وعافاهم ورزقهم. هذا احد الاحتمالات في تفسير هذه الاية الكريمة. فيكون هذا العروج والصعود في الدنيا. لان السياق الاول تدل على هذا ويحتمل ان هذا في يوم القيامة وان الله تبارك وتعالى يظهر لعباده في يوم القيامة من عظمته وجلاله المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. سأل سائل بعذاب يقول تعالى مبينا لجهل المعاندين. واستعجالهم لعذاب الله استهزاء وتعنتا وتعجيزا. سأل سائل اي اذاعة داع واستفتح مستفتح للكافرين ليس له دافع للكافرين الاستحقاق له بكفرهم وعنادهم. اي ليس لهذا العذاب الذي استعجل به من استعجل من متمردي المشركين احد يدفعه قبل نزوله او يرفعه بعد نزوله. وهذا حين دعا النظر ابن الحارث القرشي او من المشركين فقال اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم الى اخر الايات. فالعذاب لا بد ان يقع عليهم من الله. فاما ان يعجل لهم في الدنيا واما ان يؤخر عنهم الى الاخرة عرفوا الله تعالى وعرفوا عظمته وسعة سلطانه. وكمال اسمائه وصفاته لما استعجلوا ولا استسلموا وتأدبوا. ولهذا اخبر تعالى من عظمته ما يضاد اقوالهم القبيحة. فقال اي ذو العلو والجلال والعظمة والتدبير سائر الخلق الذي تعرج اليه الملائكة بما دبرها على تدبيره. وتعرج اليه الروح. وهذا اسم جنس يشمل الارواح كلها. بل وفاجرها وهذا عند الوفاة. فاما الابرار فتعرج ارواحهم الى الله فيؤذن لها من سماء الى سماء حتى تنتهي الى السماء التي فيها الله عز وجل فتحي ربها وتسلم عليه وتحظى بقربه. وتبتهج بالدنو منه. ويحصل لها من الثناء والاكرام والبر والاعظام واما ارواح الفجار فتعرج فاذا وصلت الى السماء استأذنت فلم يؤذن لها واعيدت الى الارض. ثم ذكر المسافة التي تعرج الى الله فيها الملائكة والارواح. وانها تعرج في يوم بما يسر لها من الاسباب. واعانها عليه من اللطافة والخفة سرعة السير مع ان تلك المسافة على السير المعتاد مقدار خمسين الف سنة من ابتداء العروج الى وصولها ما حد لها وما اليه من الملأ الاعلى. فهذا الملك العظيم والعالم الكبير. علويه وسفليه جميعه قد تولى خلقه وتدبيره العلي الاعلى على فعلم احوالهم الظاهرة والباطنة وعلم مستقرهم ومستودعهم واوصلهم من رحمته وبره ورزقه ما عمهم لهم واجرى عليهم حكمه القدري وحكمه الشرعي وحكمه الجزائي. فبؤسا لاقوام جهلوا عظمته ولم يقدروه حق قدره فاستعجلوا بالعذاب على وجه التعجيز والامتحان. وسبحان الحليم الذي امهلهم وما اهملهم. واذوه فصبر عليهم كبريائه ما هو اكبر دليل على معرفته؟ مما يشاهدونه من عروج الملائكة والارواح. صاعدة ونازلة بالتدابير الالهية والشؤون في الخليقة في ذلك اليوم الذي مقداره خمسون الف سنة من طوله وشدته لكن الله تعالى يخففه على المؤمن وقوله اي اصبر على دعوتك لقومك صبرا جميلا. لا تضجر فيه ولا ملل فليستمر على امر الله وادعو عباده الى توحيده ولا يمنعك عنهم ما ترى من عدم انقيادهم وعدم رغبتهم فان في الصبر على ذلك خيرا كثيرا ونراه قريبا. الضمير يعود الى البعث الذي يقع فيه عذاب السائلين بالعذاب. اي ان حالهم حال المنكر له. او الذي غلبت عليه الشقوة والسكرة. حتى تباعد جميع ما امامه من البعث والنشور. والله يراه قريبا لانه رفيق حليم لا يعجل. ويعلم انه لابد ان يكون. وكل ما هو ات فهو قريب ثم ذكر اهوال ذلك اليوم وما يكون فيه فقال السماء مهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما. اي يوم القيامة تقع فيه هذه الامور والعظيمة فتكون السماء كالمهل وهو الرصاص المذاب من تشققها وبلوغ الهول منها كل مبلغ. وتكون الجبال وهو الصوف المنفوش. ثم تكون بعد ذلك هباء منثورا. فتضمحل. فاذا كان هذا القلق والانزعاج لهذه الاجرام الكبيرة الشديدة فما ظنك بالعبد الضعيف الذي قد اثقل ظهره بالذنوب والاوزار؟ اليس حقيقة ان ينخلع قلبه وينزعج اجا لبه ويذهل عن كل احد. ولهذا قال ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم نشاهد الحميم وهو القريب حميمة. فلا يبقى في قلبه متسع لسؤال حميمه عن حاله. ولا فيما يتعلق بعشرتهم ومودتهم ولا يهمه الا نفسه يود المجرم الذي حق عليه العذاب وصاحبته اي زوجته حصيلته اي قرابته اي التي جرت عادتها في الدنيا ان تتناصر ويعين بعضها بعضا. ففي يوم القيامة لا ينفع احد احدا ولا يشفع احد الا باذن الله لو يفتدي المجرم المستحق للعذاب بجميع ما في الارض. ثم ينجيه لم ينفعه ذلك كلا اي لا حيلة ولا مناص لهم قد حقت كلمة ربك على الذين فسقوا انهم لا يؤمنون. وذهب نفع الاقارب والاصدقاء. اي للاعضاء الظاهرة والباطنة من شدة عذابها. تدعو اليها من ادبر وتولى وجمع فاوعى. اي ادبر عن اتباع الحق واعرض عنه. فليس له فيه غرض وجمع الاموال بعضها فوق بعض واوعاها فلم ينفق منها فان النار تدعوهم الى نفسها. وتستعد للالتهاب بهم وهذا الوصف للانسان من حيث هو وصف طبيعته الاصلية انه هلوع وفسر بانه فيجزع ان اصابه فقر او مرض او ذهاب محبوب له من مال او اهل اولا ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما قضى الله. فلا ينفق مما اتاه الله ولا يشكر الله على نعمه وبره. فيجزع في الضراء ويمنع في السراء. الموصوفين بتلك الاوصاف فانهم اذا مسهم الخير شكروا الله وانفقوا مما خولهم الله. واذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا. وقوله في وصفهم اي مداومون عليها في اوقاتها بشروط ومكملاتها وليسوا كمن لا يفعلها او يفعلها وقتا دون وقت او يفعلها على وجه الناقص من زكاة وصدقة السائل الذي يتعرض للسؤال والمحروم وهو المسكين الذي لا يسأل الناس فيعطوه ولا يفطن له فيتصدق عليه ان يؤمنون بما اخبر الله به واخبرت به رسله من الجزاء والبعث ويتيقن ذلك فيستعدون للاخرة ويسعون لها سعيها. والتصديق بيوم الدين يلزم منه التصديق بالرسل. وبما جاءوا به من الكتب والذين هم من عذاب ربهم مشفقون اي خائفون وجلون فيتركون لذلك كل ما يقربهم من عذاب الله اي هو العذاب الذي يخشى ويحذر والذين هم لفروجهم حافظون. فلا يطأون بها وطأ محرما من زنا او لواط او وطئ في دبر او حيض ونحو ذلك ويحفظونها ايضا من النظر اليها ومسها. ممن لا يجوز له ذلك ويتركون ايضا وسائل من محرمات الداعية لفعل الفاحشة الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم اي سرياتهم فانهم غير ملومين في وطئهن في المحل الذي هو محل الحرث فمن ابتغى وراء ذلك اي غير الزوجة وملك اليمين اي المتجاوزون ما احل الله الى ما حرم الله. ودلت هذه الاية على تحريم نكاح المتعة لكونها غير زوجة مقصودة ولا ملك يمين اي مراعون لها حافظون مجتهدون على ادائها والوفاء بها. وهذا شامل لجميع الامانات التي بين العبد وبين ربه كالتكاليف السرية التي لا يطلع عليها الا الله والامانات التي بين العبد وبين الخلق في الاموال والاسرار وكذلك العهد شامل للعهد الذي عاهد عليه الله والعهد الذي عاهد عليه الخلق فان العهد يسأل عنه العبد هل قام به ووفاه ان رفضه وخانه فلم يقم به اي لا يشهدون الا بما يعلمونه. من غير زيادة ولا نقص ولا كتمان. ولا يحابي فيه قريبا ولا صديقا ويكون القصد بها وجه الله. قال تعالى واقيموا الشهادة لله. يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين بمداومتها على اكمل وجوهها اولئك اي الموصوفون بتلك الصفات اي قد اوصل الله له من الكرامة والنعيم المقيم ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وهم فيها خالدون هذا ان الله وصف اهل السعادة والخير بهذه الاوصاف الكاملة والاخلاق الفاضلة من العبادات البدنية كالصلاة والمداومة عليه والاعمال القلبية كخشية الله الداعية لكل خير. والعبادات المالية والعقائد النافعة والاخلاق الفاضلة الله ومعاملة خلقه احسن معاملة. من انصافهم وحفظ عهودهم واسرارهم والعفة التامة بحفظ الفروج عما يكره الله تعالى يقول تعالى مبينا اغترار الكافرين اي مسرعين اي قطع عن متفرقة وجماعات متوزعة. كل منهم بما لديه فرح جنة نعيم كلا. باي سبب اطمعهم وهم لم يقدموا سوى الكفر والجحود برب العالمين ولهذا قال كلا اي ليس امر بامانيهم ولا ادراك ما يشتهون بقوتهم اي من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب. فهم ضعفاء لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فلا اقسم برب المشارق والمغارب انا لقادرون. هذا اقسام منه تعالى بالمشارق والمغارب للشمس والقمر والكواكب لما فيها من الايات الباهرات على البعث وقدرته على تبديل امثالهم وهم باعيانهم كما قال تعالى وننشئكم فيما لا تعلمون. انا لقادرون على ان نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين. اي ما احد يسبقنا ويفوتنا ويعجزنا اذا اردنا ان نعيده فاذا تقرر البعث والجزاء واستمروا على تكذيبهم وعدم انقيادهم لايات الله اي يخوضوا بالاقوال الباطلة والعقائد الفاسدة ويلعبوا بدينهم ويأكلوا ويشربوا ويتمتعوا فان الله قد اعد لهم فيه من النكال والوبال ما هو عاقبة خوضهم ولعبهم. ثم ذكر حال الخلق حين يلاقون يومهم الذي يوعد فقال يوم يخرجون من الاجداد اي القبور صراعا مجيبين لدعوة الداعي مهطعين اي كانهم الى علم يأمون يسرعون اي فلا يتمكنون من الاستعصاء للداعي والالتواء لنداء المنادي بل يأتون اذلاء مقهورين للقيام بين يديه رب العالمين هم الذي كانوا يوعدون. وذلك ان الذلة والقلق قد ملك قلوبهم واستولى على افئدتهم فخشعت منهم الابصار وسكنت منهم الحركات وانقطعت الاصوات. فهذه الحال والمآل هو يومهم الذي كانوا يوعدون ولابد من الوفاء بوعد الله