والامر بكل معروف والنهي عن كل منكر. فان الجهاد الذي جاء به مقصود به دفع عدوان اخواني المعتدين على حقوق هذا الدين. وعلى رد دعوته وهو افضل انواع الجهاد. لم ايماني بكل ما وصف الله به نفسه على السنة رسله وعلى بذل الجهد في سلوك مرضاته. فدين من اصله الايمان بالله وثمرته السعي في كل ما يحبه ويرضاه واخلاص ذلك لله لما في ذلك من مصلحة الطرفين ودفع ضرر الجانبين. ولم يبح للعبد الجمع بين اكثر من اربع بحرائر لما يترتب على ذلك من الظلم وترك العدل. مع انه حثه عند خوف الظلم وعدم القدرة على اقامة حدود الله في الزوجية على الاقتصار على واحدة حرصا على نيل هذا المقصود. وكما ان الزواج من اكبر النعم ومن الضروريات فإباحة الطلاق كذلك. خشية عيشة الإنسان مع من لا ولا توافقه واضطراره للبقاء في ضنك الحال وشدة العسر. وان يتفرقا يغني الله كل لم من سعته ما شرعه الله ورسوله بين الخلق من الحقوق التي هي صلاح وخير واحسان يقصد به جشع ولا طمع ولا اغراض نفسية. ومن نظر الى ادلة هذا الاصل وسيرة النبي صلى الله الله عليه وسلم واصحابه مع اعدائهم عرف بلا شك ان الجهاد يدخل في الضروريات ودفع وما نهى الا عن الشر الخالص او الذي مفسدته تزيد على مصلحته. وكلما تدبر اللبيب احكامه ازداد ايمانا بهذا الاصل او علم انه تنزيل من حكيم حميد. ما جاء به هذا الدين من الجهاد المكتبة السمعية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الدرة المختصرة في محاسن الدين الاسلامي. لفضيلة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه. ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا. من يهد الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فان دين الاسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم اكمل الاديان وافضلها. واعلاها واجلها. وقد ومن المحاسن والكمال والصلاح والرحمة والعدل والحكمة ما يشهد لله تعالى بالكمال المطلق وسعة العلم والحكمة. ويشهد لنبيه صلى الله عليه وسلم انه رسول الله حقا. وانه صادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. فهذا الدين الاسلامي اعظم برهان واجل شاهد لله بالتفرد بالكمال المطلق كله. ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة والصدق. وغرضي من هذا التعليق ابداء ما وصل اليه علمي. من بيان اصول حاسم هذا الدين العظيم. فاني وان كان علمي ومعرفتي تقصر كل القصور. عن ابداء بعض ما احتوى عليه في هذا الدين من الجلال والجمال والكمال وعبارتي تضعف عن شرحه على وجه الاجمال فضلا عن التفصيل في ثم قال وكان ما لا يدرك جميعه ولا يوصل الى غايته ومعظمه. فلا ينبغي ان يترك منه ما يعرفه انسان لعجزه عما لا يعرفه فلا يكلف الله نفسا الا وسعها فاتقوا الله ما استطعتم. وذلك ان في معرفة هذا العلم فوائد متعددة. منها ان الاشتغال في هذا الموضوع الذي هو اشرف المواضيع واجلها من افضل الاعمال الصالحة. فمعرفته والبحث عنه والتفكير فيه وسلوك كل طريق يحصل الى معرفتك خير ما شغل العبد به نفسه. والوقت الذي تنفقه في ذلك هو الوقت الذي لك لا عليك ومنها ان معرفة النعم والتحدث بها قد امر الله به ورسوله. وهو من اكبر الاعمال الصالحة. ولا شك ان البحث في هذا اعتراف وتحدث وتفكر في اجل نعمه سبحانه على عباده. وهو الدين الاسلامي الذي لا الله من احد دينا سواه. فيكون هذا التحدث شكرا لله واستدعاء للمزيد من هذه النعمة منها ان الناس يتفاوتون في الايمان وكماله تفاوتا عظيما. وكلما كان العبد اعرف بهذا الدين واشد تعظيما له وسرورا به وابتهاجا كان اكمل ايمانا واصح يقينا. فانه برهان على جميع اصول الايمان وقواعدك ومنها ان من اكبر الدعوة الى دين الاسلام شرح ما احتوى عليه من المحاسن التي يقبلها ويتقبلها كل صاحب عقل وفطرة سليمة. فلو تصدى للدعوة الى هذا الدين رجال يشرحون حقائقه ويبينون للخلق مصالحه لكان ذلك كافيا كفاية تامة في جذب الخلق اليه. لما يرون من موافقته للمصالح الدينية والدنيوية ولصلاح الظاهر والباطن من غير حاجة الى التعرض لدفع شبهة عريضين والطعن في اديان المخالفين. فانه في نفسه يدفع كل شبهة تعارضه. لانه حق مقرون بالبيان الواضح. والبراهين الموصلة الى اليقين. فاذا كشف عن بعض حقائق هذا الدين صار اكبر داء الى قبوله ورجحانه على غيره. واعلم ان محاسن الدين الاسلامي عامة في جميع مسائله ودلائله وفي اصوله وفروعه. وفيما دل عليه من علوم الشرع والاحكام. وما دل عليه من علوم الكون مواليد اجتماع. وليس القصد هنا استيعاب ذلك وتتبعه. فانه يستدعي بسطا كثيرا. وانما الغرض امثلة نافعة يستدل بها على سواها. وينفتح بها الباب لمن اراد الدخول. وهي امثلة منتشرة في الاصول والفروع والعبادات والمعاملات. فنقول مستعينين بالله راجين منه ان يهدينا ويعلق ويفتح لنا من خزائن جوده وكرمه ما تصلح به احوالنا وتستقيم به اقوالنا افعالنا دين الاسلام مبني على اصول الايمان المذكورة في قوله تعالى قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد احد منهم ونحن له مسلمون. فهذه الاصول العظيمة التي امر الله عباده بها هي الاصول التي اتفق عليها الانبياء والمرسلون. وهي محتوية على اجل المعارف والاعتقادات. من هل يتصور ان يكون دين احسن منه واجل وافضل؟ ودين امر بالايمان بكل ما اوتيه الانبياء والتصديق برسالاتهم والاعتراف بالحق الذي جاءوا به من عند ربهم وعدم بينهم وانهم كلهم رسل الله الصادقون. وامناؤه المخلصون. يستحيل ان توجه اليه اي اعتراض وقدح فهو يأمر بكل حق ويعترف بكل صدق ويقرر الحق حقائق الدينية المستندة الى وحي الله لرسله. ويجري مع الحقائق العقلية الفطرية النافعة. ولا يرد حقا بوجه من الوجوه. ولا يصدق بكذب ولا يروج عليه الباطل. فهو مهيمن على سائر يأمر بمحاسن الاعمال ومكارم الاخلاق ومصالح العباد. ويحث على العدل والفضل والرحمة والخير ويزجر عن الظلم والبغي ومساوئ الاخلاق. ما من خصلة كمال قررها الانبياء والمرسلون الا وقررها واثبتها. وما من مصلحة دينية ودنيوية ان دعت اليها الشرائع الا حث عليها. ولا مفسدة الا نهى عنها وامر بمجانبتها والمقصود ان عقائد هذا الدين هي التي تزكو بها القلوب وتصلح بها الارواح بها مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال. شرائع الاسلام الكبار بعد الايمان هي اقامة الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام. تأمل هذه الشرائع العظيمة وجليل منافعها وما توجبه من السعي في مرضات الله والفوز بثوابه العاجل والاجل وتأمل ما في الصلاة من الاخلاص لله والاقبال التام عليه. والثناء والدعاء والخضوع. وان انها من شجرة الايمان بمنزلة الملاحظة والسقي للبستان. فلولا تكرار الصلاة في اليوم والليلة ليبست شجرة الايمان وذواعوده. ولكنها تنمو وتتجدد بعبوديات الصلاة. وانظر الى كما تحتوي عليه الصلاة من الاشتغال بذكر الله الذي هو اكبر من كل شيء. وانها تنهى عن الفحشاء والمنكر وانظر الى حكم الزكاة وما فيها من التخلق باخلاق الكرام من السخاء والجود بعدي عن اخلاق اللئام. والشكر لله على ما اولاه من الانعام. وحفظ المال من المنغصات الحسية والمعنوية وما فيها من الاحسان الى الخلق ومواساة المحتاجين. وسداد مصالح المحتاج اليها فان في الزكاة دفع حاجة المضطرين المحتاجين. وفيها الاستعانة على الجهاد والمصالح الكلية التي لا يستغني عنها المسلمون. وفيها دفع صولة الفقر والفقراء. وفيها الثقة بخلق في الله والرجاء لثوابه وتصديق موعوده. وفي الصوم من تمرين النفوس على ترك محبوبها الذي الفته حبا لله وتقربا اليه. وتعويد النفوس وتمرينها على قوة العزيمة والصبر وفيه تقوية داعي الاخلاص وتحقيق محبته على محبة النفس. ولذلك كان الصوم لله اختصه لنفسه من بين سائر الاعمال. واما ما في الحج من بذل الاموال وتحمل المشقات والتعرض للاخطار والصعوبات طلبا لرضا الله والوفادة على الله والتملق له في بيته وفي والتنوع في عبوديات الله في تلك المشاعر التي هي موائد مدها الله لعباده بيته وما فيها من التعظيم والخضوع التام لله والتذكر لاحوال الانبياء والمرسلين والاصفياء والمخلصين وتقوية الايمان بهم وشدة التعلق بمحبتهم. وما فيه من التعارف بين المسلمين والسعي في جمع كلمتهم واتفاقهم على مصالحهم الخاصة والعامة مما لا يمكن تعداده. فانه من اعظم محاسن الدين واجل الفوائد الحاصلة للمؤمنين وهذا على وجه التنبيه والاختصار. ما امر به الشارع وحث عليه من وجوب الاجتماع والائتلاف ونهيه وتحذيره عن التفرق والاختلاف على هذا الاصل الكبير من نصوص الكتاب والسنة شيء كثير وقد علم كل من له ادنى معقول منفعة هذا الامر. وما يترتب عليه من المصالح الدينية دنيوية وما يندفع به من المضار والمفاسد. ولا يخفى ايضا ان القوة المعنوية المبنية على الحق هذا اصلها الذي تدور عليه. كما انه قد علم ما كان عليه المسلمون في صدر الاسلام من استقامة الدين وصلاح الاحوال والعزة التي لم يصل اليها احد سواهم اذ كانوا مستمسكين بهذا الاصل قائمين به حق القيام. موقنين اشد اليقين انه رح دينهم يزيد هذا بيانا وايضاحا ان دين الاسلام دين رحمة وبركة واحسان وحث على منفعة نوع الانسان. فما اشتمل عليه هذا الدين من الرحمة وحسن المعاملة والدعوة الى الاحسان والنهي عن كل ما يضاد ذلك. هو الذي سيره نورا وضياء بين ظلمات الظلم والبغي. وسوء حملة وانتهاك الحرمات. وهو الذي جذب قلوب من كانوا قبل معرفته الد اعدائه. حتى استظلوا بظله الظليل وهو الذي عطف وحنى على اهله حتى صارت الرحمة والعفو والاحسان يتدفق من قلوبهم على اقوالهم واعمالهم. وتخطاهم الى اعدائه حتى صاروا من اعظم اوليائه فمنهم من دخل فيه بحسن بصيرة وقوة وجدان. ومنهم من خضع له ورغب في احكامه وفضلها على احكام اهل دينه لما فيها من العدل والرحمة. دين الاسلام هو دين الحكمة ودين الفطرة ودين العقل والصلاح والفلاح. يوضح هذا الاصل ما هو محتو عليه من الاحكام الاصولية والفروعية. التي تقبل وهالفطر والعقول وتنقاد لها بوازع الحق والصواب. وما هي عليه من الاحكام وحسن الانتظام وانها صالحة لكل زمان ومكان. فاخباره كلها حق وصدق. لم يأت ويستحيل ان يأتي علم سابق او لاحق بما ينقضها او يكذبها. وانما العلوم الحقة كلها تؤادي زوروها وتؤيدها وهي اعظم برهان على صدقها. وقد حقق المحققون المنصفون ان كل علم ديني او دنيوي او سياسي فقد دل عليه القرآن دلالة لا ريب فيها. فليس في شريعة الاسلام ما تحيله العقول. وانما فيهما تشهد العقول الزكية بصدقه ونفعه وصلاحه. وكذلك بك اوامره ونواهيه كلها عدل لا ظلم فيها. فما امر بشيء الا وهو خير خالص او راجح كعادية المعتدين. وكذلك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. لما كان لا يستقيم هذا الدين الا باستقامة اهله على اصوله وشرائعه. وامتثال اوامره التي هي الغاية في الصلاح. واجتناب بنواهيه التي هي شر وفساد. وكان اهله ملتزمين لهذه الامور. ولكي لا تزين لبعضهم نفوسهم الظالمة التجرؤ على بعض المحرمات والتقصير عن اداء المقدور عليه من الواجبات وكان ذلك لا يتم الا بامر ونهي بحسب ذلك. كان ذلك من اجل محاسن الدين ومن اعظم الضروريات لقيامه. كما ان في ذلك تقويم المعوجين من اهله. وتهذيبهم وقمعهم عن رذائل الامة وحملهم على معاليها. واما اطلاق الحرية لهم وهم قد التزموه ودخلوا تحت وتقيدوا بشرائعه فمن اعظم الظلم والضرر عليهم وعلى المجتمع. خصوصا الحقوق الواجبة المطلوبة شرعا وعقلا وعرفا. ما جاءت به الشريعة من اباحة البيوع والايجارات والشركات وانواع المعاملات التي تتبادل فيها المعاوضات بين الناس في الاعيان والديون والمنافع وغيرها قد جاءت الشريعة الكاملة بحل هذا النوع واطلاقه للعباد. لاشتماله على المصالح في الضروريات والحاجيات والكماليات وفسحت للعباد فسحا صلحت به امورهم واحوالهم واستقامت معايشهم وشرطت الشريعة في حل هذه الاشياء الرضا من الطرفين واشتمال العقود على العلم المعقود عليه وموضوع العقد ومعرفة ما يترتب عليه من الشروط. ومنعت من كل ما فيه هي ضرر وظلم من اقسام الميسر والربا والجهالة. فمن تأمل المعاملات الشرعية رأى ارتباطها بصلاح الدين والدنيا وشهد لله بسعة الرحمة وتمام الحكمة. حيث اباح سبحانه لعباده جميع الطيبات من مكاسب ومطاعم ومشارب وطرق المنافع المنظمة المحكمة. ما جاءت به الشريعة من اباحة الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح وغيرها. فكل طيب نافع فقر قد اباحه الشارع من اصناف الحبوب والثمار ولحوم الحيوانات البحرية مطلقا والحيوانات برية ولم يمنع من هذا الا كل خبيث ضار على الدين او العقل او البدن او المال. فما باحه فانه من احسانه سبحانه ومحاسن دينه. وما منعه فانه من احسانه. حيث منعهم مما يضر ومن محاسن دينه حيث ان الحسن تابع للحكمة والمصلحة ومراعاة المضار وكذلك ما اباحه من الانكحة. وان للعبد ان ينكح ما طاب له من النساء مثنى وثلاث ورباع وعدل وقسط وترك للظلم. وذلك كالحقوق التي اوجبها وشرعها للوالدين والاولاد والاقارب والجيران والاصحاب والمعاملين ولكل واحد من الزوجين على الاخر. وكل حقوق ضروريات وكماليات. تستحسنها الفطر والعقول الزاكية. وتتم بها المخالطة وتتبادل فيها المصالح والمنافع بحسب حال صاحب الحق ومرتبته. وكلما تفكرت فيها رأيت فيها من الخير وزوال الشر. ووجدت فيها من المنافع العامة والخاصة والالفة وتمام العشرة ما يشهدك ان هذه الشريعة كفيلة بسعادة الدارين. وترى فيها هذه الحقوق تجري مع الزمان والمكان والاحوال والعرف. وتراها محصلة للمصالح حاصلا فيها التعاون التام على امور الدين والدين دنيا جالبة للخواطر مزيلة للبغضاء والشحناء. وهذه الجمل تعرف بالاستقراء والتتبع والى في مصادرها ومواردها. ما جاءت به الشريعة من انتقال المال والتركات بعد الموت وكيفية توزيع المال على الورثة. وقد اشار تعالى الى حكمة ذلك بقوله لا تدرون ايهم اقرب لكم نافعة فوضعها الله بنفسه بحسب ما يعلمه من قرب النفا. وما يحب العبد عادة ان يصل اليه جماله وما هو اولى ببره وفضله. مرتبا ذلك ترتيبا تشهد العقول الصحيحة بحسنه انه لو وكل الامر الى اراء الناس واهوائهم واراداتهم لحصل بسبب ذلك من الخلل والاختلال وزوال الانتظام وسوء الاختيار ما يشبه الفوضى. وجعل الشارع للعبد ان يوصي في جهات البر التقوى بشيء من ما له فيما ينفعه لاخرته. وقيد ذلك بالثلث فاقل لغير وارث. لان لا تصير الامور التي جعلها الله قياما للناس ملعبة يتلاعب بها قاصر العقول والديانة عند انتقال من الدنيا. اما حالهم في حالة صحة الاجسام والعقول فما يخشونه من الفقر والافلاس مانع لهم من صرفه فيما يضرهم غالبا. ما جاءت به الشريعة الاسلامية من الحدود وتنوعها حسب الجرائم وهذا لان الجرائم والتعدي على حقوق الله وحقوق عباده من اعظم الظلم الذي بالنظام ويختل به الدين والدنيا. فوضع الشارع للجرائم والتجرآت حدودا تردع عن مواقعتها وتخفف من وطأتها من القتل والقطع والجلد وانواع التعزيرات. وكلها فيها من النافع والمصالح الخاصة والعامة ما يعرف به العاقل حسن الشريعة. وان الشرور لا يمكن ان تقاوم دفع دفعا كاملا الا بالحدود الشرعية التي رتبها الشارع بحسب الجرائم قلة وكثرة وشدة الموضوع ما جاءت به الشريعة من الامر بالحجر على الانسان عن التصرف في ما له اذا كان تصرفه مضرا به او بغيره. وذلك كالحجر على المجنون والصغير والسفيه ونحوهم. والحجر على الغريب لمصلحة غرمائه. وكل هذا من محاسن الشريعة حيث منعت الانسان من التصرف في ما له الذي كان في الاصل مطلق التصرف فيه. ولكن لما كان تصرفه ضرره اكثر من نفعه وشره اكبر ومن خيره حجر عليه الشارع حجرا للتصرفات في ميدان المصالح. وارشادا للعباد ان يسعوا في كل كل تصرف نافع غير ضار. ما جاءت به الشريعة من مشروعية الوثائق التي يتوفى بها اهل الحقوق. وذلك كالشهادة التي تستوفى بها الحقوق وتمنع التجاحد ويزول بها الارتياب وكالرهن والضمان والكفالة التي اذا تعذر الاستيفاء ممن عليه الحق رجع صاحب الحق الى الوثيقة التي يستوفي منها. ولا يخفى ما في ذلك من المنافع المتنوعة وحفظ الحقوق وتوسيع المعاملات وردها الى القسط والعدل وصلاح الاحوال واستقامة المعاملة فلولا الوثائق لتعطل القسم الاكبر من المعاملات. فانها نافعة للمتوثق نافعة لمن عليه الحق من وجوه متعددة معروفة. ما حث الشارع عليه من الاحسان الذي يكسب صاحبه الاجر اجرة عند الله والمعروف عند الناس. ثم يرجع اليه ماله بعينه او بدله. فيكون مكسب هذا النوع في اجل المكاسب دون ان يلحق صاحبه ضرر. وذلك كالقرض والعارية ونحوهما. فان في لذلك من المصالح وقضاء الحاجات وتفريج الكربات وحصول الخير والمبرات. ما لا يعد ولا يحصى وصاحبه يرجع اليه ماله وقد استفاد من ربه اجرا جزيلا. وبذر عند اخيه احسانا وجميلا مع ما يتبع ذلك من الخير والبركة وانشراح الصدر. وحصول الالفة والمودة. واما الاحسان الذي يعطيه صاحبه مجانا ولا يرجع اليه فقد تقدمت الاشارة الى حكمته في الزكاة صدقة الاصول والقواعد التي جعلها الشارع اسسا لفصل الخصومات وحل المشاكل احد المتداعيين على الاخر فانها اصول مبنية على العدل والبرهان. واضطراب العرف وموافقة الفطر فانه جعل البينة على كل من ادعى شيئا او حقا من الحقوق. فاذا اتى بالبينة التي ترجح جانبه وتقويه ثبت له الحق الذي ادعى به. ومتى لم يأت الا بمجرد الدعوة حلف المدعى عليه على نفي الدعوة. ولم يتوجه للمدعى عليه حق. وجعل الشارع البينات بحسب مراتب الاشياء وجعل القرائن المبينة والعرف المضطرد بين الناس من البينات فالبينة اسم جامع لكل ما يبين الحق ويدل عليه. وجعل عند الاشتباه وتساوي الخصمين طريق الصلح العادل المناسب لكل قضية طريقا الى حل المشاكل والمنازعات. فكل طريق اتق الله ظلم فيه ولا يدخل العباد في معصية الله وهو نافع لهم فقد حث عليه اذا كان وسيلة الى فصل الخصومات وقطع المشاجرات. وساوى في هذا بين القوي والضعيف والرئيس المرؤوس في جميع الحقوق وارض الخصوم بسلوك طرق العدل وعدم الحيث. ما جاءت به بيعة من الامر بالشورى والثناء على المؤمنين بان جميع امورهم الدينية والدنيوية. الداخلية والخارجية شورى بينهم. وهذا الاصل الكبير قد اجمع العقلاء على استحسانه. وعلى انه هو السبب الوحيد في سلوك اصلح الاحوال واحسن الوسائل لحصول المقاصد واصابة الصواب ملوك طرق العدل. وانه ارقى للامم العاملة عليه في تحصيل كل خير وصلاح. وكلما ازدادت معارك الناس واتسعت افكارهم عرفوا شدة الحاجة لهذا ومقداره. ولما كان المسلمون قد طبقوا هذا الاصل في صدر الاسلام على امورهم الدينية والدنيوية كانت الامور مستقيمة والاحوال في رقي وازدياد. فلما انحرفوا عن هذا الاصل ما زالوا في انحطاط في دينهم ودنياهم. حتى بهم الحال الى ما ترى. فلو راجعوا دينهم في هذا الاصل وغيره لافلحوا ونجحوا. ان هذه شريعة جاءت باصلاح الدين واصلاح الدنيا والجمع بين مصلحة الروح والجسد. وهذا الاصل في الكتاب السنة منه شيء كثير. يحث الله ورسوله على القيام بالامرين. وان كل واحد منهما ممد اخر ومعين عليه. والله تعالى خلق الخلق لعبادته والقيام بحقوقه. وادر عليهم الارض ونوع لهم اسباب الرزق وطرق المعيشة فليستعينوا بذلك على عبادته. وليكن ذلك قياما لداخليتهم وخارجيتهم. ولم يأمر بتغذية الروح وحدها واهمال الجسد كما انه نهى عن الاشتغال باللذات والشهوات وتقوية مصالح القلب والروح. ويتضح هذا باصل اخر وهو هذا. ان الشرع جعل العلم والدين والولاية والحكم متآزرات متعاضدات. فالعلم والدين يقوم الولايات. وتنبني عليه السلطة والاحكام. والولاية ايات كلها مقيدة بالعلم والدين. الذي هو الحكمة وهو الصراط المستقيم. وهو الصلاح والفلاح النجاح فحيث كان الدين والسلطة مقترنين متساعدين فان الامور تصلح والاحوال تستقيم وحيث فصل احدهما عن الاخر اختل النظام وفقد الصلاح والاصلاح ووقعت الفرقة وتباعدت القلوب واخذ امر الناس في الانحطاط. يؤيد هذا ان العلوم مهما اتسعت والمعارف مهما تنوعت. والاختراعات مهما عظمت وكثرت فانه لم يرد منها شيء شيء ينافي ما دل عليه القرآن ولا يناقض ما جاءت به الشريعة. فالشرع لا يأتي بما تحيله اقول وانما ياتي بما تشهد العقول الصحيحة بحسنه او بما لا يهتدي العقل الى معرفته جملة او تفصيلا. وهذا ينبغي ان يكون مثالا اخر. وهو ان الشرع لا يأتي بما تحيله العقول ولا بما ينقضه العلم الصحيح. وهذا من اكبر الادلة على ان ما عند الله محكم ثابت صالح لكل زمان ومكان. وهذه الجمل المختصرة تعرف على وجه التفصيل بالتتبع والاستقراء لجميع الحوادث الكونية وحوادث علوم الاجتماع. وتطبيق ذلك اذا كان من الحقائق الصحيحة على ما جاء به الشرع فبذلك يعرف انه تبيان لكل شيء. وانه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها نظرة مجملة في فتوحات الاسلام المتسعة الخارقة للعوائد. ثم لبقائه محترما مع تكالب الاعداء ومقاوماتهم العنيفة ومواقفهم المعروفة معه. وذلك ان النظر الى منبع هذا الدين وكيف الف جزيرة العرب على افتراق قلوبها وكثرة ضغائنها تعاديها وكيف الفهم وجمع قاصيهم لدانيهم وازال تلك العداوات واحل الاخوة الايمان ثمانية محلها. ثم اندفعوا في اقطار الارض يفتحونها قطرا قطرا. وفي مقدمة هذه الاخطار امة فارس والروم اقوى الامم واعظمها ملكا واشدها قوة واكثرها عددا وعددا ففتحوهما وما وراءهما بفضل دينهم وقوة ايمانهم ونصر ومعونته لهم. حتى وصل الاسلام مشارق الارض ومغاربها. فصار هذا يعد من ايات الله وبراهين دينه ومعجزات نبيه. وبهذا دخل الخلق فيه افواجا ببصيرة وطمأنينة لا بقهر ولا ازعاج. فمن نظر نظرة اجمالية الى هذا الامر عرف ان هذا هو الحق الذي لا يقوم له الباطل مهما عظمت قوته وتعاظمت سطوته. وهذا يعرف ببداهة العقول. ولا يرتاب فيه منصف. وهو من الضروريات. بخلاف ما يقوله طائفة من كتاب هذا العصر الذين دفعهم الرضوخ الفكري الى مشايعة اعداء الاسلام. فزعموا ان انتشار الاسلام وفتوحه الخارقة للعادة مبني على امور مادية محضة. حللوها مزاعمهم الخاطئة. ويرجع تحليلها الى ضعف دولة الاكاسرة ودولة الرومان وقوة مادة في العرب وهذا مجرد تصوره كاف في ابطاله. فاي قوة في العرب تؤهله لمقاومة ادنى حكومة من الحكومات الصغيرة في ذلك الوقت. فضلا عن الحكومات الكبيرة الضخمة. فضلا عن مقاومة اضخم الامم في وقتها على الاطلاق. واقواها واعظمها عددا وعدة. في وقت واحد حتى حتى مزقوا الجميع كل ممزق. وحلت محل احكام هؤلاء الملوك الجبابرة احكام القرآن والدين العادلة التي قبلها وتلقاها بالقبول كل منصف مريد للحق. فهل يمكن تفسير هذا الفتح المنتشر المتسع الارجاء بتفوق العرب في الامور المادية المحضة. وانما يتكلم بهذا من يريد في الدين الاسلامي. او من راجع عليهم كلام الاعداء من غير معرفة للحقائق. ثم بقى او هذا الدين على توالي النكبات وتكالب الاعداء. على محقه وابطاله بالكلية من ايات هذا الدين وانه دين الله الحق. فلو ساعدته قوة كافية ترد عنه عادية العادين. وطغيان الطاغين لم يبقى على وجه الارض دين سواه. ولقبله الخلق من غير اكراه ولا الزام. لانه دين الحق ودين الفطرة ودين الصلاح والاصلاح. لكن تقصير اهله وضعفهم وتفرقهم وضغط عليهم هو الذي اوقف سيره. فلا حول ولا قوة الا بالله. دين الاسلام مبني على العقائد الصحيحة النافعة. وعلى الاخلاق الكريمة المهذبة للارواح والعقول وعلى الاعمال المصلحة للاحوال. وعلى البراهين في اصوله وفروعه. وعلى نبذ الوثنيات التعلق بالمخلوقين والمخلوقات. واخلاص الدين لله رب العالمين. وعلى نبذ الخرافات والخزاب المنافية للحس والعقل. المحيرة للفكر. وعلى الصلاح المطلق. وعلى دفع كل شر وفساد وعلى العدل ورفع الظلم بكل طريق. وعلى الحث على الرقي لانواع الكمالات. وهذه الجمل يطول تفصيلها. وكل من له ادنى معرفة يهتدي الى تفصيلها على وجه الوضوح والبيان الذي لا اشكال فيه. ولنقتصر على هذا الكلام على اختصاره. فانه يحتوي على اصول وقواعد يعرف بها مال الاسلام من الكمال والعظمة والاصلاح الحقيقي لكل شيء. وبالله التوفيق وقع الفراغ من تعليقها غرة جمادى الاولى سنة اربع وستين وثلاثمائة والف وصلى الله على محمد وسلم وعلى اله