المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الحديث الخامس والثمانون عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم كان اذا استوى على بعيره خارجا الى سفر كبر ثلاثا ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون اللهم انا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوي عنا بعده اللهم انت الصاحب في السفر والخليفة في الاهل اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والاهل والولد واذا رجع قالهن وزاد فيهن ايبون تائبون عابدون لربنا حامدون رواه مسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث فيه فوائد عظيمة تتعلق بالسفر وقد اشتملت هذه الادعية على طلب مصالح الدين التي هي اهم الامور ومصالح الدنيا وعلى حصول المحاب ودفع المكاره والمضار وعلى شكر نعم الله والتذكر لالائه وكرمه واشتمال السفر على طاعة الله وما يقرب اليه فقوله كان اذا استوى على راحلته خارجا الى سفر كبر ثلاثا هو افتتاح لسفره بتكبير الله والثناء عليه كما كان يختمه بذلك وقوله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون فيه الثناء على الله بتسخيره للمركوبات التي تحمل الاثقال والنفوس الى البلاد النائية والاقطار الشاسعة واعتراف بنعمة الله بالمركوبات وهذا يدخل فيه المركوبات من الابل ومن السفن البحرية والبرية والهوائية فكلها تدخل في هذا ولهذا قال نوح صلى الله عليه وسلم للراكبين معه في السفينة اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها فهذه المراكب كلها واسبابها وما به تتم وتكمل كله من نعم الله وتسخيره يجب على العباد الاعتراف لله بنعمته فيها وخصوصا وقت مباشرتها وفيه تذكر الحالة التي لولا الباري لما حصلت وذللت في قوله وما كنا له مقرنين اي مطيقين لو رد الامر الى حولنا وقوتنا لكنا اضعف شيء علما وقدرة وارادة ولكنه تعالى سخر الحيوانات وعلم الانسان صنعة المركوبات كما امتن الله في تيسير صناعة الدروع الواقية في قوله وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل انتم شاكرون فعلى الخلق ان يشكروا الله اذ علمهم صناعة اللباس الساتر للعورات ولباس الرياش ولباس الحرب والات الحرب وعلمهم صنعة الفلك البحرية والبرية والهوائية وصنعة كل ما يحتاجون الى الانتفاع به وانزل الحديد فيه منافع للناس متنوعة ولكن اكثر الخلق في غفلة عن شكر الله بل في عتو واستكبار على الله وتجبر بهذه النعم على العباد وفي هذا الحديث التذكر بسفر الدنيا الحسي الى سفر الاخرة المعنوية لقوله وانا الى ربنا لمنقلبون فكما بدأ الخلق فهو يعيدهم ليجزي الذين اساءوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى وقوله اللهم انا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى سأل الله ان يكون السفر موصوفا بهذا الوصف الجليل محتويا على اعمال البر كلها المتعلقة بحق الله والمتعلقة بحقوق الخلق وعلى التقوى التي هي اتقاء سخط الله بترك جميع ما يكرهه الله من الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة كما سأله العمل بما يرضاه الله وهذا يشمل جميع الطاعات والقربات ومتى كان السفر على هذا الوصف فهو السفر الرابح وهو السفر المبارك وقد كانت اسفاره صلى الله عليه وعلى اله وسلم كلها محتوية لهذه المعاني الجليلة ثم سأل الله الاعانة وتهوين مشاق السفر فقال اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوي عنا بعده لان السفر قطعة من العذاب فسأل تهوينه وطيب عيده وذلك بتخفيف الهموم والمشاق وبالبركة في السير حتى يقطع المسافات البعيدة وهو غير مكترث ويقيض له من الاسباب المريحة في السفر امورا كثيرة مثل راحة القلب ومناسبة الرفقة وتيسير السير وامن الطريق من المخاوف وغير ذلك من الاسباب فكم من سفر امتد اياما كثيرة لكن الله هونه ويسره على اهله وكم من سفر قصير صار اصعب من كل صعب فما ثم الا تيسير الله ولطفه ومعونته ولهذا قال في تحقيق تهوين السفر اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر اي مشقته وصعوبته وكآبة المنظر اي الحزن الملازم والهم الدائم وسوء المنقلب في المال والاهل والولد اي يا رب نسألك ان تحفظ علينا كل ما وراءنا وفارقناه بسفرنا من اهل وولد ومال وان ننقلب اليهم مسرورين بالسلامة والنعم المتواترة علينا وعليهم فبذلك تتم النعمة ويكمل السرور وكذلك يقول هذا في رجوعه وعوده من سفره ويزيد ايبون تائبون عابدون لربنا حامدون اي نسألك اللهم ان تجعلنا في ايابنا ورجوعنا ملازمين للتوبة لك وعبادتك وحمدك وان تختم سفرنا بطاعتك كما ابتدأته بالتوفيق لها ولهذا قال تعالى وقل رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي وجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ومدخل الصدق ومخرجه ان تكون اسفار العبد ومداخله ومخارجه كلها تحتوي على الصدق والحق والاشتغال بما يحبه الله مقرونة بالتوكل على الله ومصحوبة بمعونته وفيه الاعتراف بنعمته اخرا كما اعترف بها اولا بقوله لربنا حامدون فكما ان على العبد ان يحمد الله على التوفيق لفعل العبادة والشروع في الحاجة فعليه ان يحمد الله على تكميلها وتمامها والفراغ منها فان الفضل فضله والخير خيره والاسباب اسبابه والله ذو الفضل العظيم