المكتبة السمعية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. فائدة تشتمل على نبذة من اداب المعلمين والمتعلمين. تأليف العلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يتعين على اهل العلم من المعلمين والمتعلمين ان يجعلوا اساس امرهم الذي يبنون عليه حركاتهم وسكناتهم الاخلاص الكامل والتقرب الى الله بهذه العبادة التي هي اجل العبادات واكملها وانفعها واعمها. ويتفقد هذا الاصل الجليل في كل دقيق من امرهم وجليل. فان درسوا او دارسوا او بحثوا او ناظروا او اسمعوا او استمعوا او كتبوا او حفظوا او كرروا دروسهم الخاصة او راجعوا عليها او على غيرها الكتب الاخرى او جلسوا مجلس علم او نقلوا اقدامهم لمجالس العلم او اشتروا كتبا او ما يعين على العلم كان الاخلاص لله واحتساب اجره وثوابه ملازما لهم. ليصير اشتغالهم كله قربة وطاعة وسيرا الى الله والى كرامتي وليتحققوا بقوله صلى الله عليه وسلم من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا الى الجنة. فكل طريق حسي او معنوي يسلكه اهل العلم يعين على العلم او يحصله فان انه داخل في هذا. ثم بعد هذا يتعين البداءة بالاهم فالاهم. من العلوم الشرعية وما يعين عليها ما من علوم عربية وتفصيل هذه الجملة معروف. وينبغي ان يسلك اقرب طريق يوصل الى المطلوب الذي قصده وان ينتقي من مصنفات الفن الذي يشتغل فيه احسنها واوضحها واكثرها فائدة. ويجعل جل همه اشتغاله بذلك الكتاب حفظا عند الامكان او دراسة تكرير. بحيث تكون المعاني معقولة له محفوظة ثم لا يزال يكرر ما مر عليه ويعيده. وعلى المعلم ان ينظر الى ذهن المتعلم وقوة استعداده او ضعفه فلا يدعه يشتغل بكتاب لا يناسب حاله. فان هذا من عدم النصح. فان القليل الذي يفهمه ويعقله من الكثير الذي هو عرضة لعدم الفهم والنسيان. وكذلك يلقي اليه من التوضيح والتقرير لدرسه بقدر ما يتسع فهمه لادراكه. ولا يخلط المسائل بعضها ببعض. ولا ينتقل من نوع من انواع المسائل الى نوع اخر حتى يتصور ويحقق السابق. فانه درك للسابق. وليتوفر فهمه على اللاحق. فاما فاذا ادخل المسائل بعضها ببعض قبل فهم المتعلم فانه سبب لاضاعة الاول وعدم فهم اللاحق ثم تتزاحم عليه المسائل التي لم يحققها فيملها ويضيق عطنه على العود اليها. فلا ينبغي ان يهمل هذا الامر. وعلى المعلم النصح للمتعلم بكل ما يقدر عليه. من التعليم والصبر على عدم ادراكه وعلى عدم ادبه وجفائه. مع شدة حرصه على ما يقومه ويحسن ادبه. لان المتعلم له حق على علم حيث اقبل على العلم الذي ينفعه وينفع الناس. وحيث توجه للمعلم دون غيره. وحيث كان ما يحمله ومن العلم هو عين بضاعة المعلم يحفظها وينميها. ويطلب بها المكاسب الرابحة. فهو الولد الحقيقي معلمي الوارث له. قال تعالى فهب لي من لدنك وليا. يرثني ويرث من ال يعقوب. والمراد وراثة العلم والحكمة. فالمعلم مثاب مأجور على نفس تعليمه. سواء فهم او لم يفهم. فاذا فهم ما فعلمه وانتفع به بنفسه ونفع غيره كان اجرا جاريا للمعلم ما دام ذلك النفع متسلسلا متصلة وهذه تجارة بمثلها يتنافس الموفقون. فعلى المعلم ان يسعى سعيا شديدا في ايجاد في هذه التجارة وتنميتها. فهي من عمله واثار عمله. قال تعالى انا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا واثارهم. فما قدموا ما باشروا عمله. واثارهم ما ترتب على اعمالهم من المصالح والمنافي او ضدها. وليرغب المتعلم بكل طريق. ولا يمله باشتغاله بما يأسر على فهمه من انواع العلوم ومفرداتها. وعلى المتعلم ان يوقر معلمه. ويتأدب معه حسب ما يقدر عليه لما له من الحق العام والخاص. اما العام فان معلم الخير قد استعد لنفع الخير خلق بتعليمه وفتواه. فحقه على الناس حق المحسنين. ولا احسان اعظم وانفع من احسان من يرشد الناس لامر دينهم. ويعلمهم ما جهلوا وينبههم لما عنه غفلوا. ويحصل بسبب ذلك من الخير وانقماع الشر ونشر الدين والمعارف النافعة ما هو انفع شيء للموجودين. ومن اتى من بعدهم من ذريتهم وغيرهم. فلولا العلم كان الناس كالبهائم في ظلمة يتخبطون وفي غيهم يعمهون. فهو النور الذي يهتدى به في الظلمات. والحياة للقلوب والارواح والدين الدنيا والبلد الذي ليس فيه من يبين للناس امر دينهم ويرشدهم لما ينتابهم مما هم مضطرون اليه لا خير في الاقامة فيه. فمن كان هذا احسانه واثره كيف لا يجب على كل مسلم محبته وتوقيره والقيام بحقوقه. واما حقه الخاص على المتعلم فلما بذله من تعليمه. والحرص على ما مرشده ويوصله الى اعلى الدرجات. فليس نفع الاباء والامهات نظيرا لنفع المعلمين والمربين للناس بصغار العلم قبل كباره. الباذلين نفائس اوقاتهم. وصفوة افكارهم في تفهيم المسترشين بكل طريق ووسيلة يقدرون عليها. واذا كان من احسن الى الانسان بهدية مالية ينتفع بها ثم تذهب وتزول له حق كبير على المحسن اليه. فما الظن بهدايا العلم النافع الكثيرة المتنوعة الباقي نفعها ما دام العبد حيا وبعد مماته. المتسلسل بحسب حال تلك الهدايا. فحينئذ يعرف حقه ويوقره ويحسن الادب معه. ولا يخرج عن اشارته وارشاده. وليجلس بين يديه متألم ويظهر غاية حاجته الى علمه. ويدعو له حاضرا وغائبا. واذا اتحفه بفائدة وتوضيح لعلم فلا يظهر له انه قد عرفه قبل ذلك. وان كان عارفا له. بل يصغي اليه اصغاء المتطلب بشيء بشدة الى الفائدة. هذا فيما يعرفه فكيف بما لا يعرفه؟ ولهذا كان هذا الادب مستحسنا مع كل احد في العلوم والمخاطبات في الامور الدينية والدنيوية. واذا اخطأ المعلم في شيء فلينبه برفق لطف بحسب المقام. ولا يقول له اخطأت او ليس الامر كما تقول. بل ياتي بعبارة لطيفة يدرك بها المعلم خطأه من دون ان يتشوش قلبه. فان هذا من الحقوق اللازمة وهو ادعى للوصول الى صواب فان الرد الذي يصحبه سوء الادب وانزعاج القلب يمنع من تصور الصواب ومن قصده وكما ان هذا لازم على المتعلم فعلى المعلم اذا اخطأ ان يرجع الى الحق. ولا يمنعه قول قاله ثم رأى الحق في خلافه من مراجعة الحق والرجوع اليه. فان هذا علامة الانصاف والتواضع للحق فالواجب اتباع الصواب سواء جاء على يد الصغير او الكبير. ومن نعمة الله على المعلم ان يجد من تلاميذه من ينبهه على خطأه ويرشده الى الصواب. ويزول استمراره على جهله. فهذا يحتاج شكر الله ثم الى شكر من اجرى الله الهدى على يديه. متعلما او غيره. ومن اعظم ما يجب على المعلم ان يقولوا لما لا يعلمونه الله ورسوله اعلم. وليس هذا بناقص لاقدارهم. بل هذا فمما يزيد قدرهم ويستدل به على دينهم وتحريهم للصواب. وفي توقفه عما لا يعلم فوائدك كثيرة منها ان هذا هو الواجب عليه. ومنها انه اذا توقف وقال لا اعلم فما ما يأتيه علم ذلك. اما من مراجعته او مراجعة غيره. فان الم تعلم اذا رأى معلمه توقف جد واجتهد في تحصيل علمها واتحاف المعلم بها. فما احسن هذا الاثر. ومنها انه اذا توقف عما لا يعرف كان دليلا على ثقته واتقانه فيما يجزم به من المسائل. كما ان من عرف منه الاقدام على الكلام فيما لا يعلم كان ذلك داعيا للريب في كل ما يتكلم به حتى في الامور واضحة ومنها ان المعلم اذا رأى منه المتعلمون توقفه عما لا يعلم كان ذلك تعليما له وارشادا الى هذه الطريقة الحسنة والاقتداء بالاحوال والاعمال ابلغ من الاقتداء بالاقوال ومما يعين على هذا المطلوب ان يفتح المعلم للمتعلمين باب المناظرة في المسائل والاحتجاج عليها وان يكون القصد واحدا وهو اتباع ما رجحته الحجة والادلة. فانه اذا جعل هذا الامر نصب عينيه واعينهم تنورت الافكار وعرفت المآخذ والبراهين واتبعت الحقائق وكان القصد الاصلي توابعه معرفة الحق واتباعه. والحذر الحذر من التعصب للاقوال والقائلين. وهو ان يجعل القصد من نظرت نصر القول الذي قاله او قاله من يعظمه. فان التعصب مذهب للاخلاص مزيل لبهجة العلم معم للحقائق فاتح لابواب الخصام والحقد. كما ان الانصاف هو زينة العلم وعنوان الاخلاص سوى النصح والفلاح. وليحذر من طلب العلم للاغراض الفاسدة والمقاصد السيئة. من المباهاة والمماراة الرياء والسمعة. او ان يكون له وسيلة الى الاغراض الدنيوية والرئاسة. فليست هذه حال اهل العلم الذي اهله في الحقيقة. ومن طلب العلم واستعمله في اغراضه السيئة او رياء او سمعة فليس له في الاخر الاخرة من خلاق. ومن اعظم ما يتعين على اهل العلم الاتصاف بما يدعو اليه العلم من الاخلاق والاعمال المال والتعليم فهم احق الناس بالاتصاف بالاخلاق الجميلة والتخلي من كل خلق رذيل. وهم اولى الناس بالقيام بالواجبات الظاهرة والباطنة وترك المحرمات. لما تميزوا به من العلم والمعارف التي لم تحصل لغيرهم. ولانهم قدوة الناس في امورهم. ولانه يتطرق اليهم من الاعتراض والقوادح عندما يتركون ما يدعو اليه العلم اعظم مما يتطرق الى غيرهم. وايضا فكان السلف يستعينون بالعمل على العلم فان عمل به استقر ودام ونمى وكثرت بركته. وان ترك العمل به ذهب او عدمت فروح العلم وحياته وقوامه انما هو بالقيام به عملا وتخلقا وتعليما ونصحا ولا حول ولا قوة الا بالله. وينبغي سلوك الطريق النافع عند البحث تعلما وتعليما. فاذا المعلم في مسألة وضحها واوصلها الى افهام المتعلمين بكل ما يقدر عليه من التعبير وضرب الامثال والتصوير والتحرير. ثم لا ينتقل منها الى غيرها قبل تحققها وتفهيمها للمتعلمين ولا يدع المتعلمين يخرجون من الموضوع الذي لم يتم تقريره الى موضوع اخر حتى يحكموه ويفهموه فان الخروج من الموضوع الى غيره قبل الانتهاء منه يشوش الذهن ويحرم الفائدة ويخلط المسائل بعضها ببعض. وينبغي تعاهد محفوظات المتعلمين ومعلوماتهم. بالاعادة والامتحان والحث على المذاكرة والمراجعة وتكرار الدرس. فان التعلم بمنزلة الغرس للأشجار. والدرس والمذاكرة عادة بمنزلة السقي لها وازالة الاشياء المضرة لتنمو وتزداد على الدوام. وكما ان على توقير معلمه والادب معه. فكذلك اقرانه في التعلم معه. عليه توقيرهم واحترامهم. فالصحبة في طلب العلم تجمع حقوقا كثيرة. لان لهم حق الاخوة والصحبة. وحق الاحترام لما قاموا به من من الاشتغال بما ينفعهم وينفع الناس. وهو الانتماء الى معلمهم. وانهم بمنزلة اولاده. وحقا لنفع بعضهم بعضا. ولهذا ينبغي ان لا يدع ممكنا يقدر عليه من نفع من يقدر على نفعه منهم من تعليمه ما يجهل والبحث معه للتعاون على الخير وارشاده لما فيه نفعه. وينبغي ان يكون اجتماعه وهم في كل وقت غنيمة يتعلم فيه القاصر ممن هو اعلى منه. ويعلم العارف غير العارف. ويتطارح هنا المسائل النافعة وليجعلوا همهم مقصورا على ما هم بصدده. وليحذروا من الاشتغال بالناس والتفتيش عن احوالهم والعيب لهم فانه اثم حاضر. والمعصية من اهل العلم اعظم من غيرهم. لان الحجة عليهم اقوم ولان غيرهم يقتدي بهم. ومن كان طبعه الشر من غيرهم جعلهم حجة له. ولان اشتغال بالناس يضيء المصالح النافعة والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره. واعلم ان القناة اعتاب اليسير من الرزق. والاقتصاد في امر المعيشة مطلوب من كل احد. لا سيما المشتغلون بالعلم فانه كالمتعين عليهم. لان العلم وظيفة العمر كله او معظمه. فمتى زاحمته الاشغال الدنيوية والضروريات حصل النقص بسبب ذلك. والاقتصاد والقناعة من اكبر العوامل لخصر الاشغال الدنيوية واقبال المتعلم على ما هو بصدده. ومن اداب العالم والمتعلم النصح وبث العلوم النافعة بحسب الامكان حتى لو تعلم الانسان مسألة وبثها كان ذلك من بركة العلم. ولان ثمرات للعلم ان يأخذه الناس عنك. فمن شح بعلمه مات علمه بموته. وربما نسيه وهو حي. كما ان من بث علمه كان له حياة ثانية. وحفظا لما علمه وجازاه الله بحسب عمله. ومن اهم ما يتعين السعي في جمع كلمتهم وتأليف القلوب على ذلك. وحسم اسباب الشر والعداوة والبغضاء بينهم وان يجعلوا هذا الامر نصب اعينهم وغاية يسعون اليها بكل طريق. لان المطلوب واحد والقصد واحد والمصلحة مشتركة. فيحققون هذا الامر بمحبة كل من كان من اهل العلم. ومن له قدم في فيه او اشتغال او نفى. ولا يدعون الاغراض الفاسدة تملكهم وتمنعهم من هذا المطلوب الجليل. فيحب بعض بعضا ويذب بعضهم عن بعض ويبذلون النصيحة لمن رأوه منحرفا عن الاخر. ويبرهنون على ان الجزئية التي تدعو الى ضد المحبة والائتلاف لا تقدم على الاصول الكلية التي فيها جمع الكلمة لا يدعون اعداء العلم من العوام وغيرهم يتمكنون من افساد ذات بينهم وتفريق كلمتهم. فان ان في تحقيق هذا المقصد الجليل والقيام به. من المنافع والمصالح ما لا يحصى. ولو لم يكن فيه الا انت ان هذا هو الدين الذي حث الشارع عليه بكل طريق. واعظم من يلزمه القيام به اهله. ولان انه من اعظم الادلة على النصح والاخلاص الذين هما قطب الدين وروحه. وان بهذا الوصف يتصف العبد بان انه من اهل العلم الذين هم اهله. الذين ورد في الكتاب والسنة من مدحهم والثناء عليهم ما لا يتسع هذا الموضع لذكره. وفيه من تكثير العلم وتوسعة الوصول اليه وتنوع طرقه ما هو مشاهد. فان اهل العلم اذا كانت طريقتهم واحدة تمكن ان يتعلم بعضهم من بعض. ويعلم بعضهم بعضا. واذا كانت كل طائفة منهم منزوية عن الاخرى منحرفة عنها انقطعت الفائدة وحلت محلها ضدها حصل التعصب والبغض والتفتيش عن عيوب الطائفة الاخرى واغلاطها. وكل هذا مناف للدين والعقل ما يتعين على اهل العلم ولما كان عليه السلف الصالح. فالموفق تجده ناصحا لله بتوحيد والقيام بعبوديته ظاهرا وباطنا. باخلاص واحتساب وتكميل لها بحسب وسعه نصيحة لكتاب الله بالايمان بما اشتمل عليه. والاقبال على تعلمه وتعلم ما يتعلق به. ويتفرع من علوم الشريعة كلها ناصحا لرسوله بالايمان بكل ما جاء به من اصول الدين وفروعه. وتقديم محبته على كل محبة بعد محبة الله تعالى. وتحقيق متابعته في شرائع الدين الظاهرة والباطنة ناصحا لائمة المسلمين من ولاتهم وعلمائهم ورؤسائهم في محبة الخير لهم والسعي في عليه قولا وفعلا. ومحبة اجتماع الرعية على طاعتهم وعدم مخالفتهم الضارة. ناصحا تمت المسلمين يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه ويصدق ظاهره باطنه اقواله افعاله ويدعو الى هذا الاصل القويم والصراط المستقيم. فنسأل الله الكريم ان ارزقنا حبه وحب من يحبه وحب العمل الذي يقربنا الى حبه ويهب لنا من لدنه رحمة انه هو والوهاب وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم