المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي رحمه الله قواعد فقهية مهمة لا يستغنى عنها تأليف الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين. اياك نعبد واياك نستعين. والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. وسلم تسليما كثيرا. وهذه قواعد مهمة من قواعد الفقه لا يستغني الانسان عنها. نقلتها اولها من متن مختصر التحرير وشرحه للفتوحي. واخرها من قواعد العلامة ابن رجب رحمهما الله ونفعنا بعلومهما امين. القاعدة الاولى لا يرتفع اليقين بالشك. ومعنى ذلك ان الانسان متى تحقق شيئا ثم شك هل زال ذلك الشيء المتحقق ام لا؟ الاصل بقاء المحقق فيبقى الامر على ما كان متحققا في هذه القاعدة صور كثيرة. منها لو شك في الحدث بعد تحققه الطهارة او عكسه. كذا لو شك في طهارة الماء ونجاسته او انه مطهر او محدث او شك في عدد الركعات او الطواف. وكذا لو شك في امرأة انه متزوجها لم يكن له وطؤها. استصحابا لحكم من التحريم. وكذا لو شك هل طلق زوجته ام لا؟ لم تطلق زوجته. وله ان يطأها حتى يتحقق الطلاق. استصحابا للنكاح اذا لو شك هل طلق ثلاثا او واحدة؟ الاصل الحل. وغير ذلك مما لا يحصر. ولا تختص هذه القاعدة بالفقه بل الاصل في كل حال عدمه حتى يتحقق كما نقول الاصل انتفاء الاحكام عن المكلفين حتى يأتي ما يدل على خلاف ذلك. والاصل في انها للحقيقة والاوامر انها للوجوب. وفي النواهي انها للتحريم. والاصل بقاء العموم حتى يتحقق مخصص. والاصل بقاء حكم النص حتى يرد الناسخ. ولاجل هذه القاعدة كان الاستصحاب حجة. ومما ينبني على هذه القاعدة لا يطالب بالدليل لانه مستند للاستصحاب. كما ان المدعى عليه في باب الدعاوى لا يطالب بحجة على براءة ذمته. بل القول في الانكار كله بيمينه وهذه قاعدة عظيمة نافعة جامعة لمسائل كثيرة وبالله التوفيق. القاعدة الثانية زوال الضرر من غير ضرر. يعني تجب ازالة الضرر من غير ان يلحق بازالته ضرر. لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار. وقد علم اصحابنا بذلك في مسائل كثيرة. وهذه القاعدة فيها من الفقه ما لا حصر له. ولعلها تتضمن نصف الفقه. فان الاحكام اما لجلب المنافع واما لدفع المضار فيدخل فيها دفع الضروريات الخمس التي فيها حفظ الدين والنفس والنسب والمال والعرض هذه القاعدة ترجع الى تحصيل المقاصد وتقريرها بدفع المفاسد او تخفيفها. ومما يدخل في هذه القاعدة الضرورات تبيح المحظورات اي المحرمات. شرط كون ارتكاب المحظور اخف من وجود الضرر. ومن ثم جاز بل وجب اكل الميتة عند المخمصة. كذا اساغة اللقمة بالخمر والبول. فقتل المحرم الصيد دفعا عن نفسه اذا صال عليه. فانه لا يضمنه. ومنه العفو عن اثر الاستجمار. القاعدة الثالثة المشقة تجلب التيسير. ودليل ذلك قوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج اشارة الى ما خفف عن هذه الامة من الاثار ونحوه. ويدخل تحت هذه القاعدة انواع من الفقه. منها ما في العبادات التيمم عند مشقة استعمال الماء على حسب تفاصيله في الفقه. القعود في الصلاة عند مشقة القيام. وفي النافلة مطلقا وقصر الصلاة في السفر والجمع بين الصلاتين ونحو ذلك. ومن ذلك رخص السفر وغيرها من التخفيفات. وايضا اعذار الجمعة والجماعة تعجيل الزكاة والتخفيفات في العبادات والمعاملات والمناكحات والجنايات. ومن التخفيفات المطلقة فروض الكفايات وسننها. والعمل بالمظنون لمشقة الاطلاع على اليقين. وبالله التوفيق. القاعدة الرابعة درء المفاسد اولى من جلب مصالح ودفع اعلى المفسدتين بادناهما. يعني ان الامر اذا دار بين درء مفسدة وجلب مصلحة كان درء المفسدة اولى من بل بالمصلحة واذا دار الامر بين درء احدى المفسدتين وكان احداهما اكثر فسادا من الاخرى فدرء العليا منهما اولى من درء غيرهم وهو واضح يقبله كل عاقل. واتفق عليه العلماء والحمد لله. القاعدة الخامسة تحكيم العادة. وهو معنى قول الفقهاء العادة محكمة اي معمول بها شرعا. لقول عبدالله بن مسعود ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسنا. وضابطه كل فعل رتب عليه الحكيم الحكم ولا ضابط له في الشرع ولا في اللغة كاحياء المواد والحرز في السرقة والاكل من بيت الصديق وما يعد قبضا وايداعا واعطاء وهدية وغصبا. والمعروف بالمعاشرة واستيفاء المستأجر ما جرت به العادة وامثال هذه كثيرة لا تنحصر وبالله التوفيق. القاعدة السادسة مدار الامور في الاحكام على قصدها. ودليلها حديث عمر رضي الله عنه انما الاعمال بالنيات. ويدخل في هذه القاعدة مسائل كثيرة. فمنها الوضوء والغسل عندنا والتيمم والعبادات. فرضها ونفلها عينها وكفايتها والزكاة والنذور والكفارات والصيام والاعتكاف والحج فرض الكل ونفله. والاضحية والهدية الجهاد والعتق والتدبير والكتابة. بمعنى ان حصول الثواب في هذه الاربعة يتوقف على قصد التقرب الى الله تعالى. فيقال بل يسري هذا الى سائر المباحات اذا قصد بها التقوي على طاعة الله تعالى. والتوصل اليها كالاكل والنوم واكتساب المال والنكاح والوطء وفي الامة اذا قصد بها الاعفاف او تحصيل الولد الصالح او تكفير الامة. والله سبحانه اعلم. القاعدة السابعة في العبادة ذات الواقعة على وجه محرم. ان كان التحريم عائدا الى ذات العبادة لم يصح. كان عائدا الى شرطها لم تصح. وان عاد الى ما ليس بفرطها صح. وللاول امثلة كثيرة منها صوم يوم العيد. الصلاة في اوقات النهي. والصلاة في مواضع النهي. والصيام ايام التشريق وللثاني امثلة كثيرة منها الصلاة بالنجاسة وبغير سترة واشباه ذلك. وللثالث امثلة منها الوضوء من الاناء المحرم ومنها صلاة من عليه عمامة غصب او حريق او بيده خاتم ذهب ونحو ذلك. والله اعلم. القاعدة الثامنة كل من ملك شيئا بعوض ملك عليه عوضه في ان واحد. ويضطرد هذا في البيع والسلم والقرض والاجارة النكاح والكتابة والخلع ونحوها. والله سبحانه وتعالى اعلم. القاعدة التاسعة الفعل الواحد ينبني بعضه على بعض مع اتصال المعتاد ولا ينقطع بالتفرق اليسير. ولذلك صور منها مكاثرة الماء القليل النجس بالماء الكثير. يعتبر له اتصال المعتاد دون صب الكلتين دفعة واحدة. ومنها الموالاة في الوضوء. ومنها الصلاة اذا سلم ساهيا. ومنها الطواف اذا تحللها مكتوبة او جنازة يبني عليها وله صور كثيرة والله اعلم. القاعدة العاشرة يثبت تبعا ما لا يثبت في مسائل منها شهادة النساء في الولادة يثبت بها النسب ولا يثبت النسب بشهادتهن به استقلالا. ومنها شهادة المرء على الرضاعة يترتب عليه انتساخ النكاح. ومنها صلاة الحاج عن غيره ركعتي الطواف تحصل ضمنا وتبعا للحج. وان كانت الصلاة لا تقبل النيابة استقلال القاعدة الحادية عشرة المنع اسهل من الرفع ويتخرج عليها مسائل كثيرة. منها منع تخمير خلي ابتداء بان يوضع فيه خل يمنع تخمرها مشروع. وتخليلها بعد تخميرها ممنوع. ومنها اختلاف الدين المانع من النكاح يمنعه ابتداء ولا يفسخه في الدوام. بل يوقف الامر على انقضاء العدة. القاعدة الثانية عشرة تعتبر الاسباب في عقود التمليكات ما تعتبر في الايمان ويتخرج على هذا مسائل متعددة. منها مسألة العينة ومنها هدية المقترض قبل الوفاء. لا يجوز قبولها ممن لم تجري منه عادة ومنها هدايا العمال. ومنها الهدية لمن شفع له عند السلطان. القاعدة الثالثة عشرة احكام النساء على النصف من احكام الرجال في مسائل منها الميراث والدية والعقيقة والشهادة والعتق وعطية الاولاد والصلاة. القاعدة الرابعة عشرة يرجح ذو القرابتين على ذي القرابة الواحدة. في مسائل منها الميراث وولاية النكاح وحمل العاقلة والوقت الوصية وولاية الصلاة على الجنازة. القاعدة الخامسة عشرة من اتلف شيئا لدفع اذاه لم يضمنه. وان اتلفه لدفع اذاه ضمن ويتخرج عليه مسائل منها لو صال عليه حيوان ادمي او بهيم. فدفعه عن نفسه بالقتل لم يضمنه. ولو قتل اخوانا لغيره في مقمصة ليحيي بها نفسه ضمنه. ومنها لو صال عليه صيد في احرامه فقتله دفعا عن نفسه لم يضمنه. ولو اضطر موافقة له في المخمصة ليحيي بها نفسه ضمنه. القاعدة السادسة عشرة من اتى بسبب يفيد الملك او الحل او يسقط الواجبات على وجه محرم وكان مما تدعو النفوس اليه الغي ذلك السبب. وكان وجوده كالعدم ولم تترتب عليه احكامه. ويتخرج على ذلك مسائل كثيرة. منها الفار من الزكاة قبل تمام الحول بتنقيص النصاب او اخراجه عن ملكه تجب عليه الزكاة ومنها المطلق في مرضه لا يقطع طلاقه حق الزوجة من الارث. ومنها القاتل لمورثه لا يرثه. ومنها قتل الموصى له الموصى فانه يبطل الوصية ومنها السكران يشرب الخمر عمدا. يجعلك الصاحي في اقواله وافعاله فيما عليه في المشهور. ومنها تخليل لا يكيد حله ولا طهارته. ومنها الغال من الغنيمة يحرم سهمه وغير ذلك والله اعلم. القاعدة السابعة عشرة القرعة في تمييز المستحق اذا ثبت الاستحقاق ابتداء لمبهم غير معين عند تساوي اهل الاستحقاق. وتستعمل ايضا في تمييز المستحق المعين في نفس الامر عند اشتباهه. ويندرج فيها مسائل كثيرة جدا. منها اذا اجتمع محدثان وعندهما يكفي لاحدهما ولا اختصاص لاحدهما به فتستعمل القرعة. ومنها اذا تشاح شقان مستويان في الاولوية وفي الاذان او امامة او الولاية في النكاح او الصلاة على الجنازة او الجلوس في الاماكن المباحة. او قال لزوجته ان كان هذا الطائر غرابا هند طالق والا فزينب وغير ذلك من المسائل التي لا تكاد تنحصر والله اعلم. القاعدة الثامنة عشرة الوسائل لها احكام المقاصد وهذه قاعدة جليلة عظيمة النفع. فهي كما قال بعضهم تشتمل على ربع الشريعة. ولنذكر مثالا به. وبيان ذلك ان الاحكام خمسة. ويجب محرام ومسنون ومكروه ومباح. فالوسيلة الى الواجب واجبة في نحو قوله صلاة الجماعة واجبة. فكذلك ما كان وسيلة اليها. كالخطأ في المساجد ونحوها. والوسيلة الى المحرم حرام. نقول الزنا حرام فكذا ما كان وسيلة له. نحو المشي الى اماكنه. والوسيلة الى المسنون مسنون. كما نقول المشي الى طلب العلم المسنون وصلة والوسيلة الى المكروه مكروهة ككراهة صلاة الحاقن ونحوه فانه وسيلة الى عدم الخشوع في الصلاة. والوسيلة الى المباح مباحة وذلك واضح. والحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة. ونسأله النفع بها واخلاص العمل. وصلى الله على محمد عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وعلى اله وصحبه وسلم غفر الله لكاتبها ومؤلفها وقارئها