لما ذكر الله تعالى عبده وخليله ابراهيم عليه السلام وذكر ما من الله عليه به من العلم والدعوة والصبر ذكر ما اكرمه الله به من الذرية الصالحة والنسل الطيب وان الله جعل واوجب الواجبات. قل اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم. فان المعصية في الشرك توجب الخلود في النار. وسخط الجبار وذلك اليوم هو اليوم الذي يخاف عذابه ويحذر عقابه لانه حين ظلموا والحمد لله رب العالمين فقطع دابر القوم الذين ظلموا اي اصطلح بالعذاب وتقطعت بهم الاسباب. والحمد لله رب العالمين على ما قضاه وقدره من هلاك المكذبين. فان بذلك تتبين سيفلح ابدا ويدخل في هذا كل من كذب على الله بادعاء الشريك له والعوين او زعم انه ينبغي ان يعبد غيره او اتخذ له صاحبة او ولد وكل من رد الحق الذي جاءت به الرسل او من قام مقامهم مما يكون اقرب الى حصول مقصود التقوى. وفيه دليل على انه اذا كان التذكير والوعظ مما يزيد الموعوظ شرا الى شره. الى ان تركه هو الواجب لانه اذا ناقض المقصود كان تركه مقصودا المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي خلق السماوات والارض وجعل ظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. هذا اخبار عن حمده والثناء عليه من صفات الكمال ونعوت العظمة والجلال عموما. وعلى هذه المذكورات خصوصا فحمد نفسه على خلقه السماوات والارض. الدالة على اكمال قدرته وسعة علمه ورحمته. وعموم حكمته وانفراده بالخلق والتدبير. وعلى جعله الظلمات والنور. وذلك شامل للحسي من ذلك كالليل والنهار والشمس والقمر. والمعنوي كظلمات الجهل والشك والشرك والمعصية والغفلة. ونور العلم والايمان واليقين والطاعة وهذا كله يدل دلالة قاطعة انه تعالى هو المستحق للعبادة واخلاص الدين له. ومع هذا الدليل ووضوح البرهان ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. اي يعدلون به سواه. يسوونهم به في العبادة والتعظيم. مع انهم لم يساووا الله في شيء من الكمال وهم فقراء عاجزون ناقصون من كل وجه هو الذي خلقكم من طين. وذلك بخلق مادتكم وابيكم ادم عليه السلام ثم قضى اجلا اي ضرب لمدة اقامتكم في هذه الدار اجلا تتمتعون به وتمتحنون وتبتلون بما اليهم به رسله ليبلوكم ايكم احسن عملا. ويعمركم ما يتذكر فيه من تذكر. واجل مسمى عنده. وهي الدار الاخرة التي ينتقل العباد اليها من هذه الدار. فيجازيهم باعمالهم من خير وشر. ثم مع هذا البيان التام وقطع الحجة انتم تمترون اي تشكون في وعد الله ووعيده ووقوع الجزاء يوم القيامة. وذكر الله الظلمات بالجمع لكثرة موادها طرقها ووحد النور لكون الصراط الموصلة الى الله واحدة لا تعدد فيها. وهي الصراط المتضمنة للعلم بالحق والعمل به كما قال تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله اي وهو المألوه المعبود في السماوات وفي الارض فاهل السماء والارض متعبدون لربهم خاضعون لعظمته. مستكينون لعزته وجلاله. الملائكة المقربون والانبياء والمرسلون والصديقون والشهداء والصالحون. وهو تعالى يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون. فاحذروا معاصيه وارغبوا في الاعمال التي منه وتدنيكم من رحمته واحذروا من كل عمل يبعدكم منه ومن رحمته هذا اخبار منه تعالى عن اعراض المشركين وشدة تكذيبهم وعداوتهم وانهم لا تنفع فيهم الايات حتى تحل بهم المثلات. فقال وما تأتيهم من اية من ايات ربهم الدالة على الحق دلالة قاطعة الداعية لهم الى اتباعه وقبوله الا كانوا عنها معرضين. لا يلقون لها بالا ولا يصغون لها سمعا. قد انصرفت قلوبهم الى غيرها وولوها ادبارهم. فقد كذبوا بالحق لما فقد كذبوا بالحق لما جاءهم والحق حقه ان يتبع ويشكر الله على تيسيره لهم واتيانهم به. فقابلوه بضد ما يجب مقابلته به. فاستحقوا العقاب الشديد. فسوف فيهم انباء ما كانوا به يستهزئون اي فسوف يرون ما استهزأوا به انه الحق والصدق. ويبين الله للمكذبين كذبهم وافتراءهم وكانوا يستهزؤون بالبعث والجنة والنار. فاذا كان يوم القيامة قيل للمكذبين هذه النار التي كنتم بها تكذبون. وقال تعالى واقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت. بلى وعدا عليه حقا. ولكن اكثر الناس لا يعلمون. ليبينوا ان لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين. ثم امرهم ان يعتبروا بالامم السالفة فقال الم يروا كم اهلكنا من قبلهم من قرن؟ اي كم تتابع اهلاكنا للامم المكذبين وامهلناهم قبل ذلك الاهلاك بان مكناهم في الارض ما لم نمكن لهؤلاء من الاموال والبنين الرفاهية وارسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الانهار تجري من تحتهم. فينبت لهم بذلك ما شاء الله من زروع وثمار بها ويتناولون منها ما يشتهون. فلم يشكروا الله على نعمه. بل اقبلوا على الشهوات والهتهم انواع اللذات. فجاءتهم رسلهم بالبينات فلم يصدقوها. بل ردوها وكذبوها فاهلكهم الله بذنوبهم. وانشأ من بعدهم قرنا اخرين. فهذه سنة الله ودأبه في الامم السابقين واللاحقين. فاعتبروا بمن قص الله عليكم نبأهم هذا اخبار من الله لرسوله عن شدة عناد الكافرين. وانهم ليس تكذيبهم لقصور فيما جئتهم به. ولا لجهل منهم بذلك. وانما ذلك كظلم وبغي لا حيلة لكم فيه. فقال ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم. وتيقنوه لقال الذي حين كفروا ظلما وعلوا. ان هذا الا سحر مبين. فاي بينة اعظم من هذه البينة؟ وهذا قولهم الشنيع فيها. حيث المحسوس الذي لا يمكن من له ادنى من عقل دفعه انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون. وقالوا ايضا تعنتا مبنيا على الجهل. وعدم العلم بالمعقول لولا انزل عليه ملك اي هلا انزل مع محمد ملك يعاونه ويساعده على ما هو عليه بزعمهم انه بشر وان رسالة الله لا تكون الا على ايدي الملائكة. قال الله في بيان رحمته ولطفه بعباده. حيث ارسل اليهم بشرا منهم يكون الايمان وبما جاء به عن علم وبصيرة وغيب. ولو انزلنا ملكا برسالتنا لكان الايمان لا يصدر عن معرفة بالحق. ولكان ايمانا بالشهادة الذي لا ينفع شيئا وحده. هذا ان امنوا والغالب انهم لا يؤمنون بهذه الحالة. فاذا لم يؤمنوا قضي الامر بتعجيل الهلاك عليهم وعدم انظارهم لان هذه سنة الله فيمن طلب الايات المقترحة فلم يؤمن بها. فارسال الرسول البشري اليهم بالايات البينات. التي يعلم الله انها اصلح للعباد وارفق بهم. مع امهال الله للكافرين والمكذبين. خير لهم وانفع. فطلبهم لانزال الملك شر له لو كانوا يعلمون ومع ذلك فالملك لو انزل عليهم وارسل لم يطيقوا التلقي عنه ولا احتملوا ذلك ولا اطاقته قواهم الفانية ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ولا لبسنا عليهم ما يلبسون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا. لان الحكمة لا تقتضي سوى ذلك. ولا لبسنا عليهم ما يلبسون اي ولكان الامر مختلطا عليهم وملبوسا. وذلك بسبب ما لبسوه على انفسهم. فانهم بنوا امرهم على هذه القاعدة التي فيها لبس وبها عدم بيان الحق. فلما جاءهم الحق بطرقه الصحيحة وقواعده التي هي قواعده. لم يكن ذلك هداية لهم. اذا بذلك غيرهم والذنب ذنبهم حيث اغلقوا على انفسهم باب الهدى وفتحوا ابواب الضلال يقول تعالى مصليا لرسول ومصبرا ومتهددا اعداءه ومتوعدا. ولقد استهزأ برسل من قبلك. لما جاءوا اممهم بالبينات كذبوهم واستهزءوا بهم وبما جاءوا به. فاهلكهم الله بذلك الكفر والتكذيب. ووفى لهم من العذاب اكمل نصيب. فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا كانوا به يستهزئون. فاحذروا ايها المكذبون ان تستمروا على تكذيبكم. فيصيبكم ما اصابهم. فان شككتم في ذلك او ارتبتم قل سيروا في الارض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين. فسيروا في الارض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين فلن تجدوا الا قوما مهلكين. وامما في المثلات تالفين. قد اوحشت منهم المنازل. وعدم من تلك الربوع وقوع كل متمتع بالسرور نازل ابادهم الملك الجبار وكان بناؤهم عبرة لاولي الابصار. وهذا السير المأمور به سير القلوب والابدان الذي يتولد منه الاعتبار. واما مجرد النظر من غير اعتبار فان ذلك لا يفيد شيئا كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم الى يوم القيامة الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون يقول تعالى فيه صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المشركين بالله مقررا لهم وملزما بالتوحيد لمن ما في السماوات والارض اي من لذلك المالك له المتصرف فيه قل لهم لله وهم مقرون بذلك لا ينكرونه. افلا حين اعترفوا بانفراد الله بالملك والتدبير ان يعترفوا له بالاخلاص والتوحيد. وقوله كتب على نفسه الرحمة اي العالم العلوي والسفلي تحت ملكه وتدبيره وهو تعالى قد بسط عليهم رحمته واحسانه. وتغمدهم برحمته وامتنانه. وكتب على نفسه كتابا ان رحمته تغلب غضبه وان العطاء احب اليه من المنع. وان الله قد فتح لجميع العباد ابواب الرحمة ان لم يغلقوا عليهم ابوابها بذنوبهم ودعاهم اليها ان لم تمنعهم من طلبها معاصيهم وعيوبهم. وقوله ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه. وهذا منه وهو اصدق المخبرين. وقد اقام على ذلك من الحجج البينة والبراهين. ما يجعله حق اليقين. ولكن ابا الظالمون الا جحودا وانتروا قدرة الله على بعث الخلائق فاوضعوا في معاصيه وتجرأوا على الكفر به فخسروا دنياهم واخراهم ولهذا قال الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون اعلم ان هذه السورة الكريمة قد اشتملت على تقرير التوحيد بكل دليل عقلي ونقلي. بل كادت ان تكون كلها في شأن التوحيد ومجادلة المشركين بالله المكذبين لرسوله. فهذه الايات ذكر الله فيها ما يتبين به الهدى وينقمع به الشرك. فذكر ان له تعالى ما كان في الليل والنهار وذلك هو الطرقات كلها من ادميها وجنها وملائكتها وحيواناتها وجماداتها. فالكل خلق مدبرون وعبيد مسخرون لربهم من عظيم القاهر المالك فهل يصح في عقل ونقل ان يعبد من هؤلاء المماليك؟ الذي لا نفع عنده ولا ضر. ويترك الاخلاص للخالق المدبر المالك الضار النافع؟ ام العقول السليمة والفطر المستقيمة؟ تدعو الى اخلاص العبادة والحب والخوف والرجاء لله رب العالمين السميع لجميع الاصوات على اختلاف اللغات بتفنن الحاجات. العليم بما كان وما يكون. وما لم يكن لو كان كيف يكون المطلع على الظواهر والبواطن ولا يطعم وهو يطعم ولا يطعم قل اني امرت ان اكون اول من اسلم ولا تكن قل لهؤلاء المشركين بالله اغير الله اتخذ وليا من هؤلاء المخلوقات العاجزة والان وينصرني فلا اتخذ من دونه تعالى وليا. لانه فاطر السماوات والارض. اي خالقهما ومدبرهما. وهو يطعم ولا ايطعن اي وهو الرازق لجميع الخلق من غير حاجة منه تعالى اليهم فكيف يليق ان اتخذ وليا غير الخالق الرازق الغني الحميد قل اني امرت ان اكون اول من اسلم لله بالتوحيد. وانقاد له بالطاعة لاني اولى من غيري بامتثال اوامر ربي. ولا تكونن من المشركين ايوه نهيت ايضا عن ان اكون من المشركين. لا في اعتقادهم ولا في مجالستهم. ولا في الاجتماع بهم. فهذا افرض الفروض علي ومن صرف عنه العذاب يومئذ فهو المرحوم. ومن نجى فيه فهو الفائز حقا. كما ان من لم ينج منه فهو الهالك الشقي. ومن ادلة توحيده انه تعالى المنفرد بكشف الضراء وجلب الخير والسراء. ولهذا قال وان يمسسك الله بضرن فلا اكاشف له الا هو وان يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير وان يمسسك الله بضر من فقر او مرض او عسر او غم او هم او نحوه. فلا كاشف له الا هو. وان يمسسك بخير وهو على كل شيء قدير. فاذا كان وحده النافع الضار فهو الذي يستحق ان يفرد بالعبودية والالهية وهو القاهر فوق عباده فلا يتصرف منه المتصرف ولا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن الا بمشيئته. وليس للمملوك وغيرهم الخروج عن ملكه وسلطانه. بل هم مدبرون مقهورون. فاذا كان هو وغيره مقهورا كان هو المستحق للعبادة. وهو الحكيم فيما امر به ونهى واثاب وعاقب. وفيما خلق وقدر خبير مطلع على السرائر والضمائر وخفايا الامور. وهذا كله من ادلة التوحيد قل انما هو اله واحد وانني بريء مما تشركون قل لهم لما بينا لهم الهدى واوضحنا لهم المسالك اي شيء اكبر شهادة على هذا الاصل العظيم؟ قل الله اكبر شهادة فهو شهيد بيني وبينكم. فلا اعظم منه شهادة ولا اكبر. وهو يشهد لي باقراره وفعله. فيقرني على ما قلت لكم كما قال تعالى ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين. فالله حكيم قدير فلا يليق بحكمته وقدرته ان يقر كاذبا عليه. زاعما ان الله ارسله ولم يرسله. وان الله امره بدعوة الخلق ولم يأمره. وان الله ابى له دماء من خالفه واموالهم ونساءهم. وهو مع ذلك يصدقه باقراره وبفعله. فيؤيده على ما قال بالمعجزات الباهرة الايات الظاهرة وينصره ويخذل من خالفه وعاداه. فاي شهادة اكبر من هذه الشهادة؟ وقوله واوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ. اي واوحى الله الي هذا القرآن الكريم لمنفعتكم ومصلحتكم. لانذركم به من العقاب الاليم. والنذارة انما كونوا بذكر ما ينذرهم به من الترغيب والترهيب. وببيان الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة. التي من قام بها فقد قبل النذارة. فهذا القرآن فيه النذارة لكم ايها المخاطبون. وكل من بلغه القرآن الى يوم القيامة فان فيه بيان كل ما يحتاج اليه من المطالب الالهية. لما بين تعالى شهادته التي هي اكبر الشهادات على توحيده. قال قل لهؤلاء المعارضين لخبر الله والمكذبين لرسله. اانكم لتشهدون ان مع الله الهة اخرى قل لا اشهد اي ان شهدوا فلا تشهد معهم. فوازن بين شهادة اصدق القائلين ورب العالمين سادة ازكى الخلق المؤيدة بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة على توحيد الله وحده لا شريك له. وشهادة اهل الشرك الذين مرجت عقولهم واديانهم وفسدت ارائهم واخلاقهم واضحكوا على انفسهم العقلاء بل خالفوا بشهادة فطرهم وتناقضت اقوالهم على اثبات ان مع الله والله الهة اخرى مع انه لا يقوم على ما قالوه ادنى شبهة فضلا عن الحجج. واختر لنفسك اي الشهادتين ان كنت تعقل. ونحن نختار لانفسنا ما اختاره الله لنبيه. الذي امرنا الله بالاقتداء به. فقال قل انما هو اله واحد اي منفرد لا يستحق العبودية والالهية سواه. كما انه المنفرد بالخلق والتدبير. وانني بريء مما تشركون به من الاوثان والانداد. وكل ما اشرك به مع الله فهذا حقيقة التوحيد. اثبات الالهية لله ونفيها عما عداه حكما يعرفون ابناءهم الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون لما بين شهادته وشهادة رسوله على التوحيد. وشهادة المشركين الذين لا علم لديهم على ضده. ذكر ان اهل الكتاب من اليهود والنصارى يعرفونه اي يعرفون صحة التوحيد كما يعرفون ابناءهم. اي لا شك عندهم فيه بوجه كما انهم لا يشتبهون باولادهم البنين الملازمين في الغالب لابائهم. ويحتمل ان الضمير عائد الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وان اهل الكتاب لا يشتبهون رسالته ولا يمترون بها لما عندهم من البشارات به. ونعوته التي تنطبق عليه ولا تصلح لغيره. والمعنيان متلازمان. قول الذين خسروا انفسهم اي فوتوها ما خلقت له من الايمان والتوحيد. وحرموها الفضل من الملك المجيد. فهم لا يؤمنون. فاذا الم يوجد الايمان منهم فلا تسأل عن الخسائر والشر الذي يحصل لهم اي لا اعظم ظلما وعنادا ممن كان فيه احد الوصية فكيف لو اجتمعا افتراء الكذب على الله او التكذيب باياته التي جاءت بها المرسلون؟ فان هذا اظلم الناس والظالم لا الذين كنتم تزعمون. يخبر تعالى عن مآل اهل الشرك يوم القيامة وانهم يسألون ويوبخون فيقال لهم اين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ اي ان الله ليس له شريك انما ذلك على وجه الزعم منهم والافتراء انا مشركين. ثم لم تكن فتنتهم اي لم يكن جوابهم حين يفتنون ويختبرون بذلك السؤال. الا انكارهم بشركه وحلفهم انهم ما كانوا مشركين انظر متعجبا منهم ومن احوالهم كيف كذبوا على انفسهم؟ اي كذبوا كذبا عاد بالخسار على انفسهم وضرهم والله غاية الضرر. وضل عنهم ما كانوا يفترون من الشركاء الذين زعموهم مع الله. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وجعلنا على قلوبهم اكنة وان يروا كل اية لا يؤمنوا بها اي ومن هؤلاء المشركين قوم يحملهم بعض الاوقات بعض الدواعي الى الاستماع لما تقول. ولكنه استماع خال من قصد الحق واتباعه. ولهذا لا ينتفعون الاستماع لعدم ارادتهم للخير وجعلنا على قلوبهم اكنة اي اغطية واغشية لان لا يفقهوا كلام الله فصان كلامه عن امثال هؤلاء وفي اذانهم جعلنا وقرا اي صمما فلا يستمعون ما ينفعهم. وان يروا كل اية لا يؤمنوا بها. وهذا غاية الظلم والعناد ان الايات البينات الدالة على الحق لا ينقادون لها ولا يصدقون بها بل يجادلون بالباطل الحق ولهذا قال حتى اذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا ان هذا الا اساطير الاولين. اي مأخوذ من صحف الاولين المستورة التي ليست عن الله ولا عن رسله. وهذا من كفرهم والا فكيف يكون هذا الكتاب الحاوي لانباء السابقين واللاحقين؟ والحقائق التي جاءت بها الانبياء والمرسلون. والحق والقسط والعدل التام من كل وجه. اساطير الاولين اي وهم اي المشركون بالله المكذبون لرسوله يجمعون بين الضلال والاضلال. ينهون الناس عن اتباع الحق ويحذرونهم منه. ويبعدون بانفسهم عنه ولم يضر الله شيئا ولا عباده المؤمنين بفعلهم هذا شيئا. ان يهلكون الا انفسهم وما يشعرون بذلك يقول تعالى مخبرا عن حال المشركين يوم القيامة واحضارهم النار. ولو ترى اذ وقفوا على النار ليوبخوا ويقرع لرأيت امرا هائلا وحالا مفظعا. ولرأيتهم كيف اقروا على انفسهم بالكفر والفسوق؟ وتمنوا ان لو يردوا الى الدنيا قالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل فانهم كانوا يخفون في انفسهم انهم كانوا كاذبين. ويبدو في قلوبهم في كثير من الاوقات. ولكن الاغراض الفاسدة صدتهم عن ذلك. وصرفت قلوبهم عن الخير وهم كذبة في هذه الامنية. وانما قصدهم ان يدفعوا بها عن انفسهم العذاب. ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. وانه لكاذبون. وقالوا منكرين ان للبعث ان هي الا حياتنا الدنيا اي ما حقيقة الحال والامر وما المقصود من ايجادنا الا الحياة الدنيا وحدها وما نحن مبعوثين اي ولو ترى الكافرين اذ وقفوا على بهم لرأيت امرا عظيما وهولا جسيما قال لهم موبخا ومقرعا اليس هذا الذي ترون من العذاب بالحق؟ قالوا بلى وربنا بنا فاقروا واعترفوا حيث لا ينفعهم ذلك. قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. قد خسر الذين كذبوا قطار وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم اي قد خاب وخسر وحرم الخير كله. من كذب بلقاء الله فاوجب له هذا التكذيب الاجتراء على المحرمات واقتراف الموبقات. حتى اذا جاءتهم الساعة وهم على اقبح حال واسوأه. فاظهروا غاية الندم وقالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها ولكن هذا تحسر ذهب وقته. وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم. الا ساء ما يزرون. فان وزرهم وزر ولا يقدرون على التخلص منه. ولهذا خلدوا في النار واستحقوا التأبيد في غضب الجبار هذه حقيقة الدنيا وحقيقة الاخرة. اما حقيقة الدنيا فانها لعب ولهو لعب في الابدان ولهو في القلوب. فالقلوب لها والهة. والنفوس لها عاشقة. والهموم فيها متعلقة. والاشتغال بها كلعب الصبيان واما الاخرة فانها خير للذين يتقون. في ذاتها وصفاتها وبقائها ودوامها. وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذذ ذو الاعين من نعيم القلوب والارواح وكثرة السرور والافراح. ولكنها ليست لكل احد. وانما هي للمتقين الذين يفعلون اوامر الله ويتركون نواهيه وزواجره. افلا تعقلون؟ اي افلا يكون لكم عقول بها تدركون؟ اي الدارين احق بالايثار قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات اي قد نعلم ان الذي يقول المكذبون فيك يحزنك ويسوؤك. ولم نأمرك بما امرناك به من الصبر الا تحصل لك المنازل العالية والاحوال الغالية. فلا تظن ان قولهم صادر عن اشتباه في امرك وشك فيك. فانهم لا يكذبونك لانهم يعرفون صدقك ومدخلك ومخرجك وجميع احوالك. حتى انهم كانوا يسمونه قبل البعثة الامين. ولكن الظالمين بايات الله يجحدون اي فان تكذيبهم لايات الله التي جعلها على يديك ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا. واوذوا حتى اتاهم نصرنا. فاصبر كما صبروا اظفر كما ظفروا. ولقد جاءك من نبأ المرسلين ما به يثبت فؤادك. ويطمئن به قلبك ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين. وان كان كبر عليك اعراضهم. اي شق عليك من حرصك عليهم ومحبتك لايمانهم. فابذل وسعك في ذلك. فليس في مقدورك ان تهدي من لم يرد الله هدايته. فان استطعت ان تبتغي نفقا في الارض او سلما في السماء فتأتيهم باية. اي فافعل ذلك فانه لا يفيدهم شيئا هذا قطع لطمعه في هدايته اشباه هؤلاء المعاندين. ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ولكن حكمته تعالى اقتضت انهم يبقون على ضلال فلا تكونن من الجاهلين الذين لا يعرفون حقائق الامور ولا ينزلونها على منازلها الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم اليه يرجعون يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم انما يستجيب لدعوتك ويلبي رسالتك وينقاد لامرك ونهيك الذين يسمعون بهم ما ينفعهم وهم اولوا الالباب والاسماع. والمراد بالسماع هنا سماع القلب والاستجابة. والا فمجرد سماع الاذن يشترك فيه البر والفاجر فكل المكلفين قد قامت عليهم حجة الله تعالى باستماع اياته. فلم يبق لهم عذر في عدم القبول. والموتى يبعثهم الله ثم اليه يرجعون. احتملوا ان المعنى مقابل للمعنى المذكور. اي انما يستجيب لك احياء القلوب. واما اموات القلوب الذين لا يشعرون سعادتهم ولا يحسون بما ينجيهم. فانهم لا يستجيبون لك ولا ينقادون. وموعدهم القيامة يبعثهم الله ثم اليه يرجعون يحتمل ان المراد بالاية على ظاهرها وان الله تعالى يقرر المعاد وانه سيبعث الاموات يوم القيامة ثم ينبئهم بما كانوا يعملون ويكون هذا متضمنا للترغيب في الاستجابة لله ورسوله. والترهيب من عدم ذلك وقالوا اي مكذبون بالرسول تعنتا وعنادا لولا انزل عليه اية من ربه يعنون بذلك ايات الاقتراح التي يقترحون بعقولهم الفاسدة وارائهم الكاسدة. كقولهم وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا. او تكون لك جنة من من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا. او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا. او تأتي بالله والملائكة قبيلا قل مجيبا لقولهم ان الله قادر على ان ينزل اية فليس في قدرته قصور عن ذلك. كيف وجميع الاشياء من قادة لعزته مذعنة لسلطانه. ولكن اكثر الناس لا يعلمون فهم لجهلهم وعدم علمهم يطلبون ما هو شر لهم من الايات. التي لو جاءتهم فلم يؤمنوا بها لعوجلوا بالعقاب كما هي سنة الله التي لا تبديل لها. ومع هذا فان كان قصدهم الايات التي تبين لهم الحق وتوضح السبيل فقد اتى محمد صلى الله عليه وسلم بكل اية قاطعة وحجة ساقطة دالة على ما جاء به من الحق بحيث يتمكن العبد في كل مسألة من مسائل الدين ان يجد فيما جاء به عدة ادلة عقلية ونقلية. بحيث لا تبقي في القلوب ادنى شك وارتياب. فتبارك الذي ارسل بالهدى ودين الحق وايده بالايات البينات ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وان الله لسميع عليم في الارض ولا طائر يطير بجناح اي جميع الحيوانات الارضية والهوائية من البهائم والوحوش والطيور. كلها امم امثالكم خلقناها كما خلقناكم ورزقناها كما رزقناكم ونفذت فيها مشيئتنا وقدرتنا كما كانت نافذة فيكم ما فرطنا في كتابي من شيء اي ما اهملنا ولا اغفلنا في اللوح المحفوظ شيئا من الاشياء بل جميع الاشياء صغيرها وكبيرها مثبتة في اللوح المحفوظ على ولا يهملهم مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو. ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها. ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يئسن الا في كتاب مبين. هذه الاية العظيمة من اعظم الايات تفصيلا لعلمه المحيط ما هي عليه فتقع جميع الحوادث طبق ما جرى به القلم. وفي هذه الاية دليل على ان الكتاب الاول قد حوى جميع الكائنات. وهذا احد مراتب القضاء والقدر فانها اربع مراتب. علم الله الشامل لجميع الاشياء. وكتابه المحيط بجميع الموجودات ومشيئته وقدرته النافذة العامة لكل شيء وخلقه لجميع المخلوقات حتى افعال العباد. ويحتمل ان المراد بالكتاب هذا القرآن وان المعنى كالمعنى في قوله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء. وقوله ثم الى ربهم يحشرون. اي جميع الامم تحشر وتجمع الى الله في في القيامة في ذلك الموقف العظيم الهائل فيجازيهم بعدله واحسانه ويمضي عليهم حكمه الذي يحمده عليه الاولون والاخرون السماء واهل الارض. والذين كذبوا باياتنا صم وبكم في الظلمات هذا بيان لحال المكذبين بايات الله المكذبين لرسله انهم قد سدوا على انفسهم باب الهدى وفتحوا باب الردى وانهم عن سماع الحق بكم عن النطق به. فلا ينطقون الا بباطل. في الظلمات اي منغمسون في ظلمات الجهل والكفر والظلم والعناد معاصي وهذا من ابولال الله اياهم. فمن يشاء الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم. لانه المنفرد بالهداية والاضلال بحسب ما اقتضاه فضله وحكمته يقول تعالى لرسوله قل للمشركين بالله العادلين به غيره ارأيتكم ان اتاكم عذاب الله او اتتكم الساعة؟ اغير الله تدعون ان كنتم صادقين. اي اذا حصلت هذه المشقات وهذه الكروب التي يضطر الى دفعها هل تدعون الهتكم واصنامكم؟ ام تدعون ربكم الملك الحق المبين تكشف ما تدعون اليه شاء وتنسون ما تشركون. بل اياه تدعون سيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون. فاذا كانت هذه حالكم مع اندادكم عند الشدائد تنسونهم لعلمكم انهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وتخلصون لله الدعاء لعلمكم انه هو النافع الضار. المجيب دعوة المضطر فما بالكم في الرخاء تشركون به وتجعلون له شركاء؟ هل دلكم على ذلك عقل او نقل؟ ام عندكم من سلطان بهذا بل تفترون على الله الكذب من الضراء لعلهم يتضرعون. يقول تعالى ولقد ارسلنا الى امم من قبلك من الامم السالفين القرون المتقدمين فكذبوا رسلنا وجحدوا اياتنا. فاخذناهم بالبأساء والضراء اي بالفقر والمرض والافات والمصائب رحمة منا بهم لعلهم يتضرعون الينا ويلجأون عند الشدة الينا بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلولا اذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم اي استحجرت فلا تلين للحق. وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ظنوا ان ما هم عليه دين الحق. فتمتعوا في باطلهم برهة من الزمان. ولعب بعقولهم الشيطان حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء من الدنيا ولذاتها حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون. اي ايسون من كل خير وهذا اشد ما يكون من ان يؤخذوا على غرة وغفلة وطمأنينة ليكون اشد لعقوبتهم واعظم لمصيبتهم اياته واكرامه لاوليائه واهانته لاعدائه. وصدق ما جاءت به المرسلون انظروا كيف نصرف الايات ثم هم يصدفون. يخبر تعالى انه كما انه المتفرد بخلق الاشياء وتدبير فانه المنفرد بالوحدانية والالهية. فقال قل ارأيتم ان اخذ الله سمعكم وابصاركم وختم على قلوبكم. فبقيت بلا سمع ولا بصر ولا عقل. من اله غير الله يأتيكم به. فاذا لم يكن غير الله يأتي بذلك. فلما عبدتم معه من لا قدرة له على شيء الا اذا شاءه الله. وهذا من ادلة التوحيد وبطلان الشرك. ولهذا قال انظر كيف نصرف الايات اي ننوعها ونأتي بها من كل فن ولتنير الحق وتتبين سبيل المجرمين. ثم هم مع هذا البيان التام يصدفون عن ايات الله عنها قل ارأيتكم اي اخبروني ان اتاكم عذاب الله بغتة او جهرا. اي مفاجأة او تقدم امامه مقدمات انتم تعلمون بها وقوعه هل يهلك الا القوم الظالمون؟ الذين صاروا سببا لوقوع العذاب بهم بظلمهم وعنادهم. فاحذروا ان اقيموا على الظلم فانه الهلاك الابدي والشقاء السرمدي يذكر تعالى زبدة ما ارسل المرسلين انه البشارة والنذارة. وذلك مستلزم لبيان المبشر والمبشر به. والاعمال التي اذا عملها العبد حصلت له البشارة. والمنذر والمنذر به والاعمال التي من عملها حقت عليه النذارة. ولكن الناس انقسموا بحسب اجابتهم لدعوتهم وعدمها الى قسمين فمن امن واصلح اي امن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر واصلح ايمانه واعماله ونيته فلا خوف عليهم فيما يستقبل. ولا هم يحزنون على ما مضى. والذين كذبوا باياتنا يمسهم العذاب بما كانوا كانوا يفسقون. والذين كذبوا باياتنا يمسهم العذاب. اي ينالهم ويذوقونه. بما كانوا يفسقون قل لا اقول لكم عندي خزائن ااقول لكم عندي الله ولا اعلم الغيب ولا اقول لكم اني ملك ان اتبع الا ما يوحى اليه. قل هل يستوي الاعمى والبصير افلا يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ان يخاطب المقترحين عليه الايات او القائلين له انما تدعونا لنتخذك الها مع الله. لا اقول لكم عندي خزائن الله. اي مفاتيح رزقه ورحمته. ولا اعلم الغيب. وانما ذلك عند الله فهو الذي ما يفتح للناس من رحمة فلا ممسك لها. وما يمسك فلا مرسل له من بعده. وهو وحده عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول. ولا اقول لكم اني ملك فاكون نافذ التصرف قويا. فلست ادعي فوق منزلتك التي انزلني الله بها ان اتبع الا ما يوحى الي. اي هذا غايتي ومنتهى امري واعلاه. ان اتبع الا ما يوحى الي فاعمل به في نفسي وادعو الخلق كلهم الى ذلك. فاذا عرفت منزلتي فلاي شيء يبحث الباحث معي او يطلب مني امرا لست ادعيه وهل يلزم الانسان بغير ما هو بصدده؟ ولاي شيء اذا دعوتكم بما اوحي الي ان تلزموني ان ادعي لنفسي غير مرتبتي؟ وهل هذا الا ظلم منكم وعناد وتمرد. قل لهم في بيان الفرق بين من قبل دعوتي وانقاد لما اوحي الي. وبين من لم يكن كذلك. قل هل الاعمى والبصير افلا تتفكرون فتنزلون الاشياء منازلها وتختارون ما هو اولى بالاختيار والايثار الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون هذا القرآن نذارة للخلق كلهم. ولكن انما ينتفع به الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم. فهم متيقنون للانتقال من هذه الدار الى دار القرار. فلذلك يستصحبون ما ينفعهم ويدعون ما يضرهم. ليس لهم من دونه اي من دون الله وليس ولا شفيع اي لا من يتولى امرهم فيحصل لهم المطلوب ويدفع عنهم المحظور ولا من يشفع لهم لان الخلق كلهم ليس لهم من الامر شيء لعلهم يتقون الله بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. فان الانذار موجب لذلك وسبب من اسبابه حين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حساب فبك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين. ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشاء يريدون وجهه. اي لا تطرد عنك وعن مجالستك اهل العبادة والاخلاص. رغبة في مجالسة غيرهم. من الملازمين لدعاء ربهم دعاء العبادة بالذكر والصلاة ونحوها. ودعاء المسألة في اول النهار واخره. وهم قاصدون بذلك وجه الله. ليس لهم من الاغراض سوى ذلك الغرض الجليل فهؤلاء ليسوا مستحقين للطرد والاعراض عنهم. بل هم مستحقون لموالاتهم ومحبتهم. وادنائهم وتقريبهم لانهم الصفوة من الخلق وان كانوا فقراء. الاعزاء في الحقيقة وان كانوا عند الناس اذلاء. ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء. اي كل له حسابه وله عمله الحسن وعمله القبيح. فتطردهم فتكون من الظالمين. وقد امتثلت صلى الله عليه وسلم هذا الامر اشد امتثال. فكان اذا جلس الفقراء من المؤمنين صبر نفسه معهم. واحسن معاملتهم والان لهم جانبهم وحسن خلقه وقربهم منه. بل كانوا هم اكثر اهل مجلسه رضي الله عنهم. وكان سبب نزول هذه الايات ان اناسا من قريش او من اجلاف العرب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ان اردت ان نؤمن لك ونتبعك فاطرد فلانا وفلانا اناسا من فقراء الصحابة فانا نستحي ان تراني العرب جالسين مع هؤلاء الفقراء فحمله حبه لاسلامهم واتباعهم له فحدثته نفسه بذلك عاتبه الله بهذه الايات ونحوها اليس الله باعلم بالشاكرين؟ وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا اهؤلاء من الله عليهم من بيننا؟ اي هذا من ابتلاء الله لعباده حيث جعل بعضهم غنيا وبعضهم فقيرا وبعضهم شريفا وبعضهم وضيعا. فاذا من الله بالايمان على الفقير او الوضيع كان ذلك محل محنة للغني والشريف فان كان قصده الحق واتباعه امن واسلم. ولم يمنعه من ذلك مشاركة الذي يراه دونه بالغنى او الشرف. وان لم يكن صادقا في طلب الحق كانت هذه عقبة ترده عن اتباع الحق. وقالوا محتقرين لمن يرونهم دونهم. اهؤلاء من الله عليهم من بيننا؟ فمنعهم هذا من اتباع الحق لعدم زكائهم. قال الله مجيبا لكلامهم المتضمن الاعتراض على الله في هداية هؤلاء. وعدم هدايتهم هم اليس الله باعلم بالشاكرين؟ الذين يعرفون النعمة ويقرون بها ويقومون بما تقتضيه من العمل الصالح. فيضع فظله ومنته عليهم دون من ليس بشاكر. فان الله تعالى حكيم لا يضع فضله عند من ليس له باهل. وهؤلاء المعترضون بهذا الوصف بخلاف من من الله عليهم بالايمان من الفقراء وغيرهم. فانهم هم الشاكرون. ولما نهى الله رسوله عن طرد المؤمنين القانطين. امره مقابلتهم بالاكرام والاعظام والتبجيل والاحترام. فقال فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة انه من عمل منكم سوء واذا جاءك الذين يؤمنون باياتنا فقل سلام عليكم. اي واذا جاءك المؤمنون فحيهم ورحب بهم ولقهم منك تحية وسلام. وبشرهم بما نشط عزائمهم وهممهم من رحمة الله وسعة جوده واحسانه. وحثهم على كل سبب وطريق يوصل لذلك. ورهبهم من الاقامة على الذنوب وامرهم بالتوبة من المعاصي لينالوا مغفرة ربهم وجوده. ولهذا قال كتب ربكم على نفسه الرحمة انه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده واصلح. اي فلابد مع ترك الذنوب والاقلاع والندم عليها. من اصلاح العمل واداء ما اوجب الله واصلاح ما فسد من الاعمال الظاهرة والباطنة. فاذا وجد ذلك كله فانه غفور رحيم. اي صب عليهم من مغفرته ورحمته بحسب ما قاموا به مما امرهم به وكذلك نفصل الايات اي نوضحها ونبينها. ونميز بين طريق الهدى من الضلال والغي والرشاد. ليهتدي بذلك المهتدى ويتبين الحق الذي ينبغي سلوكه. ولتستبين سبيل المجرمين الموصلة الى سخط الله وعذابه. فان سبيل المجرمين اذا استبان واتضحت امكن اجتنابها والبعد منها بخلاف ما لو كانت مشتبهة ملتبسة فانه لا يحصل هذا المقصود الجليل اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله لكم قد ضللت اذا وما انا من المهتدين يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المشركين الذين يدعون مع الله الهة اخرى. اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله من الانداد والاوثان التي لا تملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فان هذا باطل. وليس لكم فيه حجة بل ولا شبهة. الا اتباع الهوى الذي اعظم الضلال. ولهذا قال قل لا اتبع اهوائكم قد ضللت اذا. اي ان اتبعت اهوائكم وما انا من المهتدين بوجه من الوجوه. واما ما انا عليه من توحيد الله واخلاص العمل له. فانه هو الحق الذي تقوم عليه البراهين والادلة القاطعة كاينين الحكم الا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين وانا على بينة من ربي اي على يقين مبين لصحته وبطلان ما عاداه. وهذه شهادة من الرسول جازمة لا تقبل التردد. وهو اعدل الشهود من الخلق على الاطلاق. فصدق بها المؤمنون وتبين لهم من صحتها وصدقها بحسب ما من الله به عليهم. ولكنكم ايها المشركون كذبتم به وهو لا يستحق هذا منكم ولا يليق به الا التصديق. واذا استمررتم على تكذيبكم فاعلموا ان العذاب واقع بكم لا محالة. وهو عند الله هو الذي ينزله عليكم اذا شاء وكيف شاء. وان استعجلتم به فليس بيدي من الامر شيء. ان الحكم الا لله فكما انه هو الذي حكم بالحكم الشرعي فامر ونهى فانه سيحكم بالحكم الجزائي. فيثيب ويعاقب بحسب ما تقتضيه حكمته. فالاعتراض على حكمه مطلقا مدفوع. وقد اوضح السبيل وقص على عباده الحق قصا. قطع به معاذيرهم وانقطعت له حجتهم. ليهلك من هلك عن بينة فيحيى من حي عن بينة. وهو خير الفاصلين بين عباده في الدنيا والاخرة. فيفصل بينهم فصلا يحمده عليه. حتى من قضي عليه ووجه الحق ونحوه قل للمستعجلين بالعذاب جهلا وعنادا وظلما. لو ان عندي ما تستعجلون به لقضي الامر بيني فاوقعته بكم ولا خير لكم في ذلك. ولكن الامر عند الحليم الصبور الذي يعصيه العاصون. ويتجرأ عليه المتجرؤون وهو يعافيهم ويرزقهم ويسدي عليهم نعمه الظاهرة والباطنة. والله اعلم بالظالمين. لا يخفى عليه من احوالهم شيء فيمهلهم انه شامل للغيوب كلها. التي يطلع منها ما شاء من خلقه. وكثير منها طوى علمه عن الملائكة المقربين والانبياء المرسلين فضلا عن غيره من العالمين. وانه يعلم ما في البراري والقفار من الحيوانات والاشجار. والرمال والحصى والتراب وما في البحار من حيواناتها وما معادنها وصيدها وغير ذلك مما تحتويه ارجائها. ويشتمل عليه ماؤها. وما تسقط من ورقة من اشجار البر والبحر. والبلدان والقفر والدنيا والاخرة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض من حبوب الثمار والزروع وحبوب البذور التي يبذرها الخلق وبذور النوابت البرية التي ينشئ منها اصناف النباتات ولا رطب ولا يابس. هذا عموم بعد خصوص. الا في كتاب مبين. وهو اللوح المحفوظ قد حواها واشتمل عليها. وبعض هذا المذكور يبهر عقول العقلاء. ويذهل افئدة النبلاء. فدل هذا على عظمة الرب العظيم وسعته في كلها وان الخلق من اولهم الى اخرهم لو اجتمعوا على ان يحيطوا ببعض صفاته لم يكن لهم قدرة ولا وسع في ذلك. فتبارك الرب العظيم الواسع العليم الحميد المجيد الشهيد المحيط. وجل من اله لا يحصي احد ثناء عليه. بل هو كما اثنى على وفوق ما يثني عليه عباده. فهذه الاية دلت على علمه المحيط بجميع الاشياء. وكتابه المحيط بجميع الحوادث هو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار. ثم يبعثكم فيه ليقضى هذا كله تقرير لالوهيته واحتجاج على المشركين به. وبيان انه تعالى المستحق للحب والتعظيم والاجلال الاكرام فاخبر انه وحده المتفرد بتدبير عباده في يقظتهم ومنامهم. وانه يتوفاهم بالليل وفاة النوم. فتهدأ حركاتهم وتستريح ابدانهم ويبعثهم في اليقظة من نومهم. ليتصرفوا في مصالحهم الدينية والدنيوية. وهو تعالى يعلم ما جرحوا وما كسبوا من تلك كالاعمال ثم لا يزال تعالى هكذا يتصرف فيهم حتى يستوفوا اجالهم فيقضى بهذا التدبير اجل مسمى. وهو اجل الحياة واجل اخر فيما بعد ذلك وهو البعث بعد الموت. ولهذا قال ثم اليه مرجعكم لا الى غيره ثم ينبئكم بما كنتم تعملون من خير وشر آآ احدكم الموت توفته رسلنا توفته رسلنا وهم لا يفرطون وهو تعالى القاهر فوق عباده. ينفذ فيهم ارادته الشاملة ومشيئته العامة. فليسوا يملكون من الامر شيئا. ولا ولا يسكنون الا باذنه. ومع ذلك فقد وكل بالعباد حفظة من الملائكة. يحفظون العبد ويحفظون عليه ما عمل. كما قال تعالى وان عليكم لحافظين. كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون. عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد فهذا حفظه لهم في حال الحياة. حتى اذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا. اي الملائكة الموكلون بقبض الارواح وهم لا يفرطون في ذلك. فلا يزيدون ساعة مما قدر الله وقضاه ولا ينقصون. ولا ينفذون من ذلك الا بحسب المراسيم الالهية الربانية الا له الحكم ثم بعد الموت والحياة البرزخية وما فيها من الخير والشر. ردوا الى الله مولاهم الحق. اي الذي يتولاهم بحكمه القدري فنفذ فيهم ما شاء من انواع التدبير. ثم تولاهم بامره ونهيه وارسل اليهم الرسل. وانزل عليهم الكتب ثم ردوا اليه ليتولى الحكم فيهم بالجزاء. ويثيبهم على ما عملوا من الخيرات. ويعاقبهم على الشرور والسيئات. ولهذا قال الا له الحكم وحده لا شريك له وهو اسرع الحاسبين. لكمال علمه وحفظه لاعمالهم. بما اثبته في اللوح المحفوظ. ثم اثبتته ملائكته وفي الكتاب الذي بايديهم فاذا كان تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير وهو القاهر فوق عباده وقد اعتنى بهم كل الاعتناء في جميع احوالهم وهو الذي له الحكم القدري والحكم الشرعي والحكم الجزائي. فاين للمشركين العدول عمن هذا وصفه ونعته؟ الى عبادة من ليس له من الامر شيء ولا عنده مثقال ذرة من النفع ولا له قدرة ولا ارادة. اما والله لو علموا حلم الله عليهم وعفوه ورحمته بهم وهم يبارزونه بالشرك والكفران ويتجرأون على عظمته بالافك والبهتان. وهو يعافيهم ويرزقهم. لان جذبت دواعيهم الى معرفتك وذهلت عقولهم في حبه ولمقتوا انفسهم اشد المقت. حيث انقادوا لداعي الشيطان الموجب للخزي والخسران. ولكنهم قوم لا يعقلونه لان انجانا من هذه لنكونن من الشاكرين اي قل للمشركين بالله الداعين معه الهة اخرى. ملزما لهم بما اثبتوه من توحيد الربوبية. على ما انكروا من الالهية من ينجيكم من ظلمات البر والبحر. اي شدائدهما ومشقاتهما. وحين يتعذر او يتعسر عليكم وجه الحيلة. فتدعون ربكم لكم تضرعا بقلب خاضع. ولسان لا يزال يلهج بحاجته في الدعاء. وتقولون وانتم في تلك الحال لان انجانا من هذه الشدة التي فيها لنكونن من الشاكرين لله. اي المعترفين بنعمته الواضعين لها في طاعة ربهم. الذين حفظوها عن ان يبذلوها في وصيته قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب. اي من هذه الشدة الخاصة. ومن جميع الكروب العامة. ثم انتم تشركون لا تفون لله بما قلتم وتنسون نعمه عليكم. فاي برهان اوضح من هذا على بطلان الشرك وصحة التوحيد قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجل او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض. انظر كيف نصرف الآيات اي هو تعالى قادر على ارسال العذاب اليكم من كل جهة. من فوقكم او من تحت او يلبسكم اي يخلطكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض. اي في الفتنة وقتل بعضكم بعضا. فهو قادر على ذلك كله فاحذروا من الاقامة على معاصيه. فيصيبكم من العذاب ما يتلفكم ويمحقكم. ومع هذا فقد اخبر انه قادر على ذلك من رحمته ان رفع عن هذه الامة العذاب من فوقهم بالرجم والحصب ونحوه. ومن تحت ارجلهم بالخسف. ولكن عاقب من عاقب منهم بان اذاق بعضهم بأس بعض وسلط بعضهم على بعض عقوبة عاجلة يراها المعتبرون. ويشعر بها العالمون. انظر كيف نصرف الايات اي تنوعها ونأتي بها على اوجه كثيرة. وكلها دالة على الحق. لعلهم يفقهون اي يفهمون ما خلقوا من اجله. ويفقهون الحقائق حقائق الشرعية والمطالب الالهية وكذب به اي بالقرآن قومك وهو الحق الذي لا مرية فيه. ولا شك يعتريه. قل لست عليكم بوكيل احفظ اعمالكم واجازيكم عليها. وانما انا منذر ومبلغ لكل نبأ مستقر. اي وقت يستقر فيه. وزمان لا يتقدم عنه ولا يتأخر. وسوف تعلمون ما توعدون به من العذاب واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى المراد بالخوض في ايات الله التكلم بما يخالف الحق من تحسين المقالات الباطلة والدعوة اليها ومدح اهلها والاعراض عن الحق والقدح فيه وفي اهله. فامر الله رسوله اصلا وامته تبعا. اذا رأوا من بايات الله بشيء مما ذكر. بالاعراض عنهم وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل. والاستمرار على ذلك حتى يكون البحث والخوض في فلا من غيره. فاذا كان في كلام غيره زال النهي المذكور. فان كان مصلحة كان مأمورا به. وان كان غير ذلك كان غير مفيد ولا مأمور به وفي ذم الخوض بالباطل حث على البحث والنظر والمناظرة بالحق ثم قال واما ينسينك الشيطان اي بان لست معهم على وجه النسيان والغفلة. فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين. يشمل الخائضين بالباطل. وكل متكلم بمحرم او فاعل لمحرم. فانه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر. الذي لا يقدر على ازالته. هذا النهي والتحريم لمن جلس معهم ولم يستعمل تقوى الله بان كان يشاركهم في القول والعمل المحرم. او يسكت عنهم وعن الانكار. فان استعمل تقوى الله تعالى بان كان يأمر وهم بالخير وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم. فيترتب على ذلك زوال الشر او تخفيفه. فهذا ليس عليه حرج ولا اثم. ولهذا قال قال وما على الذين يتقون من حسابهن ولكن وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون اي ولكن ليذكرهم ويعظهم لعلهم يتقون الله تعالى. وفي هذا دليل على انه ينبغي ان يستعمل المذكر من الكلام لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون المقصود من العباد ان يخلصوا لله الدين. بان يعبدوه وحده لا شريك له. ويبذل مقدورهم في مرضاته ومحابه. وذلك متضمن لاقبال القلب على الله وتوجهه اليه. وكون سعي العبد نافعا وجدا لا هزلا واخلاصا لوجه الله لا رياء وسمعة. هذا اهو الدين الحقيقي الذي يقال له دين. فاما من زعم انه على الحق وانه صاحب دين وتقوى. وقد اتخذ دينه لعبا ولهوا. بان لها قلبه عن محبة الله ومعرفته. واقبل على كل ما يضره ولها في باطله. ولعب فيه ببدنه. لان العمل والسعي اذا كان لغير الله فهو لعب فهذا امر الله تعالى ان يترك ويحذر ولا يغتر به وتنظر حاله ويحذر من فعاله ولا يغتر بتعويقه عما يقرب الى الله وذكر به اي ذكر بالقرآن ما ينفع العباد امرا وتفصيلا وتحسينا له بذكر ما فيه من اوصاف الحسن وما يضر نهيا عن وتفصيلا لانواعه. وبيان ما فيه من الاوصاف القبيحة الشنيعة الداعية لتركه. وكل هذا لان لا تبسل نفس بما كسبت. اي قبل اقتحام العبد للذنوب وتجرؤه على علام الغيوب. واستمرارها على ذلك المرهوب. فذكرها وعظها لترتدع وتنزجر وتكف عنك فعلها وقوله ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع. اي قبل ان تحيط بها ذنوبها ثم لا ينفعها احد من الخلق. لا قريب ولا صديق ولا يتولاها من دون الله احد. ولا يشفع لها شافع. وان تعدل كل عدل. اي تفتدي بكل فداء ولو بملئ الارض ذهب لا يؤخذ منها اي لا يقبل ولا يفيد. اولئك الموصوفون بما ذكر الذين ابسلوا اي اهلكوا وايسوا من الخير وذلك بما كسبوا لهم شراب من حميم. اي ماء حار قد انتهى حره. يشوي وجوههم. ويقطع امعائهم. وعذاب اليم بما كانوا يكفرون حيران له اصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا. قل ان هدى الله هو الهدى وامرنا لنسلم قل يا ايها الرسول للمشركين بالله الداعين معه غيره الذين يدعونكم الى دينهم وشارحا لوصف الهتهم. التي يكتفي العاقل بذكر وصفها عن النهي عنها. فان كل عاقل اذا تصور مذهب المشركين جزم ببطلانه قبل ان تقام البراهين على ذلك فقال اندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا. وهذا وصف يدخل فيه كل من عبد من دون الله فانه لا ينفع ولا يضر. وليس له من الامر شيء. ان الامر الا لله. ونرد على اعقابنا بعد اذ هدانا الله. اي ونقول بعد هداية الله لنا الى الضلال. ومن الرشد الى الغي ومن الصراط الموصل الى جنات النعيم. الى الطرق التي تفضي بسالكها الى العذاب الاليم فهذه حال لا يرتضيها ذو رشد. وصاحبها كالذي استهوته الشياطين في الارض. اي اضلته وتيهته عن طريقه ومنهجه نصل له الى مقصده. فبقي حيران له اصحاب يدعونه الى الهدى. والشياطين يدعونه الى الردى. فبقي بين الداعيين حائرا وهذه حال الناس كلهم الا من عصمه الله تعالى فانهم يجدون فيهم جواذب ودواعي متعارضة دواعي الرسالة والعقل الصحيح فطرة المستقيمة يدعونه الى الهدى والصعود الى اعلى عليين. ودواعي الشيطان ومن سلك مسلكه. والنفس الامارة بالسوء يدعونه الى الضلال والنزول الى اسفل سافلين. فمن الناس من يكون مع داعي الهدى في اموره كلها او اغلبها. ومنهم من بالعكس من ذلك ومنهم من يتساوى لديه الداعيان ويتعارض عنده الجاذبان. وفي هذا الموضع تعرف اهل السعادة من اهل الشقاوة. وقوله قل هدى الله هو الهدى. اي ليس الهدى الا الطريق التي شرعها الله على لسان رسوله. وما عداه فهو ضلال وردى وهلاك. وامرنا لنسلم رب العالمين بان ننقاد لتوحيده ونستسلم لاوامره ونواهيه وندخل تحت رق عبوديته فان هذا افضل نعمة انعم الله بها على العباد واكملوا تربية اوصلها اليهم وان اقيموا الصلاة اي وامرنا ان نقيم الصلاة باركانها وشروطها وسننها ومكملاتها. واتقوه بفعل ما امر به واجتناب ما نهى وهو الذي اليه تحشرون. اي تجمعون ليوم القيامة. فيجازيكم باعمالكم خيرها وشرها السماوات والارض بالحق عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير وهو الذي خلق السماوات والارض بالحق. ليأمر العباد وينهاهم ويثيبهم ويعاقبهم. ويوم يقول كن فيكون قوله الحق الذي لا مرية فيه ولا مثنوية ولا يقول شيئا عبثا وله الملك يوم ينفخ في الصور اي يوم القيامة خصه بالذكر مع انه مالك كل شيء لانه تنقطع فيه الاملاك. فلا يبقى ملك الا الله الواحد القهار. عالم الغيب والشهادة هو الحكيم الخبير الذي له الحكمة التامة والنعمة السابغة والاحسان العظيم. والعلم المحيط بالسرائر والبواطن والخفايا. لا اله الا هو ولا رب سواه. وان قال ابراهيم لابيه ازر تتخذ اصناما الهة يقول تعالى واذكر قصة ابراهيم عليه الصلاة والسلام مثنيا عليه عظما في حال دعوته الى التوحيد وناهيه عن الشرك. اذ قال لابيه ازر اتتخذ اصناما الهة؟ اي لا تنفع ولا تضر وليس لها من الامر شيء. اني اراك وقومك في ضلال مبين. حيث عبدتم من لا يستحق من العبادة شيئا. وتركتم عبادة خالقكم. وراز ومدبركم. وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين وكذلك حين وفقناه للتوحيد والدعوة اليه نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض. اي ليرى ببصيرته ما اشتملت عليه من الادلة القاطعة والبراهين الساطعة وليكون من الموقنين. فانه بحسب قيام الادلة يحصل له الايقان. والعلم التام بجميع المطالب فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما افلقانا لا احب فلما جن عليه الليل اي اظلم رأى كوكبا لعله من الكواكب المضيئة لان تخصيصه بالذكر يدل على زيادته عن غيره. ولهذا والله اعلم قال من قال انه الزهرة. قال هذا ربي. اي على وجه التنزل مع الخصم. اي هذا يا ربي فهلم ننظر هل يستحق الربوبية؟ وهل يقوم لنا دليل على ذلك؟ فانه لا ينبغي لعاقل ان يتخذ الهه هو اه بغير حجة ولا برهان. فلما افل اي غاب ذلك الكوكب. قال لا احب الافلين. اي الذي يغيب ويختفي عمن عبده. فان المعبود لابد ان يكون قائما بمصالح من عبده. ومدبرا له في جميع شؤونه. فاما الذي يمضي وقت كثير وهو غائب. فمن اين يستحق العبادة وهل اتخاذه الها الا من اسفه السفه وابطل الباطل فلما افلقا قال لان لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين فلما رأى القمر بازغا اي طالعا ورأى زيادته على نور الكواكب ومخالفته لها. قال هذا ربي تنزلا فلما افل قال لان لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين. فافتقر غاية الافتقار الى هداية ربه. وعلم انه ان يهديه الله فلا هادي له. وان لم يعنه على طاعته فلا معين له قال يا فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر من الكوكب ومن القمر. فلما افلت تقرر حينئذ الهدى واضمحل الردى. فقال يا قومي اني بريء من مما تشركون حيث قام البرهان الصادق الواضح على بطلانه اني وجهت وجهي للذي فطر والسماوات والارض حنيفا. اي لله وحده مقبلا عليه. معرضا عمن سواه. وما انا من المشركين. فتبرأ من الشرك واذعن بالتوحيد واقام على ذلك البرهان. وهذا الذي ذكرنا في تفسير هذه الايات هو الصواب. وهو ان المقام مقام مناظرة من ابراهيم لقومه وبيان بطلانية الهية هذه الاجرام العلوية وغيرها. واما من قال انه مقام نظر في حال طفوليته. فليس عليه دليل واحد قومه قال اتون ولا اخاف ما تشركون به شاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما. افلا تتذكرون وحاجه قومه قال اتحاجوني في الله وقد هداني؟ اي فائدة المحاجة لمن لم يتبين له الهدى فاما من هداه الله وصل الى اعلى درجات اليقين فانه هو بنفسه يدعو الناس الى ما هو عليه. ولا اخاف ما تشركون به فانها لن تضرني ولن تمنع دعا عني من النفع شيئا الا ان يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما. افلا تتذكرون؟ فتعلمون انه وحده المعبود المستحق للعبودية ما لم ينزل بي ما لم ينزل به عليكم سلطانا. فاي الفريقين احق بالامن وكيف اخاف ما اشركتم وحالها حال العجز وعدم النفع ولا تخافون انكم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا. اي الا بمجرد اتباع الهوى. فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون؟ قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين الذين امنوا ولم يلبسوا ان يخلطوا اهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون. الامن من المخاوف والعذاب والشقاء. والهداية الى الصراط المستقيم. فان كانوا لم يلبسوا ايمانهم بظلم مطلقا لا بشرك ولا بمعاصي. حصل لهم الامن التام والهداية التامة. وان كانوا لم يلبسوا ايمانهم بالشرك وحده. ولكن فهم يعملون السيئات حصل لهم اصل الهداية واصل الامن. وان لم يحصل لهم كمالها. ومفهوم الاية الكريمة ان الذين لم يحصل لهم الامر لم يحصل لهم هداية ولا امن بل حظهم الضلال والشقاء. ولما حكم لابراهيم عليه السلام بما بين به من البراهين القاطعة قال نرفع درجات وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه اي علا بها عليهم وفلجهم بها. نرفع درجات من نشاء كما رفعنا درجات ابراهيم عليه السلام في الدنيا والاخرة. فان العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات. خصوصا العالم العامل المعلم فانه يجعله الله اماما للناس بحسب حاله ترمق افعاله وتقتفى اثاره ويستضاء بنوره ويمشى علمه في ظلمة ديجوره. قال الله تعالى يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات. ان ربك حكيم عليم فلا يضع العلم والحكمة الا في المحل اللائق بهما. وهو اعلم بذلك المحل وبما ينبغي له الخلق من نسله واعظم بهذه المنقبة والكرامة الجسيمة. التي لا يدرك لها نظير. فقال ووهبنا له اسحاق ويعقوب ابنه الذي هو اسرائيل ابو الشعب الذي فضله الله على العالمين. كلا منهما هدينا الصراط المستقيم في علمه وعمله. ونوحا هدينا من قبل وهدايته من انواع الهدايات الخاصة. التي لم تحصل الا لافراد من العالم. وهم اولو العزم من الرسل الذي هو احدهم من ذريته يحتمل ان الضمير عائد الى نوح. لانه اقرب مذكور. ولان الله ذكر مع من ذكر لوطا. وهو من ذرية نوح. لا من ذرية ابراهيم لانه ابن اخيه ويحتمل ان الضمير يعود الى ابراهيم لان السياق في مدحه والثناء عليه ولوط وان لم يكن من حريته فانه ممن امن على يده فكان منقبة الخليل وفضيلته بذلك ابلغ من كونه مجرد ابن له. داود وسليمان ابن داود وايوب ويوسف ابن يعقوب وموسى وهارون بني عمران وكذلك كما اصلحنا ذرية ابراهيم الخليل لانه احسن في ربه واحسن في نفع الخلق كذلك نجزي المحسنين بان نجعل لهم من الثناء الصدق والذرية الصالحة بحسب احسانهم زكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين وزكريا ويحيى ابنه وعيسى ابن مريم والياس كل من هؤلاء من الصالحين في اخلاقهم واعمالهم وعلومهم. بل هم سادة الصالحين وقادتهم وائمتهم واسماعيل ابن ابراهيم ابو الشعب الذي هو افضل الشعوب. وهو الشعب العربي. ووالد سيد ولد ادم محمد صلى الله عليه وسلم ويونس ابن متى ولوطا ابن هارون اخي ابراهيم وكلا من هؤلاء الانبياء والمرسلين فضلنا على العالمين. لان الفضائل اربع وهي التي ذكرها الله بقوله ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين الشهداء والصالحين. فهؤلاء من الدرجة العليا بل هم افضل الرسل على الاطلاق. فالرسل الذين قصهم الله في كتابه افضل ممن لم خص علينا نبأهم بلا شك ثم هديناهم الى صراط مستقيم. ومن ابائهم اي اباء هؤلاء المذكورين وذرياتهم واخوانهم ايها دينا من اباء هؤلاء وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم اي اخترناهم وهديناهم الى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو اشركوا لحبط ما كانوا يعملون. ذلك الهدى المذكور. هدى الله الذي لا هدى الا هداه. يهدي به من يشاء من عباده فاطلبوا منه الهدى فانه ان لم يهدكم فلا هادي لكم غيره. وممن شاء هدايته هؤلاء المذكورون. ولو اكو على الفرض والتقدير لحبط عنهم ما كانوا يعملون. فان الشرك محبط للعمل موجب للخلود في النار. فاذا كان هؤلاء الصفوة لو اشركوا وحاشاهم لحبطت اعمالهم فغيرهم اولى اولئك المذكورون الذين هدى الله فبهداهم مقتضى. ايمشي ايها الرسول الكريم خلف هؤلاء الانبياء الاخيار واتبع ملتهم. وقد امتثل صلى الله عليه وسلم فاهتدى بهدي الرسل قبله. وجمع كل كمال فيهم. فاجتمعت لديه فضائل وخصائص بها جميع العالمين. وكان سيد المرسلين وامام المتقين. صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين. وبهذا الملحظ استدل من استدل من الصحابة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم افضل الرسل كلهم قل للذين اعرضوا عن دعوتك لا اسألكم عليه اجرا اي لا اطلب منكم مغرما ومالا جزاء عن ابلاغي اياكم. ودعوتي لكم فيكون من اسباب امتناعكم. ان اجري الا على الله ان هو الا ذكرى للعالمين. يتذكرون به ما ينفعهم فيفعلونه. وما يضرهم فيذرونه. ويتذكرون به معرفة ربهم باسمائهم واوصافه ويتذكرون به الاخلاق الحميدة والطرق الموصلة اليها والاخلاق الرذيلة والطرق المفضية اليها. فان كان ذكرى عالمين كان اعظم نعمة انعم الله بها عليهم فعليهم قبولها والشكر عليها في موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا. وعلمتم هذا تشنيع من الله على من نفى الرسالة من اليهود والمشركين. وزعم ان الله ما انزل على بشر من شيء. فمن قال هذا فما قدر الله حق قدره ولا عظمه حق عظمته. اذ هذا قدح في حكمته. وزعم انه يترك عباده هملا. لا يأمرهم ولا ها هم ونفي لاعظم منة امتن الله بها على عباده. وهي الرسالة التي لا طريق للعباد الى نيل السعادة والكرامة والفلاح الا بها اي قدح في الله اعظم من هذا؟ قل لهم ملزما بفساد قولهم وقررهم بما به يقرون. من انزل الكتاب الذي جاء به موسى وهو التوراة العظيمة نورا في ظلمات الجهل وهدى من الضلالة. وهاديا الى الصراط المستقيم علما وعملا. وهو الكتاب الذي ساعة وذاع وملأ ذكره القلوب والاسماع حتى انهم جعلوا يتناسخونه في القراطيس ويتصرفون فيه بما شاءوا فما وافق اهواءهم منه ابدوه واظهروه وما خالف ذلك اخفوه وكتموه وذلك كثير. وعلمتم من العلوم التي بسبب ذلك الكتاب الجليل ما لم تعلموا انتم ولا اباؤكم. فاذا سألتهم عن من انزل هذا الكتاب الموصوف بتلك الصفات. فاجب عن هذا السؤال وقل الله الذي فحينئذ يتضح الحق وينجلي مثل الشمس وتقوم عليهم الحجة ثم اذا الزمتهم بهذا الالزام ذرهم في خوضهم يلعبون ايتركهم يخوضوا في الباطل ويلعبوا بما لا فائدة فيه حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون. وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر ان القرى ومن حولك والذين يؤمنون بالاخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون وهذا القرآن الذي انزلناه اليك مبارك اي وصفه البركة. وذلك لكثرة خيراته وسعة مضراته. مصداق الذي بين يديه اي موافق للكتب السابقة وشاهد لها بالصدق. ولتنذر ام القرى ومن حولها. اي وانزلناه ايضا لتنذر ام القرى. وهي مكة المكرمة ومن حولها من ديار العرب. بل ومن سائر البلدان. فتحذر الناس عقوبة الله واخذه الامم. وتحذرهم مما يوجب ذلك والذين يؤمنون بالاخرة يؤمنون به. لان الخوف اذا كان في القلب عمرت اركانه. وانقاد لمراضي الله وهم على صلاتهم يحافظون ان يداومون عليها ويحفظون اركانها وحدودها وشروطها وادابها ومكملاتها. جعلنا الله منهم. ومن باسط ايديهم والملائكة بسقوا ايديهم اخرجوا انفسكم يوم تجزئون عذاب الهون. اليوم تجزئون عذاب الهون بما كنتم يقول تعالى لا احد اعظم ظلما ولا اكبر جرما ممن كذب على الله. بان نسب الى الله قولا او حكما. وهو تعالى بريء منه. وانما كان هذا اظلم الخلق لان فيه من الكذب وتغيير الاديان اصولها وفروعها. ونسبة ذلك الى الله ما هو من اكبر المفاسد. ويدخل في ذلك ادعاء النبوة وان الله يوحي اليه وهو كاذب في ذلك. فانه مع كذبه على الله وجرأته على عظمته وسلطانه. يوجب على الخلق ان يتبعوه ويجاهدهم على ذلك ويستحل دماء من خالفه واموالهم. ويدخل في هذه الاية كل من ادعى النبوة كمسيلمة الكذاب والاسود العنسي والمختار وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف. ومن قال سانزل مثل ما انزل الله اي ومن اظلموا ممن زعم انه على ما يقدر الله عليه. ويجاري الله في احكامه. ويشرع في الشرائع كما شرعه الله. ويدخل في هذا كل من يزعم انه يقدر على معارضته القرآن وانه في امكانه ان يأتي بمثله. واي ظلم اعظم من دعوى الفقير العاجز بالذات الناقص من كل وجه. مشاركة القوي الغني الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه في ذاته واسمائه وصفاته. ولما ذم الظالمين ذكر ما اعد له من العقوبة في حال الاحتضار ويوم القيامة فقال ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت اي شدائده واهواله الفظيعة وكربه الشنيعة لرأيت امرا هائلا وحالة لا يقدر الواصف ان يصفها. والملائكة باسط ايديهم الى اولئك الظالمين المحتضرين بالضرب والعذاب يقولون لهم عند منازعة ارواحهم وقلقها. وتعصيها للخروج من الابدان. اخرجوا انفسكم. اليوم تجزون عذاب الهون اي العذاب الشديد الذي يهينكم ويذلكم. والجزاء من جنس العمل فان هذا العذاب بما كنتم تقولون على الله غير الحق. من كذبكم عليه وردكم للحق الذي جاءت به الرسل. وكنتم عن اياته تستكبرون. اي ترفعون عن الانقياد لها والاستسلام لاحكامها. وفي هذا دليل على عذاب البرزخ ونعيمه. فان هذا الخطاب والعذاب الموجه اليهم. انما هو عند الاحتضار وقبيل الموت وبعده. وفيه دليل على ان الروح جسم يدخل ويخرج ويخاطب ويساكن الجسد ويفارقه. فهذه حالهم في البرزخ. واما يوم القيامة فرادى كما خلقناكم اول مرة ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة وتركتم ما خولناكم براء ظهوركم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء آآ فانهم اذا وردوها وردوها مفلسين فرادى بلا اهل ولا مال ولا اولاد ولا جنود ولا انصار كما خلق الله اول مرة عارين من كل شيء. فان الاشياء انما تتمول وتحصل بعد ذلك باسبابها التي هي اسبابها. وفي ذلك اليوم تنقطع جميع الامور التي كانت مع العبد في الدنيا سوى العمل الصالح والعمل السيء الذي هو مادة الدار الاخرة الذي تنشأ عنه ويكون وقبحها وسرورها وغمومها وعذابها ونعيمها بحسب الاعمال فهي التي تنفع او تضر وتسوء او تسر ما سواها من الاهل والولد والمال والانصار. فعواري خارجية واوصاف زائلة واحوال حائلة. ولهذا قال الله تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة وتركتم ما خولناكم اي اعطيناكم وانعمنا به عليكم. وراء ظهوركم هم لا يغنون عنكم شيئا وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء فان المشركين يشركون بالله يعبدون معه الملائكة والانبياء والصالحين وغيرهم. وهم كلهم لله ولكنهم يجعلون لهذه المخلوقات نصيبا من انفسهم. وشركة في عبادتهم وهذا زعم منهم وظلم. فان الجميع عبيد لله. والله مالكهم. والمستحق لعبادتهم. فشركهم في العبادة وصرفها لبعض العبيد تنزيل له منزلة الخالق المالك فيوبخون يوم القيامة ويقال لهم هذه المقالة. وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم اي تقطعت الوصل والاسباب بينكم وبين شركائكم من الشفاعة وغيرها فلم تنفع ولم تجد شيئا. وضل عنكم ما كنتم تزعمون من الربح والامن والسعادة والنجاة. التي زينها لكم الشيطان وحسنها في قلوبكم فنطقت بها السنتكم واغتربتم بهذا الزعم الباطل الذي لا حقيقة له. حين تبين لكم نقيض ما كنتم تزعمون ظهر انكم الخاسرون لانفسكم واهليكم واموالكم. ان الله فالق الحب والنوى يخبر تعالى عن كماله وعظمة سلطانه قوة اقتداره وسعة رحمته وعموم كرمه وشدة عنايته بخلقه. فقال ان الله فالق الحب والنوى شامل الحبوب التي يباشر الناس زرعها والتي لا يباشرونها. كالحبوب التي يبثها الله في البراري والقفار. فيفلق الحبوب عن الزروع والنوابت على اختلاف انواعها واشكالها ومنافعها. ويفلق النوى عن الاشجار من النخيل والفواكه وغير ذلك. فينتفع الخلق من الادميين والانعام والدواب ويرتعون فيما فلق الله من الحب والنوى. ويقتاتون وينتفعون بجميع انواع المنافع التي جعلها الله في ذلك. ويريهم الله ومن بره واحسانه ما يظهر العقول ويذهل الفحول. ويريه من بدائع صنعته وكمال حكمته. ما به يعرفونه ويوحدونه يعلمون انه هو الحق وان عبادة ما سواه باطلة. يخرج الحي من الميت كما يخرج من المني حيوانا. ومن البيضة فرخا. ومن من الحب والنوى زرعا وشجرا. ومخرج الميت وهو الذي لا نمو فيه او لا روح. من الحي كما يخرج من الاشجار والزروع النوى والحب ويخرج من الطائر بيضا ونحو ذلك. ذلكم الذي فعل ما فعل وانفرد بخلق هذه الاشياء وتدبيرها. الله ربكم الذي له الالوهية والعبادة على خلقه اجمعين. وهو الذي ربى جميع العالمين بنعمه. وغذاهم بكرمه. فانى تؤفكون كيف انا تصرفون وتصدون عن عبادة من هذا شأنه؟ الى عبادة من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ولما ذكر تعالى مادة خلق الاقوات ذكر منته بتهيئة المساكن وخلقه كل ما يحتاج اليه العباد من الضياء والظلمة وما يترتب على ذلك من انواع المنافع والمصالح. فقال وجعل الليل ذلك تقدير العزيز العليم فالق الاصباح. اي كما انه فالق الحب والنوى. كذلك هو فالق ظلمة الليل الداجي. الشامل لما على وجه الارض في ضياء الصبح الذي يفلقه شيئا فشيئا. حتى تذهب ظلمة الليل كلها. ويخلفها الضياء والنور العام. الذي يتصرف به الخلق في مصالحهم ومعايشهم ومنافع دينهم ودنياهم. ولما كان الخلق محتاجين الى السكون والاستقرار والراحة. التي لا تتم بوجود النهار والنور جعل الله الليل سكنا يسكن فيه الادميون الى دورهم ومنامهم. والانعام الى مأواها. والطيور الى اوكارها. فتأخذ لها من الراحة ثم يزيل الله ذلك بالضياء. وهكذا ابدا الى يوم القيامة. وجعل تعالى الشمس والقمر حسبانا. بها تعرف الازمنة والاوقات فتنضبط بذلك اوقات العبادات واجال المعاملات. ويعرف بها مدة ما مضى من الاوقات. التي لولا وجود الشمس والقمر وتناولها قلوبهما واختلافهما. لما عرف ذلك عامة الناس واشتركوا في علمه. بل كان لا يعرفه الا افراد من الناس بعد الاجتهاد. وبذلك يفوت المصالح الضرورية ما يفوت. ذلك التقدير المذكور. تقدير العزيز العليم. الذي من عزتهم قادت له هذه المخلوقات العظيمة فجرت مذللة مسخرة بامره بحيث لا تتعدى ما حده الله لها. ولا تتقدم عنه ولا تتأخر. العليم الذي احاط علمه الظواهر والبواطن والاوائل والاواخر. ومن الادلة العقلية على احاطة علمه. تسخير هذه المخلوقات العظيمة على تقدير ونظام بديل تحير العقول في حسنه وكماله وموافقته للمصالح والحكم وهو الذي جعل لكم النجوم بها في ظلمات البر والبحر. حين تشتبه عليكم المسالك ويتحير في سيره السالك. فجعل الله النجوم هداية للخلق الى السبل التي يحتاجون الى سلوكها لمصالحهم وتجاراتهم واسفارهم. منها نجوم لا تزال ترى ولا تسير عن محلها. ومنها ما هو يستمر السير يعرف سيره اهل المعرفة بذلك. ويعرفون به الجهات والاوقات. ودلت هذه الاية نحوها على مشروعية تعلم سير راكب ومحالها الذي يسمى علم التسيير. فانه لا تتم الهداية ولا تمكن الا بذلك. قد فصلنا الايات اي بيناها ووضحناها وميزنا كل جنس ونوع منها عن الاخر. بحيث صارت ايات الله بادية ظاهرة لقوم يعلمون. اي لاهل العلم المعرفة فانهم الذين يوجه اليهم الخطاب ويطلب منهم الجواب بخلاف اهل الجهل والجفاء المعرضين عن ايات الله وعن العلم الذي جاءت به الرسل فان البيان لا يفيدهم شيئا. والتفصيل لا يزيل عنهم ملتبسا. والايضاح لا يكشف لهم مشكلا ومستودع وصلنا الآيات لقوم يفقهون. وهو الذي انشأكم من نفس واحدة وهو ادم عليه السلام انشأ الله منه هذا العنصر الادمي الذي قد ملأ الارض ولم يزل في زيادة ونمو الذي قد تفاوت في اخلاقه وخلقه واوصافه لا يمكن ضبطه ولا يدرك وصفه. وجعل الله لهم مستقرا. اي منتهى ينتهون اليه. وغاية يساقون اليها. وهي دار القرار التي لا مستقر وراءها ولا نهاية فوقها. فهذه الدار هي التي خلق الخلق لسكناها. واوجدوا في الدنيا ليسعوا في اسبابها التي تنشأ عليها وتعمر بها. واودعهم الله في اصلاب ابائهم وارحام امهاتهم. ثم في دار الدنيا ثم في البرزخ. كل ذلك على وجه الوديعة التي لا تستقر ولا تثبت. بل ينتقل منها حتى يوصل الى الدار التي هي المستقر. واما هذه الدار فانها مستودع قد فصلنا الايات لقوم يفقهون عن الله اياته. ويفهمون عنه حججه وبيناته ماء فاخرجنا به نبات كل شيء فاخرجنا من خضرا نخرج منه حبا متراكبا والزيتون والرمل انظروا الى ثمره اذا اثمر وينعه ان في ذلكم لايات لقوم يؤمنون. وهذا من اعظم منته العظيمة التي يضطر اليها الخلق من ادميين وغيرهم وهو انه انزل من السماء ماء متتابعا وقت حاجة الناس اليه. فانبت الله به كل شيء مما يأكل الناس والانعام رتع الخلق بفضل الله وانبسطوا برزقه وفرحوا باحسانه وزال عنهم الجدب واليأس والقحط ففرحت القلوب واسفرت الوجوه وحصل للعباد من رحمة الرحيم الرحمن. ما به يتمتعون وبه يرتعون. ما يوجب لهم ان يبذلوا جهدهم في شكر من اسدى النعم. وعبادته والانابة اليه والمحبة له. ولما ذكر عموم ما ينبت بالماء من انواع الاشجار والنبات. ذكر الزرع والنخل لكثرة نفعهما وكونهما قوت لاكثر خير الناس فقال فاخرجنا منه خضرا نخرج منه. اي من ذلك النبات الخظر حبا متراكبا. بعضه فوق بعض من بر وشعير وارز وغير ذلك من اصناف الزروع. وفي وصفه بانه متراكب. اشارة الى ان حبوبه متعددة. وجميعها تستمد من مادة واحدة وهي لا تختلط بل هي متفرقة الحبوب مجتمعة الاصول واشارة ايضا الى كثرتها وشمول ريعها وغلتها ليبقى اصل بدر ويبقى بقية كثيرة للاكل والادخار. ومن النخل اخرج الله من طلعها وهو الكفراء والوعاء قبل ظهور القنو منه تخرج من ذلك الوعاء عنوان دانية. اي قريبة سهلة التناول. متدلية على من ارادها بحيث لا يعسر التناول من النخل وان طالت انه يوجد فيها كرب ومراقي يسهل صعودها. واخرج تعالى بالماء جنات من اعناب. والزيتون والرمان. فهذه من الاشجار الكثيرة النفع العظيمة الوقع. فلذلك خصصها الله بالذكر بعد ان عم جميع الاشجار والنوابت. وقوله مشتبها وغير متشابه. يحتمل ان يرجع الى الرمان والزيتون اي مشتبها في شجره وورقه غير متشابه في ثمره. ويحتمل ان يرجع ذلك الى سائر الاشجار والفواكه. وان بعض مشتبه يشبه بعضه بعضا ويتقارب في بعض اوصافه. وبعضها لا مشابهة بينه وبين غيره. والكل ينتفع به العباد ويتفكهون ويقتاتون ويعتبرون. ولهذا امر تعالى بالاعتبار به فقال انظروا نظر فكر واعتبار الى ثمره اي الاشجار كلها خصوصا النخل اذا اثمر وينعه اينظروا اليه وقت اطلاعه ووقت نضجه وايناعه فان في ذلك عبرا وايات يستدل بها على رحمة الله وسعة احسانه وجوده وكمال اقتداره وعنايته بعباده. ولكن ليس كل احد يعتبر ويتفكر. وليس كل من تفكر ادرك كالمعنى المقصود ولهذا قيد تعالى الانتفاع بالايات بالمؤمنين فقال ان في ذلكم لايات لقوم يؤمنون. فان المؤمنين تحملهم ما معهم من الايمان على العمل بمقتضياته ولوازمه. التي منها التفكر في ايات الله والاستنتاج منها ما يراد منها. وما تدل عليه عقلك وفطرة وشرعا. وخلقهم وخلقهم سبحانه وتعالى يخبر تعالى انه مع احسانه لعباده وتعرفه اليهم باياته البينات وحججه الواضحات. ان المشركين به من قريش وغيرهم جعلوا له شركاء يدعونهم ويعبدونهم من الجن والملائكة. الذين هم خلق من خلق الله ليس فيه من خصائص الربوبية الوهية شيء فجعلوها شركاء لمن له الخلق والامر. وهو المنعم بسائر اصناف النعم. الدافع لجميع النقم. وكذلك خرق المشركون اي اتفقوا وافتروا من تلقاء انفسهم لله بنين وبنات بغير علم منهم. ومن اظلموا ممن قال على الله بلا علم وافترى عليه اشنع النقص الذي يجب تنزيه الله عنه. ولهذا نزه نفسه عما افتراه عليه المشركون. فقال سبحانه وتعالى عما يصفون. فانه تعالى موصوف بكل كمال المنزه عن كل نقص وافة وعيب. بديع السماوات والارض انا يكون له ولد بديع السماوات والارض اي خالقهما ومتقن صنعتهما. على غير مثال سابق باحسن خلق ونظام وبهاء لا تقترح عقول اولي الالباب مثله وليس له في خلقهما مشارك. انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة اي كيف يكون لله وهو الاله السيد الصمد الذي لا صاحبة له. اي لا زوجة وهو الغني عن مخلوقاته. وكلها فقيرة اليه. مضطرة في جميع احواله يا الي والولد لا بد ان يكون من جنس والده. والله خالق كل شيء وليس شيء من المخلوقات مشابها لله بوجه من الوجوه. ولما ذكر عموم خلقه للاشياء ذكر احاطة علمه بها. فقال وهو بكل شيء عليم. وفي ذكر العلم بعد الخلق اشارة الى الدليل بالعقل الى ثبوت علمه وهو هذه المخلوقات. وما اشتملت عليه من النظام التام والخلق الباهر. فان في ذلك دلالة على سعة علم الخالق وكمال كما قال تعالى الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟ وكما قال تعالى وهو الخلاق العليم ربكم لا اله الا هو لا اله الا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء ذلكم الذي خلق ما خلق وقدر ما قدر. الله ربكم اي المعبود الذي يستحق نهاية الذل ونهاية الحب. الرب الذي ربى جميع الخلق بالنعم وصرف عنهم صنوف النقم. لا اله الا هو خالق كل شيء فاعبدوه. اي اذا استقر وثبت انه الله الذي لا اله الا هو. فاصرفوا له جميع انواع العبادة. واخلصوها لله. واقصدوا بها وجه فان هذا هو المقصود من الخلق الذي خلقوا لاجله. وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. وهو على كل شيء وكيل. اي جميع الاشياء تحت وكالة الله وتدبيره خلقا وتدبيرا وتصريفا. ومن المعلوم ان الامر المتصرف فيه يكون استقامته وتمامه وكمال انتظامه بحسب حال الوكيل عليه ووكالته تعالى على الاشياء ليست من جنس وكالة الخلق. فان وكالتهم وكالة نيابة. والوكيل فيها تابع موكله واما الباري تبارك وتعالى فوكالته من نفسه لنفسه. متضمنة لكمال العلم وحسن التدبير والاحسان فيه والعدل. فلا يمكن لاحد ان يستدرك على الله ولا يرى في خلقه خللا ولا فطورا ولا في تدبيره نقصا وعيبا. ومن وكالته انه تعالى توكل دينه وحفظه عن المزيلات والمغيرات. وانه تولى حفظ المؤمنين وعصمتهم عما يزيل ايمانهم ودينهم لا تدركه الانصار وهو اللطيف الخبير. لا تدركه الابصار لعظمته وجلاله وكماله. اي لا تحيط به الامصار. وان كانت تراه وتفرح بالنظر الى وجهه الكريم. فنفي الادراك لا ينفي الرؤيا بل يثبتها بالمفهوم فانه اذا نفى الادراك الذي هو اخص اوصاف الرؤية. دل على ان الرؤية ثابتة. فانه لو اراد نفي الرؤية لقال لا تراه الابصار ونحو ذلك. فعلم انه ليس في الاية حجة لمذهب معطلة. الذين ينفون رؤية ربهم في الاخرة. بل فيها ما يدل على نقيض قولهم وهو يدرك الابصار اي هو الذي احاط علمه بالظواهر والبواطن وسمعه بجميع الاصوات الظاهرة والخفية وبصره بجميع المبصرات صغارها وكبارها. ولهذا قال وهو اللطيف الخبير الذي لطف علمه وخبرته ودق حتى ادرك السرائر والخفايا والخبايا والبواطن. ومن لطفه انه يسوق عبده الى مصالح دينه. ويوصلها اليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد. ولا يسعى فيها ويوصله الى السعادة الابدية والفلاح السرمدي. من حيث لا يحتسب. حتى انه يقدر عليه الامور التي يكرهها العبد ويتألم منها ادعوا الله ان يزيلها لعلمه ان دينه اصلح وان كماله متوقف عليها فسبحان اللطيف لما يشاء الرحيم بالمؤمنين قد جاءكم طائر من ربكم فمن ابصر فريض قد جاءكم بصائر من ربكم فمن ابصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما انا عليكم بحفيظ. لما بين تعالى من الايات البينات والادلة الواضحات الدالة على الحق في جميع المطالب والمقاصد. نبه العباد عليها واخبر ان هدايتهم وضدها لانفسهم. فقال قد جاءكم بصائر من ربكم اي ايات تبين الحق وتجعله للقلب بمنزلة الشمس للابصار. لما اشتملت عليه من فصاحة اللفظ وبيانه ووضوحه. ومطابقته معاني الجليلة والحقائق الجميلة. لانها صادرة من الرب الذي ربى خلقه بصلوف نعمها الظاهرة والباطنة. التي من افضلها واجلها تبيين ايات وتوضيح المشكلات. فمن ابصر بتلك الايات مواقع العبرة وعمل بمقتضاها فلنفسه. فان الله هو الغني الحميد. ومن بان بصر فلم يتبصر. وزجر فلم ينزجر. وبين له الحق. فمن قاد له ولا تواضع. فانما عماه مضرته عليه وما انا ايها الرسول عليكم بحفيظ احفظ اعمالكم واراقبها على الدوام. انما علي البلاغ المبين وقد اديته وبلغت ما انزل الله فهذه وظيفتي وما عدا ذلك فلست موظفا فيه اللهم ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم. كذلك زين ان لكل امة عملهم ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم ما كانوا يعملون. ينهى الله المؤمنين عن امر كان جائزا بل مشروعا في الاصل. وهو سب الهة المشركين التي اتخذت اوثانا والهة مع الله. التي يتقرب الى الله باهانتها وسبها. ولكن لما كان هذا السب طريقا الى سب المشركين لرب العالمين الذي يجب تنزيه جنابه العظيم عن كل عيب وافة وسب وقدح نهى الله عن سب الهة المشركين لانهم يحمون لدينهم يتعصبون له لان كل امة زين الله لهم عملهم. فرأوه حسنا وذبوا عنه ودافعوا بكل طريق. حتى انهم لا يسبون الله رب العالمين الذي رسخت عظمته في قلوب الابرار والفجار اذا سب المسلمون الهتهم. ولكن الخلق كلهم مرجعهم ومآلهم الى الله يوم القيامة يعرضون عليه وتعرض اعمالهم فينبئهم بما كانوا يعملون من خير وشر. وفي هذه الاية الكريمة دليل للقاعدة الشرعية هي ان الوسائل تعتبر بالامور التي توصل اليها. وان وسائل المحرم ولو كانت جائزة تكون محرمة اذا كانت تفضي الى الشر اية ليؤمنن بها آآ اي واقسم المشركون المكذبون للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالله جهد ايمانه اي قسم اجتهدوا فيه واكدوه بان جاءتهم اية تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم. ليؤمنن بها. وهذا الكلام الذي منهم لم يكن قصدهم فيه الرشاد. وانما قصدهم دفع الاعتراض عليهم. ورد ما جاء به الرسول قطعا. فان الله ايد رسوله صلى الله عليه وسلم بالايات البينات والادلة الواضحات التي عند الالتفات لها لا تبقي ادنى شبهة ولا اشكال في صحة ما جاء به. فطلبهم بعد ذلك الايات من باب التعنت الذي لا يلزم اجابته. بل قد يكون المنع من اجابتهم اصلح لهم. فان الله جرت سنته في عباده ان المقترحين الايات على رسلهم اذا جاءتهم فلم يؤمنوا بها انه يعادلهم بالعقوبة. ولهذا قال قل انما الايات عند الله اي هم الذي يرسلون اذا شاء ويمنعها اذا شاء. ليس لي من الامر شيء. فطلبكم مني الايات ظلم وطلب لما لا املك. وانما توجهون الي توضيح ما جئتكم به وتصديقه. وقد حصل ومع ذلك فليس معلوما انهم اذا جاءتهم الايات يؤمنون ويصدقون. بل الغالب ممن هذه حاله انه لا يؤمن. ولهذا قال وما يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون ونذرهم في طغيانهم يعمهون ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ونذرهم في طغيانهم يعمهون. اي ونعاقبهم اذا لم يؤمنوا اول مرة يأتيهم فيه الداعي وتقوم عليهم الحجة بتقليب القلوب والحيلولة بينهم وبين الايمان وعدم التوفيق لسلوك الصراط المستقيم هذا من عدل الله وحكمته بعباده. فانهم الذين جنوا على انفسهم وفتح لهم الباب فلم يدخلوا. وبين لهم الطريق فلم يسلكوا. فبعد اذا حرموا التوفيق كان مناسبا لاحوالهم كلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا. وحشرنا عليهم الله ولكن اكثرهم يجهلون وكذلك تعليقهم الايمان بارادتهم ومشيئتهم وحدهم. وعدم الاعتماد على الله من اكبر الغلط. فانهم لو جاءتهم الايات العظيمة من تنزيل الملائكة اليهم يشهدون للرسول بالرسالة وتكليم الموتى وبعثهم بعد موتهم وحشر كل شيء اليهم حتى يكلمهم قبلا ومشاهدة مباشرة بصدق ما جاء به الرسول ما حصل منهم الايمان. اذا لم يشأ الله ايمانهم ولكن اكثرهم يجهلون. فلذلك رتبوا ايمانهم على مجرد اتيان الايات. وانما العقل والعلم ان يكون العبد مقصوده اتباع الحق. ويطلبه بالطرق التي بينها الله ويعمل بذلك يعين ربه في اتباعه ولا يتكل على نفسه وحوله وقوته. ولا يطلب من الايات الاقتراحية ما لا فائدة فيه. وكذلك جعلنا زخرف القول غرورا. ولو شاء ربك ما فعلوه فدرهم وما يفترون يقول تعالى مصليا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وكما جعلنا لك اعداء يردون دعوتك ويحاربونك ويحسدونك فهذه سنتنا ان نجعل لكل نبي نرسله الى الخلق اعداء من شياطين الانس والجن يقومون بضد ما جاءت به الرسل يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا. اي يزين بعضهم لبعض الامر الذي يدعون اليه من الباطل. ويزخرفون له العبارات حتى يجعل في احسن صورة ليغتر به السفهاء وان قاد له الاغبياء الذين لا يفهمون الحقائق ولا يفقهون المعاني بل تعجبهم الالفاظ المزخرفة والعبارات المموهة فيعتقدون الحق باطلا والباطل حقا. ولهذا قال تعالى حينما يؤمنون بالاخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ولتصائم اي ولي تميل الى ذلك الكلام المزخرف. افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة. لان عدم ايمانهم باليوم الاخر وعدم عقولهم النافعة وهم على ذلك وليرضوهم بعد ان يصغوا اليه. فيصغون اليه اولا. فاذا مالوا اليه ورأوا تلك العبارات المستحسنة رضوه. وزين في في قلوبهم وصار عقيدة راسخة وصفة لازمة. ثم ينتج من ذلك ان يقترفوا من الاعمال والاقوال ما هم مقترفون. اي يأتون من الكذب بالقول القول والفعل ما هو من لوازم تلك العقائد القبيحة. فهذه حال المغترين بالشياطين الانس والجن. المستجيبين لدعوتهم. واما اهل الايمان بالاخرة واولو العقول الوافية والالباب الرزينة. فانهم لا يغترون بتلك العبارات ولا تخلبهم تلك التمويهات. بل همتهم مصروفة الى معرفة الحقائق فينظرون الى المعاني التي يدعو اليها الدعاة. فان كانت حقا قبلوها وانقادوا لها. ولو كسيت عبارات ردية والفاظا غير وافية. وان كانت باطلا ردوها على من قالها كائنا من كان. ولو البست من العبارات المستحسنة ما هو ارق من الحرير. ومن حكمة الله تعالى في جعلها للانبياء اعداء وللباطن انصارا قائمين بالدعوة اليه. ان يحصل لعباده الابتلاء والامتحان. ليتميز الصادق من الكاذب والعاقل من الجاهل والبصير من الاعمى. ومن حكمته ان في ذلك بيانا للحق وتوضيحا له. فان الحق يستنير ويتضح اذا قام الباطل يصارعه ويقاطعه فانه حينئذ يتبين من ادلة الحق وشواهده الدالة على صدقه وحقيقته. ومن فساد الباطل وبطلانه ما هو من اكبر المطالب التي يتنافس فيه المتنافسون والذين اتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من رب اي قل يا ايها الرسول افغير الله فضيحة من احاكم اليه واتقيد باوامره ونواهيه. فان غير الله محكوم عليه لا حاكم. وكل تدبير وحكم للمخلوق فان مشتمل على النقص والعيب والجور. وانما الذي يجب ان يتخذ حاكما فهو الله وحده لا شريك له. الذي له الخلق والامر الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا اي موضحا فيه الحلال والحرام والاحكام الشرعية واصول الدين وفروعه الذي لا بيان فوق بيانه ولا برهان اجلى من برهانه ولا احسن منه حكما ولا اقوم قيلا. لان احكامه مشتملة على الحكمة والرحمة. واهل الكتب السابقة من اليهود والنصارى يعترفون بذلك ويعلمون انه منزل من ربك بالحق. ولهذا تواطأت الاخبارات فلا تشكن في ذلك ولا تكونن من الممترين ثم وصف تفصيلها فقال وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. اي صدقا في الاخبار وعدلا في الامر والنهي. فلا اصدق من اخبار الله التي اودعها هذا الكتاب العزيز. ولا اعدل من اوامره ونواهيه. لا مبدل لكلماته حيث حفظها واحكمها باعلى الصدق وبغاية الحق. فلا يمكن تغييرها ولا اقتراح احسن منها. وهو السميع لسائر الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات العليم الذي احاط علمه بالظواهر والبواطن والماظي والمستقبل يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. محذرا عن طاعة اكثر الناس. وان تطع اكثر من في الارض يضل عن سبيل الله. فان اكثرهم قد انحرفوا في اديانهم واعمالهم وعلومهم. فاديانهم فاسدة واعمالهم تبع لاهوائهم. وعلومهم فيها تحقيق ولا ايصال لسواء الطريق. بل غايتهم انهم يتبعون الظن الذي لا يغني من الحق شيئا. ويتخرصون في القول على الله ما لا يعلمون ومن كان بهذه المثابة فحري ان يحذر الله منه عباده ويصف لهم احوالهم لان هذا وان كان خطاما للنبي صلى الله عليه وسلم فان امته اسوة له في سائر الاحكام التي ليست من خصائصه. والله تعالى اصدق قيلا واصدق حديثا وهو اعلم من يضل عن سبيله واعلم بمن يهتدي ويهدي. فيجب عليكم ايها المؤمنون ان تتبعوا نصائحه واوامره ونواهيه. لانه اعلم مصالحكم وارحم بكم من انفسكم. ودلت هذه الاية على انه لا يستدل على الحق بكثرة اهله. ولا يدل قلة السالكين لامر من الامور ان يكون غير حق بل الواقع بخلاف ذلك. فان اهل الحق هم الاقلون عددا. الاعظمون عند الله قدرا واجرا. بل الواجب ان يستدل على الحق الحق والباطل بالطرق الموصلة اليه من اياته المؤمنين. وما لكم الا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد يأمر تعالى عباده المؤمنين بمقتضى الايمان وانهم ان كانوا مؤمنين فليأكلوا مما ذكر اسم الله عليه من بهيمة الانعام وغيرها من حيوانات المحللة ويعتقد حلها ولا يفعل كما تفعله الجاهلية من تحريم كثير من الحلال ابتداء من عند انفسهم واضلالا من شياطين فذكر الله ان علامة المؤمن مخالفة اهل الجاهلية في هذه العادة الذميمة المتضمنة لتغيير شرع الله وانه اي شيء يمنعه من اكل ما ذكر اسم الله عليه. وقد فصل الله لعباده ما حرم عليهم. وبينه ووضحه. فلم يبق فيه اشكال ولا شبهة توجب ان يمتنع من اكل بعض الحلال خوفا من الوقوع في الحرام. ودلت الاية الكريمة على ان الاصل في الاشياء والاطعمة الاباحة. وانه اذا لم يرد الشرع بتحريم شيء منها فانه باق على الاباحة. فما سكت الله عنه فهو حلال. لان الحرام قد فصله الله. فما لم يفصله الله فليس بحرام ومع ذلك فالحرام الذي قد فصله الله واوضحه. قد اباحه عند الضرورة والمخمصة. كما قال تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير الى ان قال فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم. ثم حذر عن كثير من الناس فقال وان كثيرا ليضلون باهوائهم اي بمجرد ما تهوى انفسهم بغير علم ولا حجة. فليحذر العبد من امثال هؤلاء وعلامتهم وصفهم الله لعباده ان دعوتهم غير مبنية على برهان ولا لهم حجة شرعية وانما يوجد لهم شبه بحسب اهوائهم الفاسدة وارائهم القاصرة. فهؤلاء معتدون على شرع الله وعلى عباد الله. والله لا يحب المعتدين. بخلاف الهادين المهتدين. فانهم يدعون الى الحق هدى ويؤيدون دعوتهم بالحجج العقلية والنقلية. ولا يتبعون في دعوتهم الا رضا ربهم والقرب منه فاطنة ان الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون. المراد بالاثم جميع المعاصي تؤثم العبد اي توقعه في الاثم والحرج. من الاشياء المتعلقة بحقوق الله وحقوق عباده. فنهى الله عباده عن اقتراف الاثم الظاهر والباطن اي السر والعلانية المتعلقة بالبدن والجوارح والمتعلقة بالقلب. ولا يتم للعبد ترك المعاصي الظاهرة والباطنة الا بعد معرفتها البحث عنها فيكون البحث عنها ومعرفة معاصي القلب والبدن والعلم بذلك واجبا متعينا على المكلف. وكثير من الناس تخفى عليه كثير من المعاصي خصوصا معاصي القلب كالكبر والعجب والرياء ونحو ذلك. حتى انه يكون به كثير منها وهو لا يحس به ولا يشعر. وهذا من الاعراض عن العلم وعدم البصيرة ثم اخبر تعالى ان الذين يكسبون الاثم الظاهر والباطن سيجزون على حسب كسبهم وعلى قدر ذنوبهم او كثرت وهذا الجزاء يكون في الاخرة. وقد يكون في الدنيا يعاقب العبد فيخفف عنه بذلك من سيئاته. ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق. وان الشياطين ليوحون الى اولياء ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون. ويدخل تحت هذا المنهي عنه ما ذكر عليه اسم غير الله كالذي يذبح للاصنام والهتهم. فان هذا مما اهين لغير الله به. المحرم بالنص عليه خصوصا. ويدخل في ذلك التسمية مما ذبح لله كالضحايا والهدايا او للحم والاكل. اذا كان الذابح متعمدا ترك التسمية عند كثير من العلماء ويخرج من هذا العموم الناس بالنصوص الاخر. الدالة على رفع الحرج عنه. ويدخل في هذه الاية ما مات بغير زكاة من الميتات. فانها مما لم يذكر اسم الله عليه. ونص الله عليها بخصوصها في قوله حرمت عليكم الميتة. ولعلها سبب نزول الاية. لقوله ان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم بغير علم. فان المشركين حين سمعوا تحريم الله ورسوله الميتة. وتحليله للمذكر وكانوا يستحلون اكل الميتة. قالوا معاندة لله ورسوله. ومجادلة بغير حجة وبرهان. اتأكلون ما قتلتم ولا يقولون ما قتل الله. يعنون بذلك الميتة. وهذا رأي فاسد. لا يستند على حجة ولا دليل. بل يستند الى ارائهم الفاسدة التي لو كان الحق تبعا لها لفسدت السماوات والارض ومن فيهن. فتبا لمن قدم هذه العقول على شرع الله واحكامه. الموافق المصالح العامة والمنافع الخاصة ولا يستغرب هذا منهم فان هذه الاراء واشباهها صادرة عن وحي اوليائهم من الشياطين الذين يريدون ان يضلوا الخلق عن دينهم ويدعوهم ليكونوا من اصحاب السعير. وان اطعتموهم في شركهم وتحليلهم الحرام. وتحريمهم الحلال انكم لمشركون. لانكم اتخذتموهم اولياء من دون الله. ووافقتموهم على ما به فارقوا المسلمين. فلذلك كان طريقكم طريق ودلت هذه الاية الكريمة على ان ما يقع في القلوب من الالهامات والكشوف التي يكثر وقوعها عند الصوفية ونحوهم لا تدل مجردها على انها حق. ولا تصدق حتى تعرض على كتاب الله وسنة رسوله. فان شهدا لها بالقبول قبلت. وانا ناقضتهما ردت ان لم يعلم شيء من ذلك توقف فيها ولم تصدق ولم تكذب. لان الوحي والالهام يكون من الرحمن ويكون من الشيطان. فلا بد من التمييز بينهما والفرقان. وبعدم التفريق بين الامرين حصل من الغلط والضلال ما لا يحصيه الا الله فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثلوه. كمن مثله في الظلمات ليس يقول تعالى او من كان من قبل هداية الله له ميتا في ظلمات الكفر والجهل والمعاصي. فاحييناه بنور العلم والايمان والطاعة. فصار يمشي بين الناس في النور متبصرا في اموره مهتديا لسبيله عارفا للخير مؤثرا له مجتهدا في تنفيذه في نفسه وغيره عارفا بالشر مبغضا له مجتهدا في تركه وازالته عن نفسه وعن غيره. افيستوي هذا بمن هو في الظلمات؟ ظلمات الجهل والغي والكفر والمعاصي. ليس بخارج منها قد التبست عليه الطرق واظلمت عليه المسالك فحضره الهم والغم والحزن والشقاء. فنبه تعالى العقول بما تدركه وتعرفه. ان هنا يستوي هذا ولا هذا كما لا يستوي الليل والنهار والضياء والظلمة والاحياء والاموات. فكأنه قيل فكيف يؤثر من له ادنى العقل ان يكون بهذه الحالة وان يبقى في الظلمات متحيرا. فاجاب بانه زين للكافرين ما كانوا يعملون. فلم يزل الشيطان لهم اعمالهم ويزينها في قلوبهم حتى استحسنوها ورأوها حقا. وصار ذلك عقيدة في قلوبهم وصفة راسخة ملازمة فلذلك رضوا بما هم عليه من الشر والقبائح. وهؤلاء الذين في الظلمات يعمهون. وفي باطلهم يترددون غير متساوين. فمنهم القادر والرؤساء والمتبوعون ومنهم التابعون المرؤوسون. والاولون منهم الذين فازوا باشقى الاحوال. ولهذا قال وكذلك وكذلك جعلنا في كل قرية اكابر مجرميها اي الرؤساء الذين قد كبر جرمهم واشتد طغيانهم ليمكروا فيها في الخديعة والدعوة الى سبيل الشيطان. ومحاربة الرسل واتباعهم بالقول والفعل. وانما مكروه وكيدهم يعود على انفسهم. لانهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. وكذلك يجعل الله كبار ائمة الهدى وافاضلهم يناضلون هؤلاء المجرمين. ويردون عليهم اقوالهم ويجاهدونهم في سبيل الله. ويسلكون بذلك السبل الموصلة الى ذلك. ويعينهم الله ويسدد رأيهم ويثبت اقدامهم. ويداول الايام بينهم وبين اعدائهم. حتى يدور الامر في عاقبته بنصرهم وظهورهم. والعاقبة للمتقين. وانما ثبت اكابر المجرمين على باطلهم وقاموا برد الحق الذي جاءت به الرسل حسدا منهم وبغيا. فقالوا الله اعلم حيث يجعل الذين اجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون. لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله من النبوة والرسالة. وفي هذا اعتراض منهم على الله وعجب بانفسهم. وتكبر على الحق الذي سلام الله على ايدي رسله. وتحجر على فضل الله واحسانه. فرد الله عليهما اعتراضهم الفاسد. واخبر انهم لا يصلحون للخير. ولا فيهم ما يجب ان يكونوا من عباد الله الصالحين. فضلا ان يكونوا من النبيين والمرسلين. فقال الله اعلم حيث يجعل رسالته. فمن علمه يصلح له ويقوم باعدائها وهو متصف بكل خلق جميل. ومتبرئ من كل خلق دنيء. اعطاه الله منها ما تقتضيه حكمته اصلا وتبع ومن لم يكن كذلك لم يضع افضل مواهبه عند من لا يستأهله. ولا يزكو عنده. وفي هذه الاية دليل على كمال حكمة الله تعالى لانه وان كان تعالى رحيما واسع الجود كثير الاحسان. فانه حكيم لا يضع جوده الا عند اهله. ثم توعد المجرمين فقال سيصيب الذين اجرموا صغار عند الله اي اهانة وذل كما تكبروا على الحق اذلهم الله. وعذاب شديد بما كانوا يمكرون اي بسبب مكرهم لا ظلما منه تعالى ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما ايصعد فيجعل الله يقول تعالى مبين لعباده علامة سعادة العبد وهدايته وعلامة شقاوته وضلاله. ان من انشرح صدره للاسلام اي اتسع فاستنار بنور الايمان وحي بضوء اليقين. فاطمأنت بذلك نفسه واحب الخير. وطوعت له نفسه فعله. متلذذا به غير مستثقل فان هذا علامة على ان الله قد هداه. ومن عليه بالتوفيق وسلوك اقوم طريق. وان علامة من يرد الله ان يضله ان جعل صدره ضيقا حرجا. اي في غاية الضيق عن الايمان والعلم واليقين. قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات. فلا يصل اليه خير سينشرح قلبه لفعل الخير كأنه من ضيقه وشدته يكاد يصعد في السماء اي كانه يكلف الصعود الى السماء الذي لا حيلة له فيه وهذا سببه عدم ايمانهم. هو الذي اوجب ان يجعل الله الرجس عليهم. لانهم سدوا على انفسهم باب الرحمة والاحسان. وهذا ميزان لا يعود وطريق لا يتغير. فان من اعطى واتقى وصدق بالحسنى يسره الله لليسرى. ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى ييسره للعسرى. وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الايات لقوم يذكرون اي معتدلة موصلا الى الله والى دار كرامته. قد بينت احكامه وحصلت شرائعه. وميز الخير من الشر لكن هذا التفصيل والبيان ليس لكل احد انما هو لقوم يذكرون فانهم الذين علموا فانتفعوا بعلمهم واعد الله لهم الجزاء والاجر الجميل. فلهذا قال كانوا يعملون. لهم دار السلام عند ربهم. وسميت الجنة دار السلام. لسلامتها من كل عيب وافة وكدر وهم وغم وغير ذلك من المنغصات. ويلزم من ذلك ان يكون نعيمها في غاية الكمال ونهاية التمام. بحيث لا يقدر على وصفه ولا يتمنى فوقه المتمنون من نعيم الروح والقلب والبدن. ولهم فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. وهم فيها خالدون وهو وليهم الذي تولى تدبيرهم وتربيتهم. ولطف بهم في جميع امورهم واعانهم على طاعته. ويسر لهم كل سبب موصل الى محبته وانما تولاهم بسبب اعمالهم الصالحة. ومقدماتهم التي قصدوا بها رضا مولاهم. بخلاف من اعرض عن مولاه واتبع هواه فانه سلط عليه الشيطان فتولاه. فافسد عليه دينه ودنياه. ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال اولياء هم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا اجلنا الذي اجلت لنا. قال النار مسواكم خالدين فيها الا ما شاء الله ان ربك حكيم عليم. يقول تعالى ويوم يحشرهم جميع اي جميع الثقلين من الانس والجن. من ظل منهم ومن اضل غيره. فيقول موبخا للجن الذين اضلوا الانس وزينوا لهم الشر وازوهم الى المعاصي. يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس. اي من اضلالهم وصدهم عن سبيل الله. فكيف اقدمتم على محارمي تجرأتم على معاندة رسلي وقمتم محاربين لله ساعين في صد عباد الله عن سبيله الى سبيل الجحيم. فاليوم حقت عليكم لعنتي ووجبت لكم نقمتي. وسنزيدكم من العذاب بحسب كفركم واضلالكم لغيركم. وليس لكم عذر به تعتذرون ولملجأ اليه تلجأون ولا شافع يشفع ولا دعاء يسمع. فلا تسأل حينئذ عما يحل بهم من النكال والخزي والوبال. ولهذا لم يذكر الله لهم اعتذارا واما اولياؤه من الانس فابدوا عذرا غير مقبول. فقالوا ربنا استمتع بعضنا ببعض. اي تمتع كل من الجني والانسي بصاحبه. وانتفع فالجني يستمتع بطاعة الانس له. وعبادته وتعظيمه واستعاذته به. والانسي يستمتع بنيل اغراضه وبلوغه بسبب خدمة الجن له بعض شهواته فان الانس يعبد الجني فيخدمه الجني ويحصل له منه بعض الحوائج الدنيوية اي حصل منا من الذنوب ما حصل ولا يمكن رد ذلك وبلغنا اجلنا الذي اجلت لنا. اي وقد وصلنا المحل الذي تجازي فيه بالاعمال فافعل بنا الان ما تشاء واحكم فينا بما تريد فقد انقطعت حجتنا ولم يبق لنا عذر. والامر امرك والحكم حكمك. وكأن في هذا الكلام منهم نوع تضرع وترقق ولكن في غير اوانه. ولهذا حكم فيهم بحكمه العادل الذي لا جور فيه. فقال النار مثواكم خالدين فيها. ولما كان هذا من مقتضى حكمته وعلمه ختم الاية بقوله ان ربك حكيم عليم. فكما ان علمه وسع الاشياء كلها وعمها فحكمته شملت الاشياء وعمتها ووسعتها قال اي وكما ولينا الجن المردة وسلطناهم على اضلال اوليائهم من الانس. وعقدنا بينهم عقد الموالاة والموافقة. بسبب كسبهم وسعيهم بذلك كذلك من سنتنا ان نولي كل ظالم ظالما مثله. يؤزه الى الشر ويحثه عليه. ويزهده في الخير وينفره عنه. وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع اثرها البليغ خطرها. والذنب ذنب الظالم فهو الذي ادخل الضرر على نفسه. وعلى نفسه جنى وما ربك بظلام للعبيد. ومن ذلك ان العباد اذا كثر ظلمهم وفسادهم ومنعهم الحقوق الواجبة. ولى عليهم ظلمة يصومون سوء العذاب ويأخذون منهم بالظلم والجور اضعاف ما منعوا من حقوق الله وحقوق عباده. على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين ما ان العباد اذا صلحوا واستقاموا اصلح الله رعاتهم وجعلهم ائمة عدل وانصاف لا ولاة ظلم واعتساف. ثم وبخ الله جميع من اعرض عن الحق ورده من الجن والانس. وبين خطأهم فاعترفوا بذلك. فقال هم رسل منكم يقصون عليكم اياتي وينذرونكم يقصون عليكم اياتي لقاء يومكم هذا. قالوا شهدنا على انفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين ذلك ان لم يكن ربك اهلك القرى بظلم واهلها غافلون. يا معشر الجن والانس الم يأتكم رسل منكم عليكم اياتي الواضحات البينات. التي فيها تفاصيل الامر والنهي والخير والشر. والوعد والوعيد. وينذرونكم لقاء يومكم هذا ويعلمونكم ان النجاة فيه. والفوز انما هو بامتثال اوامر الله واجتناب نواهيه. وان الشقاء والخسران في تضييع ذلك. فاقروا بذلك واعترفوا فقالوا بلى شهدنا على انفسنا وغرتهم الحياة الدنيا بزينتها وزخرفها ونعيمها. فاطمئنوا بها ورضوا والهتهم عن الاخرة وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين. فقامت عليهم حجة الله وعلم حينئذ كل احد حتى هم بانفسهم عدل الله فيهم فقال لهم حاكما عليهم بالعذاب الاليم. ادخلوا في جملة امم قد خلت من قبلكم من الجن والانس. صنعوا كصنيع واستمتعوا باخلاقهم كما استمتعتم وخاضوا بالباطل كما خضتم. انهم كانوا خاسرين اي الاولون من هؤلاء والاخرون. واي نصران اعظم من خسران جنات النعيم. وحرمان جوار اكرم الاكرمين. ولكنهم وان اشتركوا في الخسران فانهم يتفاوتون في مقداره عظيمة ولكل منهم درجات مما عملوا. بحسب اعمالهم لا يجعل قليل الشر منهم ككثيره. ولا التابع كالمتبوع ولا المرء الرئيس كما ان اهل الثواب والجنة وان اشتركوا في الربح والفلاح ودخول الجنة. فان بينهم من الفرق ما لا يعلمه الا الله. مع انهم كلهم قد رضوا بما اتاهم مولاهم وقنعوا بما حباهم. فنسأله تعالى ان يجعلنا من اهل الفردوس الاعلى. التي اعدها الله للمقربين من عباده اصطفينا من خلقه واهل الصفوة من اهل وداده. وما ربك بغافل عما تعملون. فيجازي كلا بحسب عمله وبما يعلمه من مقصده انما امر الله العباد بالاعمال الصالحة. ونهاهم عن الاعمال السيئة رحمة بهم وقصدا لمصالحهم. والا فهو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته وربك الغني ذو الرحمة يشاء يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء فلا تنفعه طاعة الطائعين. كما لا تضره معصية العاصين. ان يشأ يذهبكم بالاهلاك ويستخلف من ما يشاء كما انشأكم من ذرية قوم اخرين. فاذا عرفتم بانكم لابد ان تنتقلوا من هذه الدار كما انتقل غيركم. وترحلون عنها يخلونها لمن بعدكم. كما رحل عنها من قبلكم وخلوها لكم. فلما اتخذتموها قرارا وتوطنتم بها ونسيتم انها دار ممر لا دار مقر وان امامكم دارا هي الدار التي جمعت كل نعيم وسلمت من كل افة ونقص. وهي الدار التي يسعى اليها الاولون والاخرون ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون. وان هذا صراطي مستقيما. اي هذه الاحكام وما اشبهها مما بينه الله في كتابه ووضحه لعباده. صراط الله الموصل اليه والى دار كرامته. المعتدل السهل المختصر. فاتبعوه سيرحل نحوها السابقون واللاحقون. التي اذا وصلوها فثم الخلود الدائم والاقامة اللازمة. والغاية التي لا غاية وراءها. والمطلوب الذي ينتهي اليه كل مطلوب والمرغوب الذي يضمحل دونه كل مرغوب. هنالك والله ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. ويتنافس فيه المتنافسون من لذة الارواح وكثرة الافراح ونعيم الابدان والقلوب. والقرب من علام الغيوب. فلله همة تعلقت بتلك الكرامات. وارادة الى اعلى الدرجات وادنى همة من اختار صفقة المغبون. ولا يستبعد المعرض الغافل سرعة الوصول الى هذه الدار انما توعدون وما انتم بمعجزين فانما توعدون لآت وما انتم بمعجزين الله فارين من عقابه فان نواصيكم تحت قبضته وانتم تحت تدبيره وتصرفه في عام فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار انه لا يفلح الظالمون. قل يا ايها الرسول لقومك اذا دعوتهم الى الله وبينت لهم ما لهم وما عليهم من حقوقه. فامتنعوا من الانقياد لامره واتبعوا اهواءهم. واستمروا على يا قومي اعملوا على مكانتكم اي على حالتكم التي انتم عليها ورضيتموها لانفسكم. اني عامل على امر الله تابع لمراضي الله. فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار. انا او انتم. وهذا من الانصاف بموضع عظيم. حيث بين الاعمال اليها وجعل الجزاء مقرونا بنظر البصير. ضاربا فيه صفحا عن التصريح الذي يغني عنه التلويح. وقد علم ان العاقبة الحسنة في الدنيا والاخرة للمتقين وان المؤمنين لهم عقبى الدار وان كل معرض عما جاءت به الرسل عاقبته عاقبة سوء وشر. ولهذا قال انه لا يفلح الظالمون. فكل ظالم وان تمتع في الدنيا بما تمتع به. فنهايته فيه الاضمحلال والتلف. ان الله ليملي للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله كان لله فهو يصل الى شركائهم ساء ما يحكمون. يخبرك تعالى عم عليه المشركون المكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم من سفاهة العقل وخفة الاحلام والجهل البليغ. وعدد تبارك وتعالى شيئا من خرافاتهم لينبه بذلك على ضلالهم والحذر منهم. وان معارضة امثال هؤلاء السفهاء للحق الذي جاء به الرسول. لا تقدح فيه فانهم لا اهلية لهم في مقابلة الحق. فذكر من ذلك انهم جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا. ولشركائهم من ذلك نصيب والحال ان الله تعالى هو الذي ذرأه للعباد. واوجده رزقا. فجمعوا بين محظورين محظورين. بل ثلاثة محاذير. منتهم هم على الله في جعلهم له نصيبا. مع اعتقادهم ان ذلك منهم تبرع. واشراك الشركاء الذين لم يرزقوهم ولم يوجدوا لهم شيئا في ذلك حكمهم الجائر في ان ما كان لله لم يبالوا به ولم يهتموا. ولو كان واصلا الى الشركاء وما كان لشركائهم واعتنوا به واحتفظوا به ولم يصل الى والله منه شيء وذلك انهم اذا حصل لهم من زروعهم وثمارهم وانعامهم التي اوجدها الله لهم شيء جعلوه قسمين. قسما قالوا هذا لله بقولهم وزعمهم والا فالله لا يقبل الا ما كان خالصا لوجهه. ولا يقبل عمل من اشرك به. وقسما جعلوه حصة شركائهم من الاوثان والانداد. فان وصل شيء مما جعلوه لله واختلط بما جعلوه لغيره. لم يبالوا بذلك. وقالوا الله غني عنه. فلا يردونه وان وصل شيء مما جعلوه لالهتهم الى ما جعلوه لله ردوه الى محله. وقالوا انها فقراء لابد من رد نصيبها. فهل الاسوء من هذا الحكم واظلم. حيث جعلوا ما للمخلوق يجتهد فيه وينصح ويحفظ. اكثر مما يفعل بحق الله. ويحتمل ان تأويل الاية الكريمة ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال عن الله تعالى انه قال انا اغنى الشركاء عن الشرك من اشرك معي شيئا ان تركته وشركه وان معنى الاية ان ما جعلوه وتقربوا به لاوثانهم. فهو تقرب خالص لغير الله. ليس لله منه شيء. وما لله على زعمهم فانه لا يصل اليه لكونه شركا. بل يكون حظ الشركاء والانداد لان الله غني عنه. لا يقبل العمل الذي به معه احد من الخلق ليلبسوا عليهم دينهم. ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون ومن سفه المشركين وضلالهم انه زين لكثير من المشركين شركاؤهم. اي رؤساؤهم وشياطينهم قتل اولادهم. وهو الذين يدفنون اولادهم الذكور خشية الافتقار والاناث خشية العار. وكل هذا من خدع الشياطين. الذين يريدون ان بالهلاك ويلبسوا عليهم دينهم فيفعلون الافعال التي في غاية القبح ولا يزال شركاؤهم يزينونها لهم حتى تكون عندهم من الامور الحسنة الخصال المستحسنة. ولو شاء الله ان يمنعهم ويحول بينهم وبين هذه الافعال. ويمنع اولادهم عن قتل الابوين لهم ما فعلوه. ولكن اقتضى حكمته التخلية بينهم وبين افعالهم استدراجا منه تعالى لهم وامهالا لهم. وعدم مبالاة بما هم عليه. ولهذا قال وما يفترون. اي دعهم مع كذبهم وافترائهم. ولا تحزن عليهم فانهم لن يضروا الله شيئا. وقالوا هذه انعام سيجزين بما كانوا يفعلون ومن انواع سفاهتهم ان الانعام التي احلها الله لهم عموما وجعلها رزقا ورحمة يتمتعون بها وينتفعون قد اخترعوا فيها بدعا واقوالا من تلقاء انفسهم. فعندهم اصطلاح في بعض الانعام والحرث انهم يقولون فيها. هذه انعام وحرث حجر اي محرم لا يطعمها الا من نشاء. اي لا يجوز ان يطعمه احد. الا من اردنا ان يطعمه او وصفناه بوصف من عندهم وكل هذا بزعمهم لا مستند لهم ولا حجة الا اهويتهم واراؤهم الفاسدة. وانعام ليست محرمة من كل وجه بل يحرمون ظهورها اي بالركوب والحمل عليها ويحمون ظهرها ويسمونها الحام. وانعام لا يذكرون اسم الله عليها. بل يذكرون اسم اصنامهم وما كانوا يعبدون من دون الله عليها وينسبون تلك الافعال الى الله وهم كذبة فجار في ذلك. سيجزيهم بما كانوا يفترون على الله من احلال الشرك وتحريم الحلال من الاكل والمنافع. ومن ارائهم السخيفة انهم يجعلون بعض الانعام ويعينوها محرما ما في بطنها على الاناث دون الذكور. فيقولون هذه الانعام خالصة ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا اي حلال انهم لا يشاركهم فيها النساء ومحرم على ازواجنا اي نسائنا هذا اذا ولد حيا وان يكن ما في بطنها يولد ميتا فهم فيه في شركاء اي فهو حلال للذكور والاناث. سيجزيهم الله وصفهم حيث وصفوا ما احله الله بانه حرام. ووصفوا الحرام بالحلال تناقضوا شرع الله وخالفوه ونسبوا ذلك الى الله. انه حكيم حيث امهل لهم. ومكنهم مما هم فيه من الضلال. عليم بهم لا عليه خافية وهو تعالى يعلم بهم وبما قالوه عليه وافتروه. وهو يعافيهم ويرزقهم جل جلاله. ثم بين خسرانهم وسفاهة عقولهم فقال هل ضلوا وما كانوا مهتدين اي خسروا دينهم واولادهم وعقولهم. وصار وصفهم بعد العقول الرزينة السفه المرضية والضلال. وحرموا ما رزقهم الله اي ما رحمة لهم وساقه رزقا لهم. فردوا كرامة ربهم ولم يكتفوا بذلك. بل وصفوها بانها حرام. وهي من احل الحلال. وكل هذا على الله اي كذبا يكذب به كل معاند كفار قد ضلوا وما كانوا مهتدين. اي قد ضلوا ضلالا بعيدا ولم يكونوا مهتدين ان في شيء من امورهم آآ ومتشامي اسرفوا انه لا يحب المسرفين. لما ذكر تعالى تصرف المشركين في كثير مما احله الله لهم من الحروف والانعام ذكر تبارك وتعالى نعمته عليهم بذلك. ووظيفتهم اللازمة عليهم في الحروف والانعام فقال وهو الذي انشأ جنات هاي بساتين فيها انواع الاشجار المتنوعة والنباتات المختلفة. معروشات وغير معروشات اي بعض تلك الجنات مجعول له عرش تنتشر عليه الاشجار ويعاونها في النهوض عن الارض. وبعضها خال من العروش. تنبت على ساق او تنفرش في الارض. وفي هذا تنبيه على منافعها وخيراتها. وانه تعالى علم العباد كيف يعيشونها وينمونها. وانشأ تعالى النخل والزرع مختلفا اكله. اي كله في في محل واحد ويشرب من ماء واحد. ويفضل الله بعضه على بعض في الاكل. وخاصة على النخلة والزرع على اختلاف انواعه لكثرة منافعها ولكونها هي القوت لاكثر الخلق. وانشأ تعالى الزيتون والرمان متشابها في شجره. وغير متشابه في ثمره وطعمه. كان قيل لاي شيء انشأ الله هذه الجنات؟ وما عطف عليها؟ فاخبر انه انشأها لمنافع العباد فقال كلوا من ثمره اي والزرع اذا اثمر واتوا حقه يوم حصاده. اي اعطوا حق الزرع. وهو الزكاة ذات الانصباء المقدرة في الشرع. امرهم ان يوم حصادها وذلك لان حصاد الزرع بمنزلة حولان الحول لانه الوقت الذي تتشوف اليه نفوس الفقراء ويسهل حينئذ اخراجه على اهل الزروع ويكون الامر فيها ظاهرا لمن اخرجها. حتى يتميز المخرج ممن لا يخرج. وقوله ولا تسرفوا يعم النهي عن رأسها واسها ومادتها تصديق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به. ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين. اي الذين كثر وذنوبهم. فاحذروا الجرائم الموصلة لبأس الله. التي اعظمها ورأسها تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم الاسراف في الاكل وهو مجاوزة الحد والعادة. وان يأكل صاحب الزرع اكلا يضر بالزكاة. والاسراف في اخراج حق الزرع بحيث يخرج فوق الواجب عليه ويضر نفسه او عائلته او غرماءه. فكل هذا من الاسراف الذي نهى الله عنه. الذي لا يحبه الله بل يبغضه ويمقت عليه. وفي هذه الاية دليل على وجوب الزكاة في الثمار. وانه لا حول لها بل حولها حصادها في الزروع. وجذاذ النخيل وانه لا تتكرر فيها الزكاة لو مكثت عند العبد احوالا كثيرة اذا كانت لغير التجارة. لان الله لم يأمر بالاخراج منه الا وقت حصاده. وانه لو اصابها افة قبل ذلك ذلك بغير تفريط من صاحب الزرع والثمر انه لا يضمنها. وانه يجوز الاكل من النخل والزرع قبل اخراج الزكاة منه. وانه لا يحسب ذلك من الزكاة بل يزكى المال الذي يبقى بعده. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث خالصا يخلص للناس ثمارهم. ويأمره ان يدع لاهل الثلث او الربع بحسب ما يعتريها من الاكل وغيره من اهلها وغيرهم كلوا مما رزقكم الله ولا ايوه خلق وانشأ امن الانعام حمولة وفرشا. اي بعضها تحملون عليه وتركبونه. وبعضها لا تصلح للحمل والركوب عليها. لصغرها. كالفصلان ونحوها وهي الفرش فهي من جهة الحمل والركوب تنقسم الى هذين القسمين. واما من جهة الاكل وانواع الانتفاع فانها كلها تؤكل ينتفع بها. ولهذا قال كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان. اي طرقه واعماله التي من جملتها ان تحرموا بعض وما رزقكم الله انه لكم عدو مبين. فلا يأمركم الا بما فيه مضرتكم وشقاؤكم الابدي. وهذه الانعام التي امتن الله بها على عباده وجعلها كلها حلالا طيبا. فصلها بانها اثنين ومن المعز اثنين قلين حرم ام الانثى كن صادقين. ثمانية ازواج من الضأن اثنين. ذكر وانثى ومن المعز اثنين كذلك. فهذه اربعة كلها داخلة فيما احل الله لا فرق بين شيء منها فقل لهؤلاء المتكلفين الذين يحرمون منها شيئا دون شيء او يحرمون بعضها على الاناث دون الذكور ملزما لهم بعدم وجود الفرق بينما اباحوا منها وحرموا الذكرين من الضأن والمعز حرم الله فلستم تقولون ذلك وتطردون ام الانثيين حرم الله من الضأن والماعز؟ فليس هذا قولكم لا تحريم الذكور الخلص ولا الاناث الخلص من الصنفين بقي اذا كان الرحم مشتملا على ذكر وانثى او على مجهول فقال ام تحرمون ما اشتملت عليه ارحام الانثيين؟ اي انثى وانثى المعز من غير فرق بين ذكر وانثى فلستم تقولون ايضا بهذا القول. فاذا كنتم لا تقولون باحد هذه الاقوال الثلاثة التي حصلت الاقسام الممكنة في ذلك. فالى اي شيء تذهبون؟ نبئوني بعلم ان كنتم صادقين في قولكم ودعواكم. ومن المعلومات انهم لا يمكنهم ان يقولوا قولا سائغا في العقل الا واحدة من هذه الامور الثلاثة وهم لا يقولون بشيء منها انما يقولون ان بعض والانعام التي يصطلحون عليها اصطلاحات من عند انفسهم. حرام على الاناث دون الذكور. او محرمة في وقت من الاوقات. او نحو ذلك من الاقوال يعلم علما لا شك فيه ان مصدرها من الجهل المركب. والعقول المختلة المنحرفة والاراء الفاسدة. وان الله ما انزل بما قالوه من سلطان ولا لهم عليه حجة ولا برهان. ثم ذكر في الابل والبقر مثل ذلك ام كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا؟ فمن اظلم ممن افترى على الله فلما بين بطلان قولهم وفساده قال لهم قولا لا حيلة لهم في الخروج من تبعته الا في اتباع شرع الله. ام كنتم شهداء اذ وصاكم الله اي لم يبقى عليكم الا دعوا لا سبيل لكم الى صدقها وصحتها. وهي ان تقولوا ان الله اوصانا بذلك. واوحى الينا كما اوحى الى ورسله بل اوحى الينا وحيا مخالفا لما دعت اليه الرسل. ونزلت به الكتب وهذا افتراء لا يجهله احد. ولهذا قال فمن اظلم من افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم. اي مع كذبه وافتراءه على الله قصده بذلك اضلال عباد الله عن سبيل الله. بغير بينة منه ولا برهان ولا عقل ولا نقل. ان الله لا يهدي القوم الظالمين. الذين لا ارادة لهم في غير الظلم والجور والافتراء على الله قل لا اجد فيما اوحي الي محرما على طاعمي يطعمه الا ان يكون ميتة او دم فمن لما ذكر تعالى المشركين على ما حرموا من الحلال ونسبوه الى الله. وابطل قولهم امر تعالى رسوله ان يبين للناس ما حرمه الله عليهم. ليعلموا ان ما علي وعلى غيري ان يتخذ الله ربا ويرضى به والا يتعلق باحد من المربوبين الفقراء العاجزين. ثم رغب ورهب بذكره الجزاء فقال ولا تكسب كل نفس من خير وشر الا عليه ذلك حلال من نسب تحريمه الى الله فهو كاذب مبطل. لان التحريم لا يكون الا من عند الله على لسان رسوله. وقد قال لرسوله لا اجد فيما اوحي الي محرما على طاعم. اي محرما اكله. بقطع النظر عن تحريم الانتفاع بغير الاكل وعدمه. الا ان يكون ميتة والميتة ما مات بغير زكاة شرعية فان ذلك لا يحل. كما قال تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير. او دماغ وهو الدم الذي يخرج من الذبيحة عند زكاتها. فانه الدم الذي يضر احتباسه في البدن. فاذا خرج من البدن زال الضرر باكل اللحم مفهوم هذا اللفظ ان الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح انه حلال طاهر او لحم خنزير فانه رجس اي فان هذه الاشياء اي خبث نجس مضر. حرمه الله لطفا بكم. ونزاهة لكم عن مقاربة الخبائث. او الا ان يكون فسقا اهل لغيره الله به اي الا ان تكون الذبيحة مذبوحة لغير الله. من الاوثان والالهة التي يعبدها المشركون. فان هذا من الفسق الذي هو الخروج عن طاعة الى معصيته. اي ومع هذا فهذه الاشياء المحرمات. من اضطر اليها اي حملته الحاجة والضرورة الى اكل شيء منها بان لم يكن عنده شيء وخاف على نفسه التلف غير باغ ولا عاد اي غير باغ اي مريد لاكلها من غير اضطرار ولا متعدد اي متجاوز للحد بان يأكل زيادة عن حاجته. فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم. اي فالله قد سامح من كان بهذه الحال واختلف العلماء رحمهم الله في هذا الحصر المذكور في هذه الاية مع ان ثم محرمات لم تذكر فيها كالسباع وكل مخلب من الطير ونحو ذلك. فقال بعضهم ان هذه الاية نازلة قبل تحريم ما زاد على ما ذكر فيها. فلا ينافي هذا الحصر المذكور فيها التحريم المتأخرة بعد ذلك. لانه لم يجده فيما اوحي اليه في ذلك الوقت. وقال بعضهم ان هذه الاية مشتملة على سائر المحرمات. بعضها صريحة وبعضها يؤخذ من المعنى وعموم العلة. فان قوله تعالى في تعليل الميتة والدم ولحم الخنزير. او الاخير منها فقط فانه وصف شامل لكل محرم. فان المحرمات كلها رجس وخبث. وهي من الخبائث المستقذرة التي حرمها الله على عباده. صيانة لهم وتكرمة مباشرة الخبيث الرجس ويؤخذ تفاصيل الرجس المحرم من السنة فانها تفسر القرآن وتبين المقصود منه. فاذا كان الله تعالى لم من المطاعم الا ما ذكر. والتحريم لا يكون مصدره الا شرع الله. دل ذلك على ان المشركين الذين حرموا ما رزقهم الله. مفترون على الله متقولون عليه ما لم يقل. وفي الاية احتمال قوي. لولا ان الله ذكر فيها الخنزير. وهو ان السياق في نقض اقوال المشركين المتقدمة في تحريمهم لما احله الله وخوضهم بذلك. بحسب ما سولت لهم انفسهم وذلك في بهيمة الانعام خاصة. وليس منها محرم الا ما في الاية الميتة منها وما اهل لغير الله به. وما سوى ذلك فحلال. ولعل مناسبة ذكر الخنزير هنا على هذا الاحتمال ان بعض الجهال قد يدخله في بهيمة الانعام. وانه نوع من انواع الغنم. كما قد يتوهمه جهلة النصارى واشباههم. فينمونها كما المواشي ويستحلونها ولا يفرقون بينها وبين الانعام. فهذا المحرم على هذه الامة كله من باب التنزيه لهم والصيانة اما ما حرم على اهل الكتاب فبعضه طيب. ولكنه حرم عليهم عقوبة لهم. ولهذا قال وعلى الذين هادوا حرمنا اتقوا الذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت الا ما حملت وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر. وذلك كالابل وما اشبهها وحرمنا عليه من البقر والغنم. بعض اجزائها وهو شحومهما. وليس المحرم جميع الشحوم منها. بل شحم الالية والثرب. ولهذا استثنى الشحم الحلال من ذلك. فقال الا ما ظهورهما او الحوايا اي الشحم المخالط للامعاء او ما اختلط بعظم. ذلك التحريم على اليهود جزيناهم ببغيهم اي ظلمهم وتعديهم في حقوق الله وحقوق عباده. فحرم الله عليهم هذه الاشياء عقوبة لهم ونكالا. وانا لصادقون في كل ما نقول ونفعل ونحكم به. ومن اصدق من الله حديثا ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون اي فان كذبك هؤلاء المشركون فاستمر على دعوتهم بالترغيب ترهيب واخبرهم بان الله ذو رحمة واسعة. اي عامة شاملة لجميع المخلوقات كلها. فسارعوا الى رحمته باسبابها. التي من المال لما هو احب اليها وهو الله تعالى. ومن اخلص في صلاته ونسكه. استلزم ذلك اخلاصه لله في سائر اعماله وقوله ومحياي ومماتي اي مآتيه في حياتي وما يجريه الله علي وما يقدر علي في مماتي الجميع الله كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم لهداكم اجمعين. هذا اخبار من الله ان المشركين سيحتجون على وتحريمهم ما احل الله بالقضاء والقدر. ويجعلون مشيئة الله الشاملة لكل شيء من الخير والشر. حجة لهم في دفع اللوم عنهم. وقد قالوا ما اخبر الله انهم سيقولونه كما قال في الاية الاخرى وقال الذين اشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء. فاخبر تعالى لان هذه الحجة لم تزل الامم المكذبة تدفع بها عنهم دعوة الرسل ويحتجون بها. فلم تجدي فيهم شيئا ولم تنفعهم. فلم يزل هذا حتى اهلكهم الله واذاقهم بأسه. فلو كانت حجة صحيحة لدفعت عنهم العقاب. ولما احل الله بهم العذاب. لانه لا يحل بأسه الا بمن استحقه. فعلم انها حجة فاسدة وشبهة كاسدة من عدة اوجه. منها ما ذكر الله من انها لو كانت لم تحل بهم العقوبة ومنها ان الحجة لا بد ان تكون حجة مستندة الى العلم والبرهان. فاما اذا كانت مستندة الى مجرد الظن والخرس الذي لا يغني من الحق شيئا فانها باطلة. ولهذا قال قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ فلو كان لهم علم وهم خصوم الداء لاخرجوه. فلما لم يخرجوه علم انه لا علم عندهم. ان تتبعون الا الظن وان انتم الا تخرسون ومن بنى حججه على الخرس والظن فهو مبطل خاسر. فكيف اذا بناها على البغي والعناد والشر والفساد؟ ومنها ان الحجة لله البالغة التي لم تبق لاحد عذرا. التي اتفقت عليها الانبياء والمرسلون والكتب الالهية. والاثار النبوية والعقول الصحيحة والفطر المستقيمة والاخلاق القويمة. فعلم بذلك ان كلما خالف هذه الادلة القاطعة باطل. لان نقيض الحق لا يكون الا باطلا ومنها ان الله تعالى اعطى كل مخلوق قدرة وارادة يتمكن بها من فعل ما كلف به. فلا اوجب الله على احد ما لا يقدر على فعله ولا حرم على احد ما لا يتمكن على تركه. فالاحتجاج بعد هذا بالقضاء والقدر. ظلم محض وعناد صرف. ومنها ان الله تعالى لم يجبر العباد على افعالهم بل جعل افعالهم تبعا لاختيارهم. فان شاءوا فعلوا وان شاءوا كفوا. وهذا امر مشاهد لا ينكره الا من كابر وانكر المحسوسات. فان كل احد يفرق بين الحركة الاختيارية والحركة القسرية. وان كان الجميع داخلا في مشيئة الله ومندرج تحت ارادته. ومنها ان المحتجين على المعاصي بالقضاء والقدر يتناقضون في ذلك. فانهم لا يمكنهم ان يطردوا ذلك. بل لو اساءوا اليهم مسيء بضرب او اخذ مال او نحو ذلك. واحتج بالقضاء والقدر لما قبلوا منه هذا الاحتجاج. ولغضبوا من ذلك اشد الغضب عجبا كيف يحتجون به على معاصي الله ومساخطه؟ ولا يرضون من احد ان يحتج به في مقابلة مساخطهم. ومنها ان احتجاجهم بالقضاء القدر ليس مقصودا ويعلمون انه ليس بحجة. وانما المقصود منه دفع الحق. ويرون ان الحق بمنزلة الصائل. فهم يدفعونه بكل ما يخطر ببالهم من الكلام وان كانوا يعتقدونه خطأ والذين لا يؤمنون بالاخرة وهم بربهم يعدلون. اي قل لمن حرم ما احل الله ونسب ذلك الى الله احضروا شهداءكم الذين يشهدون ان الله حرم هذا. فاذا قيل لهم هذا الكلام فهم بين امرين. اما الا ايحضر احدا يشهد بهذا فتكون دعواهم اذا باطلة خلية من الشهود والبرهان. واما ان يحضروا احدا يشهد لهم بذلك. ولا يمكن ان اشهد بهذا الا كل افاك اثيم. غير مقبول الشهادة وليس هذا من الامور التي يصح ان يشهد بها العدول. ولهذا قال تعالى ناهي ان نبيه واتباعه عن هذه الشهادة. فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع اهواء الذين كذبوا باياتنا. والذين لا يؤمنون الاخرة وهم بربهم يعدلون. اي يسوون به غيره من الانداد والاوثان. فاذا كانوا كافرين باليوم الاخر غير موحدين لله كانت اهويتهم مناسبة لعقيدتهم. وكانت دائرة بين الشرك والتكذيب بالحق. فحري بهوى هذا شأنه ان ينهى الله خيار خلقه عن اتباعه وعن الشهادة مع اربابه. وعلم حينئذ ان تحريمهم لما احل الله صادر عن تلك الاهواء المضلة ولا تقتلوا ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما ذلكم يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء الذين حرموا ما احل الله تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم تحريما عاما شاملا لكل احد. محتويا على سائر المحرمات من المآكل والمشارب والاقوال والافعال. الا تشركوا به اي لا قليلا ولا كثيرا. وحقيقة الشرك بالله ان يعبد المخلوق كما يعبد الله. او يعظم كما يعظم الله. او يصرف له نوع من خصائص الربوبية والالهية. واذا ترك العبد الشرك كله صار موحدا. مخلصا لله في جميع احواله. فهذا حق الله على عباده ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. ثم بدأ باكد الحقوق بعد حقه فقال وبالوالدين احسانا من الاقوال الكريمة الحسنة والافعال الجميلة المستحسنة. فكل قول وفعل يحصل به منفعة للوالدين او سرور لهما. فان ذلك من الاحسان. واذا وجد العقوق ولا تقتلوا اولادكم من ذكور واناث من املاق. اي بسبب الفقر وضيقكم من رزقهم. كما كان ذلك موجود في الجاهلية القاسية الظالمة. واذا كانوا منهيين عن قتلهم في هذه الحال. وهم اولادهم فنهيهم عن قتلهم لغير موجب. او قتل اولادهم غيرهم من باب اولى واحرى. نحن نرزقكم واياهم اي قد تكفلنا برزق الجميع. فلستم الذين ترزقون اولادكم بل ولا انفسكم فليس عليكم منهم ضيق ولا تقربوا الفواحش وهي الذنوب العظام المستفحشة ما ظهر منها وما بطن اي لا تقربوا الظاهر منها والخفية او المتعلقة منها بالظاهر والمتعلقة بالقلب والباطن. والنهي عن قربان الفواحش ابلغ من النهي عن مجرد فعلها. فانه يتناول اول النهي عن مقدماتها ووسائلها الموصلة اليها. ولا تقتلوا النفس التي حرم الله وهي النفس المسلمة. من ذكر وانثى صغير بر وفاجر والكافرة التي قد عصمت بالعهد والميثاق الا بالحق كالزاني المحصن والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة ذلكم المذكور وصاكم به لعلكم تعقلون عن الله وصيته ثم تحفظونها ثم تراعونها وتقومون بها ودلت الاية على انه بحسب عقل العبد يكون قيامه بما امر الله به اذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا ذلكم نصاكم به لعلكم ولا تقربوا مال اليتيم باكل او معاوضة على وجه المحاباة لانفسكم او اخذ من غير سبب الا بالتي هي يا احسن اي الا بالحال التي تصلح بها اموالهم. وينتفعون بها. فدل هذا على انه لا يجوز قربانها والتصرف بها على وجه يضر يتامى او على وجه لا مضرة فيه ولا مصلحة. حتى يبلغ اليتيم اشده. اي حتى يبلغ ويرشد. ويعرف التصرف. فاذا بلغ اشده اعطي حينئذ ماله وتصرف فيه على نظره. وفي هذا دلالة على ان اليتيم قبل بلوغ الاشد محجور عليه. وان وليه يتصرف في ما له بالاحظ وان هذا الحجر ينتهي ببلوغ الاشد. واوفوا الكيل والميزان بالقسط. اي بالعدل والوفاء التام. فاذا اجتهدتم في ذلك فلا نكلف نفسا الا وسعها اي بقدر ما تسعه ولا تضيق عنه. فمن حرص على الايفاء في الكيل والوزن ثم حصل منه تقصير لم يفرط فيه ولم يعلمه فان الله غفور رحيم. وبهذه الاية ونحوها استدل الاصوليون بان الله لا يكلف احدا ما لا يطيع وعلى ان من اتقى الله فيما امر وفعل ما يمكنه من ذلك فلا حرج عليه فيما سوى ذلك. واذا قلتم قولا تحكمون به بين الناس وتفصلون بينهم الخطاب وتتكلمون به على المقالات والاحوال. فاعدلوا في قولكم بمراعاة الصدق في من تحبون ومن تكرهون. والان وعدم كتمان ما يلزم بيانه فان الميل على من تكره بالكلام فيه او في مقالته من الظلم المحرم. بل اذا تكلم العالم على مقالات اهل للبدع فالواجب عليه ان يعطي كل ذي حق حقه. وان يبين ما فيها من الحق والباطل. ويعتبر قربها من الحق وبعدها منه. وذكر الفقهاء ان القاضي يجب عليه العدل بين الخصمين في لحظه ولفظه. وبعهد الله اوفوا وهذا يشمل العهد الذي عاهده عليه العباد من القيام بحقوقه والوفاء بها. ومن العهد الذي يقع التعاهد به بين الخلق. فالجميع يجب الوفاء به. ويحرم نقضه والاخلال به. ذلكم المذكورة وصاكم به لعلكم تذكرون ما بينه لكم من الاحكام. وتقومون بوصية الله لكم حق القيام. وتعرفون ما فيها من والاحكام ولما بين كثيرا من الاوامر الكبار والشرائع المهمة اشار اليها والى ما هو اعم منها فقال لتنالوا الفوز والفلاح وتدركوا الامال والافراح. ولا تتبعوا السبل اي الطرق المخالفة لهذا الطريق. فتفرق بكم عن سبيله. اي تضل عنه وتفرقكم يمينا وشمالا. فاذا ضللتم عن الصراط المستقيم فليس ثم الا طرق توصل الى الجحيم. ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون. فانكم اذا قمتم بما بينه الله لكم علما وعملا. صرتم من المتقين وعباد الله المفلحين. ووحد الصراط اضافه اليه لانه سبيل واحد موصل اليه. والله هو المعين للسالكين على سلوكه ثم في هذا الموضع ليس المراد منها الترتيب الزماني. فان زمن موسى عليه السلام متقدم على تلاوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب. وانما المراد الترتيب الاخباري. فاخبر انه اتى موسى الكتاب وهو التوراة تماما لنعمته وكمالا لاحسانه. على الذي احسن من امة موسى فان الله انعم على المحسنين منهم بنعم لا تحصى. من جملتها وتمامها انزال التوراة عليهم فتمت عليهم نعمة الله ووجب عليهم القيام بشكرها. وتفصيلا لكل شيء يحتاجون الى تفصيله. من الحلال والحرام والامر النهي والعقائد ونحوها وهدى ورحمة. ان يهديهم الى الخير ويعرفهم بالشر. في الاصول والفروع. ورحمة يحصل به لهم السعادة والرحمة والخير الكثير لعلهم بسبب انزالنا الكتاب والبينات عليهم بلقاء ربهم يؤمنون. فانه اشتمل من الادلة القاطعة على البعث والجزاء بالاعمال ما يوجب لهم الايمان بلقاء ربهم والاستعداد له وهذا القرآن العظيم والذكر الحكيم كتاب انزلناه مبارك اي فيه الخير الكثير والعلم الغزير. وهو الذي تستمد منه سائر العلوم. وتستخرج منه البركات. فما من خير الا وقد دعا اليه ورغب فيه وذكر الحكم والمصالح التي تحث عليه. وما من شر الا وقد نهى عنه وحذر منه. وذكر الاسباب المنفرة عن فعله وعواقبها الوخيمة اتبعوه فيما يأمر به وينهى. وابنوا اصول دينكم وفروعه عليه. واتقوا الله تعالى ان تخالفوا له امرا. لعلكم ان اتبعتموه ترحمون فاكبر سبب لنيل رحمة الله. اتباع هذا الكتاب علما وعملا دراستهم لغافلين ان تقولوا انما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا. وان كنا عن دراستهم لغافلين. اي انزلنا اليكم هذا الكتاب المبارك قط لحجتكم وخشية ان تقولوا انما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا. اي اليهود والنصارى. وان كنا عن دراستهم لغافلين اي تقولون لم تنزل علينا كتابا والكتب التي انزلتها على الطائفتين ليس لنا بها علم ولا معرفة. فانزلنا اليكم كتابا لم ينزل من السماء كتاب اجمع ولا اوضح ولا ابين منه انا اهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم مهدا ورحمة او تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا ما اهدى منهم اي اما ان تعتذروا بعدم وصول اصل الهداية اليكم. واما ان تعتذروا بعدم كمالها وتمامها. فحصل لكم بكتابكم اصل الهداية وكمالها. ولهذا قال فقد جاءكم بينة من ربكم. وهذا اسم جنس يدخل فيه كل ما يبين الحق. وهدى من ضلالة ورحمة اي سعادة لكم في دينكم ودنياكم. فهذا يوجب لكم الانقياد لاحكامه والايمان باخباره. وان من لم يرفع به رأسا وكذب به فانه اظلموا الظالمين. ولهذا قال فمن اظلم ممن كذب بايات الله وصدف عنها. اي اعرض ونأى جانبه سنجزي الذين يصطفون عن اياتنا سوء العذاب. اي العذاب الذي يسوء صاحبه ويشق عليه. بما كانوا يصدفون لانفسهم ولغيرهم جزاء لهم على عملهم السيء. وما ربك بظلام للعبيد. وفي هذه الايات دليل على ان علم القرآن اجل العلوم وابركها واوسعها وانه به تحصل الهداية الى الصراط المستقيم. هداية تامة لا يحتاج معها الى تخرص المتكلمين. ولا الى افكار المتفلسف ولا لغير ذلك من علوم الاولين والاخرين. وان المعروف انه لم ينزل جنس الكتاب الا على الطائفتين. من اليهود والنصارى. فهم اهل الكتاب عند الاطلاق لا يدخل فيهم سائر الطوائف لا المجوس ولا غيرهم. وفيه ما كان عليه الجاهلية قبل نزول القرآن. من الجهل في العظيم وعدم العلم بما عند اهل الكتاب الذين عندهم مادة العلم وغفلتهم عن دراسة كتبهم او يأتي ربك او يأتي بعض ايات ربك ثم يأتي بعض ايات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت يقول تعالى هل ينظر هؤلاء الذين استمر ظلمهم وعنادهم؟ الا ان تأتيهم مقدمات العذاب ومقدمات الاخرة بان تأتيهم الملائكة لقبض ارواحهم فانهم اذا وصلوا الى تلك الحال لم ينفعهم الايمان ولا صالح الاعمال او يأتي ربك لفصل القضاء بين العباد ومجازاة المحسنين والمسيئين. او يأتي بعض ايات ربك الدالة على قرب الساعة. يوم يأتي بعض ايات ربك الخارقة للعادة التي يعلم بها ان الساعة قد دنت. وان القيامة قد اقتربت لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل. او كسبت في ايمانها خير اي اذا وجد بعظ ايات الله لم ينفع الكافر ايمانه ان امن ولا المؤمن المقصر ان يزداد خيره بعد ذلك بل ينفعه ما كان معه من الايمان قبل ذلك. وما كان له من الخير المرجو قبل ان يأتي بعض الايات. والحكمة في هذا ظاهرة فانه انما كان الايمان ينفع واذا كان ايمانا بالغيب وكان اختيارا من العبد. فاما اذا وجدت الايات صار الامر شهادة. ولم يبق للايمان فائدة. لانه يشبه الايمان الضروري كايمان الغريق والحريق ونحوهما. ممن اذا رأى الموت اقلع عما هو فيه. كما قال الله تعالى فلما رأوا بأسنا قالوا امنا لله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا. سنة الله التي قد خلت في عباده وقد تكاثرت الاحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ان المراد ببعض ايات الله طلوع الشمس من مغربها وان الناس اذا رأوها امنوا فلم ينفعهم ايمانهم ويغلق حينئذ باب التوبة. ولما كان هذا وعيدا للمكذبين بالرسول صلى الله عليه وسلم منتظرا. وهم ينتظرون بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعه قوارع الدهر ومصائب الامور. قال قل انتظروا انا منتظرون. فستعلمون اينا احق بالامن وفي هذه الاية دليل لمذهب اهل السنة والجماعة في اثبات الافعال الاختيارية لله تعالى كالاستواء والنزول لله تبارك وتعالى من غير تشبيه له بصفات المخلوقين. وفي الكتاب والسنة من هذا شيء كثير. وفيه ان من جملة اشراط الساعة طلوع الشمس شمس من مغربها وان الله تعالى حكيم قد جرت عادته وسنته ان الايمان انما ينفع اذا كان اختياريا لا اضطراريا كما تقدم وان الانسان يكتسب الخير بايمانه. فالطاعة والبر والتقوى انما تنفع وتنمو اذا كان مع العبد الامام. فاذا خلا القلب من الايمان لم ينفعه شيء من ذلك ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون كن يتوعد تعالى الذين فرقوا دينهم اي شتتوه وتفرقوا فيه. وكل اخذ لنفسه نصيبا من الاسماء التي لا تفيد الانسان في دينه كاليهودية والنصرانية والمجوسية او لا يكمن بها ايمانه بان يأخذ من الشريعة شيئا ويجعله دينه ويدع مثله او ما هو اولى فمن كما هو حال اهل الفرقة من اهل البدع والضلال والمفرقين للامة. ودلت الاية الكريمة ان الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف. وينهى عن التفرق والاختلاف في اهل الدين وفي سائر مسائله الاصولية والفروعية. وامره ان يتبرأ ممن فرقوا دينهم. فقال لست منهم في شيء اي لست منهم وليسوا منك لانهم خالفوك وعاندوك انما امرهم الى الله يردون اليه فيجازيهم باعمالهم ثم ننبئهم بما كانوا يفعلون. ثم ذكر صفة الجزاء فقال وهم لا يبلغون. من جاء بالحسنة القولية والفعلية الظاهرة والباطنة المتعلقة بحق الله او حقه فله عشر امثالها هذا اقل ما يكون من التضعيف. ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها. وهذا من تمام عدله تعالى واحسانه وانه لا يظلم مثقال ذرة. ولهذا قال وهم لا يظلمون وما كان من المشركين. يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ان يقول ويعلن بما هو عليه من الهداية الى الصراط المستقيم الدين المعتدل المتضمن للعقائد النافعة والاعمال الصالحة. والامر بكل حسن والنهي عن كل قبيح. الذي عليه الانبياء والمرسلون خصوصا امام الحنفاء ووالد من بعث من بعد موته من الانبياء. خليل الرحمن ابراهيم عليه الصلاة والسلام. وهو الدين الحنيف المائل عن كل دين غير مستقيم. من اديان اهل الانحراف كاليهود والنصارى والمشركين. وهذا عموم ثم خصص من ذلك اشرف العبادات فقال قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له. وبذلك قل ان صلاتي ونسكي اي ذبحي وذلك لشرف هاتين العبادتين وفضلهما ودلالتهما على محبة الله تعالى واخلاص الدين له. والتقرب اليه بالقلب واللسان والجوارح. وبالذبح الذي هو بذل ما تحبه النفس لله رب العالمين. لا شريك له في العبادة. كما انه ليس له شريك في الملك والتدبير. وليس هذا الاخلاص لله ابتداعا مني وبدعا اتيته من تلقاء نفسي. بل بذلك امرت امرا حتما. لا اخرج من التبعة الا بامتثاله. وانا اول المسلمين من هذه امة ولا تزر وازرة وزر اخرى. ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما قل اغير الله من المخلوقين ابغي ربا اي ايحسن ذلك ويليق بي ان اتخذ غيره مربيا ومدبرا. والله رب كل شيء. فالخلق كلهم داخلون تحت ربوبيته. منقادون لامره. فتعين كما قال الله تعالى من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها. ولا تزر وازرة وزر اخرى ولا تزر وازرة وزر اخرى. بل كل عليه وزر نفسه. وان كان احد قد تسبب في ضلال غيره ووزره. فان عليه وزر التسر من غير ان ينقص من وزر المباشر شيء. ثم الى ربكم مرجعكم يوم القيامة من خير وشر. ويجازيكم على ذلك اوفى الجزاء ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم. وهو الذي جعلكم خلائف الارض اي يخلف بعضا واستخلفكم الله في الارض وسخر لكم جميع ما فيها وابتلاكم لينظر كيف تعملون. ورفع بعضكم فوق بعض درجات في القوة والعافية والرزق والخلق والخلق. ليبلوكم فيما اتاكم. فتفاوتت اعمالكم. ان ربك سريع العقاب لمن عصاه وكذب باياته. وانه لغفور رحيم لمن امن به وعمل صالحا. وتاب من الموبقات