المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله القاعدة الرابعة والخمسون كثيرا ما ينفي الله الشيء لانتفاء فائدته وثمرته المقصودة منه وان كانت صورته موجودة. وذلك ان الله خلق الانسان وركب فيه القوى من السمع والبصر والفؤاد وغيرها ليعرف ربه ويقوم بحقه هذا المقصود منها وبوجود ما خلقت له تكمن ويكمن صاحبها وبفقد ذلك يكون وجودها اضر على الانسان من فقدها فانها حجة الله على عباده ونعمته التي توجد بها مصالح الدنيا والدين فاما ان تكون نعمة تامة اذا اقترن بها مقصودها او تكون محنة وحجة على صاحبها اذا استعملها في غير ما خلقت له ولهذا كثيرا ما ينفي الله تعالى هذه الامور الثلاثة من اصناف الكفار والمنافقين كقوله سم بكم عميوا فهم لا يعقلون وكقوله واكثرهم لا يعقلون وكقوله ولكن اكثرهم لا يعلمون وكقوله لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها. فاخبر ان صورها موجودة ولكن فوائدها وقال تعالى فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. وقال تعالى انك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء اذا ولوا مدبر والايات في هذا المعنى كثيرة جدا وقوله تعالى ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله. ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا. اولئك هم الكافرون حقا. فاثبت لهم الكفر من كل وجه. فلم يكن دعواهم الايمان ببعض مما يقولون. في بعض ما يقولون ببعض من ببعض فلم يكن دعواهم الايمان ببعض من يقولون امنا به من الكتب والرسل بموجب لهم الدخول بالايمان. لان ايمانهم بهم مفقودة سائدته حيث كذبوهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وغيره من الرسل الذين لم يؤمنوا بهم. وحيث انكروا من براهين الايمان ما هو اعظم من الطريق الذي اثبتوا به رسالة من ادعوا الايمان به وكذلك قوله تعالى ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر وما هو بمؤمنين. لما كان الايمان النافع هو الذي يتفق عليه القلب واللسان وهو المثمر لكل خير وكان المنافقون يقولون بالسنتهم ما ليس في قلوبهم نفى الله عنهم الايمان لانتفاء فائدته وثمرته ويشبه هذا ترتيب الباري كثيرا من الواجبات والفروض على الايمان. كقوله وعلى الله فليتوكل المؤمنون. وكقوله وعلى الله تتوكلوا ان كنتم مؤمنين. وكقوله واعلموا ان ما غنمتم من شيء فان لله خمسا. الى قوله كنتم امنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان. وقوله انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجد قلوبهم واذا سميت عليهم اياته زادتهم ايمانا. وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون اولئك هم المؤمنون حقا. وذلك ان الايمان الواجب يقتضي اداء الفرائض والواجبات ويقتضي اجتناب المحرمات. فما لم ذلك فهو الى الان لم يتم ولا ولم يتحقق. فاذا وجدت هذه الامور تحقق. ولهذا قال اولئك هم المؤمنون حقا. وكذلك لما كان العلم الشرعي يقتضي العمل به والانقياد لكتب الله ورسله. قال تعالى عن اهل الكتب المنحرفين. ولما جاءهم رسول من لما معهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون نظير ذلك قول موسى عليه السلام لما قال له بنو اسرائيل اتتخذنا هزوا؟ قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين. فكما ان فقد العلم جهل ففقد العمل به جهل قبيح