فهو اثبات القرآن وانه حق لا ريب فيه ولا شك يعتريه. وانه كريم اي كثير الخير وزير العلم. فكل خير وعلم فانما يستفاد من كتاب الله ويستنبط منه. اي مستور عن اعين المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم يخبر تعالى بحال الواقعة التي لابد من وقوعها وهي القيامة التي ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة اذا رجت الارض اي لا شك فيها انها قد تظاهرت عليها الادلة العقلية والسمعية. ودلت عليها حكمته تعالى خافضة رافعة اي خافضة لاناس في اسفل سافلين. رافعة لاناس في اعلى عليين او خفضت بصوتها فاسمعت القريب ورفعت فاسمعت البعيد. اي حركت واضطربت الجبال بسا. اي فتت فكانت ازواجا ثلاثة. فاصبحت الارض ليس عليها جبل ولا معلم. طاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا امتى وكنتم ايها الخلق ازواجا ثلاثة اي ان قسمتم ثلاث فرق بحسب اعمالكم الحسنة السيئة ثم فصل احوال الازواج الثلاثة فقال تعظيم شأنهم وتفخيم لاحوالهم واصحاب المشأمة ما اصحاب المشأمة واصحاب المشأمة اي الشمال ما اصحاب المشأمة تهويل لحالهم اي السابقون في الدنيا الى الخيرات. هم السابقون في الاخرة لدخول الجنات. اولئك الذين هذا وصفهم المقربون عند الله في اعلى عليين في المنازل العاليات التي لا منزلة فوقها وهؤلاء المذكورون اي جماعة كثيرون من المتقدمين من هذه الامة وغيرهم وقليل من الاخرين وهذا يدل على فضل صدر هذه الامة في الجملة على تأخريها لكون المقربين من الاولين اكثر من المتأخرين والمقربون هم خواص الخلق على سرور موضونة. اي مرمولة بالذهب والفضة. واللؤلؤ والجوهر وغير ذلك من الحلي والزينة. التي لا يعلمها الا الله تعالى. متكئين عليها اي على تلك السرور جلوس تمكن وطمأنينة وراحة واستقرار. متقابلين. وجه كل منهم الى وجه صاحبه. من صفاء قلوبهم وحسن ادبهم وتقابل قلوبهم اي يدور على اهل الجنة للخدمة وقضاء حوائجهم ولدان صغار الاسنان في غاية الحسن والبهاء كانهم لؤلؤ مكنون اي مستور لا يناله ما يغيره. مخلوقون للبقاء والخلد. لا يهرمون ولا يتغيرون. ولا يزيدون على اسنانهم يدورون عليهم بانية شرابهم. باكواب هي التي لا عرى لها واباريق الاواني التي لها عرى وكأس من معين اي من خمر اللذيذ المشرب لا افة فيها لا يصدعون عنها اي لا تصدعهم رؤوسهم كما تصدع خمرة الدنيا رأس شاربها. ولا هم عنها ينزفون. اي لا تنزف ولا تذهب احلامهم منها كما يكون لخمر الدنيا. والحاصل ان جميع ما في الجنة من انواع النعيم الموجود جنسه في الدنيا لا يوجد في الجنة فيه افة. كما قال تعالى فيها انهار من ماء غير اس وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين. وانهار من عسل مصفى. وذكر هنا خمر الجنة ونفى عنها كل افة توجد في الدنيا اي مهما تخيروا وراق في اعينهم واشتهته نفوسهم من انواع الفواكه الشهية والجنى اللذيذ. حصل لهم على اكمل وجه واحسنه اي من كل صنف من الطيور يشتهونه. ومن اي جنس من لحمه ارادوا وان شاءوا مشويا او طبيخا او غير ذلك لهم حور عين والحوراء التي في عينها كحل وملاحة وحسن وبهاء. والعين حسان الاعين وضخامها وحسن العين في الانثى من اعظم الادلة على حسنها وجمالها اي كأنهن اللؤلؤ الابيض الرطب الصافي البهي. المستور عن الاعين والريح والشمس. الذي يكون لونه من احسن الالوان. الذي لا فيه بوجه من الوجوه فكذلك الحور العين. لا عيب فيهن بوجه. بل هن كاملات الاوصاف. جميلات النعوت. فكل ما تأملته منها لم تجد فيه الا ما يسر الخاطر ويروق الناظر. وذلك النعيم المعد لهم كانوا يعملون. فكما حسنت منهم الاعمال احسن الله لهم الجزاء. ووفر لهم الفوز والنعيم. لا اي لا يسمعون في جنات النعيم كلام لغو ولا يكون فيه فائدة ولا كلاما يؤثم صاحبه اي الا كلاما طيبا. وذلك لانها دار الطيبين. ولا يكون فيها الا كل طيب. وهذا دليل على حسن ادب اهل الجنة في خطابهم فيما بينهم وانه اطيب كلام واسره للنفوس واسلمه من كل لغو واثم. نسأل الله من فضله. ثم ذكر نعيم اصحاب اليمين. فقال اي شأنهم عظيم وحالهم جسيم. اي مقطوع ما فيه من الشوك والاغصان الرديئة المضرة مجعول مكان ذلك الثمر الطيب. وللسدر من الخواص الظل الظليل وراحة الجسم فيه. وطلح والطلح معروف وهو شجر كبار يكون بالبادية تنضد اغصانه من التمر اللذيذ الشهي وماء مسكوب اي كثير من العيون والانهار السارحة والمياه الثقة اي ليست بمنزلة فاكهة الدنيا تنقطع في وقت من الاوقات وتكون ممتنعة اي متعسرة على مبتغيها بل هي على الدوام موجودة ما قريب يتناوله العبد على اي حال يكون وفرش مرفوعة اي مرفوعة فوق الاسرة ارتفاع عن عظيم وتلك الفرش من الحرير والذهب واللؤلؤ وما لا يعلمه الا الله اي انا انشأنا نساء اهل الجنة نشأة غير النشأة التي كانت في الدنيا نشأة كاملة لا تقبل الفناء اي صغارهن وكبارهن وعموم ذلك يشمل الحور العين ونساء اهل دنيا وان هذا الوصف وهو البكارة ملازم لهن في جميع الاحوال. كما ان كونهن عربا اترابا ملازم لهن في كل حال والعروب هي المرأة المتحببة الى بعلها بحسن لفظها وحسن هيئتها ودلالها وجمالها ومحبتها فهي التي تكلمت سبت العقول وود السامع ان كلامها لا ينقضي. خصوصا عند غنائهن بتلك الاصوات الرخيمة والنغمات المطربة وان نظر الى ادبها وسمتها ودلها ملأت قلب بعلها فرحا وسرورا. وان برزت من محل الى اخر امتلأ ذلك الموضع منها ريحا طيبا ونورا. ويدخل في ذلك الغنجة عند الجماع. والاتراب اللاتي على سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة. التي هي غاية ما يتمنى ونهاية سن الشباب. فنسائهم عرب اتراب. متفقات مؤتلفات. راضيات مرضيات. لا يحزنن لا يحزن بل هن افراح النفوس وقرة العيون وجلاء الابصار اي معدات لهم مهيئات اي هذا القسم من اصحاب اليمين عدد كثير من الاولين وعدد كثير من الاخرين اصحاب الشمال. المراد باصحاب الشمال هم اصحاب النار اعمالي المشؤومة فذكر الله لهم من العقاب ما هم حقيقون به. فاخبر انهم في سموم اي ريح حارة من حر نار جهنم. يأخذ بانفاسهم وتقلقهم اشد القلق. وحميم اي ماء حار يقطع امعائهم. اي لهب نار يختلط بدخان ولا كريم. اي لا برد فيه ولا كرم. والمقصود ان هناك الهم والغم والحزن والشر. الذي لا خير فيه. لاننا نفي الضد اثبات لضده. ثم ذكر اعمالهم التي اوصلتهم الى هذا الجزاء. فقال اي قد الهتهم دنياهم وعملوا لها وتنعموا وتمتعوا بها. فالهاهم الامل عن احسان العمل. فهذا الطرف الذي ذمهم الله عليه. ايوه كانوا يفعلون الذنوب الكبار ولا يتوبون منها ولا يندمون عليها. بل يصرون على ما يسخط مولاهم. فقدموا عليه باوزار كثيرة غير مغفورة وكانوا ينكرون البعث فيقولون استبعادا لوقوعه الأولون اي كيف نبعث بعد موتنا وقد بلينا؟ فكنا ترابا وعظاما. هذا من المحال قال تعالى جوابا لهم وردا عليهم اي قل ان متقدم الخلق ومتأخرهم الجميع سيبعثهم الله ويجمعهم لميقات يوم معلوم. قدره الله لعباده حين تنقضي الخليقة. ويريد الله تعالى جزاءهم على اعمالهم التي عملوها في دار التكليف ثم انكم ايها الضالون عن طريق الهدى التابعون لطريق الردى المكذبون بالرسول صلى الله عليه وسلم سلم وما جاء به من الحق والوعد والوعيد. وهو اقبح الاشجار واخسها وانتنها ريحا وابشعها منظرا. فمالئون منها البطون. والذي اوجب لهم لها مع ما هي عليه من الشناعة. الجوع المفرط الذي يلتهب في اكبادهم. وتكاد تنقطع منه افئدتهم. هذا الطعام الذي يدفعون به الجوع وهو الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. فشاربون عليه من الحميم. فشارب شرب الهيل. واما شرابهم فهو بئس الشراب وهو انهم يشربون على هذا الطعام من الماء الحميد الذي يغلي في البطون شرب الابل الهيم اي العطاش التي قد اشتد عطشها. او ان الهيم داء يصيب الابل لا تروى معه من شراب الماء. هذا الطعام والشراب نزولهم اي ضيافتهم يوم الدين وهي الضيافة التي قدموها لانفسهم واثروها على ضيافة الله لاوليائه. قال تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا. ثم ذكر الدليل العقلية على البعث فقال اي نحن الذين اوجدناكم بعد ان لم تكونوا شيئا مذكورا من غير عجز ولا تعب. افليس القادر على ذلك بقادر على ان يحيي بلى انه على كل شيء قدير. ولهذا وبخهم على عدم تصديقهم بالبعث. وهم يشاهدون ما هو اعظم منه وابلغ افرأيتم ما تمنون انتم تخلقونه ام نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت اي افرأيتم ابتداء خلقتكم من المني الذي تمنون. فهل انتم خالقون ذلك المني؟ وما ينشأ منه؟ ام الله تعالى الخالق الذي خلق فيكم من الشهوة والتها من الذكر والانثى وهدى كلا منهما لما هنالك. وحبب بين الزوجين وجعل بينهما من المودة والرحمة ما هو سبب للتناسل؟ ولهذا احالهم الله تعالى على الاستدلال بالنشأة الاولى على النشأة الاخرى. فقال فلولا تذكرون ان القادر على ابتداء خلقكم قادر على اعادتكم. وهذا امتنان منه على عباده. يدعوهم به الى توحيده عبادته والانابة اليه. حيث انعم عليهم بما يسره لهم من الحرث للزروع والثمار. فتخرج من ذلك من الاقوات والارزاق والفواكه. ما هو ومن ضروراتهم وحاجاتهم ومصالحهم التي لا يقدرون ان يحصوها فضلا عن شكرها واداء حقها. فقررهم بمنته فقال انتم تزرعونه ام نحن الزارعون؟ اي اانتم اخرجتموه نباتا من الارض؟ ام هم الذين نميتموه؟ ام انتم الذين اخرجتم سنبله وثمره؟ حتى صار حبا حصيدا وثمرا نضيجا؟ ام الله الذي انفرد في ذلك وحده وانعم به عليكم وانتم غاية ما تفعلون ان تحرثوا الارض وتشقوها وتلقوا فيها البذور. ثم وبعد ذلك لاعلم عندكم بما يكون بعد ذلك. ولا قدرة لكم على اكثر من ذلك. ومع ذلك فنبههم على ان ذلك الحرث معرض اخطار لولا حفظ الله وابقاؤه لكم بلغة ومتاعا الى حين فقال لو نشاء لجعلناه اي الزرع المحروث وما فيه من الثمار قام اي فتاتا متحطما لا نفع فيه ولا رزق. فظلتم اي فصرتم بسبب حطاما بعد ان تعبتم فيه وانفقتم النفقات الكثيرة. تفكهون اي تندمون وتحسرون على ما اصابكم. ويزول ذلك فرحكم وسروركم وتفكهكم فتقولون اي انا قد نقصنا واصابتنا مصيبة اجتاحتنا. ثم تعرفون بعد ذلك من اين اوتيتم؟ وباي سبب دهيتم؟ فتقولون بل نحن محرومون فاحمدوا الله تعالى حيث زرعه الله لكم ثم ابقاه وكمله لكم ولم يرسل عليه من الافات ما به تحرمون نفعه وخيره انتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون. لو نشاء فلولا تشكرون. لما ذكر تعالى نعمته على عباده بالطعام ذكر نعمته عليهم بالشراب العذب الذي منه يشربون. وانهم لولا ان الله يسره وسهله لما كان لكم سبيل اليه وانه الذي انزله من المزن وهو السحاب والمطر. ينزله الله تعالى فيكون منه الانهار الجارية على وجه الارض وفي بطنها. ويكون منه الغدران المتدفقة ومن نعمته ان جعله عذبا فراتا تصيغه النفوس. ولو شاء لجعله ملحا اجاجا مكروها للنفوس لا ينتفع به. فلولا تشكرون الله تعالى على ما انعم به عليكم. افرأيت النار التي ترون فانتم ان شئتم شجرتها ام نحن المنشئون وهذه نعمة تدخل في الضروريات التي لا غنى للخلق عنها. فان الناس محتاجون اليها في كثير من امورهم وحوائجهم. فقررهم تعالى بالنار التي اوجدها في الاشجار. وان الخلق لا يقدرون ان ينشئوا شجرها. وانما الله تعالى الذي انشأها من الشجر الاخضر. فاذا هي نار كنت قد بقدر حاجة العباد. فاذا فرغوا من حاجتهم اطفئوها واخمدوها نحن جعلناها تذكرة للعباد بنعمة ربهم وتذكرة بنار جهنم التي اعدها الله للعاصين وجعلها سوطا يسوق به عباده الى دار النعيم. ومتاعا للمقوين اي منتفعين او المسافرين وخص الله المسافرين. لان نفع المسافر بذلك اعظم من غيره. ولعل السبب في ذلك لان الدنيا كلها دار سفر. والعبد من حين ولد فهو مسافر الى ربه. فهذه النار جعلها الله متاعا للمسافرين في هذه دار وتذكرة لهم بدار القرار. فلما بين من نعمه ما يوجب الثناء عليه من عباده. وشكره وعبادته امر بتسبيحه تحميده فقال اي نزه ربك العظيم كامل الاسماء والصفات كثير الاحسان والخيرات واحمده بقلبك ولسانك وجوارحك. لانه اهل لذلك. وهو المستحق لان يشكر فلا يكفر. ويذكر فلا ينسى ويطاع فلا يعصى. اقسم تعالى بالنجوم ومواقعها اي مساقها في مغاربها وما يحدث الله في تلك الاوقات من الحوادث الدالة على عظمته وكبريائه وتوحيده. ثم عظم هذا المقسم به وانما كان القسم عظيما. لان في النجوم وجريانها سقوطها عند مغاربها ايات وعبرا لا يمكن حصرها. واما المقسم الخلق وهذا الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ. اي ان هذا القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ. معظم عند الله وعند ملائكته في الاعلى ويحتمل ان المراد بالكتاب المكنون هو الكتاب الذي بايدي الملائكة الذين ينزلهم الله بوحيه وتنزيله. وان المراد ذلك انه مستور عن الشياطين. لا قدرة لهم على تغييره ولا الزيادة والنقص منه. واستراقه اي لا يمس القرآن الا الملائكة الكرام. الذين طهرهم الله تعالى من الافات والذنوب والعيوب. واذا كان لا تمسه الا المطهرون وان اهل الخبث والشياطين لاستطاعة لهم ولا يدان الى مسه دلت الاية بتنبيهها على انه لا يجوز ان يمس القرآن الا طاهر. كما ورد بذلك الحديث. ولهذا قيل ان الاية خبر بمعنى النهي. اي لا يمس القرآن الا طاهر اي ان هذا القرآن الموصوف بتلك الصفات الجليلة هو تنزيل في العالمين الذي يربي عباده بنعمه الدينية والدنيوية. ومن اجل تربية ربى بها عباده. انزاله هذا القرآن الذي قد اشتمل على مصالح الدارين ورحم الله به العباد رحمة لا يقدرون لها شكورا. ومما يجب عليهم ان يقوموا به ويعلنوه ويدعوا اليه دعوا به ولهذا قال اي افبهذا الكتاب العظيم والذكر الحكيم انتم تدهنون اي تختفون وتدلسون خوفا من الخلق وعارهم والسنتهم. هذا لا ينبغي ولا يليق. انما يليق ان يداهن بالحديث الذي لا يثق صاحبه منه. واما القرآن الكريم فهو الحق الذي لا يغالب به مغالب الا غلب. ولا يصول به صائل الا كان العالي على غيره. وهو الذي لا يداهن به ولا يختفى. بل يصدع به ويعلم. وقوله وتجعلون رزقا اي وتجعلون مقابلة منة الله عليكم بالرزق التكذيب والكفر لنعمة الله فتقولون مطرنا بنوء كذا وكذا. وتضيفون النعمة لغير مسديها وموليها. فهلا شكرتم الله تعالى على احسانه. اذ انزله الله اليكم ليزيدكم من فضله. فان التكذيب والكفر داع لرفع النعم وحلول النقم وانتم حينئذ تنظرون ونحن اي فهلا اذا بلغت الروح الحلقوم وانتم تنظرون المحتضر في هذه الحالة والحال انا نحن اقرب اليه منكم بعلمنا وملائكتنا ولكن لا تبصرون كنتم غير مدينين ترجعونها ترجعونها ان كنتم صادقين اي فهلا اذا كنتم تزعمون انكم غير مبعوثين ولا محاسبين ومجازين. ترجعون الروح الى بدنها وانتم تقرون انكم عاجزون عن ردها الى موضعها. فحينئذ اما ان تقروا بالحق الذي جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم. واما ان تعاندوا وتعلم حالكم وسوء مآلكم اما ان كان من المقربين. ذكر الله تعالى احوال الطوائف الثلاث. المقربين واصحاب اليمين والمكذبين الضالين في اول السورة في دار القرار. ثم ذكر احوالهم في اخرها عند الاحتضار والموت. فقال فاما ان كان الميت من المقربين وهم الذين ادوا الواجبات مستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وفضول المباحات وجنة نعيم فلهم روح اي راحة وطمأنينة وسرور وبهجة ونعيم القلب والروح وريحان وهو اسم جامع لكل لذة بدنية. من انواع المآكل والمشارب وغيرهما. وقيل الريحان هو الطيب المعروف فيكون تعبيرا بنوع شيء عن جنسه العام. جامعة للامرين كليهما فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فيبشر المقربون عند الاحتضار بهذه البشارة التي تكاد تطير منها الارواح من الفرح والسرور. كما قال تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة لا تخافوا ولا تحزنوا. وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الاخرة. ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم. وقد اول قوله تبارك وتعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة ان هذه البشارة المذكورة هي البشرى في الحياة الدنيا. وقوله اصحاب واما ان كان من اصحاب اليمين هم الذين ادوا الواجبات وتركوا المحرمات. وان حصل منهم التقصير في بعض الحقوق التي لا تخل بتوحيدهم وايمانهم. فيقال لاحدهم سلام لك من اصحاب اليمين. اي سلام حاصل لك من اخوانك اصحاب اليمين ان يسلمون عليه ويحيونه عند وصوله اليهم ولقائهم له. او يقال له سلام لك من الافات والباليات والعذاب. لانك فمن اصحاب اليمين الذين سلموا من الذنوب الموبقات واما ان كان من المكذبين الضالين اي الذين كذبوا وبالحق وضلوا عن الهدى. فنزل من حميم. اي ضيافتهم يوم قدومهم على ربهم تصلية الجحيم التي تحيط بهم وتصل الى افئدتهم. واذا استغاثوا من شدة العطش والظمأ يغاثوا بماء كالمهل ليشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ان هذا الذي ذكره الله تعالى من جزاء العباد باعمالهم خيرها وشرها وتفاصيل ذلك له حق اي الذي لا شك فيه ولا مرية بل هو الحق الثابت الذي لا بد من وقوعه. وقد اشهد الله عباده الادلة القواطع على ذلك فصار عند اولي الالباب كانهم ذائقون له مشاهدون له. فحمدوا الله تعالى على ما خصهم به من هذه النعمة العظيمة. والمنحة الجسيمة ولهذا قال تعالى فسبحان ربنا العظيم وتعالى وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا كان فيه