لهم الحق فاتبعوه. ثم توعدهم فرعون بقوله فسوف تعلمون ما احل بكم من العقوبة لاصلبنكم لاقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف. زعم الخبيث انهم مفسدون في الارض. وسيصنع بهم ما يصنع وقالوا مبينين لموسى انهم لا يزالون ولا يزولون عن باطلهم مهما تأتينا به من اية لتسحرنا بها. فما نحن لك بمؤمنين. اي تقرر عندنا انك ساحر. فمهما جئت باية جزمنا انها سحر فلا نقصن عليهم اي على الخلق كلهم ما عملوا بعلم منه تعالى لاعمالهم. وما كنا في وقت من الاوقات كما قال الله تعالى احصاه الله ونسوه. وقال الله تعالى ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم كتاب انزل اليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر وذكران المؤمنين. يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم. مبينا له عظمة القرآن كتاب انزل اليك اي كتاب جليل حوى كل ما يحتاج اليه العباد. وجميع المطالب الالهية والمقاصد الشرعية. محكما مفصلا فلا يكن في صدرك حرج منه اي ضيق وشك واشتباه، بل لتعلم انه تنزيل من حكيم حميد. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وانه اصدق الكلام فلينشرح له صدرك. ولتطمئن به نفسك. ولتصدع باوامره ونواهيه ولا تخشى نائما ومعارضا لتنذر به الخلق فتعظهم وتذكرهم. فتقوم الحجة على المعاندين. وليكون ذكرى للمؤمنين كما قال الله تعالى وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين. يتذكرون به الصراط المستقيم واعماله الظاهرة والباطنة. وما يحول بين العبد وبين سلوكه ثم خاطب الله العباد والفتهم الى الكتاب فقال ثم لا تتبعوا من دونه اولياء. قليلا ما تذكرون اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم. اي الكتاب الذي اريد انزاله لاجلكم. وهو من ربكم الذي يريد ان يتم تربيته لكم. فانزل عليكم هذا الكتاب الذي ان اتبعتموه كمل تربيتكم. وتمت عليكم النعمة وهديتم لاحسن الاعمال والاخلاق ومعاليها. ولا من دونه اولياء. اي تتولونهم وتتبعون اهواءهم. وتتركون لاجلها الحق. قليلا ما تذكرون. فلو تذكرتم وعرفتم المصلحة لما اثرتم الضار على النافع والعدو على الولي. ثم حذرهم عقوباته للامم الذين كذبوا ما جاءتهم به رسلهم. لان لا فقال وكم من قرية اهلكناها فجاءها بأسنا اي عذابنا الشديد بياتا او هم قائلون اي في حين غفلتهم وعلى غرتهم غافلون لم يخطر الهلاك على قلوبهم. فحين جاءهم العذاب لم يدفعوه عن انفسهم. ولا اغنت عنهم الهتهم التي كانوا يرجونهم. ولا انكروا ما كانوا يفعلونه من الظلم والمعاصي كما قال الله تعالى وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وانشأنا بعدها قوما اخرين فلما احسوا بأسنا اذا هم منها يركضون لا تركموا وارجعوا الى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون. قالوا يا ويلنا انا كنا ظالمين. فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين. وقوله فلنسألن الذين ارسل اليهم اي لنسألن الامم الذين ارسل الله اليهم المرسلين عما اجابوا به رسلهم ويوم يناديهم فيقول ماذا اجبتم المرسلين؟ ولنسألن المرسلين عن تبليغهم لرسالات ربهم. وعما اجابتهم به اممهم عن الخلق غافلين. ثم ذكر الجزاء على الاعمال فقال هم المفلحون. اي والوزن يوم القيامة يكون العدل والقسط الذي لا جور فيه ولا ظلم بوجه. فمن ثقلت موازينه بان رجحت كفة حسناته على سيئاته. فاولئك هم المفلحون اي الناجون من المكروه المدركون للمحبوب الذي حصل لهم الربح العظيم. والسعادة الدائمة الذين خسروا انفسهم فاولئك الذين ومن خفت موازينه بان رجحت سيئاته وصار الحكم لها. فاولئك الذين خسروا انفسهم اذ فاتهم النعيم المقيم. وحصل لهم العذاب الاليم اليم بما كانوا باياتنا يظلمون. فلم ينقادوا لها كما يجب عليهم ذلك وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون. يقول تعالى ممتنا على عباده بذكر المسكن والمعيشة. ولقد مكناكم في الارض اي هيئناها لكم. بحيث تتمكنون من البناء عليها وحرثها. ووجود الانتفاع بها وجعلنا لكم فيها معايش مما يخرج من الاشجار والنبات ومعادن الارض وانواع الصناعات والتجارات فانه هو الذي الذي هيأها وسخر اسبابها قليلا ما تشكرون الله الذي انعم عليكم باصناف النعم وصرف عنكم النقم يقول تعالى مخاطبا لبني ادم ولقد خلقناكم بخلق اصلكم ومادتكم التي منها خرجتم ابيكم ادم عليه السلام. ثم صورناكم في احسن صورة واحسن تقويم. وعلمه الله تعالى ما به تكمن صورته الباطنة. اسماء كل شيء ثم امر الملائكة الكرام ان يسجدوا لادم اكراما واحتراما واظهارا لفضله فامتثلوا امر ربهم فسجدوا كلهم اجمعين اسمعون الا ابليس ابى ان يسجد له تكبرا عليه واعجابا بنفسه فوبخه الله على ذلك وقال ما منعك الا تسجد لما خلقت بيدي. اي شرفته وفضلته بهذه الفضيلة. التي لم تكن لغيره فعصيت امري وتهاونت بي قال ابليس معارضا لربه انا خير منه ثم برهن على هذه الدعوة الباطلة بقوله خلقتني من نار وخلقته من طين موجب هذا ان المخلوق من نار افضل من المخلوق من طين. لعلو النار على الطين وصعودها. وهذا القياس من افسد الاقيسة. فانه باطل من عدة اوجه منها انه في مقابلة امر الله له بالسجود. والقياس اذا عارض النص فانه قياس باطل. لان المقصود بالقياس ان يكون الحكم الذي لم يأتي فيه نص يقارب الامور المنصوص عليها ويكون تابعا لها. فاما قياس يعارضها ويلزم من اعتباره الغاء النصوص فهذا القياس من اشناع الاقيسة. ومنها ان قوله انا خير منه بمجردها كافية لنقص ابليس الخبيث فانه برهن على نقصه باعجابه بنفسه وتكبره. والقول على الله بلا علم واي نقص اعظم من هذا؟ ومنها انه كذب في تفضيل مادة النار على مادة الطين والتراب. فان مادة الطين فيها الخشوع والسكون والرزانة. ومنها تظهر بركات الارض من الاشجار وانواع النبات. على اختلاف اجناسه وانواعه. واما النار ففيها الخفة والطيش والاحراق. ولهذا لما جرى من ابليس ما جرى انحط من مرتبته العالية الى اسفل السافلين. فقال الله له فاهبط منها اي من الجنة. فما يكون لك ان تتكبر فيها. لانها دار الطيبين الطاهرين. فلا تليق باخبث خلق الله واشرهم. فاخرج انك من الصاغرين. اي المهانين الاذلين. جزاء على كبره بالاهانة والذل فلما اعلن عدو الله بعداوة الله وعداوة ادم وذريته سأل الله النظرة والامهال الى كيوم البعث ليتمكن من اغواء ما يقدر عليه من بني ادم. ولما كانت حكمة الله مقتضية لابتلاء العباد واختبارهم. ليتبين الصادق من كاذب ومن يطيعه ممن يطيع عدوه. اجابه لما سأل. فقال انك من المنظرين اي قال ابليس لما ابليس وايس من رحمة الله فبما غويتني لاقعدن لهم اي للخلق صراطك المستقيم. اي لالزمنا الصراط ولاسعى غاية جهدي على صد الناس عنه. وعدم سلوكهم ولا تجد اكثرهم شاكرين. ثم لاتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم اي من جميع الجهات والجوانب. ومن كل طريق يتمكن فيه من ادراك بعض مقصوده فيهم ولما علم الخبيث انهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم. وكان جازما ببذل مجهوده على اغوائهم. ظن وصدق ظنه. فقال ولا تجد اكثرهم شاكرين. فان القيام بالشكر من سلوك الصراط المستقيم. وهو يريد صدهم عنه وعدم قيامهم به. قال الله تعالى انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. وانما نبهنا الله على ما قال وعزم على فعله. لنأخذ منه حذرنا ونستعد لعدونا نحترز منه بعلمنا بالطرق التي يأتي منها ومداخله التي ينفذ منها فله تعالى علينا بذلك اكمل نعمة منها مدعوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملأن جهنم منكم اجمعين اي قال الله لابليس لما قال ما قال اخرج منها خروج صغار واحتقار. لا خروج اكرام بل مذئوما اي مذموما مدحورا مبعدا عن الله وعن رحمته وعن كل خير. لاملأن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين. وهذا قسم منه تعالى الا ان النار دار العصاة لابد ان يملأها من ابليس واتباعه من الجن والانس. ثم حذر ادم شره وفتنته فقال فكنا من حيث شئتما ولا تقربا اي امر الله تعالى ادم وزوجته حواء التي انعم الله بها عليه ليسكن اليها ان يأكلا من الجنة حيث شاء ويتمتعا فيها بما اراد الا انه عين لهما شجرة ونهاهما عن اكلها. والله اعلم ما هي وليس في تعيينها فائدة لنا وحرم عليهما اكلها بدليل قوله فتكون من الظالمين. فلم يزال ممتثلين لامر الله حتى تغلغل اليهما عدوهما ابليس بمكره. فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوء فوسوس لهما وسوسة خدعهما بها ونوه عليهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين. اي من جنس الملائكة او تكون من الخالدين. كما قال في الاية الاخرى هل ادلك على شجرة الخلد لا يبلى ومع قوله هذا اقسم لهما بالله. وقاسمهما اني لك ما اني لكما لمن الناصحين. اي من جملة الناصحين. حيث قلت لكما ما قلت فاغترا بذلك وغلبت الشهوة في تلك الحال على العقل وطفقا يخسفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما الم فدلاهما اي نزلهما عن رتبتهما العالية. التي هي البعد عن الذنوب والمعاصي. الى التلوث باودارها فاقدم على اكلها فلما ذاق الشجرة بدت لهما سوءاتهما. اي ظهرت عورة كل منهما بعدما كانت مستورة. فصار العري الباطن من التقوى في هذه الحال اثر في اللباس الظاهر حتى انخلع فظهرت عوراتهما. ولما ظهرت عوراتهما خجلا وجعلا يخصفان على عوراتهما من شجر الجنة ليستتر بذلك. وناداهما ربهما وهما بتلك الحال. موبخا ومعاتبا. الم انهكما عن تلكما الشجرة اقول لكما ان الشيطان لكما عدو مبين. فلما اقترفتما المنهي واطعتما عدوكما؟ فحينئذ من الله عليهما بالتوبة وقبولهم فاعترف بالذنب وسأل من الله مغفرته فقال وان لم تغفر لنا ترحمنا لنكونن من الخاسرين. قال ربنا ظلمن انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا ترحمنا لنكونن من الخاسرين خاسرين. اي قد فعلنا الذنب الذي نهيتنا عنه وضرينا انفسنا باقتراف الذنب. وقد فعلنا سبب الخسائر ان لم تغفر لنا بمحو اثر الذنب وعقوبته. وترحمنا بقبول التوبة والمعافاة من امثال هذه الخطايا. فغفر الله لهما ذلك وعصى ادم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى. هذا وابليس مستمر على طغيانه. غير مقلع من عصيانه. فمن اشبه ادم بالاعتراف وسؤال المغفرة والندم والاقلاع. اذا صدرت منه الذنوب اجتباه الله وهداه. ومن اشبه ابليس اذا صدر منه الذنب لا يزال يزداد من المعاصي فانه لا يزداد من الله الا بعدا في الارض مستقر ومتاع الى حين. قال فيها تحيون وفيها اتموت وفيها تموتون ومنها تخرجون اي لما اهبط الله ادم وزوجته وذريتهما الى الارض. اخبرهما بحال اقامتهم فيها. وانه جعل لهم فيها حياة يتلوها الموت مشحونة بالامتحان والابتلاء وانهم لا يزالون فيها يرسل اليهم رسلا وينزل عليهم كتبا حتى يأتيهم الموت يدفنون فيها ثم اذا استكملوا بعثهم الله واخرجهم منها الى الدار التي هي الدار حقيقة. التي هي دار مقامة فقد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من ايات الله لعلهم يذكرون ثم امتن عليهم بما يسر لهم من اللباس الضروري واللباس الذي المقصود منه الجمال. وهكذا سائر الاشياء كالطعام والشراب والمراكب والمناكح ونحوها. قد يسر الله للعباد ومكمل ذلك. وبين لهم ان هذا ليس مقصودا بالذات. وانما انزله الله ليكون معونة لهم على عبادته وطاعته. ولهذا قال ولباس التقوى ذلك خير من اللباس الحسي. فان لباس التقوى يستمر مع العبد ولا يبلى ولا يبيد. وهو جمال القلب والروح. واما لباس ظاهري فغايته ان يستر العورة الظاهرة في وقت من الاوقات. او يكون جمالا للانسان وليس وراء ذلك منه نفع. وايضا فبتقدير عدم في هذا اللباس تنكشف عورته الظاهرة التي لا يضره كشفها مع الضرورة. واما بتقدير عدم لباس التقوى فانها تنكشف عورته الباطنة ويناله الخزي والفضيحة. وقوله ذلك من ايات الله لعلهم يذكرون. اي ذلك المذكور لكم من اللباس. مما تذكرون بهما ويضركم وتشبهون باللباس الظاهر على الباطن ينزع عنهما لباسهما ليريهما الذين لا يؤمنون يقول تعالى محذرا لبني ادم ان يفعل بهم الشيطان كما فعل بابيهم. يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان بان يزين لكم العصيان ويدعوكم اليه ويرغبكم فيه فتنقادون له. كما اخرج ابويكم من الجنة وانزلهما من المحل العالي الى انزل منه. فانتم بعض جزاء اعمالهم والا فلو اخذهم بجميع ما كسبوا ما ترك عليها من دابة ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون افأمن اهل القرى ان ان يفعل بكم كذلك ولا يألو جهده عنكم حتى يفتنكم ان استطاع فعليكم ان تجعلوا الحذر منه في بالكم وان تلبسوا لأمة الحرب بينكم وبينه والا تغفلوا عن المواضع التي يدخل منها اليكم. فانه يراقبكم على الدوام ويراكم هو وقبيله من شياطين الجن من حيث لا ترونهم انا جعلنا الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون. فعدم الايمان هو الموجب لعقد الولاية بين الانسان والشيطان انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها اباءنا والله امرنا بها ان الله لا يأمر بالفحشاء. اتقولون على الله ما لا تعلمون. يقول يقول تعالى مبينا لقبح حال المشركين الذين يفعلون الذنوب وينسبون ان الله امرهم بها. واذا فعلوا فاحشة وهي كل ما يستفحش ويستقبل ومن ذلك الطواف هم بالبيت عراة. قالوا وجدنا عليها اباءنا وصدقوا في هذا. والله امرنا بها وكذبوا في هذا. ولهذا اذا رد الله عليهم هذه النسبة فقال قل ان الله لا يأمر بالفحشاء اي لا يليق بكماله وحكمته ان يأمر عبادهم بتعاطي الفواحش. لا هذا الذي يفعله المشركون ولا غيره. اتقولون على الله ما لا تعلمون؟ واي افتراء اعظم من هذا؟ ثم ذكر ما يأمر به فقال قل امر ربي بالقسط واقيموا وجوهكم عند كل مسجد. وادعوه مخلصين له الدين انك ما بدأكم تعودون. قل امر ربي بالقسط اي بالعدل في العبادات والمعاملات. لا بالظلم والجور. واقيموا وجوهكم عند كل مسجد اي توجهوا لله واجتهدوا في تكميل العبادات خصوصا الصلاة. اقيموها ظاهرا وباطنا. ونقوها من كل نقص ومفسد وادعوه مخلصين له الدين. اي قاصدين بذلك وجهه وحده لا شريك له. والدعاء يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة. اي لا ترى ولا تقصدوا من الاغراض في دعائكم سوى عبودية الله ورضاه. كما بدأكم اول مرة تعودون للبعث. فالقادر على بدء خلقكم قادر على اعادته بل الاعادة اهون من البداءة الشياطين اولياء من دون الله ويحسبون انهم مهتدون. فريقا من هم هدى الله اي وفقهم للهداية ويسر لهم اسبابها وصرف عنهم موانعها. وفريقا حق عليهم الضلالة اي وجبت عليهم الضلالة بما تسببوا لانفسهم وعملوا باسباب الغواية. فانهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله. ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله كيف قد خسر خسرانا مبينا؟ فحين انسلخوا من ولاية الرحمن واستحبوا ولاية الشيطان. حصل لهم النصيب الوافر من الخذلان. ووكلوا الى انفسهم فخسروا اشد الخسران وهم يحسبون انهم مهتدون. لانهم انقلبت عليهم الحقائق. فظنوا الباطل حقا والحق باطلا. وفي هذه الايات دليل على ان الاوامر والنواهي تابعة للحكمة والمصلحة. حيث ذكر تعالى انه لا يتصور ان يأمر بما تستفحشه وتنكره العقول وانه لا يأمر الا بالعدل والاخلاص. وفيه دليل على ان الهداية بفضل الله ومنه. وان الضلالة بخذلانه للعبد. اذا تولى الشيطان وظلمه وتسبب لنفسه بالضلال. وان من حسب انه مهتد وهو ضال انه لا عذر له. لانه متمكن من الهدى وانما حسبانه من ظلمه بترك الطريق الموصل الى الهدى يقول تعالى بعد ما انزل على بني ادم لباسا وريشا. يا بني ادم خذوا زينتكم عند كل مسجد. اي استروا عوراتكم عند الصلاة كلها. فارضها ونفلها. فان سترها حزينة للبدن. كما ان كشفها يدع البدن قبيحا مشوها. ويحتمل ان المراد بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن. ففي هذا الامر بستر العورة في الصلاة وباستعمال التجمل فيها. ونظافة السترة من الادناس والانجاس. ثم قال وكلوا واشربوا. اي ارزقكم الله من الطيبات ولا تسرفوا في ذلك. والاسراف اما ان يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات التي يضر بالجسم. واما ان يكون بزيادة الترفه والتنوق في المآكل والمشارب واللباس. واما بتجاوز الحلال الى الحرام. انه لا يحب المسرفين. فان السرف يبغضه الله ويضر بدن الانسان ومعيشته. حتى انه ربما ادت به الحال الى ان يعجز عما يجب عليه من النفقات. ففي هذه الاية الكريمة الامر بتناول الاكل والشرب والنهي عن تركهما وعن الاسراف فيهما يقول تعالى منكرا على من تعنت وحرم ما احل الله من الطيبات قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده من انواع اللباس على اختلاف اصنافه والطيبات من الرزق من مأكل ومشرب بجميع انواعه اي من هذا الذي يقدم على تحريم ما انعم الله بها على العباد. ومن ذا الذي يضيق عليهم ما وسعه الله. وهذا التوسيع من الله لعباده بالطيبات جعله لهم ليستعينوا به على عبادته. فلم يبحوا الا لعباده المؤمنين. ولهذا قال قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة. اي لا تبعت عليهم فيها. ومفهوم الاية ان من لم يؤمن بالله بل استعان بها على معاصيه. فانها غير خالصة له ولا مباحة. بل يعاقب عليها وعلى التنعم بها. ويسأل عن النعيم يوم القيامة. كذلك نفصل الايات اي نوضحها لقوم يعلمون. لانهم الذين ينتفعون بما فصله الله من الايات. ويعلمون انها من عند الله. فيعقلونها ويفهمونها ثم ذكر المحرمات التي حرمها الله في كل شريعة من الشرائع فقال منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق قل انما حرم ربي الفواحش اي الذنوب الكبار التي تستفحش وتستقبح لشناعتها وقبحها وذلك كالزنا واللواط ونحوهما. وقوله ما ظهر منها وما بطن. اي الفواحش التي تتعلق بحركات البدن والتي تتعلق بحركات القلوب كالكبر والعجب والرياء والنفاق ونحو ذلك. والاثم والبغي بغير الحق اي الذنوب التي تؤثم وتوجب العقوبة في حقوق الله. والبغي على الناس في دمائهم واموالهم واعراضهم. فدخل في هذا الذنوب المتعلقة بحق والمتعلقة بحق العباد. وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا. اي حجة. بل انزل الحجة والبرهان على التوحيد. والشرك وان يشرك مع الله في عبادته احد من الخلق. وربما دخل في هذا الشرك الاصغر كالرياء والحلف بغير الله ونحو ذلك. وان تقولوا على الله ما لا تعلمون في اسمائه وصفاته وافعاله وشرعه. فكل هذه قد حرمها الله ونهى العباد عن تعاطيها. لما فيها من المفاسد الخاصة والعامة ولما فيها من الظلم والتجري على الله والاستطالة على عباد الله وتغيير دين الله وشرعه اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون اي وقد اخرج الله بني ادم الى الارض. واسكنهم فيها وجعل لهم اجلا مسمى لا تتقدم امة من الامم على وقتها المسمى ولا تتأخر لا الامم المجتمعة ولا افرادها لما اخرج الله بني ادم من الجنة ابتلاهم بارسال الرسل وانزال الكتب عليهم يقصون عليهم ايات الله. ويبينون لهم احكامه. ثم ذكر فضله فمن استجاب لهم وخسارة من لم يستجب لهم فقال فمن اتقى ما حرم الله من الشرك والكبائر والصغائر واصلح اعماله الظاهرة الباطنة فلا خوف عليهم من الشر الذي قد يخافه غيرهم. ولا هم يحزنون على ما مضى. واذا انتفى الخوف والحزن حصل الامن التام السعادة والفلاح الابدي نارهم فيها خالدون. والذين كذبوا باياتنا واستكبروا عنها. اي لامنت بها قلوبهم ولا انقادت جوارحهم اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. كما استهانوا باياته ولازموا التكذيب بها. اهينوا بالعذاب الدائم الملازم فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب باياته حتى اذا هم قالوا اينما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا اي لا احد اظلم ممن افترى على الله كذبا نسبة الشريك له او النقص له او التقول عليه ما لم يقل او كذب باياته الواضحة المبينة للحق المبين. الهادية الى الصراط المستقيم فهؤلاء وان تمتعوا بالدنيا ونالهم نصيبهم مما كان مكتوبا لهم في اللوح المحفوظ. فليس ذلك بمغن عنهم شيئا. يتمتعون قليلا ثم يعذبون طويلا حتى اذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم اي الملائكة الموكلون بقبض ارواحهم واستيفاء اجالهم قال لهم في تلك الحالة توبيخا وعتابا. اينما كنتم تدعون من دون الله من الاصنام والاوثان. فقد جاء وقت الحاجة ان كان فيها منفعة لكم او دفع مضرة قالوا ضلوا عنا اي اضمحلوا وبطلوا وليسوا مغنيين عنا من عذاب الله من شيء. وشهدوا على انفسهم انهم كانوا وكافرين مستحقين للعذاب المهين الدائم. فقالت لهم الملائكة كلما دخلته اختها حتى اذا اداركوا فيها جميعا قالت اخرى قالت اخراهم لاولئك هؤلاء يظلون فاتهم عذابا. فاتهم عذابا قال لكل ضعف ولكن ادخلوا في امم اي في جملة امم قد خلت من قبلكم من الجن والانس اي مضوا على مضيتم عليه من الكفر والاستكبار فاستحق الجميع الخزي والبوار كلما دخلت امة من الامم العاتية النار لعنت اختها كما قال تعالى ويوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا. حتى اذا اداركوا فيها جميعا اي اجتمع في النار جميع اهلها من الاولين والاخرين والقادة والرؤساء والمقلدين الاتباع. قالت اخراهم اي متأخروهم المتبعون للرؤساء لاولاهم اي لرؤسائهم شاكين الى الله اضلالهم اياهم. ربنا هؤلاء اضلونا فاتهم عذابا ضعفا من النار. اي عذبهم عذاب مضاعفا لانهم اضلونا وزينوا لنا الاعمال الخبيثة علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون وقالت اولاهم لاخراهم اي رؤساء قالوا لاتباعهم فما كان لكم علينا من فضل. اي قد اشتركنا جميعا في الغي والضلال وفي فعل اسباب بالعذاب فاي فضل لكم علينا؟ قال الله لكل منكم ضعف ونصيب من العذاب. فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون. ولكنه من من المعلوم ان عذاب الرؤساء وائمة الضلال ابلغوا واشنع من عذاب الاتباع. كما ان نعيم ائمة الهدى ورؤسائه اعظم من ثواب الاتباع قال تعالى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون. فهذه الايات ونحوها دلت على ان سائر انواع المكذبين بايات الله. مخلدون في العذاب. مشتركون فيه وفي اصله. وان كانوا متفاوتين في مقداره بحسب اعمالهم وعنادهم وظلمهم وافترائهم. وان مودتهم التي كانت بينهم في الدنيا تنقلب يوم القيامة عداوة وملاعنا باياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يخبر تعالى عن عقاب من كذب باياته فلم يؤمن بها. مع انها ايات بينات واستكبر عنها فلم ينقد لاحكامها بل كذب وتولى انهم ايسون من كل خير فلا تفتح ابواب السماء لارواحهم اذا ماتوا وصعدت تريد العروج الى الله تأذن فلا يؤذن لها كما لم تصعد في الدنيا الى الايمان بالله ومعرفته ومحبته. كذلك لا تصعد بعد الموت فان الجزاء من جنس العمل قوم الاية ان ارواح المؤمنين المنقادين لامر الله المصدقين باياته تفتح لها ابواب السماء حتى تعرج الى الله. وتصل الى حيث اراد الله من العالم العلوي وتبتهج بالقرب من ربها والحظوة برضوانه. وقوله عن اهل النار ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل وهو البعير المعروف في سم الخياط اي حتى يدخل البعير الذي هو من اكبر الحيوانات جسما في خرق الابرة. الذي هو من اضيق الاشياء وهذا من باب الشيء بالمحال اي فكما انه محال دخول الجمل في سم الخياط. فكذلك المكذبون بايات الله محال دخولهم الجنة. قال الله الله تعالى انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة. ومأواه النار. وقال هنا وكذلك نجزي المجرمين. اي الذين واجرامهم واشتد طغيانهم وكذلك نجزي الظالمين. لهم من جهنم مهاد اي فراش من تحتهم. ومن فوقهم غواش اي ظلل من العذاب تغشاهم وكذلك نجزي الظالمين لانفسهم. جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد اولئك اصحاب لما ذكر الله تعالى عقاب العاصين الظالمين ذكر ثواب المطيعين فقال والذين امنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم فجمعوا بين الايمان والعمل بين الاعمال الظاهرة والاعمال الباطنة بين بالواجبات وترك المحرمات. ولما كان قوله وعملوا الصالحات لفظا عاما يشمل جميع الصالحات الواجبة والمستحبة. وقد يكون بعضها غير مقدور للعبد. قال تعالى لا نكلف نفسا الا وسعها. اي بمقدار ما تسعه طاقتها. ولا يعسر على قدرتها. فعليك في هذه الحال ان تتقي الله بحسب استطاعتها. واذا عجزت عن بعض الواجبات التي يقدر عليها غيرها سقطت عنها. كما قال الله تعالى قال لا يكلف الله نفسا الا وسعها. لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها. ما جعل عليكم في الدين من حرج. فاتقوا الله ما استطعتم فلا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة. اولئك اي المتصفون بالايمان والعمل الصالح. اصحاب الجنة هم فيها خالدون اي لا يحولون عنها ولا يبغون بها بدلا. لانهم يرون فيها من انواع اللذات واصناف المشتهيات ما تقف عنده الغايات. ولا يطلب اعلى منه ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الانهار. وقال قالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي. وما كنا لنهتدي الذي لولا ان هدانا الله. لقد جاءت رسل ربنا بالحق. ونود تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون. ونزعنا ما في صدورهم كره من غل وهذا من كرمه واحسانه على اهل الجنة ان الغل الذي كان موجودا في قلوبهم والتنافس الذي بينهم ان الله يقلعه تنزيله حتى يكونوا اخوانا متحابين. واخلاء متصافين. قال تعالى ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرور متقربة قابلين ويخلق الله لهم من الكرامة ما به يحصل لكل واحد منهما الغبطة والسرور. ويرى انه لا فوق ما هو فيه من النعيم نعيم. فبهذا قانون من التحاسد والتباغض لانه قد فقدت اسبابه. وقوله تجري من تحتهم الانهار. اي يفجرونها تفجيرا. حيث جاءوا واين ارادوا ان شاءوا في خلال القصور او في تلك الغرف العاليات او في رياض الجنات من تحت تلك الحدائق الزاهرات انهار تجري في بغير اخدود وخيرات ليس لها حد محدود. ولهذا لما رأوا ما انعم الله عليهم واكرمهم به. قالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا بان من علينا واوحى الى قلوبنا فامنت به. وانقادت للاعمال الموصلة الى هذه الدار. وحفظ الله علينا ايماننا واعمالنا. حتى وصلنا بها الى هذه الدار فنعم الرب الكريم الذي ابتدأنا بالنعم واسدى من النعم الظاهرة والباطنة ما لا يحصيه المحصون ولا يعد هم العادون وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله. اي ليس في نفوسنا قابلية للهدى. لولا انه تعالى من بهدايته واتباع رسله لقد جاءت رسل ربنا بالحق اي حين كانوا يتمتعون بالنعيم الذي اخبرت به الرسل. وصار حق يقين لهم بعد ان كان علم يقين لهم قالوا لقد تحققنا ورأينا ما وعدتنا به الرسل. وان جميع ما جاءوا به حق اليقين. لا مرية فيه ولا اشكال. ونودوا تهنئة لهم واكراما وتحية واحتراما. ان تلكم الجنة اورثتموها. اي كنتم الوارثين لها. وصارت اقطاعا لكم كان اقطاع الكفار النار اورثتموها بما كنتم تعملون. قال بعض السلف اهل الجنة نجوا من النار بعفو الله وادخلوا الجنة رحمة الله واقتسموا المنازل وورثوها بالاعمال الصالحة. وهي من رحمته. بل من اعلى انواع رحمته ربنا حقا. فهل وجدتم فاذن مؤذن بينهم اللعنة الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا يقول تعالى لما ذكر استقرار كل من الفريقين في الدارين ووجدوا ما اخبرت به الرسل ونطقت به الكتب من الثواب والعقاب ان اهل الجنة نادوا اصحاب النار بان قالوا ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا حين وعدنا على الايمان والصالح الجنة فادخلناها وارانا ما وصفه لنا. فهل وجدتم ما وعد ربكم على الكفر والمعاصي حقا قالوا نعم قد وجدناه حقا. فتبين للخلق كلهم بيانا لا شك فيه. صدق وعد الله. ومن اصدق من الله قيلا. وذهب عنهم الشكوك والشبه وصار الامر حق اليقين. وفرح المؤمنون بوعد الله واغتبطوا. وايس الكفار من الخير واقروا على انفسهم انهم مستحقون للعذاب. فاذن مؤذن بينهم اي بين اهل النار واهل الجنة. بان قال اللعنة الله اي بعده واقصاؤه عن كل خير على الظالمين. اذ فتح الله لهم ابواب رحمته. فصدفوا انفسهم عنها ظلما. وصدوا عن سبيل الله بانفسهم. وصدوا غيرهم فضلوا واضلوا. والله تعالى يريد ان تكون مستقيمة. ويعتدل سير السالكين اليه. وهؤلاء يريدونها عوجا منحرفة صادة عن سواء السبيل وهم بالاخرة كافرون. وهذا الذي اوجب لهم الانحراف عن الصراط. والاقبال على شهوات النفس المحرمة. عدم ايمانهم بالبعث وعدم خوفهم من العقاب ورجائهم للثواب. ومفهوم هذا النداء ان رحمة الله على المؤمنين وبره شامل لهم. واحسانه متواتر اليهم وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيما اي وبين اصحاب الجنة واصحاب النار حجاب يقال له الاعراف لا من الجنة ولا من النار يشرف على الدارين وينظر من عليه حال الفريقين. وعلى هذا الحجاب رجال يعرفون كلا من اهل الجنة والنار بسيماهم. اي علاماتهم التي بها يعرفون هنا ويميزون فاذا نظروا الى اهل الجنة نادوهم ان سلام عليكم ان يحيونهم ويسلمون عليهم وهم الى الان لم يدخلوا ولكنهم يطمعون في دخولها ولم يجعل الله الطمع في قلوبهم الا لما يريد بهم من كرامته اصحاب النار قالوا ربنا قالوا ربنا فلا تجعلنا مع القوم الظالمين. ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار. ورأوا منظرا شنيعا وهولا فظيعا قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. فاهل الجنة اذا رآهم اهل الاعراف يطمعون ان يكونوا معهم في الجنة. ويحيونهم ويسلمون عليهم وعند انصراف ابصارهم بغير اختيارهم لاهل النار. يستجيرون بالله من حالهم هذا على وجه العموم. ثم ذكر الخصوص بعد العموم فقط قال ما اغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون. ونادى اصحاب الاعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم وهم من اهل النار. وقد كانوا في الدنيا لهم ابهة وشرف واموال واولاد. فقال لهم اصحاب الاعراف حين منفردين في العذاب بلا ناصر ولا مغيث. ما اغنى عنكم جمعكم في الدنيا الذي تستدفعون به المكاره. وتتوسلون به الى مطالبكم في فاليوم اضمحل ولا اغنى عنكم شيئا وكذلك اي شيء نفعكم استكباركم على الحق وعلى من جاء به وعلى من اتبعه ثم اشاروا لهم الى اناس من اهل الجنة كانوا في الدنيا فقراء ضعفاء يستهزئ بهم اهل النار. فقالوا لاهل النار حين اقسمتم لا ينالهم الله برحمة. ادخلوا الجنة لا خوف عليكم اهؤلاء الذين اقسمتم لا ينامون سألهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون اهؤلاء الذين ادخلهم الله الجنة الذين اقسمتم لا ينالهم الله برحمة احتقارا لهم وازدراء واعجاب لانفسكم قد حنفتم في ايمانكم وبدا لكم من الله ما لم يكن لكم في حساب. ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون. اي قيل لهؤلاء ضعفاء اكراما واحتراما. ادخلوا الجنة باعمالكم الصالحة. لا خوف عليكم فيما يستقبل من المكاره. ولا انتم تحزنون على ما مضى. بل امنون مطمئنون فرحون بكل خير. وهذا كقوله تعالى ان الذين اجرموا كانوا من الذين امنوا يضحكون. واذا مروا بهم امازون الى ان قال فاليوم الذين امنوا من الكفار يضحكون على الارائك ينظرون. واختلف اهل العلم والمفسرون من هم اصحاب اصحاب الاعراف وما اعمالهم؟ والصحيح في ذلك انهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم. فلا رجحت سيئاتهم فدخلوا النار. ولا رجح حسناتهم فدخلوا الجنة فصاروا في الاعراف ما شاء الله ثم ان الله تعالى يدخلهم برحمته الجنة. فان رحمته تسبق وتغلب غضبه وسعت كل شيء يوم ما رزقكم الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعباد وغرتهم الحياة الدنيا لقاء يومهم هذا فاليوم يومهم هذا وما كانوا باياتنا اي ينادي اصحاب النار اصحاب الجنة حين يبلغ منهم العذاب كل مبلغ. وحين يمسهم الجوع المفرط والظمأ المودع يستغيثون بهم فيقولون افيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله من الطعام. فاجابهم اهل الجنة بقولهم ان الله حرمهما اي ماء الجنة وطعامها على الكافرين. وذلك جزاء لهم على كفرهم بايات الله واتخاذهم دينهم الذي امروا ان يستقيموا عليه ووعدوا بالجزاء الجزيل عليه لهوا ولعبا. اي لهت قلوبهم واعرضت عنه. ولعبوا واتخذوه سخريا. او انهم جعلوا بدل الله و واللعب واستعاضوا بذلك عن الدين القيم. وغرتهم الحياة الدنيا بزينتها وزخرفها وكثرة دعاتها. فاطمئنوا اليها بها وفرحوا واعرضوا عن الاخرة ونسوها. فاليوم ننساهم اي نتركهم في العذاب كما نسوا لقاء يومهم هذا. فكأنهم لم الا للدنيا وليس امامهم عرض ولا جزاء. وما كانوا باياتنا يجحدون. والحال ان جحودهم هذا لا عن قصور في ايات الله وبيناته ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون بل قد جئناهم بكتاب فصلناه. اي بينا فيه جميع المطالب التي يحتاج اليها الخلق. على علم من الله باحوال العباد في كل زمان هو مكان وما يصلح لهم وما لا يصلح ليس تفصيله تفصيل غير عالم بالامور. فتجهله بعض الاحوال فيحكم حكما غير مناسب. بل من احاط علمه بكل شيء ووسعت رحمته كل شيء. هدى ورحمة لقوم يؤمنون. اي تحصل للمؤمنين بهذا الكتاب الهداية من الضلال او عجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذر اوعجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم. اي كيف تعجبون من امر لا يتعجب منه؟ وهو ان الله ارسل اليكم وبيان الحق والباطل والغي والرشد. ويحصل ايضا لهم به الرحمة. وهي الخير والسعادة في الدنيا والاخرة. فينتفي عنهم بذلك الضلال وهؤلاء الذين حق عليهم العذاب لم يؤمنوا بهذا الكتاب العظيم. ولنقادوا لاوامره ونواهيه. فلم يبق فيهم حيلة الا استحقاقهم ان يحل بهم ما اخبر به القرآن. ولهذا قال قولوا الذين نسوا من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق. فهل لنا من شكر فيشفع لنا او نرده او نرد فنعمل غير الذي هل ينظرون الى تأويله اي وقوع ما اخبر به؟ كما قال يوسف عليه السلام حين وقعت رؤياه هذا تأويل رؤياي من قبل يوم يأتي يقول الذين نسوه من قبل. متندمين متأسفين على ما مضى منهم. متشفعين في مغفرة ذنوبهم. مقرين بما اخبرت به الرسل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا او نرد الى الدنيا فنعمل غير الذي كنا نعمل وقد فات عن الرجوع الى الدنيا فما تنفعهم شفاعة الشافعين. وسؤالهم الرجوع الى الدنيا ليعملوا غير عملهم كذب منهم. مقصود به دفع ما حل بهم. قال الله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. وانهم لكاذبون. قد خسروا انفسهم حين فوتوهم الارباح وسلكوا بها سبيل الهلاك. وليس ذلك كخسران الاموال والاثاث او الاولاد. انما هذا خسران لا جبران لمصابه. وضل عنه ما كانوا يفترون في الدنيا مما تمنيهم انفسهم به. ويعدهم به الشيطان. قدموا على ما لم يكن لهم في حساب. وتبين لهم باطلهم وضلالهم وصدق ما جاءتهم به الرسل يقول تعالى مبينا انه الرب المعبود وحده لا شريك له ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض وما فيهما على عظمهما وسعتهما واحكامهما واتقانهما خلقهما في ستة ايام. اولها يوم الاحد واخرها يوم الجمعة. فلما قضاهما واودع فيهما من امرهما اودع وتبارك وتعالى على العرش العظيم. الذي يسع السماوات والارض وما فيهما وما بينهما. استوى استواء يليق بجلاله وعظمته وسلطانه على العرش واحتوى على الملك ودبر الممالك واجرى عليهم احكامه الكونية واحكامه الدينية. ولهذا قال يغشى الليل المظلم نهار المضيء في ظلم ما على وجه الارض ويسكن الادميون وتأوي المخلوقات الى مساكنها ويستريحون من التعب والذهاب والاياب الذي حصل لهم في النهار يطلبه حثيثا كلما جاء الليل ذهب النهار وكلما جاء النهار ذهب الليل وهكذا ابدا على الدوام حتى يطوي الله هذا العالم وينتقل العباد الى دار غير هذه الدار. والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره. اي بتسخيره وتدبيره. الدال على ما له من اوصاف الكمال فخلقها وعظمها دال على كمال قدرته. وما فيها من الاحكام والانتظام والاتقان دال على كمال حكمته. وما فيها من المنافع والمصالح الضرورية وما دونها دال على سعة رحمته. وذلك دال على سعة علمه. وانه الاله الحق الذي لا تنبغي العبادة الاله. الا الخلق والامر اي له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها. اعيانها واوصافها وافعالها. والامر المتضمن الشرائع والنبوات. فالخلق يتضمن احكامه الكونية القدرية. والامر يتضمن احكامه الدينية الشرعية. وثم احكام الجزاء. وذلك سيكون في دار البقاء تبارك الله اي عظم وتعالى وكثر خيره واحسانه. فتبارك في نفسه لعظمة اوصافه وكمالها. وبارك في غيره باحلال الخير الجزيل والبر الكثير. فكل بركة في الكون فمن اثار رحمته. ولهذا قال تبارك الله رب العالمين ولما ذكر من عظمته وجلاله ما يدل ذوي الالباب على انه وحده المعبود المقصود في الحوائج كلها. امر بما يترتب على ذلك. فقال ادعوا ربكم تضرعا وخفية الدعاء يدخل فيه دعاء المسألة ودعاء العبادة. فامر بدعائه تضرعا اي الحاح في المسألة ودؤوبا في العبادة وخفية. اي لا جهرا وعلانية يخاف منها الرياء. بل خفية واخلاصا لله تعالى. انه لا يحب المعتدين اي المتجاوزين للحد في كل الامور. ومن الاعتداء كون العبد يسأل الله مسائل لا تصلح له. او يتنطع في السؤال او يبالغ في رفع صوته بالدعاء. فكل هذا داخل في الاعتداء المنهي عنه ان رحمة الله قريب من المحسنين ولا تفسدوا في الارض بعمل المعاصي بعد اصلاحها بالطاعات. فان المعاصي تفسد الاخلاق والاعمال والارزاق. كما قال الله تعالى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس كما ان الطاعات تصلح بها الاخلاق والاعمال والارزاق واحوال الدنيا والاخرة. وادعوه خوفا وطمعا اي خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه طمعا في قبولها وخوفا من ردها. لا دعاء عبد مضل على ربه قد اعجبته نفسه. ونزل نفسه فوق منزلته او دعاء من هو غافل له. وحاصل ما ذكر الله من اداب الدعاء. الاخلاص فيه لله وحده. لان ذلك يتضمنه الخفية واخفاؤه واصراره وان يكون القلب خائفا طامعا لا غافلا. ولا امنا ولا غير مبال بالاجابة. وهذا من احسان الدعاء. فان الاحسان في كل عبادة بذل الجهد فيها واداؤها كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه. ولهذا قال ان رحمة الله قريب من المحسنين في عبادة الله الى عباد الله. فكلما كان العبد اكثر احسانا كان اقرب الى رحمة ربه. وكان ربه قريبا منه برحمته. وفي هذا من الحث على الاحسان ما لا يخفى فاذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت. فانزلنا فاخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون. يبين تعالى اثرا من اثار قدرته ونفحة من نفحات رحمته فقال وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته اي الرياح المبشرة بالغيث التي تثيره باذن الله من الارض. فيستبشر الخلق برحمة الله وترتاح لها قلوبهم قبل نزوله. حتى اذا اقلت الرياح سحابا ثقلا قال قد اثاره بعضها والفه ريح اخرى والحه ريح اخرى سقناه لبلد ميت قد كادت تهلك حيواناته وكاد اهله ان ييأسوا من رحمة الله فانزلنا به اي بذلك البلد الميت الماء الغزير من ذلك السحاب وسخر الله له ريحا تضره وتفرقه وباذن الله فاخرجنا به من كل الثمرات فاصبحوا مستبشرين برحمة الله راكعين بخير الله. وقوله كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون اي كما احيينا الارض بعد موتها بالنبات. كذلك نخرج الموتى من قبورهم. بعدما كانوا رفاتا متمزقين. وهذا استدلال واضح فانه لا فرق بين الامرين فمنكر البعث استبعادا له مع انه يرى ما هو نظيره. من باب العناد وانكار المحسوسات. وفي هذا الحث على التذكر والتفكر في الاء الله. والنظر اليها بعين الاعتبار والاستدلال. لا بعين الغفلة والاهمال. ثم ذكر تفاوت الاراضي التي ينزل عليها المطر فقال كذلك نصنف الايات لقوم يشكرون والبلد الطيب اي طيب التربة والمادة. اذا نزل عليها مطر يخرج نباته الذي هو مستعد له باذن ربه. اي ارادة الله ومشيئته. فليست الاسباب مستقلة بوجود الاشياء. حتى يأذن الله بذلك. والذي خبث من الاراضي لا يخرج الا نكد اي الا نباتا خاصا لا نفع فيه ولا بركة. كذلك نصرف الايات لقوم يشكرون. اي ننوعها ونبينها ونضرب فيها الامثال ونسوقها لقوم يشكرون الله بالاعتراف بنعمه والاقرار بها وصرفها في مرضات الله. فهم الذين ينتفعون بما فصل الله في كتابه من الاحكام والمطالب الالهية. لانهم يرونها من اكبر النعم الواصلة اليهم من ربهم. فيتلقونها مفتقرين اليها فرحين بها. فيتدبرونها ويتأملون فيبينوا لهم من معانيها بحسب استعدادهم. وهذا مثال للقلوب حين ينزل عليها الوحي الذي هو مادة الحياة. كما ان الغيث مادة الحياة ان القلوب الطيبة حين يجيئها الوحي تقبله وتعلمه وتنبت بحسب طيب اصلها وحسن عنصرها. واما القلوب الخبيثة التي لا خير فيها فاذا جاءها الوحي لم يجد محلا قابلا بل يجدها غافلة معرضة او معارضة. فيكون كالمطر الذي يمر على السباخ والرمال والصخور. فلا يؤثر فيها شيئا وهذا كقوله تعالى انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا. لقد لما ذكر تعالى من ادلة توحيده جملة صالحة ايد ذلك بذكر ما جرى للانبياء داعين الى توحيده مع اممهم المنكرين لذلك. وكيف ايد الله اهل التوحيد واهلك من عاندهم ولم ينقد لهم. وكيف اتفقت دعوة المرسلين على دين واحد ومعتقد واحد. فقال عن نوح اول المرسلين لقد ارسلنا نوحا الى قومه يدعوهم الى عبادة الله وحده. حين كانوا الاوثان فقال لهم يا قومي اعبدوا الله اي وحده ما لكم من اله غيره لانه الخالق الرازق المدبر لجميع الامور وما سواه مخلوق مدبر ليس له من الامر شيء. ثم خوفهم ان لم يطيعوه عذاب الله. فقال اني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم. وهذا من فلا عليكم من مؤنتها شيء. ولا تمسوها بسوء اي بعقل او غيره. فيأخذكم عذاب اليم واذكروا اذ جعلكم خلفاء في الارض تتمتعون بها وتدركون مطالبكم من بعد عاد الذين اهلكهم الله وجعلكم خلفاء من بعده نصحه عليه الصلاة والسلام وشفقته عليهم. حيث خاف عليهم العذاب الابدي والشقاء السرمدي. كاخوانه من المرسلين الذين يشفقون على الخلق اعظم قام من شفقة ابائهم وامهاتهم. فلما قال لهم هذه المقالة ردوا عليه اقبح رد انا لنراك في ضلال مبين. وقال الملأ من قومه اي الرؤساء الاغنياء المتبوعون الذين قدرت العادة اكبارهم على الحق وعدم انقيادهم للرسل. انا لنراك في ضلال مبين. فلم يكفهم قبحهم الله انهم لم ينقادوا له. بل استكبروا عن الانقياد له وقدحوا فيه اعظم قدح ونسبوه الى الضلال. ولم يكتفوا بمجرد الضلال حتى جعلوه ضلالا مبينا. واضحا لكل احد وهذا من اعظم المكابرة التي لا تروج الا على اضعف الناس عقلا. وانما هذا الوصف منطبق على قوم نوح. الذين جاءوا الى اصنام قد صوروها ونحو بايديهم من الجمادات التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عنهم شيئا. فنزلوها منزلة فاطر السماوات وصرفوا لها ما امكنهم من انواع قربات فلولا ان لهم اذهانا تقوم بها حجة الله عليهم لحكم عليهم بان المجانين اهدى منهم بل هم اهدى منهم واعقل. فرد نوح عليهم ردا لطيفا وترقق لهم لعلهم ينقادون له. فقال يا قومي ليس بضلالة اي لست ضالا في مسألة من المسائل في وجه من الوجوه وانما انا هاد مهتد بل هدايته عليه الصلاة والسلام من جنس هداية اخوانه اولي العزم من المرسلين. اعلى انواع الهداية واكملها واتمها وهي هداية الرسالة التامة الكاملة. ولهذا قال ولكني رسول من رب العالمين. اي ربي وربكم ورب جميع الخلق الذي ربى جميع الخلق بانواع التربية الذي من اعظم تربيته ان ارسل الى عباده رسلا تامرهم بالاعمال الصالحة والاخلاق الفاضلة والعقائد الحسنة وتنهاهم عن اضدادها. ولهذا قال من الله ما لا تعلمون. ابلغكم رسالات ربي وانصح لكم اي وظيفتي تبليغكم ببيان توحيده واوامره ونواهيه. على وجه النصيحة لكم والشفقة عليكم. واعلم من الله ما لا تعلمون. فالذي يتعين ان تطيعوني وتنقادوا لامري كنتم تعلمون اوعجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم اي كيف تعجبون من حالة لا ينبغي العجب منها وهو انه جاءكم التذكير والموعظة والنصيحة على يد رجل منكم حقيقته وصدقه وحاله. فهذه الحال من عناية الله بكم وبره واحسانه. الذي يتلقى بالقبول والشكر. وقوله انذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون. اي لينذركم العذاب الاليم وتفعلوا الاسباب المنجية من استعمال تقوى الله ظاهرا وباطنا ذلك تحصل عليهم وتنزل رحمة الله الواسعة. فلم يفد فيهم ولا نجح فكذبوه فانجيناه والذين معه في الفلك. اي السفينة التي امر الله نوحا عليه الصلاة والسلام بصنعتها. واوحى اليه ان يحمل من كل لصنف من الحيوانات زوجين اثنين واهله ومن امن معه. فحملهم فيها ونجاهم الله بها. واغرقنا الذين كذبوا باياتنا انهم كانوا عمين عن الهدى ابصروا الحق. واراهم الله على يد نوح من الايات البينات. ما بها يؤمن اولو الالباب. فسخروا منه استهزأوا به وكفروا اي وارسلنا الى عاد الاولى الذين كانوا في ارض اليمن اخاهم في النسب هودا عليه السلام يدعوهم الى التوحيد وينهاهم عن الشرك والطغيان في الارض. فقال لهم يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. افلا تتقون سخطه عذابه ان اقمتم على ما انتم عليه فلم يستجيبوا ولا انقادوا فقال الملأ الذين كفروا من قومه رادين لدعوته قادحين في رأيه. انا لنراك في سفاهة وانا لنظنك من الكاذبين. اي ما نراك الا سفيها غير رشيد ويغلب على ظننا انك من جملة الكاذبين. وقد انقلبت عليهم الحقيقة واستحكم عماهم حيث رموا نبيهم عليه السلام بما هم متصفون به وهو ابعد الناس عنه. فانهم السفهاء حقا الكاذبون. واي سفه اعظم ممن قابل احق الحق بالرد والانكار. وتكبر عن الانقياد للمرشدين والنصحاء. وانقاد قلبه وقالبه لكل شيطان مريد. ووضع العبادة في غير موضعها. فعبد من لا يغني عنه شيئا من الاشجار والاحجار واي كذب ابلغ من كذب من نسب هذه الامور الى الله تعالى قال يا قومي ليس بي سفاهة بوجه من الوجوه بل هو الرسول المرشد الرشيد. ولكني رسول من رب العالمين. ابلغكم رسالات ربي وانا لكم ناصح ابلغكم رسالات ربي وانا لكم ناصح امين. فالواجب عليكم ان تتلقوا ذلك بالقبول والانقياد وطاعة رب العباد رجلا منكم تعرفون امره يذكركم بما فيه مصالحكم. ويحثكم على ما فيه النفع لكم. فتعجبتم من ذلك تعجب المنكرين. واذكروا اذ حالكم خلفاء من بعد قوم نوح. اي احمدوا ربكم واشكروه. اذ مكن لكم في الارض وجعلكم تخلفون الامم الهالكة الذين كذبوا الرسل. فاهلكهم ها هو ابقاكم لينظر كيف تعملون. واحذروا ان تقيموا على التكذيب كما اقاموا. فيصيبكم ما اصابهم. واذكروا نعمة الله عليكم التي خصكم بها وهي ان زادكم في الخلق بسطة في القوة وكبر الاجسام وشدة البطش. فاذكروا الاء الله اي نعمه الواسعة واياديهم المتكررة لعلكم اذا ذكرتموها بشكرها واداء حقها تفلحون. اي تفوزون بالمطلوب وتنجون من المرهوب. فوعظهم وذكرهم وامرهم بالتوحيد وذكر لهم وصف نفسه وانه ناصح امين. وحذرهم ان يأخذهم الله كما اخذ من قبلهم. وذكرهم نعم الله عليهم وادرار الارزاق اليهم. فلم ينقادوا ولا استجابوا. فقالوا متعجبين من دعوته ومخبرين له انهم من المحال ان يطيعوه اجأتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد اباؤنا قبحهم الله جعلوا الامر الذي هو اوجب الواجبات واكمل الامور. من الامور التي لا يعارضون بها ما وجدوا عليه اباءهم. فقدموا عليه الاباء الضالون من الشرك وعبادة الاصنام. على ما دعت اليه الرسل من توحيد الله وحده لا شريك له. وكذبوا نبيهم وقالوا بما تعدنا ان كنت من الصادقين. وهذا استفتاح منهم على انفسهم. فقال لهم هود عليه السلام ما نزل الله بها ان قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب. اي لابد من وقوعه فانه قد انعقدت اسبابه. وحان وقت الهلاك. اتجادلونني في اسماء سميتموها انتم واباؤكم اي كيف تجادلون على امور لا حقائق لها وعلى اصنام سميتموها الهة وهي لا شيء من الالهة فيها ولا مثقال ذرة. ما نزل الله بها من سلطان. فانها لو كانت صحيحة لانزل الله بها سلطانا. فعدم انزاله له دليل على بطلانها فانه ما من مطلوب ومقصود. وخصوصا الامور الكبار الا وقد بين الله فيها من الحجج ما يدل عليها. ومن السلطان ما لا فمعه فانتظروا ما يقع بكم من العقاب الذي وعدتكم به. اني معكم من المنتظرين. وفرق بين الانتظارين. انتظار من يخشى وقوع العقاب ومن يرجو من الله النصر والثواب. ولهذا فتح الله بين الفريقين فقال وقطعنا دابر الذين كذبوا باياتنا وما كانوا مؤمنين فانجيناه اي هودى والذين امنوا معه برحمة منا فانه الذي هداهم للايمان وجعل ايمانهم سببا ينالون به رحمته. فانجاهم برحمته. وقطعنا دابر الذين كذبوا باياتنا. اي استأصلناهم بالعذاب الشديد الذي لم يبقي منهم احدا وسلط الله عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء اتت عليه الا جعلته كالرميم. فاهلكوا فاصبحوا لا يرى الا مساكين فانظر كيف كان عاقبة المنذرين الذين اقيمت عليهم الحجج؟ فلم ينقادوا لها وامروا بالايمان فلم يؤمنوا. فكان عاقبتهم الهلاك ذوي الخزية والفضيحة واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة. الا ان عادا كفروا ربهم الا بعدا لعاد قوم هود وقال هنا وقطعنا دابر الذين كذبوا باياتنا وما كانوا مؤمنين بوجه من الوجوه. بل وصفهم التكذيب والعناد ونعتهم الكبر هو الفساد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله. هذه ناقة الله لكم اية ايوة ارسلنا الى ثمود القبيلة المعروفة الذين كانوا يسكنون الحجر وما حوله من ارض الحجاز وجزيرة العرب. ارسل الله اليهم اخاهم صالحا نبيا يدعوهم الى الايمان والتوحيد وينهاهم عن الشرك والتنديد. فقال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. دعوته عليه الصلاة الصلاة والسلام من جنس دعوة اخوانه من المرسلين. الامر بعبادة الله وبيان انه ليس للعباد اله غير الله. قد جاءتكم بينة من ربكم اي خارق من خوارق العادات التي لا تكون الا اية سماوية لا يقدر الناس عليها. ثم فسرها بقوله هذه ناقة الله لكم اي هذه ناقة شريفة فاضلة لاضافتها الى الله تعالى اضافة تشريف. لكم فيها اية عظيمة وقد ذكر وجه الاية في قوله لها شرب ولكم شرب يوم معلوم. وكان عندهم بئر كبيرة وهي المعروفة ببئر الناقة. يتناوبونها هم الناقة. للناقة يوم تشربها ويشربون اللبن من ضرعها ولهم يوم يردونها وتصدر الناقة عنهم. وقال لهم نبيهم صالح عليه السلام فذروها تأكل في وبوأكم في الارض اي مكن لكم فيها وسهل لكم الاسباب الموصلة الى ما تريدون وتبتغون. تتخذون من سهولها قصورا الاراضي السهلة التي ليست بجبال تتخذون فيها القصور العالية والابنية الحصينة. وتنحتون الجبال بيوتا كما هو مشاهد الى الان من اعمالهم التي في الجبال من المساكن والحجر ونحوها. وهي باقية ما بقيت الجبال. فاذكروا الاء الله اي نعمه. وما خولكم من الفضل الرزق والقوة ولا تعفوا في الارض مفسدين. اي لا تخربوا الارض بالفساد والمعاصي. فان المعاصي تدع الديار العامرة بلاقع. وقد اخلى الديار اكثرهم منهم وابقت مساكنهم موحشة بعدهم من امن منهم ما تعلمون ان صالحا مرسل من ربي قالوا انا بما ارسل به مؤمنون قال الملأ الذين استكبروا من قومه اي الرؤساء والاشراف الذين تكبروا عن الحق. للذين استضعفوا. ولما كان المستضعفون اليسوا كلهم مؤمنين؟ قالوا لمن امن منهم اتعلمون ان صالحا مرسل من ربه؟ اي اهو صادق ام كاذب؟ فقال المستضعفون انا بما ارسل به مؤمنون من توحيد الله والخبر عنه وامره ونهيه حملهم الكبر الا ينقادوا للحق الذي انقاد له الضعفاء فعقر الناقل التي توعدهم ان مسوها بسوء ان يصيبهم عذاب اليم. وعتوا عن امر ربهم اي قسوا عنه واستكبروا عن امره الذي منعت عنه اذاقه العذاب الشديد لا جرم احل الله به من النكال ما لم يحل بغيرهم. وقالوا مع هذه الافعال متجرئين على الله معجزين له. غير مبالين بما فعلوا بل مفتخرين بها يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين من العذاب. فقال تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب. فاخذتهم الرجفة فاصبحوا في دارهم جاثمين على ركبهم قد ابادهم الله وقطع دابرهم لغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين فتولى عنهم صالح السلام حين احل الله بهم العذاب. وقال مخاطبا لهم توبيخا وعتابا. بعدما اهلكهم الله يا قومي لقد ابلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم اي جميع ما ارسلني الله به اليكم. قد ابلغتكم به وحرصت على هدايتكم. واجتهدت في سلوككم الصراط المستقيم والدين ولكن لتحبون الناصحين. بل رددتم قول النصحاء واطعتم كل شيطان مريد. واعلم ان كثيرا من المفسرين يذكرون في هذا في القصة ان الناقة قد خرجت من صخرة صماء ملساء اقترحوها على صالح وانها تمخضت تمخض الحامل فخرجت الناقة وهم ينظرون وان لها فصيلا حين عقروها رغى ثلاث رغيات. وانفلق له الجبل ودخل فيه. وان صالحا عليه السلام قال لهم اية نزول العذاب بكم ان تصبحوا في اليوم الاول من الايام الثلاثة ووجوهكم مصفرة. واليوم الثاني محمرة. والثالث مسودة. فكان كما قال وكل هذا من الاسرائيليات التي لا ينبغي نقلها في تفسير كتاب الله. وليس في القرآن ما يدل على شيء منها بوجه من الوجوه. بل لو كانت صحيحة لذكرها الله تعالى لان فيها من العجائب والعبر والايات ما لا يهمله تعالى ويدع ذكره. حتى يأتي من طريق من لا يوثق بنقله. بل القرآن يكذب بعضه وهذه المذكورات فان صالحا قال لهم تمتعوا في داركم ثلاثة ايام اي تنعموا وتلذذوا بهذا الوقت القصير جدا فانه ليس لكم من المتاع واللذة سوى هذا. واي لذة وتمتع لمن وعدهم نبيهم وقوع العذاب. وذكر لهم وقوع مقدماته. فوقعت يوما فيوما على وجه يعود يشملهم احمرار وجوههم واصفرارهم واسودادها من العذاب. هل هذا الا مناقض للقرآن ومضاد له؟ فالقرآن فيه الكفاية والهداية عما سواه. نعم لو صح شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يناقض كتاب الله تعالى فعلى الرأس والعين وهو مما امر القرآن باتباعه وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. وقد تقدم انه لا يجوز تفسير كتاب الله بالاخبار الاسرائيلية ولو على تجويز الرواية عنهم بالامور التي لا يجزم بكذبها. فان معاني كتاب الله يقينية وتلك امور لا تصدق ولا تكذب فلا يمكن اتفاقهما اي واذكر عبدنا لوطا عليه الصلاة والسلام. اذ ارسلناه الى قومه يأمرهم بعبادة الله وحده. وينهاهم عن الفاحشة التي ما سبقهم بها احد من العالمين. فقال اتأتون الفاحشة؟ اي الخصلة التي بلغت في العظم والشناعة الى ان استغرقت انواع الفحش سبقكم بها من احد من العالمين. فكونها فاحشة من اشنع الاشياء وكونهم مبتدعوها وابتكروها. وسنوها لمن بعدهم من اشنع ما يكون ايضا ثم بينها بقوله آآ انكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء اي كيف يذرون النساء اللاتي خلقهن الله لكم. وفيهن المستمتع الموافق للشهوة والفطرة. وتقبلون على ادبار الرجال التي هي غاية ما يكون في الشناعة محل تخرج منه الانتان والاخباث التي يستحيا من ذكرها فضلا عن ملامستها وقربها. بل انتم قوم مسرفون اي متجاوزون لما حده الله متجرأون على محارمه ان يتنزهون عن فعل الفاحشة وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد اي الباقيين المعذبين امره الله ان يسري باهله ليلا. فان العذاب مصبح قومه فسرى بهم الا امرأته اصابها ما اصاب اصابهم وامطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين وامطرنا عليهم مطرا اي حجارة حارة شديدة من سجيل. وجعل الله عاليها سافلها. فانظر كيف كان عاقبة المجرمين الهلاك والخزي الدائم فاوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا في الارض بعد اصلاحها. ذلكم خير لكم ان كنتم اي وارسلنا الى القبيلة المعروفة بمدين اخاهم في النسب شعيبا يدعوهم الى عبادة الله وحده لا شريك له ويأمرهم بايفاء المكيال والميزان. والا يبخسوا الناس اشياءهم. والا يعثوا في الارض مفسدين بالاكثار من عمل المعاصي. ولهذا قال ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها. ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين. فان ترك المعاصي امتثالا لامر الله وتقرب اليه خير وانفع للعبد من ارتكابها الموجب لسخط الجبار وعذاب النار ولا تقعدوا للناس بكل صراط اي طريق من الطرق التي يكثر سلوكها تحذرون الناس منها وتوعدون من سلكها وتصدون عن سبيل الله من اراد الاهتداء به وتبغونها عوجا اي تبغون سبيل الله تكون معوجة وتميلونها اتباعا لاهوائكم وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الاحترام والتعظيم السبيل التي نصبها الله لعباده ليسلكوها الى مرضاته ودار كرامته. ورحمهم بها اعظم رحمة ويتصدون لنصرتها والدعوة اليها والذبح عنها لا ان تكونوا انتم قطاع طريقها الصادين الناس عنها. فان هذا كفر لنعمة الله ومحادة لله. وجعل اقوم الطرق مائلة وتشنعون على من سلكها. واذكروا نعمة الله عليكم. اذ كنتم قليلا فكثركم. اي نماكم بما انعم عليكم من الزوجات والنسل والصحة وانه ما ابتلاكم بوباء او امراض من الامراض المقللة لكم. ولا سلط عليكم عدوا اجتاحكم ولا فرقكم في الارض. بل انعم عليكم باجتماعكم وادرار الارزاق وكثرة النسل. وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين. فانكم لا تجدون في جموعهم الا الشتات ولا في ربوع الا الوحشة والانبتات. ولم يورثوا ذكرا حسنا. بل اتبعوا في هذه الدنيا لعنة. ويوم القيامة اشد خزيا وفضيحة. وان كان طائفة منكم امنوا بالذي ارسلت به وطائفة لم وان كان طائفة منكم امنوا بالذي ارسلت به وطائفة لم يؤمنوا. وهم الجمهور منهم. فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين فينصر المحق ويوقع العقوبة على المبطل قال الملأ الذين استكبروا من قومه وهم الاشراف والكبراء منه الذين اتبعوا اهواءهم وله بلذاتهم. فلما اتاهم الحق ورأوه غير موافق لاهوائهم الرديئة. ردوه واستكبروا عنه. فقال لنبيهم شعيب ومن معه من المؤمنين المستضعفين. لنخرجنك يا شعيب والذين امنوا معك من قريتنا او لتعودن في ملتنا استعمالوا قوتهم السبعية في مقابلة الحق. ولم يراعوا دينا ولا ذمة ولا حقا. وانما راعوا واتبعوا اهواءهم وعقولهم السفيهة. التي دلت على هذا القول الفاسد فقالوا اما ان ترجع انت ومن معك الى ديننا او لنخرجنكم من قريتنا. فشعيب عليه الصلاة والسلام كان يدعوهم طامعا في ايمانهم. والان لم يسلم من شرهم حتى توعدوه ان لم يتابعهم بالجلاء عن وطنه. الذي هو ومن معه احق منهم فقال لهم شعيب عليه الصلاة والسلام متعجبا من قولهم او لو كنا كارهين اي انتابعكم على دينكم وملتكم الباطلة ولو كنا كارهين لها لعلمنا ببطلانها. فانما يدعى اليها من له نوع رغبة فيها. اما من يعلن بالنهي عنها والتشنيع على من معها فكيف يدعى اليها؟ قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملتكم بعد اذ نجانا الله الله منها وما يكون لنا ان نعود فيها الا ان يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق خير الفاتحين. قد افترينا على الله ان عدنا في ملتكم بعد اذ نجانا الله منها. ايشهدوا علينا اننا ان عدنا فيها بعدما نجانا الله منها وانقذنا من شرها. اننا كاذبون هنا مفطرون على الله الكذب. فاننا نعلم انه لا اعظم افتراء ممن جعل لله شريكا. وهو الواحد الاحد الفرد الصمد. الذي لم يتخذ ولدا لا صاحبة ولا شريكا في الملك. وما يكون لنا ان نعود فيها اي يمتنع على مثلنا ان نعود فيها. فان هذا من المحال عليه الصلاة والسلام من كونه يوفقهم من وجوه متعددة. من جهة انهم كارهون لها مبغضون لما هم عليه من الشرك. ومن جهة انه جعل ما عليه كذبا واشهدهم انه ان اتبعهم ومن معه فانهم كاذبون. ومنها اعترافهم بمنة الله عليهم اذ انقذهم الله منها ومنها ان عودهم فيها بعدما هداهم الله من المحالات بالنظر الى حالتهم الراهنة وما في قلوبهم من تعظيم الله تعالى والاعتراف له بالعبودية وانه الاله وحده الذي لا تنبغي العبادة الا له وحده لا شريك له. وان الهة المشركين ابطلوا الباطل وامحلوا المحال حيث ان الله من عليهم بعقول يعرفون بها الحق والباطل والهدى والضلال. واما من حيث النظر الى مشيئة الله وارادته النافذة في خلقه لا خروج لاحد عنها. ولو تواترت الاسباب وتوافقت القوى. فانهم لا يحكمون على انفسهم انهم سيفعلون شيئا او يتركونه. ولهذا استثنى وما يكون لنا ان نعود فيها الا ان يشاء الله. اي فلا يمكننا ولا غيرنا. الخروج عن مشيئته التابعة لعلمه وحكمته. وقد يا ربنا كل شيء علما فيعلم ما يصلح للعباد وما يدبرهم عليه. على الله توكلنا اي اعتمدنا انه سيثبتنا على الصراط المستقيم وان يعصمنا من جميع طرق الجحيم. فان من توكل على الله كفاه ويسر له امر دينه ودنياه. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق اينصر المظلوم وصاحب الحق على الظالم المعاند للحق. وانت خير الفاتحين وفتحه تعالى لعباده نوعان. فتحه والعلم بتبيين الحق من الباطل والهدى من الضلال ومن هو من المستقيمين على الصراط ممن هو منحرف عنه. والنوع الثاني فتحه بالجزاء وايقاع العقوبة على الظالمين والنجاة والاكرام للصالحين. فسألوا الله ان يفتح بينهم وبين قومهم بالحق والعدل. وان يريهم من اياته وعباده ما يكون فاصلا بين الفريقين انكم اذا لخاسرون. وقال الملأ الذين كفروا من قومه محذرين عن اتباع شعيب. لان اتبعتم شعيبا انكم اذا لخاسرون هذا ما سولت لهم انفسهم ان الخسارة والشقاء في اتباع الرشد والهدى ولم يدروا ان الخسارة كل الخسارة في لزوم ما هم عليه من الضلال والاضلال. وقد علموا ذلك حين وقع بهم النكال فاخذتهم الرجفة اي الزلزلة الشديدة فاصبحوا في دارهم جاثمين اي صرعى ميتين هامدين. قال تعالى ناعيا لهم الذين كذبوا شعيبا كان لم يغنوا فيها الذين كذبوا الذين كذبوا شعيبا كان لم يغنوا فيها اي كأنهما اقاموا في وكأنهم ما تمتعوا في عرصاتها ولا تفيؤا في ظلالها ولا غنوا في مسارح انهارها ولا اكلوا من ثمار اشجارها. حين لجأهم العذاب فنقلهم من مورد اللهو واللعب واللذات. الى مستقر الحزن والشقاء والعقاب والدركات. ولهذا قال الذين كذبوا شعيبا ان كانوا هم الخاسرين اي الخسار محصور فيهم. لانهم خسروا دينهم وانفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران المبين لا من قالوا لهم لان اتبعتم شعيبا انكم اذا لخاسرون. فتولى عنهم وقال يا قوم لقد ابلغت ونصحت لكم. لقد ابلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف اسى على قوم كافرين فحينها تولى عنهم نبيهم شعيب عليه الصلاة والسلام. وقال معاتبا وموبخا ومخاطبا بعد موتهم. يا قومي لقد ابلغتكم رسالات ربي اي اوصلتها اليكم وبينتها حتى بلغت منكم اقصى ما يمكن ان تصل اليه. وخالطت افئدتكم ونصحت لكم فلم تقبلوا نصحي اولا قد تم لارشادي بل فسقتم وطغيتم. فكيف اسى على قوم كافرين؟ اي فكيف احزن على قوم لا خير فيهم؟ اتاهم الخير ولم يقبلوه ولا يليق بهم الا الشر. فهؤلاء غير حقيقين ان يحزن عليهم. بل يفرح باهلاكهم ومحقهم. فعياذا بك اللهم من والفضيحة واي شقاء وعقوبة ابلغ من ان يصلوا الى حالة يتبرأ منهم انصح الخلق لهم الا اخذنا اهلها يقول تعالى وما ارسلنا في قرية من نبي يدعوهم الى عبادة الله وينهاهم عن ما هم فيه من الشر. فلم ينقادوا له الا الله بالبأساء والضراء. اي بالفقر والمرض وانواع البلايا. لعلهم اذا اصابتهم اخضعت نفوسهم فتضرعوا الى الله واستكانوا للحق ثم اذا لم يفد فيهم واستمر استكبارهم وازداد طغيانهم والسقم فاخذناهم بغتة وهم لا يشعرون بدلنا مكان السيئة الحسنة فادر عليهم الارزاق وعافى ابدانهم ورفع عنهم البلاء حتى عفوا اي كثروا وكثر ارزاقهم وانبسطوا في نعمة الله وفضله ونسوا ما مر عليهم من البلاء وقالوا قد مس اباءنا الضراء والسراء اي هذه عادة جارية لم تزل موجودة في الاولين واللاحقين. تارة يكونون في سراء وتارة في ضراء. وتارة في فرح ومرة في فرح. على حسب الزمان وتداول الايام. وحسبوا انها ليست للموعظة والتذكير. ولا للاستدراج والنكير. حتى اذا اغتبطوا وفرحوا بما اوتوا كانت الدنيا اسر ما كانت اليهم. اخذناهم بالعذاب بغتة وهم لا يشعرون. اي لم يخطر لهم الهلاك على بال. وظنوا انهم قادرون على على ما اتاهم الله وانهم غير زائلين ولا منتقلين عنه لفتحنا عليهم بركات من السماء لما ذكر تعالى ان المكذبين للرسل يبتلون بالضراء موعظة وانذارا. وبالسراء استدراجا ومكرا. ذكر ان اهل القرى لو امنوا بقلوبهم ايمانا صادقا صدقته الاعمال. واستعملوا تقوى الله تعالى ظاهرا وباطنا. بترك جميع ما حرم الله لفتح عليهم بركات السماء والارض فارسل السماء عليهم مدرارا وانبت لهم من الارض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في اخصب عيش واغزل رزق من غير عناء ولا تعب ولا ولا نصب ولكنهم لم يؤمنوا ويتقوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون. بالعقوبات والبلايا ونزع البركات وكثرة الافات. وهي افأمن اهل القرى اي المكذبون بقرينة السياق ان يأتيهم بأسنا اي عذابنا الشديد بياتا وهم نائمون. اي في غفلتهم وغرتهم وراحتهم اي اي شيء يؤمنه من ذلك وهم قد فعلوا اسبابه وارتكبوا من الجرائم العظيمة ما يوجب بعضه الهلاك. افأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون افأمنوا مكر الله حيث يستدرجهم من حيث لا يعلمون. ويملي لهم ان كيده متين. فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون فان من امن من عذاب الله فهو لم يصدق بالجزاء على الاعمال. ولا امن بالرسل حقيقة الايمان. وهذه الاية الكريمة فيها من التخويف البليغ على ان العبد لا ينبغي له ان يكون امنا على ما معه من الايمان. بل لا يزال خائفا وجلا ان يبتلى ببلية تسلب ما معه من الايمان. والا لا زال داعيا بقوله يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وان يعمل ويسعى في كل سبب يخلصه من الشر عند وقوع الفتن. فان العبد ولو بلغت به الحال ما بلغت فليس على يقين من السلامة يقول تعالى منبها للامم الغابرين بعد هلاك الامم الغابرين. اولم يهدي للذين يرثون الارض من بعد اهلها؟ اللون شاءوا اصبناهم بذنوبهم. اي اولم يتبين ويتضح للامم الذين ورثوا الارض بعد اهلاك من قبلهم بذنوبهم. ثم عملوا كاعمال اولئك المهلكين. اولم يهتدوا ان الله لو شاء لاصابهم بذنوبهم فان هذه سنته في الاولين والاخرين. وقوله ونطمع على قلوبهم فهم لا يسمعون. اي اذا نبههم الله فلم ينتبهوا وذكرهم فلم يتذكروا. وهداهم بالايات والعبر فلم يهتدوا. فان الله تعالى يعاقبهم ويطبع على قلوبهم يعلوها الران والدنس حتى يختم عليها فلا يدخلها حق ولا يصل اليها خير. ولا يسمعون ما ينفعهم وانما يسمعون ما به تقوم عليهم تلك كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين تلك القرى الذين تقدم ذكرهم نقص عليك من انبائها ما يحصل به عبرة للمعتبرين. وازدجار للظالمين موعظة للمتقين. ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات. اي ولقد جاءت هؤلاء المكذبين رسلهم تدعوهم الى ما فيه سعادتهم. وايدهم والله بالمعجزات الظاهرة. والبينات المبينات للحق بيانا كاملا. ولكن لم يفدهم هذا ولا اغنى عنهم شيئا. فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل اي بسبب تكذيبهم وردهم الحق اول مرة. ما كان الله ليهديهم للايمان جزاء لهم على ردهم الحق. كما قال تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ونذرهم في طغيانهم يعمهون. كذلك يطبع الله على قلوب كافرين عقوبة منه وما ظلمهم الله ولكن ظلموا انفسهم وما وجدنا لاكثرهم من عهد اي وما وجدنا لاكثر الامم الذين ارسل الله اليه من رسل من عهد اي من ثبات والتزام لوصية الله التي اوصى بها جميع العالمين. ولانقادوا لاوامره التي ساقها اليهم على السنة وان وجدنا اكثرهم لفاسقين. اي خارجين عن طاعة الله متبعين لاهوائهم بغير هدى من الله. فالله تعالى امتحن العباد بارسال للرسل وانزال الكتب. وامرهم باتباع عهده وهداه. فلم يمتثل لامره الا القليل من الناس. الذين سبقت لهم من الله سابقة السعادة واما اكثر الخلق فاعرضوا عن الهدى واستكبروا عما جاءت به الرسل. فاحل الله بهم من عقوباته المتنوعة ما احل اي ثم بعثنا من بعد اولئك الرسل موسى الكليم الامام العظيم والرسول الكريم الى قوم عتات جبابرة وهم فرعون وملأوا من اشرافهم وكبرائهم. فاراهم من ايات الله العظيمة ما لم يشاهد له نظير. فظلموا بها بان لم ينقادوا الذي من لم ينقد له فهو ظالم. بل استكبروا عنها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين. كيف اهلكهم الله واتبعهم الذم واللعنة في الدنيا ويوم القيامة بئس الرفد المرفود. وهذا مجمل فصله بقوله قد جئت وقال موسى حين جاء الى فرعون يدعوه الى الايمان يا فرعون اني رسول من رب العالمين. اي اني رسول من مرسل عظيم. وهو رب العالمين. الشامل للعالم العلوي والسفلي مربي جميع خلقه بانواع التدابير الالهية. التي من جملتها انه لا يتركهم سدى. بل يرسل اليهم الرسل مبشرين ومنذرين. وهو الذي لا يقدر احد ان يتجرأ عليه. ويدعي انه ارسله ولم يرسله. فاذا كان هذا شأنه وانا قد اختارني واصطفاني لرسالته فحقيق هيا الا اكذب عليه ولا اقول عليه الا الحق. فاني لو قلت عليه غير ذلك لعجلني بالعقوبة واخذني اخذ عزيز مقتدر. فهذا موجب لان ينقادوا له ويتبعوه. خصوصا وقد جاءهم ببينة من الله واضحة على صحة ما جاء به من الحق. فوجب عليهم ان يعملوا بمقصود رسالته ولها مقصودان عظيم ان ايمانهم به واتباعهم له. وارسال بني اسرائيل الشعب الذي فضله الله على العالمين. اولاد الانبياء سلسلة يعقوب عليه السلام الذي موسى عليه الصلاة والسلام واحد منهم فقال له فرعون فالقى عصاه فاذا هي ثعبان مبين ونزع يده فاذا هي بيضاء الناظرين فالقى موسى عصاه في الارض اذا هي ثعبان مبين. اي حية ظاهرة تسعى. وهم يشاهدونها. ونزع يده من جيبه. فاذا هي بيضاء للناظرين من غير سوء فهاتان ايتان كبيرتان دالتان على صحة ما جاء به موسى وصدقه. وانه رسول رب العالمين. ولكن الذين لا يؤمنون لو جاءتهم كل اية لا يؤمنون حتى يروا العذاب الاليم. فلهذا قال الملأ من قوم فرعون قال الملأ من قوم فرعون حين بهرهم ما رأوا من الايات ولم يؤمنوا وطلبوا لها التأويلات الفاسدة. ان هذا لساحر عليم اي ماهر في سحره. ثم خوفوا ضعفاء الاحلام وسفهاء العقول بانه يريد موسى بفعله هذا ان يخرجكم من ارضكم. اي يريد ان يجليكم عن اوطانكم. فماذا تأمرون اي انهم تشاوروا فيما بينهم ما يفعلون بموسى وما يندفع به ضرره بزعمهم عنهم. فان ما جاء به ان لم يقابل بما يبطله ويدحضه والا دخل في عقول اكثر الناس فحينئذ انعقد رأيهم الى ان قالوا لفرعون ارجه واخاه اي احبسه وامهلهما وابعث في المدائن اناسا يحشرون اهل المملكة ويأتون بكل سحار عليم. اي يجيئون بالسحرة المهرة ليقابلوا ما جاء بهم موسى فقالوا يا موسى اجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا انت مكانا سوى. قال موعدكم يوم الزينة وان يحشر الناس ضحى فتولى فرعون فجمع كيده ثم اتى وقال هنا وجاء السحرة وجاء السحرة فرعون طالبين منه الجزاء ان غلبوا فقالوا ان لنا لاجرا ان كنا نحن الغالبين. فقال فرعون نعم لكم اجر وانكم لمن المقربين. فوعدهم الاجر والتقريب وعلو المنزلة عندهم ليجتهدوا ويبذلوا وسعهم وطاقتهم في مغالبة موسى فلما حضروا مع موسى بحضرة الخلق العظيم نكون نحن الملقين. قالوا على وجه التألي وعدم المبالاة بما جاء به موسى. يا موسى اما ان تلقي ما معك. واما ان نكون نحن الملقين. فقال موسى سحروا اعين الناس بسحر عظيم لاجل ان يرى الناس ما معهم وما مع موسى. فلما القوا حبالهم وعصيهم اذا هي من سحرهم كأنها حيات تسعى. فسحروا اعينهم من الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم لم يوجد له نظير من السحر واوحينا الى موسى ان القي عصاك فالقاها فاذا هي حية تسعى فتلقف جميع ما يأفكون اي يكذبون به ويموهون فوقع الحق اي تبين وظهر واستعلن في ذلك المجمع وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك اي في ذلك المقام وانقلبوا صاغرين اي حقيرين قد اطمحل وتلاشى سحرهم ولم يحصل لهم المقصود الذي ظنوا حصوله. واعظم من تبين له الحق العظيم. اهل الصنف والسحر. الذين يعرفون من انواع السحر وجزئياته ما لا يعرفه غيرهم. فعرفوا ان هذه اية عظيمة من ايات الله. لا يدان لاحد بها رب موسى وهارون اي وصدقنا بما بعث به موسى من الايات البينة فقال لهم فرعون متهددا على الايمان ان هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها اهلها. فسوف تعلمون لا اجمعين. امنتم به قبل ان اذن لكم كان الخبيث حاكما مستبدا على الابدان والاقوال. قد تقرر عنده هو عندهم ان قوله هو المطاع وامره نافذ فيهم ولا خروج لاحد عن قوله وحكمه. وبهذه الحالة تنحط الامم وتضعف عقولها ونفوذها وتعجز عن المدافعة عن حقوقها. ولهذا قال الله عنه فاستخف قومه فاطاعوه. وقال هنا امنتم به قبل ان لكم اي فهذا سوء ادب منكم متجرأ علي. ثم موه على قومه وقال ان هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها اهلها اي ان موسى كبيركم الذي علمكم السحر. فتواطأتم انتم وهو على ان تنغلبوا له فيظهر فتتبعوه. ثم يتبعكم الناس او امورهم فتخرج منها اهلها. وهذا كذب يعلم هو ومن سبر الاحوال. ان موسى عليه الصلاة والسلام لم يجتمع باحد منهم. وانهم جمعوا على نظر فرعون ورسله وان ما جاء به موسى اية الهية وان السحرة قد بذلوا مجهودهم في مغالبة موسى حتى عجزوا وتبينوا من تقطيع الايدي والارجل من خلاف. اي اليد اليمنى والرجل اليسرى. ثم لاصلبنكم في جذوع النخل. لتختزوا بزعمه. اجمع اي لا افعل هذا الفعل باحد دون احد. بل كلكم سيذوق هذا العذاب. فقال السحرة الذين امنوا لفرعون حين تهددهم. قالوا الا ان امنوا ربنا انا الى ربنا منقلبون اي فلا نبالي بعقوبتك. فالله خير وابقى. فاقض ما انت قاض. وما تنقم منا. اي وما تعيب منا على انكار علينا وتوعدك لنا فليس لنا ذنب الا ان امنا بايات ربنا لما جاءتنا. فان كان هذا ذنبا يعاب عليه ويستحق تصاحبه العقوبة فهو ذنبنا. ثم دعوا الله ان يثبتهم ويصبرهم فقالوا ربنا افرغ اي افظ علينا صبرا اي عظيما كما يدل عليه التنكير لان هذه محنة عظيمة تؤدي الى ذهاب النفس. فيحتاج فيها من الصبر الى شيء كثير. ليثبت الفؤاد ان المؤمن على ايمانه ويزول عنه الانزعاج الكثير. وتوفنا مسلمين اي منقادين لامرك. متبعين لرسولك. والظاهر انه اوقع ما توعدهم عليه. وان الله تعالى ثبتهم على الايمان. هذا وفرعون وملأه وعامتهم المتبعون للملأ. قد استكبروا عن ايات الله وجحدوا بها ظلما وعلوا. وقالوا لفرعون مهيجين له على الايقاع بموسى. وزاعمين ان ما جاء به باطل وفساد. وقال الملأ من قوم فرعون اتذروا موسى وقومه ليفسدوا في الارض ويذرك والهتك قال سنقدم موسى وقومه ليفسدوا في الارض بالدعوة الى الله والى مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال التي هي الصلاح في الارض. وما هم عليه هو الفساد ولكن الظالمين لا يبالون بما يقولون. ويذرك والهتك ان يدعك انت والهتك وينهى عنك. ويصد الناس عن اتباعك قال فرعون مجيبا لهم بانه سيدع بني اسرائيل مع موسى بحالة لا ينمون فيها. ويأمن فرعون وقومه بزعمه من ضررهم. سنقتل ابناءهم ونستحيي نساءهم. اي نستبقيهن فلا نقتلهن. فاذا فعلنا ذلك امنا من كثرتهم. وكنا مستخدمين لباقيهم ومسخرين لهم على ما نشاء من الاعمال وانا فوقهم قاهرون لا خروج لهم عن حكمنا ولا قدرة وهذا نهاية الجبروت من فرعون والعتو والقسوة فقال موسى لقومه موصيا لهم في هذه الحالة التي لا يقدرون معها على شيء ولا مقاومة. بالمقاومة الالهية والاستعانة الربانية قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ان الارض لله يورثها من عباده والعاقبة للمتقين. استعينوا بالله اي اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم ودفع ما يضركم. وثقوا بالله انه سيتم امركم واصبروا. اي الزموا الصبر على ما يحل بكم منتظرين الفرج ان الارض لله ليست لفرعون ولا لقومه حتى يتحكموا فيها. يورثها من يشاء من عباده اي يداولها بين الناس على بمشيئته وحكمته ولكن العاقبة للمتقين. فانهم ان امتحنوا مدة ابتلاء من الله وحكمة. فان النصر لهم والعاقبة الحمير لهم على قومهم وهذه وظيفة العبد انه عند القدرة ان يفعل من الاسباب الدافعة عنه اذى الغير ما يقدر عليه وعند العجز ان يصبر ويستعين بالله وينتظر الفرج قالوا لموسى متضجرين من طول ما مكثوا في عذاب فرعون واذيته. اوذينا من قبل ان تأتينا فانهم يصوموننا سوء العذاب يذبحون ابناءنا ويستحيون نسائنا ومن بعد ما جئتنا كذلك. فقال لهم موسى مرجيا لهم الفرج والخلاص من شرهم. عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض. ان يمكنكم فيها ويجعل لكم التدبير فيها. فينظر كيف تعملون. هل تشكرون ام تكفرون وهذا وعد انجزه الله لما جاء الوقت الذي اراده الله. قال الله تعالى في بيان ما عامل به ال فرعون في هذه المدة الاخيرة انها على عادته وسنته في الامم ان يأخذهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون سنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون. ولقد اخذنا ال فرعون بالسنين اي بالدهور والجدب. ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون. اي يتعظون ان ما حل بهم واصابهم معاتبة من الله لهم. لعلهم يرجعون عن كفرهم فلم ينجح ولا افاد بل استمروا على الظلم والفساد ان اكثرهم لا يعلمون. فاذا جاءتهم الحسنة اي الخصب وادرار الرزق. قالوا لنا هذه اي نحن مستحقون لها فلم يشكروا الله عليها وان تصبهم سيئة. اي قحط وجدب يتطيروا بموسى ومن معه. اي يقولوا انما جاءنا بسبب مجيء موسى واتباع بني اسرائيل له. قال الله تعالى الا انما طائرهم عند الله اي بقضائه وقدرته. ليس كما قالوا بل ان ذنوبه وكفرهم هو السبب في ذلك. بل اكثرهم لا يعلمون. اي فلذلك قالوا ما قالوا فلا نؤمن لك ولا نصدق. وهذا غاية ما يكون من العناد ان يبلغ بالكافرين الى ان تستوي عندهم الحالات. سواء نزلت عليهم الايات ام لم تنزل فارسلنا عليهم الطوفان اي الماء الكثير الذي اغرق اشجارهم وزروعهم واضر بهم ضررا كثيرا. والجراد فاكل ثمارهم وزروعهم ونباتهم. والقمل قيل انه اي صغار الجراد والظاهر انه القمل المعروف. والضفادع فملأت اوعيتهم واقلقتهم. واذتهم اذية شديدة اما ان يكون الرعاة او كما قال كثير من المفسرين ان ماءهم الذي يشربون القلم دما فكانوا لا يشربون الا دما ولا يطبخون الا بدم ايات مفصلات اي ادلة وبينات على انهم كانوا كاذبين ظالمين. وعلى ان ما جاء به موسى حق وصدق اكبروا لما رأوا الايات وكانوا في سابق امرهم قوما مجرمين. فلذلك عاقبهم الله تعالى بان ابقاهم على الغي والضلال فلما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادعو لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت ان لك ولنرسلن معك ولنرسلن معك بني اسرائيل ولما وقع عليهم الرجز اي العذاب يحتمل ان المراد به الطاعون كما قاله كثير من المفسرين ويحتمل ان يراد بهما ما تقدم من الايات الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم. فانها رجز وعذاب. وانهم كلما اصابهم واحد منها قالوا موسى ادعو لنا ربك بما عهد عندك. اي تشفعوا بموسى بما عاهد الله عنده من الوحي والشرع. لان كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك كبني اسرائيل وهم في ذلك كذبة لا قصد لهم الا زوال ما حل بهم من العذاب. وظنوا اذا رفع لا يصيبهم غيره فلما كشفنا عنهم الرجز الى اجل هم بالغون اي الى مدة قدر الله بقاءهم اليها. وليس كشفا مؤبدا وانما هو مؤقت. اذا هم ينكثون العهد الذي عاهدوا عليه موسى وعدوه بالايمان به وارسال بني اسرائيل. فلا امنوا به ولا ارسلوا معه بني اسرائيل. بل استمروا على كفرهم يعمهون. وعلى تعذيب بني فانتقمنا منهم اي حين جاء الوقت المؤقت لهلاكهم امر الله موسى ان يسري ببنيه اسرائيل ليلا واخبره ان فرعون سيتبعهم هو وجنوده. فارسل فرعون في المدائن حاشرين. يجمعون الناس ليتبعوا بني اسرائيل وقالوا لهم ان هؤلاء لشرذمة قليلون. وانهم لنا لعائضون وانا لجميع حاذرون. فاخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم. كذلك واورثناها بني اسرائيل فاتبعوهم مشرقين. فلما تراءى الجمعان قال اصحاب موسى انا يدركون قال كلا ان معي ربي سيهدين. فاوحينا الى موسى ان اضرب بعصاك البحر فانفلق. فكان كل فرق كالطود العظيم ازلفنا ثم الاخرين. وانجينا موسى ومن معه اجمعين. ثم اغرقنا الاخرين. وقال هنا فاغرقناهم في اليم بانهم كذبوا باياتنا وكانوا عنها غافلين. اي بسبب تكذيبهم بايات الله واعراضهم عما دلت عليه من الحق ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون. واورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون في الارض. اي بني اسرائيل الذين كانوا خدمة لال فرعون يصومونهم سوء العذاب. اورثهم الله مشارق الارض ومغاربها. والمراد بالارض ها هنا ارض مصر التي كانوا فيها مستضعفين اذلين اي ملكهم الله جميعها ومكنهم فيها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني اسرائيل بما صبروا حين قال لهم موسى استعينوا بالله واصبروا. ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده. والعاقبة للمتقين. ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من الابنية الهائلة والمساكين المزخرفة وما كانوا يعرشون. فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا. ان في ذلك اية لقوم يعلمون هم قوم تجهلون. وجاوزنا ببني اسرائيل البحر بعدما انجاهم الله من عدوهم فرعون وقومه. واهلكهم الله وبنو اسرائيل ينظرون فاتوا اي مروا على قوم يعكفون على اصنام لهم اي يقيمون عندها ويتبركون بها ويعبدونها قالوا من جهلهم وسفههم لنبيهم موسى بعدما اراهم الله من الايات ما اراهم. يا موسى اجعل لنا الها كما لهم الهة. اي اشرع لنا ان اتخذ اصناما الهة كما اتخذها هؤلاء. فقال لهم موسى انكم قوم تجهلون. واي جهل اعظم من جهل من جهل ربه وخالقه واراد ان يسوي به غيرة ممن لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ولهذا قال لهم موسى هؤلاء ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ان هؤلاء مكبر ما هم فيه وباطن ما كانوا يعملون. لان دعاءهم اياها باطل. وهي باطلة بنفسها. فالعمل باطل غايته باطلة قال اغير الله ابغيكم الها؟ اي ااطلب لكم الها غير الله المألوف؟ الكامل في ذاته وصفاته وافعاله. وهو فضلكم على العالمين. فيقتضي ان تقابلوا فضله وتفضيله بالشكر. وذلك بافراده وحده بالعبادة والكفر بما يدعى من دونه. ثم ما امتن الله به عليهم فقال يسومونكم سوء العذاب يقتلون ابناء واذ انجيناكم من ال فرعون اي من فرعون واله يصومونكم سوء العذاب اي يوجهون اليكم من العذاب اسوأ. وهو انهم كانوا يقتلون ابناءكم ويستحيون نساءكم. وفي ذلكم النجاة من عذابهم. بلاء من ربكم عظيم اي نعمة جليلة ومنحة جزيلة. اي وفي ذلك العذاب الصادر منهم لكم بلاء من ربكم عليكم عظيم. فلما ذكرهم موسى بعضهم انتهوا عن ذلك. ولما اتم الله نعمته عليهم بالنجاة من عدوهم. وتمكينهم في الارض. اراد تبارك وتعالى ان يتم نعمته عليهم بانزال الكتاب الذي فيه الاحكام الشرعية والعقائد المرضية وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي فواعد موسى ثلاثين ليلة واتمها بعشر فصارت اربعين ليلة ليستعد موسى ويتهيأ لوعد الله ويكون لنزولها موقع كبير لديهم. وتشوق الى انزالها. ولما ذهب موسى الى ميقات ربه قال لهارون موصيا له على بني اسرائيل من حرصه عليهم وشفقته. اخلفني في قومي اي كن خليفتي فيهم واعمل فيهم بما كنت اعمل واصلح اي اتبع طريق الصلاح ولا تتبع سبيل المفسدين. وهم الذين يعملون بالمعاصي فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا. فلما ما افاق قال سبحانك تبت اليك وانا اول المؤمنين. ولما جاء موسى لميقات الذي وقتناه له لانزال الكتاب وكلمه ربه بما كلمه من وحيه وامره ونهيه. تشوق الى رؤية الله ونزعت لذلك حبا لربه ومودة لرؤيته. فقال رب ارني انظر اليك. قال الله لن تراني. اي لن تقدر الان على رؤيتك فان الله تبارك وتعالى انشأ الخلق في هذه الدار على نشأة لا يقدرون بها ولا يثبتون لرؤية الله. وليس في هذا دليل على انهم يرونه في الجنة فانه قد دلت النصوص القرآنية والاحاديث النبوية على ان اهل الجنة يرون ربهم تبارك وتعالى ويتمتعون بالنظر الى الى وجهه الكريم وانه ينشأهم نشأة كاملة يقدرون معها على رؤية الله تعالى. ولهذا رتب الله الرؤية في هذه الاية على ثبوت الجبل فقال مقنعا لموسى في عدم اجابته للرؤية ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه اذا تجلى الله له فسوف تراه فلما تجلى ربه للجبل الاصم الغليظ جعله دكا اي انهال مثل الرمل انزعاجا من رؤية الله وعدم ثبوته لها وخرم موسى حين رأى ما رأى صعقا. فتبين له حينئذ انه اذا لم يثبت الجبل لرؤية الله. فموسى اولى الا يثبت لذلك. واستغفر ربه لما صدر منه من السؤال الذي لم يوافق موضعا. ولذلك قال سبحانك اي تنزيها لك وتعظيما عما لا يليق بجلالك. تبت اليك من جميع الذنوب وسوء الادب معك وانا اول المؤمنين. اي جدد عليه الصلاة والسلام ايمانه بما كمل الله له من ما كان يجهله وقبل ذلك فلما منعه الله من رؤيته بعدما كان متشوقا اليها اعطاه خيرا كثيرا فقال يا موسى اني اصطفيتك على الناس. اي اخترتك واجتبيتك وفضلتك. وخصصتك بفضائل عظيمة ومناقب جليلة التي لا اجعلها ولا اخص بها الا افضل الخلق. وبكلامي اياك من غير واسطة. وهذه فضيلة اختص بها موسى الكليم. وعرف بها من بين اخوانه من المرسلين فخذ ما اتيتك من النعم وخذ ما اتيتك من الامر والنهي بانشراح صدر وتلقاه بالقبول والانقياد وكن من الشاكرين لله على ما خصك وفضلك سأريكم دار الفاسقين وكتبنا له في الالواح من كل شيء يحتاج اليه العباد موعظة ترغب النفوس في افعال الخير وترهبهم من افعال الشر. وتفصيلا لكل شيء من الاحكام الشرعية والعقائد والاخلاق والاداب. فخذها بقوة اي بجد اجتهاد على اقامتها وامر قومك يأخذوا باحسنها وهي الاوامر الواجبة والمستحبة فانها احسنها. وفي هذا دليل على ان اوامر الله في كل شريعة كاملة عادلة حسنة. ساريكم دار الفاسقين بعدما اهلكهم الله وابقى ديارهم عبرة بعدهم. يعتبر بها المؤمنون الموفقون المتواضعون. واما غيرهم فقال عنهم وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه ذلك بانهم كذبوا باياتهم ساصرف عن اياتي اي عن الاعتبار في الايات الافقية والنفسية والفهم لايات الكتاب الذين يتكبرون في الارض بغير الحق. اي يتكبرون على عباد الله وعلى الحق. وعلى من جاء به. فمن كان بهذه الصفة حرمه الله خيرا كثيرا وخذله. ولم يفقه من ايات الله ما ينتفع به. بل ربما انقلبت عليه الحقائق واستحسن القبيح. وان يروا كل اية فيؤمن بها لاعراضهم واعتراضهم ومحادتهم لله ورسوله. وان يروا سبيل الرشد اي الهدى والاستقامة وهو الصراط الموصل الى الله والى دار كرامته لا يتخذوه اي لا يسلكوه ولا يرغبوا فيه. وان يروا سبيل الغي اي الغواية الموصل لصاحبه الى دار الشر يتخذوه سبيلا. والسبب في انحرافهم هذا الانحراف. ذلك بانهم كذبوا باياتنا وكانوا عنها غافلين. فردهم لايات الله وغفلتهم عما يراد بها واحتقارهم لها. هو الذي اوجب لهم من سلوك طريق الغي وترك طريق الرشاد ما اوجب باياتنا ورقاء الاخرة حبطت اعمالهم. هل يجزون الا ما كانوا يعملون. والذين كذبوا باياتنا العظيمة الدالة على صحة ما ارسلنا به رسلنا الاخرة حبطت اعمالهم لانها على غير اساس. وقد فقد شرطها وهو الايمان بايات الله والتصديق بجزاءه. هل يجزون في بطلان اعمالهم الهم وحصولي ضد مقصودهم الا ما كانوا يعملون. فان اعمال من لا يؤمن باليوم الاخر لا يرجو فيها ثوابا وليس لها غاية تنتهي اليه فلذلك اضمحلت وبطلت. واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا الم يروا انه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين. واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا. صاغه السامري والقى عليه قبره من اثر الرسول فصار له خوار وصوت فعبدوه واتخذوه الها. وقال هذا الهكم واله موسى. فنسي موسى وذهب يطلبه وهذا من سفههم وقلة بصيرتهم. كيف اشتبه عليهم رب الارض والسماوات بعجل من انقص المخلوقات. ولهذا قال مبينا انه ليس فيه من الصفات الذاتية ولا الفعلية ما يوجب ان يكون الها؟ الم يروا انه لا يكلمهم اي عدم الكلام نقص عظيم فهم اكمل حالة من هذا الحيوان او الجماد. الذي لا يتكلم ولا يهديهم سبيلا. اي لا يدلهم طريقا دينيا ولا يحصل لهم مصلحة دنيوية لان من المتقرر في العقول والفطر ان اتخاذ اله لا يتكلم ولا ينفع ولا يضر من ابطال الباطل واسمج السفه. ولهذا قال اتخذوه وكانوا ظالمين. حيث وضعوا العبادة في غير موضعها واشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا. وفيه دليل على ان من انكر كلام الله فقد انكر خصائص الهية الله تعالى. لان الله ذكر ان عدم الكلام دليل على عدم صلاحية الذي لا يتكلم للالهية قالوا لان لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين. ولما رجع موسى الى قومه على هذه الحال واخبرهم بضلالهم. ندموا وسقط في ايديهم. اي من الهم والندم على فعلهم. ورأوا انهم قد ضلوا. فتنصلوا الى الله وتضرعوا وقالوا لان لم يرحمنا ربنا فيدلنا عليه ويرزقنا عبادته ويوفقنا لصالح الاعمال ويغفر لنا ما صدر من العجل لنكونن من الخاسرين. الذين خسروا الدنيا والاخرة والقى الالواح فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ولما رجع موسى الى قومه غضبان اسفا اي ممتلئا غضبا وغيظا عليهم لتمام غيرته عليه الصلاة والسلام كما لنصحه وشفقته قال بئس ما خلفتموني من بعدي اي بئس الحالة التي خلفتموني بها من بعد ذهابي عنكم. فانها حالة تفضي الى الهلاك الابدي والشقاء السرمدي. اعجلتم امر ربكم حيث وعدكم بانزال الكتاب فبادرتم برأيكم الفاسد. الى هذه الخصلة القبيحة والقى الالواح اي رماها من الغضب واخذ برأس اخيه هارون ولحيته يجره اليه وقال له ما منعك اذ رأيتهم الا تتبعا افعصيت امري لك بقول اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. فقال يا ابن ام لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي اني خشيت ان تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي وقال هنا ابن ام هذا ترقيق لاخيه بذكر الام وحدها والا فهو شقيقه لامه وابيه. ان القوم استضعفوني اي احتقروني حين قلت لهم يا قومي انما فتنتم به وان ربكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا امري. وكادوا يقتلونني اي فلا تظن بي تقصيرا. فلا تشمت بي الاعداء بنهرك لي يبس فان الاعداء حريصون على ان يجدوا علي عثرة او يطلعوا لي على زلة ولا تجعلني مع القوم الظالمين فتعاملني حملتهم فندم موسى عليه السلام على ما استعجل من صنعه باخيه قبل ان يعلم براءته مما ظنه فيه من التقصير ولاخي وادخلنا في رحمتك وانت ارحم الراحمين. وقال ربي اغفر لي ولاخي هارون وادخلنا في رحمتك اي في وسطها واجعل رحمتك تحيط بنا من كل جانب. فانها حصن حصين من جميع الشرور. وثم كل خير وسرور وانت ارحم الراحمين. اي ارحم بنا من كل راحم. ارحم بنا من ابائنا وامهاتنا واولادنا وانفسنا. قال الله تعالى مبينا حاله اهل العجل الذين عبدوه ان الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة ان الذين اتخذوا العجل اي اله سينالهم غضب من ربهم في الحياة الدنيا كما اغضبوا ربهم واستهانوا بامره. وكذلك نجزي المفترين. فكل مفتر على الله كاذب على شرعه. متقول عليه فيما لم يقل فان له نصيبا من الغضب من الله والذل في الحياة الدنيا وقد نالهم غضب الله حيث امرهم ان يقتلوا انفسهم وانه لا يرضى الله عنهم الا بذلك فقتل بعضهم بعضا. وانجلت المعركة عن كثير من القتلى. ثم تاب الله عليهم بعد ذلك. ولهذا ذكر حكما عاما فيه هم وغيرهم فقال ان ربك من بعدها لغفور رحيم. والذين عملوا السيئات من شرك وكبائر وصغائر. ثم تابوا من بعدها بان ندموا على ما مضى واقلعوا عنها. وعزموا الا يعودوا وامنوا بالله وبما اوجب الله من الايمان به. ولا يتم الايمان الا باعمال للقلوب واعمال الجوارح المترتبة على الايمان. ان ربك من بعدها اي بعد هذه الحالة حالة التوبة من السيئات والرجوع الى الطاعات لغفور يغفر السيئات ويمحوها ولو كانت قراب الارض. رحيم بقبول التوبة والتوفيق لافعال الخير وقبولها ولما سكت عن موسى الغضب اي سكن غضبه وتراجعت نفسه وعرف ما هو فيه اشتغل باهم الاشياء عنده فاخذ الالواح التي القاها وهي الواح عظيمة المقدار جليلة. وفي نسختها اي مشتملة ومتضمنة هدى ورحمة اي فيها الهدى من الضلالة وبيان الحق من الباطل. واعمال الخير واعمال الشر. والهدى لاحسن الاعمال والاخلاق والاداب. ورحمة وسعادة لمن عمل بها وعلم احكامها ومعانيها. ولكن ليس كل احد يقبل هدى الله ورحمته. وانما يقبل ذلك وينقاد له ويتلقاه بالقبول الذين هم لربهم يرهبون. اي يخافون منه ويخشونه. واما من لم يخف الله ولا المقام بين يديه. فانه لا يزداد بها الا عتوا وتقوم عليه حجة الله فيها. واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا اخذت اي اتهلكنا بما فعل السفهاء منا ان هي الا فتنة تطل بها من تشاء. وتهدي من تشاء فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الغافرين فاغفر لنا وارحمنا انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الغافلين. ولما تاب بنو اسرائيل وتراجعوا الى رشدهم. اختار موسى منهم سبعين رجلا من خيارهم ليعتذروا لقومهم عند ربهم. ووعدهم الله ميقاتا يحضرون فيه. فلما حضروا قالوا يا موسى ارنا الله جهره. تتجرأ على الله جراءة كبيرة. واساءوا الادب معه. فاخذتهم الرجفة فصعقوا وهلكوا. فلم يزل موسى عليه الصلاة والسلام يتضرع الى الله ويتبتل ويقول ربي لو شئت اهلكتهم من قبل ان يحضروا ويكونوا في حالة يعتذرون فيها لقومهم فصاروا هم الظالمين. اتهلكنا بما فعل السفهاء منا؟ اي ضعفاء العقول؟ سفهاء الاحلام. فتضرع الى الله واعتذر بان المتجرئين على الله ليس لهم عقول كاملة تردعهم عما قالوا وفعلوا. وبانهم حصل لهم فتنة يخطر بها الانسان. ويخاف من ذهاب دينه. فقال هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء. انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الغافرين. اي انت خير من غفر واولى من رحم واكرم من اعطى وتفضل فكأن موسى عليه الصلاة والسلام قال المقصود يا رب بالقصد الاول لنا كلنا هو التزام طاعتك والايمان بك. وان من حضره عقله ورشده وتم على ما وهبته من التوفيق. فانه لم يزل مستقيما. واما من ضعف عقله ما رأيه وصرفته الفتنة؟ فهو الذي فعل ما فعل. لذينك السببين ومع هذا فانت ارحم الراحمين وخير الغافرين. فاغفر لنا ارحمنا فاجاب الله سؤاله واحياهم من بعد موتهم وغفر لهم ذنوبهم. وقال موسى في تمام دعائه قال ورحمتي وسعت كل شيء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم اياتنا يؤمنون. واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة من علم نافع ورزق واسع وعمل صالح. وفي الاخرة حسنة وهي ما اعد الله لاوليائه الصالحين من الثواب انا هدنا اليك اي رجعنا مقرين بتقصيرنا منيبين في جميع امورنا قال الله تعالى عذابي اصيب به من اشاء ممن كان شقيا متعرضا لاسبابه ورحمته وسعت كل شيء من العالم العلوي والسفلي البر والفاجر المؤمن والكافر. فلا مخلوق الا قد وصلت اليه رحمة الله وغمره فضله واحسانه. ولكن الرحمة الخاصة المقتضية لسعادة الدنيا والاخرة ليست لكل احد. ولهذا قال عنها فساكتبها للذين يتقون المعاصي صغارها وكبارها يؤتون الزكاة الواجبة مستحقيها. والذين هم باياتنا يؤمنون. ومن تمام الايمان بايات الله معرفة معناها والعمل بمقتضاها ومن ذلك اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا. في اصول الدين وفروعه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور. واتبعوا النور هم المفلحون الذين يتبعون الرسول النبي الامي احتراز عن سائر الانبياء. فان المقصود بهذا محمد بن عبدالله بن عبد المطلب صلى الله عليه عليه وسلم. والسياق في احوال بني اسرائيل وان الايمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. شرط في دخولهم في الايمان. وان المؤمنين متبعين هم اهل الرحمة المطلقة التي كتبها الله لهم ووصفه بالامي لانه من العرب الامة الامية التي لا تقرأ ولا تكتب وليس عندها قبل القرآن كتاب. الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل. باسمه وصفته. التي من اعظمها واجلها ما يدعو اليه وينهى عنه وانه يأمرهم بالمعروف وهو كل ما عرف حسنه وصلاحه ونفعه وينهاهم عن المنكر وهو كل ما عرف قبحه في العقول والفطر. فيأمرهم بالصلاة والزكاة والصوم والحج وصلة الارحام وبر الوالدين. والاحسان الى الجار والمملوك وبذل النفع الخلق والصدق والعفاف والبر والنصيحة وما اشبه ذلك وينهى عن الشرك بالله وقتل النفوس بغير حق والزنا وشرب ما يسكر العقل والظلم لسائر الخلق والكذب والفجور ونحو ذلك. فاعظم دليل يدل على انه رسول الله ما دعا اليه وامر به ونهى عنه واحله وحرمه. فانه يحل لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والمناكح. ويحرم عليهم الخبائث من المطاعم والمشارب والمناجم والاقوال والافعال. ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم. اي ومن وصفه ان دينه سهل سمح ميسر. لا اصر فيه ولا لا اغلال ولا مشقات ولا تكاليف ثقال. فالذين امنوا به وعزروه اي عظموه وبجلوه. ونصروه واتبعوا النور الذي انزل وهو القرآن الذي استضاء به في ظلمات الشك والجهالات. ويقتدى به اذا تعارضت المقالات. اولئك هم المفلحون. الظافر بخير الدنيا والاخرة والناجون من شرهما لانهم اتوا باكبر اسباب الفلاح. واما من لم يؤمن بهذا النبي الامي ويعزره وينصره ولم يتبع النور الذي انزل معه فاولئك هم الخاسرون. ولما دعا اهل التوراة من بني اسرائيل الى اتباعه. وكان ربما توهم متوهم ان الحكم مقصور عليهم اتى بما يدل على العموم فقال اليكم جميعا الذين هم ملك السماوات الذين هم ملك السماوات والارض ناء لا اله الا هو يحيي ويميت. فامنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون. قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا اي عربيكم وعجميكم اهل الكتاب منكم وغيرهم. الذي له ملك السماوات والارض. يتصرف فيهما باحكامه الكونية والتدابير السلطانية وباحكامه الشرعية الدينية التي من جملتها ان ارسل اليكم رسولا عظيما يدعوكم الى الله والى دار كرامته. ويحذركم من كل ما يباعدكم منه ومن دار كرامته. لا اله الا هو اي لا معبود بحق الا الله وحده لا شريك له. ولا تعرف عبادته الا من طريق رسله يحيي ويميت اي من جملة تدابيره. الاحياء والاماتة التي لا يشاركه فيها احد. الذي جعل الموت جسرا ومعبرا منه الى دار البقاء التي من امن بها صدق الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم قطعا. فامنوا بالله ورسوله النبي الامي ايمانا في القلب متضمنا لاعمال القلوب والجوارح الذي يؤمن بالله وكلماته اي امنوا بهذا الرسول المستقيم في عقائده واعماله ما له واتبعوه لعلكم تهتدون في مصالحكم الدينية والدنيوية. فانكم اذا لم تتبعوه ضللتم ضلالا بعيدا ومن قوم موسى اي جماعة يهدون بالحق وبه يعدلون. اي يهدون به الناس في تعليمهم اياه وفتواهم له. ويعدلون به بينهم في الحكم بينهم بقضاياهم اولى بالسعي اليه والتقديم له على غيره. فخاصية العقل النظر للعواقب. واما من نظر الى عاجل طفيف منقطع. يفوت نعيما باقيا فانى له العقل والرأي. وانما العقلاء حقيقة من وصفهم الله بقوله كما قال تعالى وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون. وفي هذا فضيلة لامة موسى عليه الصلاة والسلام وان الله تعالى جعل منهم هداة يهدون بامره. وكأن الاتيان بهذه الاية الكريمة فيه نوع احتراز مما تقدم. فانه تعالى فذكر فيما تقدم جملة من معايب بني اسرائيل المنافية للكمال المناقضة للهداية. فربما توهم متوهم ان هذا يعم جميعهم فذكر تعالى ان منهم طائفة مستقيمة هادية مهدية. وقطعناه اثنتي عشرة اسباطا امما واوحينا الى موسى اذ استسقاه قومه ان اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا اه وقطعناهم اي قسمناهم اثنتي عشرة اسباطا امما. اي اثنتي عشرة قبيلة متعارفة متوالفة كل بني رجل من اولاد يعقوب قبيلة واوحينا الى موسى اذ استسقاه قومه اي طلبوا منه ان يدعوا الله تعالى ان يسقيهم ماء تشربون منه وتشربوا منه مواشيهم. وذلك لانهم والله اعلم في محل قليل الماء. فاوحى الله لموسى اجابة لطلبتهم ان اضرب بعصاك كالحجر يحتمل انه حجر معين ويحتمل انه اسم جنس. يشمل اي حجر كان فضربه ثم جسد اي انفجرت من ذلك الحجر اثنتا عشرة عينا جارية سارحة قد علم كل اناس مشربهم اي قد قسم على كل قبيلة من تلك القبائل الاثنتي عشرة وجعل لكل منهم عينا فعلموها واطمأنوا واستراحوا من التعب والمزاحمة والمخاصمة. وهذا من تمام نعمة الله عليهم. وظللنا عليهم امام فكان يسترهم من حر الشمس وانزلنا عليهم المن وهو الحلوى والسلوى. وهو لحم طير من احسن انواع الطيور والذها فجمع الله لهم بين الظلال والشراب والطعام الطيب. من الحلوى واللحوم على وجه الراحة والطمأنينة. وقيل لهم كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا حين لم يشكروا الله ولم يقوموا بما اوجب الله عليهم. ولكن كانوا انفسهم يظلمون حيث فوتوها كل خير تعرضوها للشر والنقمة وهذا كان مدة لبسهم في التيه. وان قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منا حيث شئتم ارادة وابعدهم الله من رحمته. ثم ذكر ضرب الذلة والصغار على من بقي منهم. فقال واذ تأذن ربك اي اعلم اعلاما صريحا ليبعثن عليهم الى يوم القيامة من يصومهم سوء العذاب ان يهينهم ويذلهم. ان ربك لسريع العقاب لمن عصاه. حتى انه ثم قولوا حطة وادخلوا الباب سجدا وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئ واذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية ايدخلوها لتكون وطنا لكم انا وهي اي الياء وكلوا منها حيث شئتم. اي قرية كانت كثيرة الاشجار غزيرة الثمار. رغيدة العيش. فلذلك امرهم الله ان يأكل منها حيث شاءوا. وقولوا حين تدخلون الباب حطة. اي احطط عنا خطايانا واعف عنا. وادخلوا الباب سجدا. اي خاضعين لربكم مستكينين لعزته. شاكرين لنعمته. فامرهم بالخضوع وسؤال المغفرة. ووعدهم على ذلك مغفرة ذنوبهم. والثواب العاجل والاجل فقال نغفر لكم خطيئاتكم. سنزيد المحسنين من خير الدنيا والاخرة من غير الذي قيل لهم فارسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا فلم يمتثلوا هذا الامر الالهي بل بدل الذين ظلموا منهم اي عصوا الله واستهانوا بامره قولا غير الذي قيل قيل لهم فقالوا بدل طلب المغفرة وقولهم حطة حبة في شعيرة واذا بدلوا القول مع يسره وسهولته فتبديلهم للفعل من باب لاولى ولهذا دخلوا وهم يزحفون على استاههم. فارسلنا عليهم حين خالفوا امر الله وعصوه. رجزا من السماء اي عذابا شديد اما الطاعون واما غيره من العقوبات السماوية. وما ظلمهم الله بعقابه وانما كان ذلك بما كانوا يظلمون. اي يخرجون من طاعة الله الى معصيته. من غير ضرورة الجأتهم ولا داع دعاهم سوى الخبث والشر الذي كان كامنا في نفوسهم اذ تأتيهم حيتانهم يوم ثابتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتي كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون. واسألهم اي اسأل بني اسرائيل عن القرية التي كانت حاضرة البحر. اي على ساحله في حال تعديهم وعقاب الله اياهم. اذ يعدون في السبت وكان الله تعالى قد امرهم وان يعظموه ويحترموه. ولا يصيدوا فيه صيدا. فابتلاهم الله وامتحنهم. فكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعا. اي كثيرة عطية على وجه البحر ويوم لا يسبتون اي اذا ذهب يوم السبت لا تأتيهم اي تذهبوا في البحر فلا يرون منها شيئا كذلك نبلوهم والدار الاخرة خير للذين يتقون ما حرم الله عليهم من المآكل التي تصاب وتأكل رشوة على الحكم بغير ما انزل الله ذلك من انواع المحرمات. افلا تعقلون؟ اي افلا يكون لكم عقول توازن بينما ينبغي ايثاره؟ وما ينبغي الايثار عليه. وما هو ما كانوا يفسقون. ففسقهم هو الذي اوجب ان يبتليهم الله. وان تكون لهم هذه المحنة. والا فلو لم يفسقوا لعافاهم الله. ولما عرضهم للبلاء والشر. فتحيلوا على الصيد. فكانوا يحفرون لها حفرا وينصبون لها الشباك. فاذا جاء يوم السبت ووقعت في تلك الحفر والشباك يأخذوها في ذلك اليوم. فاذا جاء يوم الاحد اخذوها وكثر فيهم ذلك. وانقسموا ثلاث فرق. معظمهم اعتدوا وتجرأوا بذلك وفرقة اعلنت بنهيهم والانكار عليهم. وفرقة اكتفت بانكار اولئك عليهم ونهيهم لهم. وقالوا لهم قالوا معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون. لم تعظون قوما الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديد كأنهم يقولون لا فائدة في وعظ من اقتحم محارم الله ولم يصغي للنصيح بل استمر على اعتدائه وطغيانه فانه لا بد ان عاقبهم الله اما بهلاك او عذاب شديد. فقال الواعظون نعظهم وننهاهم. معذرة الى ربكم. اي لنعذر فيهم ولعلهم يتقون ان يتركون ما هم فيه من المعصية فلا نيأس من هدايتهم فربما نجع فيهم الوعظ واكثر فيهم اللوم وهذا المقصود الاعظم من انكار المنكر ليكون معذرة واقامة حجة على المأمور المنهي. ولعل الله ان يهديه فيعمل بمقتضى ذلك الامر والنهي فلما نسوا ما ذكروا به انجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا فلما نسوا ما ذكروا به اي تركوا ما ذكروا به واستمروا على واعتدائهم انجينا من العذاب الذين ينهون عن السوء. وهكذا سنة الله في عباده ان العقوبة اذا نزلت نجا منها الامر بالمعروف والناهون عن المنكر. واخذنا الذين ظلموا وهم الذين اعتدوا في السبت بعذاب بئيس اي شديد بما كانوا يفسقون واما الفرقة الاخرى التي قالت للناهين لما تعظون قوما الله مهلكهم؟ فاختلف المفسرون في نجاتهم وهلاكهم والظاهر انهم كانوا من لان الله خص الهلاك بالظالمين وهو لم يذكر انهم ظالمون. فدل على ان العقوبة خاصة بالمعتدين في السبت. ولان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية. اذا قام به البعض سقط عن الاخرين. فاكتفوا بانكار اولئك. ولانهم انكروا عليهم بقولهم لما تعظون ومن الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا. فابدوا من غضبهم عليهم ما يقتضي انهم كارهون اشد الكراهة لفعلهم. وان الله سيعاقبهم اشد العقوبة فلما عتوا عما نهوا عنه اي فسقوا فلم يلينوا ولا اتعظوا. قلنا لهم قولا قدريا كونوا قردة خاسئين. فانقلبوا باذن الله عجلوا له العقوبة في الدنيا وانه لغفور رحيم. لمن تاب اليه واناب. يغفر له الذنوب ويستر عليه العيوب. ويرحمه ان يتقبل منه الطاعات ويثيبه عليها بانواع المثوبات. وقد فعل الله بهم ما اوعدهم به. فلا يزالون في ذل واهانة تحت حكم غيرهم لا تقوم لهم راية ولا ينصر لهم علم وقطعناهم في الارض اي فرقناهم ومزقناهم في الارض بعد ما كانوا مجتمعين. منهم الصالحون القائمون بحقوق الله وحقوق عباده. ومنهم دون ذلك يعيدون الصلاح اما مقتصدون واما ظالمون لانفسهم وبلوناهم على عادتنا وسنتنا بالحسنات والسيئات بالعسر واليسر لعلهم يرجعون عما هم عليه مقيمون من الردى. يراجعون ما خلقوا له من الهدى. فلم يزالوا بين صالح وطالح وان يأتيهم عرض مثله يأخذون الم يؤخذ عليهم والدار الاخرة حتى خلف من بعدهم خلف زاد شرهم ورثوا بعدهم الكتاب وصار المرجع فيه اليهم وصاروا يتصرفون فيه باهوائهم. وتبذل لهم الاموال ليفتوا ويحكموا بغير الحق. وفشت فيهم الرشوة يأخذون عرض هذا الادنى ويقولون مقرين بانه ذنب وانهم ظلمة. سيغفر لنا. وهذا قول خال من الحقيقة. فانه ليس كفارا وطلبا للمغفرة على الحقيقة فلو كان ذلك لندموا على ما فعلوا وعزموا على الا يعودوا ولكنهم اذا اتاهم عرض اخر ورشوة الاخرى يأخذوا فاشتروا بايات الله ثمنا قليلا. واستبدلوا الذي هو ادنى بالذي هو خير. قال الله تعالى في الانكار عليهم وبيان الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب الا يقولوا على الله الا الحق. فما بالهم يقولون عليه غير الحق اتباعا لاهوائهم وميلا مع مطامعهم والحال انهم قد درسوا ما فيه. فليس عليهم فيه اشكال بل قد اتوا امرهم متعمدين. وكانوا في امرهم مستبصرين. وهذا اعظم للذنب واشد للوم واشنع للعقوبة. وهذا من نقص عقولهم وسفاهة رأيهم. بايثار الحياة الدنيا على الاخرة. ولهذا قال واقاموا الصلاة انا لا نضيع اجر المصلحين والذين يمسكون بالكتاب ان يتمسكون به علما وعملا. فيعلمون ما فيه من الاحكام والاخبار التي علمها اشرف العلوم. ويعملون بما فيها من الاوامر التي هي قرة العيون وسرور وافراح الارواح وصلاح الدنيا والاخرة. ومن اعظم ما يجب التمسك به من المأمورات. اقامة الصلاة ظاهرا وباطنا. ولهذا خص الله بالذكر لفضلها وشرفها وكونها ميزان الايمان. واقامتها داعية لاقامة غيرها من العبادات. ولما كان عملهم كله اصلاحا. قال تعالى انا لا نضيع اجر المصلحين. في اقوالهم واعمالهم ونياتهم. مصلحين لانفسهم ولغيرهم. وهذه الاية وما اشبهها. دلت على ان الله بعث رسله عليهم الصلاة والسلام بالصلاح لا بالفساد. وبالمنافع لا بالمضار وانهم بعثوا بصلاح الدار فكل من كان اصلح كان اقرب الى اتباعهم ثم قال تعالى واذ نتقنا الجبل فوقهم حين امتنعوا من قبول ما في التوراة فالزمهم الله العمل نطق فوق رؤوسهم الجبل فصار فوقهم كانه ظلة وظنوا انه واقع بهم وقيل لهم خذوا ما اتيناكم بقوة حبايبي جد واجتهاد. واذكروا ما فيه. دراسة ومباحثة واتصافا بالعمل به. لعلكم تتقون اذا فعلتم ذلك اذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلون يقول تعالى واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم. اي اخرج من اصلابهم ذريتهم. وجعلهم يتناسلون ويتوالدون قرنا بعد قرن. وحين اخرجهم من بطون امهاتهم واصلاب ابائهم. اشهدهم على انفسهم. الست بربكم؟ اي باثبات ربوبيته بما اودع في فطره من الاقرار. بانه ربهم وخالقهم ومليكهم. قالوا بلى قد اقررنا بذلك. فان الله تعالى فطر عباده على الدين الحنيف القيم. فكل احد فهو مفطور على ذلك. ولكن الفطرة قد تغير وتبدل بما يطرأ عليها من العقائد الفاسدة. ولهذا قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين. اي انما امتحناكم حتى اقررتم بما تقرر عندكم من ان الله تعالى ربكم خشية ان تنكروا يوم القيامة. فلا تقروا بشيء من ذلك. وتزعمون ان حجة الله ما قامت عليكم ولا عندكم بها علم بل انتم غافلون عنها لاهون. فاليوم قد انقطعت حجتكم وثبتت الحجة البالغة لله عليكم او تحتجون ايضا بحجة اخرى فتقولون افتهلكنا بما فعل المبطنون انما اشرك اباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم. فحذونا حذوهم وتبعناهم في باطلهم. افتهلكنا بما فعل المبطلون قد اودع الله في فطركم ما يدل على ان ما مع ابائكم باطل. وان الحق ما جاءت به الرسل. وهذا يقاوم ما وجدتم عليه اباءكم. ويعلو عليه نعم قد يعرض للعبد من اقوال ابائهم الضالين ومذاهبهم الفاسدة ما يظنه هو الحق وما ذاك الا لاعراضه عن حجج الله واياته الافقية والنفسية. فاعراضه عن ذلك واقباله على ما قاله المبطلون. ربما سيره بحالة يفضل بها الباطل على الحق هذا هو الصواب في تفسير هذه الايات. وقد قيل ان هذا يوم اخذ الله الميثاق على ذرية ادم. حين استخرجهم من ظهره واشهدهم على انفسهم فشهدوا بذلك فاحتج عليهم بما اقروا به في ذلك الوقت على ظلمهم في كفرهم وعنادهم في الدنيا والاخرة. ولكن ليس في اية ما يدل على هذا ولا له مناسبة ولا تقتضيه حكمة الله تعالى. والواقع شاهد بذلك. فان هذا العهد والميثاق الذي ذكروا انه وحين اخرج الله ذرية ادم من ظهره حين كانوا في عالم كالذر لا يذكره احد ولا يخطر ببال ادمي فكيف يحتج الله عليهم بامر ليس عندهم به خبر ولا له عين ولا اثر. ولهذا لما كان هذا امرا واضحا جليا. قال تعالى وكذلك نفصل الايات اي نبينها ونوضحها ولعلهم يرجعون الى ما اودع الله في فطرهم والى ما عاهدوا الله عليه فيرتدعون عن القبائح فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين. يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه عليه وسلم واتل عليهم نبأ الذي اتيناه اياتنا. اي علمناه علم كتاب الله. فصار العالم الكبير والحبر النحرير. فانسلخ منها فاتبعه الشيطان اي انسلخ من الاتصاف الحقيقي بالعلم بايات الله فان العلم بذلك يصير صاحبه متصفا بمكارم الاخلاق ومحارمه الاعمال ويرقى الى اعلى الدرجات وارفع المقامات. فترك هذا كتاب الله وراء ظهره. ونبذ الاخلاق التي يأمر بها الكتاب. وخلعها كما يخلع اللباس. فلما انسلخ منها اتبعه الشيطان اي تسلط عليه حين خرج من الحصن الحصين. وصار الى اسفل السافلين فازه من المعاصي اجزاء فكان من الغاوين بعد ان كان من الراشدين المرشدين. وهذا لان الله تعالى خذله ووكله الى نفسه. فلهذا قال قال تعالى ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل علي يلهث او تتركه يلهث. ذلك فقصص القصص لعلهم يتفكرون ولو شئنا لرفعناه بها بان نوفقه للعمل بها فيرتفع في الدنيا والاخرة. فيتحصن من اعدائه. ولكنه فعل ما الخذلان فاخلد الى الارض اي الى الشهوات السفلية والمقاصد الدنيوية. واتبع هواه وترك طاعة مولاه. فمثله في شدة حرصه على الدنيا وانقطاع قلبه اليها. كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث. او تتركه يلهث. اي لا يزال لاهثا في كل حال. وهذا لا يزال حريصا حرصا قاطعا قلبه. لا يسد فاقته شيء من الدنيا. ذلك مثل القوم الذين كذبوا باياتنا بعد ان ساقها الله اليهم فلم ينقادوا لها بل كذبوا بها وردوها لهوانهم على الله. واتباعهم لاهوائهم بغير هدى من الله. فاقصص القصص لعلهم فكرونا في ضرب الامثال وفي العبر والايات. فاذا تفكروا علموا واذا علموا عملوا مثلا القوم الذين كذبوا باياتنا وانفسهم كانوا انفسهم كانوا يظلمون. اي ساء وقبح. مثل من كذب بايات الله وظلم نفسه انواع المعاصي فان مثلهم مثل السوء. وهذا الذي اتاه الله اياته. يحتمل ان المراد به شخص معين. قد كان منه ما ذكره الله. فقط الله قصته تنبيها للعباد. ويحتمل ان المراد بذلك انه اسم جنس. وانه شامل لكل من اتاه الله اياته فانسلخ منها. وفي هذه الايات الترغيب في العمل بالعلم. وان ذلك رفعة من الله لصاحبه. وعصمة من الشيطان والترهيب من عدم العمل به. وانه نزول الى للسافلين وتسليط للشيطان عليه. وفيه ان اتباع الهوى واخلاد العبد الى الشهوات يكون سببا للخذلان ومن يضلل فاولئك ثم قال تعالى مبينا انه المنفرد بالهداية والاضلال. من يهدي الله بان يوفقه الخيرات ويعصمه من المكروهات. ويعلمه ما لم يكن يعلم. فهو المهتدي حقا. لانه اثر هدايته تعالى. ومن يضلل فيخذله ولا يوفقه للخير. فاولئك هم الخاسرون لانفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران المبين لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها. ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها. اولئك هم الغافلون يقول تعالى مبينا كثرة الغاويين الضالين. المتبعين ابليس اللعين. ولقد ذرأنا اي انشأنا وبثثنا لجهنم كثيرا من الجن والانس صارت البهائم احسن حالة منهم لهم قلوب لا يفقهون بها اي لا يصل اليها فقه ولا علم الا مجرد قيام الحجة ولهم اعين لا يبصرون بها ما ينفعهم. بل فقدوا منفعتها وفائدتها. ولهم اذان لا يسمعون بها سماعا يصل معناه الى قلوبهم اولئك الذين بهذه الاوصاف القبيحة كالانعام اي البهائم التي فقدت العقول. وهؤلاء اثر ما يفنى على ما يبقى فسلبوا خاصية العقل بل هم اضل من البهائم. فان الانعام مستعملة فيما خلقت له. ولها اذهان تدرك بها مضرتها من منفعتها فلذلك كانت احسن حالا منهم. اولئك هم الغافلون الذين غفلوا عن انفع الاشياء. غفلوا عن الايمان بالله وطاعته وذكره. خلقت لهم الافئدة والاسماع والابصار. لتكون عونا لهم على القيام باوامر الله وحقوقه. فاستعانوا بها على ضد هذا المقصود. فهؤلاء يحققون بان ممن ذرأ الله لجهنم وخلقهم لها فخلقهم للنار وباعمال اهلها يعملون. واما من استعمل هذه الجوارح في عبادة الله من صبغ قلبه بالايمان بالله ومحبته. ولم يغفل عن الله فهؤلاء اهل الجنة. وباعمال اهل الجنة يعملون الحسنى فادعوه بها وذروا الذين سيجزون ما كانوا يعملون هذا بيان لعظيم جلاله وسعة اوصافه بان له الاسماء الحسنى اي له كل اسم حسن وضابطه انه كل اسم ان دال على صفة كمال عظيمة. وبذلك كانت حسنا فانها لو دلت على غير صفة بل كانت علما محضا لم تكن حسنا. وكذلك لو دلت على صفة ليست بصفة كمال او صفة منقسمة الى المدح والقدح لم تكن حسنا. فكل اسم من اسمائه دال على جميع الصفة التي اشتق منها مستغرق لجميع معناها وذلك نحو العليم. الدال على ان له علما محيطا عاما لجميع الاشياء. فلا يخرج عن علمه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء وكالرحيم الدال على ان له رحمة عظيمة واسعة لكل شيء. وكالقدير الدال على ان له قدرة عامة لا يعجزها شيء ونحو ذلك. ومن تمام كونها حسنى انه لا يدعى الا بها. ولذلك قال فادعوه بها وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء مسألة فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب. فيقول الداعي مثلا اللهم اغفر لي وارحمني. انك انت الغفور الرحيم. وتب يا تواب وارزقني يا رزاق. والطف بي يا لطيف ونحو ذلك. وقوله وذر الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون اي عقوبة وعذابا على الحادهم في اسمائه. وحقيقة الالحاد الميل بها عما جعلت له. اما بان يسمى بها من لا يستحقها كتسمية المشركين بها لالهتهم. واما بنفي معانيها وتحريفها. وان يجعل لها معنى ما اراده الله ولا رسوله. واما ان يشبه بها غيره فالواجب ان يحذر الالحاد فيها ويحذر الملحدون فيها. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ان لله تسعة وتسعين اسماء من احصاها دخل الجنة وقوله اي ومن جملة من خلقنا امة فاضلة كاملة في نفسها مكملة لغيرها يهدون انفسهم وغيرهم بالحق فيعلمون الحق او يعملون به ويعلمونه ويدعون اليه والى العمل به. وبه يعدلون بين الناس في احكامهم اذا حكموا في الاموال والدماء والحقوق والمقالات وغير ذلك وهؤلاء هم ائمة الهدى ومصابيح الدجى وهم الذين انعم الله عليهم بالايمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر وهم الصديقون الذين مرتبتهم تلي مرتبة الرسالة. وهم في انفسهم مراتب متفاوتة. كل بحسب حاله وعلو منزلته. فسبحان من يختص برحمته من يشاء. والله ذو الفضل العظيم. والذين كذبوا باياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون واملي لهم ان كيدي متين. ايها الذين كذبوا بايات بسم الله الدالة على الصحة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى. فردوها ولم يقبلوها سنستدرجهم من حيث لا يعلمون. بان ولهم الارزاق واملي لهم. اي امهلهم حتى يظنوا انهم لا يؤخذون ولا يعاقبون. فيزدادون كفرا وطغيانا وشرا الى شرهم ذلك تزيد عقوبتهم ويتضاعف عذابهم فيضرون انفسهم من حيث لا يشعرون. ولهذا قال ان كيدي متين اي قوي ان هو الا نذير اولم يتفكروا ما بصاحبهم محمد صلى الله عليه وسلم من جنة. اي اولم يعملوا افكارهم وينظروا وهل في صاحبهم الذي يعرفونه ولا يخفى عليهم من حاله شيء؟ هل هو مجنون؟ فلينظر في اخلاقه وهديه ودله وصفاته. وينظرون فيما اليه فلا يجدون فيه من الصفات الا اكملها. ولا من الاخلاق الا اتمها. ولا من العقل والرأي الا ما فاق به العالمين. ولا يدعو الى لكل خير ولا ينهى الا عن كل شر. افبهذا يا اولي الالباب من جنة؟ ام هو الامام العظيم والناصح المبين؟ والماجد الكريم والرؤوف الرحيم. ولهذا قال ان هو الا نذير مبين. اي يدعو الخلق الى ما ينجيهم من العذاب. ويحصل لهم الثواب اولم ينظروا في ملكوت السماوات والارض وما خلق الله من شيء وان عساه او لم ينظروا في ملكوت السماوات والارض فانهم اذا نظروا اليها وجدوها ادلة دالة على توحيد ربها. وعلى ما له من صفات الكمال. وكذلك لينظروا الى جميع ما خلق الله من شيء. فان جميع اجزاء العالم يدل اعظم دلالة على علم الله وقدرته وحكمته وسعة رحمته. واحسانه ونفوذ مشيئته وغير ذلك من صفاته العظيمة الدالة على تفرده بالخلق والتدبير. الموجبة لان يكون هو المعبود المحمود المسبح الموحد المحبوب وقوله وان عسى ان يكون قد اقترب اجلهم. اي لينظروا في خصوص حالهم وينظروا لانفسهم قبل ان يقترب اجلهم. ويفجأهم الموت وهم في غفلة معرضون فلا يتمكنون حينئذ من استدراك الفارق. فباي حديث بعده يؤمنون؟ اي اذا لم يؤمنوا بهذا الكتاب فباي حديث يؤمنون به؟ ابكتب الكذب والضلال ام بحديث كل مفتر دجال؟ ولكن الضال لا حيلة فيه ولا سبيل الى الى هدايته. ولهذا قال تعالى من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم اي متحيرين يترددون لا يخرجون منه ولا يهتدون الى حق ولكن ان اكثر الناس لا يعلمون. يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم. يسألونك ايها المكذبون لك المتعنتون عن الساعة ايان مرساها اي متى وقتها الذي تجيء به ومتى تحل بالخلق؟ قل انما علمها ما عند ربي اي انه تعالى مختص بعلمها. لا يجليها لوقتها الا هو. اي لا يظهرها لوقتها الذي قدر ان تقوم فيه الا هو ثقلت في السماوات والارض. اي خفي علمها على اهل السماوات والارض. واشتد امرها ايضا عليهم فهم من الساعة مشفقون. لا تأتي الا بغتة اي فجأة من حيث لا تشعرون. لم يستعدوا لها ولم يتهيأوا لقيامها. يسألونك كانك حفي عنها. اي هم على سؤالك عن الساعة كانك مستحف عن السؤال عنها ولم يعلموا انك لكمال علمك بربك وما ينفع السؤال عنه غير مبال سؤالي عنها ولا حريص على ذلك فلما لا يقتدون بك ويكفون عن الاستحفاء عن هذا السؤال الخالي من المصلحة المتعذر علمه فانه لا يعلمها نبي مرسل. ولا ملك مقرب وهي من الامور التي اخفاها الله عن الخلق. لكمال حكمته وسعة علمه. قل انما علمها عند الله ولكن اكثر الناس لا يعلمون. فلذلك حرصوا على ما لا ينبغي الحرص عليه. وخصوصا مثل حال هؤلاء الذين يتركون السؤال عن الاهم ويدعون ما يجب عليهم من العلم. ثم يذهبون الى ما لا سبيل لاحد ان يدركه. ولا هم مطالبون بعلمه الله ولو كنت ولو كنت الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ان انا الا نذير بشير لقومه يؤمنون قل لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا فاني فقير مدبر لا يأتيني خبر الا من الله ولا يدفع عني الشر الا هو. وليس لي من العلم الا ما علمني الله تعالى. ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء. اي لفعلت الاسباب التي اعلم انها تنتج لي المصالح والمنافع. ولحذرت من كل ما يفضي الى سوء ومكروه. لعلمي الاشياء قبل كونها وعلمي بما تفضي اليه. ولكني لعدم علمي قد ينالني ما ينالني من السوء. وقد يفوتني ما يفوتني من مصالح الدنيا ومنافعها فهذا ادل دليل على اني لاعلم لي بالغيب. ان انا الا نذير انذر العقوبات الدينية والدنيوية والاخروية وابين الاعمال المفضية الى ذلك. واحذر منها وبشير بالثواب العاجل والاجل. ببيان الاعمال الموصلة اليه والترغيب فيها ولكن ليس كل احد يقبل هذه البشارة والنذارة. وانما ينتفع بذلك ويقبله المؤمنون. وهذه الايات الكريمات مبينة جهل من يقصد النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوه لحصول نفع او دفع ضر. فانه ليس بيده شيء من الامر ولا ينفع من لم ينفعه الله ولا يدفع الضر عمن لم الله عنه ولا له من العلم الا ما علمه الله تعالى. وانما ينفع من قبل ما ارسل به من البشارة والنذارة. وعمل بذلك. فهذا نفعه صلى الله عليه وسلم الذي فاق نفع الاباء والامهات والاخلاء والاخوان بما حث العباد على كل خير وحذرهم عن كل شر بينه لهم غاية البيان والايضاح فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به. فلما اثقلت اي هو الذي خلقكم ايها الرجال والنساء المنتشرون في الارض على كثرتكم وتفرقكم من نفس واحدة وهو ادم ابو البشر صلى الله عليه وسلم وجعل منها اي خلق من ادم زوجته حواء لاجل ان يسكن اليها لانها اذا كانت منه حصل بينهما من المناسبة والموافقة ما يقتضي احدهما الى الاخر فانقاد كل منهما الى صاحبه بزمام الشهوة. فلما تغشاها اي تجللها مجامعا لها قدر الباري ان يوجد من تلك الشهوة وذلك الجماع النسل. وحينئذ حملت حملا خفيفا وذلك في ابتداء الحمل. لا تحس به الانثى ولا يثقلها فلما استمرت به واثقلت به حين كبر في بطنها. فحينئذ صار في قلوبهما الشفقة على الولد. وعلى خروجه حيا صحيحا. سالما ان لا افة فيه كذلك فدعوا الله ربهما لان اتيتنا ولدا صالحا اي صالح الخلقة تمها لا نقص فيه لنكونن من الشاكرين آآ فلما اتاهما صالحا على وفق ما طلب وتمت عليهما النعمة فيه جعل له شركاء فيما اتاهما اي جعلا لله شركاء في ذلك الولد الذي انفرد الله بايجاده والنعمة به. واقر به اعين والديه فعبداه لغير الله اما ان يسمياه بعبد غير الله كعبد الحارث وعبدالعزى وعبد الكعبة ونحو ذلك او يشركا بالله العبادة بعد ما من الله عليهما بما من من النعم التي لا يحصيها احد من العباد. وهذا انتقال من النوع الى الجنس. فان اول الكلام في ادم وحوث هو ثم انتقل الى الكلام في الجنس ولا شك ان هذا موجود في الذرية كثيرا. فلذلك قررهم الله على بطلان الشرك. وانهم في ذلك ظالمون ظلم سواء كان الشرك في الاقوال ام في الافعال. فان الخالق لهم من نفس واحدة الذي خلق منها زوجها. وجعل لهم من انفسهم ازواجا ثم جعل بينهم من المودة والرحمة ما يسكن بعضهم الى بعض. ويألفه ويلتذ به ثم هداهم الى ما به تحصل الشهوة واللذة. والاولاد ثم اوجد الذرية في بطون الامهات وقتا مؤقتا تتشوف اليه نفوسهم ويدعون الله ان يخرجه سويا صحيحا. فاتم الله عليهم النعمة وانا لهم مطلوبهم. افلا يستحق ان يعبدوه ولا يشركوا به في عبادته احدا. ويخلصوا له الدين. ولكن الامر جاء العكس فاشركوا بالله من لا يخلق شيئا وهم يخلقون. ولا يستطيعون لهم اي عابديها نصرا ولا انفسهم ينصرون. فاذا كانت لا تخلق شيئا ولا مثقال ذرة بل هي مخلوقة ولا تستطيع ان تدفع المكروه عن من يعبدها بل ولا عن انفسها فكيف تتخذ مع الله الهة؟ ان هذا الا اظلم الظلم واسفه السفه وان تدعو ايها المشركون هذه الاصنام التي عبدتم من دون الله الى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم ادعوتمهم ام انتم صامتون فصار الانسان احسن حالة منها. لانها لا تسمع ولا تبصر. ولا تهدي ولا تهدى. وكل هذا اذا تصوره اللبيب تصورا مجردا التزم ببطلان الهيتها وسفاهة من عبدها وهكذا هذا من نوع التحدي للمشركين العابدين للاوثان. يقول تعالى ان الذين تدعون من دون الله عباد امثالكم. اي لا فرق بينكم وبينهم فكلكم عبيد لله مملوكون. فان كنتم كما تزعمون صادقين في انها تستحق من العبادة شيئا. فادعوهم فليستجيبوا لكم ان استجابوا لكم وحصلوا مطلوبكم. والا تبين انكم كاذبون في هذه الدعوة مفترون على الله اعظم الفريا لهم اذان يسمعون بها ادعوا شركاءكم ثم في لا تنظرون. وهذا لا يحتاج الى التبين فيه. فانكم اذا نظرتم اليها وجدتم صورتها دالة على انه ليس لديها من النفس شيء فليس لها ارجل تمشي بها ولا ايد تبطش بها ولا اعين تبصر بها ولا اذان تسمع بها فهي عادمة لجميع والقوى الموجودة في الانسان. فاذا كانت لا تجيبكم اذا دعوتموها وهي عباد امثالكم. بل انتم اكمل منها واقوى على كثير من فلاي شيء عبدتموها؟ قل ادعوا شركاءكم ثم كيدوني فلا تنظرون. اجتمعوا انتم وشركائكم على ايقاع السوء والمكروه بي من غير امهال ولا انظار فانكم غير بالغين لشيء من المكروه بي. لان وليي الله الذي يتولاني فيجلب لي المنافع ويدفع عني المضار ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين الذي نزل الكتاب الذي فيه الهدى والشفاء والنور. وهو من توليته وتربيته لعباده الخاصة الدينية. وهو يتولى الصالحين الذين الحت نياتهم واعمالهم واقوالهم. كما قال الله تعالى الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور. فالمؤمنون صالحون لما تولوا ربهم بالايمان والتقوى ولم يتولوا غيره ممن لا ينفع ولا يضر. تولاهم الله ولطف بهم واعانهم على ما فيه الخير والمصلحة لهم في دينهم ودنياهم. ودفع عنهم بايمانهم كل مكروه. كما قال الله تعالى ان الله يدافع عن الذين امنوا والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا انفسهم ينصرون. وان وهذا ايضا في بيان عدم استحقاق هذه الاصنام التي يعبدونها من دون الله لشيء من العبادة. لانها ليس لها استطاعة ولا اقتدار في نصر انفسهم ولا في نصر عابديها. وليس لها قوة العقل والاستجابة. فلو دعوتها الى الهدى لم تهتدي. وهي صور لا حياة فيها فتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون حقيقة. لانهم صوروها على صور الحيوانات من الادميين او غيرهم. وجعلوا لها ابصارا اعضاء فاذا رأيتها قلت هذه حية فاذا تأملتها عرفت انها جمادات لا حراك بها ولا حياة. فبأي رأي اتخذها المشركون الهة مع الله ولاي مصلحة او نفع عكفوا عندها وتقربوا لها بانواع العبادات. فاذا عرف هذا عرف ان المشركين والهتهم التي ولو اجتمعوا وارادوا ان يكيدوا من تولاه فاطر الارض والسماوات. متولي احوال عباده الصالحين. لم يقدروا على كيده بمثقال ذرة من الشر لكمال عجزهم وعجزها وكمال قوة الله واقتداره وقوة من احتمى بجلاله وتوكل عليه. وقيل ان معنى قوله وتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون. ان الضمير يعود الى المشركين المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فتحسبهم ينظرون اليك يا رسول رسول الله نظر اعتبار يتبين به الصادق من الكاذب. ولكنهم لا يبصرون حقيقتك. وما يتوسمه المتوسمون فيك من الجمال والكمال والصدق خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين. هذه الاية جامعة لحسن الخلق مع الناس ما ينبغي في معاملتهم فالذي ينبغي ان يعامل به الناس ان يأخذ العفو اي ما سمحت به انفسهم وما سهل عليه من الاعمال والاخلاق فلا ما لا تسمح به طبائعهم. بل يشكر من كل احد ما قابله به من قول وفعل جميل. او ما هو دون ذلك. ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض صرفه عن نقصهم ولا يتكبر على الصغير لصغره. ولا ناقص العقل لنقصه ولا الفقير لفقره. بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة ما تقتضيه الحال وتنشرح له صدورهم. وامر بالعرف اي بكل قول حسن وفعل جميل. وخلق كامل للقريب والبعيد. فاجعل ما يأتي الى الناس منك اما تعليم علم او حث على خير من صلة رحم او بر والدين او اصلاح بين الناس او نصيحة نافعة او رأي مصيب او معاونة على بر وتقوى او زجر عن قبيح او ارشاد الى تحصيل مصلحة دينية او دنيوية ولما كان لا بد من اذية الجاهل امر الله تعالى ان يقابل الجاهل بالاعراض عنه. وعدم مقابلته بجهله. فمن اذاك بقوله او فعله لا تؤذه. ومن حرمك لا تحرمه من قطعك فصله ومن ظلمك فاعدل فيه. واما ما ينبغي ان يعامل به العبد شياطين الانس والجن. فقال تعالى انه سميع اي اي وقت وفي اي حال ينزغنك من الشيطان نزغ. اي تحس منه بوسوسة وتثبيط عن الخير. او حث على الشر وايعاز اليه فاستعذ بالله. اي التجأ واعتصم بالله واحتمي بحماه. فانه سميع لما تقول. عليم بنيتك وضعفك وقوة له فسيحميك من فتنته ويقيك من وسوسته. كما قال تعالى قل اعوذ برب الناس. ملك الناس. اله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ولما ما كان العبد لا بد ان يغفل وينال منه الشيطان. الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته. ذكر تعالى علامة المتقين من الغاويين. وان اذا احس بذنب ومسه طائف من الشيطان فاذنب بفعل محرم او ترك واجب تذكر من اي باب اوتي ومن اي مدخل دخل الشيطان قالوا علي وتذكر ما اوجب الله عليه وما عليه من لوازم الايمان فابصر واستغفر الله تعالى واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنة الكثيرة فرد شيطانه خاسئا حسيرا قد افسد عليه كل ما ادركه منه واما اخوان الشياطين واولياؤهم فانهم اذا وقعوا في الذنوب لا يزالون يمدون في الغي ذنبا بعد ذنب ولا يقصرون عن ذلك. فالشياطين لا تقصر عنهم بالاغواء. لانها طمعت فيهم حين رأتهم سلس القيادة لها. وهم هم لا يقصرون عن فعل الشر انما اتبع ما يوحى الي من ربي. هذا بصائر من ربكم وهدى اي لا يزال هؤلاء المكذبين لك في تعنت وعناد. ولو جاءتهم ايات الدالة على الهدى والرشاد. فاذا جئتهم بشيء من الايات الدالة على صدقك لم ينقادوا. واذا لم تأتهم باية من ايات الاقتراح التي يعينون قالوا لولا اجتبيتها اي هلا اخترت الاية فصارت الاية الفلانية او المعجزة الفلانية كانك انت المنزل للايات المدبر لجميع المخلوقات ولم يعلموا انه ليس لك من الامر شيء او ان المعنى لولا اخترعتها من نفسك قل انما اتبع ما يوحى الي من ربي فانا عبد متبع مدبر. والله تعالى هو الذي ينزل الايات ويرسلها على حسب ما اقتضاه حمده. وطلبته حكمته البالغة. فان اردت اية لا تضمحل على تعاقب الاوقات. وحجة لا تبطل في جميع الانات. فهذا القرآن العظيم والذكر الحكيم. بصائر من ربكم به في جميع المطالب الالهية والمقاصد الانسانية. وهو الدليل والمدلول. فمن تفكر فيه وتدبره علم انه تنزيل من حكيم حميد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وبه قامت الحجة على كل من بلغه. ولكن اكثر الناس لا يؤمنون. والا فمن امن فهو هدى له من الضلال ورحمة له من الشقاء. فالمؤمن مهتد بالقرآن متبع له. سعيد في دنياه واخراه. واما من لم يؤمن به انه ضال شقي في الدنيا والاخرة هذا الامر عام في كل من سمع كتاب الله يتلى. فانه مأمور بالاستماع له والانصات فرق بين الاستماع والانصات ان الانصات في الظاهر بترك التحدث او الاشتغال بما يشغل عن استماعه. واما الاستماع له فهو ان يلقي سمعه قلبه ويتدبر ما يستمع. فان من لازم على هذين الامرين حين يتلى كتاب الله فانه ينال خيرا كثيرا وعلما غزيرا. وايمانا مستمرا ومتجددا وهدى متزايدا وبصيرة في دينه. ولهذا رتب الله حصول الرحمة عليهما. فدل ذلك على ان من تلي عليه الكتاب فلم يستمع له وينصت انه محروم الحظ من الرحمة. قد فاته خير كثير. ومن اوكد ما يؤمر به مستمع القرآن. ان يستمع له وينصت في الصلاة الجهرية اذا قرأ امامه فانه مأمور بالانصات. حتى ان اكثر العلماء يقولون ان اشتغاله بالانصات اولى من قراءته الفاتحة وغيرها الذكر لله تعالى يكون بالقلب. ويكون باللسان ويكون بهما. وهو اكمل انواع الذكر واحواله. فامر الله ورسوله محمدا اصلا. وغيره تبع بذكر ربه في نفسه. اي مخلصا خاليا تضرعا. اي متضرعا بلسانك. مكرر لانواع الذكر وخيفة في قلبك بان تكون خائفا من الله وجل القلب منه. خوفا ان يكون عملك غير مقبول. وعلامة الخوف ان يسعى ويجتهد في تكميل العمل واصلاحه والنصح به. ودون الجهر من القول اي كن متوسطا. لا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها. وابتغي بين ذلك سبيلا بالغدو اول النهار والاصال اخره. وهذان الوقتان لذكر الله فيهما مزية وفضيلة على غيرهما لا تكن من الغافلين الذين نسوا الله فانساهم انفسهم فانهم حرموا خير الدنيا والاخرة واعرضوا عن من كل السعادة والفوز في ذكره واقبلوا على من كل الشقاوة والخيبة في الاشتغال به. وهذه من الاداب التي ينبغي للعبد ان يراعيها حق رعايتها. وهي الاكثار من ذكر اناء الليل والنهار خصوصا طرفي النهار مخلصا خاشعا متضرعا متذللا ساكنا وتواطأ عليه قلبه ولسانه بادب ووقار واقبال على الدعاء والذكر. واحضار له بقلبه وعدم غفلة. فان الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل له ان الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه جنون ثم ذكر تعالى ان له عبادا مستديمين لعبادته ملازمين لخدمته وهم الملائكة. فلتعلموا ان الله الا يريد ان يتكثر بعبادتكم من قلة ولا ليتعزز بها من ذلة وانما يريد نفع انفسكم وان تربحوا عليه اضعاف اضعاف ما عملتم فقال ان الذين عند ربك من الملائكة المقربين وحملة العرش والكروبيين لا يستكبرون عن عبادته بل يذعنون لها وينقادون لاوامر ربهم ويسبحونه الليل والنهار لا يفترون وله وحده لا شريك له يسجدون فليقتدي العباد بهؤلاء الملائكة الكرام وليداوموا على عبادة الملك العلام