اي وما هذه الموعظة والتذكار مقصودا بها العبث واللعب؟ وانما المقصود به ان يتذكر به البشر ما ينفعهم فيفعلونه وما يضرهم فيتركونه. كلا والقمر والليل اذ ادبر الصبح اذا اسفر المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. يا ايها المدثر قم فانذر وربك فكبر ثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر. تقدم ان المزمل والمدثر وبمعنى واحد وان الله امر رسوله صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في عبادات الله القاصرة والمتعدية. فتقدم هنالك الامر له بالعبادات الفاضلة والقاصرة والصبر على اذى قومه. وامره هنا بالاعلان بالدعوة والصدع بالانذار فقال قم اي بجد ونشاط فانذر الناس بالاقوال والافعال التي يحصل بها المقصود. وبيان حال المنذر عنه ليكون ذلك ادعى وربك فكبر اي عظمه بالتوحيد واجعل قصدك في انذارك وجه الله وان يعظمه العباد ويقوم بعبادته. وثيابك يحتمل ان المراد بثيابه اعماله كلها وبتطهيرها تخليصها والنصح بها وايقاعها على اكمل الوجوه وتنقيتها عن المبطلات والمفسدات. والمنقصات من شرك ورياء ونفاق وعجب وتكبر. مما يؤمر العبد باجتنابه في عباداته ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة. فان ذلك من تمام التطهير للاعمال. خصوصا في الصلاة. التي قال كثير من العلماء ازالة النجاسة عنها شرط من شروط الصلاة. ويحتمل ان المراد بثيابه. الثياب المعروفة. وانه مأمور بتطهيرها عن جميع النجاسات في جميع الاوقات خصوصا في الدخول في الصلوات. واذا كان مأمورا بتطهير الظاهر فان طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن والرجز فاهجر يحتمل ان المراد بالرجز الاصنام والاوثان التي عبدت مع الله. فامره بتركها والبراءة منها. ومما نسب اليه ما من قول او عمل ويحتمل ان المراد بالرجل اعمال الشر كلها واقواله فيكون امرا له بترك الذنوب صغارها وكبارها ظاهرها وباطنها فيدخل في هذا الشرك فما دونه. ولا تمنن تستكثر اي لا تمنن على الناس بما اسديت اليه من النعم الدين النية والدنيوية فتتكثر بتلك المنة. وترى لك الفضل عليهم باحسانك. بل احسن الى الناس مهما امكنك. وانس عندهم احسانك ولا تطلب اجره الا من الله تعالى. واجعل من احسنت اليه وغيره على حد سواء. وقد قيل ان معنى هذا لا تعطي احدا شيئا وانت تريد ان يكافئك عليه باكثر منه. فيكون هذا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم. ولربك فاصبر اي احتسب بصبرك واقصد به وجه الله تعالى فامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لامر ربه وبادر اليه فانذر الناس واوضح لهم بالايات بينات جميع المطالب الالهية. وعظم الله تعالى ودعا الخلق الى تعظيمه. وطهر اعماله الظاهرة والباطنة من كل سوء. وهجرك كلما يبعد عن الله من الاصنام واهلها والشر واهله. وله المنة على الناس بعد منة الله من غير ان يطلب منهم على ذلك جزاء ولا شكورا وصبر لله اكمل صبر. فصبر على طاعة الله وعن معاصي الله وعلى اقدار الله المؤلمة. حتى فاق اولي العزم من المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين اي فاذا نفخ في الصور للقيام من القبور. وجمع الخلائق للبعث والنشور لكثرة اهواله وشدائده. على الكافرين غير يسير. لانهم قد ايسوا من كل وايقنوا بالهلاك والبوار. ومفهوم ذلك انه على المؤمنين يسير. كما قال تعالى يقول الكافرون هذا يومنا اسر كلا انه كان لاياتنا عنيدا هذه الايات نزلت في الوليد بن المغيرة معاند الحق والمبارز لله ولرسوله بالمحاربة والمشاقة فذمه الله ذما لم يذمه انه غيرة وهذا جزاء كل من عاند الحق ونابذه. انا له الخزي في الدنيا ولا عذاب الاخرة اخزى. فقال من خلقت وحيدا اي خلقته منفردا بلا مال ولا اهل ولا غيره. فلم ازل انميه واربيه اي كثيرا وجعلت له بنين اي ذكورا شهودا اي حاضرين عنده على الدوام يتمتع بهم ويقضي بهم حوائجه. ويستنصر بهم. ومهدت له تمهيدا اي مكنته من الدنيا واسبابها. حتى انقادت له مطالبه وحصل له ما يشتهي ويريد ثم مع هذه النعم والامدادات يطمع ان ازيد. اي يطمع ان ينال نعيم الاخرة. كما نال نعيم الدنيا انه كان لاياتنا عنيدا. كلا اي ليس الامر كما طمع. بل هو بخلاف مقصوده ومطلوبه. وذلك انه كان لاياتنا عنيدا. اي معاندا عرفها ثم انكرها ودعته الى الحق فلم ينقد لها. ولم فيه انه اعرض وتولى عنها. بل جعل يحاربها ويسعى في ابطالها. ولهذا قال عنه انه فكر اي في نفسه وقدر ما فكر فيه ليقول قولا يبطل به القرآن. لانه قدر امرا ليس في وتسور على ما لا يناله هو ولا امثاله ثم نظر ما يقول ثم عبس وبصر في وجهه وظاهره نفرة عن الحق وبغضا له. ثم ادبر اي تولى واستكبر اكبر نتيجة سعيه الفكري والعملي والقولي اي ما هذا كلام الله؟ بل كلام البشر وليس ايظا كلام البشر الاخيار بل كلام الفجار منهم والاشقاء من كل كاذب سحار. فتبا له ما ابعده عن الصواب. واحراه بالخسارة والتباب. كيف يدور في الاذهان او يتصوره ضمير كل انسان ان يكون اعلى الكلام واعظمه. كلام الرب العظيم الماجد الكريم يشبه كلام المخلوقين الفقراء ارى ان ناقصين ام كيف يتجرأ هذا الكاذب العنيد على وصفه كلام المبدئ المعيد؟ فما حقه الا العذاب الشديد والنكال ولهذا قال تعالى اي لا تبقي من الشدة ولا على المعذب شيئا الا وبلغته. اي تلوحهم وتصليهم في عذابها. وتقلقهم بشدة في حرها وقرها. عليها تسعة عشر من الملائكة خزنة لها. الى من شداد ايعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم كذلك يضل الله من يشاء البشر وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة. وذلك لشدتهم وقوتهم. وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا. يحتمل ان المراد الا لعذابهم وعقابهم في الاخرة. ولزيادة نكالهم فيها. والعذاب يسمى فتنة. كما قال تعالى يومهم على نار يفتنون ويحتمل ان المراد ان ما اخبرناكم بعدتهم الا لنعلم من يصدق ومن يكذب ويدل على هذا ما بعده في قوله فان اهل كتاب اذا وافق ما عندهم وطابقه ازداد يقينهم بالحق. والمؤمنون كلما انزل الله اية فامنوا بها وصدقوا ازداد ايمانهم ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون اي ليزول عنهم الريب والشك. وهذه مقاصد جليلة يعتني بها اولو الالباب هي السعي في اليقين وزيادة الايمان في كل وقت. وكل مسألة من مسائل الدين ودفع الشكوك والاوهام التي تعرض في مقابلة الحق على ما انزله على رسوله محصنا لهذه المقاصد الجليلة ومميزا للصادقين من الكاذبين. ولهذا قال وليقول الذين في بهم مرض اي شك وشبهة ونفاق. والكافرون ماذا اراد الله بهذا مثلا؟ وهذا على وجه الحيرة والشك منهم والكفر بايات الله وهذا وذاك من هداية الله لمن يهديه واضلاله لمن يضله. ولهذا قال كذلك يضل الله ويهدي من يشاء. فمن هداه الله جعل ما انزله على رسوله رحمة في حقه وزيادة في ايمانه ودينه. ومن اضله جعل ما انزله على رسوله زيادة شقاء عليه وحيرة. وظلمة في حقه الواجب ان يتلقى ما اخبر الله به ورسوله بالتسليم. وما يعلم جنود ربك من الملائكة وغيرهم الا هو. فاذا كنتم جاهلين بجنوده واخبركم بها العليم الخبير. فعليكم ان تصدقوا خبره من غير شك ولا ارتياب احدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم ان يتقدم او يتأخر. كلا هنا بمعنى حقا او بمعنى الا الاستفتاحية فاقسم تعالى بالقمر وبالليل وقت ادباره والنهار وقت اسفاره لاشتمال المذكورات على ايات الله العظيمة الدالة على كمال قدرة الله وحكمته وسعة سلطانه وعموم رحمته واحاطة علمه والمقسم عليه قوله اي ان النار. اي لاحدى العظائم الطامة والامور الهامة. فاذا اعلمنا بها وكنتم على بصيرة من امرها فمن شاء منكم ان يتقدم فيعمل بما يقربه من ربه ويدنيه من رضاه ويزلفه من ذلك كرامته او يتأخر عما خلق له وعما يحبه الله ويرضاه فيعمل بالمعاصي. ويتقرب الى نار جهنم. كما قال الله تعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر كل نفس بما كسبت من افعال الشر واعمال السوء. رهينة بها موثقة بسعيها قد الزم عنقها وغل في رقبتها. واستوجبت به العذاب. فانهم لم يرتهنوا وفرحوا اي في جنات قد حصل لهم فيها جميع مطلوباتهم. وتمت لهم الراحة والطمأنينة. حتى اقبلوا يتسائلون. فافضت بهم حدث ان سألوا عن المجرمين اي حال وصلوا اليها؟ وهل وجدوا ما وعدهم الله؟ فقال بعضهم لبعض هل انتم مطلعون فاطلعوا عليهم في وسط الجحيم يعذبون. فقالوا لهم اي شيء ادخلكم فيها وبأي ذنب استحققتموها فلا اخلاص للمعبود ولا احسان ولا نفع للخلق المحتاجين اي نخوض بالباطل ونجادل به الحق هذا اثر الخوض بالباطل. وهو التكذيب بالحق. ومن احق الحق يوم الدين الذي هو محل الجزاء على الاعمال وظهور ملك الله وحكمه العدل لسائر الخلق. فاستمرينا على هذا المذهب الفاسد اي الموت فلما ماتوا على الكفر تعذرت حينئذ عليهم الحيل وانسد في وجوههم باب الامل لانهم لا يشفعون الا لمن ارتضى. وهؤلاء لا يرضى الله اعمالهم. فلما بين الله مآل المخالفين وبين ما يفعل بهم عطف على الموجودين بالعتاب واللوم فقال اي صادين غافلين عنها كانهم في نفرتهم الشديدة منه اي كانهم حمر وحش نفرت فنفر بعضها بعضا فزاد عدوها اي من صائد ورام يريدها او من اسد ونحوه. وهذا من اعظم ما يكون من النفور عن ومع هذا النفور والاعراض يدعون الدعاوى الكبار بل يريد كل امرئ منهم ان يؤتى صحفا منشرة نازلة عليه من السماء. يزعم انه لا للحق الا بذلك. وقد كذبوا فانهم لو جاءتهم كل اية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم. فانهم جاءتهم الايات البينات التي تبين الحق وتوضحه. فلو كان فيهم خير لامنوا. ولهذا قال كلا ان نعطيهم ما طلبوا. وهم ما قصدوا بذلك الا التعجيز. فلو كانوا ويخافونها لما جرى منهم ما جرى. الضمير اما ان يعود على هذه السورة او على ما اشتملت عليه اليه من هذه الموعظة. فمن شاء ذكره. لانه قد بين له السبيل ووضح له الدليل هو اهل التقوى واهل الموت وما يذكرون الا ان يشاء الله فان مشيئة الله نافذة عامة لا يخرج عنها حادث قليل ولا كثير ففيها رد القدرية الذين لا يدخلون افعال العباد تحت مشيئة الله. والجبرية الذين يزعمون انه ليس للعبد مشيئة. ولا فعل حقيقة. وان كما هو مجبور على افعاله. فاثبت الله تعالى للعبد مشيئته حقيقة وفعلا. وجعل ذلك تابعا لمشيئته اي هو اهل ان يتقى ويعبد. لانه الاله الذي لا تنبغي العبادة الاله. واهل ان يغفر من اتقاه واتبع رضاه والله اعلم