المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الحديث السابع والسبعون عن انس رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لا يتمنين احدكم الموت لضر اصابه فان كان لا بد فاعلا فليقل اللهم احيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني اذا كانت الوفاة خيرا لي متفق عليه قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا نهي عن تمني الموت للضر الذي ينزل بالعبد من مرض او فقر او خوف او وقوع في شدة ومهلكة او نحوها من الاشياء فان في تمني الموت لذلك مفاسد منها انه يؤذن بالتسخط والتضجر من الحالة التي اصيب بها وهو مأمور بالصبر والقيام بوظيفته ومعلوم ان تمني الموت ينافي ذلك ومنها انه يضعف النفس ويحدث الخور والكسل ويوقع في اليأس والمطلوب من العبد مقاومة هذه الامور والسعي في اضعافها وتخفيفها بحسب اقتداره وان يكون معه من قوة القلب وقوة الطمع في زوال ما نزل به وذلك موجب لامرين اللطف الالهي لمن اتى بالاسباب المأمور بها والسعي النافع الذي يوجبه قوة القلب ورجاءه ومنها ان نتمني الموت جهل وحمق فانه لا يدري ما يكون بعد الموت فربما كان كالمستجير من الضر الى ما هو افظع منه عذاب البرزخ واهواله ومنها ان الموت يقطع على العبد الاعمال الصالحة التي هو بصدد فعلها والقيام بها وبقية عمر المؤمن لا قيمة له فكيف يتمنى انقطاع عمل الذرة منه خير من الدنيا وما عليها واخص من هذا العموم قيامه بالصبر على الضر الذي اصابه فان الله يوفي الصابرين اجرهم بغير حساب ولهذا قال في اخر الحديث فان كان لا بد فاعلا فليقل اللهم احيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني اذا كانت الوفاة خيرا لي فيجعل العبد الامر مفوضا الى ربه الذي يعلم ما فيه الخير والصلاح له الذي يعلم من مصالح عبده ما لا يعلم العبد ويريد له من الخير ما لا يريده ويلطف به في بلائه كما يلطف به في نعمائه والفرق بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لا يقل احدكم اللهم اغفر لي ان شئت اللهم ارحمني ان شئت ولكن ليعزم المسألة فان الله لا مكره له ان المذكور في هذا الحديث الذي فيه التعليق بعلم الله وارادته هو في الامور المعينة التي لا يدري العبد عن عاقبتها ومصلحتها واما المذكور في الحديث الاخر فهي الامور التي يعلم مصلحتها بل ضرورتها وحاجة كل عبد اليها وهي مغفرة الله ورحمته ونحوها فان العبد يسألها ويطلبها من ربه طلبا جازما لا معلقا بالمشيئة وغيرها لانه مأمور ومحتم عليه السعي فيها وفي جميع ما يتوسل اليه بها وهذا كالفرق بين فعل الواجبات والمستحبات الثابت الامر بها فان العبد يؤمر بفعلها امر ايجاب او استحباب وبين بعض الامور المعينة التي لا يدري العبد عن حقيقتها ومصلحتها فانه يتوقف حتى يتضح له الامر فيها واستثنى كثير من اهل العلم من هذا جواز تمني الموت خوفا من الفتنة وجعلوا من هذا قول مريم رضي الله عنها يا ليتني مت قبل هذا كما استثنى بعضهم تمني الموت شوقا الى الله وجعلوا منه قول يوسف صلى الله عليه وسلم انت ولي. والاخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين وفي هذا نظر فان يوسف لم يتمنى الموت وانما سأل الله الثبات على الاسلام حتى يتوفاه مسلما كما يسأل العبد ربه حسن الخاتمة والله اعلم