاحسان المتنوع بكل وجه لله الخالق. ويدخل فيه الايمان بكل كتاب انزله الله وبكل رسول ارسله الله وبكل حق نزلت به الكتب وجاءت به الرسل واتفقت عليه الفطر السليمة والعقول المستقيمة. وهو الدين المزكي للقلوب المطهر اولي النفوس المنمي للاخلاق. دين الحكمة والفطرة. دين العقل الصحيح والنقل الصريح. دين يبرأ من الوثنيات والالحاد وانحلال الاخلاق. دين قد جاء باباحة جميع الطيبات والمنافع وتحريم الخبائث والمضار. يأمر بكل معروف شرعا وعقلا. وينهى عن كل منكر وبغي وعدوان دين فيه صلاح القلوب والاجساد. والسعي لكل منفعة دينية ودنيوية معينة على الدين. دين نزل من عند العزيز الحميد لا يأتيه الباطل من من يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. لا يتمكن مبطل من نقد اصل من اصوله. ولا يخبر بما تحيله العقول. بل بما تشهد به العقول الصحيحة او لا تهتدي الى تفصيله وبيانه. دين جمع الانبياء والمرسلين. وعليه جميع الاصفياء والعلماء الربانيين. ائمة الهدى الدجى ونبذه كل مشرك وجاحد ممن مرضت عقولهم وانحلت اخلاقهم وطغت عليهم المادة فدمرت اديانهم تدميرا. المؤمن لله حقا قد تنع المؤمن بالله حقا قد تنعم بعبادة الله راجيا ثوابه. وتنعم بنصيبه من الدنيا على الوجه الاكمل فانه تناول من ووضعه في محله قاصدا به قيام ما عليه من الواجبات مستعينا به على عبادة ربه. المؤمن وصفه التواضع للخلق وللحق اتبع الحق اين كان ويدين بالنصيحة لعباد الله على اختلاف مراتبهم والجاحد وصفه التكبر على الحق وعلى الخلق والاعجاب بالنفل لا يدين نصيحة احد من الخلق المؤمن سليم القلب من الغش والغل والحقد. صدوق اللسان حسن المعاملة. وصفه الحلم والوقار والسكينة والصبر رحمة والوفاء والثبات لا يذل الا لله. قد صان قلبه ووجهه عن بذله وتذلله لغير ربه. قد جمع بين السعي في فعل الاسباب النافعة التوكل على الله والثقة به وطلب العون منه في كل الامور. وبقوة توكله وثقته وطمعه بربه. قد يسره الله لليسرى وجنبه العسر يسرى اذا اتته الدنيا والنعم والمحاب تلقاها بالشكر وصرفها فيما ينفعه ويعود عليه بالخير. واذا اصابته المكاره تلقاها بالصبر احتساب وارتقاب الاجر والثواب والرجاء لفرج الله بزوالها. فيكون ما عوض من الخير والايمان والطمأنينة اعظم مما فاته من محبوب حصل له من مكروه فهذه الخصال الجميلة من عقائد صادقة واخلاق راقية واداب سامية. هل يمكن ان يتصف بها الا المؤمن حقا؟ وهي من من اكبر البراهين على ان الدين بعقائده واخلاقه هو الدين الحق الذي يؤول اليه اولو الالباب والحجى. وارباب البصائر والنهى ولا يزهد فيه الا الارذال الذين اختاروا الضلالة على الهدى والشقاوة بالسعادة لها في على المؤمنين الاخيار وحنين المتتابع على الصادقين الابرار الذين عمرت اسلوبهم بمعرفة الله ومحبته ولهجت السنتهم بذكر الله والثناء عليه. وعمرت اوقاتهم بطاعته وخدمته. وحنوا بهذا الايمان الحقيقي على الخلق بالرأفة والرحمة والنصح ومنعهم هذا الايمان من كل خلق رذيل كما حثهم على كل خلق جميل. اين الامام الصحيح من اهل الرياء في الدنيا والاخرة. ومن الامرين قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم تعالوا الخير لعلكم تفلحون. فرتب حصول الفلاح الذي هو الفوز بكل مطلوب. والنجاة من كل مرهوب. على الصلاة والنفاق واين الايمان ممن دأبهم الفسوق والعصيان والشقاق؟ اين الايمان من المعرضين عن معرفة الله ومحبته الناكبين عن طاعته و واين الايمان ممن ملئت قلوبهم بالعلق بالحب والتعظيم والخوف والرجاء للمخلوقين. وخلت من تعلقها برب العالمين. اين الايمان من الطعانين اللعانين واين الايمان من الكذابين والنمامين؟ واين الايمان من المعاملين بالربا والغشاشين؟ فليس الايمان بالتحلي والتمني وانما الايمان ما وقر في القلوب وصدقته الاعمال عند التمحيص والتحقيق. والامتحان يظهر الكاذب وصادق الايمان. الفصل الثاني في فوائد الصلاة. فرض الله على الامة خمس صلوات كل يوم وليلة. ومن النوافل والرواتب والوتر وغيرها ما هو تبع لها. بما في ذلك من الفوائد الضرورة والكمالية الدينية الدنيوية. قال تعالى فهذه الاية تدخل فيها الصلوات الخمس. وقد تواترت الاحاديث الصحيحة عن للنبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس وتفصيل اوقاتها وشروطها ومكملاتها وفي فضلها وكثرة ثوابها فمن فضائلها انها اعظم عبادة يحصل فيها الخضوع والذل لله. وامتلاء القلب من الايمان به وتعظيمه. وذلك مادة سعادة القلب الابدية ونعيمه ولا يمكن تغذيته بمثل الصلاة. والصلاة اعظم غذاء وسقي لشجرة الايمان. فالصلاة تثبت الايمان وتنميه. وتنمي ما يثمره الايمان من فعل الخير والرغبة فيه وكذلك تنهى عن الشر. قال تعالى واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. ولذكر الله اكبر اخبر ان فيها الغذاء بذكر الله والشفاء بنهيها عن الفحشاء والمنكر. واي شيء اعظم من هذا واجل واكمل ومن فضائلها انها اكبر عون للعبد على مصالح دينه ودنياه. قال تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة. اي على كل الامور. اما عونها على المصالح الدينية فان العبد اذا داوم على الصلاة وحافظ عليها قويت رغبته في فعل الخيرات. وسهلت عليه الطاعات وبذل الاحسان بطمأنينة نفس واحتساب ورجاء للثواب وتذهب او تضعف داعيته للمعاصي وهذا امر محسوس مشاهد فانك لا تجد محافظا على الصلاة فروضها ونوافلها الا وجدت تأثيرا وذلك في بقية اعماله. ولهذا كانت الصلاة عونا على الفلاح. قال تعالى انما يعمر مساجد الله من امن بالله والمراد عمارتها بالصلاة والقربات. وقال صلى الله عليه وسلم اذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالايمان فان الله يقول انما يعمر مساجد الله من امن بالله واليوم الاخر. واما عونها على المصالح الدنيوية انها تهون المشاق وتسلي عن المصائب ويجازي الله صاحبها بتيسير اموره ويبارك له في ماله واعماله وجميع ما يتصل به ويبارك ومن فضائلها ان من اكملها واتقنها فقد فاز وسعد. وفي حديث ابي هريرة مرفوعا. اول ما يحاسب عنه العبد صلاته. فان كان قد اتمها وقد افلح وانجح الحديث سنن وللصلاة خمس فوائد كل واحدة خير من الدنيا وما عليها. تكميل الاسلام الذي هي اكبر اركانه وتكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفعة الدرجات وزيادة القرب من رب السماوات وزيادة الايمان في القلب ونوره. وقد شرع الاجتماع للصلوات الخمس والجمعة والعيد بما فيه الاجتماع من حصول التنافس في الخيرات والتنشيط عليها والتعلم والتعليم لاحكامها فان العالم ينبه الجاهل والجاهل يتعلم بالقول والفعل من العالم ويقتدي الناس بعضهم ببعض. وكذلك ما في الاجتماع من التواد التواصل بين من المسلمين وعدم التقاطع وما في ذلك من معرفة حال المصلين والمحافظين على الصلاة والمتهاونين ومضاعفة الاجر بالاجتماع وكثرة خطى الى المساجد وما يتبع ذلك من قراءة وذكر وعبادات تفعل في المساجد باسباب الصلوات. ومن فوائدها الطيبة البدنية وهي مصلحة تابعة لغيرها ما فيها من الرياضة المتنوعة النافعة للبدن المقوية للاعضاء والحركة المذيبة للاخلاق الغليظة وذلك من وجهين احدهما ما في الصلوات ووسائلها وتوابعها من المشي والذهاب والمجيء والقيام والقعود والركوع والسجود المتكرر. وكذلك المتكررة كل هذه الحركات نفعها محسوس مشاهد لا يماري فيه الا جاهل. الوجه الثاني ان روح الصلاة ومقصودها. ان روح الصلاة مقصودها الاعظم حضور القلب بين يدي الله ومناجاته بكلامه وذكره والثناء عليه ودعاؤه والتضرع اليه وطلب القربة عنده ورجاء ثوابه. وذلك بلا ريب ينير القلب ويشرح الصدر ويفرح النفس والروح. ومعلوم عند جميع الاطباء ان السعي في راحة القلب وسكونه وفرحه وزوال غمه وهمه من اكبر الاسباب الجالبة للصحة الدافعة للامراض المخففة للالام. وذلك مجرب مشاهد خصوصا الليل اوقات الاسحار، فان النبي، صلى الله عليه وسلم، ذكر في الحديث الصحيح ان العبد اذا قام من الليل فذكر الله وتوضأ ثم صلى ما كتب له انحلت عنه عقد الشيطان كلها فاصبح طيب النفس نشيطا. والا اصبح خبيث النفس كسلانا. ومصالح الصلاة الدينية والاجتماعية والبدنية لا تعد ولا تحصى. الفصل الثالث في فوائد الزكاة والصدقة. قد فرض الله على المؤمنين ذوي الاموال الزكوية زكاة يدفع للمحتاجين منهم وللمصالح العامة النفع كما قال تعالى انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغالي فريضة وفي القرآن ايات كثيرة في الامر بايتاء الزكاة والنفقة مما رزق الله والثناء على المنفقين والمتصدقين وذكر ثوابهم. وتواترت بذلك كله الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وبين كما تجب فيه الزكاة من المواشي والحبوب والثمار والنقود والاموال المعدة للتجارة. وذكر نصابها ومقدار الواجب منها. وذكر الصعيد الشديد على مانعها. اتفق المسلمون على نقصان ايمان تاركها ودينه واسلامه. انما اختلفوا هل يكفر تاركها ام لا؟ وذلك لما في والصدقة والاحسان من الفوائد الضرورية والكمالية والدينية والدنيوية. فمنها انها من اعظم شعائر الدين واكبر براهين الايمان انه صلى الله عليه وسلم قال والصدقة برهان اي على ايمان صاحبها ودينه ومحبته لله اذا سخى لله بماله المحبوب للنفوس ومنها انها تزكي وتنمي المعطي والمعطى والمال الذي اخرجت منه. اما تزكيتها للمعطي فانها تزكي اخلاقه وتطهره من والبخل والاخلاق الرذيلة. وتنمي اخلاقه فيتصف باوصاف الكرماء المحسنين الشاكرين. فانها من اعظم الشكر لله والشكر معه المزيد دائما وتنمي ايضا اجره وثوابه. ان الزكاة والنفقة تتضاعف اضعافا كثيرة بحسب ايمان صاحبها واخلاصه ونفعها ووقوعها موقعها. وهي تشرح الصدر وتفرح النفس وتدفع عن العبد من البلايا والاسقام شيئا كثيرا. فكم جلبت من نعمة دينية ودنيوية؟ وكم دفعت من نقم كره واسقام وكم خففت الالام وكم ازالت من عداوات وجلبت مودة وصداقات. وكم تسببت لادعية مستجابة في قلوب صادقات هي ايضا تنمي المال المخرج منه فانها تقيه الافات وتحل فيه البركة الالهية. قال صلى الله عليه وسلم ما نقصت صدقة من مال بل تزيد وقال تعالى وما انفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين. وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم انه قال من من صباح يوم الا وينزل ملكا يقول احدهما اللهم اعط منفقا خلفا. ويقول الاخر اللهم اعطي ممسكا تلفا. والتجربة تشهد بذلك فلا تكاد تجد مؤمنا يخرج الزكاة وينفق النفقات في محلها الا وقد صب الله عليه الرزق صبا وانزل له البركة ويسر له الرزق واما نفعها للمعطى فان الله قد امر بدفعها للمحتاجين من الفقراء والمساكين. والغارمين وفي الرقاب وللمصالح التي يحتاج المسلمون اليها فمتى وضعت في محلها اندفعت الحاجات والضرورات واستغنى الفقراء او خف فقرهم وقامت المصالح النافعة العمومية فاي فائدة اعظم من ذلك واجل؟ فلو ان الاغنياء اخرجوا زكاة اموالهم ووضعت في محلها لقامت المصالح الدينية والدنيوية وزالت الضرورات واندفعت شرور الفقراء وكان ذلك اعظم حاجز وسد يمنع عبث المفسدين. ولهذا كانت الزكاة من اعظم محاسن الاسلام اشتملت عليه من جلب المصالح والمنافع ودفع المضار. الفصل الرابع في فوائد الصوم. قال تعالى يا ايها الذين امنوا عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. المحتوية على فوائد كثيرة وهي قوله لعلكم تتقون. اي ليكون الصيام وسيلة لكم الى حصول التقوى. ولتكونوا بالصيام من المتقين. وذلك ان التقوى اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من فعل المحبوبات لله ورسوله. وترك ما يكرهها الله ورسوله. والصيام هو الطريق الاعظم لحصول هذه الغاية الجليلة التي توصل العبد الى السعادة والفلاح. ان الصائم يتقرب الى الله بترك ما تشتهيه نفسه من طعام وشراب وتوابعها تعظيما لمحبة الله على محبة النفس. وكذلك اختصه الله من بين الاعمال. وقال الصوم لي وانا اجزي به. وبالصيام يزداد الايمان ويتمرن العبد على الصبر النفسي الدافع لاندفاع النفس البهيمية في شهواتها الضارة. وبالصيام يستعين العبد على كثير من العبادات من صلاة وقراءة وذكر وصدقة ويردع النفس عن الوقوع في الامور المحرمة من اقوال وافعال وذلك من اصول التقوى. وبالصيام يعرف العبد نعمة الله عليه في اقداره على ما يتمتع به من مأكل ومشرب ومنكح وتوابعها. فبالامتناع منها في وقت وحصول المشقة بذلك واباحته في بقية اوقاته يذوق طعم الجوع والظمأ ويعرف مقدار النعمة ويحنو على اخوانه المعدمين الذين لا يكادون يجدون القوت دائما الصيام يكون العبد صابرا على الطاعات وعن المخالفات. وعلى اقدار الله المؤلمة بصبره على المفطرات التي يؤلم النفس تركها. ويكون من الشاكرين لله بمعرفة مقدار نعمة الله عليه بالسعة والغنى. وبنعمته الكبرى بتوفيقه للصيام. ان نعم الله الدينية اكبر من نعمه دنيوية. وقد اخبر صلى الله عليه وسلم ان الصيام احد مباني الاسلام الخمسة. وانه يكفر الذنوب المتقدمة كلها. وان الله يحبه ويرضى وعن صاحبه ويعطيه اجرا عظيما. وان من صام رمضان ثم اتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر. ومن صام من كل شهر ثلاثة ايام فكذلك فان الحسنة بعشر امثالها وذلك يعدل صيام الدهر فضلا من الله ومنة. ومن تيسير الله للصيام وتسهيله ان الله شرعه في وقت واحد وشهر واحد ليتفق المسلمون كلهم على صيامه وتهون المشقة باشتراكهم في الصيام فان الاشتراك في العبادة له نفع عظيم ومساعدة جسيمة. ولله في العبادات حكم واسرار ولطف كبير. واما منافع الصيام البدنية فقد الاطباء انه يحفظ الصحة ويذيب الفضلات المؤذية. ويريح القوى ويرد اليها قوتها. وهو من افضل انواع الحمية عن تناول ما البدن فهو جامع لمصالح الدين والدنيا والاخرة والله اعلم. الفصل الخامس في فوائد الحج. قال تعالى فيه ايات ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه. وان الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. وكل هذا في الصحيحين. واخبر ان الحج والعمرة الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة. وورد في فرضه وفضله وثوابه احاديث كثيرة. وذلك لما فيه من المنافع العامة والخاصة. وقد بين تعالى مجمل حكمه ومنافعه في قوله ليشهدوا منافع لهم. اي منافع دينية واجتماعية ودنيوية وقال جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد. فان به تقوم احوال المسلمين يقوم دينهم ودنياهم فلولا وجود بيته في الارض وعمارته بالحج والعمرة والتعبدات الاخر لاذن هذا العالم بالخراب. ولهذا من الساعة واقترابها هدمه بعد عمارته وتركه بعد زيارته. فان الحج مبني على المحبة والتوحيد الذي هو اصل الاصول كلها. فان تجارة المحبوب لاحبابه وايفادهم اليه. ليحظوا بالوصول الى بيته ويتمتعوا بالتذلل له والانكسار له في مواضع النسك اسألوه جميع ما يحتاجونه من امور دينهم ودنياهم. فيجزل لهم من قراه ما لا يصفه الواصفون. وبذلك تتحقق محبتهم لله ويظهر صدقهم بانفاق نفائس اموالهم وبذل مهجهم في الوصول اليه. فان افضل ما بذلت فيه الاموال اتعبت فيه الابدان. واعظمه فائدة وعائدة ما كان في هذا السبيل. وما توسل به الى هذا العمل الجليل. ومع ذلك وقد وعدهم باخلاف النفقات والحصول على الثواب الجزيل والعواقب الحميدة. ومن فوائد الحج ان فيه تذكرة لحال الانبياء والمرسلين ومقامات الاصفياء المخلصين. كما قال واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى. والصحيح في تفسيرها ان هذا عام في جميع مقاماته في الحج من الطواف وركعتيه والسعي والوقوف بالمشاعر ورمي الجمار والهدي وتوابع ذلك. ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول في كل مشعر من مشاعر الحج خذوا عني في مناسككم فهو تذكرة بحال إبراهيم الخليل والمصطفين من اهل بيته وتذكير بحال سيد المرسلين وامامهم ومقاماته في الحج التي هي اجل المقامات. وهذا التذكير اعلى انواع التذكيرات فانه تذكير باحوال عظماء الرسل. ابراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم ومآثرهم الجليلة الجميلة والمتذكر بذلك مؤمن بالرسل معظم لهم متأثر بمقاماتهم السامية. مقتد باثارهم الحميدة ذاكر وفضائلهم فيزداد به العبد ايمانا ويقينا. وشرع ايضا لما فيه من ذكر الله الذي تطمئن به القلوب. ويصل به العبد الى اكمل مطلوب كما قال صلى الله عليه وسلم انما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لاقامة ذكر الله. ومن فوائد الحج ان يجتمعون في وقت واحد وموضع واحد على عمل واحد. ويتصل بعضهم ببعض ويتم التعاون والتعارف ويكون وسيلة للسعي في في المصالح المشتركة بين المسلمين والسعي في تحصيلها بحسب القدرة والامكان. وبذلك تتحقق الوحدة الدينية والاخوة الايمانية ترتبط اقصى المسلمين بادناهم فيتفاهمون ويتعارفون ويتشاورون في كل ما يعود بنفعهم. وبذلك يكتسب العبد من الاصدقاء والاحباء ما هو اعظم المكاسب ويستفيد بعضهم من بعض؟ واما توابع ذلك من المصالح الدنيوية بالتجارات والمكاسب الحاصلة في مواسم حج ومواضع النسك فانها تفوت العد. وكل هذا داخل في قوله ليشهدوا منافع لهم. موسم عظيم لا يشبهه شيء من مواسم اقطار كم انفقت فيه نفائس الاموال؟ وكم اتعبت في السعي اليه الابدان؟ وكم حصل فيه شيء كثير من اصناف التعبدات؟ وكم اريد في تلك المواضع العبارات وكم اقيلت فيه العثرات وغفرت الذنوب والسيئات. وكم فرجت فيه الكربات وقضيت الحاجات وكم المسلمون فيه بالدعوات المستجابات. وكم تمتع فيه المحبون بالافتقار الى رب السماوات. وكم اسبغ الباري فيه عليهم من الطاف مواهب وكرامات. وكم عاد المسرفون على انفسهم كيوم ولدتهم الامهات. وكم حصل فيه من تعارف نافع واستفاد فيه العبد من صديق من صادق وكم تبودلت فيه الاراء والمنافع المتنوعة؟ وكم تم للعبد فيه من مآرب ومطالب متعددة؟ ولله الحمد على ذلك اصل تابع لما تقدم. هذه الشرائع المتقدم ذكرها قد تبين انها من اعظم الضرورات. وانه لا غنى للخلق عنها للفوائد الجليلة المرتبة عليها والاضرار الكثيرة الناشئة عن فقدها. وانها اعظم منن الله على عباده واعظم محاسن الدين الاسلامي. وان كل دين خلا منها وكل طريق فقدت منه فانه شر محض وضرر صرف. وانه اذا وجد خير في شخص او طائفة من الناس فانظر وتأمل تجد بلا شك اصله ومنبعه مأخوذا من الدين الاسلامي. وان غيرت صبغته وسمي بغير اسمه. كما انك لا تجد شرا ولا ضرر الا وجدت منبعه من مخالفة الدين الاسلامي لا يشذ عن هذا شيء فالخير حيث كان الدين والشر حيث فقد الدين الصحيح. فليأتي المرتاب بمثال واحد يخالف هذا الاصل ان كان صادقا. والا فليذعن الى هذا الدين الذي اذعن له صفوة الخلق. واولو الالباب من الانبياء واتباعهم واهل العقول الوافية والاخلاق العالية. الفصل السادس بالصدق والامانة. وقد امر الله بالصدق واداء الامانات في عدة ايات واثنى على الصادقين الذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون. قال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين. وقال سبحانه لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ورضوا عنه. ذلك الفوز العظيم. وقال سبحانه ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها هذا شامل لجميع الامانات في الولايات الصغار والكبار وامانات الاموال والحقوق والاسرار وغيرها. وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال عليكم بالصدق فان الصدق يهدي الى البر وان البر يهدي الى الجنة. ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا واياكم والكذب فان الكذب يهدي الى الفجور وان الفجور يهدي الى النار. ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا وانما حث الشارع على الصدق واداء الامانة ورعايتها لانها مقدمة الاخلاق الجميلة وهي الداعية اليها كما نص عليه في في قوله فان الصدق يهدي الى البر. والبر اسم جامع لكل خير وطاعة واحسان الى الخلق. والصدق عنوان الاسلام وميزان الايمان واس الدين وعلامة على كمال المتصف به. وان له المقام الاعلى في الدين والدنيا وهو صريح الاخلاص. فان المخلص قد استوى ظاهره وباطنه والصادق كذلك. وبالصدق يصل العبد الى منازل الابرار. وبه تحصل النجاة من جميع الشرور. وبالصدق واداء الامانة تحصل البركة والطمأنينة ويكون صاحبها معتبرا عند الله وعند الخلق. قال صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا. فان وبين بورك لهما في بيعهما وان كذبا وكتما محقت بركة بيعهما. متفق عليه فاخبر وهو الصادق المصدوق ان البركة مقرونة بالصدق والبيان. وان المحق والتلف مقرونان بالكذب والكتمان. والمشاهدة اكبر شاهد على ذلك فانك لا تجد صادقا في معاملته مؤتمنا في اماناته وقد استوى ظاهره وباطنه الا وجدت رزقه رغدا. واسبابه جارية على السداد ومعاملاته وقد حاز مع ذلك الشرف وحسن السمعة والاعتبار وتسابق الناس الى معاملته. وبذلك تتم له سعادة الدنيا والاخرة. كما انك اتجد كذابا غشاشا سيء المعاملة الا وجدته بعكس حال الصادق. لا ترى صادقا الا مرموقا بين الناس بالمحبة والثناء والتعظيم ولا كاذبا الا ممقوتا بهذا الخلق الاثيم. الصادق يطمئن الى قلبه العدو والصديق. والكذب لا يثق به الصديق والقريب ما احلى احاديث الصادقين وما اقبح اقوال الكاذبين. الصادق الامين مؤتمن على الاموال والحقوق والاسرار. ومتى حصل منه كبوة او عثرة فصدقه شفيع مقبول. والكاذب لا يؤمن على مثقال ذرة. ولو قدر صدقه احيانا. لم يكن لذلك موقع ولا حصل به ثقة ولا طمأنينة بصدق تبرم العهود الوثيقة وتطمئن لها القلوب على الحقيقة ما كان الصدق في شيء الا زانه ولا الكذب في شيء الا لا شأن الصد طريق الايمان والكذب بريد النفاق. اللهم تفضل علينا بالصدق في اقوالنا وافعالنا وجميع احوالنا يا جواد يا كريم الفصل السابع في العدل وفوائده وتوقف الصلاح عليه. قد امر الله بالعدل في مواضع كثيرة من كتابه وامر بالعدل بين الناس في المقالات والمذاهب والدماء والاموال والاعراض وسائر الحقوق. ونهى عن الظلم في كل شيء. وذم الظالمين وذكر عقوباتهم الدنيوية والاخروية في ايات متعددة. قال تعالى ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى. وينهى عن يعظكم لعلكم تذكرون وقال يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين يكن غنيا او فقيرا فالله اولى بهما فلا تتبعوا الهوى وقال سبحانه قل امر ربي بالقسط. وقال وقال عز وجل ان الظالمين لهم عذاب اليم. وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. والشريعة المحمدية كلها عدل وقسط ورحمة لا جور فيها بوجه من الوجوه لا في اصولها ولا في فروعها. فالتوحيد اصل العدل والشرك ضده اصل الظلم. قال تعالى ان الشرك لظلم عظيم. العدل وضع الشيء موضعه واداء الحقوق كاملة. واعظم الحقوق على الاطلاق. حقه تعالى على عباده ان يعبدوه وحده ويخلصوا له الدين. قال سبحانه وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. فقال قال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. وذلك دين القيمة. وفي حديث معاذ المتفق عليه حق الله على عباده ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. فمن قام بهذا الحق فعبد الله وحده وادى هذا الحق وقام بحقوقه مخلصا له. فقد قام في اعظم العدل ومن جعل هذا الحق لغير مستحقه بان عبد غير الله وتعلق بغيره رغبة ورهبة وتألها فقد ظلم وعدل عن العدل. قال تعالى ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. اي يعدلون به غيره ويسوونه بما سواه ممن ليس فيه اوصاف الالوهية شيء. ولا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة من النفع او الدفع. فمن اظلم ممن سوى المخلوقات الفقيرة الناقصة من كل وجه بالرب الغني من جميع الوجوه. وقال صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله. فذكر اولهم الامام العادل المقسطون على منابر من نور الذين يعدلون في اهلهم وحكمهم وما ولوا. فعلى الامام الاعظم ان يقيم العدل في جميع رعيته. قريبهم فعيدهم غنيهم وفقيرهم وان يكونوا عنده في هذا سواء. وعليه ان يستنيب لكل عمل الكفء الامين. ويوصيهم على اقامة العدل حذرهم الجور وظلم العباد في الدماء والاموال والاعراض. ويتفقدهم في ذلك الامر الذي هو اساس الصلاح الديني والدنيوي. فلا يصلح الدين الا بالعدل ولا تصلح الدنيا وتستقيم الامور على السداد الا بالعدل. ويوم واحد من امام عادل خير للعباد من ان يمطروا اربعين صباحا ان العدل يسعد به الراعي والرعية وبالعدل تعمر الاسباب الدنيوية ويحصل التعاون على المصالح الكلية والجزئية وبالظلم خراب الديار وفساد الاحوال وفتح ابواب الفتن وحصول العداوات والبغضاء وعلى القضاة والحكام بين الناس ان يحكموا بينهم بالعدل. قال تعالى يا داود جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. واكثر الاحكام والخصومات ترد على القضاة. فاذا عرفوا الحق وحكموا بالعدل استحقوا الثواب وسلموا من العقاب. ووصلت الحقوق الى اهلها واستقامت الامور اذا حكموا بالجهل او بالهوى فقد باؤوا بالخسران وضاعت الحقوق. وانتصر الظلمة على المظلومين. وانحلت الامور وتفاقم الشر والفساد اختلت احوال العباد. والعدل ايضا واجب في جميع المعاملات بين الناس. وهو ان تؤدي ما عليك كاملا كما تطلب حقك كاملا. فمتى المعاملات على هذا الاصل تحسنت المعاملات. وتمت الثقة والتبادل العادل بين المتعاملين. فاتسعت دائرة الاسباب والتجارات والصناعية والحرف النافعة. ووثق المتعاملون بعضهم ببعض. وقلت الخصومات والمشاجرات وانحسم النزاع كله او معظمه. وكل ذلك بسبب للعدل. ومتى كان الامر بعكس هذه الحال ورفع من المعاملات رح العدل وحل محله البخس والتطفيف واستقصى الانسان على حقه وان امكنه الزيادة تفاعل وبخس الحق الذي عليه وغش وطفف فمنع ما عليه واخذ ماله. ويل للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس واذا كالوهم او وزنوهم يقرون. الا يظن اولئك انهم مبعوثون ليوم عظيم. وويل لهم مما يترتب على البخس والتطفيف من العقوبات الدنيوية التي اولها نزع البركة ومحق الرزق. وسوء المعاملة وتوقف كثير من المعاملات اسباب نافعة. كل معاملة فقدت روحها وهو العدل فهي معاملة ضارة غير نافعة. قال تعالى ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا في الارض منسدين. وقال صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا. الغش والمعاملات الجائرة الظالمة ليست من الدين. وصاحب صاحبها متعرض لعقوبة الله العاجلة والاجلة. قد سقط بين الناس شرفه واعتباره واتضحت سفالة اخلاقه وتبين خساره. والعدل يكون في حقوقي الزوجية فعلى كل واحد من الزوجين من الحقوق الشرعية العادلة للاخر ما يناسبه. فمتى قام كل منهما بما عليه التأمت الزوجية للزوجين حياة سعيدة طيبة. وحصلت الراحة والبركة ونشأت العائلة نشأة حميدة. ومتى لم يقم كل منهما بالحق الذي كان عليه تكدرت الحياة وتنغصت اللذات وطال الخصام وتعذر او تعسر الالتئام واختلت التربية النافعة فتضرر كل منهما في دينه ودنياه. كما قال تعالى وعاشروهن بالمعروف. وقال ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. وقال سبحانه الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم. فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان فلا تبغوا عليهن سبيلا. فمدح الله الحافظة لنفسها. الحافظة لمال زوجها وما عليها من حقوق الله وحقوق الزوج. وذنب فما انعكست القضية واباح لزوجها القائم بحقها تقويمها بالاسهل فالاسهل بالوعظ النافع ثم بالهاجر ان لم ينفع الوعظ ثم بالضرب في في ان كان فيه نفعا وذلك كله بشرط ان يكون قائما بحقها. فمتى اراد منها القيام بحقه وهو مانع لحقها؟ فانه مطفف لا يمكن من تقويمها بالهجر والضرب حتى يستقيم. والمقصود ان العدل بين الزوجين وقيام كل منهما بواجب الاخر فيه الخير العاجل والاجل وفقد العدل فيه الضرر الحاضر والمستقبل. وكذلك العدل في القيام بحقوق الاولاد والاقارب على اختلاف مراتبهم. والقيام بصلتهم الواجبة والمستحبة به تتم الصلة بين الاقارب والمنافع الدينية والدنيوية المتبادلة بينهم. وبذلك يكتسبون الشرف عند الله وعند الخلق وبه تنظر هذه البيوت التي قامت على هذه الروح الطيبة بعين التعظيم. وبه يتساعدون على مصالح الدين والدنيا. والقطيعة بعكس ذلك كله وذلك راجع الى العدل وجودا وعدما. قال صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. فالامام راع على الناس وهو مسؤول عن رعيته. والرجل راع على اهل بيته وهو مسؤول عن رعيته. والمرأة راعية على بيت زوجها. وهي مسؤولة عن رعيتها. والعبد كل راع على مال سيده وهو مسؤول عن رعيته. فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. وذكر صلى الله عليه وسلم الولايات كلها زارها وصغارها وان كل من تولى اي ولاية يكون مسئولا عن رعيته. وعليه سلوك العدل المتعلق بتلك الولاية بحسبها. فان كان قائما مؤديا للحقوق فليبشر بثواب الله وان كان مقصرا مفرطا او متعديا فلابد ان يجازى على عمله الذي اضاع. العدل به تقوم الولايات وتصلح الافراد والجماعات وتمشي الامور على الاستقامة في كل الحالات. الفصل الثامن في وجوب النصيحة وفوائدها. ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الدين النصيحة ثلاثة قالوا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ورسوله وائمة وعامتهم. اخبر صلى الله عليه وسلم خبرا متضمنا للحث على النصيحة والترغيب فيها. ان الدين كله منحصر في النصيحة. يعني ومن قام بالنصيحة فقد قام بالدين وفسره تفسيرا يزيل الاشكال ويعم جميع الاحوال. وان موضوع النصيحة خمسة امور باستكمالها يكمن العبد اما النصيحة لله فهي القيام بحقه وعبوديته التامة وعبوديته تعم ما يجب اعتقاده من اصول الايمان كلها واعمال القلوب والجوارح واقوال اللسان من الفروض والنوافل. فعل المقدور منها ونية القيام بما يعجز عنه. قال تعالى في حق المعذورين ليس على اعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج. وذلك اذا نصحوا لله ورسوله. فاشترط في نفي الحرج عن هؤلاء ان يكونوا ناصحين لله ورسوله وذلك بالنيات الصادقة والقيام بالمقدور لهم. ومن اعظم النصيحة لله الذب عن الدين. وتفنيد شبه المبطلين وشرح محاسن الدين الظاهرة والباطنة فان شرح محاسن الدين وخصوصا في هذه الاوقات التي طغت فيها الماديات وجرفت بزخارفها درجتها اكثر البشر وظنوا بعقولهم الفاسدة انها هي الغاية ومنتهى الحسن والكمال. واستكبروا عن ايات الله وبيناته ودينه. ولم بقلوب اكثرهم ان محاسن الدين الاسلامي فاقت بكمالها وجمالها وجلالها كل شيء. وان محاسن غيرها ان فرض فيه محاسن فانه تلاشى واضمحل اذا قيس بنور الدين وعظمته وبهائه. وانه الطريق الوحيد الى صلاح البشر وسعادتهم. ومحال ان تحصل السعادة بدون اما سعادة الدين فواضح لكل احد منصف. واما سعادة الدنيا فان الامور المادية المحضة اذا خلت من رح الدين فانها شقاء اهلها ودمار. والمشاهدة اكبر شاهد على هذا. فان امور المادة قد ارتقت في هذه الاوقات ارتقاء هائلا. يعجز الفصيح عن التعبير ومع ذلك هل عاش هؤلاء مع انفسهم ومع غيرهم ومع بقية الامم عيشة سعيدة هنيئة طيبة ام الامر بالعكس وما يخرجون من الا تلقتهم طامة اكبر منها. ولا خلصوا من كوارث وعذاب الا دخلوا في عذاب افظع منه. ولا والله ينجيهم من هذا خير الدين الصحيح. وسيعلمون ويعلم غيرهم عواقبهم الوخيمة. واما النصيحة لكتاب الله فهي الاقبال بالكلية على تلاوته وتدبره تعلم معانيه وتعليمها والتخلق باخلاقه وادابه والعمل باحكامه واجتناب نواهيه والدعوة الى ذلك. واما النصيحة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو الايمان الكامل به وتعظيمه وتوقيره وتقديم محبته واتباعه على الخلق كلهم. وتحقيق ذلك وتصديق باتباعه ظاهرا وباطنا في العقائد والاخلاق والاعمال. قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله والحرص على تعلم سنته وتعليمها واستخراج معانيها وفوائدها الجليلة وهي شقيقة الكتاب. قال تعالى وانزل الله عليك الكتابة والحكمة وجملة ما تقدم ان النصيحة لله ورسوله هي الايمان بالله ورسوله وطاعة الله ورسوله وهذا يعم كل ما تقدم اما النصيحة لائمة المسلمين وهم ولاتهم من الاعظم الى الامير الى القاضي الى جميع من لهم ولاية صغيرة او كبيرة فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم اعظم من غيرهم. وجبلهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم. وذلك باعتقاد امامتهم الاعتراف بولايتهم ووجوب طاعتهم بالمعروف وعدم الخروج عليهم وحث الرعية على طاعتهم ولزوم امرهم الذي لا يخالف امر الله الله ورسوله وبذل ما يستطيع الانسان من نصيحتهم وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون اليه في رعايتهم. كل احد بحسب حاله والدعاء له قم بالصلاح والتوفيق. فان صلاحهم صلاح لرعيتهم. واجتناب سبهم والقدح فيهم واشاعة مثالبهم. فان في ذلك شرا وضررا وفسادا كبيرا. فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك. وعلى من رأى منهم ما لا يحل ان ينبههم سرا لا علنا. بلطف وعبارة تليق بالمقام ويحصل بها المقصود ان هذا مطلوب في حق كل احد. وبالاخص ولاة الامور فان تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير. وذلك على الصدق والاخلاص. واحذر ايها الناصح لهم على هذا الوجه المحمود ان تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس فتقول لهم اني نصحتهم وقلت وقلت فان هذا عنوان الرياء وعلامة ضعف الاخلاص وفيه اضرار اخر معروفة. واما النصيحة لعامة المسلمين فقد وضحها النبي صلى صلى الله عليه وسلم بقوله لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه. وذلك بمحبة الخير لهم والسعي في ايصاله اليهم بحسب الامكان وكراهة الشر والمكروه لهم والسعي في دفع ذلك ودفع اسبابه وتعليم جاهلهم ووعظ غافلهم ونصحهم في امور دينهم ودنياهم وكل ما تحب ان يفعلوه معك من الاحسان فافعله معهم ومعاونتهم على البر والتقوى ومساعدتهم على كل ما يحتاجونه. فمن كان في حاجة في اخيه كان الله في حاجته والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه المسلم. وهذه الامور كلها بحسب القدرة. قال تعالى فاتقوا الله استطعتم فعلمت مما تقدم ان الامر كما ذكره صلى الله عليه وسلم ان النصيحة تشمل الدين كله اصوله وفروعه حقوق الله وحقوق رسوله حقوق الخلق كلهم اهل الحقوق العامة والخاصة. فمن قام بالنصيحة على هذا الوجه فقد قام بالدين. ومن اخل بشيء مما تقدم فقد ضيع من دينه بقدر ما ترك. فاين النصيحة ممن تهاون بحقوق ربه فضيعها وعلى محارمه فتجرأ عليها؟ واين النصيحة ممن قدم قول غير الرسول على قوله واثر طاعة المخلوق على طاعة الله ورسوله. واين النصيحة من اهل الخيانات والغش في المعاملات؟ واين النصيحة ممن يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا وممن يتبعون عورات المسلمين وعثراتهم. اين النصيحة من اهل المكر والخداع اين النصيحة في من يسعى في تفريق المسلمين والقاء العداوة والبغضاء بينهم؟ واين النصيحة ممن يتعلقون عند اللقاء بالمدح والثناء ويقولون خلاف ذلك في الغيبة عند الاعداء وعند الاصدقاء. واين النصيحة ممن لا يحترم اعراض المسلمين ولا يرقب فيهم الا ولا ذمة النصيحة من المتكبرين على الحق والمستكبرين على الخلق. المعجبين بانفسهم المحتقرين لغيرهم. فهؤلاء كلهم عن النصيحة اعزل ومنزلهم فيها ابعد منزل. وكل هؤلاء قد اختل ايمانهم واستحقوا العقوبات المتنوعة. وحرموا من الخير الذي رتب على النصح حرموا من الاخلاق الفاضلة وابتلوا بالاخلاق السافلة. اولئك هم الخاسرون. طوبى للناصحين حقيقة ما اعظم توفيقهم وما اهدى طريقهم لا تجد الناصح الا مشتغلا بفرض يؤديه. وفي جهاد نفسه عن محارم ربه ونواهيه. وفي دعوة غيره الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وفي التخلق بالاخلاق الجميلة والاداب المستحسنة. ان رأى من اخيه خيرا اذاعه ونشره. وان اطلع منه على عيب كتمه وستره ان عاملته وجدته ناصحا صدوقا. وان صاحبته رأيته قائما بحقوق الصحبة على التمام. مأمونا في السر والعلانية مباركا على الجليس كحامل المسك اما ان يحذيك واما ان تجد منه رائحة طيبة. اذا وجدت الناصح فاغتنم صحبته. اذا تشابهت عليك المسالك استعن بمشاورته. جاهد نفسك على التخلق بخلق النصح تجد حلاوة الايمان. وتكن من اولياء الرحمن اهل البر والاحسان. لو اطلعت على ضمير الناصح لوجدته ممتلئا نورا وامنا ورحمة وشفقة. ولو شاهدت افكاره لرأيتها تدور حول مصالح المسلمين مجملة ومفصلة ولو تأملت اعماله واقواله لرأيتها كلها صريحة متفقة. اولئك السادة الاخيار واولئك الصفوة الابرار. لقد نالوا الخير الكثير بالنيات الصالحة والعمل اليسير. الفصل التاسع في فوائد الشجاعة وذم الجبن والتهور. حقيقة الشجاعة هي الصبر والثبات والاقدام على الامور النافع تحصيلها او دفعها. وتكون في الاقوال وفي الافعال. فاصلها في القلب وهو ثباته وقوته وسكونه عند المهمات والمخاوف وثمرته الاقدام في الاقوال والافعال وعند القلق والاضطراب. وكماله وزينته ان يكون موافقا للحكمة فانه واذا زاد عن حد الحكمة خشي ان يكون تهورا وسفها والقاء باليد الى التهلكة. وذلك مذموم كما يذم الجبن. فالشجاعة خلق كن فاضل متوسط بين خلقين رذيلين وهما الجبن والتهور الشجاعة خلق نفسي ولكن له مواد تمده. فاعظم ما يمده وينميه الايمان وقوة التوكل على الله. وكمال الثقة بالله. وعلم العبد ان ما اصابه لم يكن ليخطئه. وما اخطأه لم يكن يصيبه ويمده ايضا الاكثار من ذكر الله والثناء عليه. قال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. فمتى قوي ايمان العبد بالله وبقضائه وقدره. وقوي يقينه بالثواب والعقاب. وتم توكله على الله وثقته بكفاية الله. وعلم ان الخلق ولا يضرون ولا ينفعون. وان نواصيهم بيد الله وعلم الاثار الجليلة الناشئة عن الشجاعة. متى تمكنت هذه المعارف من قلبه؟ قوي قلبه واطمأن فؤاده واقدم على كل قول وفعل ينفع الاقدام عليه. ولابد لمن كانت هذه حاله ان يمده الله بمدد من عنده لا يدركه العبد بحوله ولا قوته فان من كان الله معه فلا خوف عليه. ومن كان الله معه هانت عليه المصاعب. ودفع الله عنه المكاره قال الله تعالى اه والله مع الصابرين. انظر الى حالة نبينا صلوات الله وسلامه عليه. وقد احاطت به المخاطر خوف مزعجة وهو في الغار الاعداء منتشرون في طلبه. ويقول له ابو بكر رضي الله عنه يا رسول الله لو نظر احدهم موضع قدميه قيل ابصارنا قال ما ظنك يا ابا بكر باثنين الله ثالثهما مطمئنا ثابتا غير مبال ولا قلق. يقول الله عنه في تلك الحال الا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين. اذ هم ما في الغار يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود. وايده بجنود لم تروها كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا. والله عزيز حكيم انظر الى جميع مقاماته في الدعوة وجهاد الاعداء. وهو صادع بامر الله معلن بدعوته للقريب والبعيد والعدو والصديق لا تصده معارضة الاعداء ولا قلة الانصار والاولياء. لم يفتر ولم يضعف ولم ين ولم يخف مخلوقا ولم يثنه خذلان الخاذلين ولا لوم اللائمين بل ثبت على الدعوة والجهاد المستمر اعظم من ثبوت الرواسي. وهو مع ذلك مطمئن الضمير. ثابت الجأش. واثقا وعد الله مستبشرا بنصر الله حتى انجز الله له ما وعده واكمل دينه واعز جنده وهزم الاحزاب وجعل له العاقبة الحميدة وتبعه بما في نفس الامر ثمانية وستون. اذا تبين فساد العقد بطل ما بني عليه. وان فسخ فسخا تمت العقود الطارئة قبل الفسخ تسعة وستون لا عذر لمن اقر ولو ادعى غلطا او كذبا. سبعون يقوم الوارث مقام موروثه وعلى ذلك خلفاؤه واصحابه فمضوا على ما مضى عليه نبيهم بايمان ويقين وثبات كامل وقوة في الدين حتى فتحوا الامصار كانت لهم الاقطار واظهر الله بهم الدين واتم نعمته على المؤمنين. والله ما ادركوا ذلك بكثرة عدد ولا قوة عدد. والله ما ذلك بكثرة عدد ولا قوة عدد. كيف واقل دولة في ذلك الوقت واضعفها تلتهم العرب كلهم التهاما. انما ادركوا ذلك بقوة الايمان واليقين وبعدة الشجاعة الايمانية المؤيدة بالثقة بنصر رب العالمين. وباعداد المستطاع من القوة المعنوية والمالية الدية للاعداء وبالصبر العظيم في مواطن اللقاء. وبالنصر الرباني ويمد هذا الخلق الفاضل ايضا التمرين. فان الشجاعة ان كان في القلب فانها تحتاج الى تدريب النفس على الاقدام. وعلى التكلم بما في النفس والقاء المقالات والخطب في المحافل. فمن مرن نفسه على كذلك لم يزل به الامر حتى يكون ملكة له. وزالت هيبة الخلق من قلبه فلا يبالي بالقاء الخطب والمقالات في المحافل الصغار والكبار على العظماء وغيرهم. وكذلك تمرين النفس على مقارعة الاعداء ولقائهم والجسارة في ميادين القتال. تقوى به النفس والقلب فلا يزال به الامر حتى لا يبالي بلقاء الاعداء. ولا تزعجه المخاوف. وقد حث الله على هذا الدواء النافع بقوله يا يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون وقال اصبروا ان الله مع وقال سبحانه اين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واثنى على المتصفين بهذا الوصف الجليل في قوله الذي الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فهكذا يكون حال الرجال لا كمن خلع الرعب قلوبهم وصار خوف الخلق عندهم اعظم من خوف الخالق. قال تعالى في وصف هؤلاء يحسبون كل صيحة عليهم. يحسبون الاحزاب لم يذهبوا. وان يأتي الاحزاب ويودوا لو انهم بادون في الاعراب يسألون عن انبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الا قليلا. وقال سبحانه اشحة عليكم فاذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون اليك. واعلم ان الشجاعة المحمودة اذا كان المقصود بها نصر الحق ورد الباطل وتحصيل المنافع العامة والمصالح المشتركة. فاما اذا كانت في حظوظ النفس الدنيئة لا في حقوق الله وحقوق الخلق فانها ذميمة. ولهذا نجد هذا الصنف من الناس يقاتل اشد القتال في الخصام على اقل قليل من امور الدنيا. فاما في الامور النافعة فانه في غاية الجبن عنها والاهتمام بشأنها. وسبب ذلك ضعف الوازع الديني وقوة وازع الشهوة البهيمية والسبعية كهؤلاء هم الارذلون. ومن ما يمد هذا الخلق الجليل الاخلاص لله وعدم مراعاة الخلق. فان المخلص الذي لا يريد الا وجه الله وثوابه لا يبالي بلوم اللائمين اذا كان في ذلك رضا لرب العالمين فيقدم على قول الحق غير مبال بانتقاد من انتقده في موضوعه او لفظه او فصاحته او عدمها لا يعد المدح من الناس شيئا في جانب قيامه بالحق. اما المرائي المتزين للناس الواقف في همته على مدحهم وذمهم فما اسرع خبره في المقامات الرهيبة وما اعظم هلعه وهيبته اذا رماه الناس بابصارهم وما اقل ثبوته عند اعتراض المعترضين وذم الذامين. والسبب في هذا انه جعل تعظيم الخلق ومدحهم وثنائهم نصب عينيه وقبلة قلبه. وهو غايته التي يطلب معلوم ان من كانت هذه حاله ان اقواله وافعاله تقع على هذا النحو الذي ينحو. والطريقة التي اليها يصبو. ومع ذلك لو قام في مقام من مقاماته الوضيعة لكانت اقواله وافعاله قليلة البركة. غير مأمون من ثبوته عليها. ولو تأملت الغاية التي يسعى اليها وهي ارادة تعظيم الخلق لوجدت هذا التعظيم او الثناء اذا فرض وجوده نفاقا وتزينا واتباعا للاغراض المتنوعة. فما اسرع ما ينقطع تبدلوا بضده. اما المخلص لله القاصد لوجهه الذي غرضه نفع عباد الله. فان الله يجعل في اعماله وكلامه الخير والبركة. ولو ان يعترض في هذا الطريق لوم اللائمين وطعنهم. فيا سرعان ما يزول. فاما الزبد فيذهب جفاء. واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض. كل عمل لغير الله فهو مضمحل باطل. وكل سعي لله ولنفع الخلق فانه باق ونفعه متواصل. ما اخسر وما اسوأ حظ المشبعين بالبهرج المتزينين؟ ما اخسر المرائين وما اسوأ حظ المتشبعين بالبهرج المتزينين؟ وما ومحظ المخلصين وما اعظم درجاتهم عند رب العالمين. الاخلاص والتوكل والشجاعة اخلاق متلازمة. يمد بعضها بعضا ويستعين بعض ببعض وصاحبها في علو مضطرد واضدادها بالعكس. كم بين من همته الكبرى دائرة حول مراض الله والسعي في نفع عباد الله واستحلاء المشاق في هذا السبيل. وبين من همته الدنيئة حول الامور الدنيئة. فغايته التقرب الى الخلق والتزين لهم. قال تعالى قل هل يستوي الاعمى والبصير ام هل تستوي الظلمات والنور؟ الفصل العاشر في فوائد الرحمة والشفقة على الخلق. كم في كتاب الله من الآيات وكم في السنة من النصوص المحكمات التي فيها الحث على الرحمة والشفقة على الخلق صغيرهم وكبيرهم غنيهم وفقيرهم قريبهم وبعيدهم برهم وفاجرهم بل وعلى جميع اجناس الحيوان. وكم فيها من الترغيب في الاحسان. وان الراحمين يرحمهم الرحمن. والمحسنين يحسنوا اليهم الديان وان الله كتب الاحسان على كل شيء حتى في ازهاق النفس من الانسان والحيوان. وشرع الله كل رحمة وحكمة وبر وفضل وامتنان لقد وسعت رحمة الله كل شيء. وامر بايصال المنافع الى كل حي. اما امر باعطاء المحتاجين وحث على ازالة الضرر عن مضطرين وعلى الحنو على الصغار والكبار وجميع العالمين. اما قال صلى الله عليه وسلم مرغبا غاية الترغيب في الاحسان. ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء وقال ان الله كتب الاحسان على كل شيء. فاذا قتلتم فاحسنوا القتلة. واذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة. وليحد احدكم شفرته وليرح ذبيحته. اما نادى بك ان تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتحسن الى من اساء اليك. وقال ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم. وما يلقاها الا ذو حظ عظيم. اما اباح للمظلوم ان يأخذ حقه بالعدل وندبه الى طريق الاحسان والفضل. فقال تعالى وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به. ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. وقال سبحانه وجزاء سيئة سيئة مثلها. فمن عفا واصلح فاجره على الله. ان الله فيحب الظالمين. اما امر الله بشكر نعمه المتنوعة وجعل من اجل شكره الاحسان. وجعل من اجل شكره الاحسان الى الخلق. قال تعالى بعد كما ذكر منته على نبيه بشرح صدره ووضع وزره ورفع ذكره. فاما اليتيم فلا تقهر. واما السائل فلا تنهر. واما نعمة ربك فحدث. اما حث المتعاملين على اعلى المناهج فقال ولا تنسوا الفضل بينكم وهو البذل والسماح في المعاملة. اما شرع عقوبة العاصين وقمع المجرمين المفسدين بالعقوبات المناسبة لجرائمهم رحمة بهم وبغيرهم ليطهرهم. ولان لا يعودوا الى ما يضرهم وردعا لغيرهم. ولهذا قال تعالى في عقوبة القتل الذي هو اكبر الجرائم ولكم في القصاص حياة. وقال بعدما شرع قطع ايدي سارقين صيانة للاموال جزاء بما كسب نكالا من الله. فالشريعة كلها مبنية على الرحمة في اصولها وفروعها. وفي الامر حقوق الله وحقوق الخلق. ان الله لم يكلف نفسا الا وسعها. وقال تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. ولما ذكر احوال الطهارة وتفاصيلها. قال ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون. واذا تدبرت ما شرعه في المعاملات والحقوق الزوجية وحقوق الوالدين والقرابة وجدت ذلك كله خيرا وبركة. لتقوم صالح العباد وتتم الحياة الطيبة وتزول شرور كبيرة. لولا القيام بهذه الحقوق لم يكن عنها محيص. ثم من رحمة الله بالجميع ان من اخلص عمله منهم ونوى القيام بما عليه من واجبات ومستحبات كان قربة له الى الله وزيادة خير واجر وكان له ثواب ما كسب وانفق وقام به من تلك الحقوق. قال صلى الله عليه وسلم انك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت عليها حتى ما تجعله في في امرأتك. فاذا كان هذا في القيام بمؤونة الجسد وتربيته. فما ظنك بثواب القيام بالتربية القلبية العلوم النافعة والاخلاق العالية فهذا اعظم اجرا وثواب. قال صلى الله عليه وسلم بان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من النعم وافضل ما نحل والد ولده ادب حسن. وكذلك رحم الله المعلمين والمتعلمين للعلوم النافعة الدينية وما اعان عليها جعل نفس تعليمهم اجل الطاعات وافضلها. ثم ما يترتب على تعليمهم من انتفاع المتعلمين بعلمهم. ثم تسلسل هذا النفع في من علمونه ويتعلم ممن علموه مباشرة او بواسطة. فكل هذا خير وحسنات جارية للمعلمين. ونفع مستمر في الحياة وبعد بعد الممات قال صلى الله عليه وسلم فاذا مات العبد انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به من بعده او ولد صالح صالح يدعو له وكذلك رحم الله المتعلمين حيث قيد لهم من يعلمهم ما يحتاجونه في امور دنياهم ودينهم ويصبر على مشقة ذلك. ولهذا فوجب عليهم ان يكافئوا المعلمين بالقيام بحقوقهم ومحبتهم واحترامهم وكثرة الدعاء لهم. وعلى الجميع ان يشكروا الله بما قيض لهم اسر من الاسباب النافعة التي توصلهم الى السعادة. ومن رحمة هذه الشريعة توصيتها وحثها على الاحسان الى اليتامى والمضطرين والبائسين العاجزين والحنو عليهم والقيام بمهامهم واعانتهم بحسب الامكان. واوصى الله ورسوله بالمماليك من الادميين والحيوانات ان يقام كفايتهم ومصالحهم والا يكلفوا من العمل ما لا يطيقون. ففي هذا رحمة للمماليك والبهائم ورحمة ايضا للملاك والسادة من احدهما ان قيامهم بما يملكون هو عين مصلحتهم ونفعه عائد عليهم فانهم اذا قصروا عاد النقص والضرر الدنيوي على الملاك ولهذا كثير من الملاك لولا هذا الوازع الطبيعي النفعي لاهمله مماليكهم وبهائمهم ولكن المصلحة الدنيوية وخوف الضرر على ان انفسهم الجأتهم الى ذلك رحمة من الله وجودا وكرما. الوجه الثاني ان الملاك اذا احتسبوا في نفقاتهم على ما يملكون. ونووا بالواجب ورحمة المملوك والبهيمة اثابهم الله وكفر به من سيئاتهم وزاد في حسناتهم وانزل لهم البركة في هذه المماليك فان كل شيء دخلته النية الصالحة والتقرب الى الله لابد ان تحل فيه البركة. كما ان من اهمل مماليكه وبهائمه وترك القيام بحقهم حق العقاب. ومن جملة ما يعاقب به ان تنزع البركة منها. فكما حبس وقطع رزق من يملكه. قطع الله عنه من الرزق جزاء على عمله. وهذا مشاهد بالتجربة وكل هذا من اثار الرحمة التي اشتملت عليها الشريعة الكاملة. ولهذا من اوى الى ظلها الظليل فهو المرحوم. ومن خرج عنها فهو الشقي المحروم. وقد وسعت هذه الشريعة برحمتها وعدلها العدو والصديق. ولقد لجأ الى حصنها الحصين. كل موفق رشيد. ولقد قامت انها من اكبر الادلة على انها من عند العزيز الحميد. كيف لا يكون ذلك واكبر من ذلك؟ وقد شرعها البر الرحيم العليم الكريم الرؤوف الجواد ذو فضلي العظيم شرعها الذي هو ارحم بعباده من الوالدة بولدها. بل رحمة جميع الوالدين وحنانهم جزء يسير جدا من رحمة الله الذي انزل بين عباده رحمة واحدة وامسك عنده تسعة وتسعين رحمة فبها تتراحم الخليقة كلها. حتى ان البهائم والسباع الضارية على اولادها وتحنوا عليهم حنوا لا يمكن وصفه. فلا يمكن الواصفين ان يعبروا عن جزء يسير جدا من رحمة الله التي بثها ونشرها على عباد فتبا لمن خرج عن رحمة الله التي وسعت كل شيء. وزهد بشريعته. واستبدل بهذا المورد السبيل المر الزعاف والعذاب الوبيل. طوبى لمن كان له حظ وافر من رحمة الله ويا سعادة من اغتبط بكرم الله وسلك كل سبيل ووسيلة توصله الى الله علما وعملا وارشادا نصحا ودعوة واحسانا الى عباد الله فانه تعالى لما ذكر ان رحمته وسعت كل شيء. ذكر اهل الرحمة الخاصة المتصلة بالسعادة الابدي والنعيم السرمدي فقال ورحمتي وسعت كل شيء فساكتبها للذين يتقون ويأتون الزكاة والذين هم بايات يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الامي. وقال واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون. فذكر تعالى الطرق العظيمة قيمة الكلية التي تنال بها رحمة الله. والفوز بثوابه ورضوانه. وهي الايمان والتقوى واتباع الرسول وطاعة الله ورسوله. وتفاصيل هذه الامور هي القيام بجميع الدين اصوله وفروعه واعمال القلوب والجوارح وقول اللسان. فمن لم يقم بهذه الاصول لن يكون له نصيب من هذه من رحمة الخاصة المتصلة بسعادة الابد. وعلى قدر اتصافه وقيامه بهذه الامور. يكون له نصيب من هذه الرحمة. فكما انه تعالى واسع الرحمة فانه شامل الحكمة ومن حكمته ان الامور متعلقة باسبابها وطرقها. والاسباب ومسبباتها كلها من رحمة الله. قال صلى الله عليه وسلم لن يدخل احد منكم الجنة بعمله. قالوا ولا انت يا رسول الله؟ قال ولا انا الا ان يتغمزني الله برحمة منه وفضل متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم اعملوا فكل ميسر لما خلق له. ولهذا على العبد ان يشكر الله على الخير والثواب. ويشكره على التوفيق لمعرفة الاسباب وسلوكها التي رتب عليها الثواب. قال تعالى عن اهل الجنة الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله وفي الحديث الصحيح يقول الله يا عبادي كلكم ضال الا من هديته فاستهدوني اهدكم. وهذا يشمل الهداية العلمية والهداية العملية وقد امرنا الله ان ندعو في كل ركعة من ركعات الصلاة بحصول هاتين الهدايتين في قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. الفصل الحادي عشر في حث الشارع على الائتلاف والاتفاق وناهيه عن التعادي والافتراق. قال تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوب بكم فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا. فأصبحتم بنعم اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تهتدون. وقال صلى الله عليه وسلم لا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا. المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. وفي الكتاب والسنة من الحث على هذا اصل نصوص كثيرة يأمر بكل ما يقوي الالفة ويزيد في المحبة. ويدفع العداوة والبغضاء. وما ذلك الا لما في الاجتماع والاتفاق من الخير للكثير والثمرات الجليلة والبركة والقوة ولما في ضده من ضد ذلك. قال تعالى ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. يعني تخيب وتذهب روحكم الحقيقية ومعنوياتكم النافعة. وقد جمع الله في هذه الاية الامر بالسعي لتحصيل القوة المعنوية بالايمان والثبات الصبر والاجتماع وعدم التنازع والتفرق وبالقوة المعنوية ايضا والمادية في قوله واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ببعض الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. فمتى امتثل المسلمون امر الله؟ فسعوا في حصول الاتفاق وازالة العداوات واسبابها وكانوا يدا واحدة في السعي في مصالحهم المشتركة ومقاومة الاعداء. وبتحصيل القوة المادية بكل مقدور ومستطاع. وكان امرهم شورى بينهم متى عملوا على ذلك كله حصل لهم قوة عظيمة يستدفعون بها الاعداء ويستجلبون بها المصالح والمنافع. وعاد صلاح ذلك الى دينهم وجماعاتهم وافرادهم. ولم يزالوا في رقي مضطرد في دينهم ودنياهم. ومتى اخلوا بما امرهم به دينهم عاد الضرر العظيم عليهم فلا يلوموا الا انفسهم. وقد وعد الله العز والنصر لمن قاموا بالتقوى واعتصموا بحبله وتمسكوا بدينه. واخبر ان هذا دين جميع فلهم عذاب عظيم. ايها المسلمون عليكم بلزوم ما حثكم عليه دينكم من المحبة والائتلاف. واياكم والتفرق والاختلاف. عليكم بعمل جميع الاسباب المقربة للقلوب. واياكم والعداوات والضغائن التي لا تكسب الا شرا. احذروا سماسرة الاعداء الذين يلقون بين ان بذور العداوة والشقاق ويدعون انهم مسلمون. وانما هو غل ونفاق. المسلم هو الذي يسعى في جمع المسلمين واتفاقهم ويحذر غاية التحذير من تدابرهم وافتراقهم. ما طمع الاعداء وتسلطوا الا بسلاح الفرقة الفتاك. ولاستعمروا اقطاركم وسيطروا على مصالحكم الا بعدما انحلت معنويتكم التي هي الحصن الحصين. الواقية من الوقوع في الاشراك. يا ايها المسلمون قوا انفسكم وقومكم مصارع الهلاك وتسابقوا الى استنقاذهم من هوة الدمار اما علمتم ان الاعداء اذا كنتم يدا واحدة؟ ينظرون اليكم نظر التعظيم والاكبار فما زالوا يلقون بينكم الشقاق والفرقة ويضربون بعضكم ببعض حتى قضوا على معظم مقوماتكم وما بقي الا رمق الحياة. ان انتم عالجتموها وسعيتم في تنميتها وتقويتها رجيت لكم السلامة والامن على مستقبلكم. وقد ان الاوان للجد وشد المئزر والتعاضد بين المسلمين وبين حكوماتهم وجماعاتهم على وجه الحكمة ورعاية المصلحة. وقد وقفوا على الداء وعرفوا كيفية الطرق الى العلاج والدواء. وقد تقارب ما بين حكومات المسلمين واضطرتهم الاحوال الى انضمام بعضهم الى بعض. وعرفوا ان هذا هو الطريق الوحيد لعزهم الله ان يوفقهم للعمل الناجح والسعي النافع. ايها المسلمون انتم الان في مفترق الطرق بين الامم. فاما تمسك بدينكم واجتماع به يحصل الفلاح واما اعراض وتفكك لا يرجى بعده عز ولا نجاح. ايها المسلمون قوموا لله واعتصموا بحبل الله. اطمعوا واثقين بنصر الله والله مع الصابرين المتقين. وهو المولى فنعم المولى ونعم النصير. طوبى للرجال المخلصين. ووا شوقا الى الالباء الصادقين الذين ينهضون همم المسلمين في اقوالهم وافعالهم ويحذرون مسالك الشر في كل احوالهم يسعون في تقريب القلوب ويجاهدون احق الجهاد في هذا السبيل. دأبهم القيام بدين الله. والنصيحة لعباد الله. كل امرئ منهم بحسب مقدوره. هذا بتعليمه وكلامه. وهذا فبوعظه وارشاده وهذا بقوته وماله وهذا بجاهه وتوجيهه الى السبيل النافع. قد تعددت طرقهم واتفقت مقاصدهم اولئك اولئك هم المفلحون. الفصل الثاني عشر في الحث على المشاورة في كل الامور. قال تعالى مخبرا عن المؤمنين مثنيا عليهم وامرهم شورى بينهم وهذا يشمل جميع امورهم الدينية والدنيوية الداخلية والخارجية العامة والخاصة. وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كمال عقله وسداد رأيه وعلو مكانته فقال وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كمال عقله وسداد رأيه مكانته فقال وشاورهم في الامر. وقال صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يشاور اصحابه في كل ما يحتاج الى المشاورة من دقيق وجليل ويأخذ برأيهم المصيب. وربما ابتدأه بالرأي الذي يرونه فيرجع اليه اذا اتضح له صوابه. وانما كانت المشاورة لها هذا المقام الجليل بما يترتب عليها من المصالح الكلية العامة في الشؤون الدينية والشؤون الدنيوية وامور السياسة وتوابعها. فمن قائد المشاورة امتثال امر الله ورسوله فان طاعة الله ورسوله خير وسعادة ولو فرض اننا لا نشعر بفائدتها. بل هذه الفائدة اعظم الفوائد واساسها ومن فوائدها انها تقوي الالفة بين المسلمين. وتوثق الروابط بين المتشاورين. جماعات او افراد فان المتشابه يشعرون ان مصلحتهم واحدة وطريقهم الى تحصيلها واحد فيفكرون في هذا الطريق وعلى اي وجه يسلكونه لتحقيق مصلحتهم ومتى شعروا بارتباط المصالح قويت المحبة وتوثقت الصداقة. وهذا من الفوائد المحسوسة. فكم كان اناس متباينين متباعدين. فلما جمعتهم بعض الشئون وشعروا بوحدة مصلحتهم تقاربوا بعد التباعد وتصادقوا بعد التعادي. ومن فوائدها ان مصلحة المشاورة محسوسة في العلوم والاراء اعمال واصابة الصواب. فالرأي الواحد والعمل الواحد يعتريه النقص كثيرا. فاذا كثرت الاراء واتفقت وحصل التعاون على الاعمال النافعة الصواب وادركوا النجاح. ومنها ان الاراء والافكار تحتاج الى رياضة وتمرين. فان تمرين الذهن على التدبر والتفكر وتقليب الامور على كل بوجه ممكن مما يرقي الذهن وينميه ويوسع دائرة المعارف. وعدم ذلك او قلته مما يضعف القريحة ويخمد الفكر ويحدث البلادة كثرة المشاورات هي التمرين الوحيد والرياضة للافكار فان تبادل المناظرات واحتكاك الافكار بعضها ببعض واستعانة بعضها ببعض وتعديل بعضها بعضا له فائدته العظيمة الملموسة. فكما ان الاعمال العظيمة لا تدرك الا باجتماع قوى متعددة بحسب تلك الاعمال. فكذلك امور المشكلة والاحوال المشتبهة لا يقوم بها فكر واحد ونظر واحد. بل لابد من عدة افكار تتراود عليها فان العمل تابع للعلم والله اعلم. ومنها ان الاعمال المشتركة التي لا يمكن قيام واحد بها من المشتركين فيها. سواء كانت امورا دينية او دنيوية اذا بنيت على المشاورة ثم وزعت بينهم بما يناسب احوالهم كان ارجى لحصول النجاح. فان كلا منهم يمد الاخر برأيه ومساعدته وعمله ونفع هذا معروف. ومنها ان الانسان اذا شاور في اموره وتأنى فوقعت على خلاف مراده لم يندم لانه ابدى المجهود ولم يدخر من اسباب النجاة شيئا يقدر عليه فيوجب له الطمأنينة والسكون والرضا والتسليم. ويستدرك ما يمكن استدراكه ويعرف الاسباب الناجحة والمحققة. واذا لم شاور فوقعت على خلاف ما يحب ندم ندامة شديدة. وجعل يقول لولا ولو ما. ومنها ان المشاورة تنفي عن العبد العجب والغرور بالنفع ان المعظم لنفسه المعجب برأيه لا يكاد يشاور احدا ولا يلين لمن ينصحه. وهذا الخلق رذيل جدا وضرره كبير. المعجب برأيه لابد ان يضل ويظنه على هدى لان خيالات الغرور لا تدع الانسان ينظر الى عيوبه فيصلحها ولا الى نقصه فيكمله. فعنوان العقل تواضع فعنوان العقل والتواضع كثرة المشاورة وقبول قول الناصحين. وعنوان الجهل والغرور الاستبداد ورفض نصح الناصحين. واعلم ان تختلف باختلاف مواضيعها. فامور السياسة يشاور فيها اهل الحل والعقد والرجال المتميزون في عقولهم وارائهم وكمالهم امور العلم والدين يشاور فيها اهل العلم والدين. الجامعون بين العلم والحلم والعقل والدين. والامور الدنيوية يشاور فيها اهل الخبرة في والرأي بحسب احوالها ولابد في ذلك كله من قصد النصح. ومن الطف انواع المشاورات الخاصة وانفعها للانسان. الامور المتعلقة العائلة وامور البيت فينبغي للوالد ان يشاور اولاده في الامور المتعلقة بهم ويستخرج ارائهم ويعودهم على تربية افكارهم وتنمية عقولهم فان هذا فيه نفع وتعليم وتوسيع لدائرة معارفهم وحمل لهم على النصيحة لوالدهم. وكذلك يشاور زوجته في احوال في البيت وكيفية تدبيره. واذا رأى منها الامانة والاهلية جعل لها الاستقلال في تدبير مصارف البيت. لتهتم وتشعر بمسئوليتها وتجتهد في اعمال الاقتصادية. ويستفيد رب البيت الراحة والطمأنينة. فمتى كانت الانثى اصيلة امينة ورأت من زوجها هذه الثقة بذلت النصح التام عز عليها ان يذهب شيء في غير محله. ومتى اخذ على يدها وحفظ عليها وقد تركوتها وحوائجها الاصلية والعالية؟ لم يستفد بهذا العمل الا العناء والتعب وكثرة النزاع وتكدر العيش. وكم رأينا ورأى غيرنا من هذا شيئا كثيرا. فالهناء والسعادة والخير العاجل والاجل متابع للدين واخلاقه. الشقاء والشر حيث فقد الدين وفقدت ادابه. المشاورة تنور الافكار وتحل الاشتباه والاشكال. وتبلغ العبد الآمال المشاورة عنوان العقل والاستبداد من نتائج الجهل. ما ندم من استعان بالله واستخاره وشاور الناصحين. الفصل الثالث عشر في الحث على القيام بحق الاولاد والوالدين. قال تعالى انفسكم واهليكم نارا. وذلك بالقيام التام في تربيتهم في دينهم واخلاقهم ودنياهم. وقال تعالى والذين وعهدهم راعون. الاولاد امانات عند الوالدين. عليهم القيام بحفظ هذه الامانات. وكفهم في جميع المضار والمفاسد وتعليمهم العلوم النافعة واخذهم بالاخلاق الفاضلة. بشر الذين يربون اولادهم تربية صالحة بالخير والثواب الانتفاع احذر الذين يهملونهم بالضرر العاجل والاجل والضياع. لو كان لك بستان فيه غراس واشجار فلاحظته وحفظته ونميت لجاء منه ما تأمله وترجوه ولو اهملته وضيعته فلا تلومن الا نفسك. يوم يحصد الزارعون ما زرعوه. كذلك الاولاد وهم غراسك الذين تؤمل نفعه وقم عليهم بما تستطيعه من التربية الصالحة والملاحظة واياك ان تهملهم وتضيعهم فتبوء بسوء العاقبة كم اغتبط الوالدون بصلاح الاولاد؟ وكم ندم المفرطون حين تعذر الاصلاح وحاق الفساد؟ ذلك بما قدمت ايديهم وما الله يريد ظلما للعباد. ايها الاولاد احمدوا ربكم الذي قيد لكم الوالدين فحنوا عليكم حنوا عظيما. اسهروا في مصالحكم ليلهم واتعبوا نهارهم وكنتم همهم الاكبر في سرهم وجهارهم. غذوكم باطيب الطعام واهنأ الشراب. ووالوا عليكم الكسوة وتوابعها في جميع الاوقات قال وعلموكم الكتابة والقرآن ولاحظوكم بالعناية التامة والشفقة والبر والاحسان. فقوموا ببرهم احياء وامواتا. وتضرعوا والله ان يغدق عليهم الرحمة والكرم. رحم الله الاباء المشفقين. واحسن الله جزاء الاولاد البارين. وقد امر الله بالتعاون على البر والتقوى فعلى الوالدين ان يعينوا اولادهم على برهم. بان يوطنوا انفسهم على شكر ما جاء منهم من البر اليسير. ويغض النظر عن التقصير وتفريط الكثير فما استجلب البر والصلاح بمثل هذه الحال. ولا صفت حياة عن الخلل الواقع من اولادهم والاخلال الا بالتساهل معهم تمشية الاحوال وعلى الاولاد ان يتحملوا من والديهم ما قصروا به من حقوقهم. وان يحتسبوا ببرهم وجه الله وثوابه. ليهون عليهم ما يلقى كونه من شراسة اخلاقهم فهذه الطريقة اقوم الحالات لصلاح الامور. فمن لم يقنع الا بحقه كله فاته كله. ومن اكتسب البر القليل قيل وغض النظر عن النقص الكثير فبدأ راح واستراح واغتبط في كل احواله. الفصل الرابع عشر في العلم وفوائده. قال تعالى قل الالات التي تخرج بها المياه وتحرث بها الاراضي وتتيسر الاعمال. ومن ذلك قوله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم وقوله حذركم. فهذا الامر في كل زمان ومكان. وفي كل حال بما يليق بها. وهو امر بتعلم الفنون والقيم هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. وقال يرفع الله الذين امنوا والذين اوتوا العلم درجات. وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وقال اذا مات العبد انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له حد العلم ما قامت عليه الادلة والبراهين والنافع منه ما تعلق بالدين. وكان من العلوم المعينة على الدين. وقد تواترت نصوص الكتاب والسنة على بفضل العلم وشرفه وفضل اهله وان كل شيء يفتقر اليه وان الناس كلهم في الظلمات الا من استنار بنور العلم. وجعل الله طريق الجنة الصراط المستقيم مركبا من العلوم النافعة ومن الاعمال الصالحة. العلم خير من المال. العلم يحرسك وانت تحرس المال. العلم يصحبك في دورك الثلاث في الدنيا وفي البرزخ ويوم تقوم الاشهاد. والمال ان فرض وجود صحبك صحبة منكدة في حال الحياة الدنيا العلم نور يهتدى به في ظلمات الشكوك والجهالات. وحياة تقيم العبد وتوصله الى الجنات. ما زال علم العالم يعلم ويعمل به او يستفاد منه فصحيفة حسناته في ازدياد في حال الحياة وبعد الممات. باي شيء يعرف الله ويهتدي الى صراط مستقيم. وباي شيء الى الفرق بين الاحكام الخمسة التابعة لجميع الحركات والسكنات. وباي شيء يهتدى الى الفرقان بين الهدى والضلال والغي والرشاد اي شيء تعرف الاعمال النافعة؟ والله لا يتمكن من شيء من ذلك الا بالعلم. العلم هو الاساس الاعظم لجميع المعاملات. وهو الشرط صحة الاقوال والاعمال. الجهل داء قاتل والعلم حياة ودواء نافع. حاجة الناس الى العلم اعظم من حاجتهم الى الطعام والشراب الاشتغال بالعلم من افضل الطاعات واجل القربات. مذاكرة العلم تسبيح. والبحث عنه جهاد وتعلمه وتعليمه ودراسته توجب رضا رب العباد. قال صلى الله عليه وسلم من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا الى الجنة. وقال صلى الله الله عليه وسلم اذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة؟ قال حلق الذكر رياض العلوم النافعة فرياض العلوم النافعة في من المعارف من كل زوج بهيج. فيها اجل المعارف وافضلها وهو العلم باسماء الله وصفاته وافعاله والائه. وفيها علم الحلال والحرام والنافع والضار وفيها علم الاخلاق التي ترقي صاحبها الى اعلى المقامات وعلم الاداب التي تجعل العبد من اكبر البريات وفيها تشخيص ما في النفوس من الخير والشر والرغبات والرهبات. وفيها كيفية توجيهها الى فعل الخيرات وترك المنكرات. والى ما يناسبها من الامور النافعات فيها علوم العربية الجليلة على اختلاف منافعها وفوائدها وثمرتها تقيم لك اللسان وتهديك الى اوضح العبارات البيان وتستعين بها على معرفة معاني كلام الله وكلام رسوله. فتكون الة لك في كل علم وعمل تسلكه. في هذه الرياض علم احوال بتواريخ والدول واصناف الامم تتمكن فيها من اجتلاء القرون السالفين. ومعاصرة الامم الغابرين. ثم هكذا تنتقل من قرن الى قرن حتى تتصل باحوال الامم الموجودين. وتعتبر فيها حكمة الله وسنته في السالفين واللاحقين. فترى الخير والفضل عنوان شرف وسعادة وذكرى جميلة حيث كان. والشر والظلم عنوان شقاء وفضيحة وخزي في جميع الازمان. ثم تتجلى فيها عقول الاولين والاخرين وكيف كان التفاوت الذي لا ينضبط ولا يدرك منتهاه بين افراد البشر فهذا لا يتميز عن البهائم الا بالشكل والنطق في خسته ودناه وهذا يفوق امة عظيمة في عقله ومعارفه واخلاقه العالية. وهذا قد سيطرت عليه الشهوات البهيمية. فانقاد لها عقله وهو وهذا قد ارتفعت همته فوق الثريا فلم تملكه العادات ولم يقدم شيئا على رضا مولاه. وهكذا تجد في رياض العلوم كثيرا من الكتاب والسنة وهكذا تجد في رياض العلوم كثيرا من نصوص الكتاب والسنة بنصها او فحواها او لازمها مما يدل على اعتبار جميع العلوم النافعة بالدنيا والدين وفيها الحث على تعليم الصناعات والمخترعات وامتنان الله علينا بتسخير ما على الارض وما في باطنها لنستخرج منه جميع ما نقدر عليه من المنافع التي لا يزال الله يعلمها الانسان شيئا بعد شيء. وتجد ان الله امرنا ان نعلم الجهال والسفهاء كيفية حفظ الاموال وكيفية التكسب فيها واستحصال منافعها. قال تعالى وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا فامرنا ان نعلمهم ونختبرهم فيما يليق باحوالهم فاذا مهروا في هذا العلم وابصرنا وجدهم دفعنا اليهم اموالهم وما داموا في جهلهم يعمهون في سفههم يتيهون لا نمكنهم من اموالهم حذر الضياع والنقص. ففي هذا دليل على ان العلم نافع حتى العلوم الدنيوية. وانه حافظ للمنافع ودافع للمضار ولولا العلم لما عرفت المقاصد والوسائل ولولا العلم ما عرفت البراهين على المطالب كلها ولا الدلائل العلم هو النور في الظلمات وهو الدليل في المتاهات والشبهات. وهو المميز بين الحقائق وهو الهادي لاكمل الطرائق. بالعلم يرفع الله العبد درجات. وبالجهل يهوي الى اسفل الدرجات. الفصل الخامس عشر في فضائل حسن الخلق. وهو خلق فاضل عظيم النفع. اساس الصبر والحلم والرغبة في مكارم الاخلاق. واثاره العفو والصفح عن المسيئين. وايصال المنافع الى الخلق اجمعين. فهو احتمال الجنايات والعفو عن الزلات ومقابلة السيئات بالحسنات. وقد جمع الله ذلك في اية واحدة وهي قوله اي خذ ما عفا وصفى لك من اخلاق الناس واغتنم ما حصل منها وغض النظر عما تعذر تحصيله منهم وعن نقصها وكدرها. ومعنى ذلك ان تشكر الناس على ما جاء منهم من الخير والاحسان. وما سمحت به طباعهم من الخلق الطيب. ولا تطلب منهم ولا تطالبهم بما زاد عما حصل ولو كان لازما لهم فانك بذلك تستريح وتريحهم. اما من كان يريد من الناس ان يكونوا كاملين مكملين ان لكل ما يجب ويستحب. واذا اخلوا بشيء من ذلك عاتبهم واهدر ما جاء منهم من الخير والاحسان. فهو عن حسن الخلق بمعزل ولا يزال معهم في نزاع ولجاج وعتاب. انما الحازم من يوطن نفسه على تقصير المقصرين ونقصان الناقصين. وقد ارشد النبي صلى الله عليه وسلم الى هذا الخلق الفاضل في معاملة الزوج لزوجته فقال لا يفرك مؤمن مؤمنة ان كره منها خلقا رضي منها خلقا اخر فامر بالاغضاء عما فيها من العيوب. وان يكون نظره الى ما فيها من المحاسن والمنافع. ويجعل هذا شفيعا لهذا لانه بذلك الزوجية وتتم الصحبة الطيبة والصفاء. ويقل النزاع والخصام. وقس على هذا الذي ذكره صلى الله عليه وسلم جميع المعاملات والحقوق المعاملة بين الوالدين واولادهم اذا كانت على هذا الوصف حصل البر واديت الحقوق. اذا وطن الوالد نفسه على شكر ما حصل من ولده من البر او قليلا وعفا عن تقصيره وازداد البر وحصل للوالدين راحة. فرحم الله من اعان اولاده على بره. وكذلك الاولاد عليهم القيام ببر والدين وان يوطنوا انفسهم على ما ينالهم من الوالدين من سوء الخلق وشراسته وسيء الاقوال والافعال التي تصدر منهم ليوطنوا انفسهم على احتمال وان يشكروهم على ما نالهم منهم من الاحسان مهما كان. فهذا من البر والصلة التي لا يوفق لها الا ذو حظ عظيم. وكذلك حقوق الاصحاب والجيران والمعاملين. ينبغي ان يسلك معهم هذا المسلك. القناعة بما جاء منهم. وتحمل ما لا يوافق الانسان من قول او فعل او معاملة فبذلك تدوم الصحبة وتقوى. اما من كان اذا جاءه من اصحابه او معامليه ونحوهم سيئة واحدة اهدر بها ما سبقها من المحاسن هذا من اعظم الحمق وقلة الوفاء وعدم الانصاف. ومن كان بهذا الوصف فهو ابعد الناس عن حسن الخلق. المقصود ان المعاملة بين المختلطين والمرتبطين بحق من الحقوق اذا بنيت على قوله تعالى خذ العفو فوطن العبد نفسه على اخذ المنافع والصفح عن ضدها اوصلت صاحبها الى كل خير وسلم بها من شرور كثيرة. واذا بنيت على الاستقصاء وطلب جميع الحق المستوفى حصل النقص والخلل. وقوله تعالى واعرض عن الجاهلين. اي اذا جهل احد عليك بقول او فعل فاعرض عن مقابلته بجهله وقابله بما تقابله به اذا كان محسنا فتكسب السلامة والاجر وحسن الذكر والاتصاف بمكارم الاخلاق واعاليها. وكل من عصى الله او قصر في حقه او تعدى على احد فهو جاهل سواء كان متعمدا او غير متعمد. وذلك ان العلم الذي يعمل الانسان به هو العلم النافع. الذي لا يعمل به جهل وضلال. وقد تعود صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع واما قوله تعالى في هذه الاية وامر بالعرف اي ليكن امرك لغيرك موصوفا بوصفين. احدهما ان يكون برفق وحكمة واقرب طريق وصلوا الى هذا المقصود. وذلك يختلف باختلاف العرف. والثاني ليكن مأمورك الذي تأمر به من الامور المحبوبة شرعا وعرفا. وهو الامر بالواجبات والمستحبات من العقائد والاخلاق والاعمال المتعلقة بحقوق الله وحقوق خلقه. فمن قام بهذه الامور فقد اتصف بحسن الخلق الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ان العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم. واعظم ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن حسن الخلق. وقد فسره صلى الله عليه وسلم بما يوافق هذه الاية في قوله لمعاذ وغيره اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن. حسن الخلق ومكارم الاخلاق تحبب العبد الى اعدائه. وسوء الخلق ينفر عنه اولاده واصدقائه ومن مزايا حسن الخلق ان صاحبه يتمكن من ارضاء الناس على اختلاف طبقاتهم. كل من جالسه وخالطه احبه لا يمله الجليس. قال صلى الله الله عليه وسلم انكم لن تسعوا الناس باموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق. صاحب الخلق الحسن يسهل عليك لادراك المطالب وتلين له برفقه وتحببه الى الخلق المصاعب. كم فات سيء الاخلاق من مطلوب؟ وكم جلب عليه الحمق من شر مره كل احد يود الاتصاف بحسن الخلق لما يشاهده من ثمراته الجليلة. ولكن لا يدركه الا اهل الهمم العالية النبيلة. اللهم اهدهم لاحسن الاخلاق وجنبنا مساوئها. الفصل السادس عشر في فضل الصبر على المكاره والشكر على المحاب. العبد لا يخلو في تنقلاته في حياته واطواره فيها من حالتين لا ثالث لهما. اما ان يحصل لهما يجب ويندفع عنهما يكره وهذا حبيب للنفوس. ملائم للقلوب مطلوب لكل عاقل وهو من اعظم نعم الله على العبد فوظيفته في هذه الحال الشكر والاعتراف وان ذلك من نعم الله عليه كيف يعترف بها متحدثا بها مستعينا على طاعة المنعم وهذا هو الشاكر. فان الهته النعمة وابطرته واوصلته الى الاشر والبسط وغفل عن الشكر فهذا الذي كفر نعمة الله واستعمل منن الله في غير واجبها وطريقها. الحالة الثانية ان يحصل للعبد المكروه او يفقد المحبوب فيحدث له هما وحزنا وقلقا. فوظيفته الصبر لله فلا يتسخط ولا يضجر ولا يشكو للمخلوق ما نزل بل تكون شكواه لخالقه. ومن كان في الضراء صبورا وفي السراء شكورا. لم يزل يغنم على ربه الثواب الجزيل. ويكتسب الذكر قيل ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له. وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وليس ذلك الا للمؤمن. النعم والنقم والمحاب مكاره اضياف فاكرم قراها بالقيام بوظيفتها ليستريح قلبك وترضي ربك. وينقلب ضيفك شاكرا ولمعروفك ذاكرا. متى حصل لك محبوب من رئاسة او مال او زوجة او ولد او صحة او رزق او توابع ذلك او اندفع عنك مكروه. فاعلم ان هذه نعم الله فاعترف بها بقلبك واخضع لربك الذي اوصلها اليك وازدد له حبا وثناء فان النفوس مجبولة على محبة من احسن اليها كيف بمنه جميع الاحسان؟ واكثر من الثناء على الله بها جملة وتفصيلا. اما الاجمال فان تقول اللهم ما اصبح او ما امسى بي من نعمة او باحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر. واما تفصيلا فقل انعم الله علي بالنعمة الفلانية ديني او دنيوية وصرف عني كذا وكذا. وتوسل بها الى طاعة المنعم. وسله ان يجعلها معونة على الخير. وان يعيذك من صرفها في غير ما يحب الله ويرضاه واحمد الذي وفقك لشكرها. فالتوفيق للشكر نعمة اخرى. ومتى اصابك مكروه في بدنك او مالك او حبيبك فاعلم ان الذي قدره حكيم لا يفعل شيئا عبثا. ولا يقدر شيئا سدى. وانه رحيم. قد تنوعت رحمته على عبده يرحمه فيعطيه ثم فيوفقه للشكر ويرحمه فيبتليه ثم يرحمه فيوفقه للصبر. فرحمة الله عليك متقدمة على التدابير السارة الضارة ومتأخرة عنها. ويرحمه ايضا بان يجعل ذلك البلاء لذنوبه كفارات. ولمقامه خيرا ورفعة درجات. ويرحمه بان جعل ذلك المكروه منميا لاخلاقه الجميلة مربيا على الاعمال والاقوال الزكية. فاذا فهم العبد في التقدير هذه الرحمات ولاحظ هذه المتنوعات لم تتأخر نفسه ان كانت نفسا حرة عن الصبر على المكاره والاحتساب ورجاء الاجر والارتقاب ثم رجاء السلامة من ملك الوهاب من استكمل مراتب الصبر والشكر فهو الكامل في كل احواله. فان الصبر الة عظيمة تعين العبد على جميع الامور الصعبة. قال تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة اي على جميع اموركم. فمن شرع في عمل من الاعمال وصبر عليه وثابر رجي له النجاح. ومن ضعف صبره ثباته لم يتم له فلاح. اذا اصيب العبد بمصيبة فلجأ الى الصبر والاحتساب خفت وطأتها وهانت مشقتها وتم له اجرها. وكان من الفضلاء الكرام ومن ضعف صبره وحضر جزعه اشتدت مصيبته وتضاعفت الامه القلبية والبدنية وفاته الثواب واستحق عقاب ولابد ان يعود في اخر امره فيسلو سلوى البهائم وذلك من اخلاق اللئام. بشر الصابرين على مشقة الطاعات وترك المخالفات الام المصيبات بتوفية اجرهم بغير حساب. وانذر الجازعين المتسخطين لاقدار الله بتضاعف المكاره وفوات الاجر وحلول الوزر والعقاب ان الجازع لا يرد الفائت ولكنه يحزن الصديق ويسر الشامت. الصبر مؤذن بالقوة والشجاعة والثبات والايمان والجزع عنوان الجبن والضعف والهلع والخسران. ما نال من نال من خير الدنيا والاخرة الا بالصبر. ولا حرم من حرم الا بفقده. قال تعالى الملائكة يدخلون عليهم من كلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. فبالصبر يرتقي العبد الى اعلى المقامات. وهو مقام الشاكرين الذين يذكرون الله على السراء والضراء واليسر والعسر. يشكرون الله في كل احوالهم. يشكرونه على نعمة العافية والصحة وسلامة الابدان على نعمة الاسماع والابصار والعقول والبيان. ويشكرونه على تيسير الرزق والاسباب المتنوعة التي بها تكتسب الارزاق. وخصوصا اذا يسر الله للعبد سببا مريحا لقلبه معينا على الخير. فان هذا من بركة الرزق وكماله. ويحمدون الله على دفع المكاره والملمات ذلك يحمدون الله ابلغ حمد على نعمة الاسلام والايمان والهداية الى الخير والتوفيق للاحسان. نعمة الله بالتوفيق للتقوى اجل النعم واعلاها. قال تعالى رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويزكيهم والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين من حصلت له نعمة العلم والايمان فقد تمت عليه النعمة من جميع الوجوه. وقد نال من ربه كل ما يؤمله ويرجوه. فيا من توالت عليه النعم وصرفت عنه النقم. اشكر الله على ذلك لتبقى وتكمل. فالشكر مقرون بالمزيد. وكفران النعم مقرون الحق والعذاب الشديد. وشكرانك للنعم نعم اخرى تحتاج الى شكر اخر وتجديد. ولكن الله تعالى رضي منا بالاعتراف بالعجز عن شكره وان نفعل ما نستطيعه من الثناء والتمجيد. الشاكرون اطيب الناس نفوسا واشرحهم صدورا واقرهم عيونا. فان قلوبهم من حمده والاعتراف بنعمه والاغتباط بكرمه والابتهاج باحسانه والسنتهم رطبة في كل وقت بشكره وذكره وذلك اساس الحياة الطيبة ونعيم الارواح وحصول جميع اللذائذ والافراح. وقلوبهم في كل وقت متطلعة للمزيد. وطمعهم ورجائهم في كل في وقت بفضل ربهم يقوى ويزيد. لو علم العباد ماذا اعد للشاكرين من الخيرات. لاستبقوا الى هذه الفضيلة العليا. ولو شاهدوا لهم في السرور والابتهاج لعلموا انهم في جنة الدنيا اذا قضيت المصائب والمكاره على الخلق انقسموا فيها اربعة اقسام. احدهما الظالمون وهم اهل الجزع والسخط. والثاني الصابرون وهم الذين حبسوا قلوبهم عن التسخط على المقدور والسنتهم عن الشكوى وجوارحهم عن افعال الساخطين. فهؤلاء لهم اجرهم بغير حساب. والثالث الراضون عن الله الذين كملوا مراتب الصبر واطمأنت لاقدار الله المؤلمة ورضوا بها. ولم يودوا انهم لم يصابوا بها. بل رضوا بما رضي الله به لهم. فرضوا عن الله ورضي الله عنهم الرابع الشاكرون وهم من ارتفعت على هؤلاء كلهم درجاتهم. فصبروا لله ورضوا بقضاء الله ولكنهم شكروا الله على الضراء كما شكروه على السراء وحمدوه على المصائب والمضار كما حمدوه على المحاب والمسار. فهؤلاء الشاكرون الاصفياء الابرار وهم الاقلون ان عدد الاعظمون عند الله قدرا. قال تعالى وقليل من عبادي الشكور. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان صحيحان فيهما بشارة وخير عظيم للصابرين والشاكرين. احدهما قوله ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما امره الله به انا لله انا اليه راجعون. اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها الا اجره الله في مصيبته. واخلف له خيرا منها. فهذا يشمل اي كانت وان من قال هذا القول بصدق جمع الله له بين الخلف العاجل والثواب العاجل والاجل. والثاني ان الله ليرضى عن العبد يأكل الاكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها. فهذا وعد بان من حمد الله بعد الاكل والشرب حصل له من الله الرضا الذي هو اكبر نعيم الجنات. عموم العلة يقتضي ان جميع النعم اذا حصلت للعبد فحمد الله عليها حصل له هذا الثواب. فاجتمع له الدنيا والدين. ومن لطفه ان العبد اذا استغنى بما احله الله له عما حرمه وتناول الحلال الملائم للنفوس بهذه النية كان له حسنات كما قال صلى الله عليه وسلم حين ذكر انواعا من الصدقات حتى قال وفي بضع احدكم صدقة. قالوا يا رسول الله ايأتي احدنا قوته ويكون له اجر. قال ارأيتم لو وضعها في حرام اكان عليه وزر؟ فكذلك اذا وضعها في الحلال كان له اجر. فتبارك الوهاب الفصل السابع عشر في الحث على سلوك طريق الحكمة والرفق في كل الامور. قال تعالى يؤتي الحكمة من باشا ومن يؤتى الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا. والشريعة كلها حكمة. قال وتعالى وانزل الله عليك الكتاب والحكمة. واثنى على لقمان بالحكمة. ولما ذكر اصول الشرائع ومهمة قال ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة كله وحكمة بل هو اعلى انواع الحكمة على الاطلاق. لان الحكمة معرفة الحق والصواب. والعمل بذلك. والشريعة تدور على ذلك لا تخرج عنه. فمن عرف الحق فاتبعه والباطل فاجتنبه فهو حكيم. والغرض هنا اخص من هذا وهو حث الانسان ان تكون اقواله وافعاله وتدبيراته تابعة للحكمة موافقة للصواب غير متقدمة على اوانها ولا متأخرة ولا فيها زيادة عما ينبغي ولا نقص وان يكون في كل فرض من افراد حركاته المذكورة مجتهدا في معرفة نفعه وصلاحه. سالكا اقرب طريق موصل له الى ذلك. وبتحقيق هذا يعرف كما عقل الانسان ورزانته ولبه وبه تدرك الامور وتنجح المقاصد. قال تعالى واتوا البيوت من ابوابها. اياتوا كل امر من طريقه الموصل اليه المسهل لحصوله. وضد ذلك امران اما ترك للمنافع واهمال لها واما سلوك طرق ضارة في تحصيلها اما تقصير عن بلوغ الغاية او التواء في الطريق او سلوك طرق وعرة ومسالك صعبة مع التمكن من سلوك ما هو اسهل منها. واعلم ان طريق كل امر ما يناسبه. قال تعالى ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة. والدعوة الى الله والى سبيله تشمل تعليم الجاهلية ووعظ الغافلين وتشمل النصيحة الخاصة لاحاد الناس وافرادهم في الامور الدينية والدنيوية فاذا سلك الداعي فيها طريق الحكمة كان اقرب وارجى لحصول مقصوده. ولهذا ينبغي تعليم كل احد ما هو انفع له. وبعبارة او دلالة اقرب الى ذهنه وفهمه. ولهذا قيل في تفسير الربانيين هم الذين يعلمون الناس صغار العلم قبل كباره. ومن الحكمة الا تلقي على المتعلم العلوم المتنوعة التي لا يتحملها فذهنه او يضيع بعضها بعضا. واتفق اهل المعرفة بطرق التعليم ان هذا ضار ومفوت للعلم. وان الطريق الاقرب ان يجعل المتعلم من الدروس ما يسهل عليه حفظها وفهمها وعقلها. والتفكر التام فيها فان هذا من الدعوة الى الله بالحكمة التي هي الطريق الوحيد للنجاح. ومن الحكمة ان ترمق الم تعلم وتقوي رغبته في التعلم بكل طريق. فان قوة الرغبة تزيد في الحفظ والفهم. وكلما كانت رغبة طالب العلم فيه اقوى كان محصوله اكثر واتم. ومن الحكمة في تعليم العوام وارشادهم ان يعلموا ما يحتاجونه بالفاظ وعبارات من مناسبة لاذهانهم قريبة من افهامهم فهذا فيه نفع كبير. وكذلك ينبغي لاهل العلم في مجالسهم مع الناس العامة والخاصة ان يبحثوا بما يناسب الحال عن المناسبات من المسائل العلمية. فكم حصل فيها من منافع كثيرة من غير تشويش ولا قطع عن مقصودها. وهذا من الحكمة ومن الحكمة في حق الناصح ان يكون رفيقا متأنيا متوخيا للحالة المناسبة للمنصوح بلين. قال تعالى اذهبا الى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى قال سبحانه فذكر ان نفعت الذكرى ومما يعين المعلم والمذكر معرفة طبائع الناس واخلاقهم والوسائل التي يؤتون من جهتها. والرفق اصل كبير في هذا وغيره. قال صلى الله عليه وسلم ما كان الرفق في شيء الا زانه وما كان العنف في شيء ان الا شانه. وكذلك تسلك الحكمة في تقوية الصدقات وتخفيف العداوات. وما سلكت في شيء ابلغ ولا انفع من قوله تعالى ادفع التي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة. فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميد. فاذا كان العفو والاحسان الى العدو يصيره صديقا حميما. فما ظنك بعمله مع الصديق والقريب والخليط الذين لهم الحق الاوكد وعندهم من اسباب الروابط الودية ما هو اوثق. وكذلك تسلك الحكمة في معاملة الاولاد معاشرة الزوجات فانه يراد منهم امران عظيمان مهمان احدهما اصلاحهم وتقويمهم وتهذيبهم لتقوية دينهم وتربية في اخلاقهم فهؤلاء يسلك معهم كل طريق يسلك مع غيرهم. وطرق خاصة تناسب لاحوالهم. ويوجههم وليهم فيه الى كل خير بترغيب ولين وحسن معاملة. وكل احد يعرف من احوال اولاده واهله ما لا يعرفه غيره. الامر الثاني انه يراد منهم القيام عقوق الوالدين وبالعشرة الواجبة والمستحبة بين الزوجين. وذلك ايضا بدعوتهم اليه بالحال والمقال وبالحكمة والرفق. ومن انجح ان يكون الوالدان قائمين بحق الاولاد. والزوج قائما بحق زوجته. فاذا طلب منهم القيام بما عليهم في هذه الحال سهل عليهم بخلاف ما اذا لم يقم الوالدان والزوج بحقوقهم فان تقويمهم يصعب جدا. وكيف تطلب ما لك وانت مانع للحق الذي عليك. وكذلك تسلك الحكمة في النفقات والتدبيرات البيتية التي روحها وقوامها قوله تعالى تسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما. فالاقتصاد في النفقات وسلوك طرقه له نفعه المعروف ومحله الاكبر والطف من ذلك كله ان تسلك الحكمة مع نفسك وتراقبها في اعمالها وتجتهد في تنمية وازع الرغبة الى الخير واضعاف الى الشر وتلاطفها ملاطفة الطفل في تحصيل الامور المطلوبة منها. وفي تنمية اخلاقها وتعطيها من الراحات والطيبات ما يسهل معه القيام بالطاعات. وتغتنم اوقات نشاطها وتريحها في فترات الكسل. واياك ان تجمح بك في الانهماك في اللذات التي تشغل عن النافعة ولكن جاهدها وحاسبها واعرض عليها الموازنة بين الاخلاد الى الكسل وبين المطالب العالية التي تفوت بالكسل ولا تدرك الا بالعمل وعرفها ما امامها من النعيم لمن امن وعمل صالحا وسلك الصراط المستقيم. وقل لها لمثل هذا فليعمل العاملون. وفي ذلك يتنافس المتنافسون. قل لها يا نفس ايما اولى. تقديم لذة قليلة حشوها الاكدار. وطيها الغموم والهموم والخسار. على لذات واصلات كاملات بلا كدر ولا منغص في دار القرار. وايهما اولى؟ تحصيل لذة الايمان او اللذات البهيمية التي مآلها الخيبة والحرمان يا نفس ابذل اليسير من القوة فيما يعود عليك بالخير والبركات. ولك مني ان ارضيك بما تحبين من اللذات المباحات. ومن بما عندك من الحقوق الواجبات والمستحبات اقم لك بما تحبين من الراحات وتناول الطيبات. يا نفس قد ارشدك معلم الخير صلى الله عليه وسلم الى اعمال نافعة عظيمة نفع يسيرة على النفس فقال استعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة والقصد القصد ابلغوا وقال معاذ ابن جبل رضي الله عنه يا رسول الله اخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال لقد سألت عن عظيم وانه فيسير على من يسره الله عليه. اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. تقيموا الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوموا رمضان وتحج البيت. ثم قال الا ادلك على ابواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا له تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون. افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون. اما الذين امنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى. نزلا بما كانوا يعملون ثم قال الا اخبرك برأس الامر وعموده وذروة سنامه رأس الامر الاسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ثم قال الا اخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت بلى يا رسول الله. فاخذ بلسان نفسه وقال كف عليك هذا. قلت وان نال مؤاخذون بما نتكلم به. قال ثكلتك امك يا معاذ. وهل يكب الناس على مناخرهم الا حصائد السنتهم؟ انظري الى هذه في الاعمال الموصلة الى غاية الغايات وفوائدها الجليلة مع سهولتها على النفس. ثم اعلمي ان من قام بما عليه من حقوق الله وحقوقه عباده لم يفت عليه نصيبه من الدنيا. قال صلى الله عليه وسلم من كانت الاخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه فاتته الدنيا وهي راغمة. ومن كانت الدنيا همه شتت الله عليه شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا الا ما كتب يا نفس ما هي الا صبر ايامي كان مدتها اضغاث احلامي. يا نفس جوزي عن الدنيا مبادرة وخلي عنها فان العيش قدامي فلا يزال الحكيم مع نفسه في ملاطفة وتدريب وترغيب وترهيب وانذار وتبشير حتى يلين صعبها ويستقيم سيرها وتتبدل صفاتها الرديئة بالصفات الطيبة. ولا يتمكن من هذا ولا يتمكن من هذا الا بسلوك الحكمة. الحكمة جمال العلم والة العمل واقرب الوسائل لحصول المقاصد. الحكمة تهون الصعاب وبها تندفع العوائق. كم ندم عجول طائش؟ وكم ادرك المطلوب متأن رفيق. لا تساس الولايات الكبار ولا الصغار بمثل الحكمة. ولا تختل الا باختلال طريقها. الحكيم اذا لم يدرك المطلوب تنازل الى بعضه. اذا لم يحصل ما قصده من الخير قنع باندفاع الشر. واذا لم يندفع كل الشر دفع بعضه وخففه. واذا لم ممكن دفع الصعب الشديد وامكنه تلطيفه لطفه. يساير الامور والاحوال فينتهز فرصها. ويأتي الامور من كل باب ووسيلة لا تملوا السعي ولا يدركه الضجر والسآمة. قد تلقى الامور بصدر منشرح وقلب ثابت يقلبها بفكره على كل وجه. ويستعين برأي اهل الخير بالخبرة من الناصحين على ما يريده. لا تستفزه البدوات واوائل الامور حتى ينفذ فكره الى باطنها. ولا تغره الظواهر حتى تغلغل في مطاويها وعواقبها. ومع كثرة تفكيره وتقليبه الامور من جميع وجوهها ومشاورته عند التوقف والاشتباه. لابد ان ينكشف له ما كان خافيا ويتضح له ما كان مشتبها. واعلم ان من عود نفسه هذه الامور ولازمها في اغلب احواله فلابد ان يحصل له من التمرين والاختبار والتجارب اصول يترقى بها عقله وتتسع دائرة معارفه وينمو ذكاؤه وفطنته. وربما وصل الى كحالة يصير بها علما يؤتم به في متاهات العقول. مرجوعا اليه في ذلك. والله اعلم. الفصل الثامن عشر بواجبات اهل علمي فيما بينهم وفيما يتعلق بالناس. اما الواجب على اهل العلم من العلماء الكبار ومن دونهم والطلبة فيما بينهم. فعلى كل منهم ان يحب للاخر ما يحب لنفسه. هذا واجب عمومي على جميع المسلمين. لكن اهل العلم عليهم من هذا الحق اعظم مما على غيرهم لما تميزوا ولما خصهم الله به وعلى كل منهم ان يدين لله ويتقرب اليه بمحبته جميع اهل العلم والدين. فان هذا الحب من اعظم ما يقرب الله ومن اكبر الطاعات. وهذا الحب يتبع ما اتصف به الانسان من الامور التي يحبها الله ورسوله من العلم والاشتغال به والعمل. فان نفس الاشتغال بالعلوم الشرعية وتوابعها من اجل الطاعات. ثم حصول العلم للشخص هو من الاوصاف التي يحب لاجلها. ثم تعليمه للناس وعمله مما يجب ان عليه. فكل هذه الامور موجودة في اهل العلم فلهم من الحق على اهل العلم وعلى غيرهم. وان يميزوا بهذا عن غيرهم لما لهم من المميزات. واذا عثر احدهم وغلط في مسألة علمية تعين ستر ما صدر منه ونصيحته بالتي هي احسن. ومن اعظم المحرمات واشنع المفاسد شاعة عثرات والقدح فيهم في غلطاتهم واقبح من هذا واقبح. اهدار محاسنهم عند وجود شيء من ذلك. ربما يكون هو الواقع كثيرا من الغلطات التي صدرت منهم لهم فيها تأويل سائغ ولهم اجتهادهم فيه. معذورون والقادح فيهم غير معذور. وبهذا واشباهه يظهر لك الفرق بين اهل العلم الناصحين والمنتسبين للعلم من اهل البغي والحسد المعتدين. ان اهل العلم الحقيقي قصدهم التعاون على البر والتقوى والسعي في اعانة بعضهم بعضا في كل ما عاد الى هذا الامر وستر عورات المسلمين. وعدم اشاعة غلطاتهم والحرص على تنبيههم بكل ممكن من سائل نافعة الذب عن اعراض اهل العلم والدين. ولا ريب ان هذا من افضل القربات. ثم لو فرض ان ما اخطأوا فيه او عثروا ليس لهم فيه تأويل ولا عذر لم يكن من الحق والانصاف ان تهدر المحاسن وتمحى حقوقهم الواجبة بهذا الشيء اليسير. كما هو دأب اهل البغي والعدوان. ان هذا كبير وفساده مستطير. اي عالم لم يخطئ واي حكيم لم يعثر؟ وقد علمت نصوص الكتاب والسنة التي فيها الحث على المحبة والائتلاف التحذير من التفرق والاختلاف واعظم من يوجه اليهم هذا الامر اهل العلم والدين. فمتى لزموا هذه الاوامر الشرعية الحكيمة تبعهم الناس واستقامت الاحوال ومتى اخلوا بذلك وحل محله البغي والحسد والتباغض والتدابر تبعهم الناس وصاروا احزابا وشيعا. صارت الامور في التغالب وطلب الانتصار ولو بالباطل. ولم يقفوا على حد محدود. تفاقم الشر وعظم الخطر وصار المتولي لكبرها. من كان يرجى منهم قبل ذلك ان يكونوا اول قامع للشر. اذا تأملت الواقع رأيت اكثر الامور على هذا الوجه المحزن. ولكنه مع ذلك يوجد افراد من اهل العلم والدين ثابتون على الحق قائمون بالحقوق الواجبة والمستحبة. صابرون على ما نالهم في هذا السبيل. من قدح القادح واعتراض المعترض وعدوان المعتدين. فتجدهم متقربين الى الله بمحبة اهل العلم والدين. جاعلين محاسنهم واثارهم وتعليمهم ونفعهم نصب اعينهم قد احبوهم لما اتصفوا به وقاموا به من هذه المنافع العظيمة غير مبالين بما جاء منهم اليهم من القدح والاعتراض. حاملين ذلك على تأويلات المتنوعة ومقيمين لهم الاعذار الممكنة. وما لم يمكنهم مما نالهم منهم ان يجدوا له محملا. عملوا الله فيهم فعفوا عنهم رضينا ان يكون اجرهم على الله وعفو عنهم لما لهم من الحق الذي هو اكبر شفيع لهم. فان عجزوا عن هذه الدرجة العالية التي لا يكاد يصل اليها الا الواحد بعد الواحد. نزلوا الى درجة الانصاف. وهو اعتبار ما لهم من المحاسن ومقابلتها بالاساءة الصادرة منهم اليهم. وو بين هذه وهذه فلابد ان يجدوا جانب الاحسان ارجح من جانب الاساءة او متساويين. او ترجح الاساءة. وعلى كل حال من هذه الاحتمالات فيعتبرون ما لهم وما عليهم. واما من نزل عن درجة الانصاف فهو بلا شك ظالم ضار لنفسه. تارك من الواجبات عليه بمقدار ما تعدى من الظلم. هذه المراتب الثلاث مرتبة الكمال ومرتبة الانصاف ومرتبة الظلم. تميز كل احوال اهل العلم ومقاديرهم ودرجاتهم. ومن هو القائل بالحقوق ومن هو التارك والله تعالى هو المعين الموفق. واما واجب اهل العلم المتعلق بالخلق فان مهمتهم اعظم المهمات وعليهم من القيام بالحقوق اضعاف ما على غيرهم فان الله اوجب على اهل العلم ان يبينوه للناس ولا يكتموه. فيعلم الجاهلين وينصحوا ويعظوا ويصدعوا بامر الله ويظهروا دين الله. فكما امر الله الجهال ان يتعلموا. فقد امر اهل العلم ان يعلموا الناس على اختلاف طبقاتهم. وان نحن عليهم ويعلموهم مما علمهم الله. قال تعالى واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبينن انه للناس ولا تكتمونه. وقال تعالى ولكن كونوا ربانيين بما كنتم كنتم تدرسون. وامر بالتبليغ والتذكير في عدة ايات. وقال صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو اية وذم الكاتمين للحق في عدة ايات. واكثر الشرائع الظاهرة والباطنة لا يمكن قيامها ولا العمل بها الا بتعليم اهل العلم وتذكيرهم بكل وسيلة وبكل طريق ومناسبة. ما امر الله الجهال والمسترشدين ان يتعلموا. حتى امر اهل العلم ان يرشدوا ويعلموا التعليم له طرق كثيرة سوى طرق التعليم في المدارس على اختلاف انواعها. وسوى طرق تعليم الطلبة المستعدين للتعلم في اوقات مرتبة وعلى طرائق مختلفة وهؤلاء المتعلمون هم المستعدون للترقي في العلم بحسب ما يسر الله لهم من طرق التعليم بحسب قرائحهم واذهانهم وهم الذين يرجى ان يبلغوا مبلغا يكونون المرجوع اليهم او يكونوا معلمين بعدما كانوا متعلمين وليس المقصود هنا شرح حالة التعليم في المدارس وتعليم الطلبة المستعدين. وكيفية ذلك فان لها محلا غير هذا. وانما المقصود الوسائل الطرق الاخرى التي يجب على اهل العلم ان يسلكوها لايصال العلم الى الناس على اختلاف طبقاتهم ورفع الجهل بحسب الامكان. فمنها القاء العلوم في فسبحانه يا ايها الناس اعبدوا ربكم وقال فاستقيموا اليه واستغفروه. العبودية لله وحده وطاعته في امره ونهيه كل ذلك خضوع للحق. فان اعظم الحقوق حق الله على عباده ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. فمن خضع لهذا الحق في اصول الدين وفروعه مساجد. وينبغي ان يلقى اليهم من العلوم ما يكون فهمه اقرب الى اذهانهم. وان يكون اهم الاشياء وانفعها. وتكون بعبارات مناسبة هاني السامعين وان يلقى في كل موسم ومناسبة ما يليق وما يتعلق بهما فان فهم الاشياء الحاضرة اقرب واشوق للاذهان من ان تكون غير وقتها. كذلك ينبغي ان يفهموا تدخيل الصور والتفاصيل الموجودة التي يعرفونها ويعرفون وقوعها. يبين لهم موضعها ومحلها من العلم هل هي محبوبة للشارع او مكروهة؟ وما الطريق الى تحصيل المحبوب والى دفع المكروه او تخفيفه؟ وان تطبق الامور الواقعية على القواعد الشرعية حتى يتم فهمها ان اكثر السامعين اذا القيت عليهم المسائل الشرعية مجردة عن بيان الامور الواقعة لا يدرون عن دخولها او خروجها. وكذلك ينبغي القاء العلوم النافعة في النوادي الكبار والصغار. وفي المجامع التي يجتمع فيها اهل العلم بالعوام. اما بالقاء امور تخف عليهم ولا يستثقلون كونها اذا رأى اذهانهم قابلة وقلوبهم مصغية. واما اذا حصل مناسبة عند المخاطبات بين الناس انهم يخوضون في كل حديث وفي كل دنيوي وقل موضوع منها الا ويجد العالم البصير موضعا ومحلا لالقاء ولو بعض المسائل فبيان القليل خير من الترك كلية والعالم الحاذق يتمكن ان يجري مع العوام في احاديثهم العادية ويلقي ما شاء الله من المسائل التي تنفعهم في اثناء تلك الاحاديث والناصح لنفسه ولغيره يحصل من هذا خيرا كثيرا. ومن ذلك ايضا النصائح الخاصة بالاشخاص باختلاف رتبهم. من رآه مقصرا في واجبه من واجبات الله وحقوق الخلق نصحه سرا وعلمه الواجب. وكيفية سلوكه والفوائد والثمرات المترتبة على فعله. ومن رآه متجرأا على محرم متعمدا او جاهلا نصحه ووعظه وبين له الوجهة التي يجب عليه سلوكها في ترك ذلك المحرم وما لتاركه من الخير ثواب وما على فاعله من الوزر والعقاب ولا يحقر صغيرا ولا كبيرا ولا شريفا ولا وضيعا. فكم حصل بهذه الطريقة من تعليم للجاهلين ارشاد للغافلين وتوجيه للخير للمعرضين او المعارضين. واولى من على العالم تعليمه ونصحه وارشاده بكل وسيلة مناسبة الطريقة الناجحة الاهل والاولاد والاقارب والاصحاب والمعاملون والخلطاء. فكما ان حقوق هؤلاء مقدمة على غيرهم فاحق الحقوق التعليم والنصح والارشاد والتوجيه للامور النافعة والتحذير من الامور الضارة ولا حول ولا قوة الا بالله. اذا وطفق من عنده علم لهذه الامور التي ذكرناها بحسب اقتداره لم يزل يغنم من الخيرات والثواب من الله. كلما تسلسل نفعه وعمل بارشاده ثم ما ترتب على هذه الاعمال من الدعوات المستجابات ممن انتفعوا بارشاده ونصائحه. فكم شاهدنا وشاهد غيرنا ممن وقفوا للقيام بشكر من احسن اليهم. فكم شاهدنا شهد غيرنا ممن وفقوا للقيام بشكر من احسن اليهم ببعض هذه الامور من التشكرات والدعوات المتكررة. كلما تذكروا نصائحه القيمة قيمة وارشاده النافع وهذه امور لا يستهان بها. واني اذكر واتذكر كثيرا من الارشادات التي وصلتني واتحفتني. واني اذكر تذكروا كثيرا من الارشادات التي وصلتني واتحفني بها بعض اخواني ومشايخي الموجودين والمفقودين. بعضها من اعوام لا تقل عن خمس واربعين سنة كلما ذكرتها واستحضرت نفعها لي ولغيري عرفت سعة فضل الله على اولئك المرشدين. وان نفس ارشادهم من اجل العبادات ثم ما ترتب وعلى اثارها عبادات متسلسلة. فجزى الله من وصل الينا احسانه القليل والكثير. افضل الجزاء. وتقبل الله سعيهم وضاعف لهم الاجور ونحمد الذي اوصل الينا على ايديهم من الخير والفضل حمدا كثيرا طيبا مباركا. لا يعد ولا يحصى فانه تعالى المنعم المطلق على الجميع بالاسباب ومسبباتها ونسأله ان يتم نعمه على الجميع. قال سبحانه ان اشكر نعمتك التي اني تبت اليك واني من واوزعني ان اشكر المحسنين والمرشدين من انتفعت بهم مشافهة او مكاتبة او استفدت من كتبهم ان شكرهم من شكره فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله. الفصل التاسع عشر الثناء على التواضع وذم الكبر. تكاثرت نصوص الكتاب والسنة في الامر بالتواضع للحق والخلق. والثناء على المتواضعين وذكر ثوابهم والاجل كما تكاثرت بالنهي عن الكبر والتكبر والتعاظم وبيان عقوبات المتكبرين. قال تعالى فاعبده وتوكل عليه وقال محبة المتواضعين ومقت المتكبرين. ومن اظهر من الناس تعظيمهم ومحبتهم فذلك زور ونفاق يذهب سريعا. ويح للمتكبرين ما اعظم حمقهم وما اضلهم واجهلهم باي وصف يتكبرون وباي عمل يتجبرون. من علم انه مخلوق فقير ناقص من كل وجه وهو المتواضع الخاضع لله. ومن اعرض عنه او عارضه فهو متكبر. ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا والنار قد اعدها الله مثوى للمتكبرين عليه. المستكبرين عن العبودية لله. التواضع هو اصل الدين وروحه. والتكبر مناف للدين وبهذا نستطيع ان نفهم حق الفهم. قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة خردل من كبر وقوله عن الله تعالى انه قال العظمة ازاري والكبرياء ردائي. تمنى زعني واحدا منهما عذبته. فكل من لم لله ولعبوديته وطاعته وطاعة رسوله فهو مستكبر. وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم التواضع والكبر تفسيرا عاما شاملا واضحة يزيل كل اشكال ولا يحتاج بعده الى مقال فقال حين سئل عن الكبر. الكبر بطر الحق وغمط الناس. ومفهومه ان التواضع اوعى ضده وهو قبول الحق والانقياد له وعدم احتقار الناس. فمن قبل الحق وانقاد له ولم يحقر احدا. وتواضع لعباد الله فهذا هو المتواضع للحق وللخلق وهو القائم بحقوق الله وحقوق الخلق. ومن بطر الحق فرده ولم ينقض له وغمط الناس فاحتقرهم وازدراهم بقلبه وقوله وفعله فهذا هو المتكبر. فعليك بهذا الحد الجامع المانع وطابق بينه وبين احوال الخلق عموما او اخلاقك خصوصا. وعليك ان تجتهد شاهد نفسك على التحقق والاتصاف بخلق التواضع لله ولعباد الله لتكون من المفلحين. والا كنت من الخاسرين. اصل التواضع هو الالتزام الذي التزمه المؤمنون في قولهم سمعنا واطعنا اي سمعنا يا ربنا ما قلته في كتابك وقاله نبيك سمع قبول واذعان واطعنا امرك وامر ورسولك المنادي للايمان وهو الذي توسل به اولو الالباب عند ربهم في حصول ما يحبون وفي دفع ما يكرهون في قوله ربنا سمعنا منادي ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا ايمانا بالتصديق واليقين والرغبة في العبودية. مستلزما لاعمال الجوارح بالقيام بحقوق الله وحقوق الخلق. فهذا هو الايمان الذي توسلوا به الى مغفرة ذنوبهم وحصول مطلوبهم. وبهذا التواضع الكامل كملت اخلاقهم واحوالهم كلها. بترك هذا التواضع والاتصاف بضده. فحق المتكبر العقاب وحرموا من الثواب. قال تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين. اي ذليلين. فكلما استهانوا بعبادة الله لهم الله بالعذاب جزاء من جنس عملهم. والتواضع اعظم نعمة انعم الله بها على العبد. قال تعالى فبما رحمة من الله انت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. وقال تعالى وانك وهو قيامه صلى الله عليه وسلم بعبودية الله المتنوعة وبالاحسان الكامل للخلق. فكان خلقه صلى الله عليه وسلم التواضع التام الذي روحه الاخلاص لله والحنو على عباد الله ضد اوصاف المتكبرين من كل وجه. فعلى كل عبد ان يلتزم التزاما عاما بلا استثناء تصديق الله ورسوله لكل امر ونهي. بامتثال الامر بحسب القدرة واجتناب النهي. قال صلى الله عليه وسلم ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما امرتكم به فاتوا منه ما استطعتم. وما كان كذلك فقد سلك طريق الاستقامة والصراط المستقيم. ولكن لابد للعبد من تفريط في بعض الواجبات او تجرأ على بعض المحرمات ولكن عليه المبادرة عند ذلك للتوبة والاستغفار. كما قال تعالى اليه واستغفروه. وعلى العبد ان يتواضع لعباد الله ويلين لهم ويحب لجميعهم الخير وينصح لهم في كل حالة من احوالهم ويحترم الكبير ويحنوا على الصغير ويوقر النظير ولا يحتقر الناقص في عقله وشرفه ولا الفقير. طوبى للمتواضعين وويل للمتكبرين المتجبرين. للمتواضع والمتكبر علامات لا تخفى على المتأملين. المتواضع ينقاد للحق مع من كان ولا يبالي بترك قول كان يقوله وينصره اذا اتضح له الصواب. المتكبر يتعصب لاقواله وافعاله ويعجب بقوله ومقاله يبين له الحق ويشمخ وبانفه متكبرا عنه عجبا بنفسه وتيها. وبهذا الخلق نزل الى اسفل الدرجات. المتواضع يسلم على الصغير والكبير والشريف والوضيع اقبل بوجهه وقوله على من تصدى له حتى يقضي حاجته ويعاشر كل احد اكمل معاشرة. والمتكبر لا يسلم ولا يقبل بوجهه على الفقير والحقير وينأى بجانبه عن مجالستهم ولا يهتم بشأنهما. وانما يتصدى ويعظم الرؤساء والكبراء خاضعا لهم بقلبه معظما لهم بلسانه وهذا اكبر برهان معبر عن رذيلته ما اقل حظ المتكبرين. وما اعظم خسرانهم المبين. خسروا بتكبرهم الايمان الجميلة وخسروا ما اعده الله للمتواضعين من الثواب. وحصلوا على الوبال والعقاب خسروا محبة الخلق على اختلاف طبقاتهم. فالناس جبلوا على اي شيء يتكبر ومن فهم ان اوله نطفة مذرة واخره جيفة قذرة. وهو بين ذلك يحمل العذرة فبأي شيء يعجب ويفتخر؟ تالله ان الفخر كل الفخر بالتواضع لله ولعباد الله ما وصل للمنازل العلية الا بالتواضع. ولادركت الاخلاق الجميلة الا بالانقياد للحق عظيم حقوق الخلق. المتواضع حبيب الى الله. حبيب الى عباد الله. قريب من الخيرات بعيد من الشرور والمنكرات. والمتكبر بغيض الى الله طبيب الى عباد الله بعيد من الاحسان والخيرات قريب من الشرور والمنكرات. كم حصل للمتواضع من مودة وصداقات كم تم له من ثناء وادعية من الناس مستجابات. كم جبر بتواضعه من فقير؟ وكم حصل له بالتواضع من خير كثير. ما تواضع احد لله الا رفعه ولا احد الا وضعه. التواضع خلق الانبياء والمرسلين ونعت المتقين والمهتدين. تكبر خلق الجبابرة الظالمين. التواضع يزيد شرف ويرفع الوضيع حتى يصل الى مقامات الاولياء والاصياء. ما احلى خلق التواضع! وخصوصا من الاغنياء والاشراف والرؤساء. وما الكبر من كل احد. وبالاخص من الضعفاء والفقراء. لقد سعد المتواضعون في الدنيا والاخرة. ولقد رجع المتكبرون بالذل والصفقة قال تعالى ولا تصعر خدك للناس ولا تمشي في الارض مرحا. ان الله لا يحب واقصد في مشيك واغضض من صوتك الاصوات لصوت الحمير. وقال تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه. واتبع هواه كان امره فرطا. واتبع هواه وكان امره فرطا. فامر في هذه الايات بالتواضع وذكر المتواضعين وهم الذين يريدون وجه الله المخلصون لله المتضرعون لربهم في الغداة والعشي الذين يمشون على الارض هونا خالقون الناس بخلق حسن ولا يأنفون من احد ولا يتعاظمون على احد ونهى عن التكبر وذكر من صفات المتكبرين انهم الذين غفلت قلوبهم عن الله واتبعوا اهواءهم وانفرطت عليهم امورهم وخسروا دينهم ودنياهم وانهم من تكبرهم يمشون في الارض مرحا لا ترى ويصعرون خدودهم على عباد الله ويختالون في قلوبهم وافعالهم ويفتخرون باقوالهم. فما ابعد الفرق بين الفريقين وما اشتد التفاوت بين الطائفتين في مقاصدهم واقوالهم وافعالهم وصفاتهم. من تواضع لله ولعباد الله كانت جميع اجتماعاته بالناس على اختلاف درجاتهم مغنما يكسب بها الخيرات والمثوبة من الله. فانه يلاقي الناس ويخاطبهم ويجتمع بهم. ويعاشرهم بهذه النية الصالحة الفاضلة وبالكلام اللين الطيب للغني والفقير والشريف والوضيع. لا يرى لنفسه عليهم فضلا ويوطن نفسه على ما استطاع من نفع ما اجتمع به هذه النية هذا العمل وهذه المعاشرة من هذا المتواضع جميعه قربة يتقرب بها الى الله ثم يترتب على ذلك محبة الناس وكثرة ثنائهم ادعيتهم له وهذا افضل ما اكتسبه المكتسبون ونافس فيه المنافسون. وكل من سمع باخلاقه ولو لم يجالسه احبه ودعا له. فما اعظم ابوابنا والخسران لاستهوان بهذه الامور الجليلة والخصال الجميلة التي لا تدرك وتنال الا بخلق التواضع والاخلاص. الفصل العشرون في ذكر بعض الاسباب التي اعان الله بها المؤمنين على اداء الفرائض واجتناب المحرمات على وجه الاجمال والاختصار. هذا الدين كله وفضل من الله. وكله تسهيل وتيسير. وكله يشتمل على اشرف الوسائل واعلى المقاصد. فاول رحمته وتسهيله انه جعل عقائده واخلاقه غذاء القلوب والارواح وبها صلاحها واستقامتها واعماله اكمل الاعمال واهداها واعدلها واسهلها. قال تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. وقال وما جعل عليكم في الدين من حرج. وقال سبحانه طه انزلنا عليك القرآن لتشقى الا تذكرة لمن يخشى. فاخبر ان انه لم ينزل القرآن ليشقى العباد ويتكلف ويشق عليهم ويحرجوا. وانما انزله للتذكير بكل خير وصلاح. كما قال وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين. وقال قل بفضل الله ولما ذكر فرض الصيام بين حكمته وفضله فقال يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. فبين ان بالصيام تنال التقوى والتقوى سبب خيرات وبرحمته فبذلك فليفرحوا. هو خير مما يجمعون. فامر بالفرح بفضله وبرحمته هي العلوم والمعارف الدينية والشرائع والاعمال التي امر العباد بسلوكها. والفرح لا يكون الا بمحبوب النفوس. بل هي من فرح اهل الدنيا واللذات والرياثات وسائر ما يتمتع به الخلق مما يجمعون. ولما ذكر شرائع الطهارة من الاحداث والاخباث التيمم والماء بين حكمته انها خير ورحمة عاجلة واجلة لا مشقة فيها. فقال تبارك وتعالى يا ايها الذين امنوا امنوا اذا قمتم الى الصلاة. اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى وان كنتم جنبا فطهروا وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احد منا فلم تجدوا ماءا فلم تجدوا ما ان فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وايديكم فيكم من ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم. وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون فعلى العباد شكر الله على ما شرعه لهم من الشرائع الظاهرة والباطنة التي يحصل بها لهم مقصودان عظيمان. التطهر من الذنوب والسيئات وتمام نعمته بالثواب والاجر والخير والدرجات. وكم ذكر الله من الايات التي شرح فيها ما في شريعته واوامره من الخير والبركة والثواب العاجل والاجل. وما فيها من دفع البلايا والشرور والمكاره الحاضرة والمستقبلة. وكل هذا اعظم عون منه لعباده على التزام شريعته والانقياد الكامل لها بطمأنينة وفرح وسرور والانقياد الكامل لها بطمأنينة وفرح وسرور. وكلما كانت معرفة العبد اكمل وايمانه اتم ظهر له من بركة هذه الشريعة وخيرها ما يوجب له ان يعلم انها اكمل منة وافضل نعمة انعم الله بها على العباد وانها اعظم ما يتنافس فيه المتنافسون. ويغتبط به المغتبطون. ومما يعين على امتثال اوامر الله واجتناب نواهيه. ما رتب على ذلك من ثواب واندفاع العقاب العاجل والاجل الديني والدنيوي والاخروي. ولهذا يذكر الله هذا المعنى في طاعته وطاعة رسوله عموما. وفي بعض الشرائع المهمة خصوصا. فمن الاول قوله تعالى واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون. فاخبر ان والخير والمنافع العاجلة والآجلة. ناشئة عن طاعته وطاعة رسوله. ونظيرها قوله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء الزكاة والذين هم باياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم وينهاهم عن المنكر ويضع عنهم اصرهم والاغلال الذين امنوا به وعذروه ونصروه واتبعوا النور الذي قيل معه اولئك هم المفلحون. فبين ان هذه الامور التي تحتوي على الشريعة كلها سيكتب الله لاهلها رحمته المتصلة بالسعادة الابدية. ان رحمة الله قريب من المحسنين. اي في عبادة الله والى عباد الله. واخبر انه يحب المؤمنين والصابرين والمتقين. وحين ذكر اوصاف المسلمين عامة في قوله ان المسلمين والمسلمات. ثم عددها ثم قال في وبهم اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما. وقال فاذا بلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف او فارقوهن بمعروف. واشهدوا ذوي عدل منكم. واقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الاخر. ومن يتق الله يجعل له ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن يتوكل على الله فهو حسبه. ان طه بالغ امره. قد جعل الله لكل شيء قدرا. واللائي يئسن من المح فعدتهن ثلاثة اشهر يضعن حملهن. ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا. ذلك امر الله انزله اليكم. ومن من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له اجرا. فهذا صريح ان القيام بفرائض وترك محارمه الذي هو التقوى سبب لتفريج الكربات. والمخارج من كل ضيق وشدة. وسبب لتيسير الامور كلها. تيسير الارزاق المتنوعة تكفير السيئات وتعظيم الاجور. فخيرات الدنيا والاخرة سببها الوحيد الذي لا سبب لها سواه. القيام بالتقوى والشريعة الدينية الى غير ذلك من الايات الكثيرة الدالة على هذا المعنى العام. ومن الثاني ما تقدم من ذكر ما يترتب على الطهارة من التطهير وتمام نعمة من الله وقوله بعد ان حث على الجهاد مع المشاق فقال ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون. وقال في على النفقات الله يعلمه. وقال سبحانه وما انفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير ومثل نفقات المجاهدين ومضاعفة اجرهم في قوله تعالى مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم. الى اخر الايات خصوصا وعلى العبادة وفعل الخير عموما. ومن ذلك ما رتبه على الحج في قوله ليشهدوا منافع لهم. وهذا يشمل المنافع الدينية والدنيا الحاضرة والمستقبلة والايات في هذه المعاني كثيرة جدا. يرغب الله العباد في العبادات عموما وخصوصا وفي ترك المحرمات بما يحصل بها من الخيرات المتنوعة. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم من احب ان ينسأ له في اثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه. متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم ينزل كل صباح ملكان يقول احدهما اللهم اعط منفقا خلفا. ويقول الاخر اللهم اعط ممسكا تلفا متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو الا عزا وما تواضع احد لله الا رفعه الحديث في الصحيح. وكذلك نصوص لا تحصى فيها ترتيب الثواب الحاضر والمؤجل على القيام بطاعة الله. امتثالا للامر واجتناب للنهي والاخبار بانه من يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. وما تقدموا لانفسكم من خير ان تجدوه عند الله هو خيرا واعظم اجرا. فكلها اعانة من الله لعباده على اعمال الخير كلها. فانه متى امن المؤمن ووثق بوعده الله وقوي طمعه في فضله هانت عليه الطاعات وهان عليه ترك المحرمات. وكثير من المؤمنين يستحلي طاعة الله لايمانه بالله وقوة محبته له وطمعه في فضله وثوابه واعتياده للطاعة ومن الامور المعينة على ذلك ما شرعه الله من المشاركة في اداء الفرائض كما شرع في الجمعة والجماعة والاعياد. وكما شرع المشاركة في صيام رمضان وفي حج بيته الحرام. وكل احد يفهم ان هذه المشاركات تخفف فرائض على العاملين وتهون مشقتها مع ما يحصل في الاجتماع من التنافس في الخيرات وقوة الرغبة التي هي اكبر الاسباب لسهولة ومن المسهلات ما شرعه الله من العقوبات والتعزيزات الشرعية على من ترك الواجبات او تجرأ على المحرمات وذلك بحسب الجرائم فالحدود رحمته من الله وزجر ومنع عن وقوع المحرمات وكثرتها. فالحدود والعقوبات الشرعية وكذلك الموانع القدرية معونة كبيرة من الله لعباده على اجتناب الجرائم. قال تعالى في الموانع القدرية ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض. فاخبر ان توفر الذات وحصول الارزاق الرغيدة لكل احد. سبب للبغي في الارض ولكن من لطفه ان ينزل بقدر ما يشاء. ومن لطفه بعبده ان محبوبات النفسية المحرمة لا يكاد يقدر عليها حفظا له وحماية. ومن لطفه انه ما من محبوب محرم الا ويوجد نظيره او ما هو اعلى منه من ليكتفي العباد بحلاله عن حرامه. ومن لطفه انه يدفع عن عبده من اسباب الفتن امورا يشعر بها وامورا لا يشعر بها. اعانة منه وكرما وحفظا. فكم صرف عن العبد امورا يسعى لتحصيلها ويرى حظه في حصولها. والله تعالى قد صرف عنه ما يضره. قال تعالى وعسى تحبوا شيئا وهو شر لكم. والله يعلم وانتم لا تعلمون ومن انواع الاعانات ان الله يوقع العبد في الحاجات والضرورات لتضطره الاحوال للالتجاء الى الله. والاقبال على طاعته وكثرة ذكره ودعائه. وقد لك في امر وحاجة وضرورة كانت سببا لصلاح دينك. ومن اعانته لعبده في القيام بواجباته الحياء الذي اختص به الادمي. ان الحياء خلق جعله الله في العبد يمنعه من كثير من الجرائم ويحمله على اداء الحقوق التي لله والتي للعباد. ولهذا كان الحياء شعبة من شعب الايمان وكان الحياء لا يأتي الا بخير. وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى اذا لم فافعل ما شئت. اخبر صلى الله عليه وسلم ان هذا مما اتفق عليه الرسل. وان الله وضعه في العباد رحمة بهم. ليزعهم عن المنكرات والفواحش وان من نزع منه الحياء لم يبالي بما صنع وهو نوعان حياء من الله وحياء من الخلق. ومن تم له الامران تمت اموره ومن فقد الامرين اخلاقه بالكلية كما ان منعه للعبد محبوباته قد يكون سببا باعثا له على الخير. حاجزا له عن الشر. كذلك اعطاؤه لعبده ما يحبهم من صحة وعافية وسعة رزق وولد وتوابع ذلك. قد يكون اكبر باعث له على الخير والقيام بالواجبات. وخصوصا اصحاب النفوس الابية والهجرة الهمم العالية فانهم كلما توفرت عليهم النعم ازداد شكرهم ورأوها من اكبر الفرص واعظم الغنائم لاغتنام الخيرات بهذه النعم التي من ان تكون زادا للعبد الى السعادة الابدية. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ فاكثر الناس فوتوا هذه النعم فيما لا يجدي عليهم الا الندم والخسارة. والقليل منهم هم الاعظمون عند الله قدرا لم يغبنوا فيها. بل فيما يعود عليهم بالنفع والسعادة والفلاح. فتبارك من ينعم بالعطاء والمنع والوجود والفقد. عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له. وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وليس ذلك لاحد الا للمؤمن. ومن اعظم عنايته ان يوفقه لقوة التوكل عليه. فان من توكل عليه كفاه وسهل عليه امور دينه ودنياه. فمتى ايد العبد بقوة التوكل ورزق صبرا اعانه الله على كل مطلوب. والله الموفق. ومن اعظم الرحمة والاعانة ترجيح جانب الفضل والمجازاة على الحسنات. على جانب العدل والمجازاة جعل السيئات ترجيحا عظيما. ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله كتب الحسنات والسيئات. فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة. ان عملها كتبها الله عنده عشر حسنات الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة. ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله وهو عنده حسنة كاملة فان عملها كتبها سيئة واحدة. وقال صلى الله عليه وسلم من مرض او سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا ونزل من نوى الخير وعمل ما يقدر عليه منه بمنزلة الفاعل له. قال تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا يدركه الموت فقد وقع اجره على الله وجعل اثار الاعمال التي تعمل بسبب دعاية العبد. او بداعي الاقتداء به جعلها من الاعمال التي تكتب للعبد في حياته وبعد مماته. قال تعالى انا نحن نحيي الموتى ونتوب ما قدموا واثارهم. وقال صلى الله عليه وسلم اذا مات العبد انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به من بعده او ولد صالح يدعو له. هذه النعم والمضاعفات من المولى الكريم التي لا يدركها العبد بعمله ومباشرته من اكبر العون منه لعباده على التزود من الخيرات واغتنام الفرص فيها وخفتها على العاملين كذلك من لطفه ان من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه في الدنيا والاخرة. ومن ترك شيئا لله لم يجد فقده وجعل تعالى كثيرا من النافعة المباحة استغني بها المؤمن عن الامور المحرمة ويسهل عليه جدا ترك المحرمات لدواع كثيرة داعي الايمان وداعي الخوف من الله وخوف العقوبات المتنوعة وداعي الرغبة في حصول الخيرات والثواب المترتب على ترك المعاصي. ودعي الحياء من الله ومن خلقه وداعي المحبة الى الله وداعي صرف الشهوات والهوى والغضب الى الامور التي اباحها الله وامر بها. ثم الاعانة الربانية والتسهيلات والتيسير منه على عبده وحفظه الخاص والطافه المتنوعة لها اعظم الواقع واعظم النفع في التوجيه الى فعل الخيرات وترك المنكرات فلا يهلك بعد ذلك على الله الا الفاسقون الذين دعوا الى الرحمة فشردوا ونهجت لهم الطرق الواضحة فنكبوا عنها وتمردوا. كم لله تعالى على العباد من نعم وكم له من التخفيفات المتنوعة على الاقوياء والضعاف؟ وكم اقام الموانع والحواجز القوية عن اقتحام المحرمات؟ كم سهلت تسهيلات الداخلية والخارجية لنيل الخيرات والوصول الى الكرامات فسحقا وبعدا للمعرضين والمعارضين. ويا ويح الغافلين والمتجرئين والظالمين. ويسعى سعادة المقبلين على محبوبهم. ويا نجاحهم وفلاحهم بنيل مرادهم ومطلوبهم. لقد فازوا بالغنائم الرابحة. ولقد اغتبطوا في الحياة الطيبة في الدنيا والاخرة. تبارك الله ما اعظم التفاوت بين العباد. وما اشد التباين بينهم في هذه الدنيا ويوم يقوم الاشهاد. هذا قلبهما من الاخلاص والصدق واليقين. وسعيه كله فيما يقربه الى رب العالمين. قد عرف الحق فاتبعه وعرف الباطل فاجتنبه. هذا قلب متعلق بالشهوات البهيمية ولم يكن له من الخير رغبة بالكلية. اعرض عن النافع واقبل على الضار ولم يبالي بالعواقب الوخيمة والخزي والخسار عند الغاية يتبين الفرق بين الفريقين. فريق في الجنة وفريق في السعير. قال سبحانه ويوم تقوم ساعة يومئذ يتفرقون. فاما الذين امنوا وعملوا الصالحات فهم واما الذين كفروا وكذبوا باياتنا لقاء الاخرة. فاولئك في العذاب محضرون. الفصل الحادي والعشرون في دلالة الكتاب والسنة على الفنون والمخترعات العصرية. قال تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء. وقال تعالى تبيانا لكل شيء وقال تعالى والله خلقكم وما تعملون. وقال سبحانه علم الانسان ما لم يعلم. وقال تعالى هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا. وقال عز وجل وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض. وقال سبحانه ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار. وقال تعالى وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس. وقال عز وجل والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة. ويخلق ما لا تعلمون. الى غير ذلك من النصوص الدالة على هذا الاصل. اعلم ان علوم بشري السابقة واللاحقة وما يترتب عليها من المعارف والاعمال والنتائج والثمرات نوعان علوم دينية وعلوم دنيوية كل رقي ديني ودنيوي واخلاقي وجسدي فانه من ثمرات العلوم. ولكن الرقي يتفاوت تفاوتا عظيما. فاعظم انواع رقي واعلاها واصلحها واكملها اذا اتفق العلمان المذكوران واتفقت اثارهما وتعاونا على الخيرات كلها وعلى زوال كلها وكلها متفاوتات متساعدات يؤازر بعضها بعضا ويهذب بعضها بعضا. فمن تأمل هذا القرآن العظيم وهدي النبي الكريم وخلفائه واصحابه عرف انه بين النوعين وحث عليهما ودعا اليهما. واخبر ان النجاح والفلاح والسعادة والهناء عليهما وانه يساير الاوقات والعصور والاحوال كلها. ويطبق تعاليمه العالية على جميع ما حدث ويحدث ويستجد مهما كان وان كل علم ومعرفة واثار ونتائج مهما عظمت وترقت اذا لم تكن مبنية على الدين فانها ناقصة نقصا عظيما. وان اعظم من خيرها. بل تكون خيراتها سببا لشرور عظيمة كما هو معروف للناظرين. وقد اخبر في هذه الايات انه خلق لنا جميع ما في الارض وسخره لنا لنستمتع به وننتفع. وانه خلقنا وخلق اعمالنا بما يسر وسخر لنا من الاسباب. وانه علم كان ما لم يعلم وان الانسان جعله الله قابلا لتعلم العلوم التي جاءت بها الكتب السماوية ودعت اليها الرسل وللعلوم الكونية التي نبأ عليها القرآن في عدة ايات. وقد امتن على الانسان بهذا التعليم وظهور اثاره ونتائجه. وامره بسلوك كل طريق لتحصيل هذه المنافع هذا العموم والشمول في هذه الايات يأتي على جميع الفنون والعلوم العصرية وما ينشأ من هذه الفنون من المخترعات الهائلة وما يترتب عليها من من المنافع الحاصلة وكلها من نعم الله. فان الله تعالى هو الذي علم الانسان بالاسباب التي حصل له فيها العلم. كما انه هو الذي رزقه بالاسباب التي جعل الله رزقه فيها هو الذي جعل في الارض المنافع المتنوعة هو الذي يسر الاسباب التي تدرك بها هذه المنافع. وامرهم بالتفكر التدبر والتأمل الذي يوصلهم اليها ويهديهم الى كيفية استخراجها. وربط البشر بعضهم ببعض في علومهم ومعارفهم في اثارها نتائجها. وجعل تعالى هذا الارتباط المتنوع من اقوى الاسباب التي يدركون فيها كل مقدور للبشر. وكل ما هو في امكانهم. هم في هذه الحالة بين امرين اما ان يستعينوا بهذه النعم على شكر المنعم وعلى القيام بحقوقه وحقوق سائر النوع الانساني. بل على القيام بحقوق المخلوقات على العدل والرحمة والحكمة والصلاح والسعادة الحاضرة والمستقبلة. ان فعلوا ذلك لم يزالوا في صعود الى الخيرات وسلامة من جميع والمهلكات تمت عليهم النعمة وامكنهم ان يحيوا حياة طيبة سعيدة هنيئة. بهذا امر القرآن ولهذا دعا القرآن وارشد العباد حذرهم من ضده هو انهم ان اشتغلوا بالنعم عن المنعم وجعلوا هذه النعم غاية مطلوبهم ونهاية مرادهم ولم يقوموا بحقوق المنعم حنوا بها على الخلق بالرحمة والعدل. كانت وبالا عليهم وضررا لازما. وصارت الات ووسائل للهلاك والدمار والشقاء. ولم يمكنهم ان يعيشوا في هذه الدنيا عيشة هنيئة بل عيشة شقاء وتنقل من شرور الى شرور كما هو مشاهد لكل احد. اخبر تعالى في هذه الايات انه سخط لنا جميع الاحوال الكونية لننتفع بها في ديننا ودنيانا ولنعتبر بها على ما اخبر به من امور الغيب. ومن لوازم هذا التسخير انه لابد ان ييسر للبشر علوما واعمالا والات يدركون بها منافعهم. وهذه الايات فيها اكبر شاهد ودلالة على ان في الارض قوى ومنافع وخزائن ما زال البشر يدركونها ويحصلونها شيئا بعد شيء. كل ما تم للبشر من المخترعات والمستخرجات. انه داخل في هذه الايات انه اخبر ان جميع منافعها مسخرة مستعدة للانتاج اذا سلكوا طرقها. وان منها ما كان موجودا في الازمنة الغابرة ومنها شيء سيحدث ويستخرج بعد ذلك وهو في قوله تعالى ويخلق ما لا تعلمون. انه جاء بهذه الصيغة الدالة على الاستقبال وانه سيخلق في مستقبل الزمان بتعليم الخلق واهدارهم وتمكينهم من الاسباب المتنوعة. الا يعلمه العباد في ذلك الوقت ولم يعين هذه الاشياء باعيانها واوصافها. بل اخبر وباللوازم الدالة على الملزوم لحكمة يفهمها كل متدبر متأمل فانه لو اخبرهم في ذلك الوقت باوصافها وقال لهم انها ستكون والمراكب البخارية بانواعها. ان الناس في مشارق الارض ومغاربها في اسرع من لمح البصر. انه سيكون كذا وكذا ما هو واقع ولا يزال يقع لو اخبرهم ببعض ذلك لارتاب الناس من خبره. ولكان ذلك داعيا الى التكذيب. لان الناس لا يصدقون بامر لم يشاهد له نظيرا. انظر لما اخبرهم بالاسراء والمعراج والشجرة الملعونة في القرآن. كيف كان ذلك فتنة للمكذبين؟ مع ان معجزات الانبياء قد لعرف الناس انها من خوارق العادات انها تقع على خلاف المعهود. فكيف لو اخبرهم بما حدث ويحدث في هذه الاوقات؟ ولكن ولله الحمد قال تعالى بنصوص متعددة باخبارات عامة وبلاوازم تدل على جميع ما حدث ويحدث. وكل المخترعات وان عظمت يسهل جدا تطبيق النصوص عليها واذا وجدت ظهر بها معجزة القرآن حيث اخبر بامور ولوازم لها ملزومات من ابعد الاشياء في عقول الخلق ثم وقعت طبق ما اخبر فازداد المؤمنون بها ايمانا بالله ورسوله. وازداد المكذبون اعراضا ونفورا وتمردا. قال تعالى ان الذين لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب وقال سبحانه تاصرف عن اياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق وكما ان الارض محتوية على منافع عظيمة سخرها الله للادميين. كذلك اخبر ان الحديد فيه منافع للناس. ولم يقل المنفعة الفلانية والفلانية يشمل جميع المنافع التي تخدم بالحديد سابقا ولاحقا. فكل منفعة استخرجت من الارض او من الحديد منفردة او مقرونة بغيرها او مساعدة لغيرها من الاسباب فانها داخلة في هذه الايات. كل تعليم حصل للبشر في العلوم الدينية والدنيوية والكونية فانه داخل في قوله تعالى علم الانسان ما لم يعلم. فلا يمكن ان يشذ عن هذه المعلومات شيء من العلوم والفنون والمنافع والمخترعات والمستخرجات والنتائج والثمرات وكلها من الله بما يسر للعباد من الوسائل التي يدركونها بها. فمن الذي علمهم ومن الذي اقدرهم عليها؟ ومن الذي جعل فيها القوة والمناعة الكامنة وهداهم الى استخراجها الا الله تعالى. كما انه هو الذي يحيي ويميت ويرزق الخلائق ويدبر انواع التدابير بما خلق. ويسر من الاسباب الموصلة الى هذه الامور. ولكن الجاحد قاصر النظر يقف عند الاسباب ولا يتجاوزها الى مسببها ومقدرها والمنعم ومن ذلك قوله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي بين لهم انه الحق. فهذا خبره تعالى عن امور مستقبلة انه يري عباده من الايات والبراهين في الافاق في الانفس ما تدلهم على ان القرآن حق والرسول حقا وما جاء به هو الحق. وقد اراهم من اثار تعليم الله لهم واقداره لهم تيسيره للاسباب المتنوعة في الافاق وفي انفسهم ما يتبين به لكل منصف ان خبر الله وخبر رسله حقا فان المكذبين يستبعدون خبر الله وخبر رسله عن التي لا تدركها عقولهم وافهامهم القاصرة فاراهم في هذه الاوقات امورا فيها الدلالة الواضحة على ذلك فانه الذي اقدر الادمي الذي خرج من بطن امه لا يعلم شيئا فعلمه واقدره ويسر له الاسباب التي تنتج له الاعمال الباهرة بعدما كانت هذه الامور من الالات عندهم ذلك برهان على صدقه وصدق رسله. وقد كان المكذبون يستبعدون احياؤه الموتى وجمعهم ليوم لا ريب فيه. ولا يصدقون بالاسلام ومعراج الرسول ولا بانه تعالى ينادي الخلق بصوت يسمعه القريب والبعيد. وينكرون التخاطب بين اهل الجنة والنار مع البعد مع ان امور الغيب مخالفة لامور الشهادة فاراهم الله في الافاق وفي انفسهم من مخترعاتهم وعلومهم وفنونهم من المراكب الهوائية والبحرية والبرية باصنافها. ومن المخترعات الجهنمية ومن المخاطبات المتنوعة بين اهل الاقطار. ما يدلهم على ان الله هو الحق ورسوله له ودينه ووعده ووعيده. ولكن ابى الظالمون الا نفورا واستكبارا. والحديث الثابت صحيح صريح في هذا فانه اخبر صلى الله عليه وسلم انه يتقارب الزمان وظهر مصداقه في هذه الاوقات بقرب المواصلات واتصال الاخبار بجميع اهل الاطار حتى كأن الدنيا كلها بلد واحد من تقارب ما بينها وتقارب الزمان يلزم منه تقارب المكان. وقد كان هذا الحديث مشكلا معناه على اهل العلم قبل هذا الوقت. فلما تم للبشر ما تم لهم من هذا التقارب الباهر لم يشك احد في ان هذا مراد الحديث وان من لوازم اخباره صلى الله عليه وسلم الاخبار بوجود الاسباب المتنوعة التي يحصل بها التقريب بان اخبار الشارع بالشيء اخبار به وبما لا يتم الا به. كما ان امره بالشيء امر به وبما لا يتم الا والوسائل لها احكام المقاصد كذلك اخباره بانها لا تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب مروجا وانهارا. والحديث في صحيح مسلم من ذا الذي يخطر بباله قبل هذه الاوقات ان هذه الجزيرة القاحلة تكون على هذا الوصف حتى ظهر مصداق ذلك ومباديه بتيسير امور الحراثة اخراج المياه بالالات الحديثة فخبره بذلك خبر عن الامرين عما يقع عما به يقع عن الجزيرة انها ستكون مروجا وانهارا. وعن هو امر بتعلم العلوم والفنون العصرية التي فيها التحصن من الاعداء والحذر منهم واعداد القوة بحسب الاستطاعة والامر بالشيء امر به وبما لا يتم الا به. فلا ريب ان هذا امر بتعليم الصناعات والمخترعات ولكل ما يحصل به اعداد القوة المرهبة للاعداء من القوة المالية الدية والمعنوية فمن ظن انها لا تدخل فيها فلقصور علمه وعقله. ولهذا اطلق الله في الايتين اعداد القوة والاخذ بالحذر ليشمل كل ما به هذا الامر الضروري النافع. بل جميع الاوامر التي يأمر الله فيها بدفع عدوان الاعداء ومقاوماتهم بكل طريق تدل على وجوب تعليم الفنون الحربية والصناعية وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب وذلك داخل في الجهاد. جهاد المقاومة وجهاد المدافعة. ومن ذلك اخبار بانهم من كل حدب ينسلون. الحدب الموضع المرتفع والنسلان الاسراع. فاذا اخبر انهم من كل حدب اي مكان مرتفع ومنخفض ان الاخبار بالمرتفعات الصعبة المتعسرة يدل من باب اولى واحرى ان السهول كذلك. وهذا دليل على امرين عظيمين احدهما الاخبار بقرب المواصلات فان كل حدب من ادوات العموم وان هذا الحديث سيشمل جميع الاطار في غاية ما يكون من السرعة. والثاني الاخبار بحدوث ما به يحصل هذا مصراع الشامل لكل حدب وهو هذه المخترعات الحديثة فان الاخبار باللازم اخبار بالملزوم وبالعتل والاخبار بالشيء اخبار بالوسائل والاسباب توصل اليه وهذا واضح. الاسباب تدل على المقاصد والمقاصد يعرف بها حصول الوسائل. ومن ذلك امتنانه على العباد بما يسره لهم من البحرية وانها من اكبر نعمه التي تحملهم وتحمل اثقالهم وامتعتهم. ويحصل فيها تبادل المنافع المتعددة. ذلك يدل دلالة واضحة ان الصناعات التي يحصل بها هذا الجنس النافع بل الضروري الذي نفع العباد في امور دينهم ودنياهم ان تعلمها مما يحبه الله مما يأمر به وهنا ايات كثيرة في هذا. ولكن هنا اية تشاركها في هذا المقصد تمتاز عنها بشمولها لجميع اصناف الفلك البحرية والبرية والهوائية هي قوله تعالى واية لهم انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون اي اية للعباد على كمال قدرة الله وتفرده بالوحدانية وسعة رحمته وصدق رسله. انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون فانه لما كان القرآن خطابا لاول هذه الامة واخرها. القرآن اوسع المعاني واشملها. وقد علم الباري جل وعلا بعلمه المحيط ان الفلك المتنوعة من بحرية ومن قطارات وسيارات برية ومن طائرات هوائية بجميع انواعها. علم تعالى انها تتسع جدا في اخر الزمان. وانه لا يدركها هؤلاء المخاطبون اولا انما تدركها ذرياتهم. قال ذريتهم فانه لما كان جنس الفلك موجودا وهي السفن التي يعرفون صرح به كما صرح بما كان اصله موجودا في ذلك الوقت. ولكن الصناعة رقته ونوعته وفرعته. هذا التفسير في هذه الاية نظير التفسير الذي اشرنا اليه في قوله صلى الله عليه وسلم يتقارب الزمان وان اهل العلم قبل وقوعه تضاربت اقوالهم فيه بمحتملات بعيدة. كذلك هذه الاية الكريمة فسروا الذرية بوجوه بعيدة عن اللفظ والمعنى. حتى حملها كثير من المفسرين على ان المراد بالذرية الاباء والاجداد انه من الاضاد وهذا لا يعرف في اللغة ولكن ولله الحمد القرآن عربي اللفظ والمعنى صريح فيما ذكرنا. وان الله اذا ذكر المعاني الجليلة ذكر اوسعها واعلاها واشملها. وقد يذكر الله قصة خاصة فاذا اراد ان يحكم عليها ذكر حكما عاما يشملها ويشمل ما هو نظيرها. كما ذكرنا هذا في القواعد القرآنية وذكرنا امثلته هناك. المقصود ان الاية الكريمة تشمل النعمة بجميع الفلك على اختلاف انواعه البري والبحري هوائي وهذا متضمن للحث على الوسائل التي تدرك بها هذه الاشياء وذلك بالتعلم للفنون والصناعات العصرية انه لا وسيلة لها سوى ذلك هو معروف لكل احد فصله. ومن ذلك امره تعالى بفعل الاسباب التي تحصل فيها الارزاق من تجارات وصناعات وحراثات وحرف وغيرها امتنانه على العباد بتيسيرها والاستعانة بها على طاعة الله والقيام بالواجبات المتعددة. كقوله تعالى حين امر بالسعي الى الجمعة وتقديمها على من المكاسب التي هي وسائل لها ولغيرها من الفروض. فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله اي ببيع وشراء وصناعة وحراسة وغيرها من اسباب الرزق. وقال تعالى وكلوا من رزقه واليه النشور. اي جعلها مدللة لاسفاركم. مدللة لحوثكم مذللة لاستخراج معادنكم المتنوعة مهيئة لكل ما تحتاجونه منها فامشوا في مناكبها اي في طلب الرزق والسعي في تحصيله وذلك يشمل جميع التي ينال بها الرزق في جميع الاقتصاديات التي اباحها الله ورسوله التي كانت موجودة في ذلك الزمان والتي لا تزال تحدث اسبابها شيئا بعد شيء وينفتح للعباد من اسباب الرزق وطرقه. امور لم تكن موجودة قبل ذلك. فعلمها وتعلمها وسلوك طرقها مما امر الله به حتى انه تعالى امر الناس ان يحجروا على سفهائهم في اموالهم الخاصة عن التصرفات الضارة لقصر عقولهم ومعارفهم وتجاربهم حتى يعلموهم ويختبروهم بالتجربة التي هي الطريق لمعرفة احوالهم. وهذا يدل على ان الله يحب من عباده هذا الامر ويأمرهم به. ولهذا عل كذلك بقوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما. فاخبر تعالى انه جعلها قياما تقوم بها الامور الدينية والامور الدنيوية تقوم بها الضروريات والحاجيات والكماليات. فقد علمنا ربنا العناية التامة بحفظ الاموال والاقتصاد في انفاقها علمنا كيف نسلك الطرق المتنوعة لتحصيلها ولم يحرم علينا منها طريقا واحدا الا الطرق المحرمة التي تضرنا وتكون سببا لهلاك فمن هذه نعمته الكبرى على العباد ورحمته بهم. اليس يدل سبحانه على ان تعلم الفنون الاقتصادية الخاصة بالافراد والعامة للحكومات الاطار التي تنال بها الارزاق مما يحبه الله ويرضاه ويأمر به ويوجبه. فهل شذ عن هذا الاصل فن وطريق او وسيلة من وسائل الرزق فتبارك الرزاق الحكيم الذي من حكمته جعل الارزاق وغيرها تنال باسبابها. ومن حكمته ان جعل لكل نوع منها اناسا فيه وله يعملون لتقوم المصالح كلها ويرتبط الناس بعضهم ببعض. فاهل التجارات واهل الصناعات واهل المهن والحرف واهل الحراثات كل منهم محتاج الى الاخر لا يستغني احد منهم عن احد بل اهل الاقطار النائية لما توسعت اسباب المكاسب اضطر بعضهم الى بعض فتحت طرق كثيرة لتحصيل الرزق. والكل من فضل الله وتيسيره ورزقه واحسانه. ثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ان اطيب ما اكلتم من كسبكم وهذا يشمل المكاسب كلها. وسئل اي الكسب اطيب؟ فقال صلى الله عليه وسلم عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور. وقال صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يغرس غرسا او يزرع زرعا فيصيب منه انسان او طير او دابة الا كان له به حسنات. وقد حث صلى الله عليه وسلم في عدة احاديث على التكسب والاستغناء به عن مسألة الناس وسؤالهم. والواجبات الدينية من الزكوات والكفارات ودفع الحاجات والوجب الدينية من الزكوات والكفارات ودفع الحاجات والضرورات لا تقوم الا بالاموال. وكذلك الجهاد والمصالح الكلية والنفقات على النفس سوى العائلة والمماليك والصدقات المتنوعة كلها لا تقوم الا بالاموال والاموال لا تحصل الا بالكسب. علم ان السعي في تحصيل هذه الامور تبع لها ما كان منها واجب فوسيلته واجبة. وما كان منها مندوب فوسيلته مندوبة. الفصل الثاني والعشرون بان النظم فيها صلاح الاحوال كلها. من اكبر الاغلاط واعظم الاخطاء تمداد الحكومات الاسلامية والجماعات والافراد نظمهم وقوانينهم المتنوعة من النظم الاجنبية وهي في غاية الخلل والنقص وتركهم لاستمداد من دينهم. وفيه الكمال والتكميل ودفع الشر والفساد. ما بقي من الاسلام لا اسمه ورسمه. نتسمى باننا مسلمون ونترك مقومات ديننا واسسه واعماله. ونذهب نستمدها من الاجانب. سبب ذلك الجهل الكبير بالدين واحسان الظن بالاجانب. ومشاهدة ما عليه المسلمون الان من الاختلال والضعف في جميع مواد الحياة الروحية والمادية. نشأ عن ذلك كله توجيه الوجوه الى الاستمداد من الاجانب. فلم نزد بذلك الا ضعفا وخللا وفسادا وضررا. والا فلو علمنا حق العلم ان في ديننا ما تشتهيه الانفس تمتد اليه الاعناق من المبادئ الراقية والاخلاق العالية والنظم العادلة والاسس الكاملة. لعلمنا ان البشر كلهم مفتقرون غاية الى ان يأوا الى ظله الظليل الواقي من الشر الطويل. فاي مبدأ واصل وعمل نافع للبشر الا ودين الاسلام قد تكفل به يتضمن محظورا من اسقاط واجب او دخول في محرم. اربعة وعشرون من سبق الى المباحات فهو احق بها. خمسة وعشرون القرعة مشروعة اذا تعذر معرفة عين المستحقة. ستة وعشرون قبول قول الامناء في الذي تحت ايديهم من المليء القادر على تيسير الحياة التامة على قواعده واسسه. وفيه حل المشكلات الحربية والاقتصادية وجميع مشاكل الحياة التي لا تعيش الامم عيشة سعيدة بدون حلها. اليست عقائده اصح العقائد واصلحها للقلوب ولا تصلح القلوب الا بها. فهل اصح وانفع واعظم براهين من الاعتقاد اليقيني الصحيح وان نعلم علما يقينيا ان لنا ربا عظيما تتضاءل عظمة المخلوقات كلها في عظمته وكبريائه. له الاسماء الحسنى العليا قدير على كل شيء عليم بكل شيء لا يعجزه شيء ولا تخفى عليه خافية في الارض ولا في السماء. رحيم وسعت رحمته كل شيء وملأ اقطار العالم العلوي حكيم في كل ما خلقه وفي كل ما شرعه. قد احسن ما خلق واحكم ما شرع. يجيب الداعين ويفرج كرب المكروبين ويكشف هم المهمومين. ومن توكل عليه كفاه. ومن اناب اليه وتقرب اليه قربه وادناه. ومن اوى اليه اواه لا يأتي بالخير والحسنات الا هو ولا يكشف السوء والضر الا هو. يتودد الى عباده بكل طريق. ويهديهم اليه كل سبيل. لا يخرج عن خيره وكرامته وجوده الا المتمردون. فهل تصح القلوب والارواح الا بالتأله والتعبد لمن هذا شأنه. فمن يشارك الله في شيء من هذه الشؤون التي يختص بها كذلك الاخلاق لا يهدي هذا الدين الا لاحسنها. فهل ترى من خلة كمال الا امر بها ولا خصلة نفع الا حث عليها ولا خير الا دل ولا شر الا حذر منه. اما حث على الصدق والعدل في الاقوال والافعال؟ اما امر بالاخلاص لله في كل الاحوال؟ اما حث على الاحسان المتنوع في المخلوقات اما امر بنصر المظلومين واغاثة الملهوفين وازالة الضر عن المضطرين. اما رغب في حسن الخلق في كل طريق مع القريب والبعيد والعدو والصديق. فقال ادفع بالتي هي احسن. فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم. اما نهى عن الكذب والفحش والخيانات وحث على رعاية الشهادات والامانات. اما حذر من ظلم الناس في الدماء والاموال والاعراض فما من خلق فاضل الا امر ولا خلق رذيل ساقط الا نهى عنه. ولذلك كانت القاعدة الكبرى لهذا الدين رعاية المصالح كلها ودفع المفاسد. ثم اذا نظرنا مسايرته للحياة ومجاراة الامم. فاذا فيه جميع النظم النافعة والنظم الواقية اليس فيه الامر بطلب الارزاق من جميع طرقها النافعة المباحة من تجارات وصناعات وزراعات واعمال متنوعة. فلم يمنع سببا من الاسباب النافعة بوجه من الوجوه. انما منع المعاملات الضارة هي التي تحتوي على ظلم او ضرر او قمار ومن محاسنه تحريمه هذه الانواع التي لا تخفى مفاسدها واضرارها. اليس فيه الامر باخذ الحذر من الاعداء وتوقي شرورهم بكل وسيلة اليس فيه الامر باعداد العدة للاعداء بحسب الزمان والمكان والاستطاعة. اليس يحث على الاجتماع والائتلاف الذي هو الركن الاصيل للتعاون والتكافل على المصالح ومنافع الدين والدنيا والنهي عما يضاده من الافتراق. اليس فيه تعيين القيام بما بانت مصلحته ظهرت منفعته الامر بالمشاورة فيما تشابهت فيه المسالك اليس فيه الارشاد في جميع طرق العدل والرحمة المتنوعة والحث على تنفيذها في حق جميع الخلق اليس فيه الحث على وفاء العقود والعهود والمعاملات الكبيرة والصغيرة التي بها قوام العباد؟ اليس فيه الاخذ على ايدي السفهاء والمجرمين بحسب ما يناسب جرائمهم ردعهم بالعقوبات والحدود المانعة والمخففة للجرائم. فاي مصلحة تخرج عن ارشادات هذا الدين. وهل من واساس فيه الخير والصلاح. الا وقد ارشد اليه الدين. لا فرق بين ديني ودنيوي. وجملة ذلك ان هذا الدين بين الله فيه للعباد انه خلقهم لعبادته الجامعة لمعرفته. التقرب اليه بكل قول او عمل او مال او منفعة. وخلق لهم ما في الكون ممهدا مسخرا لجميع في مصالحهم وامرهم ان يستخلصوا هذه النعم بكل طريق ووسيلة تمكنهم منها وان يستعينوا بها على طاعة المنعم فهل اوضع واظلم اجهل ممن اعرض عن هذا الدين الذي هو الغاية والنهاية في الكمال. وهو المطلب الاعلى لاولي العقول والالباب. ثم ذهب يستمد الهدى والنفع من غيره وهو يدعي انه مسلم فقد زاده هذا الاستمداد غيا وضلالا. ومن احتج بما يرى من حالة المسلمين وتأخرهم عن مجاراة الامم مراتب الحياة فقد ظلم باحتجاجه فان المسلمين لم يقوموا بما دعا اليه الدين ولم يحكموه في امورهم الدينية والدنيوية ونبذوا مقومات دينهم وروحه واكتفوا بالاسم عن المسمى وباللفظ عن المعنى وبالرسوم عن الحقائق. والواجب ان ينظر الى تعاليم الدين وتوجيهاته واصوله ومقاصده ودعواته لجميع البشر الى ما فيه خيرهم المتنوع. ولهذا كان المنصفون من الاجانب على ما هم عليه يعترفون بكماله. وانه لا سبيل الى للشرور عن العالم الا بالاخذ بتعاليمه واخلاقه وارشاده. وكما ان الدين هو الصلة الحقيقية بين العباد وبين ربهم به اليه يتقربون ويتحببون وبه يغدق عليهم خير الدنيا والاخرة. فانه الصلة بين العباد بعضهم لبعض. تقوم به حياتهم وتنحل به مشكلاتهم السياسية والاقتصادية والمالية فكل حل بغيره فان ضرره اكثر من نفعه وشره اعظم من خيره. فان فرض اصلاح بعض المشكلات ببعض نظمي اصلاحا حقيقيا. فتأمل ذلك الحل. فلابد ان تجده مستندا الى الدين. لان الدين يهدي للتي هي اقوم. كلمة عامة جامعة لا تبصر شيئا. والواقع يشهد بذلك. وبالدين يتم النشاط الحيوي. ويستمد كل واحد من الاخر مادة الدين ومادة الحياة. لا كما يزعمه المنكر والمغرورون المأجورون انه مخدر مؤخر لمواد الحياة. لقد والله كذبوا اشنع الكذب واوقحه. فاي مادة من مواد الحياة او وقفها او لم يبلغ فيها نهاية ما يدركه البشر فليأتوا بمثال واحد من الدين لا بالتمثيل باحوال من ينتسب للدين وهو منه ان كانوا صادقين. فان قيل اليست الاديان الصحيحة كلها من رب العالمين؟ فما بال دين المسيح روحه وحقيقته هو الصلة فقط بين العبد وبين ربه وليس فيه التعرض الى امور مواد الحياة الحاضرة ونظمها. مع ان الله واسع الرحمة. الجواب عن هذا سهل لمن عرف كيف نشأ الدين المسيحي بظروف فيها المادة اليهودية وبنو اسرائيل طائفة قليلة وجزء يسير بالنسبة الى دولة الرومان. ذات النظم الارضية فالامة الاسرائيلية قليلة المدة يسيرة لان دين المسيح مؤقت الى مجيء الدين الكامل الشامل لعموم الخلق وعموم المصالح. كما ان محمدا صلى الله عليه وسلم بعث الى الخلق كلهم انسهم وجنهم. فكذلك تكفل دينه باصلاح الخلق اصلاحا روحيا وماديا. تعالى بكل واحد على الاخر وبه تم الكمال وحصل وكما تولى تهذيب القلوب والارواح. فقد تولى تهذيب الحياة. وضمن لمن قام به الحياة الطيبة من كل وجه. ومن وجه واحد او وجوه وهذا من كمال حكمة الله ومن شمول رحمة الله وهو الحكيم الرحيم. ومن الادلة على هذا ان الله قد يجمع في موضع واحد من كتابه بين ذات المحضة وبين امور المعاش والنظم الاجتماعية. كما قال تعالى فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا. واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله ثم قال تعالى بعد ايات واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ترهبون به عدو الله وعدوكم. وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. الا ترى كيف جمع بين الامر بذكر الله وبالصبر والثبات؟ وبالقوة المعنوية بالاجتماع وعدم التنازع وبالقوة المادية بقوله واعدوا لهم ما استطعتم من قوة فانه يشمل الامرين كما امر في اية الجمعة بالاقبال على الصلاة والذكر في وجوب السعي الى الجمعة ثم بعدها بالانتشار لطلب الرزق. وقال صلى الله عليه وسلم ان الله امر المؤمنين بما امر به المرسلين فقال يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون وقال تعالى يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا. والايات في هذا المعنى كثيرة شرائع الدين ومعاملاته التفصيلية شاهدة بذلك وهي احسن الشرائع واحسن الاحكام والمعاملات التي بها تستقيم الاحوال وتزكوا الخصال. واعلم ان العبادات ليست مجرد الصلاة والصيام والصدقة جميع الاعمال التي يتوسل بها الى القيام بواجبات النفي والعوائل والمجتمع الانساني. كل عمل يقوم بشيء من ذلك ويعين عليه فهو وعبادة الكسب للعيال عبادة عظيمة كذلك الكتاب الذي يراد به القيام بالزكوات والكفارات والنفقات العامة والخاصة كله عبادة وكذلك التي تعين على قيام الدين وردع المعتدين من افضل العبادات. كذلك التعلم للسياسات الداخلية والخارجية. التعقل والتفكر في كل امر فيه نفع للعباد وكل ذلك من العبادات. ولم يرغب الله في امر الشورى في الامور كلها الا لتحقيق امثال هذه المقاصد العالية النافعة هذه الجمل من الكتاب والسنة كثيرة جدا. واعلم ان التطورات التي لا تزال تتجدد في الحياة والمجتمع. قد وضع لها هذا الدين الكامل قواعد وصول تمكن العارف بالدين وبالواقع من تطبيقها مهما كثرت وعظمت وتغيرت بها الاحوال. وهذا من كمال هذا الدين ومن البراهين على احاطة الباري تعالى بالجزئيات والكليات وشمول رحمته وحكمته. اما غيره من النظم والاسس وان عظمت واستحسنت فانها لا تبقى زمنا طويلا على التغيرات واختلاف التطورات لانها من صنع المخلوقين الناقصين في علمهم وحكمتهم وجميع صفاتهم لا من صنع رب العالمين. ارأيت كهذه المدنيات الضخمة الزاخرة بعلوم المادة واعمالها لو جمعوا بينها وبين رح الدين وحكموا تعاليمه الراقية الراقية الحافظة رأيت لو فعلوا ذلك اما تكون هذه المدنية الزاهرة التي يصبو اليها اولو الالباب تتم بها الحياة الهنيئة الطيبة السعيدة تحصل فيها الوقاية من النكبات المزعجة والقلاقل المفظعة. فحين فقدت الدين واعتمدت على ماديتها الجوفاء الخرقاء. جعلوا يتخبطون ويطلبون حياة سعيدة ولم يصلوا الا الى حياة الاشقياء. الحياة المهددة في كل وقت بالحروب واصناف الكروب. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم الفصل الثالث والعشرون في الجمع بين اثبات عموم القدر واثبات الاسباب. قال تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون. وقال سبحانه يدبر الامر يفصل الايات. وقال عز وجل ان كل شيء خلقناه بقلب وقال سبحانه ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره. وقال عز وجل ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا. وقال وما من في الارض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها. والايات في هذه المعاني كثيرة تدل دلالة يشهد بها الكون والواقع ان جميع الكائنات مفتقرات الى ربها في خلقها ورزقها وتدبيرها. وانه لا واسطة بينه وبين الخلق. فبارادة وقدرته العامتين الشاملتين خلق الموجودات كلها وبارادته وقدرته حفظها وبارادته وقدرته وحكمته سيرها دبرها وبعنايته ورحمته وسعة علمه اعطى كل شيء خلقه وهداه لمصالحه المتنوعة واعتنى بتدبيره الخاص وسواق الارزاق والمنابر والمصالح كلها الى مفرداته وكلياته. الكون كله بانتظامه واتساقه واحتياج بعضه الى بعض. وارتباط بعضه ببعض. تعاونه المتنبي جميعه يشهد شهادة واضحة بالقدرة والارادة التي لا يشذ عنها شيء. والحكمة التي شملت جميع الكائنات والعلم المحيط كثير من الناس ان اثبات الاسباب ينافي الايمان بالقضاء والقدر. هذا غلط فاحش جدا. وهو عائد على القدر بالابطال وهو ابطال ايضا للحكمة وكأن هذا الظان يقول ويعتقد ان الايمان بالقدر هو اعتقاد وقوع الاشياء بدون اسبابها الشرعية والقدرية. وهذا نفي للوجود لها. فان كما ذكرنا ان الله ربط الكون بعضه ببعض ونظم بعضه ببعض واوجد بعضه ببعض. فهل تقول ايها الظان جهلا ان الاولى ايجاد البناء من دون بنيان وايجاد الحبوب والثمار والزروع من دون حرث وسقي وايجاد الاولاد والنسل من دون نكاح وادخال الجنة من دون ايمان عمل صالح وادخال النار من دون كفر ومعصية. بهذا الظن والتقرير ابطلت القدر وابطلت معه الحكمة. اما علمت ان الله بحكمته وكماله قدرته جعل للمسببات اسبابا. وللمقاصد طرقا ووسائل تحصل بها. وقرر هذا في الفطر والعقول. كما قرره في الشرع. وكما نفذه وفي الواقع فانه اعطى كل شيء خلقه اللائق به. ثم هدى كل مخلوق الى ما خلق له من اصناف السعي والحركة والتصرفات المتنوعة. وبلغ امور الدنيا والاخرة على ذلك النظام البديع العجيب الذي شهد اولا لله بكمال القدرة وكمال الحكمة واشهد العبادة ثانيا ان بهذا التنظيم والتيسير والتصريف وجه العاملين الى اعمالهم ونشطهم على اشغالهم. فطالبوا الاخرة اذا علم انها لا تنال الا بالايمان والعمل الصالح ضدها جد واجتهد في تحقيق الايمان وكثرت تفاصيله النافعة واجتهد في كل علم صالح يوصله الى الاخرة واجتنب في مقابلة ذلك كفر والسوق والعصيان وبادر للتوبة من كل ما وقع منه من ذلك. وصاحب الحرث اذا علم انه لا ينال الا بحرث وسقي وملاحظة تامة جد اجتهد في كل وسيلة تنمي حراثته وتكملها وتدفع عنها الافات. وصاحب الصناعة اذا علم ان المصنوعات على اختلاف انواعها ومنافعها لا تحصل الا بتعلم الصناعة واتقانها ثم العمل بها جد في ذلك. ومن اراد حصول الاولاد او تنمية مواشيه عمل وسعى في ذلك. وهكذا جميع الامور ولهذا قال بعض المسلمين للنبي صلى الله عليه وسلم حين اخبرهم ان الامور كلها قد علمها الله وكتبها وقدرها افلا نتكل على كتابنا الاول وندع العمل. وقال صلى الله عليه وسلم اعملوا فكل ميسر لما خلق له. اما اهل الجنة فيسرون لعمل اهل الجنة انه واما اهل النار فيسرون لعمل اهل النار. وتلا قوله تعالى فاما من اعطى وتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى. واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى. فسنيسره وفي خلقه تعالى الاشياء باسبابها من الحكم والمنافع والاسرار. ما لا يدركه الوصف. وهذا من الامور الجلية والحقائق الواضحة التي فطرت الخليقة كلها حتى الحيوان البهيم عليها. الفصل الرابع والعشرون فيما جاء به الاسلام من المساواة بين ناسف الحقوق. جاء الاسلام بالمساواة الصحيحة المستقيمة التي روحها العدل والرحمة والتكافل في الحقوق. ساوى بين طبقات الخلق في العدل في كل شيء. قال تعال يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو او الوالدين او فقيرا فالله اولى بهما. وقال صلى الله عليه وسلم ان الله كتب الاحسان في كل شيء. فاذا قتلتم فاحسنوا القتلة واذا ذبحتم فاحسنوا الذبح رواه مسلم. واوجب النصح لكل احد. قال صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة وساوى بين طبقات العباد في الحقوق الواجبة عليهم تبعا لقدرتهم واستطاعتهم. قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. وقال تعالى فيق ذو سعة من سعته. ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله. لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها قال سبحانه لا يكلف الله نفسا الا وسعها. وساوى بينهم في وجوب ايتاء الحق الذي عليهم. وفي ايجاد ايصال الحق اليهم. فكل من عليه حق عليه ان يؤتيه كاملا بلا نقص ولا بخس ولا تطفيف. وكل من له حق على احد اعانه على استخراجه بكل طريق ممن هو عليه كما ساوى بين المكلفين في ايجاد العبادات وتحريم المحرمات. وكما ساوى بينهم في الفصل والثواب بحسب اعمالهم. قال تعالى من عمل صالحا من حياة طيبة. ولنجزينهم وقال سبحانه والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات وصادقين وصادقات وصابر والصابرات والخاشعين والخاشعات والخاشعين والخاشعات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا تروا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما. وساوى بينهم بالتملكات المالية بجميع طرقها ووجوهها. وبصحة التصرفات كلها واطلاقها حيث اشتركوا في العقل والرشد. وساوى بينهم بان الرضا وفي المعاملات العوضية والتبرعات والاحسان شرط لصحتها ونفوذها. وان من اكره منهم لا ينفذ له معاملة ولا يستقيم له تبرك وساوى بينهم في كل حق ديني ودنيوي. ولم يجعل لاحد منهم ميزة في نسب او حسب او مال او حسن صورة. انما الميزة والتفضيل بالمعاني العالية في التقوى وتوابعها. قال تعالى يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم. وانما التفاوت والتفاضل والتفضيل يكون باسباب من كمال الدين التفضيل بها. كما فضل الذكر على الانثى في الميراث وجعل الرجال قوامين على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض. ان الرجل عنده من الاستعدادات والتهيؤ للكمال والقوة على الاعمال ما ليس عند المرأة وعليه من الواجبات النفسية والعائلية ما حسن تفضيله على المرأة. ولهذا علل ذلك بقوله تعالى وبما انفقوا من اموالهم فشكرهم على انفاقهم على غيرهم. واعانهم على تلك النفقات بالتفضيلات المناسبة لهم. هذا كما اوجب العبادات والكفارات وغيرها على ارباب الاموال دون من ليس عنده مال. تعليقا للحكم بعلته وسببه. كما فرق بين الناس في مقدار الواجبات واجناس بحسب قدرتهم واستعدادهم. وبهذا يعرف كمال حكمة الله وشمول رحمته وحسن احكامه. قال تعالى ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون وما خالف هذه المساواة التي يتشدق بها المنحرفون بين الرجال والنساء وبين الاغنياء والفقراء فانها مادية ضارة لا يستقيم عليها دين ولا دنيا لخلوها من الدين والروح الانسانية الشريفة. ومخالفتها لسنة الله التي لا تبديل لها. ولا صلاح الا بها التي تكفل للادميين كرامتهم وشرفهم وحقوقهم الدينية والمادية. واذا اردت معرفة فساد ما خالفها فانظر الى فارهة. كيف انحلت منهم الاخلاق الجميلة تبدلوا بها الاخلاق الرذيلة. وذهبت معها الرحمة والشفقة والنصح. وكيف كانت تسير بهم الى الهلاك وهم يشعرون او لا يشعرون صاروا مستصحبين الحرية المطلقة من جميع القيود. وهي عبارة عن حرية الشهوات البهيمية والسبعية. فلم يوقفهم عنها دين ولا اخلاق ولا مصلحة عمومية بل ولا فردية فتصادمت الارادات ومرجت العقول فارتكسوا في غيهم يعمهون وفي ضلالهم يترددون. فان الله بحكمته ورحمته خلق الانسان ووضع فيه الشهوة التي تدعوه الى جميع ما تشتهيه النفس. وعند الاسترسال مع هذه القوة لا يقف عند حد اعتدال الواجب بل توقعه في فساد عريض ولكن من رحمته وضع فيه العقل الذي يميز به بين الامور النافعة التي ينبغي ايثارها والامور التي عليه اجتنابها فوقف العدل الصحيح معدلا للشهوة ومانعا لها من الاسترسال المهلك بما يشاهده من اضرار واخطار ورغب في في خير الدنيا والاخرة بمن اثر ما يدعو اليه العقل والشرع من الخير والاحتماء من الشر وتقديم الوازع الديني العقلي على الوازع البهيم بما له من الاثار الجميلة عاجلا واجلا. قال تعالى فاما من طغى واثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى. فهذا جزاء الطاغي المسترسل مع الشهوات البهيمية الداعية الى الطغيان. ثم قال تعالى وهذا جزاء من قدم خوف الله على رغباته المطلقة الضارة فراقب نفسه عن جماحها في الهوى المردي. فان الهوى يدعو صاحبه الى ترك الواجبات والمستحبات طلبا للراحة الحاضرة وايثار الكسل والى التجرؤ على المحرمات التي في النفس داع قوي اليها. اذا لم يكبح بخوف الله وخشية العقوبة فارسل به الى الطغيان فلم يتورع من محرم ولم يقم بواجب وهذا هو الهلاك الابدي. اذا خاف ربه وعلم ما عليه من الواجبات وما هو محتم عليه من ترك المحرمات. وجاهد نفسه وهواه على القيام بذلك فقد افلح وانجح. وذلك ذلك فضل الله يؤيهه من يشاء. الفصل الخامس والعشرون في ان القرآن شفاء لما في الصدور من الامراض ورحمة جالبة للخير قد اخبر الله في عدة ايات من كتابه ان القرآن شفاء من الامراض وخصوصا الامراض القلبية وانه رحمة تحصل بها الخيرات والكرامات فبه تزول المكاره وبه تحصل المحاب. اخبر بذلك في عدة مواضع وشرح كلامه المفصل لهذا الامر العام في مواقف عند كلامه على التشريع وتفصيل الاوامر والنواهي. فالامراض القلبية وشخصها وبين اضرارها ومفاسدها الكثيرة. وذكر العباد كيف يسعون في ازالتها واقتلاعها وتوجيهها الى ما ينفع ولا يضر. نذكر لهذا الاصل امثلة يتضح بها الامر. فمنها ان شح طبيعة نفسية ومرض داخلي في قوله تعالى واحضرت الانفس الشح. وان الانسان مجبول على محبة المال وانه لحب بالخير لشديد. وذلك يقتضي امساكه من كل وجه. فهذا المرض موجود في كل النفوس البشرية. متغلغل في الضمائر. ولكنه عالجه بعلاجات قوية نافعة عالجه بقوة تقهر جميع القوى النفسية اذا تمت. وهي قوة الايمان. وبين ان الايمان يدعو المؤمنين الى القيام بجميع حقوق الايمان. وخصوصا الواجبات الكبار والحقوق الضرورية كالنفقة في الزكاة والجهاد. وعلى المحتاجين على من لهم حق على الانسان. واخبر في عدة ايات ان الانفاق في حقوق الايمان الكلية الكبار. وانه لا يتم ايمان عبد حتى يؤدي الزكاة وحتى ينفق النفقات المأمور بها. وان من قوي ايمانه لا يتمادى معه خلق البخل والشح بل ياتي انفاقه تبعا منقادا داعي الايمان وهذا اقوى علاج لهذا الداء. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الصدقة برهان. اي برهان ودليل على صحة ايمان صاحبها فان الايمان محبوب ويجب تقديم هذا المحبوب على جميع محاب النفوس. فمتى تعارض الداعي الطبيعي وهو الشح الايمان عند هذا التعارض يتضح من هو المؤمن حقا. الذي يوفي كل ما عليه لا يلتفت الى شح وبخل ومحبة للمال ممن لم يصل الايمان الى قلبه وهو الذي يعبد الله على حرف. ان سلم من المعارضات ثبت على دينه. وان عارضه اي هوى يكون انحاز مع الهوى وترك الدين فهذا قد خسر الدنيا والاخرة. عالج هذا الخلق ايضا بالترغيب المتنوع في النفقات في الثواب العاجل والاجل فيه من الخلف وتنمية خلق الكرم والجود. والاجر المتضاعف الذي لا يدع المؤمن يتجارى مع بخله وشحه. ويفوت المغانم الجليلة والاثار الجميلة وايضا يرهب من عقوبات الممسكين وعواقب البخلاء المانعين. فكم حدا هذا الترغيب والترهيب الى البذل في الواجبات حبات بنفوس مطمئنة وقلوب واثقة بوعد الله. خائفة من وعيده. وقرر ذلك بذكر مآل المحسنين. وما نالوا من الخير العاجل والآجل ومآل الممسكين. وكيف كانت عواقبهم اسوأ العواقب؟ كيف زالت نعمهم ومحابهم؟ احلت بهم النقم والمكاره. ولم يزل يرغبهم في الانفاق بكل وسيلة. ويخبرهم ان من اطاع الشح وقد اطاع الشيطان الذي يعد بالفقر ويخرج من القلب الثقة بالله والرحمة بعباد الله وان من انفق فقد اطاع الله وحصلت له المغفرة الشاملة والرحمة العامة والفضل والخلف العاجل والبركة في الرزق ولم يزل يعالجهم بهذه الادوية النافعة حتى انقادت نفوس المؤمنين راغبة طائعة مختارة مؤثرة ما عند الله مطمئنة بفضله ربما وصلت الحال بكثير منهم الى ان ما يعطون احب اليهم مما يأخذون. لاهل الكرم هنا حكايات جميلة في بذلهم وايثارهم وكيف انقلب ذلك الطبع الجبلي بالعلاجات الشرعية والادوية الربانية الى ضده. ومن ذلك انه ابدى واعاد في ذم الرياء ومصانعة الخلق وانه خلق رذيل ساقط دنيء جدا. من اخلاق المنافقين الارذلين المنقطعين عن رب العالمين في تعلقهم به وبما يحبه ويرضاه. فلم يزل يبين لهم رذالة هذا الخلق. وانه لا يتصف به الا الاراذل من المنافقين. وانهم في الدرك اسفل من النار كما كانوا في الدرك الاسفل من الاخلاق. ويبين ان المرائي مع ضعف دينه قد ضعف عقله. فانه رأى المخلوقين الفقراء عاجزين الذين لا يملكون لانفسهم فضلا عن غيرهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وان من عمل لاجلهم فقد اعتمد على غير معتمد واتكأ على شفا جرف هار وان المخلصين هم اهل الهمم العالية والاجور الفاضلة. وان الجزاء بحسب الاخلاص والاعمال بالنيات. وان العمل القليل من المخلص يزن الاعمال الكثيرة ممن لم يكن كذلك. وان المخلصين هم الذين يخلصهم في الدنيا من الفتن والاثام ومن العقوبات والالام. وانه باخلاصهم يحلهم المقامات العالية في دار السلام. لم يزل يعالجهم بهذا العلاجات العالية حتى علموا علم اليقين انه لا عمل الا بالاخلاص وان الاخلاص هو السبب الوحيد المنجي من المكاره المحصل للمحاب كلها وان الله لم يخلقهم الا ليخلصوا له الدين. ويقوموا بعبوديته وحده لا شريك له. وان من رأى الناس بعمله فقد خسر دينه وعقله له علمه وتعلق بغير متعلق. فاي مرض يبقى مع هذه العلاجات الناجحة الراقية التي هي علاج العزيز الحكيم. الرب الرحيم الذي وارحم بعباده من الوالدة بولدها. فتبارك الله رب العالمين. ومن ذلك داء الكبر الذي هو اشر الادواء واخسها واسقطها. وهو الحق واحتقار الخلق والتعاظم عليهم. اخبر تعالى في عدة ايات ان هذا ليس من صفات الازكياء ولا الاخيار من العباد. وانه من من صفات الجبابرة الذين لم يعرفوا ربهم ولم يعرفوا حقيقة انفسهم. وان قلوبهم امتلأت من هذا الخيال الباطل. وهو التعاظم على الحق الذي يجب على جميع الخلق الدخول تحت رقه وهو غاية شرفهم. فعبودية الله والافتقار له والخضوع له. اكمل خلعة خلعت على العبد وافضل عطية يعطاها. فالمتكبر خلع هذه الخلعة العالية واستبدل بها الخلعة الخسيسة. الكبر الذي هو خيال لا يبلغه العبد بالكل ولهذا قال تعالى ان الذين يجادلون في ايات الله بغير سلطان اتى ببالغين انه هو السميع البصير. وكذلك الكبر على الخلق واحتقارهم وازدراؤهم. لا ريب انه اشر الاخلاق كما قال صلى الله عليه وسلم. بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم. ولو علم المسك ماذا فاته من الخير؟ وماذا حصل له من الشر والمقت؟ لناح على نفسه وندبها وعلم انه وضعها في اسقط المواضع وعرضها هل العقوبات المتنوعة حذرهم تعالى من هذا الخلق الرذيل بانه لا يحب المتكبرين. بل يمقتهم اشد المقت ويوقع عليهم اللعنة او سؤالهم يجلب الهم والغم والكدر والقلق. وان استغناءه عنهم وعدم تعلقه بهم. يوجب راحة القلب وروحة وطمأنين ثم انه كلما قوي طمع العبد بالله وقوي رجاؤه لربه وقوي توكله. يسر الله له كل عسير وهون عليه كل صعب. ورزقه ومن عباده وان النار مثوى المتكبرين. وان من تكبر اهانه الله وخذله. ومن تواضع اكرمه ورفعه بما في خلق التواضع من الخير والبشارة والثواب العاجل والاجل. وان المتواضع قريب من الله قريب من الناس. قريب من الرحمة. قريب من الجنة. بعيد من النار والمتكبر بضده. فما زال الله يشرح لهم عن هذا الخلق ويصوره باشنع صورة. ويذكر اثاره القبيحة حتى اقتلعه من قلوب المؤمنين استبدلوا به خلق التواضع الجميل خلق الانبياء الاصفياء والاولياء. ومن ذلك داء الحسد والغل والحقد والغش للعباد. اخبرهم انه خلق الاراذل وانه موجب لسخط الله وعقابه ونقص الايمان وخلو القلوب من النصح الذي هو اساس الخير وانه خلق الجبل الذين اوقع بهم العقوبات كقوم شعيب وغيرهم. وانه من البغي الذي يعود ضرره على الباغي. وان القلوب المتصفة به قلوب منحرفة عن الخير مقبلة على الشر. وكفى بهذا شرا وضررا. وبمقابلة ذلك اخبرهم تعالى بان النصح وسلامة الصدور من اخلاقه الانبياء واوصاف الاصفياء وان الدين هو النصيحة باكملها. وان من خلا من النصيحة فقد فقد دينه وفقد اخلاقه. وان خواص المؤمن هم الذين يدعون ربهم ويجتهدون في زوال هذا الخلق عنهم فيقولون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم وان من جمع الله له بين محبة الله والنصح لعباده. فقد جمع كل خير. ما زال الله في كتابه وعلى لسان رسوله يعالج زاد عن هذا الخلق بهذه العلاجات العالية الناجحة المضمون لها الشفاء حتى ظهرت اثارها على المؤمنين وبدت انوارها وخيراتها على مستجيبين. ومن ذلك داء الغفلة والاعراض عن الله وعن طاعته. بين تعالى انه مناف لما خلق له العباد. فان الله خلقهم ليعبدوه واسدى عليهم النعم ليشكروه فينقلهم بذلك من نعم الى اكبر منها. وان الغافلين المعرضين نسوا الله فانساهم انفسهم. انساهم اللهم صالحها ومنافعها حتى اهملوها وضروها غاية الضرر. وان غاية المعرض انه اعرض عن من كل السعادة والخير والفلاح في الاقلام عليه الى من كل الشقاء والخيبة والخسران في الاقبال عليه. استبدل الخسيس بالنفيس. والامور الدنية عن الامور العلية ان المعرضون ييسرون للعسرى ويجنبون اليسرى ولا يزالون ينتقلون من شقاء الى اخر وانهم حرموا الخيرات وحصلوا على الشرور والحسرات ونعى على المعرضين احوالهم كلها وان اسماعهم وابصارهم وافئدتهم ما اغنت عنهم شيئا. ولاستفادوا منها الا قيام الحجة. فتبا معرضين وما اقبح احوال الغافلين. ثم في مقابلة ذلك يذكر تعالى حالة المنيبين المقبلين عليه الراجين لفضله الطامعين في بره وانه تعالى سيجازيهم من خيره وبره العاجل. ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وانهم في حياة طيبة ونعيم عاجل وطمع في نعيم اجل. واخبر تعالى ان لهم الفوز المطلق والسعادة الابدية. فبهذه الادوية الجليلة اقبلت القلوب اليه وصغت اليه الافئدة. وتزودت من طاعته اكمل حظ واوفر نصيب. وقوى ذلك ان القلوب الصحيحة مجبولة على محبة الكمال على محبة من احسن اليها. الله تعالى له الكمال المطلق التام من جميع الوجوه. لا غاية لكماله ولا منتهى لجلاله. ومن النعم كلها ظاهرها وباطنها. فيا ويح المعرضين الغافلين عنه. ويا سعادة المقبلين عليه. فهذه امثلة توضح لك وجه ان هذا القرآن جعله الله الله شفاء لما في الصدور ورحمة وهدى. قس عليها كل داء قلبي وبدني. وبالله التوفيق. الفصل السادس والعشرون. الاسلام مستقل كامل في عباداته ومعاملاته ونظمه كلها. قال الله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم الاسلام دينا. وهذا يشمل الكمال من كل وجه. وقال تعالى ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم. اي اكمل واتم واصلح من العقائد والاخلاق والاعمال والعبادات والمعاملات والاحكام الشرعية والاحكام العمومية. وقال تعالى ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون وهذا يشمل جميع ما حكم به. وانه احسن الاحكام واكملها واصلحها للعباد. واسلمها من الخلل والتناقض. ومن والفساد الى غير ذلك من الايات البينات العامة والخاصة. اما عقائد هذا الدين واخلاقه وادابه ومعاملاته فقد بلغت من الكمال والحسن والنفع والصلاح. الذي لا سبيل الى الصلاح بغيره مبلغا لا يتمكن عاقل من الريب فيه. ومن قال سوى ذلك فقد قدح بعقله وبين سفهه ومكابرته للضرورات. وكذلك احكامه السياسية ونظمه الحكمية والمالية مع اهله ومع غيرهم. فانها نهاية الكمال والاحكام والسير في صلاح البشر كلهم. بحيث يجزم كل عارف منصف انه لا وسيلة لانقاذ البشر من الشرور الواقعة. والتي ستقع الا باللجوء اليه والاستظلال بظله الظليل. المحتوي على العدل والرحمة والخير المتنوع للبشر المانع من الشر وليس تمدن من نظم الخلق وقوانينهم الناقصة الضئيلة ولا حاجة به الى موافقة شيء منها بل هي في اشد الضرورات الى الاستمداد منه فانه تنزيل العزيز العليم الحكيم العالم باحوال العباد ظاهرها وباطنها. وما يصلحها وينفعها وما يفسدها ويضرها هو ارحم بهم من ابائهم وامهاتهم واعلم بامورهم. فشرع لهم شرعا كاملا مستقلا في اصوله وفروعه. فاذا عرفوه وفهموه وطبقوا احكامه على الواقع صلحت امورهم فانه كفيل بكل خير. ومتى اردت معرفة ذلك؟ فانظر الى احكامه حكما حكما. في سياسة الحكم والمال والحقوق والدماء والحدود وجميع الروابط بين الخلق تجدها هي الغاية التي لو اجتمعت عقول الخلق على ان يقترحوا احسن منها او لها تعذر عليهم واستحال. وبهذا وشبهه نعرف غلط من يريد نصر الاسلام بتقريب نظمه الى النظم التي جرت عليها الحكومات ذاته القوانين والنظم الموضوعة فانها هي التي تتقوى وتقوى اذا وافقته في بعض نظمها. واما الاسلام فانه غني عنها. مستقل باحكام لا يضطر الى شيء منها ولو فرض موافقته لها في بعض الامور. فهذا من المصادفات التي لا بد منها. وهو غني عنها في حال موافقتها او مخالفتها. فعلى من اراد ان يشرح الدين ويبين اوصافه ان يبحث فيه بحثا مستقلا. لا يربطه بغيره او يعتز بغيره فهذا نقص في معرفته وفي الطريق التي يبصر بها. وقد ابتلي بهذا كثير من العصريين بنية صالحة. ولكنهم مغرورون مغترون في المدينة الغربية التي بنيت على تحكيم المادة وفصلها عن الدين. فعادت الى ضد مقصودها. فذهب الدين ولم تصلح لهم الدنيا ولم يستطيع ان يعيشوا عيشة هنيئة ولا يحيوا حياة طيبة. ولله عواقب الامور. اما الاسلام فقد ساوى بين البشر في كل الحقوق فليس فيه تعصب نسب ولا عنصر ولا قطر ولا غيرها. بل جعل اقصاهم وادناهم في الحق سواء. وامر الحكام بالعدل التام على كل لاحد في كل شيء وامر المحكومين بالطاعة التي يتم بها التعاون والتكافل. وامر الجميع بالشورى التي تستبين بها الامور وتتضح فيها الاشياء النافعة فتؤثر. والضارة فتترك. الفصل السابع والعشرون في الرياضة. وهي التمرن والتمرين على الامور التي تنفع في العاجل والاجل والتدريب على سلوك الوسائل النافعة التي تدرك بها المقاصد الجليلة وهي ثلاثة اقسام. رياضة الابدان ورياضة الاخلاق ورياضة الاذهان ووجه الحصر ان كمال الانسان المقصود منه تقوية بدنه لمزاولة الاعمال المتنوعة وتكميل اخلاقه ليحيا حياة طيبة مع الله ومع خلقه وتحصيل العلوم النافعة الصادقة. وبذلك تتم امور العبد. والنقص انما يكون بفقد واحد من هذه الثلاثة او اثنين او كلها. والاقسام الثلاثة مما حث عليها الشرع والعقل. ولو لم يكن الا الاستدلال بالقاعدة الشرعية العقلية الكبيرة وهي ان الوسائل لها احكام المقاصد. وان الامر الذي يتم به المأمور به مأمور به امر ايجاب او استحباب كفى دليلا وبرهانا على العناية بالرياضة بانواعها. اما الرياضة البدنية فبتقوية البدن بالحركات المتنوعة وبالمشي والركوب واصناف في الحركات المتنوعة ولكل قوم عادة لا مشاحة في الاصطلاحات فيها. اذا لم يكن فيها محذور. واذا تدبرت العوائد الشرعية في الحركات البدنية عرفت انها مغنية عن غيرها. فحركات الطهارة والصلاة والمشي الى العبادات. ومباشرتها. وخصوصا اذا انضاف الى ذلك تذلل العبد بها وحركات الحج والعمرة والجهاد المتنوعة وحركات العلم والتعليم والتمرين على الكلام والنظر والكتابة واصناف الصناعات والحرص كلها داخلة في الرياضة البدنية. ويختلف نفع الرياضة البدنية باختلاف الابدان قوة وضعفا ونشاطا وكسلا. ومتى تمرن على الرياضة البدنية قويت اعضاؤه واشتدت اعصابه وخفت حركاته وزاد نشاطه واستحدث قوة الى قوته يستعين بها على الاعمال النافعة لان الرياضة البدنية من باب الوسائل التي تقصد لغيرها لا لنفسها. وايضا اذا قويت الابدان وحركاتها ازداد العقل وقوي الذهن وقلت الامراض او خفت واغنت الرياضة عن كثير من الادوية التي يحتاجها او يضطر لها من لا رياضة له. ولا ينبغي للعبد ان يجعل الرياضة البدنية غايته ومقصوده فيضيع عليه وقته ويفقد المقصود والغاية النافعة الدينية والدنيوية ويخسر خسرانا كثيرا كما هو دأب كثير من الناس الذين لا غاية لهم شريفة. انما غايتهم مشاركة البهائم فقط. وهذه غاية ما احقرها وارذلها واقل بقاءها واما رياضة الاخلاق فانها عظيمة صعبة على النفوس. ولكنها يسيرة على من يسرها الله عليه ونفعها عظيم وفوائدها لا تنحصر وذلك ان كمال العبد بالتخلق بالاخلاق الجميلة مع الله ومع خلقه. لينال محبة الله ومحبة الخلق. ولينال الطمأنينة والسكينة والحياة الطيبة وشعبها كثيرة جدا. ولكن نموذج ذلك ان يمرن العبد نفسه على القيام بما اوجب الله عليه ويكمله بالنوافل على وجه المراقبة والاحسان. كما قال صلى الله عليه وسلم في تفسير الاحسان في عبادة الله ان تعبد الله كأنك تراه. فان لم تكن تراه فانه يراك. فيحاسب العبد نفسه على القيام بها على هذا الوجه الكامل او ما يقاربه. ويقاطعها على تكميل الفرائض والجد في ايقاعها على اكمل الوجوه. وكلما رأى من نفسه قصورا او تقصيرا في ذلك جاهدها وحاسبها واعلمها ان هذا مطلوب منها شاهدها على تكميل مقام الاخلاص الذي هو روح كل عمل. فالعمل اذا كان الداعي لفعله وتكميله وجه الله وطلب رضاه والفوز بثوابه فهذا العمل المقبول الذي قليله كثير. وغايته اشرف الغايات ونفعه مستمر دائم. فاذا رأى من نفسه اخلالا او تقصيرا بهذا امر لم يزل بها حتى يقيمها على الصراط المستقيم. بحيث تكون الحركات الفعلية والقولية كلها خالصة لله تعالى مرادا بها ثوابه وفضله فلا يزال العبد يمرن نفسه على ذلك. حتى يكون الاخلاص له طبعا. ومراقبة الله حالا ووصفا. وبذلك يكون من المخلصين المحسنين وبذلك تهون عليه الطاعات. وربما استحلى في هذا السبيل مشارق الطاعات. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وكذلك نفسه على التخلق بالاخلاق الجميلة مع الخلق على اختلاف طبقاتهم فيحسن خلقه للصغير والكبير والشريف والوضيع ويعفو عمن ظلمة ويعطي من حرمه ويحسن الى من اساء اليه بقول او فعل ويمتثل ما ارشده الله اليه بقوله ولا تستوي الحسنة ولا فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها اخبر تعالى انها من اعظم الحظوظ المطلوبة. وانه لا يوفق لها الا الصابرون الذين انفسهم وراوضوها على التزام هذه الاخلاق. ووطنوها على الاتصاف بها. فتوطين النفس على كل امر ممكن حدوثه من الناس من اقوال وافعال وعلى الصبر عليه عون كبير على التوفيق لهذا الخلق الجليل. وكذلك يمرن نفسه ويروضها على النصح لجميع الخلق بقوله وفعله وجميع حركاته فان النصح هو غاية الاحسان الى الخلق وهو الدين الحقيقي. ويمرنها على الصدق والعدل واستواء الظاهر فهذه الرياضة لا يتم القيام بحقوق الله وحقوق عباده الا بها. وكل امر من الامور يحتاج اليها فيه. فان النفس مجبولة على وعدم النهوض الى المكارم فلا بد من مجاهدتها على ما تصلح به امورها. واما رياضة الاذهان فهو الاشتغال بالعلوم النافعة وكثرة التفكر اذكر فيها والابتداء فيما يسهل على العبد منها ثم يتدرج به الى ما فوقه ثم يتدرج به الى ما فوقه. وتعويد الذهن السكون الى صحيح علومي وصادقها وذوده عن فاسدها وكاذبها وما لا نفع فيه منها. فان تعود السكون الى الصدق والصحيح والنفور من ضده وقد سلك فكره وذهنه المسلك النافع وليداوم على كثرة التفكير والنظر كما حث الله على ذلك في كتابه في عدة ايات وانفع ما ينبغي تمرين الذهن عليه فيه كلام الله وكلام رسوله فان فيهما الشفاء والهدى مجملا ومفصلا. وفيهما اعلى العلوم وانفعها واصلحها للقلوب والدين والدنيا والاخرة فكثرة تدبر كتاب الله وسنة رسوله. افضل الامور على الاطلاق. ويحصل فيها من تفتيح الاذهان وتوسع الافكار والمعارف الصحيحة. والعقول الرجيحة ما لا يمكن الوصول اليه بدون ذلك. كذلك التفكر فيما دعا الله عباده الى التفكر فيه. من السماوات والارض وما اودع فيهما من المخلوقات والمنافع ليستدل بها على التوحيد والمعادن والنبوة وبراهين ذلك. وليستخرج منها ما فيها من المنافع النافعة للناس في امور دينهم ودنياهم فمن عود نفسه ودربها على كثرة التفكر في هذه الامور وما يتبعها فلابد ان تترقى افكاره وتتسع دائرة عقله وينشحذ ذهنه. ومن ترك التفكر جمدت قريحته وكل ذهنه. واستولت عليه الافكار التي لا تسمن ولا تغني من جوع. بل اكثر من نفعها. ومن الافكار النافعة الفكر في نعم الله الخاصة بالعبد والعامة. فبذلك يعرف العبد ان النعم كلها من الله. وانه لا تأتي بالخير والحسنات الا الله وانه لا يدفع الشر والسيئات الا هو. وبذلك تستجلب محبة الله وبه يوازن العبد بين النعم والمحن وان المحن لا نسبة لها الى النعم بوجه من الوجوه. بل انها تكون في حق المؤمن القائم بوظيفة الصبر نعمة من الله. فكل ما يتقلب فيه المؤمن فهو خير له لانه يسعى بايمانه ويتكسب به في جميع تنقلاته. وهذه افضل حلل الايمان وثمراته البهيجة. وكذلك من انفع الافكار الفكر في عيوب الناس وعيوب الاعمال. والتوصل الى الوقوف عليها ثم السعي في طريق ازالتها. فبذلك تزكوا الاعمال قال وتكمل الاحوال وبالله التوفيق. الفصل الثامن والعشرون في ان الانبياء صلى الله عليه وسلم بينوا للناس غاية البيان العلوم العقلية والنقلية. وان علومهم هي الصحيحة النافعة في جميع المطالب العالية. العقائد والاخلاق والاعمال. وبيان ذلك على وجه الاجمال والاختصار ان العلوم قسمان علوم سمعية تنبني على صدق المتكلم وبيانه وعلوم عقلية تنبني على صحة الفطرة وعدم انحرافها. اما الاول فانه لا اصدق من الله ورسوله قيلا وحديثا. ولا اعظم واوضح من بيان الله ورسوله. وقد تكفل الكتاب والسنة على وجه التفصيل ببيان جميع ما يحتاجه العباد من العقائد والاخلاق والاعمال والحقوق والمعاملات تفصيلا لو اجتمعت العقلاء كلهم من اولهم الى اخرهم لا يقدروا ان يأتوا بشيء يقاربه في الحسن والتوضيح والاحكام والتفاصيل الصادقة عن امور الغيب وعن الاحكام الشرعية والمعاملات بين الخلق على اختلاف مراتبها. وكلما امعن العقلاء بمعرفة الكتاب والسنة عرفوا من ذلك ما تخضع له العقول وتعترف انه حاوي للكمال المطلق من جميع الوجوه. واما بيان الله ورسوله واما بيان الله ورسوله للعلوم العقلية فان في الكتاب والسنة من البراهين العقلية والادلة الحسية وتنبيه العقول على جميع المطالب العالية ما لو جمعت جميع ما عند والمتكلمين من البراهين لكان جزءا يسيرا بالنسبة لما في الكتاب والسنة. مع وضوح دلالته وسلامته من الغلط والنقص والاختلاف بوجه من الوجوه وهي براهين يفهمها العالم والجاهل والذكي والبليد. واذا اردت نموذجا لهذا الاصل فانظر الى اهم الاصول وهي التوحيد والرسالة واثبات المعاد انظر ماذا في الكتاب والسنة على كل واحد من هذه الاصول الثلاثة من الادلة العقلية الفطرية الواضحة البينة التوحيد فانظر الى هذا الحصر العقلي الذي يفهمه كل احد ويعترف به كل احد الا من كابر الحس والواقع. حيث قال تبارك تعالى للمتكبرين فان كل احد يعلم علم اليقين انهم قد خلقوا وانهم لم يخلقوا انفسهم فان هذه اعظم المحالات ولا وجدوا من غير موجد. فتعين ان الله هو الذي خلقهم. فاضطر العقول الى الاعتراف بهذا الامر البين الواضح. وكذلك اخباره بان له المثل الاعلى. فكل كمال موجود في المخلوقات لا يتضمن نقصا. فالذي اعطى الكمال احق بالكمال. وكل نقص تنزه عنه المخلوق المربوب فالله احق بالتنزه عنه. وهذا برهان عقلي فطري واضح. فان معطي الكمال احق بالكمال من غيره. وكذلك تنبيه عبادي في عدة مواضع من كتابه على النظر في عظمة السماوات والارض. وما فيها من المخلوقات وحسنها وانتظامها وكثرة ما فيها من المنافع اليس هذا من ابلغ الادلة على عظمة خالقها وكمال قدرته وشمول حكمته ورحمته واحاطة علمه بالكليات والجزئيات واخص من ذلك انه امرنا ان ننظر ونتفكر في انفسنا وما فيها من العجائب الدالة على وحدانية الله وعظمته. وانه لا يستحق العبادة الا هو ولا رب سواه اه وفي كل شيء له اية تدل على انه الواحد. وكذلك دلهم دلالة عقلية على توحيده. وانه لا يستحق العبادة تأله الا هو بانه المتفرد بالخلق للمخلوقات وتدبيرها ورزقها وتسخيرها. وانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فمن كان هذا وصفه المعترف به بين الخليقة برها وفاجرها. كان من المعلوم بالعقل والفطرة انه الواحد الذي لا يستحق العبادة الا هو. وكذلك دلهم في عدة في مواضع بكثرة نعمه وخيراته على العباد. وان جميع النعم منه وان رحمته وسعت كل شيء. دلهم بذلك على ان من هذا شأنه فهو الذي ان يكون هو المحمود المشكور. المحبوب المخضوع له المعبود. وبالجملة فان الاثار تدل على المؤثر. والصنعة تدل على والمخلوقات تدل على خالقها فهي ادلة واضحات وبراهين بينات دالات على وحدانيته وانفراده بالالوهية والعبودية كما دلت على انفراده بالخلق والرزق والربوبية وادلة التوحيد الفعلية كثيرة جدا. بل جميع الموجودات وحركاتها وصفاتها وتنقلاتها كلها براهين على توحيده. واما براهين الرسالة العقلية فاننا اذا عرفنا ان ربنا عليم حكيم رحيم واسع الرحمة عظيم الاحسان وان جميع الاحسان المتنوع فهو منه تعالى وهو الدافع للمكاره كلها. عرفنا ان من اعظم احسانه ورحمته بعثه الرسل صلوات الله عليهم وسلامه ليبينوا للناس ما يحتاجونه ويعرفوهم بربهم وبدينه. ويذكروهم بايامه. قال تعالى لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته يتلو ويزكهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل ولقد ايد الله رسله بالايات البينات والادلة القاطعات. جعل تعالى نفس بعثته وما بعثوا به من الدين الحق والهدى والخير والرحمة الشاملة. من البراهين العقلية على بعثتهم وصدقهم. وجعل اخلاقهم وما هم عليه من العظيمة التي لا تكون الا للكمل من الخلق. براهين على رسالتهم وجعل معجزاتهم المتنوعة الخارقة للعادة التي لا تكون الا بتأييد منه من البراهين على رسالتهم. فما بعث الله نبيا الا جعل على يده من الايات ما على مثله يؤمن البشر. وشاركهم محمد محمد صلى الله عليه وسلم في جنس براهينهم. واختص من بينهم بايات عظيمة اعظمها واكبرها هذا القرآن العظيم. الذي من تأمله وعرفة عرفة انه من عند الله. وان من جاء به اكمل الرسل واعمهم رسالة. وان البراهين التي قامت على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم من حسية وعقلية ونقلية لا يقاربها شيء من الايات والبراهين. فازداد بها المؤمنون ايمانا ويقينا وتم بها ايمانهم ويقينهم وعلمهم وارتفعت بها درجاتهم. واما براهين المعادي العقلية فقد اخبر الله في كتابه بعدة قصص ممن احياهم الله بعد موتهم وذلك برهان عقلي حسي على البعث. وذكر خلقه الانسان وان الذي ابتدأ خلقه فاعادته اهون عليه واسهل. وذكر من البراهين خلق السماوات والارض وانها اكبر من خلق الناس. وذكر احياء الارض بعد موتها. وذكر كمال حكمته. وانه لا يليق به ان يترك خلقه سدى له فيؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون. فكمال قدرته وحكمته من اكبر الادلة على المعاد. وذكر سعة علمه وقدرته فيما مواضع كثيرة وان من جزئيات ذلك بعثة الاموات ومجازاتهم باعمالهم خيرها وشرها. وذكر تعالى الاستدلال بالموتة الصغرى وهي النوم على الموتة الكبرى ورد الارواح في الاجساد على رد الارواح في الاجساد. واعاد هذه البراهين في الكتاب وابداها. واعاد هذه البراهين في الكتاب ابداها لوضوحها وقوتها. وان المنكرين للبعث ليس عندهم الا مجرد استبعادات من عقول سخيفة. مبنية على قياس الرب العظيم قدرته وعظمته بالمخلوق الناقص الضعيف في كل اوصافه. وهذه اجناس الادلة. فضلا عن انواعها. فضلا عن افرادها التي لو بسطت لبلغت مجلدات وهي براهين عقلية وحسية مشاهدة. واما البراهين النقلية فجميع الكتب السماوية وجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام اخبروا بذلك وفصلوه فقرروا توحيد الله وصدق رسله والجزاء والبعث. والقرآن يكاد يكون كله في تقرير هذه الاصول الثلاثة تفصيلها والسنة فيها من التفاصيل والتوضيحات لهذه الاصول شيء كثير يشفي ويكفي وبالله التوفيق. الفصل التاسع والعشرون في العفة والغنى ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله هذا خبر من صلى الله عليه وسلم ووعد وترغيب في الاستعفاف والاستغناء عن الخلق. الفرق بين الامرين فرق ما بين الوسيلة والمقصود وما بين والملزوم فان من استغنى بالله وبرزقه وما قسم له الله واعطاه ولم يلتفت الى غير ربه وغير فضله واحسانه استعف عن خلقا ولم يعلق بهم قلبه لا خوفا ولا رجاء ولا طمعا ولا رغبة. وهذه المرتبة اعلى المراتب واشرفها. ولهذا خلق الله العباد ليعبدوه وحده ويطلبوا الرزق والنصر منه وحده. ويعلقوا رجائهم وطمعهم وسؤالهم بالله وحده. ويرضوا بقضائه وقسمه وقدره ولا يعلقوا شيئا من ذلك بالمخلوق. مع بذلهم الاسباب التي يدركون بها هذه الامور الجليلة. لهذا قال صلى الله عليه وسلم ومن استعفف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله. اي من اجتهد في تحصيل العفة والاستغناء بحسب ما يقتدر عليه ويستطيعه من الاسباب وبذل جهده وجاهد نفسه على ذلك اعانه الله ووفقه ويسر له هذا الامر الذي طلبه ورغب فيه وبذل فيه مقدوره لعلمه بمحبة الله له ولعلمه انه بهذا يكسب الرزق الحقيقي والمراتب العالية. واراح الله قلبه من تعلقه بالخلق. واراحه من تشوه الاسباب واتيانها على غير مراده. واطمئن قلبه وحي حياة طيبة سعيدة. فانه لا اهنأ حياة ولا الذ ممن قطع رجاءه للخلق واستغنى عما في ايديهم ولم يتطلع الى ما عندهم بل قنع برزق الله واستغنى بفضل الله. علم ان القليل من الرزق اذا اكسب خير من الكثير الذي لا يغني. اليس الغنى عن كثرة العرض وانما الغنى في الحقيقة غنى القلب. غناه بالله وبرزقه المتيسر على رجاء خلقي وسؤالهم والاستبعاد لهم في مطالبهم الدنيا والرضوخ لرقهم. وهذه المرتبة العالية كل يحب الوصول اليها والاتصاف بها ولكن اكثر الخلق متخلف عنها غير عامل بالاسباب الموصلة اليها. ولا متجرد من الموانع المانعة من تحصيلها جهلا وتهاونا اشتغالا بما يضر عما ينفع. وبالمراتب الدنيئة عن المراتب العلية. فان قلت فما الاسباب التي تنال بها هذه المرتبة الجليلة؟ قلت اللي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في نفس هذا الحديث. وهي قوله يستعفف ويستغني. اي يسعى في ذلك وفي طلبه ويسلك كل سبب يوصله اليه. فاول ذلك مجاهدة نفسه على الاتصاف بذلك. ثم سؤال الله والالحاح عليه ان يعينه على الوصول الى هذه المرتبة. فان من اجتهد واستعان انا بالله والح عليه في السؤال لم يخيبه الله فانه امر بالدعاء ووعد عليه الاجابة في جميع الادعية التي افضلها واعلاها ان ادعو الله بالتوفيق لمراضيه وبالحفظ والوقاية عن مناهيه. فما خاب من سأله ورجاه. ولا من طمع في تحصيل فضله وخيره وهداه ما علم العبد ان الله تعالى عنده جميع مطالب السائلين. وبيده خزائن الخيرات والبركات. وانه ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده. وان النعم كلها منه لا يأتي بالحسنات الا هو. ولا يدفع السيئات الا هو. وانه هو النافع عبار المعطي المانع وان الخلق ليس بيدهم من هذه الامور شيء. وانهم جميعا مهما كانت احوالهم ومراتبهم فانهم فقراء الى في كل شؤونهم من عرف هذا حق المعرفة اضطرته هذه المعرفة الجليلة الواصلة الى القلب الى تعليق الامور كلها على الله وتعلق في القلب به وانقطاعه عن الخلق. وعلم العبد انه كلما قوي تعلقه وطمعه في فضله اتاه من الخير والبركة وطيب الحياة ما لا يخطر ثم اذا علم حق العلم ان تعلق القلب بالمخلوق يهبط بصاحبه الى اسفل الدرجات ويجعله حقيرا ذليلا مهينا مهانا. وان ذلك غير نافع ولا مفيد. بل ضرره كبير وشره مستطير. فمتى علم ذلك حق العلم لم يركن الى احد من الخلق ولم يرجهم ولم عليه ضميره حتى يكون اسيرا لهم عبدا ذليلا. يأنف من ذلك كله. ومما يعين على الاستعفاف قوله صلى الله عليه وسلم لرجل من اوصاه بوصايا فقال واجمع اليأس عما في ايدي الناس. اعزم عزما مصمما لا تردد فيه عن انقطاع املك وقلبك ورجائك عما في ايدي الناس فان من يأس من شيء استغنى عنه فما انفع هذه الوصية واحلاها فان العزم الجامع المصمم الذي لا تردد فيه خير الة ووسيلة لادراك جميع المطالب. والخلل يأتي اما من عدم العزم او من ضعفه وتردده. او من عدم ثبوته واستمراره. فمتى عزم على كقطع امله من الناس وقطع استشراف قلبه وسؤاله لهم حصلت له العفة التامة والغنى التام. ومتى رأى نفسه مفتقرة الى ما بين ملتفتا اليه المرة بعد المرة فانه لا يزال مفتقرا اليهم ذليلا لهم خاضعا لهم. وذلك هو الخسران المبين. ومن ليس من شيء استغنى عنه ومما يوجب للعبد الاستعفاف والاستغناء. علمه بان افتقاره الى الخلق وتعلقه بهم. واستشرافه لما بين ايديهم من حيث لا يحتسب وكفاه الهموم كلها. وكسب الحرية التي لا ارفع منها ولا انفع. الفصل الثلاثون في الصحيحين مرفوعا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا. ما اجل هذا الحديث وانفعه واجمعه لكل خير. وهو يجمع جميع الاسباب التي تنشط العاملين يبعث عزائمهم على الخير ذلك ان الداعي الى الخير لا تتم له الدعوة ولا تحصل ثمراتها المطلوبة منها الا بترغيب المدعوين وتذكيرهم بالاسباب باب المرغبة الداخلية والخارجية وابعاد الاسباب المثبطة حسب الامكان. وهي كلها مجتمعة في هذا الحديث الجليل. فان التيسير لاعمال الخير وتهوينها على العاملين والاقتناع بما تيسر وسمحت به هممهم وعزائمهم. وامر كل عبد ودعوته بما يناسب حاله وتقتضيه نفسه وطبيعته ويهون عليه لا ريب في نفعه وسهولة الاجابة اليه. وخصوصا اذا ضم الى التيسير التبشير بخيره وثمراته العاجلة والاجلة. ونفع اللازم والمتعدي وسلوك طرق التيسير والسهولة وتبشير العاملين وترغيبهم لا ريب في نفعه. واما سلوك الطريق المضادة لهذا من التعسير وتصعيم الامور على الناس وعدم قبول ما جاء منهم حتى يكمل من كل وجه فانه اعظم منفر عن الخير واعظم مثبط ومكسل عن خير والواقع والتجربة خير شاهد لهذا. الا ترى ان الصلاة وهي اعظم شرائع الدين وهي العمل الذي يشترك فيه جميع المسلمين. قد امر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بما يكون سهلا حتى على العاجزين. حيث قال ايها الناس ايكم اما الناس فليخفف فان فيهم الصغير والكبير والمريض والضعيف وذا الحاجة وقال لامام امره باحكام الصلاة واقتدي باضعفهم. فقال انس ما صليت وراء امام قط اخف صلاة ولا اتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم. فالتخفيف الذي تتم به الصلاة ولا يحصل منه اخلال بشيء من امورها. لا شك في نفعه وترغيبه للمصلي ولمن يصلي خلفه ويقتدي به. وقال صلى الله عليه وسلم في الخطبة ان طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه. فاطيلوا الصلاة وقصروا الخطبة. وكان صلى الله عليه وسلم يتخول اصحابه بالموعظة مخافة السآمة عليهم. وقال صلى الله عليه وسلم منكرا المتبتلين الذين يريدون استغراق زمانهم بالصلاة والصيام والخشونة. اما انا فاصلي وانام واصوم وافطر واكل لحم واتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني. وقال صلى الله عليه وسلم ان لنفسك عليك حقا ولاهلك عليك حقا ولزوجك عليك حقا فاتي كل ذي حق حقه. ولما بال الاعرابي الجاهل في المسجد وانتهره الناس زجرهم رسول الله صلى الله عليه سلم وتركه حتى قضى بوله ثم دعاه وعلمه بلطف ورفق وقال ان هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا القذر انما بنيت للصلاة والقراءة والذكر والعبادة. ولما اغلظ له بعض الاعراب الجافين بالقول وهم به الصحابة رضي الله عنهم. قال صلى الله عليه وسلم دعوه ثم الان له القول وبذل له شيئا من المعروف فانقاد الى الحق. وحصل المقصود منه. وقال صلى الله عليه وسلم للناس انما مثلي ومثلكم كمثل رجل له راحلة انفلتت منه. فذهب الناس في طلبها سراعا من كل جانب. فلم يزدها ذلك الا نفورا. فقال صاحبها للناس دعوني وراحلتي فلم يزل يناديها ويأخذ من نبات الارض ليعطيها. فلم يزل كذلك حتى اخذ بزمامها. وكان صلى الله عليه وسلم في دعوته للخلق يدعو كل احد بما يناسب حاله. وبالطريق التي يعلم حصول المقصود منه بها وامر اصحابه ان يدعوا الناس بذلك وقال لمعاذ حين بعثه الى اليمن انك تأتي قوما من اهل الكتاب فادعهم الى شهادة ان لا اله الا الله الله واني رسول الله فانهم اطاعوك لذلك فاخبرهم ان الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فانهم اطاعوك لذلك فاخبرهم ان عليهم صدقة تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقرائهم. وهكذا شريعته كلها مبنية على السهولة واليسر في ذاتها واحكامها وشرائعها. وفي دعوتها للخلق والامر والنهي. ومن النصوص الجامعة في هذا النوع قوله تعالى والموعظة الحسنة. وقوله ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي يا احسن وقوله سبحانه اذهبا الى فرعون انه طغى. فقولا له قولا لعله يتذكر او يخشى. وقوله سبحانه وقولوا للناس حسنا. وغيرها من يأتي الدالة على هذا المعنى وعلى هذا فعلى من اراد التعليم ان يراعي اذهان الطلبة ويعطيهم من الدروس ما يتيسر عليهم فهمه ويربيهم بصغار العلم قبل كباره. ولا يحمل اذهانهم ما لا يتحملون. وكذلك تعليم الجهال والقاء العلوم. ينبغي مراعاة الامور التي يحتاجها يحتاجونها وان تشرح لهم شرحا يسهل عليهم فهمه. وكذلك تمرين الصغار من الاولاد الذكور والاناث على الصلاة وامور الخير. ينبغي فيه مراعاة ورغباتهم وترغيبهم بالقول والفعل والاكتفاء بما تيسر مما سمحت به طبائعهم وتدريجهم من شيء الى اخر. بل وكذلك دعوة المخالفين للدين ينبغي مراعاة هذا الاصل فيها لما يحصل فيه من النفع العظيم. ولهذا ايضا جاءت الترغيبات المتنوعة على اعمال في الخير واقوال الخير وعلى ترك المحرمات لانها من اقوى الدواعي الى توجيه الخلق الى طاعة الله ورسوله. الفصل الحادي والثلاثون اصول الفضائل ثلاثة العلم والدين والجهاد. اما العلم فهو الذي تقوم عليه الادلة والبراهين. فكل ما دخل في هذا الحد الجامع قيل له علم فيدخل في ذلك العلوم التي يتوسل بها الى الدين والى الدنيا والى كل مقصود وحقيقة. ولكن النافع من هذا ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة وما تفرع على ذلك فلا تخرج العلوم النافعة عن الكتاب والسنة. واما الدين الصحيح فهو طاعة الله وطاعة رسوله. بتصديق خبرهما والاعتراف به والتعبد لله بذلك وامتثال امرهما واجتناب نهيهما. فكل من كان اكمل طاعة لله ورسوله كان اكمل دينا. والجهاد وحده وبذل الجهد القولي والفعلي بتنفيذ امر الله وامر رسوله في النفس وفي الغير. وذلك تبع القدرة والاستطاعة. فمن كان اكمل في هذه الصفات الثلاث العلم والدين والجهاد كان اكمل وافضل وارفع عند الله درجة. وللصحابة النصيب الاوفر والحظ الاكمل والاثار اكبر شاهد على ذلك فان الصحابة رضي الله عنهم هم الواسطة بين الامة وبين نبيهم في ايصال جميع العلوم النافعة وفي تنفيذ دينه. فما وصل للامة من علم ودين الا على ايديهم وبسببهم. ولا انتشر الدين في مشارق الارض ومغاربها الا بعلمهم ودينهم وجهادهم. وهم في ذلك الفضل على مراتبهم وكذلك من بعدهم من ائمة الدين والهدى الذين كانت لهم الاثار الحميدة والنفع الكثير والفضائل الغزيرة وانما ذلك ومادته واصله من هذه الفضائل الثلاث. ووجه الحصر ورجوع الفضائل كلها الى هذه الثلاث. ان النقص الحاصل على الانسان اما ان يكون لفقد العلم وحصول الجهل وذلك ضلال وفقد للهداية التي تنير للعبد جميع الطرق الدينية والدنيوية فلا يعرف الوسيلة ولا المقاصد ولا يهتدي الى كيفية المنافع والمضار. واما ان يكون عارفا بذلك. ولكن لا يعمل بمعرفته يعرف الخير فيتركه ويعرف الشر فيفعله. يرى المنافع الدينية والدنيوية فينحرف عنها ويشاهد المضار المحققة فلا تدعه الاغراض الضارة حتى يقتحم فهذا حصل له النقش الكبير لا لعدم معرفته بل لعدم دينه فان الدين الصحيح هو الذي يسير العبد في مسالك الخيرات والمنافع من المضار والمهالك. واما ان يكون عارفا بالامور سالكا مقتضاها عاملا بعلمه. لكنه مقتصر على نفسه لا يسعى في هداية غيره ولا اصلاح سواه قد ملكه الكسل. واستولى عليه الجبن والخمر عن الجد والاجتهاد في اصلاح الغير. والسعي في دفع الصائل فهذا لفقد اتصافه بالجهاد الصحيح. فمن كملت له هذه الامور الثلاثة فهو السابق الى الخيرات. المستولي على كل الفضائل حيث عرف الحق والباطل فاجتنبه وجاهد نفسه وغيره للاستقامة على الصراط المستقيم. فاي فضيلة لم تحصل له واي خصلة حميدة لم يدركها من فاته العلم وقع في الجهل والضلالات وفاتته الخيرات والمنافع التي لا تستقيم اموره الا بها. من فاته العلم كيف يهتدي الى مصلحة وكيف يتخلص من مضرة من فاته العلم كيف يتعبد وكيف يعامل وكيف يتمكن من اقامة الحقوق والقيام بها. وكما هو محمود في امور فهو محمود في امور الدنيا. اما المكاسب والتجارات والحراثة والزراعة والصناعات كلها والاعمال مفتقرة الى العلم. هل وصلوا اليها والى وسائلها ومقاصدها الا بالعلم. بالعلم يرفع العبد درجات وبالجهل ينزل دركات. ثم العلم روحه وزينته قوامه وخيره الدين. فلا خير في علم لا دين معه. فاي فضيلة في من يعرف الخير والمنافع فيتركها ويعرف المضار فيتبعها بالدين تحشر السعادة والفلاح وبالدين تدرك المطالب الطيبة ويتم النجاح. اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل وارزقنا اجتنابه. من حصل له مقتضى هذا الدعاء اجيبت دعوته فقد تم علمه ودينه. ولا يتم ذلك ولا يكمل الا بالجهاد اليس التعلم والتعليم والصبر على ذلك من اكبر الجهاد؟ اليس الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة للخلق من الجهاد؟ اليس تنفي الحق ونصره ورد الباطل وقمعه من الجهاد اليس تعليم الجاهلين وتنبيه الغافلين وايقاظ المعرضين وموعظة المعارضين مجادلتهم من الجهاد هل تتم الامور بدون الجهاد؟ وهل يستقيم الهدى والاهتداء ويحصل الصعود والارتقاء الا بالجهاد؟ طوبى اهل العلم والدين والجهاد. ويا هناءهم بما نالوا من الخيرات والمصالح والرشاد. لقد نالوا شرف الدنيا وفوز الاخرة وتمت عليهم نعمة الباطنة والظاهرة. واذا اردت ان تعرف فضلهم العظيم وارتفاع منازلهم فقس كل واحد بضده. اعرف الفرق بين الجاهل والعالم بين المؤمن والجاحد وبين المجاهد والمخلد الى الكسل. قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون قال سبحانه الاخرة ويرجو رحمة ربه. اي كمان ليس كذلك. كم بين من ملئ قلبه من معرفة الله ومحبته والانابة اليه واخلاص الدين له. وعمل بمقتضى ذلك من القيام بحقوق الله وحقوق عباده. وبين من قلبه من التقوى خراب. واعماله كلها ياء وسمعة قد خلا قلبه من الاخلاص لله. ومن النصيحة لعباد الله. وكم بين من عرف الله وعرف السبيل الموصلة الى الله وعرف كيف يهدي وينصح عباد الله وجاهد في تحقيق ذلك. وبين الخالي من هذه المعارف التي لا صلاح للعبد ولا للخلق الا بها. انك بمجرد ما تصور احوالهم وتعرف صفاتهم تعرف الفرق العظيم بين من اخذ من هذه الصفات الثلاث باوفر حظ واكمل نصيب. وبين من ليس له منها حظ ولا نصيب. فنسأل الله ان يمن علينا بالعلم النافع والايمان الصحيح والجد والاجتهاد في معرفة الحق والعمل به القيام بحقه وحق عباده. الفصل الثاني والثلاثون. في الوسائل الى اهم المقاصد. قد جعل الله لكل مطلوب طريقا وسببا متى سلكه العبد اوصله باذن الله ومشيئته الى ذلك المطلوب. وبهذا يعلم افتقار الانسان الى معرفة الاسباب والوقوف عليها. ثم يستعين الله على سلوكها ليتم له المطلوب. فمتى بذل المجهود واستعان بالمعبود واتى بالامور من ابوابها افلح وانجح. والخلل والنقص يأتي من فوات هذه الامور الثلاثة او احدها. الايمان بالله حقيقة والتقوى. جعل الله هذين الامرين سببين وطريقين بهما خيرات الدنيا والاخرة ويعصمان من شرورهما ومن كل مكروه. وكم لهذين الامرين من الثمرات والفوائد والنتائج الطيبة التي لا تعد ولا تحصى. ومن تدبر الكتاب والسنة رأى الشارع رتب عليها امورا كثيرة. وخيرات غزيرة ورتب على فقدهما ضد ذلك. حسن سؤالي وحسن الاصغاء والتفكر وكثرة التأمل مفاتيح للعلوم كلها. السعي في طلب الرزق في السبب المناسب لحال العبد مع الاتكال على على الله والثقة به سبب لحصول الرزق وبركته. الالحاح في الدعاء كل وقت مع قوة الرجاء سبب لحصول مطالب الدنيا والاخرة الجزاء من جنس العمل. فمن احسن الى عباد الله احسن الله اليه. ومن كان في حاجة اخيه كان الله في حاجته. ومن نفس عن مسلم كربة من كرب بالدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة. ومن شاق شاق الله به. ومن ضار الله به. ومن تفرغ لعيوب الناس تفرغ الناس لعيوبه. ومن يستعفف يعفه الله. ومن يستغني يغنه الله. ومن يتصدق يصبره الله. ومن قوي توكله على الله كفاه امر دينه ودنياه. ومن توكل على نفسه او على غيره وكلاه الله الى ما توكل عليه اخذ له ولم يتم له مطلوبه. ومن نوى الخير والنصيحة للخلق يسر الله امره واثابه بالجزاء الجزيل. ومن نوى الشر والغش للخلق تعسرت عليه اموره وجوزي بالعقاب الوبيل. التواضع وحسن الخلق ينالان بالرغبة في مكارم الاخلاق. ومعرفة ما لها من الثمرات الجليلة ومعرفة النفس ومجاهدتها وتمرينها على ذلك يدرك به كل خلق جميل. كما ان اعجاب الانسان بنفسه وسؤله الرياسة والحمق جالبات لسوء الخلق. المثابرة على الاعمال والصبر عليها. والثبات وعدم اليأس اسباب لحصول نتائج ما لي وثمراتها وضد ذلك سبب للخيبة. توطين النفس على الواردات الكريهة سبب لسهولتها وعدم الانزعاج لوقوعها. ومن القواعد الاساسية قول الشاعر وقل من جد في امر تطلبه واستصحب الصبر الا فاز بالظفر. تعلق القلب بالله وحده واللهج بذكر والقناعة اسباب للزوم الهموم والغموم وانشراح الصدر والحياة الطيبة. والضد بالضد. فلا اضيق صدرا واكثرهما ممن تعلق قلبه بغير الله ونسي ذكر الله ولم يقنع بما اتاه الله. والتجربة اكبر شاهد. حسن النية والاخلاص لله سبب لتيسير الامور ونجاح الاعمال وكثرة فوائدها وثمراتها والضد بالضد. الدعوة بالحكمة والتربية بالحكمة والتعلم بالحكمة سبب للنجاة ومعنى الحكمة وضع الاشياء مواضعها. وتنزيل الامور منازلها. واتيان الامور من ابوابها وطرقها. ودعوة كل احد بما يليق به ويناسب حاله وتعليمه ما يستطيع فهمه ويتحمله ذهنه. فتربيته بالتدريج بالاسهل فالاسهل والتوفيق بيد الله. بالصبر واليقين تنال الامامة في الدين فان اليقين يبصر العبد في عقائده واخلاقه واعماله. والصبر يحمله على السعي والعمل والجد والاجتهاد في الامور من نافعة وبهما الكمال والنقص من فقد الصنفين او احدهما الشكر مقرون بالمزيد وسبب بقاء النعم وبركتها ونموها. وهو الاعتراف بنعم المولى والثناء عليه بها والاستعانة بها على طاعته وضد ذلك بضده. اكبر الاسباب للاهتداء بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة والوصول الى الحق في جميع الحقائق والمطالب العالية. العلم اليقيني ان النبي صلى الله عليه وسلم والغاية في العلم والنصح والبيان. فهو اعلم الخلق على الاطلاق. وانصحهم للخلق. واعظمهم بيانا للحق. ومتى علم المنصف كمال رسولي في هذه الامور علم ان كل ما جاء به هو الحق. وان كل ما خالف ذلك فهو باطل بلا ريب. يعلم ذلك بهذا الاصل الكبير الذي لا يسع مؤمنا الا الاعتراف به. ثم يعرف بطلانه بتصوره والادلة الدالة على بطلانه. فانه محال ان يكون الحق في غير ما جاء به رسول وهذا يتضح بتتبع ذلك في اصول الدين وفروعه. وقد بين اهل العلم ذلك غاية البيان. اقوى الاسباب للسلامة من كيد الشيطان قوة الايمان بالله وقوة التوكل على الله وكثرة ذكر الله والاستعانة بالله منه والابتعاد عن جميع اسباب المعاصي والمبادرة بتوبة نصوح اذا وقع منه شيء. اسباب صحة الابدان تدبير الاغذية بالا يأكل مضرا. بل يأكل المناسب له بقصد بغير اصرار وبغير ادخال طعام اخر قبل انهضامه والحمية عن جميع المؤذيات الداخلية والخارجية والابتعاد عن اسباب الهم والغم ومعالجة والواقع منها والابتعاد عن الروائح الخبيثة وتنظيف البدن من الاوساخ والمسكن العدي والهواء الطري والرياضة كما تقدم شرحها والسعي في الاسباب الجالبة للحياة الطيبة وسعة الصدر. واستعمال الادوية عند الضرورة. واما دوام استعمالها ولو لاقل سبب فان انه ينفع من جهة ويضر من جهة اخرى. وقد يكون الضرر اكثر. فينبغي ان يجعل الدواء بمنزلة الامور الضرورية. ومن اسباب تحكم الالام ووقوع الاسقام. كثرة الاوهام وضعف القلب. كما ان قوة القلب والطمع في فضل الله والتوكل عليه في رفع النازل من البلاء ودفع ما لم ينزل سبب قوي جدا في الصحة ودفع المؤذيات. اعظم الاسباب لنيل مغفرة الله ورحمته. الايمان والتوبة والاعمال الاعمال الصالحة والاحسان في عبادة الله والاحسان الى الخلق والعفو عن الناس. وجماع ذلك كله طاعة الله ورسوله. قال تعالى اطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون. شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم تنال بكمال الاخلاص لله وبكثرة الصلاة والسلام عليه وبحسب اتباعه في اقواله وافعاله وهديه وبمحبته وتوقيره صلى الله عليه وسلم وتقديم طاعته على وطاعة كل احد من الخلق. اسباب قبول الاعمال كثيرة وكلها ترجع الى شيئين. الاخلاص لله والاتباع لرسول الله. فكل من كان اقوى اخلاصا واحسن اتباعا كان اعظم قبولا واكثر مضاعفة واجل ثوابا واجرا. الصبر والثبات والمشاورة والتوكل اكبر الاسباب لحصول النصر على الاعداء. لا سيما اذا انضم ذلك الى القوة المادية والاستعداد بعلوم الحرب وفنونه. كما ذكر الله هذه الاسباب كلها في سورة الانفال. الصدق يهدي الى البر والبر يهدي الى الجنة. والصدق في المعاملات تقترن به البركة. ويقارنه الشرف وهو الاعتذار وضد ذلك بضده الكسل مفتاح الحرمان والكبر مفتاح كل شر. الشح والحرص مفتاح البخل وقطيعة الرحم والسماحة مفتاح لكل خير وسبب لكثرة الخير والفضائل. وخصوصا اذا انضم اليها الصبر. فالصبر والسماحة اثارهما جليلة. وثمر جميلة. ومن ذلك ان النية اكبر الاسباب وانفعها واقربها لحصول المقاصد النافعة. وينبغي ان تفرد بفصل فنقول الفصل الثالث والثلاثون في ان النية اساس الاعمال وبها صلاحها. قال تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه يبتاع فضلا من الله ورضوانا. وقال صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما فاخبر ان صلاح الاعمال وفسادها بالنيات وانه يحصل للعبد من الثمرات والنتائج بحسب نيته. ومعلوم ان جميع العبادات لا تصح الا بالنية بان ينوي ذلك العمل ويميز بين العادة والعبادات وبين مراتب العبادات. ثم لابد مع ذلك ان يكون القصد منها والغرض وجه الله وثوابه. وينبغي للعبد في العبادات ان يكون له فيها نية مطلقة عامة ونية خاصة مقيدة. فاما النية العامة فانه يعقد بقلب به عزما جازما لا تردد فيه ان جميع ما عمله من الاعمال الاعتقادية والبدنية والمالية والقولية والمركبة من ذلك مقصود بها وجه الله والتقرب اليه وطلب رضاه. واحتساب ثوابه. والقيام بما فرضه واحبه الله لعبده. وانه عبد مطلق يتصرف تصرف العبد المملوك بهذه النية العامة التي تأتي على عقائد الدين واخلاقه واعماله الظاهرة والباطنة ينبغي ان في قلبه كل وقت وحين. لتقوى وتتم. ويكمل الله للعبد ما نقص من عمله. وما اخل به واغفله من حقوق العباد. لعل الله تعالى يجزيه على تلك النية الشاملة للدقيق والجليل من عمله اجرا وثوابا. ثم بعد تحقيق هذا الاصل الكبير الذي هو اساس الاعمال ينبغي للعبد ان يتعبد لله باخلاص في كل جزء من اعماله. فيستحضر بقوله ان عمله لله متقربا به اليه. راجيا ثواب من الله وحده لم يحمله على ذلك العمل غرض من الاغراض سوى قصد وجه الله وثوابه. ويسأل ربه تعالى ان يحقق له الاخلاص في كل كل ما ياتي وما يذر وان يقوي ايمانه ويخلصه من الشوائب المنقصة. بهذه النية الصادقة يجعل الله البركة في اعمال العبد. ويكون تسير منها افضل من الكثير من عمل ما خلا قلبه من هذه النية. ثم اذا عرضت له العوارض المنقصات كالرياء وارادة تعظيم الخلق. فليبارك بادر بالتوبة الى الله ويصرف قلبه عن هذه العوارض المنقصة لحال العبد التي لا تغني عنه شيئا ولا تنفعه نفعا عاجلا ولا اجلا ثم اذا حقق النية في العبادات فليغتنم النية في المباحات والعادات فليجعلها بالنية الصالحة عبادة او قريبة منها. وذلك بامرين احدهما ان ينوي ان كل مباح يشتغل به من اكل وشرب وكسوة ونوم وراحة وتوابعها يقصد به الاستعانة على طاعة الله القيام بواجب النفس والاهل والعائلة والمماليك. ويقول اللهم ما رزقتني مما احب من عافية وطعام وشراب ولباس مسكن وراحة بدن وقلب وسعة رزق. فاجعل ذلك خيرا لي ومعونة لي على ما تحبه وترضاه. واجعل سعي في تحصيل القوت توابعه اداء للامر وقياما بالواجب واعترافا بفضلك ومنتك علي. فاني اعلم ان الفضل فضلك والخير خيرك. وليس لي حول ولا قوة ولا اقتدار على شيء من منافعي ودفع مضاري الا به. فيتقرب الى ربه بالاستعانة بالله في ذلك. وبالاعتراف بنعمه القيام بالواجب وباحتساب الاجر والثواب. حتى يتحقق بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم انك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت عليها. حتى ما تجعله في في امرأتك. وقوله صلى الله عليه وسلم الساعي على الارملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله واحسبه قال وكالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر. ثم مع هذه النية العامة التي تحب بجميع مباحاته وعاداته فليستحضر عند ذلك كل جزء من اجزاء عاداته لتلك المقاصد الجليلة ليكون قلبه على الدوام لافتا الى ربه منيبا اليه متعبدا ويكون اشتغاله بذلك الجزء من عاداته مصحوبا بحسن القصد ليتم له الاجر وتحصل له المعونة من الله وينزل الله له البركة ويكون مباركا اينما كان. وليجاهد نفسه على ذلك فانه لا يزال يمرنها حتى تألف الخير وترغب. فاذا ذهب الى دكانه نوى مباشرة البيع والشراء المباح. وقصد الصدق والنصح في بيعه وشرائه. وفعل ما يسهل عليه من محاباة واحسان الى من يعامله. وتجنب الغش بكل انواعه ونوى بذلك كله قوام نفسه وعائلته ومن له حق عليه التصرفات والاتلافات وغيرها الا ما خالف الحس والعادة. سبعة وعشرون من وجب عليه امر من الامور او حق من حقوق الزم به واجبر عليه وكان الاجبار والاكراه بحق. ثمانية وعشرون من ترك المأمور جهلا او نسيانا لم تبقى ربه ان يبارك له في معاملته. وكذلك اذا باشر حرثه او صناعته او مهنته التي يتعاطاها فليستصحب النية الصادقة فليستعن ربه في حركاته كلها ويرجو رزقه وبركته. فان الرجاء وانتظار الفضل من الله من اجل عبادات القلب. واكبر الاسباب بالبركة هذه النية الصادقة الصدق والتوكل على الله. وليعلم العبد ان الله مسبب الاسباب وميسرها. فاياك ان تعجب بنفسك وحزقك وزكائك فان هذا هو الهلاك. وانما الكمال ان تخضع لربك وتكون مفتقرا اليه مضطرا اليه على الدوام. ثم انه لابد ان تكون الامور على ما تحب تارة وعلى ما تكره اخرى. فاذا جاءتك على ما تحب فاكثر من حمد الله والثناء عليه وشكره لتبقى لك نعم وتنمو وتزداد واذا اتتك على ما تكره فوظيفتك الصبر والتسليم والرضا بقضاء الله وتدبيره لتكون غانما في في يسرك وعسرك ومن هذا ما ذكرناه بقولنا الفصل الرابع والثلاثون في ذكر مفاتيح الخير ومفاتيح الشر قال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان. وقال تعالى ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن واولئك هم المفلحون. وورد عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ان هذا الخير والشر خزائن ولتلك الخزائن مفاتيح. فطوبى لمن كان مفتاحا للخير مغلاقا للشر. وويل لمن كان مفتاحا للشر مغلاقا للخير. لا ريب ان الناس في الخير والشر درجات. ولكل درجات مما ولا ريب ان اعلاهم درجة من سعى في الخير لنفسه ولغيره. كما ان اسفلهم من هو بالعكس فينبغي للعبد ان يكون مباركا على نفسه وعلى غيره باذلا ما استطاعه في الدعوة الى الخير والترغيب فيه بالقول والفعل. والتحذير من الشر بكل طريق. ولا يحقرن من المعروف شيئا فمن اهم بذلك تعليم الامور النافعة وبثها فانه مفتاح الخيرات كلها. ومن ذلك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر برفق ولين علم وحكمة. ومن ذلك انه يسن العبد سنة حسنة. ويشرع مشروعا طيبا نافعا يتبعه الناس عليه. فكل من سن سنة حسنة فله اجرها اجر من عمل بها من غير ان ينقص من اجورهم شيء. كما ان من سن سنة سيئة فان عليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة. ومن ذلك بذل نصيحة نافعة في الدين او في الدنيا فان الناصحين مفاتيح للخير مغاليق للشر. وينبغي للعبد عند اختلاطه ومعاشرته لهم ومعاملتهم ان ينتهز الفرصة في اشغالهم بالخير وان تكون مجالسه لا تخلو من فائدة او من تخفيف شر او دفعه بحسب مقدوره. فكم حصل للموفق من خيرات وخير وثواب. وكم اندفع به من شرور كثيرة. وعماد ذلك رغبة العبد في الخير. وفي نفع العباد. فمتى كانت الرغبة في الخير نصب عينيه ونيته مصممة على السعي بحسب امكانه استعان بالله في ذلك. واتى الامور من ابوابها ومناسباتها فانه لا يزال يكسب خيرا ويغنم ثوابا وضد ذلك عدم رغبة العبد في الخير يفوته خيرا كثيرا. فان كان مع ذلك عادما للنصح للعباد لا يقصد نفعهم بوجه من الوجوه كما قصد اضرارهم وغشهم لاغراض نفسية او عقائد فاسدة. فقد اتى بالسبب الاعظم لحصول المضرات وتفويت الخيرات. وكان هذا الذي يصدر وعليه انه مفتاح للشر مغلاق للخير. فنعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا. ومن اعظم الاصول فتحا للخيرات واغلاقا للشرور الايمان التام بالرسول صلى الله عليه وسلم. فاذا امن به ايمانا تاما وفهم كلامه ومراده تحقق ما قاله قطعا. وعلم ان ما ناقض ذلك او خالفه فانه باطل. فماذا بعد الحق الا الضلال؟ فهذا يغلق على العبد ابوابا من الشرور. فتحها اهل الكلام الباطل عارضوا بها ما جاء به الرسول ولكن الايمان التام وفهم مراد الرسول تماما يرد كل ما ناقضه. سواء تمكن المؤمن من حل تلك الشبهة التي عرضت وبها الحق او لم يتمكن فانه قد علم الحق يقينا بلا تردد. فمحال مع هذا ان يقوم شيء ينقض هذا الدين. وهذا اصل نافع جدة قرره شيخ الاسلام في مواضع من كتبه. ومن ذلك ما ذكرناه بقولنا الفصل الخامس والثلاثون ان الصدق والامانة المعاملات سبب لحصول الرزق وبركته. قال تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. فرتب على التي اساسها الصدق واداء الامانة في المعاملة التيسير والخروج من كل ما ضاق على الناس وفتح ابواب الرزق. وفي الصحيحين عن صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا. فان صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما. وان كذبا وكتما محق بركة بيعهما وفي السنن مرفوعة. يقول الله انا ثالث الشريكين ما لم يخن احدهما صاحبه. فان خان احدهما صاحبه خرجت من بينهما وانما كان الصدق والبيان واداء الامانة في جميع المعاملات سببا للبركة وتيسير ابواب الرزق لامرين مهمين احدهما وعد الله ووعد رسوله. والله لا يخلف الميعاد ان من سلك الطرق التي امر بها وتجنب ما نهى عنه. بارك الله له في سعيه ورزقه من حيث لا يحتسب. وفتح له من خزائن جوده وكرمه. ما لا يناله الناس بسعيهم وجدهم وحذقهم. وهذا امر رباني وجزاء الهي مشاهد معلوم بالتجربة. والثاني ان من عامل الناس وعرفوا منه الصدق والنصح اطمئنوا اليه وركنوا الى معاملته. ورغبوا في اخذ منه واعطائه لان قلوبهم اليه مطمئنة ونفوسهم الى امانته منقادة واثقة. وحاز الاعتبار والشرف الذين عليهما اسست المعاملات النزيهة الطيبة وبذلك مشت اسبابه مع الناس. وكذلك عقد الشركات بين الشركاء اذا بنيت على الصدق والامانة افادت اهلها خيرا كثيرا فانه من كان الله معه ايده بعونه وتوفيقه وتسديده. وكانت حركاته مقرونة بالنجاح. وهذا مع اتفاق الشريف على مصالحهما واجتماع رأيهما وحصول التشاور الذي هو مدار الاعمال مع ما يقترن بذلك من التعاون البدني والسعي المشترك من المنافع ودفع ما يخشى ضرره. كل هذه الامور اسباب ومفاتيح لحصول الرزق وبركته ونماءه. وضد ذلك اذا المعاملات والشركات على الكذب وعدم النصح وحصول الغش والخيانة. فان الله ينزع بركته ويحل المحق بدل ذلك. وتتأخر معاملة وتنحط بالخيانة والكذب وهذا كله مشاهد مجرب. الفصل السادس والثلاثون فيما ينبغي سلوكه في معاشرة مؤمنين اصل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا. وقوله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احد حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه. واعلم ان الناس في معاشرة بعضهم لبعض درجات في الخير والشر لا تنضبط. واغلب المعاشرات قرأت قليلة الجدوى عديمة الفائدة. بل كثير منها مؤد الى الخسران والاضرار الدينية والدنيوية. ونذكر في هذا الموضع اعلى الاقل اقسام وانفعها وابقاها ثمرة. فان ادركها المؤمن بتوفيق الله وجده واجتهاده فقد ادرك كل خير. وان لم تقوى نفسه على بلوغها فليجاهدها ولو على بعضها. وهي يسيرة على من يسرها الله عليه. فاصل ذلك ان تعقد عزما جازما وعقيدة صادقة. على محبة جميع المؤمنين التقرب الى الله في هذه المحبة. وتجتهد على تحقيقها على وجه العموم وعلى وجه الخصوص. وعلى قلع ما يضادها او ينقصها فتعتقد ان تحقق القلب بمحبة المؤمنين عبادة من اجل العبادات وافضل الطاعات. فتتخذ جميع المؤمنين انا تحب لهم ما تحب لنفسك من الخير وتكره لهم ما تكرهه لنفسك من الشر. وتعقد قلبك في تحقيق هذا الامر الجليل والاتصال والاحتراز من ضده من الغل والحقد والحسد والبغض لاحد منهم. ومتى رأيت من قلبك شيئا من ذلك؟ فبادر بقلعه وسل الله الا يجعل في قلبك غلا على احد من المؤمنين خاصتهم وعامتهم. وميز من له في الايمان مقام جليل كعلماء المسلمين عبادهم بزيادة محبة بحسب مقاماتهم. لتكون موافقا لله في محبته. وتعاهد ذلك بالتحبب الى المؤمنين بطلاقة الوجه وحسن الخلق والمعاملة الجميلة فانها في نفسها عبادة وهي جالبة لتحقق القلوب بينك وبين المؤمنين بالمودة والرحمة وطن نفسك على ما ينالك من الناس من اذى قولي او اذى فعلي او معاملة منهم بضد ما عاملتهم به من الاحسان. فان توطين النفس على كذلك يسهل عليك الامر وتتلقى اذاهم بضده. وليكن التقرب الى الله عند ذلك على بالك فان التقرب الى الله هو الذي يهون عليك هذا الامر الذي هو شديد على النفس. واعلم ان هذا الوصف من اوصاف الكمل من اولياء الله واصفيائه. فبادر للاتصاف به. فمن ابغضك وعاداك وهجرك فعامله بضد ذلك لتكسب الثواب. وتكتسب هذا الخلق الفاضل وتتعجل راحة قلبك وتخفف عن نفسك هم المعادلة اه ربما انقلب العدو صديقا والمبغض محبا كما هو الواقع. واعف عما صدر منهم لله فان من عفا عن عباد الله عفا الله ومن سامحهم سامحه الله. ومن تفضل عليهم تفضل الله عليه. والجزاء من جنس العمل. ولينصبغ قلبك كل وقت بالانابة الى الله ومحبة الخير لعباد الله فان من كان كذلك فقد تأصلت في قلبه اصول الخير التي تؤتي اكلها وثمراتها كل حين باذن ربها وبهذا يكون العبد اوابا فانه كان للاوابين غفورا. واذا اجتمعت مع الناس فخالقهم على حسب درجاتهم والكبير والشريف والوضيع والعالم والجاهل. كل احد تكلم معه بالكلام الذي يناسبه ويليق بحاله ويدخل السرور عليه. وبالكلام الذي له به ميدان معلما للجاهل متعلما ممن هو اعرف منك. متشاورا مع نظيرك فيما هو الاحسن والاصلح من الامور الدينية والدنيوية اخذا لخواطرهم موافقا لهم على مطالبهم التي لا محظور فيها. حريصا على تأنيسهم وادخال السرور بكل طريق مضمنا كلامك لكل احد بما يناسبه من النصائح التي تنفع الدين والدنيا ومن الاداب الجميلة. وحثهم على قيام كل منهم بما هو بصدده من الحقوق التي لله والتي للخلق. موضحا لهم الطرق المسهلة لفعل الخير والاسباب الصارفة عن الشر واقنع بالقليل اذا عجزت عن الكثير. واعلم ان قبولهم وانقيادهم مع الرفق والسهولة ابلغوا بكثير من سلوك طريق الشدة والعنف الا حيث تلجأ الضرورة الى ذلك فلضرورة احكام. الفصل السابع والثلاثون في قصة الرجل المثري مع صاحبه. كان رجل مثر قد اعطاه الله من اصناف المال المتنوع من عقار ونقود وعروض واموال كثيرة كان له صاحب يعرف منه النصح والعلم فقال لصاحبه شاكيا له الحال الم تر ما انا فيه من الغنى الواسع والاموال الكثيرة والناس كالمتفقين على ان من كان كذلك فقد حصلت له السعادة الدنيوية والعيش الهين والحياة السعيدة. وانا فيما انا فيه لم ادرك ما ذكروا ولم ازل اتنقل من هم الى كذا ولم تحصل لي اللذة الصحيحة في حياتي. فاحب ان ترشدني يا صاحبي الى الحياة السعيدة. والى الراحة في حياته. فقال له صاحبه يا اخي اعلم ان من اتى الامور من غير ابوابها وطرقها وسلك للمنافع غير مسالكها. لم يدرك المطلوب ولم ينج من المرهوب وانت جعلت الدنيا اكبر همك ومبلغ علمك. وحبيبك الوحيد الذي ملك عليك ظاهرك وباطنك ومشاعرك وحواسك قل لها ومن كان كذلك فهو طبعا لا يستريح في دنياه فانه ان حصل عليه كساد او خسارة في بيع او شراء او نقص في ثمار او تشوشت عليه الاسباب في جهة من جهات دنياه فانه في كدر فضلا عن الاكدار التي تنتابه من جهة الاهل والعائلة المعاملين والمعاشرين واختلاف الايرادات وتعجل الاتفاق والانسجام بينهم من كل وجه او تعستر ذلك. فقال له المثري صدقت من هذه الجهات كلها ومن غيرها يأتيني الكدر. والهم ملازم لي في كل احوالي. فهل من سبيل الى تخفيف ذلك او زواله فقد ضاقت علي الحيل والمحاولات. وانا حريص على راحة نفسي باي سبيل. فقال له صاحبه يا اخي السبيل واضح. ولكن ما دامت خطتك على هذا المنوال فغير ممكن لك العيشة الهنيئة. فان غيرت خطتك وفهمت ما اقول لك وعملت عليه رجوت لك الخير والحياة الطيبة السعيدة. فاول ذلك ان تعلم علم اليقين ان الدنيا والاموال المتنوعة ليست هي المقصود لذاتها انما هي مقصودة لغيرها. ووسيلة يتوسل بها العبد الى منافعه الحقيقية ومطالبه الابدية وسعادته الاخروية. فاجعل يا اخي في هذا المعنى الذي لا يستريب فيه العقلاء نصب عينيك وقبلة قلبك. ثم اسعى في تحصيل الدنيا وفي تصريفها وفي تدبيرها من كل لجهة على هذا الاساس واستصحب النية الصادقة في جميع نواحي حياتك سعيا وتدخيلا وتصريفا. فاذا عاملت الناس ببيع وشراء وتأجير ومشاركات وغيرها. فاقصد بذلك القيام بالواجبات والمستحبات. والاستغناء عن الخلق. واقتصر على المعاملات طيبة الحلال. واجتهد في ان تكون مكاسبك كلها حلالا. وان تصرفها في الواجبات من الزكاة والنفقات والمستحبات وتوابعها تقرب بذلك الى الله واحتسب عنده الاجر والثواب. واحمد ربك الذي اقدرك على المال ثم وفقك في صرفه في الوجوه النافعة التي تبرئ بها ذمتك وتكتسب بها الاجر العظيم عند الله وتكون لك مغنما لا مغرما. فانك ان فعلت ذلك هانت عليك النفقات ذمته. ومن فعل المحظور وهو معذور بجهل او نسيان برئت ذمته وتمت عبادته. تسعة وعشرون البدل يقوم مقامه قام المبدل ويحل محله ولكن لا يرجع اليه الا اذا تعذر الاصل. ثلاثون يجب تقييد الكلام بملحقاته من انتهى بسماحة ورغبة وعلم بانها تكسب لها امثالها اضعافا مضاعفة. ومع ذلك فاذا حصل فيها ما تحب من زيادة ونمو وكمال فاكثر من حمد الله وشكره. واذا حصل فيها ما تكره فاحتسب ذلك عند الله فاعتبرها من المصائب التي يعوض الله الصابرين عليها من الاجر اضعاف اضعاف ما فاتهم. فانك ان وفقت لذلك حصلت لك الحياة الطيبة وهي راحة القلب وطمأنينته. وطمع في فضل الله وثوابه في كل حالة وفي كل وقت. ومع ذلك فانه لا يفوتك من نصيبك في الدنيا ولا من لذاتها شيء. بل نستوفيها كاملة هنيئة تفوق فيها لذة المترفين ونعيمهم. ويجمع الله لك بين خيري الدنيا والاخرة. واعلم ان هذا ليس بعسير بل هو يسير على من يسره الله عليه. ومن ذاق طعم هذه الحياة علم ان هذه الحياة التي يسعى لها الخلق وارباب الدنيا وجمهورهم لم يدركها الساعي بل مات بغمه ولم يذق لها طعما. ولكنك يا اخي تحتاج الى تمرين كثير وتغيير لطبيعتك الاولى حيث ملكت الدنيا عليك مشاعرك وامورك كلها وتستعين الله على ذلك. فمن توكل عليه اعانه وكفاه. فواسفا لمن اعطوا نصيبا من الدنيا فخسروها واعطوا الاسباب التي تدرك بها الخيرات فلم يستعملوها. ووهبت لهم المواهب المتنوعة فلم ينتفعوا بها ويستغلوها. وما احسن ما قاله الحكيم في شعره. ولم ارى في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام. الفصل الثامن والثلاثون في قصة الفقير مع صاحبه. كان رجل فقير قد طال فقره. وكان فيه بقية من انسانية. فشكى الى صاحبه الذي يعرف فيه النصح والرأي السديد حاله. فقال قد كنت تعرف حالي في الفقر وانا متواطئ على الفقر. ولكني اريد منك كنصيحة تخفف عني بعض ما اجده من الهموم والغموم التي لازمتني في ليلي ونهاري. وهي زيادة عما اجد من الم الفقر وبأسائه وعنائه فقال له صاحبه يا اخي اعلم ان الفقراء نوعان. احدهما فقير شريف والاخر فقير قضية فاجتهد ان تكون من الشرفاء الذين فقرهم لا يتعدى فقر الافلاس من الموجودات المالية. واياك ان تتصف بصفات الفقراء ساقطين الذين افتقرت ايديهم وقلوبهم كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ليس الغنى عن كثرة العرض الغنى غنى النفس او غنى القلب. فعلم بهذا الحديث شريف ان المدار كله على ما في القلوب من الاوصاف الطيبة او الدنيئة في الحق الغني والفقير. فمن كان قلبه غنيا بالله فهو الغني حقيقة ولو كان فقيرا. ومن كان قلبه فقيرا الى الاغراض والى الخلق فهو الفقير حقيقة ولو كان مثريا. فمتى علمت ان الله تعالى حكيم في جميع تدبيراته. وانه لطيف بعباده المخلصين. قد يقدم عليهم من الاقدار الكريهة للنفوس. ما يكون سببا ووسيلة لخيرهم وثوابهم. وان الله قد ابتلى بالفقر كثيرا من اوليائه واصفيائه وان من صبر على شدته واحتسب ذلك عند الله لم يزل في زيادة في ايمانه وثوابه وخصوصا اذا ضم الى هذا الوصف الرجاء والطمع في فضل الله. وان الله سيزيل فقره وسيجعل الله بعد عسر يسرا. متى تحقق بذلك هانت عليه وطأة الفقر وشدته لما حصل له في مقابلته من الخير ولما يرجوه من الفضل والثواب. ومما يخفف ذلك ان يعلم ان حزنه وهمه لا يخفف من فقره ومصيبته بل يزيد ذلك. فكم يسعى العاقل في زيادة عنائه؟ وكيف لا يتسبب في تخفيف بلائه. ثم اعلم ايها الفقير ان اكبر العلل التي توجب الهم والغم وتسقط انسانية العبد وحريته تعلقه بالمخلوقين. سؤالا لهم وذلا ورجاء وطمعا فيما يناله منهم. وان من كان كذلك فانه مقيد النفس رقيق القلب لغير الله. قد انقطع رجاؤه ممن كل خير في برجائه وكل الامور عنده ومفاتيح الارزاق بيده. الى من لا يملك له نفعا ولا ضرا ولا يريد له الخير. وليس له من الامر شيء وهو فقير مثله. فمتى علقت رجاءك كله بالله واحتسبت الامل عنده سلمت من التعلق بالمخلوقين ورجوت زوال عسرك ابدلك الله بهمك فرحا وبكدرك راحة ويسر الله لك الامور واوقع في قلبك القناعة التي من ملكها ملك الكنز الاكبر فقد ضمن الله للمتقين ان يجعل له من كل هم فرجا. ومن كل ضيق مخرجا. واما قولك يا اخي اني متواطئ على الفقر فهو كلام غالط من وجهين احدهما انه لا ينبغي لك ان تيأس من روح الله ورحمته وفضله واحسانه. الثاني يجب عليك ان تسعى بكل سبب يزيل فقط اوي يخففه فاعمل بالاسباب النافعة من بيع او شراء او حرفة او خدمة او ما يناسب حالك وتحسنه من الاسباب. فقد قال صلى الله عليه وسلم بان يأخذ احدكم حبله فيحتطب فيبيعه فيكف الله وجهه خيرا له من ان يسأل الناس اعطوه او منعوه ومتى عملت بالاسباب بهذه النية؟ نية الاستعفاف والاستغناء عن الناس. يسر الله امرك وبارك لك في الشيء القليل. وسلمت من الفقر الوضيع وهو فقر القلب لغير الله ودخول الفقير في معاصي الله وفي الامور الدنيئة الضارة التي اذا ابتلي بها العبد عوقب بعدة عقوبات اقلها انها سبب لبقاء فقره وزيادته. كما هو مشاهد مجرب. فاكثر الفقراء قد جمعوا بين فقر الدنيا والاخرة. فقر قلوب وفقر الافلاس والافتقار الى المخلوقين. وتعلق القلوب بهم والذل الوضيع لهم. وهذا نهاية الهبوط والسقوط. فالموفق الحازم يستعيذ بالله من هذه الحال. ويعمل الاسباب الواقية والدافعة كما ذكرنا. والله تعالى هو الموفق المعين. الفصل التاسع والثلاثون في التنبيه على اصول وقواعد وضوابط جامعة نافعة. من محاسن الشريعة وكمالها وجمالها وجلالها ان كانها الاصولية والفروعية والعبادات والمعاملات وامورها كلها لها اصول وقواعد تضبط احكامها وتجمع وتنشر فروعها وتردها الى فصولها. فهي مبنية على الحكمة والصلاح والهدى والرحمة والخير والعدل ونفي اضاد ذلك فمن اصولها الجوامع واحد ان الشارع لا يأمر الا بما مصلحته خالصة او راجحة. ولا ينهى الا عما مفسدته ومضرته خالصة او راجحة لا يشذ عن هذا الاصل الكبير شيء من احكامها. اثنان الوسائل لها احكام المقاصد ويتفرع وعلى هذا الاصل ان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب وما لا يتم المسنون الا به فهو مسنون. وطرق الحرام تابعة لهما ويتفرع عليها ان توابع العبادات والاعمال حكمها حكمها. ثلاثة المشقة تجلب التيسير جميع رخص الشريعة وتخفيفاتها متفرعة عن هذا الاصل. اربعة الوجوب يتعلق بالاستطاعة فلا واجب مع العجز ولا محرم حرم مع الضرورة خمسة الشريعة مبنية على الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول. فهذان الاصلان شرط لكل عمل ديني وينبني عليهما ان الاعمال بالنيات. ولكل امرئ ما نوى. وينبني عليهما ايضا ان الاصل في العبادات الحظر والمنع. فلا يشرع منها الا ما شرعه الله ورسوله. والاصل في العبادات والمعاملات الاباحة. فلا يحرم منها الا ما حرمه الله ورسوله تبرعوا ايضا عن ذلك ان الحيل التي تسقط الواجبات والحقوق او تدخل في المحرمات ممنوعة لا تحل ولا تنفذ. كما ان الحيل التي يتوصل بها الى الحقوق ويدفع بها الظلم مباحة بل حسنة. ستة التكليف وهو البلوغ والعقل شرط لوجوب العبادات كلها والتمييز شرط لصحتها الا الحج والعمرة فيصح عمن لم يميز. سبعة الاحكام الاصولية والفروعية لا تتم الا الا بامرين وجود شروطها واركانها وانتفاء موانعها. وهي مبطلاتها ومفسداتها. ويتفرع على هذا الاصل ان ذات العبادات وغيرها ترجع الى احد امرين. اما فقد شرط وركن واجب واما ارتكاب محظور يختص تلك العبادة وتلك معاملة ثمانية العادة والعرف يرجع اليهما في كل حكم حكم به الشارع. ولم يحده بحد فانه يرجع فيه الى ما يتعارف الناس بينهم في جميع المعاملات والحقوق وغيرها. تسعة البينة على المدعي واليمين وعلى من انكر في جميع الحقوق والاموال معاملات وتوابعها عشرة الاصل بقاء ما كان على ما كان. واليقين لا يزول بالشك في كل شيء من عبادة او معاملة ان او حق من الحقوق احد عشر لابد من التراضي في جميع العقود. سواء كانت معاوضات او تبرعات اثنى عشر لابد ان يكون العاقد جائز التصرف ثلاثة عشر تنعقد العقود كلها بما دل عليها من قول او فعل. ويستثنى من ذلك بعض العقود التي لابد فيها من القول اربعة عشر الاتلاف يستوي فيه المتعمد والجاهل والناسي خمسة عشر السلف في يد الامين غير مضمون اذا لم يتعدى او يفرط. وفي يد الظالم مضمون مطلقا او يقال ما ترتب على المأذون فهو مضمون والعكس بالعكس. ستة عشر لا ضرر ولا ضرار. سبعة عشر العدل واجب في الحقوق كلها والفضل مستحب ثمانية عشر من تعجل شيئا قبل اوانه عوقب بحرمانه تسعة عشر تضمن المثليات بمثلها والمتقومات بقيام قيمتها عشرون يرجع الى القيمة اذا تعذر المسمى واحد وعشرون جعلوا المجهول كالمعدوم. اثنان وعشرون والميسر ممنوع في المغالبات وفي المعاوضات. ثلاثة وعشرون الصلح جائز في كل المعاملات وفي الحقوق. الا اذا قصف او شرط او استثناء او غيرها. واحد وثلاثون الشركاء في الاملاك والحقوق والمنافع يلزم الممتنع منهم بما يعود على المشترك من الامور الضرورية والمصارف والتعميرات ونحوها. اثنان وثلاثون. الشركاء يشتركون في زيادة الاملاك المشتركة وفي نقصانها حسب املاكهم. ثلاثة وثلاثون الاحكام تتبعض بحسب تباين اسبابها. فيعمل كل سبب في مقتضاه ولو باين الاخر اربعة وثلاثون. من ابدى عن غيره واجبا بنية الرجوع رجع عليه. خمسة وثلاثون الوصف كاف في الاموال المجهول صاحبها. ستة وثلاثون. اسباب الضمان ثلاثة. مباشرة الاتلاف بغير حق او التسبب ولذلك او اليد الظالمة سبعة وثلاثون اذا تزاحمت المصالح قدم الاعلى منها فيقدم الواجب على المستحب والراجح مصلحة على المرجوح. واذا تزاحمت المفاسد ارتكب الاخف منها اذا اضطر او احتيج للتناول فيرتكب المكروهة فادح عن الحرام والمشتبه عن الواضح وما كان اخف تحريما على ما عظم تحريمه. ثمانية وثلاثون. الاصل في الاشياء الطهارة فلا ينجس منها الا ما تيقنا نجاسته. تسعة وثلاثون. الاصل في الاشياء الحل والاباحة فلا يحرم منها الا الخبير الكنيسة التي نهى الشارع عنها. اربعون اذا خير الانسان بين امور فان كان واجبا عليه لمصلحته فهو تخيير تشه واختيار وان كان لمصلحة غيره فهو تخيير اجتهاد في مصلحة الغير. واحد واربعون ان سقطت عنه العقوبة لموجب ضوعف عليه الضمير اثنان واربعون من اتلف شيئا لينتفع به ضمنه. ومن اتلفه دفعا لمضرته فلا ضمان عليه ثلاثة واربعون عند اختلاف المتعاملين في صفة من صفات المعاملة يرجح اقواهما وارجحهما دليلا. اربعة واربعون اذا اختلف المتعاملون في شرط او اجل او ادعى احدهما فساده فالقول قول من ينفيه حتى يقيم الاخر بينة. خمسة واربعون اذا عاد التحريم الى نفس العبادة او شرطها فسدت. واذا عاد امر خارج صحت مع التحريم. ستة واربعون يجوز تقديم العبادات او الكفارات على سبب الوجوب. ويجوز تقديمها بعد وجوب السبب. وقبل شروط الوجوب وتحققه. سبعة واربعون يجب فعل المأمور به كله فان قدر على بعضه وعجز عن بعضه وجب عليه فعل ما قدر عليه وسقط عنه ما عجز عنه الا ان يكون دور عليه وسيلة محضة او كان بنفسه لا يكون عبادة فلا يجب فعل ذلك البعض. ثمانية واربعون اذا اجتمع عبادة من جنس واحد تداخلت افعالهما واكتفي منهما بفعل واحد. تسعة واربعون. الاصل ان الاثر للعلة الموجودة لو احتمل وجود غيرها خمسون الاصل براءة الذمم. واحد وخمسون. بقاء ما في الذمم حتى نجزم بزواله. اثنان وخمسون اذا اشتغلت الذمة بوجوب عبادة او حق وجب الاحتياط حتى يتيقن البراءة من ذلك الواجب والحق. ثلاثة وخمسون استثناء المنافع المعلومة جائز في باب المعارضات. ويجوز الاستثناء للمنفعة المجهولة في باب التبرعات. اربعة من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرب. فان قبضه لحظ مالكه واحسانه اليه قبل قوله في الرد. خمسة وخمسون اذا ادى ما عليه وجب له ما جعل له عليه ستة وخمسون. من ملك المنفعة فله المعاوضة عليها. ومن ملك الانتباه ساعدونا المنفعة فليس له المعاوضة الا باذن. سبعة وخمسون من لا يعتبر رضاه في عقد او فسخ لا يعتبر علمه ثمانية وخمسون من بيده مال تعذر عليه علم صاحبه تصدق به عن صاحبه بشرط الضمان اذا وجده او سلمه للحاجة وبرئ من تبعته تسعة وخمسون من له الحق على الغير وكان سبب الحق ظاهرا فله الاخذ من ماله بقدر حقه عند الامتناع او التعذر وان كان السبب خفيا فليس له ذلك. ستون الواجب بالنذر يلحق بالواجب بالشرع في شروطه. واحد ستون الفعل الواحد ينبني بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد دون ما زاد على العادة. اثنان وستون. الاصل ان الشركاء جاء متساوون في املاكهم بقدر رؤوسهم حتى يأتي ما يدل على خلاف ذلك ثلاثة وستون. الحوائج الاصلية ليست بمال اربعة وستون يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا. خمسة وستون. الاسباب والدواعي للعقود والتبرعات معتبرة ستة وستون. القرائن اذا قويت قد يكون الحكم لها وتقدم على الاصل سبعة وستون. العبرة في وينوب عنه في كل ما له وما عليه الا ما استثني وهو خيار الشرط والشفعة على خلاف قوي في ذلك. واحد وسبعون المسلمون على شروطهم الا شرطا احل حراما او حرم حلالا. اثنان وسبعون ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله والله حسن وما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح. ثلاثة وسبعون اذا تضمن العقد ترك واجب او دخولا في محرم حرم ولم يصح وهذه مستخرجة من قاعدة الوسائل لها احكام المقاصد. اربعة وسبعون يجب حمل كلام الناطق في العقود والفسوق والاقرارات وغيرها على مرادهم مهما امكن. فهذه قواعد عظيمة نفعها لاهل العلم كبير. ولو وفصلت بعض التفصيل لجاء منها مجلد ضخم والله اعلم. الفصل الاربعون في تفسير الفاظ مهمة ينتفع بها كثيرا في الكتاب والسنة. الايمان هو التصديق الجازم باصول الايمان المعروفة مع انقياد القلب والجوارح. والاسلام كذلك عند الاطلاق ومتى جمع بينهما كان الايمان والاسلام كذلك عند الاطلاق. ومتى جمع بينهما كان الايمان اسما لماذا في القلوب من عقائد الايمان واقراراته. والاسلام اسما لاعمال القلوب والجوارح. البر اسم جامع يدخل فيه العقائد الايمانية واعمال القلوب واعمال الجوارح. ويدخل فيه جميع المأمورات وترك المنهيات. التقوى كذلك عند الاطلاق في البر والتقوى فاذا جمع بينهما كان البر اسما لفعل الطاعات والتقوى اسما لترك المناهي. النفاق مخالفة الظاهر الباطن فان كان في اصل الايمان كان نفاقا اكبر مخرجا عن الدين. وان كان في فروعه كان حاله بحسب ذلك الاثم والعدوان الذنوب والمحرمات المتعلقة بحق الله هي الاثم وهي المعاصي والذنوب والسيئات المتعلقة بظلم الخلق هي العدوان هذا عند الاجتماع. فاذا اطلق كل واحد من هذه الالفاظ دخل فيه الاخر. الصدق والصديقية واليقين هي العلم الراسخ الذي لا ريب فيه ولا شك. المثمر لطمأنينة القلب علما وطمأنينته سكونا لعبودية الله ولاعماله الجوارح فيدخل في ذلك العقائد الصادقة والاخلاق الحميدة الفاضلة والاعمال الصالحة والعلوم الصحيحة النافعة. وهي علم يقين واعلى منه عين اليقين واعلى منهما حق اليقين. الخشوع والاخبات سكون القلب وخضوعه لله وخصوصا وقت تلبس العبد بعبودية الله. الانابة هي انجذاب القلب في محبة الله. وعبوديته والرجوع اليه في كل حالة. التوبة هي الرجوع عما يكرهه الله ظاهرا وباطنا الى ما يحبه ظاهرا وباطنا. الهداية والاستقامة هي لزوم الصراط المستقيم ظاهرا وباطنا. فهي العلم بالحق والعمل به. الحكمة هي اصابة الصواب في القول والفعل. وهي فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي العدل والقسط بذل الحقوق الواجبة وتسوية المستحقين في حقوقهم. الظلم ضد ذلك. الصراط المستقيم هو الطريق المعتدل الموصل الى رضوان الله وثوابه. فهو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في كل احواله. المحسنون في عباده الله بتكميلها ظاهرا وباطنا. والى عباد الله في بذل المستطاع من نفعهم. الصبر حبس النفس على ما يحبه الله ورسوله هي ثلاثة اقسام صبر على طاعة الله حتى يؤديها وصبر عن معصيته حتى يدعها. وصبر على اقدار الله المؤلمة يتسخطها الشكر وهو الاعتراف بالنعم الظاهرة والباطنة عموما وخصوصا. مع التحدث بذلك والاستعانة بها على طاعة المنعم مع حبه والخضوع له. العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاعمال والاقوال الظاهرة والباط فعقائد الايمان واعمال القلوب والجوارح كلها داخلة في اسم العبادة. حدود الله تطلق على المحرمات. فيقال فيها لا تقربوها وتطلق على حدود الحلال والاحكام الشرعية. فيقال فيها لا تعتدوها. اي لا تجاوزوا الحلال الى الحرام. الطيبات تشمل كل ما ينفع ولا يضر من مآكل ومشارب ومناكح وملابس وغيرها. الخبيثات ضدها. المعروف اسم جامع بكل ما عرف حسنه شرعا وعقلا. المنكر ضده. الفلاح اسم جامع لكل مطلوب محبوب. وسلامة من كل مكروه لغو كل كلام لا نفع فيه في الدين ولا الدنيا العقل والحجر والحجا والنهى. هو الرزانة وفعل ما ينفع وترك ما يضر. والنظر العواقب وترجيح ما ترجحت مصلحته واولو الالباب اهل العقول الوافية. الحليم من الخلق هو المتخلق بالاخلاق الجميلة الذي لا يستفزه جهل الجاهلين. صاحب الثبات والتأني في اموره كلها. الكبر والتواضع. فسر النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بانه بطر الحق وغمط الناس. التواضع ضده قبول الحق مع من كان ولين الجانب. وحسن الخلق مع الخلق والتواضع لهم الشرك والكفر. الكفر اعم من الشرك. فمن جحد ما جاء به الرسول او بعضه بلا تأويل فهو كافر. سواء كان كتابيا او مجوسي او وثنيا او ملحدا او مستكبرا او غيرهم. سواء كان معاندا او كافرا ضالا او مقلدا شرك نوعان شرك في ربوبيته تعالى كشرك الثانوية المجوس الذين يعتقدون مع الله خالقا وشرك في الوهيته كشرك كسائر المشركين الذين يعبدون مع الله غيره ويصرفون له شيئا من العبادة ويشركون بينه وبين المخلوقين ويسوونهم في خصائصه التي لا يوصف بها غيره. القوام والبخل والتبذير. في تصريف الاموال. القوام الذي امر الله به ورسوله. بل فيما ينبغي من واجب ومستحب طريق نافع على الوجه الذي ينبغي. فهذا قوام واقتصاد وتوسط واعتدال. فان منع هذه الحقوق فهو البخيل. وان اسرف او زاد في النفقة عما ينبغي فهو التبذير والاسراف. الشجاعة والجبن والتهور. الشجاعة الاقدام في محل الاقدام. التهور الاقدام في غير محل الاقدام. فالشجاعة محمودة الجبن والتهور مذمومان لمنافى لطريق الحكمة وانحراف خلق صاحبهما. والاخلاص ان يقصد العبد بعمله رضا ربه وثوابه لا غرضا اخر من رئاسة او جاه او مال او غيرها. الذكر اذا اطلق ذكر الله شمل كل ما يقرب العبد الى الله من عقيدة او فكر او عمل او عمل بدني او ثناء على الله او تعلم علم نافع وتعليمه ونحو ذلك فكله ذكر لله اوصاف القلب اذا كان القلب عالما بالحق مريدا للحق مقدما له على غيره فهو القلب الحي الصحيح. واذا كان بضد ذلك كله فهو القلب الميت واذا كان شاكا في الحق مرتابا فيه فهو القلب المريض مرض الشبهات والشكوك. واذا كان مريدا للشر ميالا الى المعاصي فهو المريض مرض الشهوات. واذا كان القلب في غل او حقد على الخلق فهو المريض بالغش وعدم النصح. فنسأل الله ان يعافينا عافية تامة يصلح بها قلوبنا بالعلم والايمان والهدى والتقى. ومن عرف الحق وتركه فهو معاند متكبر مغفور عليه ومن تركه جاهلا به فهو جاهل ضال اعمى غير مهتدي. الفصل الحادي والاربعون في الاشارة الى البراهين العقلية والفطرية على ربوبية الله والهيته. اعلم ان هذه المسألة اعظم المسائل على الاطلاق واكبرها وافضلها اوجبها وانفعها واوضحها. وعليها اتفقت جميع الكتب المنزلة وجميع الرسل وهي اول واهم ما دعت اليه الرسل اممهم اول ما يدعون قومهم يقولون اعبدوا الله ما لكم من اله غيره ويذكرون لهم من اسمائه واوصافه ونعمه واله والطافه ما به يعرفون ربهم ويخضعون له ويعبدونه. والقرآن العظيم يبين هذه المسألة ويذكر لها البراهين المتنوعة ويصرف لها الايات والسنة كذلك. وليس القصد في هذا الفصل ذكرى الادلة النقلية عليها فانها واضحة جلية متقررة عند الخواص والعوام. وهي وحدها كافية وافية بالمقصود. معرفة بالله جملة وتفصيلا. ولكن نريد ان نشير اشارة تارة يسيرة الى ادلتها وبراهينها العقلية التي يخضع لها كل عاقل منصف. وينكرها كل مستكبر مكابر مباهت وهذه المسألة اوضح واظهر من ان يحتج لها. وتذكر براهينها. ولكن كلما عرف المؤمن براهينها قويت في قلبه وازداد ايمانه ونما ايقانه وحمد الله على هذه النعمة التي هي اعظم المنن واجلها. ولهذا قالت الرسل عليهم السلام لاممهم افي الله في شك فاستفهموهم استفهام تقرير وانه متقرر في قلوب جميع العقلاء الاعتراف بالله وبربوبيته وتوحيده. اعلم الله انك اذا نظرت الى هذا العالم العلوي والسفلي وما اودع فيه من المخلوقات المتنوعة والحوادث المتجددة. فتأمل تأمل صحيحا ان الامور الممكنة تقسيمها في العقل ثلاثة. واحد اما ان توجد هذه المخلوقات بنفسها من غير محدث ولا خالق فهذا محال ممتنع يجزم العقل ببطلان ضرره ويعلم يقينا ان من ظن ذلك فهو الى الجنون اقرب منه الى العقل. لان كل من له عقل يعرف انه لا يمكن ان يوجد شيء من غير موجد ولا محدث. اثنان واما ان تكون هي المحدثة لنفسها الخالقة لها هذا ايضا محال ممتنع بضرورة العقل. كل عاقل يجزم ان الشيء لا يحدث نفسه. واذا بطل هذان القسمان عقلا وفطرة تعين القسم الثالث وهو ان هذه المخلوقات والحوادث لها خالق خلقها ومحدث احدثها وهو الرب العظيم الخالق لكل شيء المتصرف في كل شيء المدبر للامور كلها. ولهذا نبه الله على هذا التقسيم العقلي الواضح لكل عاقل فقال ام خلقوا من شيء ام هم الخالقون ام خلقوا السماوات والارض بل لا يوقنون. المخلوق لابد له من خالق والاثر لابد له من مؤسف المحدث لابد له من محدث. والموجد لابد له من موجد. والمصنوع لابد له من صانع. والمفعول لابد له من فاعل هذه قضايا بديهية جلية تشترك في العلم بها جميع العقلاء. وهي اعظم القضايا العقلية. فمن ارتاب فيها فمن ارتاب فيها او شك في دلالتها فقد مرهن على اختلال عقله وضلاله. تفكر في نفسك وانظر في مبدأ خلقك من نطفة الى علقة الى مضغة حتى صرت بشرا كامل الاعضاء الظاهرة والباطنة. اما يضطرك هذا الى الاعتراف بالرب القادر على كل شيء. العليم الذي احاط علمه لكل شيء الحكيم في كل ما خلقه وصنعه. فلو اجتمع الخلق كلهم على النطفة التي جعلها الله مبدأ خلقك. على ان ينقلوها من تلك المتنوعة ويحفظوها في ذلك القرار المكين. ويجعلوا لها سمعا وبصرا وعقلا وقوا باطنة وظاهرة. وينموها هذه العجيبة ويركبوها هذا التركيب المنظم ويرتب الاعضاء هذا الترتيب المحكم. لو اجتمعوا على ذلك فهل في علومهم؟ وهل في اقتداء وهل في استطاعتهم الوصول الى ذلك؟ فهذا نظر يوصلك الى الاعتراف بعظمة الله واقتداره والخضوع له والتصديق بكتبه ورسله وهو دليل وبرهان عقلي وفطري. اضطرت فيه الفطر الى معرفة ربها وعبوديته. تأمل في حفظ الله للسموات والارض وما في فيهما من العوالم وما في ابقائها وامدادها بكل ما تحتاج اليه في بقائها من الاسباب المتنوعة. اما يدل كذلك على كمال الرب كمال قيومته وربوبيته. وقد نبه تعالى على ذلك بقوله ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره. وقوله سبحانه ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا. ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا. تدبر يا اخي في هذا الفلك الدوار. وفي تعاقب الليل والنهار. في تصريف الاوقات بفصولها ومنافعها. وفي كمال لمصالح الخلق التي لا يمكن احصاؤها. هل ذلك صدفة الطبيعة؟ وهل هذا حصل اتفاقا؟ ام الذي خلق ذلك ودبره ذلك البيرة المتقن الذي احسن كل شيء خلقه. صنع الله الذي اتقن كل شيء. وانظر هداك الله الى انه اعطى كل شيء خلقه اللائق ثم هدى كل مخلوق الى مصالحه وحوائجه وضروراته. حتى البهائم العجم صغيرها وكبيرها. قد الهمها وهداها لكل امر فيه نفعها ويسر لها ارزاقها واقواتها. فمن نظر في هدايته العامة وبثه في كل مخلوق الهاما عجيبا. يهتدي به الى وضروراته علم بذلك عنايته العظيمة. وعلم انه الرب لكل مربوب. الخالق لكل مخلوق. الذي علم المخلوقات ومن الاذهان ما يصلحها ويدفع عنها المضار وذلك برهان عقلي عظيم على وحدانية الله وكماله. لذلك لما انكر فرعون رب العالمين. وقال فمن ربكما يا موسى؟ قال ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. فاستدل عليه بهذا البرهان المشاهد كل احد فهل في طبيعة الحيوانات كلها هذه الهداية الى مصالحها التي لا تحصى انواعها وحنوها على اولادها وقيامها بهم يستقلوا بانفسهم وهل هذا الحنان والرحمة الا من اكبر الادلة على عظمته وسعة رحمته التي وسعت كل شيء. ثم انظر رحمك الله الى رحمة الله التي ملأت اقطار العالم وشملت كل مخلوق في كل احواله برحمته اوجد المخلوقات. وشملت كل مخلوق في كل احواله برحمته اوجد المخلوقات وبرحمته حفظها وامدها بكل ما تحتاج اليه. واسبغ عليها النعم الظاهرة والباطنة التي لا يمكن لمخلوق ان يخلق منها طرفة عين. وهي متنوعة عليه من كل وجه. نعم العلم والتعليم لامور الدين والدنيا ونعم العافية للابدان عموما وللاعضاء كلها على وجه الخصوص. ونعم الارزاق ونعم الاولاد والاتباع. ونعم الحروف والزروع والثمار ونعم المواشي اصناف الامتعة ونعم الدور والقصور ونعم اللذات والحبور. النعم التي فيها جلب المنافع كلها. والنعم التي فيها دفع المضاد تدل اكبر دلالة على وحدانية مسديها والمنعم بها. وعلى وجوب شكره والاخلاص له. افمن يخلق كمن لا يخلق. افمن منهم والنعم كلها كمن هو فقير محتاج مضطر. ثم انظر احوال المضطرين الواقعين في المهالك والمشرفين على الاخطار والبائسين من فقرهم المفظع او مرضهم الموجع. وكيف تضطرهم الضرورات؟ وتلجأهم الحاجات الى ربهم والههم. داعين ومفتقرين وسائلين لهم مستعطين فيجيب دعواهم ويكشف كرباتهم ويرفع ضروراتهم. اليس في هذا اكبر برهان على وحدانيته وسعة علمه وشموله رحمته وكمال عطفه ودقيق لطفه. قال سبحانه امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض ءاله مع الله قليلا وقال سبحانه هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى اذا كنت بريح طيبة وجرين بهن بريح طيب ريح عاصف وجاءهم الموج من كل ا والله مخلصين له الدين لان انجيتنا من هذه لنكونن من فلما انجاهم اذا هم يبغون في الارض بغير الحق. وهذا شاهده الخليقة ورأوا باعينهم من الوقائع ما لا يعد ولا يحصى. هذا يضطرهم الى الاعتراف بالله وبوحدانيته. فانظر الى حالة المضطرين اذا كربتهم الشدائد كيف تجد قلوبهم متعلقة بالله والسنتهم ملحة في سؤاله وافئدتهم مستشرفة لنواله لا تلتفت عن الله يمنة ولا يسرة. لعلمها الضروري انه كاشف الشدائد جالب الخيرات والفوائد. لا ملجأ منه الا ولا معول للخليقة في جميع امورها الا عليه. فهل هذه الامور الا لان الخليقة مفطورة على الاعتراف بوحدانية ربها اه وانه النافع الضار وان ملكوت كل شيء بيديه الا من فسدت فطرته بالعقائد الفاسدة والارادات السيئة. وانظر الى الخلائق كلهم الى الله في كل شيء. الفقراء اليه في الخلق والايجاد. وفقراء اليه في البقاء والرزق والامداد. وفقراء اليه في بالمنافع ودفع المضار فهم يسألون الله بلسان المقال ولسان الحال. تسأله من في السماوات والارض فيعطيهم مطالبهم ويسعفهم هم في كل مآربهم ان رغبوا لم يرغبوا الا اليه. وان مستهم الضراء لم يلجأوا الا اليه. فكم كشف الظر والكروب؟ وكم جبر الكثير ويسر المطلوب وكما غاث ملهوفا وكم انقذ هالك. ففقرهم اليه في كل الاحوال ظاهر مشاهد. وغناه عنهم في جميع الامور لا تنكره الا مكابر جاحد. ومن براهين وحدانية الباري وربوبيته. اجابته للدعوات في جميع الاوقات. فلا يحصي الخلق ما يعطيه السائلين وما يجيب به ادعية الداعين من بر وفاجر ومسلم وكافر. تحصل المطالب الكثيرة ولا يعرفون لها سببا من الاسباب سوى الدعاء والطمع في فضل الله والرجاء لرحمته. وهذا برهان مشاهد محسوس لا ينكره الا مباهت مكابر. يدعونه في مطالب دينهم يجيبهم وفي مطالب دنياهم فيجيبهم. فمن الناس من يقول ربنا اتنا في الدنيا وما له في الاخرة من طلاق ومنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. اولئك لهم نصيب مما كسبوا. ومن براهين وجود الله ووحدانيته وربوبيته. ما يجريه الله على ايدي انبيائه من خوارق الايات والمعجزات والبراهين القاطعات. وما يكرمهم به في الدنيا وينصرهم ويجعل لهم العواقب الحميدة. ويخذل اعدائهم ويعذبهم باصناف العذاب. وهذا قد تواتر تواترا لا يتواتر شيء مثله. وكل احد يعرف ذلك. وايات الانبياء ومعجزاتهم وكرامات والله لهم نقلتها القرون والاجيال وصارت اعظم من برهان الشمس والقمر وهي كلها براهين على ربوبية من ارسلهم وعظمة وكمال قدرته وسعة علمه وحكمته وما ينكرها الا كل منكر متكبر جبار. ومن اعظم براهين وحدانيته ما انزله على عموما من الكتب والشرائع العظيمة التي فيها صلاح الخلق وبها استقام دينهم وصلحت دنياهم. وخصوصا هذا القرآن الذي انزله على محمد صلى الله عليه وسلم خاتمهم وامامهم. وفيه من البراهين والايات ما لا يعبر عنه المعبرون. ولا يقدر ان يصفه الواصفون واياته قائمة في جميع الاوقات. متحدية للخلق كلهم على اختلاف اصنافهم. وقد تبين عجزهم ووضح غيهم. قال سبحانه فيهم اياتنا في الافاق وفيها انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ويقول سبحانه وجئنا بك شهيدا على ونزلنا عليك كل شيء وهدى ورحمة وبشرى وللمسلمين. فمن نظر الى ما احتوى عليه القرآن من الاخبار الصادقة والاحكام العادلة والشرائع المحكمة. والصلاح العام جلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضار والخير العظيم. اضطر الى الاعتراف بانه تنزيل من حكيم حميد. ورب كريم مم وكذلك من نظر الى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الشرع الكامل والدين القويم والصراط المستقيم في كل شؤونه اضطره بعض ذلك فكيف بكله الى الاعتراف بوحدانية الله؟ وان الذي شرعه هو الرب العظيم الحكيم في شرعه ودينه كما هو حكيم في خلقه وتقديره ومن براهين وحدانية الله ان الفطر والعقول مضطرة الى معرفتها بباريها والاعتراف بوحدانيته. فان الخلق مفطورون على جلب المنافع ودفع المضار. ومن المعلوم لكل عاقل ان حاجة النفوس الى خالقها والهها. اعظم من جميع الحاجات وضروراتها اليه تفوق كل الضرورات. فهي مضطرة الى علمها بانه خالقها وحده. مالكها وحده ومبقيها وحده وممدها بمنافعها فطرة الله التي فطر الناس عليها ذلك الدين القيم. ولم يخرج عن هذه الفطرة الا من اشتالتهم الشياطين. وحولت وغيرتها بالعقائد الفاسدة والخيالات الضالة والاراء الخبيثة والنظريات الخاطئة. فلو خلوا فطرهم لم يميلوا لغير ربهم منيب اليه في جلب المنافع ودفع المضار ومنيبين اليه في التأله والانكسار. قال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة هواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه. كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء. هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا انتم تجدعونها ومن براهين وحدانيته وكرمه ما هو مشهور في حوادث لا تعد ولا تحصى من اكرام الله تعالى للواصلين لارحامهم العاجل على المحسنين على المضطرين والمنفقين لاجله على المحتاجين. وتعويضه لهم وفتحه لهم ابوابا واسبابا وطرقا بسبب ذلك الاحسان الذي له الموقع الطيب. قد علم الخلق ان ذلك سببه تلك الاعمال الصالحة. والمقدمات الحسنة. الا يدل كذلك على ان الله قائم كن على كل نفس بما كسبت وان هذا جزاء معجل وثواب حاضر نموذج لثواب الاخرة. وافراد ذلك وانواعه لا تدخل تحت الحصر هذا الامر لا يمتري فيه احد. قد رأى الناس من هذا عجائب. ونظير هذا البرهان العقوبات التي يعجلها الله للباغين والظالمين والمجرمين بحسب جرائمهم عقوبات يشاهدها الناس رأي العين ويعلمون ويتيقنون ان ذلك جزاء لتلك الجرائم. فمن تأمل وسمع الوقائع قيام الله في الخلق وعلم ارتباطها باسبابها الحسنة او السيئة. علم بذلك وحدانية الله وربوبيته. وكمال عدله وسعة فضله. فضلا عن وجوده ووجوب وجوده فان كل ما دل على شيء من اوصافه او افعاله فانه يتضمن اثبات ذاته ووجوب وجوده وعلم استناد العوالم العلوية والسفلية اليه في ايجادها وابقائها وحفظها وامدادها وجميع احوالها. واعلم ان طرق معرفة الله واسعة جدا بحسب الخلق وضرورتهم اليها. وكل يعبر عنها بعبارات اما كلية واما جزئية بحسب الحال التي تحضره وبحسب الامور التي تغلب عليه والا فكل ما خطر في القلوب وشاهدته الابصار وادركته المشاعر. وكل متحرك وساكن ادلة وبراهين على وحدانية اه وفي كل شيء له اية تدل على انه الواحد. ولكن الجزئيات تسبق الى الاذهان وتفهمها القلوب ويحصل بها النفع العاجل لسهولتها وبساطتها وكونها تدرك بالبديهة. فلنذكر امثلة وحكايات من هذا النوع للمتقدمين ولاهل هذا العصر سئل بعضهم بما عرفت ربك؟ فقال ان البعرة تدل على البعير واثار السير تدل على المسير. فسماء ذات ابراج وارض فجاج وبحار ذات امواج. الا تدل على اللطيف الخبير؟ واجتمع طائفة من الملاحدة ببعض اهل العلم اظنه ابا حنيفة فقالوا له ما الدلالة على وجود الصانع؟ فقال لهم دعوني فخاطري مشغول بامر غريب. قالوا له ما هو؟ قال بلغني ان في دجلة سفينة بلغني ان في دجلة سفينة عظيمة مملوءة من اصناف الامتعة العجيبة. وهي ذاهبة وراجعة من غير احد يحركها لا يقوم عليها وقالوا له امجنون انت؟ قال وما ذاك؟ قالوا ان هذا ليصدقه عاقل. فقال لهم فكيف صدقت عقولكم ان هذا العالم بما فيه من الانواع والاصناف والحوادث العجيبة. وهذا الفلك الدوار السيارة تجري. تحدث هذه الحوادث بغير محدث. وتترك هذه المتحركات بغير محرك فرجعوا على انفسهم بالمنام وقيل لبعضهم بما عرفت ربك؟ فقال هذه النطفة التي يلقيها الفحل برحم الانثى فيطورها الله من نطفة الى علقة الى مضغة الى اخر اطوارها. فيكون بشرا سويا كامل الاعضاء الظاهرة والباطنة. له سمع يسمع به المسموعات بصر يبصر بها. وعقل يهتدي به الى مصلحة. ويدان يبطش بهما ورجلان يمشي بهما. وله منافذ يدخل فيها ما يغذي البدن ومنافذ اخرى يخرج منها ما يضره. وقد ركب هذا التركيب العجيب الذي لو اجتمعت الخلق كلهم من اولهم الى اخرهم على ايجاد شخص واحد على هذا الوصف المحكم الغريب لعجزت معارفهم وقدرهم عن ذلك. اليس ذلك دليلا وبرهانا على وجود الخالق وعظمته وكبريائه. وقد كرر الله هذه الاية في كتابه في اساليب متنوعة. وقيل لبعضهم بما عرفت ربك؟ فقال بنقض العزائم ذلك ان العبد يعزم عزما مصمما على امر من الامور وليس عنده فيه ادنى تردد. ثم بعد ذلك تنتقد همته ثم بعد ذلك تنتقد همته وعزمه الى امر اخر قد يرى فيه مصلحته. وما ذلك الا لان الله على كل شيء قدير يصرف القلوب عما يدبر للابدان انه لطيف بعبده فيصرفه عما يضره الى ما ينفعه. ويدبر قلبه الى ذلك. سئل بعضهم بما عرفت ربك؟ فقال كنت مكروبا فدعوت ففرج كربتي. وكنت فقيرا فسألته فاغناني. وكنت مريضا فدعوته فشفاني. وكنت ضالا عن الهدى فلطف بي وهداني. وليس فهذا الامر لي وحدي فكم له على عباده من اصناف النعم المشاهدة المحسوسة. ومن هذه الانواع شيء كثير. وهذا يضطر الى معرفته بربوبيته. وسئل اخر بما يعرف الله؟ فقال قد رأينا ورأى الناس في الدنيا مصارع البغاة المجرمين وعواقبهم الوخيمة كما رأوا حسن عواقبه في المحسنين. وقيل لاخر بما يعرف الله؟ فقال بايصاله النعم الى خلقه وقت الحاجة والضرورة اليها. هذا غيث ينزله وقت الحاجة ويرفعه اذا خيف منه الضرر وهذا الفرج يأتي بعد الشدة. والمطالب بعد الاضطرار اليها. وهذه اعضاء الانسان وقواه يعطيه الله اياها شيئا فشيئا بحسب حاجته اليها. فهل يمكن ان تكون هذه الامور صدفة بغير اتفاق؟ ام يعلموا بذلك علم اليقين ان الذي اعطاهم اياها وقت الحاجة والضرورة هو الرب المعبود الملك المقصود. قلت ومن هذا الباب ما نحن فيه انه لما كانت معرفة الله يضطر اليها العباد ويحتاجونها في كل وقت فوق جميع الحاجات فسرها الله وفتح لعباده طرقها. واوضح لهم ادلتها وليست اليها من الحوائج العارضة وانما هي من الحوائج الملازمة لهم في كل لحظة وساعة. فنسأله ان يمن علينا بمعرفته وبالايمان كامل انه جواد كريم. وقيل لبعضهم باي شيء يعرف الله؟ فقال يعرف الله بانه علم الانسان انما لم يعلم خرج من بطن امه لا يعلم شيئا. فاعطاه الات العلم ويسر له اسباب العلم. فلم يزل يتعلم امور دينه حتى صار عالما ربانيا. ولم يزل يتعلم امور دنياه حتى صار ماهرا مخترعا للعجائب ويسر له كل سبب يوصله الى ذلك. ومن عجيب الامر ان اللوح اذا كتب فيه وشغل بشيء لم يسعه خيرة ولم يمكن ان يكتب فيه شيء اخر قبل محو ما كتب فيه اولا. وقلب الانسان لا يزال يحفظ ويعقل من العلوم والمعارف المتنوعة. وكلما توسعت معارفه قويت حافظته. واشتدت ذاكرته وتوسعت افكاره. فهل هذه في طوق البشر وقدرتهم ام هذا اكبر برهان على عظمة الله ووحدانيته وكماله وسعة رحمته. وقيل بما يعرف الله فقال هذه النواة يغرسها الناس فيأتي منها النخيل والاشجار وتخرج من الثمار العظيمة ما به ينتفع الخلق. وهذه الحبوب في الارض فتخرج اصناف الزروع التي هي مادة اقوات العباد. ثم لا تزال تعاد وتغل كل عام. اليس هذا اكبر برهان ودليل على وجود الله وقدرته وعنايته ورحمته. قلت وقد نبه الله على هذا المعنى الجليل في عدة ايات مثل قوله اه وقوله سبحانه افرأيتم ما تحرثونه وقيل لمن بادر الى الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لم فعلت ذلك؟ فقال رأيتهما بشيء فقال العقل ليته لم يأمر به ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته امر به فاستدل بنور عقله وقوة بصيرته على صدق الرسول ما جاء به وموافقته للعقول السليمة وللحكمة. وقيل لاخر من العارفين باي شيء يعرف الله؟ فقال بذوق حلاوة الطاعات هذا استدلال برهاني وجداني يضطر العبد الى كمال الايمان واليقين. فان من وجد حلاوة الايمان وذاق لذة اليقين فقد بلغ الذروة العليا يا في الايمان وقيل لاخر باي شيء يعرف الله؟ قال بانتظام الاسباب ثم بتحويله الاسباب ومنع مسبباتها وبايجاده الاشياء لاسباب يعقلها الخلق وهذا صحيح. فانه اجرى الامور على اسبابها ومسبباتها قدرا وشرعا في حكمة بالغة. ومنع بعض الاسباب في اردت باثارها عليها كما في معجزات الانبياء وكرامات الاولياء. وكذلك يوجد كثيرا من الاشياء بغير الاسباب المعهودة. كما اوجد عيسى من من بلا اب ويحيى بين ابوين لا يولد لمثلهما. واشياء كثيرة من هذا النوع ليعرف العباد انه المتصرف التصرف المطلق. وانه كما يتصرف في الاشياء باسباب مربوطة معلومة. كذلك يتصرف فيها بغير المعهودة. ولذلك كان جمهور هذا النوع من المعجزات والكرامات هي كلها براهين على وحدانية الله والاهيته وربوبيته. وقيل لبعضهم بما يعرف الله؟ قال انظر في مواد الرزق. وتأمل حالك فمن لهم موجودات وعقارات وغلات كثيرة ولكنهم اتكلوا عليها فضاقت عليهم الامور وركبتهم الديون وجاءت الامور على بخلاف ما يأملون ثم انظر الى اناس كثير ليس لهم عقارات ولا غلات وانما عندهم اسباب بسيطة. قد بارك الله لهم وبسط لهم الرزق ذلك بان قلوبهم على الدوام متطلعة الى ما عند الله راجية منه تسهيل الرزق. متوكلين عليه حق التوكل. بذلك يعرف الله وبذلك يعلم ان الامر كله لله كما ننظر الى القوي من الناس الذي جمع بين القوة والذكاء. وبين السعي الحثيث ورزقه مقطر ونرى البليد الذي ليس عنده من الذكاء والقوة عشر معشار ما عند الاول. والله قد بسط له الرزق ويسر له امره. وهذه امور مشاهدة محسوسة واضطر العاقل الى الاعتراف بوحدانية الله وقيامه على كل نفس بما كسبت. وقيل لاخر باي شيء تعرف ربنا؟ قال مداولته الايام بين العباد في العز والذل والغنى والفقر باسباب وبغير اسباب. وقيل لاخر باي شيء يعرف الله؟ فقال بقوله تعالى مصداقها بين الخليقة وان كل احد قد يسر الله له من اسباب الرزق ما به يعتاش. هذا بتجارته وهذا بصناعته وهذا بحراسته وهذا بخدمته وهذا بمخلفات من قبله وهذا بتنميته للمواشي وهذا باحسان غيره عليه وهذا بكد غيره الى اخر الاسباب التي قدرها العزيز الحكيم ونوعها العليم الرحيم. فسبحان من وصل رزقه الى الذرات في مهامه البراري وقعور المظلمات قلت وهذه الاجوبة كلها عن الكليات والجزئيات صحيحة. تضطر العقول الى الاعتراف بربها وبوحدانيته. ويمكن مضاعفتها الى اضعاف في اضعاف كثيرة فانك اذا نظرت نظرة عمومية الى العالم العلوي والسفلي وعظم هذه المخلوقات وانتظامها العجيب وترتيبها المحكم وما يترتب على ذلك وينتج عنه من مصالح العالم او المخلوقات. علمت ان لهذا العالم ربا عظيما وملكا كبيرا قادرا مقتدرا خضعت له الاكوان ودانت له الخليقة واخذ بنواصي العباد. وعلمت ان هذه النيرات وما يتبعها مدبرات ليس لها من الامر شيء انما هي عبيد لله مسخرات بتسخيره مدبرات بتدبيره. ثم اذا نظرت لكل مخلوق على حدته وتأملت في ابتداء خلقته وفي صفاته واحواله وتنقلاته دل كذلك على ان له الها مدبرا وربا متصرفا. وان جميع ما هو عليه من الوجود والصفات ليس من نفسه ولا من ايجاده وانما ذلك خلق رب عظيم. وتدبير ملك كريم. ثم اذا تأملت في احوال نفسك وفي صفات بدنك الظاهرة باطنة وفي محسوساتك ومعقولاتك علمت بلا ريب انك مخلوق. عبد فقير الى ربك في كل امورك. فقير اليه في الايجاد. وفقير اليه في الامداد بالقوى والعقل والارزاق. وفقير اليه في حفظك وبقائك. وفقير اليه في ابتدائك وانتهائك. ثم اذا نظرت في خوارق في العادات وفي معجزات الانبياء وكرامات الاولياء التي لا يحصي عددها العادون. علمت بذلك عظمة الباري وانه مقدر الامور ومسبب الاسباب ورب كل شيء ومليكه. وكذلك اذا نظرت كثرة اجابته للداعين وكشفه الضر عن المضطرين واغاثته للملهوفين هي وقائع كثيرة لا حصر لها. اضطرك الامر الى الاعتراف بالربوبية والوحدانية. ثم اذا نظرت الى ايامه تعالى في الناس وقيامه بالعدل فضل وتعجيله ثواب المحسنين وعقوبات المجرمين. علمت انها براهين محسوسة وادلة مشاهدة تشهد لله بانه قائم على كل نفس بما كسبت مجاز كل عامل بعمله. ثم اذا نظرت في دينه وشرعه وما فيه من الخير العظيم. والمصالح الظاهرة والثمرات وانه مصلح للعقائد مصلح للاخلاق. مصلح للاعمال مصلح للدنيا والدين. محكم الاصول. ثابت القواعد لا يمكن عقلاء الامم اجمعين ان يأتوا بمثله في اصلاح احوال البشر ودفع الشرور عنهم وانه لم يأت ولن يأتي علم صحيح يناقض شيئا من اخباره بل كلها مطابقة للعقول وفيها تفصيلات لا تهتدي اليها العقول الا بارشاده وهدايته. وشاهدت احكامه في العبادات والمعاملات وغيرها وما فيها من الخير والعدل والصلاح المتنوع. وشاهدت كل نفع واصلاح وجد ويوجد. موجودة اصوله واسسه في هذا الدين. وعلمت ان انه عصمة للبشر عن الشرور والمضار عرفت بذلك وحدانية الله في اسمائه وصفاته وافعاله وانه شرع شرعه العزيز المجيد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. واذا علمت اخبارا كثيرة اخبر بها الله ورسوله. فشاهد الخلق وقوعها جهرا طبق خبر الله وخبر رسوله دل كذلك على الاعتراف بالله وعظمته وكمال سلطانه وكبريائه. فهذه كلها ادلة عقلية ضرورية وهي براهين قاطعة على وجود الله ووجوبه ووحدانيته. وهي في الحقيقة اعظم الحقائق الصحيحة التي تتفق عليها العقول الصحيحة والفطر سليمة وكلها تنبيهات واشارات. لو بسطت بعض البسط لبلغت مجلدات. والمؤمن يزداد بها ايمانا ويقينا. والا فهو مكتف غاية الاكتفاء ومستغن غاية الاستغناء في هذه المسألة الكبيرة وغيرها بخبر الله ورسوله. ويعتقد بلا ريب انه لا اصدق من الله قيلا ولا اصدق من والله حديثا ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا. ربنا امنا بما انزلت اتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين. ولكن العقل مؤيد للشرع ومعترف بكمال الشرع وهدايته. وانه مضطر الى الشرع ومتكمل بارشاداته ومهتد بانواره. فالعقول لا تستنير ولا تستقيم حق الاستقامة الا بالدين والشرع. ولهذا يكثر تعالى من قوله لايات ات لقومي يعقلون ويامر بالتفكر والتدبر لاياته المشهودة والله اعلم. الفصل الثاني والاربعون في اداب وفوائد منثورة لا تدخل تحت نوع واحد انما هي بحسب ما يسمح بالبال. من الاداب الطيبة اذا حدثك المحدث بامر ديني او دنيوي الا تنازعه الحديث اذا كنت تعرفه. بل تصغي اليه اصغاء من لا يعرفه ولم يمر عليه. وتريه انك استفدته منه كما كان الباء الرجال يفعلونه. فيه من الفوائد تنشيط المحدث وادخال السرور عليه. وسلامتك من العجب بنفسك سلامتك من سوء الادب فان منازعة المحدث حديثه من سوء الادب. ومن الاداب ان تشكر من صنع اليك معروفا قوليا او فعليا او ماليا ولو يسيرا. وتبدي له الشكر. وبهذا امر الله ورسوله. وعلى هذا اتفق العقلاء. ومن الاداب الطيبة الكلام مع كل احد بما يليق بحاله ومقامه مع العلماء بالتعلم والافادة والاحترام ومع الملوك والرؤساء بالاحترام والكلام اللطيف اللين المناسب لمقامهم ومع الاخوان والنظراء بالكلام الطيب ومطارحة الاحاديث الدينية والدنيوية والانبساط الباسط للقلوب المزيل للوحشة المزين للمجالس. ويحسن المزح احيانا اذا كان صادقا. ويحصل فيه هذه المقاصد مع المستفيدين من الطلبة ونحوهم بالافادة ومع الصغار والسفهاء بالحكايات والمقالات اللائقة بهم مما يبسطهم ويؤنسهم ومع الاهل والعيال تعليمي للمصالح الدينية والدنيوية والتربية البيتية وتوجيههم للاعمال التي تنفعهم مع المباسطة والمفاكة فانهم احق ببرك ومن اعظم البر حسن المعاشرة. ومع الفقراء والمساكين بالتواضع وخفض الجناح. وعدم الترفع والتكبر عليهم حصل بهذا من خيرات وبركات. وكم حصل بضده من شر وفوات خير. ومع من تعرف منه البغض والعداوة والحسد بالمجاملة وعدم خشونة وان امكنك الوصول الى اعلى الدرجات وهي قوله تعالى ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي فما اكمله من مقام ومن لا يوفق له الا ذو حظ عظيم. واحذر غاية الحذر من احتقار من تجالسه من جميع طبقات الناس وازدرائه والاستهزاء به قولا او وفي علاج تصريحا او تعريضا فان فيه ثلاثة محاذير. احدها التحريم العظيم والاثم على فاعل ذلك. الثاني دلالته على صاحبه وسفاهة عقله وجهله الثالث انه من ابواب اثارة الشر والضرر على نفسه اياك ان تتصدى في مجالسك مع الناس عليهم وانت لست برئيس وان تكون ثرثارا متصدرا لكل كلام. ربما من جهلك وحمقك ملكت المجلس على الجلوس. وصرت انت الخطيب والمتكلم دون غيرك. وان من الاداب الشرعية والعرفية مطارحة الاحاديث. وكل الحاضرين يكون له نصيب من ذلك. اللهم الا الصغار مع فعليهم لزوم الادب والا يتكلموا الا جوابا لغيرهم. متى اخبرك صاحبك او غيره انه اوقع تصرفا او عقدا او عملا من الاعمال وكان قد مضى وتم فينبغي ان تبارك له وتدعو له بالخير والبركة وتصوبه له اذا كان باعتقادك صوابا فان هذا فيؤنسه ويشرح صدره. واياك في هذه الحال ان تخطئه فتحدث له الحسرة والندامة. وقد فات الاستدراك الا اذا كان غرضك تعليمه نصيحته النافعة للمستقبل. واما اذا اخبرك بشيء مما سبق وهو كالمستشير لك. ولم يتم الامر فعليك في هذه الحال ان تبدي له ما عندك من الرأي وتمحض له النصيحة ففرق بينما امكن استدراكه وتلافيه وبينما ليس كذلك. والله اعلم من الاداب الشرعية الطيبة تنظيف الجسد والثياب والاواني المستعملة والفرش والمجالس عن الاوساخ كلها وما يقبح مرآه. فقد ورد ان الله نظيف يحب النظافة. ينبغي تخير الاصحاب. اهل الدين والعقل والادب والمروءة. ثم الامثل فالامثل. فالمرء على دين خليله وعقله وادبه فلينظر من يخالل وعلى العاقل ان يرمق احوال الناس كما رآه منتقدا عندهم من العادات والاخلاق والافعال تركه وان لم يخالف عرفهم للامور الشرعية. وما رآه محمودا من هذه الاشياء فعله. وحينئذ ينتفع بمخالطة وتعرف ما يحمدونه من العوائد وما يذمونه. وكل هذا بشرط الا يكون في الفعل او الترك محذور شرعي. فان كان محذور شرعي تعين تقديم الامر الشرعي على كل عادة وعرف. وقد علمنا بالتتبع والاستقراء ان كل عرف خالف الشرع فانه ناقص مختل وهذه قاعدة مطردة لا تنتقض من الغلط الفاحش الخطر. قبول قول الناس بعضهم في بعض ثم يبني عليه سامع حبا وبغضا ومدحا وذما. فكم حصل بهذا الغلط امور صار عاقبتها الندامة. وكم اشاع الناس عن الناس امورا لا لها بالكلية او لها بعض الحقيقة فنميت بالكذب والزور وخصوصا من عرفوا بعدم المبالاة بالنقل او عرف منهم الهوى الواجب على العاقل التثبت والتحرز وعدم التسرع. وبهذا يعرف دين العبد ورزانته وعقله. اياك والاصغاء الى قول النمام انت تصدقه ثم اياك ان تبني على كلامه ما يضرك. ثم اياك ان تبدي له ما لا تحب اطلاع احد عليه. فان فعلت فلا تلومن الا نفسك وابتعد غاية البعد عنه مهما امكنك فان كان لابد منه ولن يسلم احد من هذا فاسمع منه غير واثق بكلامه ولا استتن عليه ولا تعطه من الكلام الا الذي توطن نفسك على اشاعته وظهوره. واخز من هذا النوع ما تخشى مغبته وتخشى ان يزاد فيه وينقص. كن حافظا للسر ومعروفا عند الناس بحفظه. فانهم اذا عرفوا منك هذه الحال افضوا اليك باسرارهم. وعذروك فاذا طويت عنهم سر غيرك الذي هم عليه مشفقون. وخصوصا اذا كان لك اتصال بكل واحد من المتعادين. فان الوسائل الاستخراج ما عندك تكثر وتتعدد من كل من الطرفين. فاياك اياك ان يظفر احد منهم بشيء من ذلك تصريحا او تعريضا. واعلم ان للناس في استخراج ما عند الانسان طرقا دقيقة ومسالك خفية فاجعل كل احتمال وان بعد على بالك ولا تؤتى من جهة من جهاتك فان هذا من الحزم. واجزم بانك لا تندم على الكتمان. وانما الضرر والندم في العجلة والتسرع والوثوق بالناس ثقة تحملك فعلى ما يضر الاصل والميزان في هذا وغيره قوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت متفق عليه العاقل من اغتنم الفرص فانها تمر مر السحاب. كما قال صلى الله عليه وسلم اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل سيراميك وفراغك قبل شغلك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك. النظر الى العواقب معونة عظيمة في سهولة الاعمال النافعة وفي الاحتراز مما يخاف ضرره. فان العواقب الطيبة يسهل على العبد كل طريق يوصل اليها وان كان شاقا لما يرجو من الثمرة من بذل المجهود في السعي في الامور النافعة واستعان بالمعبود عليها واتاها من ابوابها ومسالكها ادرك المقصود فان لم يدركه كله ادرك بعضه. وان لم يدرك منه شيئا لم يلم نفسه ولم يذهب عمله سدى. وخصوصا اذا ثابر على العمل ولم يتضجر فقل من جد في امر تطلبه واستصحب الصبر الا فاز بالظفر. تم والحمد لله رب العالمين عبدالله بن سليمان بن عبدالله السلمان نقله من خط مؤلفه في العشرين من رجب سنة سبعين وثلاثمائة والف من الهجرة صلى الله عليه محمد وسلم تسليما