ثم اخبر عن جنس الانسان من حيث هو وما هو مجبول عليه من الخلال الصعبة فقال سبحانه ان الانسان خلق هلوعا اي كل انسان خلق هلوعا اي خلقه الله هلوعا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعه باحسان الى يوم الدين قال الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله للمعارج اعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة فاصبر صبرا جميلا انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا هذه السورة العظيمة فيها بيان لسائل يسأل فقوله تعالى سأل سائل بعذاب واقع اي دعا داع وهنا سأل بمعنى دعا والفعل سأل مظمنا معنى دعا الذي يتعدى بحرف الباء. كما كما في قوله تعالى يدعون فيها بكل فاكهة امن وهنا التظمين جاء لفائدة وفائدته انه يعطي معنى الفعلين الفعل المذكور والفعل المظمن اذا ثمة سائل يسأل عن العذاب متى هو وهذا السؤال والدعاء والطلب سؤال استهزاء وتهكم فاذا كان السؤال بهذه الطريقة فان الجواب يكون بصيغة شديدة وقد يكون السؤال عبثا فلا يستجاب كما سأل الكفار عن قيام الساعة ومتى قيامها يسألونك عن الساعة اي ان مرساهم فيما انت من ذكراها الى ربك منتهاها وجاء الجواب هنا السؤال في سورة النازعة طبعا هذا السؤال ورد كثيرا في القرآن في سورة النازعات ذكر وفي سورة عبث ايضا جاء الجواب ثم اذا شاء انشرع فوقت قيام الساعة لا يعلمه الا الله ولا يحدده الا الله سبحانه وتعالى ولا يستجاب لاحد فيه فربنا قد اختص به لشدة هذا اليوم وقوله تعالى بعذاب واقع اي في الاخرة والتعبير هنا باسم الفاعل عن المستقبل اشارة الى تحقق وقوعه وهذا التعبير كالتعبير بالماضي عن المستقبل ومعلوم ان اسم الفاعل اقوى في الدلالة واكلوا على ثبوت المعنى وثبوت الوقوع للكافرين متعلق بواقع واللام بمعنى على اي عذاب واقع على الكافرين. كما قال تعالى يخرون قان سجد اي يفرون على الاذقان واللام للاختصاص والجار المجرور خبر لمبتدأ محذوف التقدير هو اي ذلك العذاب معد للكافرين ليس له دافع الظمير المجرور يعود على العذاب من الله الجار المليون متعلق به دافع ومن ابتدائية اي ليس للعذاب دافع يرده من جهته سبحانه وتعالى حينما يأتي وقته كما قال تعالى استجيبوا لربكم من قبل ان يأتي يوم لا مرد له من الله وما لا دافع له من الله فليس له دافع يدفعه ابدا من الله ذي المعارج العروج هو الصعود والارتقاء والمعارج جمع معرج وايضا جمع معراج وهو الة الصعود من سلم ومدرج وكذلك هو جمع معرج بفتح الميم وهو طريق الصعود ومعنى للمعارض اي ذو المصاعد التي يصعد بها وتصعد بها الملائكة اليه بالارواح وباعمال العباد وذهب ابن جرير الطبري في تفسيره في قوله للمعاج اي ذو العلو والدرجات والفواضل فربنا جل جلاله هو ذو العلو وهو صاحب الدرجات يرفع من يشاء من عباده على اعمالهم وهو صاحب الفواضل وصاحب المكرمات سبحانه وتعالى وربنا يقول رفيع الدرجات تعرج الملائكة اي تصعد تعرج الملائكة والروح الروح هو جبريل وكثيرا ما يأتي ذكر الملائكة ويؤتى باسم جبريل من عطف الخاص على العام واحيانا يعطف العام على الخاص لشرف جبريل وعلو منزلته وهنا تعرج التعبير بالمضارع لماذا؟ لانه يفيد الاستمرار في يوم هذا متعلق بواقع اي عذاب عذاب واقع في يوم وهو يوم القيامة. الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين في يوم كان مقداره خمسين الف سنة اي من السنين المعروفة في الدنيا اي من السنين المعروفة وحينئذ المراد بيوم القيامة وهذا لا تعارض بينه وبين اية السجدة يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه في يوم كان داره الف سنة مما تعدون فان ذلك اليوم اي في اية السجدة وتقدير ما بين السماء والارض مدة نزول الامر وعروجه حتى تدرك عظمة هذه السماء ولتعلم عظمة العظيم الله الكبير المتعال ولتدرك صغر حجمك فاصبر صبرا جميلا الفاء هذه هي الفصيحة اي سيقع بهم العذاب فاصبر والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل داعية ينال الاذى في دعوته اي فاصبر على استهزائهم واستعجالهم بالعذاب صبرا جميلا والصبر الجميل هو الصبر الذي لا شكوى فيه انهم يرونه بعيدا. انهم اي الكفار يرونه اي يظنونه بعيدا والظمير المنصوب يعود على اليوم الذي هو ظرف للعذاب والمعنى انهم يستبعدونه فالتعبير بالبعيد كناية عن معنى الاحالة اي انهم لا يؤمنون بلالك اليوم ولا بالعذاب وهذا كقوله تعالى حينما قالوا ذلك رجع بعيد ونراه قريبا. ربنا جل جلاله يرد عليهم لان كل ما ات قريب ونراه اي نعلمه قريبة اي سيقع بهم حتما اذا استعجال الكفار لعذاب الله جهلا وغرورا واصرارا على التكذيب لا ينفعهم بل هو من تعديل الضار لهم ويعلم الانسان انه لا دافع من الله للعذاب عنهم ابدا فلا يدفع عذاب الله احد فربنا جل جلاله هو الذي بيده كل شيء ومعلوم ان ما لا دافع له من الله فلا دافع له وفي هذه الايات بيان عروج الملائكة والروح في الامر الذي يأمر الله به نزولا وصعودا وفي ذلك اثبات العلو للعلي القهار سبحانه وتعالى لقوله تعرج الملائكة والروح اليه اي اصعد وفي هذه الايات العظيمة مسألة مهمة وهي تتكرر بالقرآن لاهميتها ولاستعداد الناس اليها وهي اثبات اليوم الاخر وبيان مقدار طوله وهو خمسون الف سنة وهذا على الكافر. واما المؤمن فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده انه ليخفف على المؤمن حتى يكون اخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا وننتفع من هذا مع ما سيأتينا في اخر سورة الانسان ان من اكثر من قيام الليل واكثر من قيام الصلاة فانه يخفف عنه يوم القيامة اذا هذه الايات العظيمة ايها الاخوة فيها ما فيها فينبغي على الانسان ان يفقه معانيها وان يتأدب بما تريده هذه الايات ولما اخبر الله سبحانه وتعالى ان العذاب واقع على الكافرين ذكر صفة ذلك اليوم الذي يقع فيه وما يكون فيه من الاهوال وهذا يجب ذكره وتكراره كما انه يمر معنا يمر معنا في اليوم والليلة كثيرا فقال تعالى يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذابي يومئذ ببنيه وصاحبته واخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الارض جميعا ثم ينجيه يوم تكون السماء كالمهل وجاء هذا ايضا في مطلع سورة البقرة في ذكر الايمان بما انزل على النبي ثم ذكر لليوم الاخر لان من بان من ذكر اليوم الاخر مؤمنا به مواظبا عليه استعد لليوم الاخر يحتمل هذا انه متعلق يود المجرم الاتي وهذا حسن وعليه يكون المعنى في ذلك اليوم يود المجرم يوم تكون السماء كالمفلك والمهل هو كدردي الزيت وهو حثالته وحثارته. والمعنى انها تكون سوداء ووجه الشبه هو السواد في كل وتكون الجبال كالعهن اي كالصوف وجاء في القارعة كالعهن المنفوش اي المفرق بعظه عن بعظ ظد المجتمع والصوف معلوم انه اذا نفش صار لينا خفيفا فشبهت الجبال به في ذلك بعد ان كانت ثقيلة وصلبة يضرب بها المثل ولما ذكر حال السماء والجبال في ذلك اليوم ذكر هذا البشر فقال سبحانه ولا يسأل حميم حميما اي ولا يسأل قريب قريبة ولا صديق صديقا ولا يسأل شيئا ينفعه في ذلك اليوم لان كلا مشغول بنفسه لعظم الهول وشدة الخوف. نسأل الله العافية في ذلك اليوم وفي ايام دنيانا يبصرونهم اي يعرف الحميم الحميمة والتبصير التعريف يقال بصره اي عرفه والمعنى يعرف الله كل حميم حميمة فهو يراه ويعرفه وضمير الجمع فيه يبصرونهم يعود على الحميمين وهو مثنى اذا قلنا الحميمين مثنى والحميمين اللي هو جمع لان المراد بالحميم هو جنس الحميم من الذي يحن ويرحم حميمه وهنا في قوله تعالى يبصرونهم اذا قرأها القارئ فيحسن الوقوف عندها لانها كلام قد تم يود المجرم يأتينا هالجملة مستأذنة جديدة يود المجرم ان يحب ويتمنى المجرم وهو الكافر من جرم واجرمه اي اذنب واكتسب الاثم لو يفتدي الابتداء هو اعطاء الفدية واعطاء الفداء ولو مصدرية بمعنى ان لانها وقعت بعد فعل الولادة فلا تحتاج الى جواب بل هي مع ما مر في حيزها في تأويل مصدر مفعول يود اي يود الافتداء ويتمناه ولكن انى له ذلك وقد ظمن الفعل يفتدي معنى يتخلص ولذا عدي بي من فقال من عذاب يومئذ ببنيه يومئذ ظرف مضاف الى ظرف. والتنوين عوض عن محذوف اي يوم اذ تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما وصاحبته اي زوجته لان الزوجة صاحب الانسان وفصيلته اي قبيلته التي تأويه وهي تضمه وتنصره وتحميه وتدافع عنه وتدفع عنه الدية في قتل الخبر ومن في الارض اي وجميع الناس وغيرهم جميعا هذه تسمى حال جامدة يؤتى بها للتوحيد ثم ينجيه عطف على يفتدي ان ينجي اي ينجيه ذلك الابتداء من العذاب فالضمير يعود على المصدر المفهوم من يفتدي وجاءت ثم لاستبعاد الانجاء. اي يتمنى لو كان هؤلاء جميعا تحت يديه وبذلهم في فداء نفسه ثم ينجيه ذلك وهيهات ان ينجيه ذلك واضعاف ذلك لا ينجيه شيء من ذلك ابدا ومن ذلك ندرك قيمة العمل الصالح في هذه الدنيا الفانية وذكر الابتداء بكل من ذكر يدل على شدة العذاب وعظم العذاب وهناك يبذل في الخلاص كل عزيز بدءا بالبنين والزوجة والاقربين وانتهاء بكل من على وجه الارض اجمعين هناك كلام دكتور فاضل السامرائي في هذا وانه لم يذكر الابوين لان الله يغضب عليه كلامه مردود عليه لماذا؟ لانه يبدأ بهذه وينتهي بكل من علا وجه الارض اذا هذه الايات العظيمة حينما نقرأها وتمر علينا علينا ان نستذكر ذاك الحال لاجل ان نبادر في هذه بالعمل الصالح ولما ذكر سبحانه احوال يوم القيامة وما يكون للكافر في حيث يتمنى الابتلاء من العذاب بجميع الناس. اعقبه بنفس ما يوده ويتمناه من الافتداء من الابتداء وربنا جل جلاله لما ذكر هذا وصف النار لان هذا الذي يريد ان يفتدي بكل من في الارض ولا يستطيع ماذا امامه حينما لا يحصل الابتلاء امامه النار فبدأ ربنا بذكر وصف النار كلا انها لظى نزاعة للشوى تدعو من ادبر وتولى وجمع فاوعى ان الانسان خلق هلوعا اذا مسه الشر جزوعا واذا مسه الخير منوعا كلا نفي بما يوده المجرم من الافتداء والنجاة اي ابدا لن يكون فداء ولا نجاة لانه قد فرط وما جزاء التفريط الا العقاب انها اي النار المدلول عليها بذكر العذاب هذا العذاب الذي يسأله السائل لظى وهذا اسم من اسماء جهنم واصل اللهب والنار اعاذنا الله واياكم منها تتلظى اي تتلهب كما قال تعالى فانذرتكم نارا تلظى نزاعة حال من لبر صيغة مبالغة اي شديدة النزع للشوا جمع شواه مثل نوى ونواة والشوى اطراف الانسان بيديه ورجليه وفروة رأسه كلما نزعت هذه الرقيقة من الجلد ابذلت كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها قال تعالى تدعو من ادبر وتولى اي تدعو لظى اليها كل كافر ادبر في الدنيا عن الحق مكذبا بهم وتولى عن العمل الصالح كما قال تعالى فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى قال تعالى وجمع فاوعى اي وجمع المال فاوعى اي جعله في وعاء وهذا كناية عن كنزه والبخل به كما قال تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم وهنا خلق هلوعا جاء بصيغة المبنى لما لم يسمى فاعله لماذا؟ لانه لا يتمدح به بخصوصه وانما يحسن التمدح بخلق الخير امتنانا كما قال تعالى لقد خلقنا الانسان في احسنت تقويم وبخلق كل شيء للدلالة على كمال الربوبية وعموم القدرة كما قال تعالى الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل وقال تعالى وخلق كل شيء فقدره تقديرا وقوله تعالى خلق هلوعا اي جبل على الهلع وهو اشد الحرص فيشمل ذلك الحرص على المال والحرص على الشرف والحرص على حظوظ النفس مما يوجب شدة الجزع لفوت شيء منها وشدة المنع والبخل والشح عند الظفر اللهم سلمنا وسلم منا يا رب العالمين ثم بين سبحانه وتعالى معنى الهدوء فقال اذا مسه الشر اي المكروه من فقر ومرض وهم وحزن واذى ونحوي هذه الاشياء او رسوب او عدم تقدم جزوعا اي كان شديد الجزاء والجزع هو ضد الصبر واذا مسه الخير اي المحبوب المرغوب فيه كان منوعا اي كان شديد المنع وصيغة فعول للمبالغة فتدل على زيادة المعنى في المواضع الثلاثة وفي هذه الايات بيان قلة صبر الانسان الذي لم يخالط قلبه بشاشة الايمان لا في السراء ولا في الضراء وذلك عكس حال المؤمن الذي لا يقضي الله له قضاء الا كان خيرا له ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له اذا على الانسان ان يقرأ هذه الايات ويقرأ هدي النبي صلى الله عليه وسلم لاجل ان يكون كما يريد الله فربنا جل جلاله حينما يظهر لنا صفة ذميمة حتى نبتعد عنها. ولما يتمدح في الانسان خصلة حميدة من اجل ان يتحلى بها الانسان وانظر الى بيان تنافق الايات وتناسبها فلما وصف الله سبحانه جنس الانسان بالهلع البالغ استثنى منه المؤمنين وذكرهم بصفاتهم وبين سبب هذه الصفات. فقال الا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في اموالهم حق معلوم بالسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون. ان عذاب ربهم غير مأمون وهذه الايات نظير تلك الايات التي في مطلع سورة المؤمنون فقوله تعالى الا المصلين هذا استثناء من جنس الانسان الذين هم على صلاتهم دائمون اي مواظبون عليها لا يتركونها ليلا ولا نهارا ويشمل هذا المداومة على الصلاة بخشوعها وخضوعها الذي هو اس مادتها فقال هنا دائمون من دام الى ثكن ومنه الحديث النبوي الصحيح لا يبولن احدكم في الماء الدائم اي الدائم السكون والذين في اموالهم حق معلوم اي نصيب مقدر من الزكاة السائل اي الذي يسأل الناس والمحروم اي المسكين الذي لا مال له ولا حرفة يرتزق منها تسد مصرفه او لا تسد مصرفه ولا يسأل الناس فيظن انه غني اللهم لا تحرمنا فضلك لا في الدنيا ولا في الاخرة. اللهم اجعل يدنا عليا ولا تجعلها سفلى يا كريم يا رحيم ولا تجعل في قلوبنا طمع لامر من امر الدنيا واغننا بفضلك عمن سواك يا ارحم الراحمين والذين يصدقون بيوم الدين اي يؤمنون بيوم البعث والجزاء ويستعدون له بالاعمال الصالحة وايمانهم بيوم الدين معلوم من وصفهم بالمصلين لكن الله سبحانه وتعالى قد ذكر هذا ببيان اهمية الايمان ولان الايمان بيوم الدين احد اركان الايمان وكل ما ذكر فهو من خصال ثمرات الايمان من خصالهم الذي هو ثمرة من ثمرات الايمان نعم وايضا هذا من ثمرات الصلاة التي يحصل فيها الخشوع. قال تعالى والذين هم من عذاب ربهم مشفقون اي خائفون حذرون من عذاب الله على انفسهم ومجيء الصلة بالجملة الاسمية لانها دل على ثبوت وصف الاشفاق فيهم ان عذاب ربهم غير مأمون. اي لا يأمنه احد الا من امنه الله. اللهم اجعلنا ممن امنت في الدنيا والاخرة وهذه الجملة اعتراض بين صفات المؤمنين مؤذن بانه لا ينبغي لاحد ان يأمن العذاب على الانسان ان يخاف عذاب الله حتى حينما يأتي بالطاعة فمهما بلغ الانسان من العبادة عليه ان لا يأمن عذاب الله اذا خصال الايمان التي اعظمها الصلاة تطهر نفس الانسان وتطهر خلق الانسان وتطهر ما جبل عليه الانسان من الامور الصعبة كالهلع وفي ذلك فضل المداومة على الصلاة وفضل المداومة على الخشوع جلبا لمقتضيه ودفعا لمانعه والمحافظة على الصلاة والخشوع في كل زمان ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم استقيموا ولن تحصوا واعلموا ان خير اعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء الا مؤمن. فعلى الانسان ان يحافظ على الصلاة وان يحافظ على اسبابها وان يأتي بشرائطها ثم ذكر ربنا جل جلاله من صفات المؤمنين وهذا ايضا من ثمار الايمان والصلاة كما في مطلع سورة المؤمنون والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملوم فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون اولئك في جنات مكرمون. اللهم اكرمنا في الدنيا والاخرة واجعلنا ومن معنا ومن يسمع كلامنا في جناتك يا ارحم الراحمين ربنا يقول والذين هم لفروجهم حافظون اي عما حرم الله وهذا وصف لهم بالعفة والامساك عن الفواحش الا على ازواجهم فانهم غير ملوم الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين والتقدير غير مألومين اي التقدير يلامون على كل مباشرة الا على ازواجهم ففي ذلك تنبيه على النظر والتخيلات المحرمة واستذكر دائما قول الله تعالى في الاية الخامسة والثلاثين بعد المئتين من سورة البقرة واعلموا ان الله يعلم ما في انفسكم فاحذروه واستذكروا ايضا ان الله قد امرنا بالابتغاء وبالتقديم للنفس حينما ذكر الجماع مرتين في سورة البقرة قوله الا على ازواجهم اي المباحات بعقد النكاح جمع زوج وهي لغة فصيحة بل هي الاصلح ويقال زوجة وهي ايضا لغة صحيحة ويجمع على زوجات وفي حديث ابي هريرة في صفة اول زمرة تدخل الجنة قال لكل امرئ منهم زوجتان قال او ما ملكت ايمانهم وهن الامام ملك اليمين ويقال لهن السراري. قال فانهم غير معلومين اي لا يؤاخذون على ذلك اي لا يؤاخذون على ذلك حيث وضعوا الشهوة فيما اباح الله ولذا ما لديك من صفات فهي امانة احذر ان تضعها في غير ما اباحه الله وقدم ربنا جل جلاله الزوجات للاغلبية ولانهن الاصل ولشرفهن بمالهن من الحقوق فمن ابتغى اي طلب وراء ذلك اي وراء ما احله الله من الزوجات والمملوكات فاولئك هم العادون اي المعتدون لحدود الله المتجاوزون الحلال الى الحرام قال تعالى والذين هم لاماناتهم وهذه شاملة تشمل امانات الشرع وهي الاعلى من التكاليف الشرعية وتشمل امانات العباد وتشمل هذه الامانات التي هي امانة عندها من السمع والبصر والمال والذين هم لاماناتهم وعهدهم اي عهدهم مع الله ومع العباد وليعلم ان كل شيء علمنا الله اياه فهذا من العهد الذي اخذ علينا فوجب علينا ان نتعلم العلم لاجل ان نوفي عهد الله راعون اي حافظون فلا يخونون ولا ينقضون ولا يغدرون والذين هم بشهاداتهم قائمون اي يأتون بالشهادات على وجهها لا يكتمونها ولا يزيدون فيها ولا ينقصون منها وخصها بالذكر مع اندراجها في الامانات لعظم شأنها وجمعت الامانات والشهادات اختلافها ولاجل كثرة انواعها قال والذين هم على صلاتهم يحافظون اي يؤدونها في اوقاتها ويراعون شروطها واركانها وسننها وخشوعها وربنا جل جلاله افتتح صفات المؤمنين بالمداومة على الصلاة. وختمها بالمحافظة على الصلاة تنويها بشرفها لانها اعظم الروايات في الاسلام واشارة الى ان الصلاة هي سبب لبقية الاعمال الصالحة ثم ذكر جزائهم فقال سبحانه اولئك اي المتصفون بالصفات الجليلة في جنات مكرمون اي في الاخرة فيكرمهم ربهم ذو الجلال والاكرام بجميع انواع الاكرام والانعام في جنات مكرمون اسأل الله ان يكرمنا واياكم وفي هذه الايات الكريمة اباحة الوطء بملك اليمين وهذا الحكم مختص بالرجال هذا الحكم مختص بالرجال ويستفاد من ذلك تحريم الاستمناء وتحريم اتيان الذكور وتحريم اتيان البهائم. ومن عدا الزوجة والسرية في عموم قوله تعالى وراء ذلك. والمذكور له تعد للحد الذي اباحه الله تعالى فاذا هذه الايات يقرأها الانسان حتى يعمل بها فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عز ايطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة نعيم. كلا انا خلقناهم مما يعلمون فما للذين كفروا هذه الفاء للتفريق فربنا جل جلاله لما ذكر المؤمنين بصفاتهم وما اعد لهم في دار كرامته ودار رحمته الجنة فرع على ذلك الانكار على الكفار كفرهم وفرع على ذلك ذكر نفورهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ونفوذهم عن دعوتهم فما هذي ما اسم استفهام وكذا للذين خبروا للذين خبره قبلك اي عندك فهو ظرف مكان حال من الذين كفروا مقطعين اي مسرعين نافرين والمعنى ما بال هؤلاء الكفار الذين عندك مسرعين نافرين عنك وهذا الاستفهام للانكار والتعجب والتعجيب من حالهم وكانوا اذا سمعوا الايات والمواعظ من النبي صلى الله عليه وسلم كفروا وفروا كما قال تعالى فما لهم عن التذكرة معرظ بانهم حمر مستنفرة فرت من قصر عن اليمين وعن الشمال عزين جمع اثر اي جماعة حال من مفطعين اي نفروا عنك جماعات متفرقة عن يمينك وعن شمالك وهو كناية عن جميع الجهات كان كل فرقة تعزى الى غير من تعزى اليه الاخرى فربنا جل جلاله قال ايطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة نعيم؟ هذا الذي اعرض هل يطمع ان يدخل جنة نعيم وهو معرض هكذا اي يطمع كل امرئ منهم بعد هذا الفرار ان يدخله الله جنة نعيم والاستفهام للانكار اي لا يكون ذلك ابدا وقوله جنة نعيم اي جنة ذات نعيم من اضافة الموصوف الى الصفر والنعيم ضد البؤس وجاء الجنة نكرة والله اعلم مطابقة لاعتقادهم لانهم لا يؤمنون بالجنة الحق فطمعهم فيما لا حقيقة له كلا نفي لامانيهم ونفي لظماعهم في دخول الجنة بلا امام ربنا يقول انا خلقناهم مما يعلمون اي من الماء المهن وهذا يتكرر في القرآن كثيرا لاجل ان لا يتكبر المرء على امر الله فكيف يكذبون بالبعث ويجهلون قدرة الله على اعادتهم وهم يعلمون انه الذي بدأهم اول مرة وهذا احد ادلة البعث التي يرد الله بها على المكذبين وربنا قد ذكره في القرآن كثيرا وفي الابهام في قوله مما يعلمون اشارة الى حقارة ما خلقوا منه فلينظر الانسان مما خلق ولينظر هو ما هو مصيره ولينظر ماذا يحمل في بطنه ولينظر الى الفم مدخله والى مخرجه ولينظر الانسان كم انه محفوف بنعم الله تعالى لا يستطيع ان ينفك عن فضل الله ثانية واحدة ولما ذكر ربنا جل جلاله شأنهم من صفاتهم السيئة اسمع ذلك بما فيه تهديدهم وتهوين امرهم على الله وانه عز وجل قادر على اهلاكهم والاتيان بمن هم خير منهم في الايمان والطاعة فقال سبحانه فلا اقسم برب المشارق والمغارب انا لقادرون على ان نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين وفي هذا تصبير للمؤمنين وللدعاة لان المؤمنين يصيبهم ما يصيبهم كما يحصل الان على المسلمين في حلب اسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يكشف يدفع عنهم البلاء وان يدفع السوء. وايضا في ذلك تطهير للدعاة لان الداعي الى الله يصيبه من الاذى قال تعالى فلا اقسم لا هذه زائلة لتأكيد القسم والفاء هي الفصيحة والمعنى اذا كان الامر كما ذكرنا عنهم فاقسم برب المشارق والمغارب اي مشارق الشمس ومغارب الشمس وهذه تختلف بعدد ايام العام فان الشمس تشرق كل يوم في مشرق منها وتغرب في مغرب لان الجميع في فلك يسبحون وهذا قسم عظيم يشعر باهمية المقسم عليه ولهذا اكده ربنا بالمؤكدات وهذا اذا يدل على تعدد مطالع الشمس ومغاربها كما قلت لان الجميع الشمس والقمر الكل يسير فكل مشرق جديد وكل مغرب جديد ويدل على تعدد مضارع الشمس ومغاربها وكلا القمر والكواكب وذلك ان لها في كل يوم مشرقا ومغربا. على مدار السنة كما ان لها مشرقين ومغربين باعتبار مطالعها في الصيف والشتاء كما قال تعالى رب المشرقين ورب المغربين وباعتبار جهة المطالع والمغارب يملى جاء ذكر المشرق والمغرب مفردا كما في قوله رب المشرق والمغرب لا اله الا هو فاتخذه وكيلا وبهذا يظهر فهم الايات مجموعة اذا ربنا جل جلاله اقسم بها القسم العظيم وهذا القسم العظيم يشعر باهمية المقسم عليه ولذا فان ربنا قد اكده بالمؤكدات فقال جوابا للقسم انا لقادرون على ان نبدل خيرا منهم. اي ان لقادرون على ان نهلكهم ونأتي بقوم خير منهم كما قال سبحانه وان تتولوا يستبدل قوما غيركم. ثم لا يكونوا امثالكم وهنا قال وما نحن بمسبوقين. وهو معطوف على جواب القسم فهو من جملة المقسم عليها اي وما نحن بعاجزين او بمغلوبين على ذلك ان اردناه ولكن ربنا جل جلاله شاء بحكمته امهالهم ثم جاء الخطاب بالالتفات الى النبي صلى الله عليه وسلم وجاء التهديد الشديد في اعراضهم عن اتباع رسالة النبي صلى الله عليه وسلم. فقال تعالى والخطاب للنبي وايضا يدخل في ذلك كل داعية يدعو الى الله تعالى فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون طبعا هذا مع اقامة الحجة عليهم لا تقرأ هذه الايات من غير ان تقرأ الايات الاخريات فتفهم انك لا لست مكلفا بالدعوة لا الجميع مكلف ولكن من لا تطمع بايمانه تقيم الحجة عليه. فاذا اقمت الحجة عليه فقد اديت ما عليك يوم يخرجون من الاجداث سراعا كانهم الى نصب يوفون خاشعة ابصارهم ترهقهم لله ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون فذرهم الفاء للتفريغ فالكلام مفرغ على شيء مر اي اذا تبين ان غير مسبوقين وان تأخير عذابهم ليس لعجز بل لحكمة فذرهم يخوضوا ويلعبوا اي دعهم ايها النبي فيما هم فيه من الباطل والكفر حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون اي الى ان يلاقوا يوم البعث والقيامة فحين ذاك سيعلمون عاقبة امرهم اذ لا ينفعهم هناك توبة ولا ندم واظاف اليوم الى ظميرهم لان اليوم الذي اوعد فيه بالعذاب هو يوم يخرجون من الاجداث اي القبور وهو جمع جرس ذراعا اي الى المحشر وهو جمع سريع سراعا جمع سريع كظريف وظراف كانهم الى نصب يوفرون اي يسرعون ويستبقون والنصب ما نصب للعبادة من دون الله. ويجمع على انصاب والمعنى انهم يسرعون الخروج من القبور الى المحشر كما يسرعون المشي الى الاصنام خاشعة ابصارهم اي دليلة خاظعة فلا يرفعونها خوفا وذلا وخاشعة حال من فاعل. يوفضون يرهقهم ذلة اي تغشاهم ذلة عظيمة وهوان جزاء وفاقا لاستكبارهم على امر الله تعالى الذي امروا ولذا ينبغي على الانسان في هذه الدنيا ان يعظم امر الله وان يعمل به ولا يستطيع الانسان ان يعظم امر الله تعالى حتى يكثر من قراءته. والعمل بهم ذلك اليوم اي اليوم الذي يخرجون فيه من الاجداث هو اليوم الذي كانوا يوعدون اي في الدنيا بالعذاب فيه وهم يكذبون به وما وعد الله به فهو حق واقع لا محالة. وهو العذاب الذي سألوا عنه وقد اجتمع اخر السورة مع اولها وهذا من بلاغة هذا القرآن الكريم اسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اللهم احسن عاقبتنا في الامور كلها واجرنا من خزي الدنيا وعذاب الاخرة اللهم اهدنا واهد بنا. اللهم اصلحنا واصلح بنا. اللهم يا رب العالمين ارفع البلاء. وارفع البأس عن المسلمين هنا في حلب وفي الموصل وفي اليمن وفي ليبيا وفي مصر وفي بورما يا كريم يا رحيم. اللهم انا نعلم انك على كل شيء قدير اللهم ازهق الازمات وابدل عسر هذه الامة يسرا يا كريم يا رحيم يا عظيم اللهم اصلح على امة محمد اجمعين. اللهم ردهم الى دينك ردا جميلا. اللهم قهم السيئات اللهم قنا وقهم السيئات اللهم لا تجعل في قلوبنا طمعا لهذه الدنيا الفانية. واجعل الاخرة همنا يا كريم يا رحيم. اللهم اهدنا واهد بنا واصلحنا واصلح بنا. هذا وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعه احسان الى يوم الدين