الا ذو حظ عظيم فمن قام بحسن الخلق مع الله ومع الخلق فقد نال الخير والفلاح والله اعلم المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الحديث السبعون عن ابي ذر الغفاري رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يا ابا ذر لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسبك حسن الخلق رواه البيهقي في شعب الايمان قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث اشتمل على ثلاث جمل كل واحدة منها تحتها علم عظيم اما الجملة الاولى فهي في بيان العقل واثاره وعلاماته وان العقل الممدوح في الكتاب والسنة هو قوة ونعمة انعم الله بها على العبد يعقل بها الاشياء النافعة والعلوم والمعارف ويتعقل بها ويمتنع من الامور الضارة والقبيحة فهو ضروري للانسان لا يستغني عنه في كل احواله الدينية والدنيوية اذ به يعرف النافع والطريق اليه ويعرف الضار وكيفية السلامة منه والعقل يعرف باثاره فبين صلى الله عليه وعلى اله وسلم في هذا الحديث اثاره الطيبة فقال لا عقل كالتدبير اي تدبير العبد لامور دينه ولامور دنياه فتدبيره لامور دينه ان يسعى في تعرف الصراط المستقيم وما كان عليه النبي الكريم من الاخلاق والهدي والسمت ثم يسعى في سلوكه بحالة منتظمة كما قال صلى الله عليه وعلى اله وسلم استعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغ وقد تقدم شرح هذا الحديث وبيان الطريق الذي ارشد اليه رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم وانها طريق سهلة توصل الى الله والى دار كرامته بسهولة وراحة وانها لا تفوت على العبد من راحاته واموره الدنيوية شيئا بل يتمكن العبد معها من تحصيل المصلحتين والفوز بالسعادتين والحياة الطيبة فمتى دبر احواله الدينية بهذا الميزان الشرعي فقد كمل دينه وعقله لان المطلوب من العقل ان يوصل صاحبه الى العواقب الحميدة من اقرب طريق وايسره واما تدبير المعاش فان العاقل يسعى في طلب الرزق بما يتضح له انه انفع له واجدى عليه في حصول مقصوده ولا يتخبط في الاسباب خبط عشواء لا يقر له قرار بل اذا رأى سببا فتح له باب رزق فليلزمه وليثابر عليه وليجمل في الطلب ففي هذا بركة مجربة ثم يدبر تدبيرا اخر وهو التدبير في التصريف والانفاق فلا ينفق في طرق محرمة او طرق غير نافعة او يسرف في النفقات المباحة او يقتر وميزان ذلك قوله تعالى في مدح الاخيار والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان اين ذلك قواما فحسن التدبير في كسب الارزاق وحسن التدبير في الانفاق والتصريف والحفظ وثوابع ذلك دليل على كمال عقل الانسان ورزانته ورشده وضد ذلك دليل على نقصان عقله وانحراف لبه الجملة الثانية قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لا ورعك الكف فهذا حد جامع للورع بين به صلى الله عليه وعلى آله وسلم ان الورع الحقيقي هو الذي يكف نفسه وقلبه ولسانه وجميع جوارحه عن الامور المحرمة الضارة فكل ما قاله اهل العلم في تفسير الورع فانه يرجع الى هذا التفسير الواضح الجامع فمن حفظ قلبه عن الشكوك والشبهات وعن الشهوات المحرمة والغل والحقد وعن سائر مساوئ الاخلاق وحفظ لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب والشتم وعن كل اثم واذى وكل كلام محرم وحفظ فرجه وبصره عن الحرام وحفظ بطنه عن اكل الحرام وجوارحه عن كسب الاثام فهذا هو الورع حقيقة ومن ضيع شيئا من ذلك نقص من ورعه بقدر ذلك ولهذا قال شيخ الاسلام الورع ترك ما يخشى ضرره في الاخرة الجملة الثالثة قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ولا حسبك حسن الخلق وذلك ان الحسب مرتبة عالية عند الخلق وصاحب الحسب له اعتبار بحسب ذلك وهو نوعان النوع الاول حسب يتعلق بنسب الانسان وشرف بيته وهذا النوع انما هو مدح لانه مظنة ان يكون صاحبه عاملا بمقتضى حسبه مترفعا عن الدنايا متحليا بالمكارم فهو مقصود لغيره واما النوع الثاني فهو الحسب الحقيقي الذي هو وصف للعبد وجمال له وزينة وخير في الدنيا والدين وهو حسن الخلق المحتوي على الحلم الواسع والصبر والعفو وبذل المعروف والاحسان واحتمال الاساءة والاذى ومخالقة طبقات الناس بخلق حسن وان شئت فقل حسن الخلق نوعان الاول حسن الخلق مع الله وهو ان تتلقى احكامه الشرعية والقدرية بالرضا والتسليم لحكمه والانقياد لشرعه بطمأنينة ورضا وشكر لله على ما انعم به من الامر والتوفيق والصبر على اقداره المؤلمة والرضا بها الثاني حسن الخلق مع الخلق وهو بذل الندى واحتمال الاذى وكف الاذى كما قال تعالى خذ العفو وامر بالعروف واعرض عن الجاهلين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها