اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروه وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز عنها مفر ولا مناص ولا فكاك ولا خلاص. ان تصبك حسنة تسؤهم وان تصيبك مصيبة كونوا قد اخذنا امرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون. يقول تعالى مبينا ان المنافقين هم الاعداء مصير اي ولي يتولاكم يجلب المنافع لكم او نصير يدفع عنكم المضار والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار هذا الامر حتى يتوبوا من شركهم. ولهذا قال فان تابوا من شركهم واقاموا الصلاة اي ادوها بحقوقها واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم اي اتركوهم وليكونوا مثلكم لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. ان الله غفور رحيم يغفر المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي اي هذه براءة من الله ومن رسوله الى جميع المشركين المعاهدين ان لهم اربعة اشهر هنا في الارض على اختيارهم امنين من المؤمنين. وبعد الاربعة الاشهر فلا عهد لهم ولا ميثاق. وهذا لمن كان له عهد مطلق غير مقدر او مقدر باربعة اشهر فاقل. اما من كان له عهد مقدر بزيادة على اربعة اشهر. فانه يتعين ان يتمم له عهده اذا لم يخطط منه خيانة ولم يبدأ بنقض العهد ثم انذر المعاهدين في مدة عهدهم انهم وان كانوا امنين فانهم لن يعجزوا الله ولن يفوتوه وانه من استمر منهم على شركه فان الله لا بد ان يخزيه. فكان هذا مما يجلبهم الى الدخول في الاسلام. الا من عاند واصر ولم يبالي بوعيد الله له واذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الاكبر انكم غير معجزين كفروا بعذاب اليم. هذا ما وعد الله به المؤمنين من نصر دينه واعلاء كلمته وخذلان اعدائه من المشركين. الذين اخرجوا الرسول ومن معه من مكة من بيت الله الحرام واجلوهم مما لهم التسلط عليه من ارض الحجاز. نصر الله رسوله والمؤمنين حتى افتتح مكة. واذل المشركين وصار للمؤمنين الحكم الغلبة على تلك الديار فامر النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنه ان يؤذن يوم الحج الاكبر وهو يوم النحر وقت اجتماع الناس مسلمهم كافرهم من جميع جزيرة العرب ان يؤذن بان الله بريء ورسوله من المشركين. فليس لهم عنده عهد وميثاق. فاينما وجدوا وقيل لهم لا تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم هذا. وكان ذلك سنة تسع من الهجرة. وحج بالناس ابو بكر الصديق رضي الله عنه واذن ببراءة يوم النحر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ابن ابي طالب رضي الله عنه ثم رغبت على المشركين توبة ورهبهم من الاستمرار على الشرك فقال فان تبتم فهو خير لكم. وان توليتم فاعلموا انكم غير معجز له. اي فائتيه بل انتم في قبضته قادر ان يسلط عليكم عباده المؤمنين. وبشر الذين كفروا بعذاب اليم اي مؤلم مفظع في الدنيا بالقتل الاسر والجلاء وفي الاخرة بالنار وبئس القرار. الا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم اي هذه البراءة التامة المطلقة من جميع المشركين الا الذين الذين عاهدتم من المشركين واستمروا على عهدهم. ولم يجري منهم ما يوجب النقب. فلا نقصوكم شيئا ولا عاونوا عليكم احدا. فهؤلاء لهم عهدهم الى مدتهم قلت او كثرت لان الاسلام لا يأمر بالخيانة. وانما يأمر بالوفاء. ان الله يحب المتقين الذين ادوا ما امروا به واتقوا الشرك والخيانة. وغير ذلك من المعاصي اتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم يقول تعالى فاذا انسلخ الاشهر الحرم اي التي حرم فيها قتال المشركين المعاهدين. وهي اشهر التسيير الاربعة. وتمام المدة لمن له مدة اكثر منها. فقد برأت منه فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم في اي مكان وزمان وخذوهم اسرى واحصروهم اي ضيقوا عليهم فلا تدعوهم يتوسعون في بلاد الله وارضه التي جعلها الله معبدا لعباده. فهؤلاء ليسوا اهلا لسكناها ولا يستحقون منها شبرا. لان الارض ارض الله وهم اعداؤه المنابذون له ولرسله. المحاربة الذين يريدون ان يخلو الارض من دينه. ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون واقعدوا لهم كل مرصد. اي كل ثنية وموضع يمرون عليه. ورابطوا في جهادكم وابذلوا غاية مجهودكم في ذلك. ولا تزالوا على فما دونه للتائبين ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة ثم قبولها منهم. وفي هذه الاية دليل على ان من امتنع من اداء الصلاة او الزكاة فانه يقاتل حتى يؤديهما. كما استدل بذلك ابو بكر الصديق رضي الله عنه لما كان ما تقدم من قوله فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم لهم كل مرصد امرا عاما في جميع الاحوال وفي كل الاشخاص منهم ذكر تعالى ان المصلحة اذا اقتضت تقريب بعضهم جاز بل وجبت كذلك فقال وان احد من المشركين استجارك. اي طلب منك ان تجيره وتمنعه من الضرر. لاجل ان يسمع كلام الله وينظر حالة الاسلام فاجره حتى يسمع كلام الله. ثم ان اسلم فذاك والا فابلغه مأمنه. اي المحل الذي يأمن فيه. والسبب في ذلك ان الكفار قوم لا يعلمون. فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم. اذا زال اختاروا عليه الاسلام. فلذلك امر الله رسوله وامته اخوته في الاحكام ان يجيروا من طلب ان يسمع كلام الله. وفي هذا حجة صريحة لمذهب اهل السنة والجماعة. القائلين بان القرآن كلام الله هو مخلوق لانه تعالى هو المتكلم به. واضافه الى نفسه اضافة الصفة الى موصوفها. وبطلان مذهب المعتزلة ومن اخذ بقولهم ان القرآن مخلوق. وكم من الادلة الدالة على بطلان هذا القول ليس هذا محل ذكرها عند الله وعند رسوله الا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام. فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ان الله يحب المتقين هذا بيان للحكمة الموجبة لان يتبرأ الله ورسوله من المشركين فقال كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله؟ هل قاموا بواجب الايمان ام تركوا رسول الله والمؤمنين من اذيتهم اما حاربوا الحق ونصوا الباطل؟ اما سعوا في الارض فسادا؟ فيحق لهم ان يتبرأ الله منهم. والا يكون لهم عنده عهد ولا عند رسوله الا الذين عاهدتم من المشركين عند المسجد الحرام. فان لهم في العهد وخصوصا في هذا المكان الفاضل حرمة. اوجب ان يراعوا فيها فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم. ان الله يحب المتقين. ولهذا قال يرضونكم بافواههم وتأدى قلوبهم اكثرهم فاسقون. اي كيف يكون للمشركين عند الله عهد وميثاق؟ والحال انهم ان يظهروا عليكم بالقدرة والسلطة لا يرحموكم ولا يرقب فيكم الا ولا ذمة. اي لا ذمة ولا قرابة. ولا يخافون الله فيكم. بل يسومونكم سوء العذاب هذه حالكم معهم لو ظهروا ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم فانهم يرضونكم بافواههم وتأبى قلوبهم والمحبة لكم بل هم الاعداء حقا. المبغضون لكم صدقا. واكثرهم فاسقون. لا ديانة لهم ولا مروة ايات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله انهم ساهلون اشتروا بايات الله ثمنا قليلا اي اختاروا الحظ العاجل الخسيس في الدنيا على الايمان بالله ورسوله والانقياد لايات الله. فصدوا بانفسهم وصدوا غيرهم عن سبيله. انهم ساء ما كانوا يعملون. لا يرقبون في مؤمن هم المعتدون. لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة اي لاجل عداوتهم للايمان واهله. فالوصف الذي جعلهم يعادونكم لاجله ويبغضونكم هو الايمان. فذبوا عن دينكم وانصروه واتخذوه من عاداه لكم عدوا. ومن نصره لكم وليا. واجعلوا الحكم يدور معه وجودا وعدما. لا تجعلوا الولاية والعداوة طبيعية تميلون به حيث مال الهوى وتتبعون فيهما النفس الامارة بالسوء. ولهذا فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة الزكاة فاخوانكم في الدين. ونفصل الايات لقوم يعلمون. فان تابوا عن شركهم ورجعوا الى الايمان واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فاخوانكم في الدين. وتناسوا تلك العداوة اذ كانوا مشركين. لتكونوا عباد الله المخلصين. وبهذا يكون العبد عبدا حقيقة. لما بين من احكامه العظيمة ما بين. ووضح منها ما وضح احكاما وحكما وحكما قال ونفصل الايات اي نوضحها ونميزها لقوم يعلمون. فاليهم سياق الكلام وبهم تعرف الايات والاحكام وبهم عرف دين الاسلام وشرائع الدين. اللهم اجعلنا من القوم الذين يعلمون ويعملون بما يعلمون. برحمتك وجودك وكرمك يا رب العالمين فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون. يقول تعالى بعدما ذكر ان المعاهدين من المشركين ان استقاموا على عهدهم فاستقيموا لهم على الوفاء. وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم. اي نقضوها وحلوها فقاتلوكم او اعانوا على قتالكم او نقصوكم وطعنوا في دينكم اي عابوه وسخروا منه ويدخل في هذا جميع انواع الطعن الموجهة الى الدين او الى القرآن فقاتلوا ائمة الكفر. اي القادة فيه الرؤساء الطاعنين في دين الرحمن لدين الشيطان وخصهم بالذكر لعظم جنايتهم. ولان غيرهم تبع لهم. وليدل على ان من طعن في الدين وتصدى للرد عليه. فان من ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم اي لا عهود ولا مواثيق يلازمون على الوفاء بها. بل لا يزالون خائنين ناكثين للعهد لا يوثق منهم لعلهم في قتالكم اياهم ينتهون عن الطعن في دينكم. وربما دخلوا فيه. ثم حث على قتالهم يد المؤمنين بذكر الاوصاف التي صدرت من هؤلاء الاعداء والتي هم موصوفون بها المقتضية لقتالهم فقال الا تقاتلوا وهموا باخراج الرسول اتخشونهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم الا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول؟ الذي يجب احترامه وتوقيره وتعظيمه وهم هم ان يدلوه ويخرجوه من وطنه. وسعوا في ذلك ما امكنهم. وهم بدؤوكم اول مرة حيث نقضوا العهد واعانوا عليكم. وذلك كحيث عاونت قريش وهم معاهدون بني بكر حلفائهم على خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقاتلوا معهم كما هو مبسوط في السيرة اتخشونهم في ترك قتالهم؟ فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين. فانه امركم بقتالهم اكد ذلك عليكم غاية التأكيد. فان كنتم مؤمنين فامتثلوا لامر الله. ولا تخشوهم فتتركوا امر الله. ثم امر بقتالهم وذكر ما يترتب على قتالهم من الفوائد وكل هذا حث وانهاض للمؤمنين على قتالهم. فقال قاتلوهم يعذبهم الله بهم ايديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشفي صدور قوم مؤمنين. قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم بالقتل ويخزهم اذا نصركم الله عليهم. وهم الاعداء الذين يطلب خزيهم ويحرص عليه. وينصركم عليهم. هذا عبد من الله وبشارة قد انجزها ويشفي صدور قوم مؤمنين من يشاء والله عليم حكيم. ويذهب غيظ قلوبهم فان في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم. اذ يرون هؤلاء الاعداء محاربين لله ولرسوله في اضفاء نور الله وزوالا للغيظ الذي في قلوبهم. وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين. واعتنائه باحوالهم حتى انه جعل من جملة المقاصد الشرعية شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم. ثم قال ويتوب الله على من يشاء من هؤلاء المحاربين بان يوفقهم للدخول في الاسلام ويزينه في قلوبهم ويكره اليهم الكفر والفسوق والعصيان. والله عليم حكيم يضع الاشياء مواضعها ويعلم من يصلح للايمان فيهديه. ومن لا يصلح فيبقيه في غيه وطغيانه الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين ولي جه الله خبير بما تعملون. يقول تعالى لعباده المؤمنين بعدما امرهم بالجهاد. ام حسبتم ان تتركوا من دون ابتلاء وامتحان وامر بما يبين به الصادق والكاذب. ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم اي علما يظهر مما في القوة الى الخارج يترتب عليه الثواب والعقاب. فيعلم الذين يجاهدون في سبيله لاعلاء كلمته. ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجه اي وليا من الكافرين. بل يتخذون الله ورسوله والمؤمنين اولياء. فشرع الله الجهاد ليحصل به هذا المقصود الاعظم. وهو ان يتميز الذين لا يتحيزون الا لدين الله. من الكاذبين الذين يزعمون الايمان. وهم يتخذون الولائد والاولياء من دون الله ولا رسوله ولا المؤمن والله خبير بما تعملون. ان يعلم ما يصير منكم ويصدر. فيبتليكم بما يظهر به حقيقة ما انتم عليه. ويجازيكم على اعمال خيرها وشرها اولئك حبطت اعمالهم وفي النار هم خالدون. يقول تعالى ما كان اي ما ينبغي ولا يليق للمشركين ان يعمروا مساجد الله. بالعبادة والصلاة وغيرها من انواع الطاعات. والحال انهم شاهدون ومقرون انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ان الله عليم حكيم يقول تعالى يا ايها الذين امنوا انما المشركون بالله الذين عبدوا معه غيره نجس اي خبثاء في على انفسهم بالكفر بشهادة حالهم وفطرهم وعلم كثير منهم انهم على الكفر والباطل. فاذا كانوا شاهدين على انفسهم بالكفر وعدم الايمان الذي هو شرط لقبول الاعمال. فكيف يزعمون انهم عمار مساجد الله؟ والاصل منهم مفقود والاعمال منهم باطلة. ولهذا اذا قال اولئك حبطت اعمالهم اي بطلت وضلت. وفي النار هم خالدون. ثم ذكر منهم عمار مساجد الله فقال اما ولم يخش الا الله فعسى يكونوا من المهتدين. انما يعمر مساجد الله من امن انا بالله واليوم الاخر واقام الصلاة الواجبة والمستحبة بالقيام بالظاهر منها والباطن. واتى الزكاة لاهلها ولم يخشى الله اي قصر خشيته على ربه فكف عن ما حرم الله ولم يقصر بحقوق الله الواجبة. فوصفهم بالايمان النافع وبالقيام بالاعمال الصالحة التي امها الصلاة والزكاة. وبخشية الله التي هي اصل كل خير. فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة واهلها الذين هم اهلها. فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين. وعسى من الله واجبا. واما من لم يؤمن بالله ولا باليوم الاخر. ولا عنده خشية لله. فهذا اليس من عمار مساجد الله ولا من اهلها الذين هم اهلها وان زعم ذلك وادعاه لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين لما اختلف بعض المسلمين او بعض المسلمين وبعض المشركين في تفضيل عمارة المسجد الحرام بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاج. على الايمان بالله والجهاد في سبيله. اخبر الله تعالى بالتفاوت بينهما. فقال اجعلتم سقاية الحاج؟ اي سقيهم الماء من زمزم؟ كما هو المعروف اذا اطلق هذا الاسم. انه وعمارة المسجد الحرام كمن امن بالله واليوم الاخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله. فالجهاد والايمان بالله افضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام. بدرجات كثيرة. لان الايمان اصل الدين. وبه تقبل الاعمال وتزكوا الخصال. واما الجهاد في سبيل سبيل الله فهو ذروة سنام الدين. الذي به يحفظ الدين الاسلامي ويتسع. وينصر الحق ويخذل الباطل. واما عمارة المسجد الحرام وسقاية حاج فهي وان كانت اعمالا صالحة فهي متوقفة على الايمان. وليس فيها من المصالح ما في الايمان والجهاد. فلذلك قال لا يستوون الله والله لا يهدي القوم الظالمين. اي الذين وصفهم الظلم. الذين لا يصلحون لقبول شيء من الخير بل لا يليق بهم الا الشر. ثم صرح بالفضل فقال الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم من اعظم اعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم. بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة وانفسهم بالخروج بالنفس اعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون. اي لا يفوز بالمطلوب ولا ينجو من المرهوب. الا من اتصف بصفاتهم وتخلق باخلاقه يبشره ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم يبشرهم ربهم جودا منه وكرما وبرا بهم. واعتناء ومحبة لهم برحمة منه. ازال بها عنهم واوصل اليهم بها كل خير. ورضوان منه تعالى عليهم الذي هو اكبر نعيم الجنة واجله. فيحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم ابدا وجنات لهم فيها نعيم مقيم. من كل ما اشتهته الانفس وتلذ الاعين مما لا يعلم وصفه ومقداره الا الله تعالى الذي منه ان الله اعد للمجاهدين في سبيله مئة درجة. ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض. ولو اجتمع الخلق في درجة واحدة منها لوسعتهم فيها ابدا لا ينتقلون عنها ولا يبغون عنها حولا. ان الله عنده اجر عظيم. لا تستغرب كثرته على فضل الله فلا يتعجب من عظمه وحسنه على من يقول للشيء كن فيكون آآ الكفر على الايمان فهؤلائك هم الظالمون. يقول تعالى يا ايها الذين امنوا اعملوا بمقتضى الايمان. بان توالوا من قام به يعاد من لم يقم به. ولا تتخذوا اباءكم واخوانكم الذين هم اقرب الناس اليكم وغيرهم من باب اولى واحرى. فلا تتخذوهم ان استحبوا اي اختاروا على وجه الرضا والمحبة الكفر على الايمان. ومن يتولهم منكم فاولئك هم الظالمون. لانهم تجرأوا على معاصي الله واتخذوا اعداء الله اولياء. واصل الولاية المحبة والنصرة. وذلك ان اتخاذهم اولياء موجب لتقديم طاعتهم على طاعة الله ومحبتهم على محبة الله ورسوله. ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك وهو ان محبة الله ورسوله يتعين تقديمها على محبة كل شيء وجعل جميع الاشياء تابعة لهما. فقال احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربص حتى يأتي الله بامره والله لا يهدي القوم الفاسقين وان كان اباؤكم الامهات وابناؤكم واخوانكم في النسب والعشرة. وازواجكم وعشيرتكم اي قراباتكم عموما. واموال اقترفتموها اي اكتسبتموها وتعبتم في تحصيلها خصها بالذكر. لانها ارغب عند اهلها وصاحبها اشد حرصا عليها ممن تأتيه الاموال من غير تعب اب ولا كد وتجارة تخشون كسادها. اي رخصها ونقصها. وهذا شامل لجميع انواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات. من والاواني والاسلحة والامتعة والحبوب والحروث والانعام وغير ذلك. ومساكن ترضونها من حسنها وزخرفتها وموافقتها لاهوائك فان كانت هذه الاشياء احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فانتم فسقة ظلمة. فتربصوا اي انتظروا ما بكم من العقاب حتى يأتي الله بامره الذي لا مرد له والله لا يهدي القوم الفاسقين اي الخارجين عن طاعة الله المقدمين على محبة الله شيئا من المذكورات. وهذه الاية الكريمة اعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله. وعلى تقديمها على محبة كل شيء وعلى الوعيد الشديد والمقت الاكيد على من كان شيء من هذه المذكورات احب اليه من الله ورسوله وجهاد في سبيله. وعلامة ذلك انه اذا عرض عليه امران احدهما يحبه الله ورسوله وليس لنفسه فيه هوى. والاخر تحبه نفسه وتشتهيه. ولكنه يفوت عليه محبوب لله ورسوله او ينقصه. فانه ان قدم ما تهواه نفسه على ما يحبه الله. دل ذلك على انه ظالم تارك لما يجب عليه لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين ان اعجبتكم كثرتكم فلم تغني منكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين. يمتن تعالى على عباده المؤمنين بنصره اياهم في مواطن كثيرة من مواطن اللقاء ومواضع الحروب والهيجاء حتى في يوم حنين الذي اشتدت عليهم فيه الازمة ورأوا من التخاذل والفرار ما ضاقت عليهم به الارض على رحبها وسعتها. وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة سمع انها اجتمعوا لحربه فسار اليهم صلى الله عليه وسلم في اصحابه الذين فتحوا مكة. وبمن اسلم من الطلقاء اهل مكة. فكانوا اثني عشر الف والمشركون اربعة الاف فاعجب بعض المسلمين بكثرتهم. وقال بعضهم لن نغلب اليوم من قلة. فلما التقوهم وهوازن حملوا على المسلمين حملة واحدة فانهزموا لا يلوي احد على احد ولم يبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا نحو مئة رجل ثبتوا جماعة وجعلوا يقاتلون المشركين وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يركب بغلته نحو المشركين ويقول انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب ولما رأى من المسلمين ما رأى امر العباس ابن عبد المطلب ان ينادي في الانصار وبقية المسلمين. وكان رفيع الصوت فناداه يا اصحاب السمرة يا اهل سورة البقرة. فلما سمعوا صوته عطفوا عطفة رجل واحد. فاجتلدوا مع المشركين فهزم الله مشركين هزيمة شنيعة. واستولوا على معسكرهم ونسائهم واموالهم. وذلك قوله تعالى الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين. لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين. وهو اسم للمكان الذي كانت فيه الوقعة بين مكة والطائف. اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا. اي لم تفدكم شيئا قليلا ولا كثيرا. وضاق عليكم الارض بما اصابكم من الهم والغم حين انهزمتم بما رحبت اي على رحبها وسعتها ثم وليتم مدبرين اي منهزم مين اه ثم انزل الله سكينته على رسوله على المؤمنين والسكينة ما يجعله الله في القلوب وقت القلاقل والزلازل والمفظعات. مما يثبتها ويسكنها ويجعلها مطمئنة. وهي من نعم الله العظيمة على العباد. وانزل جنودا لم تروها وهم الملائكة انزلهم الله معونة للمسلمين يوم حنين. يثبتونهم ويبشرون بالنصر وعذب الذين كفروا بالهزيمة والقتل. واستيلاء المسلمين على نسائهم واولادهم واموالهم. وذلك جزاء الكافرين يعذبهم الله في الدنيا ثم يردهم في الاخرة الى عذاب غليظ ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء فتاب الله على ممن كانت الوقعة عليهم واتوا الى النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين تائبين. فرد عليهم نساءهم واولادهم. والله غفور رحيم ايذ مغفرة واسعة ورحمة عامة يعفو عن الذنوب العظيمة للتائبين ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة والطاعة والصفح عن جرائمهم وقبول توباتهم فلا ييأسن احد من مغفرته ورحمته. ولو فعل من الذنوب والاجرام ما فعل عقائدهم واعمالهم واي نجاسة ابلغ ممن كان يعبد مع الله الهة لا تنفع ولا تضر. ولا تغني عنه شيئا. واعمالهم ما بين عربة لله وصد عن سبيله ونصر للباطل ورد للحق. وعمل بالفساد في الارض لا في الصلاح. فعليكم ان تطهروا اشرف البيوت واطهرها عنه فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا. وهو سنة تسع من الهجرة حين حج بالناس ابو بكر الصديق رضي الله عنه. وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه علي ان يؤذن يوم الحج الاكبر ببراءة. فنادى الا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وليس المراد هنا نجاسة البدن فان الكافر كغيره طاهر البدن. بدليل ان الله تعالى اباح وطأ الكتابية ومباشرتها. ولم يأمر غسل ما اصاب منها والمسلمون ما زالوا يباشرون ابدان الكفار. ولم ينقل عنهم انهم تقذروا منها تقذرهم من النجاسات. وانما المراد كما تقدم نجاستهم المعنوية بالشرك. فكما ان التوحيد والايمان طهارة فالشرك نجاسة. وقوله وان خفتم ايها المسلمون عيلة اي فقرا وحاجة من منع المشركين من قربان المسجد الحرام بان تنقطع الاسباب التي بينكم وبينهم من الامور الدنيوية فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء فليس الرزق مقصورا على باب واحد ومحل واحد. بل لا ينغلق باب الا وفتح غيره ابواب كثيرة. فان فضل الله واسع وجوده عظيم. خصوصا لمن ترك شيئا لوجهه الكريم. فان الله اكرم الاكرمين. وقد انجز الله وعده. فان الله اغنى المسلمين منهم فضله وبسط له من الارزاق ما كانوا من اكبر الاغنياء والملوك. وقوله ان شاء تعليق للاغناء بالمشيئة. لان الغنى في الدنيا ليس من من لوازم الايمان ولا يدل على محبة الله. فلهذا علقه الله بالمشيئة. فان الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب. ولا يعطي الايمان والدين الا من يحب ان الله عليم حكيم. اي علمه واسع. يعلم من يليق به الغنى ومن لا يليق. ويضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها وتدل الاية الكريمة وهي قوله فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ان المشركين بعدما كانوا هم الملوك والرؤساء بالبيت ثم صار بعد الفتح الحكم لرسول الله والمؤمنين مع اقامتهم في البيت ومكة المكرمة. ثم نزلت هذه الاية. ولما مات النبي صلى الله عليه عليه وسلم امر ان يجلوا من الحجاز فلا يبقى فيها دينان. وكل هذا لاجل بعد كل كافر عن المسجد الحرام. فيدخل في قوله فلا يقرب المسجد الحرام بعد عامهم هذا قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا هذه الاية امر بقتال الكفار من اليهود والنصارى من الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ايمانا صحيحا. يصدقونه بافعالهم واعمالهم. ولا يحرمون ما حرم الله. فلا يتبعون شرعه في تحريم المحرمات. ولا يدينون دين الحق اي لا يدينون بالدين الصحيح. وان زعموا انهم على دين فانه دين غير الحق. لانه وما بين دين مبدل وهو الذي لم يشرعه الله اصلا. واما دين منسوخ قد شرعه الله. ثم غيره بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم. فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز. فامره بقتال هؤلاء وحث على ذلك. لانهم يدعون الى ما هم عليه. ويحصل الضرر الكثير منهم للناس بسبب انهم اهل كتاب وغير ذلك القتال حتى يعطوا الجزية. اي المال الذي يكون جزاء لترك المسلمين قتالهم. واقامتهم امنين على انفسهم واموالهم بين اظهر المسلمين. يؤخذ منهم كل عام كل على حسب حاله. من غني وفقير ومتوسط. كما فعل ذلك امير المؤمنين المؤمنين عمر بن الخطاب وغيره من امراء المؤمنين وقوله عن يد اي حتى يبذلوها في حال ذلهم وعدم اقتدارهم ويعطونها بايديهم فلا يرسلون بها خادما ولا غيرة. بل لا تقبل الا من ايديهم وهم صاغرون. فاذا كانوا بهذه الحال وسألوا المسلمين ان بالجزية وهم تحت احكام المسلمين وقهرهم. وحال الامن من شرهم وفتنتهم. واستسلموا للشروط التي اجراها عليهم المسلمون. مما ينفي وتكبرهم وتوجب ذلهم واصغارهم. وجب على الامام او نائبه ان يعقدها لهم. والا بان لم يفو ولم يعطي الجزية عن يد وهم صاغرون لم يجز اقرارهم بالجزية بل يقاتلون حتى يسلموا. واستدل بهذه الاية الجمهور الذين يقولون لا تؤخذ الجزية الا من اهل الكتاب لان الله لم يذكر اخذ الجزية الا منهم. واما غيرهم فلم يذكر الا قتالهم حتى يسلموا. والحق باهل الكتاب في اخذ الجزية واقرارهم في ديار المسلمين المجوس. فان النبي صلى الله عليه وسلم اخذ الجزية من مجوس هجر. ثم اخذها امير المؤمنين عمر من الفرس المجوس. وقيل ان الجزية تؤخذ من سائر الكفار من اهل الكتاب وغيرهم. لان هذه الاية نزلت بعد الفراغ من قتال العرب المشركين. والشروع في قتال اهل الكتاب ونحوهم فيكون هذا القيد اخبارا بالواقع لا مفهوم له. ويدل على هذا ان المجوس اخذت منهم الجزية وليسوا اهل كتاب. ولانه قد تواتر عن المسلمين من الصحابة ومن بعدهم انهم يدعون من يقاتلونهم الى احدى ثلاث اما الاسلام او اداء الجزية او السيف من غير فرق بين كتابي وغير وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت ذلك لما امر تعالى بقتال اهل الكتاب ذكر من اقوالهم الخبيثة ما يهيج المؤمنين الذين يغارون لربهم ولدينه على قتالهم والاجتهاد وبذل الوسع فيه. فقال وقالت اليهود عزير ابن الله وهذه المقالة وان لم تكن مقالة لعامتهم قد قالها فرقة منهم فيدل ذلك على ان في اليهود من الخبث والشر ما اوصلهم الى ان قالوا هذه المقالة التي تجرأوا فيها على الله وتنقصوا عظمته وجلاله. وقد قيل ان سبب ادعائهم في عزير انه ابن الله انه لما سلط الله الملوك على بني اسرائيل ومزقوهم كل ممزق وقتلوا حملة التوراة وجدوا عزيرا بعد ذلك حافظا لها او لاكثرها. فاملاها عليهم من حفظه. واستنسخوها. فادعوا فيه هذه الدعوة وقالت النصارى المسيح عيسى ابن مريم ابن الله. قال الله تعالى ذلك القول الذي قالوه قولهم بافواههم لم يقيموا عليه حجة ولا برهانا. ومن كان لا يبالي بما يقول لا يستغرب عليه اي قول يقوله. فانه لا دين ولا عقل يحجزه عما من الكلام ولهذا قال يضاهئون اي يشابهون في قولهم هذا قول الذين كفروا من قبل اي قول المشركين الذين يقولون الملائكة بنات الله تشابهت قلوبهم فتشابهت اقوالهم في البطلان. قاتلهم الله انى يؤفكون. اي كيف يصرفون هنا عن الحق الصرف الواضح المبين الى القول الباطل المبين. وهذا وان كان يستغرب على امة كبيرة كثيرة ان تتفق على قول يدل على بطلانه ادنى تفكر وتسليط للعقل عليه. فان لذلك سببا وهو انهم لا اله الا هو سبحانه عما يشركون. اتخذوا احبارهم وهم علماؤهم ورهبانهم. اي عباد متجردين للعبادة. اربابا من دون الله يحلون لهم ما حرم الله فيحلونه. ويحرمون لهم ما احل الله فيحرمونه ويشرعون لهم من الشرائع والاقوال المنافية لدين الرسل. فيتبعونهم عليها. وكانوا ايضا يغلون في مشايخهم وعبادهم ويعظمونهم ويتخذون قبورهم اوثانا تعبد من دون الله. وتقصد بالذبائح والدعاء والاستغاثة. والمسيح ابن مريم اتخذوه الها من دون الله والحال انهم خالفوا في ذلك امر الله لهم على السنة رسله. فما امروا الا ليعبدوا الها واحدا. لا اله الا هو. فيخلصون له والطاعة ويخصونه بالمحبة والدعاء. فنبذوا امر الله واشركوا بهما لم ينزل به سلطانا. سبحانه وتعالى مما يشركون اي تنزه وتقدس وتعالت عظمته عن شركهم وافترائهم فانهم ينتقصونه في ذلك ويصفونه بما لا يليق بجلاله والله تعالى العالي في اوصافه وافعاله عن كل ما نسب اليه. مما ينافي كماله المقدس. فلما تبين انه لا حجة لهم على ما قالوه ولا برهان لما اصلوه. وانما هو مجرد قول قالوه وافتراء افتروه. اخبر انهم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون اخوان يريدون بهذا ان يطفئوا نور الله بافواههم. ونور الله دينه الذي ارسل به الرسل. وانزل به الكتب. وسماه الله نورا لانه استنار به في ظلمات الجهل والاديان الباطلة. فانه علم بالحق وعمل بالحق. وما عداه فانه بضده. فهؤلاء اليهود والنصارى ومن ضاهوه من المشركين. يريدون ان يطفئوا نور الله بمجرد اقوالهم. التي ليس عليها دليل اصلا. ويأبى الله الا ان يتم نورة لانه النور الباهر الذي لا يمكن لجميع الخلق لو اجتمعوا على اطفائه ان يطفئوه. والذي انزله جميع نواصي العباد بيده. وقد تكفل بحفظه من كل من يريده بسوء. ولهذا قال ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. وسعوا ما امكنهم في رده وابطاله فان سعيهم لا يضر الحق شيئا. ثم بين تعالى هذا النور الذي قد تكفل باتمامه وحفظه. فقال هو الذي ارسل رسوله بالهدى الذي هو العلم النافع ودين الحق. الذي هو العمل الصالح. فكان ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم على بيان الحق من الباطل في اسماء الله واوصافه وافعاله. وفي احكامه واخباره والامر بكل مصلحة نافعة للقلوب والارواح والابدان من اخلاص الدين لله وحده ومحبة الله وعبادته والامر بمكارم الاخلاق ومحاسن الشيم والاعمال الصالحة والاداب النافعة والنهي عن كل ما يضاد ذلك ويناقضه من الاخلاق والاعمال السيئة المضرة للقلوب والابدان والدنيا والاخرة. فارسله الله بالهدى ودين الحق. ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون اي ليعليه على سائر الاديان بالحجة والبرهان والسيف والسنان. وان كره المشركون ذلك وبغوا له ومكروا مكرهم فان المكر السيء لا يضر الا صاحبه. فوعد الله لا بد ان ينجزه. وما ضمنه لا بد ان يقوم به يا ايها الذين امنوا ان كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون اموالا في الباطن ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى هذا تحذير من الله تعالى لعباده المؤمنين عن كثير من الاحبار والرهبان اي العلماء العباد الذين يأكلون اموال الناس بالباطل اي بغير حق ويصدون عن سبيل الله فانهم اذا كانت لهم رواتب من اموال الناس او بذل الناس لهم من اموالهم فانه لاجل علمهم وعبادتهم. ولاجل هداهم وهدايتهم. وهؤلاء يأخذونها ويصدون الناس عن سبيل الله. فيكون اخذهم لها على هذا الوجه سحتا وظلما. فان الناس ما بذلوا لهم من اموالهم الا ليدلوهم الى الطريق المستقيم. ومن اخذهم لاموال الناس بغير حق ان يعطوهم او يحكموا لهم بغير ما انزل الله. فهؤلاء الاحبار والرهبان ليحذر منهم هاتان الحالتان. اخذهم لاموال الناس بغير حق صدهم الناس عن سبيل الله. والذين يكنزون الذهب والفضة اي يمسكونهما ولا ينفقونهما في سبيل الله. اي طرق الخير الموصلة الى الله وهذا هو الكنز المحرم. ان يمسكها عن النفقة الواجبة. كان يمنع منها الزكاة او النفقات الواجبة للزوجات او الاقارب. او النفقة في سبيل الله اذا اذا وجبت فبشرهم بعذاب اليم ثم فسره بقوله انتم تكنزون. يوم يحمى عليها اي على اموالهم في نار جهنم فيحمى كل دينار او درهم على حدته وتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم في يوم القيامة. كلما بردت اعيدت في يوم كان مقداره خمسين الف سنة. ويقال لهم توبيخا ولو هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون. فما ظلمكم ولكنكم ظلمتم انفسكم وعذبتموها بهذا الكنز. وذكر الله في هاتين الايتين انحراف الانسان في ما له. وذلك باحد امرين. اما ان ينفقه في الباطن الذي لا يجدي عليه نفعا. بل لا يناله منه الا الضرر المحو وذلك كاخراج الاموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة الله. واخراجها للصد عن سبيل الله. واما ان يمسك ما له عن اخراجه في الواجبات والنهي عن الشيء امر بضده. وقوله وقاتلوا المشركين كافة واعلموا ان الله مع المتقين يقول تعالى ان عدة الشهور عند الله اي في قضائه وقدره اثنى عشر شهرا وهي هذه الشهور المعروفة في كتاب الله اي في حكم القدري يوم خلق السماوات والارض. واجرى ليلها ونهارها وقدر اوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثني عشر شهرا. منها حرم وهي رجب الفرض وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. وسميت حرما لزيادة حرمتها. وتحريم القتال فيها. فلا اتظلموا فيهن انفسكم يحتمل ان الضمير يعود الى الاثني عشر شهرا. وان الله تعالى بين انه جعلها مقادير للعباد. وان تعمر بطاعته ويشكر الله تعالى على منته بها وتقييدها لمصالح العباد. فلتحذروا من ظلم انفسكم فيها. ويحتمل ان الضمير يعود الى الاربعة الحرم وان هذا نهي لهم عن الظلم فيها. خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت. لزيادة تحريمها. وكون الظلم فيها اشد منه في غيرها. ومن ذلك النهي عن القتال فيها. على قول من قال ان القتال في الاشهر الحرم لم ينسخ تحريمه. عملا بالنصوص العامة في تحريم القتال فيها. ومنهم من قال ان تحريم القتال فيها منسوخ. اخذا بعموم نحو قوله تعالى وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة. اي قاتلوا جميعا مع انواع المشركين والكافرين برب العالمين. ولا تخص احدا منهم بالقتال دون احد. بل اجعلوهم كلهم لكم اعداء كما كانوا هم معكم كذلك اتخذوا اهل الايمان اعداء لهم لا يأنونهم من الشر شيئا. ويحتمل ان كافة حال من الواو فيكون معنى هذا وقاتلوا جميعكم المشركين فيكون فيها وجوب النفير على جميع المؤمنين. وقد نسخت على هذا الاحتمال بقوله وما كان المؤمنون لينفروا كافة. واعلموا اعلموا ان الله مع المتقين بعونه ونصره وتأييده فلتحرصوا على استعمال تقوى الله في سركم وعلنكم والقيام بطاعته خصوصا عند للكفار فانه في هذه الحال ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الاعداء المحاربين زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما النسي هو مكان انا اهل الجاهلية يستعملونه في الاشهر الحرم. وكان من جملة بدعهم الباطلة انهم لما رأوا احتياجهم للقتال في بعض اوقات الاشهر الحرم. رأوا بارائهم الفاسدة ان يحافظوا على عدة الاشهر الحرم التي حرم الله القتال فيها وان يؤخروا بعض الاشهر الحرم او يقدموه ويجعلوا كانه من اشهر الحن ما ارادوا. فاذا جعلوه مكانة احلوا القتال فيه. وجعلوا الشهر الحلال حراما. فهذا كما اخبر الله عنهم انه زيادة في كفرهم وضلالهم لما فيه من المحاذير. منها انهم ابتدعوه من تلقاء انفسهم. وجعلوه بمنزلة شرع الله ودينه. والله ورسوله بريئان منه. ومنها انهم قلبوا الدين فجعلوا الحلال حراما والحرام حلالا. ومنها انهم موهوا على الله بزعمهم على عباده ولبسوا عليهم دينهم واستعملوا الخداع والحيلة في دين الله. ومنها ان العوائد المخالفة للشرع مع الاستمرار عليها يزول عن النفوس وربما ظن انها عوائد حسنة فحصل من الغلط والضلال ما حصل. ولهذا قال يضل به الذين كفروا يحلون انه عاما ويحرمونه عاما. ليواطؤه عدة ما حرم الله. اي ليوافقوها في العدد. فيحلوا ما حرم الله. زين لهم سوء اعمالهم اي زينت لهم الشياطين الاعمال السيئة فرأوها حسنة بسبب العقيدة المزينة في قلوبهم. والله لا يهدي القوم الكافرين اي الذين صبغوا الكفر والتكذيب في قلوبهم. فلو جاءتهم كل اية لم يؤمنوا. قال الله تعالى ارضيتم في الحياة الدنيا من الاخرة فما متاع الحياة الدنيا في الاخرة الا قليل اعلم ان كثيرا من هذه السورة الكريمة نزلت في غزوة تبوك. اذ ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين الى غزو الروم. وكان الوقت حارا والزاد قليلا والمعيشة عسرة. فحصل من بعض المسلمين من التثاقل ما اوجب ان يعاتبهم الله تعالى عليه ويستنهضهم. فقال تعالى يا ايها الذين امنوا الا تعملون بمقتضى الايمان وداع اليقين من المبادرة لامر الله والمسارعة الى رضاه وجهاد اعدائه لدينكم فما لكم اذا قيل لكم منفروا في سبيل الله اثقلتم الى الارض اي تكاسلتم وملتم الى الارض والدعة والسكون فيها ارضيتم بالحياة الدنيا من الاخرة؟ اي ما حالكم الا حال من رضي بالدنيا وسعى لها؟ ولم يبالي بالاخرة؟ فكأنه ما امن بها. فما فمتاع الحياة الدنيا التي مالت بكم وقدمتموها على الاخرة الا قليل. افليس قد جعل الله لكم عقولا تزنون بها الامور وايها احق بالايثار. افلست الدنيا من اولها الى اخرها لا نسبة لها في الاخرة. فما مقدار عمر الانسان القصير جدا من الدنيا حتى يجعله الغاية التي لا غاية وراءها. فيجعل سعيه وكده وهمه وارادته لا يتعدى حياته الدنيا القصيرة المملوءة بالاكدار المشحونة بالاخطار. فبأي رأي رأيتم ايثارها على الدار الاخرة الجامعة لكل نعيم؟ التي فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وانتم فيها خالدون. فوالله ما اثر الدنيا على الاخرة من وقر الايمان في قلبه. ولا من جزل رأيه ولا من عد من اولي الالباب. ثم توعد على عدم النفير فقال الا تنفروا يعذبكم عذابا اليما في الدنيا والاخرة. فان عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لاشد العقاب لما فيها من المضار الشديدة. فان المتخلف قد عصى الله تعالى وارتكب لنهيه. ولم يساعد على نصر دين الله. ولا الذب عن كتاب الله وشرعه ولا اعان اخوانه المسلمين على عدوهم الذي يريد ان يستأصلهم ويمحق دينهم. وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الايمان. بل ربما فت في اعضاد من قاموا بجهاد اعداء الله فحقيق بمن هذا حاله ان يتوعده الله بالوعيد الشديد. فقال الا تنفروا يعذبكم عذابا اليما ويستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم. ولا تضروه شيئا فانه تعالى متكفل بنصر دينه واعلاء كلمته وان امتثلتم لامر الله او القيتموه ورائكم ظهريا. والله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء اراده ولا يغالبه احد اي الا تنصروا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم. فالله غني عنكم لا تضرونه شيئا فقد نصره في اقل ما يكون واذله اذ اخرجه الذين كفروا من مكة لما هموا بقتله وسعوا في ذلك وحرصوا اشد الحرص فالجأوه الى ان يخرج ثاني اثنين اي هو وابو بكر الصديق رضي الله عنه اذ هما في الغار اي لما هربا من مكة جاء الى غار ثور في اسفل مكة فمكث فيه ليبرد عنهما الطلب. فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة. حين انتشر الاعداء من كل بجانب يطلبونهما ليقتلوهما فانزل الله عليهما من نصره ما لا يخطر على البال. اذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه ابي بكر فكر لما حزن واشتد قلقه لا تحزن ان الله معنا بعونه ونصره وتأييده. فانزل الله سكينته عليه الثبات والطمأنينة والسكون المثبتة للفؤاد. ولهذا لما قلق صاحبه سكنه وقال لا تحزن ان الله معنا. وايده لم تروها وهي الملائكة الكرام الذين جعلهم الله حرسا له. وجعل كلمة الذين كفروا السفلى اي الساقطة المخذولة. فان الذين كفروا قد كانوا على حرب قادرين. في ظنهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم واخذه. حانقين عليه فعملوا غاية مجهودهم في ذلك فخذلهم الله ولم يتم لهم مقصودهم بل ولا ادركوا شيئا منه. ونصر الله رسوله بدفعه عنه. وهذا هو النصر المذكور في هذا الموضع فان النصر على قسمين نصر المسلمين اذا طمعوا في عدوهم بان يتم الله لهم ما طلبوا وقصدوا. ويستولوا على عدوهم ويظهروا عليهم والثاني نصر المستضعف الذي طمع فيه عدوه القادر. فنصر الله اياه ان يرد عنه عدوه. ويدافع عنه. ولعل هذا النصر انفع النصرين ونصر الله رسوله اذا اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين من هذا النوع. وقوله وكلمة الله هي العليا. اي كلماته القدرية كلماته الدينية هي العالية على كلمة غيره. التي من جملتها قوله وكان حقا علينا نصر المؤمنين. انا لننصر رسل والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد. وان جندنا لهم الغالبون. فدين الله هو الظاهر العالي على سائر الاديان بالحجج الواضحة والايات الباهرة والسلطان الناصر. والله عزيز لا يغالبه مغالب ولا يفوته هارب. حكيم يضع جاء مواضعها ويؤخر نصر حزبه الى وقت اخر. اقتضته الحكمة الالهية. وفي هذه الاية الكريمة فضيلة ابي بكر الصديق بخصيصة لم تكن لغيره من هذه الامة. وهي الفوز بهذه المنقبة الجليلة والصحبة الجميلة. وقد اجمع المسلمون على انه هو المراد بهذه الاية الكريمة ولهذا عدوا من انكر صحبة ابي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم كافرا. لانه منكر للقرآن الذي صرح بها. وفيها فضيلة السكينة وانها من تمام نعمة الله على العبد في اوقات الشدائد والمخاوف. التي تطيش بها الافئدة وانها تكون على حسب معرفة العبد بربه وثقته بوعده الصادق وبحسب ايمانه وشجاعته. وفيها ان الحزن قد يعرض لخواص عباد الله الصديقين. مع ان الاولى اذا ما نزل بالعبد ان يسعى في ذهابه عنه فانه مضعف للقلب موهن للعزيمة وجاهدوا باموالكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون يقول تعالى لعباده المؤمنين مهيجا لهم على النفير في سبيله فقال انفروا خفافا وثقالا اي في العسر واليسر والمنشط والمكره والحر والبرد وفي جميع الاحوال. وجاهدوا باموالكم وانفسكم في سبيل الله. اي ابذلوا جهدكم في ذلك مستفرغوا وسعكم في المال والنفس. وفي هذا دليل على انه كما يجب الجهاد في النفس. يجب الجهاد في المال. حيث اقتضت الحاجة ودعت لذلك ثم قال ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون. اي الجهاد في النفس والمال خير لكم من التقاعد عن ذلك. لان فيه رضا الله تعالى والفوز بالدرجات العالية عنده والنصر لدين الله والدخول في جملة جنده وحزبه. لو كان عرضا قريبا لو كان خروجهم ابي العرض القريب اي منفعة دنيوية سهلة التناول وكان السفر سفرا قاصدا اي قريبا سهلا لاتبعوك لعدم المشقة الكثيرة ولكن بعدت عليهم الشقة. اي طالت عليهم المسافة وصعب عليهم السفر. فلذلك تثاقلوا عنك. وليس هذا من امارات العبودية بل العبد حقيقة هو المتعبد لربه في كل حال. القائم بالعبادة السهلة والشاقة. فهذا العبد لله على كل حال وهي معصية الله ومعصية رسوله. والتجرؤ على الاثم الكبير والوزر العظيم. واما الخروج فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف. وهي متوهمة مع ان هذا القائل قصده التخلف لا غير. ولهذا توعدهم الله بقوله وان جهنم لمحيطة بالكافرين. ليس لهم يحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم. اي سيحلفون ان تخلفهم عن الخروج ان لهم اعذارا. وانهم لا يستطيعون ذلك. يهلكون انفسهم بالقعود والكذب والاخبار بغير الواقع. والله يعلم انهم لكاذبون. وهذا العتاب انما هو للمنافقين الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. وابدوا من الاعذار الكاذبة ما ابدوا. فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بمجرد اعتذارهم. من ان يمتحنهم فيتبين له الصادق من الكاذب. ولهذا عاتبه الله على هذه المسارعة الى عذرهم فقال لما اذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عفا الله عنك اي سامحك وغفر لك ما اجريت. لما اذنت لهم في التخلف حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين بان تمتحنهم ليتبين لك الصادق من الكاذب. فتعذر من يستحق العذر ممن لا يستحق ذلك ثم اخبر ان المؤمنين الله واليوم الاخر. لا يستأذنون في ترك الجهاد باموالهم وانفسهم. لان ما معه من الرغبة في الخير والايمان. يحملهم على الجهاد من غير ان يحثهم هم عليه حاف فضلا عن كونهم يستأذنون في تركه من غير عذر. والله عليم بالمتقين فيجازيهم على ما قاموا به من تقواه. ومن علمه بالمتقين انه اخبر ان من علاماتهم انهم لا يستأذنون في ترك الجهاد انما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر. وارتابت قلوبهم اي ليس لهم ايمان تام ولا يقين صادق. فلذلك قلت رغبتهم في الخير وجبنوا عن القتال. واحتاجوا ان يستأذنوا في ترك القتال. فهم في بهم يترددون اي لا يزالون في الشك والحيرة يقول تعالى مبينا ان المتخلفين من المنافقين قد ظهر منهم من القرائن ما يبين ان فهما قصدوا الخروج للجهاد بالكلية. وان اعذارهم التي اعتذروها باطلة. فان العذر هو المانع الذي يمنع اذا بذل العبد وسعه. وسعى في اسباب الخروج ثم منعه مانع شرعي فهذا الذي يعذر. واما هؤلاء المنافقون فلو ارادوا الخروج لاعدوا له عدة. اي استعدوا وعملوا ما يمكنهم من الاسباب. ولكن لما لم يعدوا له عدة علم انهم ما ارادوا الخروج. ولكن كره الله انبعاثهم معكم في للغزو فثبطهم قدرا وقضاء. وان كان قد امرهم وحثهم على الخروج. وجعلهم مقتدرين عليه. ولكن بحكمته ما اراد اعانة بل خذلهم وثبطهم. وقيل اقعدوا مع القاعدين من النساء والمعذورين. ثم ذكر الحكمة في ذلك فقال وفيكم ما زادوكم الا خبالا ولاوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفي فيكم سماعون لهم. والله عليم بالظالمين لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا. اي نقصا. ولاوضعوا خلالكم. اي ونسعوا في الفتنة والشر بينكم. وفرقوا جماعتكم المجتمعين. يبغون لكم الفتنة اي هم حريصون على فتنتكم والقاء العداوة بينكم. وفيكم اناس ضعفاء العقول. سماعون لهم اي مستجيبون يغترون بهم فاذا كانوا هم حريصين على خذلانكم والقاء الشر بينكم وتثبيطكم عن اعدائكم. وفيكم من يقبل منهم ويستنصحوه فما ظنك بالشر الحاصل من خروجهم مع المؤمنين؟ والنقص الكثير منهم فلله اتم الحكمة حيث ثبتهم ومنعهم من الخروج مع هذه المؤمنين رحمة بهم ولطفا من ان يدخلهم ما لا ينفعهم. بل يضرهم. والله عليم بالظالمين. فيعلم عباده كيف ويبين لهم من المفاسد الناشئة من مخالطتهم. ثم ذكر انه قد سبق لهم سوابق في الشر. فقال وظهر امر الله وهم كارهون لقد تغوا الفتنة من قبل اي حين هاجرتم الى المدينة بذلوا الجهد وقلبوا لك الامور اي اداروا الافكار واعملوا الحيل في ابطال دعوتكم وخذ دينكم ولم يقصروا في ذلك. حتى جاء الحق وظهر امر الله وهم كارهون. فبطل كيدهم واضمحل باطلهم. فحقيق مثل هؤلاء ان يحذر الله عباده المؤمنين منهم. والا يبالي المؤمنون بتخلفهم عنهم. ومنهم من يقول اي ومن هؤلاء المنافقين من يستأذن في التخلف ويعتذر بعذر اخر عجيب. فيقول ائذن لي في التخلف ولا تفتني في الخروج فاني اذا خرجت فرأيت نساء بني الاصفر لا اصبر عنهن كما قال ذلك الجد ابن قيس. ومقصوده قبحه الله الرياء والنفاق بان مقصودي مقصود حسن فان في خروجي فتنة وتعرضا للشر. وفي عدم خروجي عافية وكفا عن الشر. قال الله تعالى مبينا كذب فهذا القول الا في الفتنة سقطوا. فانه على تقدير صدق هذا القائل في قصده. فان في التخلف مفسدة كبرى وفتنة عظمى محققة حق المبغضون للدين صرفا ان تصبك حسنة كنصر وادالة على العدو تسؤهم اي تحزنهم وتغمهم وان تصبك مصيبة كادالة العدو عليك يقول متبجحين بسلامتهم من الحضور معك قد اخذنا امرنا من قبل اي قد حذرنا الا بما ينجينا من الوقوع في مثل هذه المصيبة. وان يتولوا وهم فرحون فيفرحون بمصيبتك. وبعدم مشاركتهم اياك فيها قال تعالى رادا عليهم في ذلك قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله يتوكل المؤمنون. قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا. اي قدره واجراه في اللوح المحفوظ. هو مولانا اي متولي امورنا الدينية والدنيوية فعلينا الرضا باقداره وليس في ايدينا من الامر شيء. وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون ان يعتمدوا عليه في جلب مصالحهم ودفع المضار عنهم. ويثقوا به في تحصيل مطلوبهم. فلا خاب من توكل عليه. واما من توكل كغيره فانه مخذول غير مدرك لما امل اي قل للمنافقين الذين يتربصون بكم الدوائر. اي شيء تربصون بنا فان لا يتربصون بنا الا امرا فيه غاية نفعنا. وهو احدى الحسنيين اما الظفر بالاعداء والنصر عليهم ونيل الثواب الاخروي والدنيوي واما الشهادة التي هي من اعلى درجات الخلق وارفع المنازل عند الله. واما تربصنا بكم يا معشر المنافقين. فنحن نتربص بكم ان الله بعذاب من عنده. لا سبب لنا فيه او بايدينا بان يسلطنا عليكم فنقتلكم. فتربصوا من الخير انا معكم متربصون بكم الشر انكم كنتم قوما فاسقين. يقول تعالى مبينا بطلان نفقات المنافقين. وذاكرا سبب في ذلك قل لهم انفقوا طوعا من انفسكم او كرها على ذلك بغير اختياركم لن يتقبل منكم شيء من اعمالكم انكم كنتم قوما فاسقين. خارجين عن طاعة الله. ثم بين صفة فسقهم واعمالهم. فقال وما منعهم ولا يأتون الصلاة الا وما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم الا هم كفروا بالله وبرسوله. والاعمال كلها شرط قبولها الايمان. فهؤلاء لا ايمان لهم ولا عمل صالح. حتى ان الصلاة التي هي افضل اعمال البدن اذا قاموا اليها قاموا كسالى. قال ولا يأتون الصلاة الا وهم كسالى. اي متثاقلون لا يكادون يفعلونها من ثقلها عليهم. ولا ينفقون الا وهم كارهون. من غير انشراح صدر وثبات نفس. ففي هذا غاية الذم لمن فعل مثل فعلهم وانه ينبغي للعبد الا يأتي الصلاة الا وهو نشيط البدن والقلب اليها. ولا ينفق الا وهو منشرح الصدر ثابت القلب. يرجو ذخرها ثوابها من الله وحده ولا يتشبه بالمنافقين يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق انفسهم وهم كافرون. يقول تعالى فلا تعجبك اموال هؤلاء المنافقين ولا اولادهم فانه لا غبطة فيها. واول بركاتها عليهم ان قدموها على مرض ربهم وعصوا الله لاجلها. انما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا. والمراد بالعذاب هنا ما يناله من المشقة في تحصيلها والسعي الشديد في ذلك وهم القلب فيها وتعب البدن. فلو قابلت لذاتهم فيها بمشقاتهم. لم يكن لها نسبة اليها فهي لما الهتهم عن الله وذكره صارت وبالا عليهم حتى في الدنيا. ومن وبالها العظيم الخطر ان قلوبهم تتعلق بها وارادة عاداتهم لا تتعداها فتكون منتهى مطلوبهم وغاية مرغوبهم. ولا يبقى في قلوبهم للاخرة نصيب. فيوجب ذلك ان ينتقلوا من الدنيا وتزهق انفسهم وهم كافرون. فاي عقوبة اعظم من هذه العقوبة الموجبة للشقاء الدائم والحسرة الملازمة. ويحذر بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون ويحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم. ولكنهم قصدهم في حلفهم هذا انهم قوم يفرقون ان يخافون الدوائر وليس في قلوبهم شجاعة تحملهم على ان يبينوا احوالهم فيخافون ان اظهروا حالهم منكم ويخافون ان اقرأوا منهم فيتخطفهم الاعداء من كل جانب. واما حال قوي القلب ثابت الجنان فانه يحمله ذلك على بيان حاله. حسنة كانت او سيئة ولكن المنافقين خلع عليهم خلعة الجبن وحلوا بحلية الكذب. ثم ذكر شدة جبنهم فقال بدون ملجأ او مغارات او مدخلا لولوا اليه وهم يجمحون. لو يجدون ملجأ يلجأون اليه عندما تنزل بهم الشدائد او مغارات يدخلونها فيستقرون فيها او مدخرا اي محلا يدخلونه فيتحصنون به لو اليه وهم يجمحون اي يسرعون ويهرعون فليس لهم ملكة يقتدرون بها على الثبات يلمسك في الصدقات فان اعطوا منها رضوا. وان لم يعطوا منها الا هم يسخطون. اي ومن هؤلاء المنافقين من يعيبك في قسمة الصدقات وينتقد عليك فيها. وليس انتقادهم فيها وعيبهم لقصد صحيح. ولا لرأي رجيع انما مقصودهم ان يعطوا منها فان اعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها اذا هم يسخطون. وهذه حالة لا تنبغي للعبد ان يكون رضاها اهو غضبه تابع لهوى نفسه الدنيوي وغرضه الفاسد. بل الذي ينبغي ان يكون هواه تبعا لمرضاة ربه. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. وقال هنا وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ولو انهم رضوا ما اتاهم الله ورسوله اي اعطاهم من قليل وكثير وقالوا حسبنا الله اي كافينا الله فنرضى بما قسمه لنا وليؤملوا فضله واحسانه اليهم بان يقولوا سيؤتينا الله من فضله ورسوله انا الى الله راغبون. اي متضرعون في جلب منافعنا ودفع مضارنا. لسلموا من النفاق ولا هدوء الى الايمان العالية ثم بين تعالى كيفية قسمة الصدقات الواجبة. فقال والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب وفي الرقاب والغانم والله عليم حكيم يقول تعالى انما الصدقات اي الزكوات الواجبة بدليل ان الصدقة المستحبة لكل احد لا يخص بها لا احد دون احد. اي انما الصدقات لهؤلاء المذكورين دون من عاداهم. لانه حصرها فيهم وهم ثمانية اصناف. الاول والثاني الفقراء والمساكين. وهم في هذا الموضع صنفان متفاوتان. فالفقير اشد حاجة من المسكين. لان الله بدأ بهم ولا يبدأ الا لا بالاهم فالاهم. ففسر الفقير بانه الذي لا يجد شيئا. او يجد بعض كفايته دون نصفها. والمسكين الذي يجد نصفها فاكثر ولا يجد تمام كفايته لانه لو وجدها لكان غنيا. فيعطون من الزكاة ما يزول به فقرهم ومسكنتهم. والثالث عاملون على الزكاة وهم كل من له عمل وشغل فيها من حافظ لها او جابر لها من اهلها او راع او حامل لها او كاتب او نحو ذلك فيعطون لاجل عمالتهم وهي اجرة لاعمالهم فيها. والرابع المؤلفة قلوبهم المؤلف قلبه هو السيد تطاع في قومه ممن يرجى اسلامه او يخشى شره او يرجى بعطيته قوة ايمانه. او اسلام نظيره او جبايتها ممن لا يعطيها يعطى ما يحصل به التأليف والمصلحة. الخامس الرقاب وهم المكاتبون الذين قد اشتروا انفسهم من ساداتهم. فهم يسعون في تحصيل ما يفك رقابهم فيعانون على ذلك من الزكاة. وفك الرقبة المسلمة التي في حبس الكفار داخل في هذا بل اولى. ويدخل في هذا انه يجوز ان يعتق منها الرقاب استقلالا لدخوله في قوله وفي الرقاب. السادس الغارمون وهم قسمان. احدهما الغارمون لاصلاح ذات البين وهو ان يكون بين طائفتين من الناس شر وفتنة. فيتوسط الرجل للاصلاح بينهم بمال يبذله لاحدهم او لهم كلهم فجعل له نصيب من الزكاة ليكون انشط له واقوى لعزمه فيعطى ولو كان غنيا. والثاني من غرم لنفسه ثم اعسر انه يعطى ما يوفي به دينه. والسابع الغازي في سبيل الله. وهم الغزاة المتطوعة الذين لا ديوان لهم. فيعطون من الزكاة ما تعينهم على غزوهم من ثمن سلاح او دابة او نفقة له ولعياله. ليتوفر على الجهاد ويطمئن قلبه. وقال كثير من الفقهاء ان تفرغ القادر على الكسب لطلب العلم اعطي من الزكاة لان العلم داخل في الجهاد في سبيل الله. وقالوا ايضا يجوز ان يعطى منها الفقير لحج فرضه وفيه نظر. والثامن ابن السبيل وهو الغريب المنقطع به في غير بلده. فيعطى من الزكاة ما يوصله الى بلده فهؤلاء الاصناف الثمانية الذين تدفع اليهم الزكاة وحدهم. فريضة من الله فرضها وقدرها تابعة لعلمه وحكمه الله عليم حكيم. واعلم ان هذه الاصناف الثمانية ترجع الى امرين. احدهما من يعطى لحاجته ونفعه كالفقير والمسكين ونحوهما والثاني من يعطى للحاجة اليه وانتفاع الاسلام به فاوجب الله هذه الحصة في اموال الاغنياء لسد الحاجات الخاصة والعامة للاسلام المسلمين فلو اعطى الاغنياء زكاة اموالهم على الوجه الشرعي لم يبق فقير من المسلمين ولحصل من الاموال ما يسد الثغور ويجاهد به الكفار وتحصل به جميع المصالح الدينية. ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب اليم. اي ومن هؤلاء المنافقين الذين يؤذون النبي هي بالاقوال الردية والعيب له ولدينه. ويقولون هو اذن اي لا يبالون بما يقولون من الاذية للنبي. ويقولون اذا بلغ عنا بعض ذلك جئنا نعتذر اليه فيقبل منا لانه اذن. اي يقبل كل ما يقال له لا يميز بين صادق وكاذب وقصدهم قبحهم الله فيما بينهم انهم غير مكترثين بذلك ولا مهتمين به. لانه اذا لم يبلغه فهذا مطلوبهم. وان بلغه بمجرد الاعتذار الباطل فاساءوا كل الاساءة من اوجه كثيرة اعظمها اذية نبيهم الذي جاء لهدايتهم واخراجهم من والهلاك الى الهدى والسعادة. ومنها عدم اهتمامهم ايضا بذلك. وهو قدر زائد على مجرد الاذية. ومنها قدحهم في عقل النبي صلى الله عليه وسلم وعدم ادراكه وتفريقه بين الصادق والكاذب. وهو اكمل الخلق عقلا. واتمهم ادراكا. واثقبهم رأيا وبصيرا ولهذا قال الله تعالى قل اذن خير لكم اي يقبل من قال له خيرا وصدقا. واما اعراضه وعدم تعنيفه لكثير من المنافقين المعتذرين بالاعذار الكذب. فلسعة خلقه وعدم اهتمامه بشأنهم. وامتثاله لامر الله في قوله سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم انهم رجس. واما حقيقة ما في قلبه ورأيه فقال عنه يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين الصادقين المصدقين. ويعلم الصادق من الكاذب. وان كان كثيرا يعرض عن الذين يعرف كذبهم وعدم صدقهم ورحمة للذين امنوا منكم فانهم به يهتدون وباخلاقه يقتدون. واما غير المؤمنين فانهم لم يقبلوا هذه الرحمة بل ردوها فخسروا دنياهم واخرتهم. والذين يؤذون رسول الله بالقول او الفعل. لهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة. ومن من العذاب الاليم انه يتحتم قتل مؤذيه وشاتمه. يحلفون بالله لكم ليرضوكم. يحلفون بالله لكم يحلفون بالله لكم فيتبرأ مما صدر منهم من الاذية وغيرها. فغايتهم ان ترضوا عليهم. والله ورسوله احق ان يرضوه ان كانوا مؤمنين لان المؤمن لا يقدم شيئا على رضا ربه ورضا رسوله. فدل هذا على انتفاء ايمانهم حيث قدموا رضا غير الله ورسوله. وهذا محادث لله ومشاقة له. وقد توعد من حاده بقوله الم يعلموا انه من يحاسب الله ورسوله ان يكونوا في حد وشق مبعد عن الله ورسوله. بان تهاون باوامر الله وتجرأ على محارمه. فان له نار خالدا فيها ذلك الخزي العظيم. الذي لا خزي اشنع ولا افظع منه. حيث فاتهم النعيم المقيم وحصلوا على عذاب الجحيم عياذا بالله من احوالهم يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبأهم كانت هذه السورة الكريمة تسمى الفاضحة لانها بينت اسرار المنافقين وهتكت استارهم. فما زال الله يقول ومنهم ومنهم. ويذكر اوصافهم الا انه لم يعين اشخاصهم لفائدتين احداهما. ان الله ستير يحب الستر على عباده. والثانية ان الذم على من اتصف ذلك الوصف من المنافقين الذين توجه اليهم الخطاب وغيرهم الى يوم الدين. فكان ذكر الوصف اعم وانسب حتى خافوا غاية الخوف قال الله تعالى لان لم ينتهي المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها الا قليلا ملعونين اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا. وقال هنا يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم ما في قلوبهم اي تخبرهم وتفضحهم وتبين اسرارهم حتى تكون علانية لعباده. ويكون عبرة للمعتبرين. قل استهزئوا اي استمروا على ما انتم عليه من الاستهزاء والسخرية. ان الله مخرج ما تحذرون. وقد وفى تعالى بوعده فانزل هذه السورة التي بينتهم فضحتهم وهتكت استارهم لله واياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ولئن سألتهم عما قالوه من الطعن في المسلمين وفي دينهم. يقول طائفة منهم في غزوة تبوك ما رأينا مثل هؤلاء يعنون النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه ارغب بطونا واكذب السنا واجبن عند اللقاء ونحو ذلك ولما بلغهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بكلامهم جاؤوا يعتذرون اليه ويقولون انما كنا نخوض ونلعب اي نتكلم كلام لا قصد لنا به ولا قصدنا الطعن والعيب. قال الله تعالى مبينا عدم عذرهم وكذبهم في ذلك. قل لهم ابالله اياته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم. فان الاستهزاء بالله واياته ورسوله كفر مخرج عن الدين لان اصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله. والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الاصل. ومناقض له اشد المناقضات ولهذا لما جاءوا الى الرسول يعتذرون بهذه المقالة والرسول لا يزيدهم على قوله ابالله واياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم. وقوله ان نعفو عن طائفة منكم لتوبتهم واستغفارهم وندمهم. نعذب في الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون. لما ذكر تخلف فالمنافقين الاغنياء وانهم لا عذر لهم. اخبر انهم سيعتذرون اليكم اذا رجعتم اليهم من غزاتكم. لا تعتذروا لن نؤمن لكم منكم بانهم بسبب انهم كانوا مجرمين. مقيمين على كفرهم ونفاقهم. وفي هذه الايات دليل على ان من اسر سريره خصوصا السنيرة التي يمكر فيها بدينه ويستهزأ به وباياته ورسوله ان الله تعالى يظهرها ويفضح صاحبها ويعاقبه اشد العقوبة وان من استهزأ بشيء من كتاب الله او سنة رسوله الثابتة عنه. او سخر بذلك او تنقص او استهزأ بالرسول او تنقص انه كافر بالله العظيم وان التوبة مقبولة في كل ذنب وان كان عظيما. المنافقون والمنافقات يقول تعالى المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض لانهم اشتركوا في النفاق. فاشتركوا في تولي بعضهم بعضا. وفي هذا قطع للمؤمنين من ولايتهم. ثم ذكر وصف المنافقين العام الذي لا يخرج منه صغير منهم ولا كبير. فقال يأمرون بالمنكر وهو الكفر والفسوق والعصيان. وينهون عن المعروف وهو الايمان والاخلاق الفاضلة والاعمال الصالحة والاداب الحسنة. ويقبضون ايديهم عن الصدقة وطرق الاحسان. فوصفهم البخل. نسوا الله فلا يذكرونه الا قليلا فنسيهم من رحمته فلا يوفقهم لخير ولا يدخلهم الجنة بل يتركهم في الدرك الاسفل من النار خالدين فيها مخلدين. ان المنافقين هم الفاسقون. حصر الفسق فيهم. لان فسقهم اعظم من فسق غيرهم. بدليل ان عذابهم اشد من عذاب غيرهم. وان المؤمنين قد ابتلوا بهم اذ كانوا بين اظهرهم والاحتراز منهم شديد قيل والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم جمع المنافقين والكفار في النار واللعنة والخلود في ذلك لاجتماعهم في الدنيا على الكفر والمعاداة لله ورسوله والكفر باياته اتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله يقول تعالى محذرا للمنافقين ان يصيبهم ما اصابهم فمن قبلهم من الامم المكذبة قوم نوح وعاد وثمود وقوم ابراهيم. واصحاب مدين والمؤتفكات اي قرى قوم لوط فكلهم اتتهم رسلهم بالبينات اي بالحق الواضح الجلي المبين لحقائق الاشياء فكذبوا بها فجرى عليهم ما قص الله علينا فانتم اعمالكم شبيهة باعمالهم. استمتعتم باخلاقكم اي بنصيبكم من الدنيا فتناولتموه على وجه اللذة والشهوة. معرضين عن المراد منه واستعنتم به على معاصي الله ولم تتعدى همتكم وارادتكم ما خولتم من النعم كما فعل الذين من قبلكم وخضتم كالذي بعض ايحطم بالباطل والزور وجادلتم بالباطل لتدحضوا به الحق. فهذه اعمالهم وعلومهم. استمتاع بالخلاق وخوض بالباطل فاستحقوا من العقوبة والاهلاك ما استحق من قبلهم. من فعلوا كفعلهم. واما المؤمنون فهم وان استمتعوا بنصيبهم. وما من الدنيا فانه على وجه الاستعانة به على طاعة الله. واما علومهم فهي علوم الرسل. وهي الوصول الى اليقين في جميع المطالب العالية والمجادلة بالحق لادحاض الباطل قوله فما كان الله ليظلمهم اذ اوقع بهم من عقوبتهما اوقع ولكن كانوا انفسهم يظلمون حيث تجرأوا على معاصيه وعصوا رسوله واتبعوا امر كل جبار عنيد. والمؤمنون مؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويطيعون الله ورسوله ان الله عزيز حكيم اما ذكر ان المنافقين بعضهم اولياء بعض. ذكر ان المؤمنين بعضهم اولياء بعض. ووصفهم بضد ما وصف به المنافقين. فقال والمؤمنون والمؤمنات اي ذكورهم واناثهم. بعضهم اولياء بعض في المحبة والموالاة والانتماء والنصرة. يأمرون بالمعروف قسم جامع لكل ما عرف حسنه من العقائد الحسنة والاعمال الصالحة والاخلاق الفاضلة. واول من يدخل في امرهم انفسهم وينهون عن منكر وهو كل ما خالف المعروف ونقضه من العقائد الباطلة والاعمال الخبيثة والاخلاق الرذيلة. ويطيعون الله ورسوله اي لا يزالون لطاعة الله ورسوله على الدوام. اولئك سيرحمهم الله اي يدخلهم في رحمته. ويشملهم باحسانه. ان الله عزيز اي قوي قاهر ومع قوته فهو حكيم. يضع كل شيء موضعه اللائق به. الذي يحمد على ما خلقه وامر به. ثم ذكر وما اعد الله له من الثواب فقال وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري خالدين فيها ومساكن ومساكن طيبة ورضوان ذلك هو الفوز العظيم. وعد الله المؤمن والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار. جامعة لكل نعيم وفرح خالية من كل اذى وترح. تجري من تحت قصورها ودورها جارية الانهار الغزيرة المروية للبساتين الانيقة. التي لا يعلم ما فيها من الخيرات والبركات الا الله تعالى. خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ومساكن طيبة في جنات عدن. قد زخرفت وحسنت واعدت لعباد الله المتقين. قد طاب مرآها وطاب منزلها ومقيلها وجمعت من الات المساكن العالية ما لا يتمنى فوقه المتمنون. حتى ان الله تعالى قد اعد لهم غرفا في غاية في الصفاء والحسن يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها. فهذه المساكن الانيقة التي حقيق بان تسكن اليها النفوس وتنزع اليها القلوب وتشتاق لها الارواح. لانها في جنات عدن. اي اقامة لا يطعنون عنها. ولا يتحولون منها. ورضوان قانون من الله يحله على اهل الجنة اكبر مما هم فيه من النعيم. فان نعيمهم لم يطب الا برؤية ربهم ورضوانه عليهم. ولان انه الغاية التي امها العابدون. والنهاية التي سعى نحوها المحبون. فرضا رب الارض والسماوات اكبر من نعيم الجنات. ذلك هو الفوز العظيم حيث حصلوا على كل مطلوب وانتفى عنهم كل محذور وحسنت وطابت منهم جميع الامور فنسأل الله ان يجعلنا معه بجوده. يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يا ايها النبي جاهد الكفار قال والمنافقين اي بالغ في جهادهم والغلظة عليهم. حيث اقتضت الحال الغلظة عليهم. وهذا الجهاد يدخل فيه الجهاد باليد والجهاد بالحجة واللسان فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد واللسان والسيف والبيان. ومن كان مذعنا للاسلام بذمة او عهد فانه يجاهد بالحجة والبرهان. ويبين له محاسن الاسلام. ومساوئ الشرك والكفر. فهذا ما لهم في الدنيا. واما في الاخرة فمأواهم جهنم اي مقرهم الذي لا يخرجون منها وبئس المصير الكفر وكفروا بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا الا ان اغناهم الله ورسوله خيرا لهم وان يتولوا يعذبهم الله عذابا في الدنيا والاخرة. وما لهم في الارض من ولي ولا نصير يحلفون بالله ما قالوا. ولقد قالوا كلمة الكفر. اي اذا قالوا قولا كقول من قال منهم ليخرجن الاعز منها الاذل الكلام الذي يتكلم به الواحد بعد الواحد في الاستهزاء بالدين وبالرسول. فاذا بلغهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغه شيء من ذلك جاءوا اليه يحلفون بالله ما قالوا. قال تعالى مكذبا لهم. ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم. فاسلامهم السابق وان كان ظاهره انه اخرجهم من دائرة الكفر. فكلامهم الاخير ينقض اسلامهم. ويدخلهم بالكفر. وهموا بما لم ينالوا ذلك حين هموا بفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. فقص الله عليه نبأهم فامر من يصدهم عن قصدهم. والحال انه ثم نقموا وعابوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. الا ان اغناهم الله ورسوله من فضله. بعد ان كانوا فقراء معوزين من اعجب الاشياء ان يستهينوا بمن كان سببا لاخراجه من الظلمات الى النور. ومغنيا لهم بعد الفقر. وهل حقه عليهم الا ان يعظموه ويؤمنوا به ويجلوه. فاجتمع الداعي الديني وداعي المروءة الانسانية. ثم عرض عليهم التوبة فقال فان يتوبوا خيرا لهم لان التوبة اصل لسعادة الدنيا والاخرة. وان يتولوا عن التوبة والانابة يعذبهم الله عذابا اليما في الدنيا والاخرة في الدنيا بما يناله من الهم والغم والحزن على نصرة الله لدينه. واعزاز نبيه وعدم حصولهم على مطلوبهم. وفي الاخرة في عذاب السعير وما لهم في الارض من ولي يتولى امورهم. ويحصل لهم المطلوب ولا نصير. يدفع عنهم المكروه فاذا انقطعوا من ولاية الله تعالى فثم اصناف الشر والخسران والشقاء والحرمان. ومنهم من عاهد الله لان اي ومن هؤلاء المنافقين من اعطى الله عهده وميثاقه لان اتانا من فضله من الدنيا فبسطها لنا ووسعها لنصدقن ولنكونن من الصالحين. فنصل الرحم ونقر ضيف ونعين على نوائب الحق ونفعل الافعال الحسنة الصالحة تولوا وهم معرضون. فلما اتاه من فضله لم يفوا بما قالوا. بل بخلوا به وتولوا عن الطاعة والانقياد وهم معرضون اي غير ملتفتين الى الخير. فلما لم يفوا بما عاهدوا الله عليه عاقبهم. فاعقبهم نفاقا الله فاعقبهم نفاقا في قلوبهم مستمرا الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما ما كانوا يكذبون فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع ان يعاهد ربه ان حصل مقصوده الفلاني ليفعلن كذا وكذا ثم لا يفي بذلك فانه ربما عاقبه الله بالنفاق كما عاقب هؤلاء. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحيحين اية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا عاهد غدر واذا وعد اخلف فهذا المنافق الذي وعد الله وعاهده لان اعطاه الله من فضله صدقن وليكونن من الصالحين. حدث فكذب وعاهد فغدر ووعد فاخلف. ولهذا توعد من صدر منهم هذا الصنيع بقوله الم يعلموا ان الله يعلم سرهم ونجواهم. وان الله علام الغيوب الم يعلموا ان الله يعلم سرهم ونجواهم. وان الله علام الغيوب. وسيجازيهم على ما عملوا من الاعمال التي يعلمها الله تعالى وهذه الايات نزلت في رجل من المنافقين يقال له ثعلبة جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله ان يدعو الله له ان يعطيه الله من فضله وانه ان اعطاه ليتصدقن ويصل الرحم ويعين على النوائب. فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فكان له غنم فلم تزل تتنامى حتى خرج بها عن المدينة. فكان لا يحضر الا بعد الصلوات الخمس. ثم ابعد فكان لا يحضر الا صلاة جمعة ثم كثرت فابعد بها فكان لا يحضر جمعة ولا جماعة. ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فاخبر بحاله. فبعث من يأخذ خذوا الصدقات من اهلها فمروا على ثعلبة. فقال ما هذه الا جزية؟ ما هذه الا اخت الجزية. فلما لم يعطهم جاؤوا فاخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ثلاثا. فلما نزلت هذه الاية فيه وفي امثاله ذهب بها بعض اهله فبلغه اياها. فجاء بزكاته فلم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم. ثم جاء بها لابي بكر بعد وفاة النبي الله عليه وسلم فلم يقبلها. ثم جاء بها بعد ابي بكر لعمر فلم يقبلها. فيقال انه هلك في زمن عثمان والذين لا يجدون الا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب اليم وهذا ايضا من مخازي المنافقين. فكانوا قبحهم الله لا يدعون شيئا من امور الاسلام والمسلمين يرون لهم مقالا. الا قالوا عنوا بغيا وعدوانا. فلما حث الله ورسوله على الصدقة بادر المسلمون الى ذلك. وبذلوا من اموالهم كل على حسب حاله. منهم ومنهم المقل فيلمزون المكثر منهم بان قصده بنفقته الرياء والسمعة وقالوا للمقل الفقير ان الله غني مع صدقة هذا فانزل الله تعالى الذين يلمزون اي يعيبون ويطعنون المطوعين من المؤمنين في الصدقات فيقولون مراؤون قصدهم الفخر والرياء ويلمزون الذين لا يجدون الا جهدهم فيخرجون ما استطاعوا ويقولون الله غني عن صدقاتهم فيسخرون منهم. فقابلهم الله على صنيعهم بان سخر الله منهم ولهم عذاب اليم. فانهم جمعوا في كلامهم هذا بين عدة محاذير. منها تتبعهم لاحوال المؤمنين. وحرصهم على ان يجدوا مقالا يقولونه فيهم. والله يقول ان حين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم. ومنها طعنهم بالمؤمنين لاجل ايمانهم. كفر بالله تعالى وبغض الدين ومنها ان اللمز محرم. بل هو من كبائر الذنوب في امور الدنيا. واما اللمز في امر الطاعة فاقبح واقبح. ومنها ان من اطاع الله تعالى وتطوع بخصلة من خصال الخير. فان الذي ينبغي هو اعانته وتنشيطه على عمله. وهؤلاء قصدوا تثبيطهم بما فيهم وعابوهم عليه. ومنها ان حكمهم على من انفق مالا كثيرا بانه مراء غلط فاحش. وحكم على الغيب ورجم واي شر اكبر من هذا. ومنها ان قولهم لصاحب الصدقة القليلة الله غني عن صدقة هذا كلام مقصوده باطل فان الله غني عن صدقة المتصدق بالقليل والكثير. بل وغني عن اهل السماوات والارض. ولكنه تعالى امر العباد بما هم مفتقرون اليه فالله وان كان غني عنهم فهم فقراء اليه. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. وفي هذا القول من التثبيت عن الخير ما هو ظاهر ولهذا كان جزاؤهم ان سخر الله منهم ولهم عذاب اليم استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة على وجه المبالغة والا فلا مفهوم له. فلن يغفر الله لهم كما قال في الاية الاخرى سواء عليهم استغفرت لهم ام لم ان تستغفر لهم لن يغفر الله لهم. ثم ذكر السبب المانع لمغفرة الله لهم فقال ذلك بانهم كفروا بالله ورسوله لا ينفعه الاستغفار ولا العمل ما دام كافرا. والله لا يهدي القوم الفاسقين اي الذين صار الفسق لهم وصفا بحيث لا يختارون من خير او شر فان الله مطلع عليكم. وسيطلع رسوله وعباده المؤمنين على اعمالكم ولو كانت باطلة. واخر يتوب عليهم. والله ايها اخرون من المخلفين مؤخرون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب سواه ولا يبغون به بدلا. يأتيهم الحق الواضح فيردونه. فيعاقبهم الله تعالى بان لا يوفقهم له بعد ذلك فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا ان يجاهدوا باموالهم وانفسهم لو كانوا يفقهون يقول تعالى مبينا تبجح المنافقين بتخلفهم وعدم مبالاتهم بذلك على عدم الايمان واختيار الكفر على الايمان. فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله. وهذا قدر زائد على مجرد التخلف فان هذا تخلف محرم. وزيادة رضا بفعل المعصية. وتبجح به. وكرهوا ان يجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله وهذا بخلاف المؤمنين والذين اذا تخلفوا ولو لعذر حزنوا على تخلفهم وتأسفوا غاية الاسف ويحبون ان يجاهدوا باموالهم انفسهم في سبيل الله لما في قلوبهم من الايمان ولما يرجون من فضل الله واحسانه وبره وامتنانه. وقالوا اي المنافقون لا تنفروا في الحر اي قالوا ان النفير مشقة علينا بسبب الحر. فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الابدية التامة وحذروا من الحر الذي يقي منه الظلال. ويذهبه البكر والاصال. على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره. وهو النار الحامية ولهذا قال قلنا نار جهنم اشد حرا لو كانوا يفقهون. لما اثروا ما يفنى على ما يبقى. ولما فروا من المشقة خفيفة المنقضية الى المشقة الشديدة الدائمة. قال الله تعالى بما كانوا يكسبون. فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا اي فليتمتعوا في هذه الدار المنقضية ويفرحوا بلذاتها ويلهو بلعبها فسيبكون كثيرا في عذاب اليم جزاء بما اكانوا يكسبون من الكفر والنفاق وعدم الانقياد لاوامر ربهم انهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي ابدا. فقل لن تخرجوا معي ابدا ولن ان تقاتلوا معي عدوا انكم رضيتم بالقعود اول مرة فاقعدوا مع فان رجعك الله الى طائفة منهم وهم الذين تخلفوا من غير عذر ولم يحزنوا على تخلفهم الخروج لغير هذه الغزوة اذا رأوا السهولة فقل لهم عقوبة لن تخرجوا معي ابدا ولن تقاتلوا معي عدوا فسيغني الله عنكم انكم رضيتم بالقعود اول مرة فاقعدوا مع الخالفين. وهذا كما قال تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة فان المتثاقل المتخلف عن المأمور به عند انتهاز الفرصة لا يوفق له بعد ذلك ويحال بينه وبين وفيه ايضا تعذير لهم. فانه اذا تقرر عند المسلمين ان هؤلاء من الممنوعين من الخروج الى الجهاد لمعصيتهم. كان ذلك توبيخا لهم وعارا عليهم ونكالا ان يفعل احد كفعلهم. ولا تصلي على احد منهم مات ابى فدوا ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون يقول تعالى ولا تصلي على احد منهم مات ابدا من المنافقين. ولا تقم على قبره بعد الدفن لتدعو له فان صلاته ووقوفه على قبورهم شفاعة منه لهم. وهم لا تنفع فيهم الشفاعة. انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ومن كان كافرا ومات على ذلك فما تنفعه شفاعة الشافعين. وفي ذلك عبرة لغيرهم وزجر ونكال لهم. وهكذا كل من علم منه الكفر والنفاق فانه لا يصلى عليه. وفي هذه الاية دليل على مشروعية الصلاة على المؤمنين. والوقوف عند قبورهم للدعاء لهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في المؤمنين. فان تقييد النهي بالمنافقين يدل على انه قد كان متقررا في المؤمنين ولا تعجبك اموالهم واولادهم انما يريد الله ان يعذبهم بها في انهم كافرون. اي لا تغتر بما اعطاهم الله في الدنيا من الاموال والاولاد. فليس ذلك لكرامتهم عليه انما ذلك اهانة منه لهم. انما يريد الله ان يعذبهم بها في الدنيا. فيتعبون في تحصيلها ويخافون من زوالها. ولا بها بل لا يزالون يعانون الشدائد والمشاق فيها وتلهيهم عن الله والدار الاخرة حتى ينتقلوا من الدنيا وتزهق انفسهم وهم كافرون. قد سلبهم حبها عن كل شيء. فماتوا وقلوبهم بها متعلقة. وافئدتهم عليها متحرقة يقول تعالى في بيان استمرار المنافقين على التثاقل عن الطاعات وانها لا تؤثر فيهم الصور والايات. واذا انزلت سورة يؤمرون فيها بالايمان بالله والجهاد في سبيله. استأذنك اولو الطول منهم. يعني اولي الغنى والاموال الذين لا عذر لهم وقد امدهم الله باموال وبنين. افلا يشكرون الله ويحمدونه ويقومون بما اوجبه عليهم وسهل عليهم امره ولكن ابوا الا التكاسل والاستئذان في القعود. وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين. قال تعالى وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون. رضوا بان يكونوا مع الخوالف اي كيف رضوا لانفسهم ان يكونوا مع النساء المتخلفات عن الجهاد. هل معهم فقه او عقل دلهم على ذلك؟ ام طبع الله على قلوبهم فلا تعي الخير. ولا يكون فيها ارادة لفعل ما فيه الخير والصلاح. فهم لا يفقهون مصالحهم. فلو فقهوا حقيقة الفقه لم يرضوا لانفسهم بهذه الحال التي تحطهم عن منازل الرجال. لكن الرسول والذين امنوا معه جاهدوا باموالهم وانفسهم واولئك هم المفلحون. يقول تعالى اذا تخلف هؤلاء المنافقون عن الجهاد فالله سيغني عنهم. ولله عباد وخواص من خلقه اختصهم بفضله. يقومون بهذا الامر وهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والذين امنوا معه جاهدوا باموالهم وانفسهم غير متثاقلين ولا كسلين بل هم مستبشرون واولئك لهم الخيرات الكثيرة في الدنيا والاخرة. واولئك هم المفلحون الذين ظفروا باعلى المطالب واكمل الراحة اعد الله لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم. فتبا لمن لم يرغب بما رغبوا فيه وخسر دينه ودنياه واخراه. وهذا نظير قوله تعالى قل امنوا به او لا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا. وقوله فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين. وجاء المعذرون من الاعراب يقول تعالى وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم. اي جاء الذين تهاونوا وقصروا منهم في الخروج لاجل ان يؤذن لهم في ترك الجهاد غير مبالين في الاعتذار لجفائهم وعدم حيائهم. واتيانهم بسبب ما معهم من الايمان الضعيف. واما الذين كذبوا الله ورسوله منهم فقعدوا وتركوا الاعتذار بالكلية. ويحتمل ان معنى قوله المعذرون اي الذين لهم عذر اتوا الى رسول صلى الله عليه وسلم ليعذرهم. ومن عادته ان يعذر من له عذر. وقعد الذين كذبوا الله ورسوله في دعواهم الايمان للخروج وعدم عملهم بذلك. ثم توعدهم بقوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب اليم. في الدنيا والاخرة لما ذكر المعتذرين وكانوا على قسمين. قسم معذور في الشرع وقسم غير معذور. ذكر ذلك بقوله فعل الضعفاء في ابدانهم وابصارهم. الذين لا قوة لهم على الخروج والقتال. ولا على المرضى. وهذا شامل لجميع انواع الذي لا يقدر صاحبه معه على الخروج والجهاد من عرج وعمى وحمى وذات الجنب والفارج وغير ذلك. ولا على الذين لا دون ما ينفقون. اي لا يجدون زادا ولا راحلة يتبلغون بها في سفرهم. فهؤلاء ليس عليهم حرج. بشرط ان ينصحوا لله ورسوله. بان يكون صادق الايمان وان يكون من نيتهم وعزمهم انهم لو قدروا لجاهدوا وان يفعلوا ما يقدرون عليه من الحث والترغيب والتشجيع على الجهاد ما على المحسنين من سبيل اي من سبيل يكون عليهم فيه تبعة. فانهم باحسانهم فيما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد. اسقطوا توجه اللوم عليهم. واذا احسن العبد فيما يقدر عليه سقط عنه ما لا يقدر عليه. ويستدل بهذه الاية على قاعدة وهي فمن احسن على غيره في نفسه او في ماله ونحو ذلك. ثم ترتب على احسانه نقص او تلف. انه غير ضامن لانه محسن ولا سبيل على المحسنين. كما انه يدل على ان غير المحسن وهو المسيء كالمفرط ان عليه الضمان. والله غفور رحيم من ورحمته عفا عن العاجزين واثابهم بنيتهم الجازمة ثواب القادرين الفاعلين تولوا واعينهم تفيض من ولا على الذين اذا ما اتوك لتحملهم لم يصادفوا عندك شيئا قلت لهم معتذرا لا اجد ما احملكم عليه. تولوا واعينهم تفيض من الدمع حزنا الا يجدوا ما ينفقون فانهم عاجزون باذلون لانفسهم. وقد صدر منهم من الحزن والمشقة ما ذكره الله عنهم. فهؤلاء لا حرج عليهم. واذا سقط الحرج عنهم عاد الامر الى اصله. وهو ان من نوى الخير واقتارن بنيته الجازمة سعي فيما يقدر عليه. ثم لم يقدر فانه ينزل منزلة الفاعل التام انما السبيل على الذين يستأذنونك وهم اغنياء انما السبيل يتوجه واللوم يتناول الذين يستأذنونك وهم اغنياء. قادرون على الخروج لا عذر لهم. فهؤلاء قضوا لانفسهم ومن دينهم بان يكونوا مع الخوالف كالنساء والاطفال ونحوهم. وانما رضوا بهذه الحال لان الله طبع على قلوبهم اي ختم عليها فلا يدخلها خير. ولا يحسون بمصالحهم الدينية والدنيوية. فهم لا يعلمون. عقوبة فهم على ما اقترفوا نبأنا الله من اخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله. ثم تردون الى عالم اي لن نصدقكم في اعتذاركم الكاذب. قد نبأنا الله من اخباركم وهو الصادق في قيله. فلم يبق للاعتذار فائدة. لانهم اعتذرون بخلاف ما اخبر الله عنهم. ومحال ان يكونوا صادقين فيما يخالف خبر الله الذي هو اعلى مراتب الصدق. وسيرى الله عملكم ورسوله في الدنيا لان العمل هو ميزان الصدق من الكذب. واما مجرد الاقوال فلا دلالة فيها على شيء من ذلك. ثم تردون الى عالم بالغيب والشهادة الذي لا تخفى عليه خافية. فينبئكم بما كنتم تعملون من خير وشر. ويجازيكم بعدله او بفضله من غير ان مثقال ذرة ومأواهم جهنم انهم رجس ومأوى بما كانوا يكسبون. واعلم ان المسيء المذنب له وحالات اما ان يقبل قوله وعذره ظاهرا وباطنا. ويعفى عنه بحيث يبقى كأنه لم يذنب. فهذه الحالة هي المذكورة هنا في حق المنافق ان عذرهم غير مقبول. وانه قد تقررت احوالهم الخبيثة واعمالهم السيئة. واما ان يعاقبوا بالعقوبة والتعزير الفعلي علي على ذنبهم واما ان يعرض عنهم. ولا يقابلوا بما فعلوا بالعقوبة الفعلية. وهذه الحال الثالثة هي التي امر الله بها في حق المنافقين ولهذا قال سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم اي لا توبخوهم ولا او تقتلوهم انهم رجس اي انهم قذر خبثاء ليسوا باهل لان يبالى بهم. وليس التوبيخ والعقوبة مفيدا فيهم وتكفيهم عقوبة جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. وقوله ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين. يحلفون لكم عنهم اي ولهم ايضا هذا المقصد الاخر منكم غير مجرد الاعراض بل يحبون ان ترضوا عنهم كانهم ما فعلوا شيئا. فان عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين. اي فلا ينبغي لكم ايها المؤمنون ان ترضوا عن من لم يرضى الله عنه. بل عليكم ان توافقوا ربكم في الله وغضبه وتأمل كيف قال فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين. ولم يقل فان الله ليرضى عنهم. ليدل ذلك على ان باب التوبة مفتوح. وانهم مهما تابوا هم او غيرهم. فان الله يتوب عليهم ويرضى عنهم. واما ما داموا فاسقين فان الله ايرضى عليهم بوجود المانع من رضاه وهو خروجهم عما رضيه الله لهم من الايمان والطاعة. الى ما يغضبه من الشرك والنفاق والمعاصي ما ذكره الله ان المنافقين المتخلفين عن الجهاد من غير عذر. اذا اعتذروا للمؤمنين وزعموا ان لهم اعذارا في تخلفهم. فان المنافقين يريدون بذلك ان تعرضوا عنهم وترضوا وتقبلوا عذرهم. فاما قبول العذر منهم والرضا عنهم فلا حبا ولا كرامة لهم. واما الاعراض عن منهم فيعرض المؤمنون عنهم اعراضهم عن الامور الردية الرجس. وفي هذه الايات اثبات الكلام لله تعالى في قوله قد نبأنا الله من اخباركم واثبات الافعال الاختيارية لله الواقعة بمشيئته تعالى وقدرته في هذا. وفي قوله وسيرى الله لكم ورسوله اخبر انه سيراه بعد وقوعه. وفيها اثبات الرضا لله عن المحسنين. والغضب والسخط على الفاسقين الله عليم حكيم. يقول تعالى الاعراب وهم سكان البادية والبراري. اشد كفرا ونفاقا من الحاضرة الذين فيهم كفر ونفاق. وذلك لاسباب كثيرة. منها انهم بعيدون عن معرفة الشرائع الدينية والاعمال والاحكام. فهم احرى واجدر الا اعلموا حدود ما انزل الله على رسوله من اصول الايمان واحكام الاوامر والنواهي بخلاف الحاضرة فانهم اقرب لان يعلموا حدود ما انزل الله وعلى رسوله فيحدث لهم بسبب هذا العلم تصورات حسنة وايرادات للخير. الذين يعلمون ما لا يكون في البادية. وفيهم من لطافة بالطبع والانقياد للداعي ما ليس في البادية. ويجالسون اهل الايمان ويخالطونهم اكثر من اهل البادية. فلذلك كانوا احرى للخير من اهل البادية وان كان في البادية والحاضرة كفار ومنافقون. ففي البادية اشد واغلظ مما في الحاضرة. ومن ذلك ان الاعراب احرص على الاموال واشح فيها ومن الاعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم عليهم دائرة السوء والله سميع عليم. فمنهم من يتخذ ما ينفق من الزكاة النفقة في سبيل الله وغير ذلك مغرما ان يراها خسارة ونقصا لا يحتسب فيها ولا يريد بها وجه الله ولا يكاد يؤديها الا ويتربص بكم الدوائر اي من عداوتهم للمؤمنين وبغضهم لهم انهم يودون وينتظرون فيهم دوائر الدهر وفجائع زمان وهذا سينعكس عليهم فعليهم دائرة السوء. واما المؤمنون فلهم الدائرة الحسنة على اعدائهم ولهم العقبى الحسنة. والله سميع عليم يعلم نيات العباد وما صدرت عنه الاعمال من اخلاص وغيره. وليس الاعراب كلهم مذمومين يؤمن بالله واليوم الاخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول الا انها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته ان الله غفور رحيم بل منهم من يؤمن بالله واليوم الاخر. فيسلم بذلك من الكفر والنفاق. ويعمل بمقتضى الايمان. ويتخذ ما ينفق قربات عند الله ان يحتسبوا نفقته ويقصد بها وجه الله تعالى والقرب منه. ويجعلها وسيلة لصلوات الرسول. اي دعائه لهم وتبريكه عليهم قال تعالى مبينا لنفع صلوات الرسول الا انها قربة لهم تقربهم الى الله وتنمي اموالهم وتحل فيها البركة سيدخلهم الله في رحمته في جملة عباده الصالحين. انه غفور رحيم. فيغفر السيئات العظيمة لمن تاب اليه. ويعم عباده لهم برحمته التي وسعت كل شيء. ويخص عباده المؤمنين برحمة يوفقهم فيها الى الخيرات. ويحميهم فيها من المخالفات. ويجزل لهم فيها المثوبات وفي هذه الاية دليل على ان الاعراب كاهل الحاضرة منهم الممدوح ومنهم المذموم. فلم يذمهم الله على مجرد تعربهم انما ذمهم على ترك اوامر الله وانهم في مظنة ذلك. ومنها ان الكفر والنفاق يزيد وينقص ويغلظ ويخف بحسب الاحوال ومنها فضيلة العلم وان فاقده اقرب الى الشر ممن يعرفه. لان الله ذم الاعراب واخبر انهم اشد كفرا ونفاقا وذكر السبب الموجب لذلك وانهم اجدروا الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله. ومنها ان العلم النافع الذي هو انفع العلوم معرفة حدود ما انزل الله على رسوله من اصول الدين وفروعه كمعرفة حدود الايمان والاسلام والاحسان والتقوى والفلاح والطاعة والبر والصدقة والاحسان والكفر والنفاق والفسوق والعصيان والزنا والخمر والربا ونحو ذلك. فان في معرفتها يتمكن من فعلها ان كانت مأمورا بها او تركها ان كانت محظورة. ومن الامر بها او النهي عنها. ومنها انه ينبغي للمؤمن ان يؤدي ما عليه من حقوق منشرح الصدر مطمئن النفس. ويحرص ان تكون مغنما. ولا تكون مغرما. والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان والذين اتبعوهم واعد لهم هم الذين سبقوا هذه الامة وبدروها الى الايمان والهجرة والجهاد واقامة دين الله. من المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم اموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله اولئك هم الصادقون. ومن الانصار الذين تبوأوا الدار الايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم. ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا. ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة والذين اتبعوهم باحسان بالاعتقادات والاقوال والاعمال. فهؤلاء هم الذين سلموا من الذم وحصل لهم افضل الكرامات من الله. رضي الله عنهم ورضاه تعالى اكبر من نعيم الجنة ورضوا عنه. واعد لهم جنات تجري تحتها الانهار الجارية. التي تساق الى سقي الجنس والحدائق الزاهية الزاهرة والرياض الناضرة. خالدين فيها ابدا. لا يبغون عنها حولا. ولا يطلبون منها بدلا. لان انهم مهما تمنوه ادركوه ومهما ارادوه وجدوه. ذلك الفوز العظيم الذي حصل لهم فيه كل محبوب للنفوس. ولذة للارواح ونعيم للقلوب وشهوة للابدان. واندفع عنهم كل محظور يقول تعالى وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة ايضا منافقون مرضوا على النفاق اي تمرنوا عليه واستمروا وازدادوا فيه طغيانا. لا تعلمهم فتعاقبهم او تعاملهم بمقتضى نفاقهم. لما لله في ذلك من الحكمة الباهرة. نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين يحتمل ان التثنية على بابها وان عذابهم عذاب في الدنيا وعذاب في الاخرة. ففي الدنيا ما ينالهم من الهم والحزن والكراهة لما ولا يمل الله من التوبة على عباده حتى يملوا هم. ويأبوا الا النفار والشرود عن بابه. وموالاتهم عدوهم. الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء وكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة ويؤمنون باياته ويتبعون رسوله. وقل المؤمنين من الفتح والنصر. وفي الاخرة عذاب النار وبئس القرار. ويحتمل ان المراد سنغلظ عليهم العذاب. ونضاعفه عليهم كرره واخرون اعترفوا بذنوبهم خلقوا عملا صالحا واخر سيئا يقول تعالى واخرون ممن بالمدينة ومن حولها بل ومن سائر البلاد الاسلامية اعترفوا بذنوبهم اي اقروا بها وندموا عليها ان في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون. واما الذي في قلوبهم مرض اي شك ونفاق فزادتهم رجسا الى رجسهم اي مرضا الى مرضهم وشكا الى شكهم من حيث انهم كفروا وسعوا في التوبة منها والتطهر من اضرانها. خلطوا عملا صالحا واخر سيئا. ولا يكون العمل الصالح الا اذا كان مع العبد التوحيد والايمان. المخرج عن الكفر والشرك. الذي هو شرط لكل عمل صالح. فهؤلاء خلطوا الاعمال الصالحة بالاعمال السيئة من التجرؤ على بعض المحرمات والتقصير في بعض الواجبات مع الاعتراف بذلك والرجاء بان يغفر الله لهم. فهؤلاء عسى الله ان يتوب عليهم وتوبته على عبده نوعان. الاول التوفيق للتوبة. والثاني قبولها بعد وقوعها منهم. ان الله غفور الرحيم اي وصفه المغفرة والرحمة اللتان لا يخلو مخلوق منهما بل لا بقاء للعالم العلوي والسفلي الا بهما. فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة. ان الله يمسك السماوات والارض ان تزول. ولئن زالتا ان امسكهما من احد من انه كان حليما غفورا. ومن مغفرته ان المسرفين على انفسهم الذين قطعوا اعمارهم بالاعمال السيئة. اذا تابوا اليه انابوا ولو قبيل موتهم باقل القليل. فانه يعفو عنهم ويتجاوز عن سيئاتهم. فهذه الاية دلت على ان المخلط المعترف النادم الذي لم يتب توبة نصوحة انه تحت الخوف والرجاء وهو الى السلامة اقرب. واما المخلط الذي لم يعترف ويندم على ما مضى منه. بل لا يزال مصرا على الذنوب فانه يخاف عليه اشد الخوف. قال تعالى لرسوله ومن قام مقامه امرا له بما يطهر المؤمنين ويتمم ايمانهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلي عليهم خذ من اموالهم صدقة وهي الزكاة المفروضة تطهرهم تزكيهم بها اي تطهرهم من الذنوب والاخلاق الرذيلة. وتزكيهم اي تنميهم وتزيد في اخلاقهم الحسنة واعمالهم الصالحة وتزيد في ثوابهم الدنيوي والاخروي وتنمي اموالهم. وصل عليهم اي ادعو لهم اي للمؤمنين عموما. خصوصا عندما يدفعون اليك زكاة اموالهم ان صلاتك سكن لهم اي طمأنينة لقلوبهم واستبشار لهم. والله سميع لدعائك سمع اجابة وقبول. عليم باحوال العباد ونياتهم. فيجازي كل عامل بعمله. وعلى قدر نيته. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل لامر ربه ويأمرهم بالصدقة ويبعث عماله لجبايتها. فاذا اتاه احد بصدقته دعا له وبرك. ففي هذه هذه الاية دلالة على وجوب الزكاة في جميع الاموال. وهذا اذا كانت للتجارة ظاهرة فانها اموال تنمى ويكتسب بها. فمن العدل ان منها الفقراء باداء ما اوجب الله فيها من الزكاة. وما عدا اموال التجارة فان كان المال ينمى كالحبوب والثمار والماشية المتخذة ان ماء والدر والنسل فانها تجب فيها الزكاة والا لم تجب فيها. لانها اذا كانت للقنية لم تكن بمنزلة الاموال التي يتخذها الانسان في العادة ما لم يتمول ويطلب منه المقاصد المالية. وانما صرف عن المالية بالقنية ونحوها. وفيها ان العبد لا يمكنه ان يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ما له. وانه لا يكفرها شيء سوى ادائها. لان الزكاة والتطهير متوقف على اخراجها وفيها استحباب الدعاء من الامام او نائبه لمن ادى زكاته بالبركة. وان ذلك ينبغي ان يكون جهرا. بحيث يسمعه المتصدق فيسكت اليه ويؤخذ من المعنى انه ينبغي ادخال السرور على المؤمن بالكلام اللين والدعاء له. ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة سكون لقلبه وانه ينبغي تنشيط من انفق نفقة وعمل عملا صالحا بالدعاء له والثناء ونحو ذلك ان الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات اي اما علموا سعة رحمة الله وعموم كرمه وانه يقبل التوبة عن عباده التائبين من اي ذنب كان. بل يفرح تعالى بتوبة عبده اذا تاب اعظم فرح يقدر. ويأخذ الصدقات منه ان يقبلها ويأخذها بيمينه فيربيها لاحدهم كما يربي الرجل فلوه. حتى تكون التمرة الواحدة كالجبل العظيم. فكيف بما هو اكبر واكثر من ذلك وان الله هو التواب. اي كثير التوبة على التائبين. فمن تاب اليه تاب عليه. ولو تكررت منه المعصية مرارا وستردون الى عالم بالغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون. يقول تعالى وقل لهؤلاء المنافقين اعملوا ما ترون من الاعمال. واستمروا على باطلكم فلا تحسبوا ان ذلك سيخفى. فسيرى الله عملكم ورسوله قوله والمؤمنون اي لابد ان يتبين عملكم ويتضح. وستردون الى عالم الغيب والشهادة. فينبئكم بما كنتم تعملون من خير وشر. ففي هذا التهديد والوعيد الشديد على من استمر على باطله وطغيانه وغيه وعصيانه. ويحتمل ان المعنى انكم مهما عملتم عليهم ففي هذا التخويف الشديد للمتخلفين والحث لهم على التوبة والندم. والله عليم باحوال العباد ونياتهم. حكيم يضع شاء مواضعها وينزلها منازلها. فان اقتضت حكمته ان يغفر لهم ويتوب عليهم. غفر لهم وتاب عليهم. وان اقتضت حكمته ان يخذلهم ولا يوفقهم للتوبة فعل ذلك من المؤمنين كان اناس من المنافقين من اهل قباء اتخذوا مسجدا اذا الى جنب مسجد قباء يريدون به المضارة والمشاقة بين المؤمنين. ويعدونه لمن يرجونه من المحاربين لله ورسوله. يكون لهم حصنا عند الاحتياج اليه. فبين تعالى خزيهم واظهر سرهم فقال والذين اتخذوا مسجدا ضرارا. اي مضارة للمؤمنين ولمسجدهم الذي يجتمعون فيه وكفرا اي قصدهم فيه الكفر. اذا قصد غيرهم الايمان وتفريقا بين المؤمنين. اي ليتشعبوا ويتفرقوا وارصاد اي اعداد لمن حارب الله ورسوله من قبل. اي اعانة للمحاربين لله ورسوله. الذين تقدم اشتدت عداوتهم. وذلك كابي عامر الراهب الذي كان من اهل المدينة. فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر الى المدينة كفر به وكان متعمدا في الجاهلية فذهب الى المشركين يستعين بهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما لم يدرك مطلوبه وعندهم ذهب الى قيصر بزعمه انه ينصره فهلك اللعين في الطريق وكان على وعد وممالأة هو والمنافقون. فكان مما اعدوا مسجد الضرار. فنزل الوحي بذلك فبعث اليه النبي صلى الله عليه وسلم من يهدمه ويحرقه. فهدم وحرق وصار بعد ذلك بلى قال تعالى بعد ما بين من مقاصدهم الفاسدة في ذلك المسجد وليحلفن ان اردنا في بنائنا اياه الا الحسنى اي الاحسان الى الضعيف والعاجز والضرير. والله يشهد انهم لكاذبون. فشهادة الله عليهم اصدق من حلفهم. لا تقم فيه ابدا آآ لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه رجال لا تقم فيه ابدا اي لا تصليه في ذلك المسجد الذي بني ضرارا ابدا. فالله يغنيك عنه ولست بمضطر اليه. لمسجد اسس على التقوى من اول يوم ظهر فيه الاسلام في قباء وهو مسجد قباء اسس على اخلاص الدين لله واقامة ذكره وشعائر دينه. وكان قديما في هذا عريقا فيه. فهذا المسجد احق ان تقوم فيه وتتعبد وتذكر الله تعالى فهو فاضل واهله فضلاء. ولهذا مدحهم الله بقوله فيه رجال كانوا يحبون ان يتطهروا من الذنوب ويتطهر من الاوساخ والنجاسات والاحداث. ومن المعلوم ان من احب شيئا لا بد ان يسعى له ويجتهد فيما من يحب فلا بد انهم كانوا حريصين على التطهر من الذنوب والاوساخ والاحداث. ولهذا كانوا ممن سبق اسلامه وكانوا مقيمين للصلاة محافظين على الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. واقامة شرائع الدين. وممن كانوا يتحرزون من مخالفة الله ورسوله. وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدما نزلت هذه الاية في مدحهم عن طهارتهم. فاخبروه انهم يتبعون الحجارة الماء. فحمدهم على صنيعهم الله يحب المطهرين الطهارة المعنوية كالتنزه من الشرك والاخلاق الرذيلة والطهارة الحسية كازالة الانجاس ورفع الاحداث ثم فاضل بين المساجد بحسب مقاصد اهلها وموافقتها لرضاه. فقال من الله ورضوان خير ام من اسس بنيانه على شفا جرف هار من اسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم يهدي القوم الظالمين. افمن اسس بنيانه على تقوى من الله اي على نية صالحة واخلاص. ورضوان بان كان موافقا لامره فجمع في عمله بين الاخلاص والمتابعة خير ام من اسس بنيانه على شفا اي على طرف جرف انهار اي بال قد تداعى للانهدام. فانهار به في نار جهنم. والله لا يهدي القوم الظالمين لما فيه مصالح دينهم ودنياهم لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم والله عليم حكيم. لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم. اي شكا وريبا ماكثا في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم بان يندموا غاية الندم ويتوبوا الى ربهم ويخافوه غاية الخوف. فبذلك يعفو الله عنهم خلاف بنيانهم لا يزيدهم الا ريبا الى ريبهم. ونفاقا الى نفاقهم. والله عليم بجميع الاشياء ظاهرها وباطنها. خفي وجليها وبما اسره العباد واعلنوه. حكيم لا يفعل ولا يخلق ولا يأمر ولا ينهى الا ما اقتضته الحكمة وامر به. فلله وعاندوها واعرضوا عنها فازداد لذلك مرضهم. وترامى بهم الى الهلاك والطبع على قلوبهم. حتى ماتوا وهم كافرون وهذا عقوبة لهم. لانهم كفروا بايات الله وعصوا رسوله. فاعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه. قال تعالى لله الحمد وفي هذه الايات عدة فوائد منها ان اتخاذ المسجد الذي يقصد به الضرار لمسجد اخر بقربه انه محرم وانه يجب هدم مسجد الضرار الذي اطلع على مقصود اصحابه. ومنها ان العمل وان كان فاضلا تغيره النية فينقلب منهيا عنه كما قلبت نية اصحاب مسجد الضرار عملهم الى ما ترى. ومنها ان كل حالة يحصل بها التفريق بين المؤمنين فانها من المعاصي التي يتعين تركها وازالتها. كما ان كل حالة يحصل بها جمع المؤمنين وائتلافهم. يتعين اتباعها والامر بها والحث عليها ان الله علل اتخاذهم لمسجد الضرار بهذا المقصد الموجب للنهي عنه. كما يوجب ذلك الكفر والمحاربة لله ورسوله. ومنها النهي عن الصلاة في اماكن المعصية والبعد عنها وعن قربها. ومنها ان المعصية تؤثر في البقاع كما اثرت معصية المنافقين في مسجد الضرار ونهي عن القيام فيه وكذلك الطاعة تؤثر في الاماكن كما اثرت في مسجد قباء حتى قال الله فيه لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه. ولهذا كان لمسجد قباء من الفضل ما ليس لغيره. حتى كان صلى الله عليه وسلم يزور قباء كل سبت يصلي وحث على الصلاة فيه. ومنها انه يستفاد من هذه التعاليل المذكورة في الاية. اربع قواعد مهمة وهي كل عمل فيه مضارة لمسلم او فيه معصية لله فان المعاصي من فروع الكفر او فيه تفريق بين المؤمنين او فيه معاونة لمن عادى الله ورسوله فانه محرم ممنوع منه وعكسه بعكسه. ومنها ان الاعمال الحسية الناشئة عن معصية الله لا تزال مبعدة لفاعيلها عن الله بمنزلة الاصرار على المعصية حتى يزيلها ويتوب منها توبة تامة. بحيث يتقطع قلبه من الندم والحسرات. ومنها انه اذا كان مسجد قباء مسجدا اسس على التقوى. فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي اسسه بيده المباركة وعمل فيه واختاره الله له من باب اولى واحرى. ومنها ان العمل المبني على الاخلاص والمتابعة هو العمل المؤسس على التقوى. الموصل لعامله الى جنات النعيم والعمل المبني على سوء القصد وعلى البدع والضلال. هو العمل المؤسس على شفا جرف نهار. فانهار به في نار جهنم. والله لا يهدي القوم الظالمين ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعد ومن فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم. يخبر تعالى خبرا صادقا ويعد وعدا حقا بمبايعة عظيمة مفاوضات جسيمة وهو انه اشترى بنفسه الكريمة من المؤمنين انفسهم واموالهم فهي المثمن والسلعة المبيعة بان لهم الجنة التي فيها ما تشتهيه الانفس. وتلذ الاعين من انواع اللذات والافراح والمسرات. والحور الحسان والمنازل الانيقات. وصفة العقد المبايعة بان يبذلوا لله نفوسهم واموالهم في جهاد اعدائه. لاعلاء كلمته واظهار دينه. فيقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون فهذا العقد والمبايعة قد صدرت من الله مؤكدة بانواع التأكيدات وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن التي هي اشرف الكتب التي طرقت العالم واعلاها واكملها وجاء بها اكمل الرسل اولو العزم وكلها اتفقت على هذا الوعد الصادق ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ايها المؤمنون القائمون بما وعدكم الله ببيعكم الذي بايعتم به اي لتفرحوا بذلك وليبشر بعضكم بعضا ويحث بعضكم بعضا. وذلك هو الفوز العظيم. الذي لا فوز اكبر منه ولا اجل. لانه يتضمن عادة الابدية والنعيم المقيم. والرضا من الله الذي هو اكبر من نعيم الجنات. واذا اردت ان تعرف مقدار الصفقة فانظر الى المشتري من هو هو الله جل جلاله والى العوظ وهو اكبر الاعواض واجلها جنات النعيم. والى الثمن المبذول فيها وهو النفس والمال الذي هو احب الاشياء للانسان. والى من جرى على يديه عقد هذا التبايع. وهو اشرف الرسل. وباي كتاب رقم؟ وهي كتب والله الكبار المنزلة على افضل الخلق. العابدون حامدون الراكعون وبشر المؤمنين كأنه قيل من هم المؤمنون الذين لهم البشارة من الله بدخول الجنات ونيل الكرامات؟ فقال هم التائبون اي الملازمون للتوبة في جميع الاوقات عن جميع السيئات. العابدون اي المتصفون بالعبودية لله والاستمرار على من اداء الواجبات والمستحبات في كل وقت. فبذلك يكون العبد من العابدين. الحامدون لله في السراء والضراء واليسر والعسر المعترفون بمال الله عليهم من النعم الظاهرة والباطنة. المثنون على الله بذكرها وبذكره في اناء الليل واناء النهار. السائحون فسرت السياحة بالصيام او السياحة في طلب العلم وفسرت بسياحة القلب في معرفة الله ومحبته. والانابة اليه على الدوام والصحيح ان المراد بالسياحة السفر في القروبات كالحج والعمرة والجهاد وطلب العلم وصلة الاقارب ونحو ذلك. الراكعون الساجدين اي المكثرون من الصلاة المشتملة على الركوع والسجود. الامرون بالمعروف ويدخل فيه جميع الواجبات والمستحبات. والناهون عن المنكر وهي جميع ما نهى الله ورسوله عنه. والحافظون لحدود الله بتعلمهم حدود ما انزل الله على رسوله. وما يدخل في الاوامر النواهي والاحكام وما لا يدخل الملازمون لها فعلا وتركا. وبشر المؤمنين لم يذكر ما يبشرهم به ليعم جميع ما رتب على الايمان من ثواب الدنيا والدين والاخرة. فالبشارة متناولة لكل مؤمن. واما مقدارها وصفتها فانها بحسب حال المؤمنين وايمانه قوة وضعفا وعملا بمقتضاه ولو كانوا اولي قربان بعد ما تبين لهم انهم اصحاب الجحيم. يعني ما يليق ولا يحسن للنبي والمؤمنين به ان يستغفروا للمشركين. اي لمن كفر به وعبد معه غيره. ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين انهم اصحاب الجحيم. فان الاستغفار لهم في هذه الحال غلط غير مفيد. فلا يليق بالنبي والمؤمنين. لانهم اذا ماتوا على الشرك او وعلم انهم يموتون عليه فقد حقت عليهم كلمة العذاب ووجب عليهم الخلود في النار. ولم تنفع فيهم شفاعة الشافعين ولا استغفار وايضا فان النبي والذين امنوا معه عليهم ان يوافقوا ربهم في رضاه وغضبه. ويوالوا من والاه ويعادوا من عاداهم الله والاستغفار منهم لمن تبين انه من اصحاب النار مناف لذلك مناقض له فلما تبين له ان انه عدو لله تبرأ منه. ان ابراهيم لاواه حليم. ولئن وجد الاستغفار من خليل الرحمن ابراهيم عليه السلام لابيه. فانه عن موعدة وعدها اياه في قوله ساستغفر لك ربي انه كان وذلك قبل ان يعلم عاقبة ابيه. فلما تبين لابراهيم ان اباه عدو لله سيموت على الكفر. ولم ينفع فيه الوعظ هو التذكير تبرأ منه موافقة لربه وتأدبا معه. ان ابراهيم لاواه اي رجاع الى الله في جميع الامور. كثير والذكر والدعاء والاستغفار والانابة الى ربه. حليم اي ذو رحمة بالخلق وصفح عما يصدر منهم اليه من الزلات. لا يستفزه جهل جاهلين ولا يقابل الجاني عليه بجرمه. فابوه قال له لارجمنك وهو يقول له سلام عليك ساستغفر لك ربي فعليكم ان تقتدوا وتتبعوا ملة ابراهيم في كل شيء. الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك. كما نبهكم الله عليها وعلى غيرها ولهذا قال ان الله بكل شيء عليم. يعني ان الله تعالى اذا من على قوم بالهداية وامرهم بسلوك الصراط المستقيم. فانه تعالى يتمم عليهم احسانه. ويبين لهم جميع ما يحتاجون اليه وتدعو اليه ضرورتهم فلا يتركهم ضالين جاهلين بامور دينهم. ففي هذا دليل على كمال رحمته. وان شريعته وافية بجميع ما يحتاجه العباد في اصول الدين وفروعه ويحتمل ان المراد بذلك وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. فاذا بين لهم ما يتقون هنا فلم ينقادوا له عاقبهم بالاضلال جزاء لهم على ردهم الحق المبين. والاول اولى. ان الله بكل شيء عليم ما لعلمه وعمومه علمكم ما لم تكونوا تعلمون. وبين لكم ما به تنتفعون السماوات والارض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ان الله له ملك السماوات والارض يحيي ويميت اي هو المالك لذلك المدبر لعباده بالاحياء والاماتة وانواع التدابير الالهية. فاذا كان لا يخل بتدبيره القدري. فكيف يخل بتدبيره الديني المتعلق بالهيته؟ ويترك عباده او سدى مهملين او يدعهم ضالين جاهلين وهو اعظم توليه لعباده. فلهذا قال وما لكم من دون الله من ولي ولا يخبر تعالى ان من لطفه واحسانه تاب على النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والانصار فغفر لهم ووفر لهم الحسنات ورقاهم الى اعلى الدرجات. وذلك بسبب قيامهم بالاعمال الصعبة الشاقات. ولهذا قال الذين اتبعوه في في ساعة العسرة اي خرجوا معه لقتال الاعداء في وقعة تبوك. وكانت في حر شديد وضيق من الزاد والركوب وكثرة عدو. مما يدعو الى التخلف فاستعانوا الله تعالى وقاموا بذلك. من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم. اي تنقلب قلوبهم ويميل الى موبخا لهم على اقامتهم على ما هم عليه من الكفر والنفاق. اولا يرون انهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون. اولا يرون ان والسكون ولكن الله ثبتهم وايدهم وقواهم. وزيغ القلب هو انحرافه عن الصراط المستقيم. فان كان الانحراف في اصل الدين كان وان كان في شرائعه كان بحسب تلك الشريعة التي زاغ عنها اما قصر عن فعلها او فعلها على غير الوجه الشرعي ثم تاب عليهم اي قبل توبتهم. انه بهم رؤوف رحيم. ومن رأفته ورحمته ان من عليهم بالتوبة. وقبلها منهم وثبتهم عليها وظنوا ان ملجأ من الله الا اليه ثم تاب عليهم ليتوبوا ان الله ثم تاب عليهم ليتوبوا ان الله هو التواب الرحيم. وكذلك لقد تاب الله على الثلاثة الذين خلفوا عن الخروج مع المسلمين في تلك الغزوة وهم كعب بن مالك وصاحباه. وقصتهم مشهورة معروفة في الصحاح والسنن. حتى اذا حزنوا حزنا عظيما. وضاقت عليهم الارض فيما رحبت اي على سعتها ورحبها وضاقت عليهم انفسهم التي هي احب اليهم من كل شيء فضاق عليهم الفضاء الواسع الذي لم تجري العادة بالضيق منه. وذلك لا يكون الا من امر مزعج. بلغ من الشدة والمشقة ما لا يمكن التعبير عنه. وذلك لانهم رضا الله ورضا رسوله على كل شيء. وظنوا ان لا ملجأ من الله الا اليه. اي تيقنوا وعرفوا بحالهم انه لا ينجي من الشدائد ويلجأ اليه الا الله وحده لا شريك له. فانقطع تعلقهم بالمخلوقين. وتعلقوا بالله ربهم وفروا منه اليه. فمكثوا بهذه نحو خمسين ليلة ثم تاب عليهم اي اذن في توبتهم ووفقهم لها ليتوبوا. اي لتقع منهم. فيتوب الله عليه ان الله هو التواب. اي كثير التوبة والعفو. والغفران عن الزلات والعصيان. الرحيم. وصفه الرحمة العظيمة التي لا تزال تنزل على العباد في كل وقت وحين. في جميع اللحظات ما تقوم به امورهم الدينية والدنيوية. وفي هذه الايات دليل على ان توبة الله على العبد اجل الغايات واعلى النهايات. فان الله جعلها نهاية خواص عباده. وامتن عليهم بها حين عملوا الاعمال التي يحبها ويرضاها ومنها لطف الله بهم وتثبيتهم في ايمانهم عند الشدائد والنوازل المزعجة. ومنها ان العبادة الشاقة على النفس لها فضل ومزية ليست لغيرها. وكلما عظمت المشقة عظم الاجر. ومنها ان توبة الله على عبده بحسب ندمه واسفه الشديد. وان من لا يبالي بالذنب ولا يحرج اذا فعله. فان توبته مدخولة وان زعم انها مقبولة. ومنها ان علامة الخير وزوال الشدة اذا علق القلب بالله تعالى تعلقا تاما. وانقطع عن المخلوقين. ومنها ان من لطف الله بالثلاثة ان وسمهم بوسم ليس بعار عليه فقال خلفوا اشارة الى ان المؤمنين خلفوهم او خلفوا عن من بت في قبول عذرهم او في رده. وانهم لم يكن تخلفهم رغبة عن الخير. ولهذا لم يقل تخلفوا. ومنها ان الله تعالى من عليهم بالصدق. ولهذا امر بالاقتداء بهم وقال اتقوا الله وكونوا مع اي يا ايها الذين امنوا بالله وبما الله بالايمان به قوموا بما يقتضيه الايمان وهو القيام بتقوى الله تعالى باجتناب ما نهى الله عنه والبعد عنه. وكونوا مع الصادقين في اقوالهم وافعالهم واحوالهم الذين اقوالهم صدق واعمالهم واحوالهم لا تكون الا صدقا خلية من الكسل والفتور. سالمة من المقاصد السيئة مشتملة على الاخلاص والنية الصالحة. فان الصدق يهدي الى البر وان البر يهدي الى الجنة. قال الله تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم رسول الله ولا يرغب بانفسهم عن نفسه. ذلك بانهم لا يصيبهم ضمأ ولا نصبوا ولا مخلصة في سبيل الله ولا يطأون موطئا ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينامون من عدو ميلا الا كتب لهم به عمل صالح. ان الله لا يضيع اجر يرى المحسنين. يقول تعالى حاثا لاهل المدينة المنورة من المهاجرين والانصار. ومن حوله من الاعراب الذين اسلموا فحسدوا اسلامهم ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراض ان يتخلفوا عن رسول الله اي ما ينبغي لهم ذلك ولا يليق باحوالهم ولا يرغبوا بانفسهم في بقائها وراحتها وسكونها عن نفسه الكريمة الزكية. بل النبي صلى الله عليه وسلم اولى بالمؤمنين من انفسهم فعلى كل مسلم ان يفدي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه. ويقدمه عليها. فعلامة تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته الايمان التام به الا يتخلفوا عنه. ثم ذكر الثواب الحامل على الخروج فقال ذلك بانهم اي المجاهدين في سبيل الله لا يصيبهم ظمأ ولا نصب. اي تعب ومشقة ولا مخمصة في سبيل الله اي مجاعة. ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار. من الخوض لديارهم والاستيلاء على اوطانهم. ولا ينالون من عدو النيل كالظفر بجيش او سرية او الغنيمة لمال الا كتب لهم به في عمل صالح لان هذه اثار ناشئة عن اعمالهم ان الله لا يضيع اجر المحسنين الذين احسنوا في مبادرتهم الى امر الله وقيامهم بما عليه من حقه وحق خلقه. فهذه الاعمال اثار من اثار عملهم. ثم قال ولا ينفقون نفقا صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا الا كتب لهم ولا يقطعن احسن ما كانوا يعملون ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة. ولا يقطعون واديا في ذهابهم الى عدوهم. الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون. ومن ذلك هذه الاعمال اذا اخلصوا فيها لله ونصحوا فيها. ففي هذه الايات اشد ترغيب تشويق للنفوس الى الخروج الى الجهاد في سبيل الله. والاحتساب لما يصيبهم فيه من المشقات. وان ذلك لهم رفعة درجات. وان الاثار المترتبة على عمل العبد له فيها اجر كبير. وما كان المؤمنون لينفروا افة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون. يقول تعالى منبها لعباده المؤمنين على ما ينبغي ينبغي لهم وما كان المؤمنون لينفروا كافة اي جميعا لقتال عدوهم فانه يحصل عليهم المشقة بذلك وتفوت به كثير من مصالح اخرى فلولا نفر من كل فرقة منهم اي من البلدان والقبائل والافخاذ. طائفة تحصل بها الكفاية والمقصود لكان اولى ثم نبه على ان في اقامة المقيمين منهم وعدم خروجهم مصالح لو خرجوا لفاتتهم. فقال ليتفقهوا اي القاعدون في ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم اي ليتعلموا العلم الشرعي ويعلموا معانيه. ويفقهوا اسراره وليعلموا غيرهم ولينذروا انهم اذا رجعوا اليهم ففي هذا فضيلة العلم وخصوصا الفقه في الدين. وانه اهم الامور. وان من تعلم علما فعليه نشره وبثه في العباد ونصيحتهم فيه. فان انتشار العلم عن العالم من بركته واجره الذي ينمى له. واما اقتصار العالم على نفسه عدم دعوته الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وترك تعليم الجهال ما لا يعلمون. فاي منفعة حصلت للمسلمين منه؟ واي نتيجة نتجت من علمه وغايته ان يموت فيموت علمه وثمرته. وهذا غاية الحرمان لمن اتاه الله علما ومنحه فهما. وفي هذا هذه الاية ايضا دليل وارشاد وتنبيه لطيف لفائدة مهمة. وهي ان المسلمين ينبغي لهم ان يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة. من يقوم بها ويوفر وقته عليها. ويجتهد فيها. ولا يلتفت الى غيرها. لتقوم مصالحهم وتتم منافعهم. ولتكون وجهة جميع ونهاية ما يقصدون قصدا واحدا. وهي قيام مصلحة دينهم ودنياهم. ولو تفرقت الطرق وتعددت المشارب. فالاعمال متباينة والقصد واحد وهذه من الحكمة العامة النافعة في جميع الامور والذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة. واعلموا ان الله مع المتقين وهذا ايضا ارشاد اخر. بعدما ارشدهم الى التدبير في من يباشر القتال. ارشدهم الى انهم يبدأون بالاقرب في الاقرب من الكفار والغلظة عليهم والشدة في القتال والشجاعة والثبات. واعلموا ان الله مع المتقين. اي وليكن لديكم علم ان المعونة من الله تنزل بحسب التقوى فلازموا على تقوى الله يعينكم وينصركم على عدوكم. وهذا العموم في قوله قاتلوا الذين يلونكم من الكفار مخصوص بما اذا كانت المصلحة في قتال غير الذين يلوننا وانواع المصالح كثيرة جدا فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون. يقول تعالى مبينا حال المنافقين وحال المؤمنين عند نزول القرآن وتفاوت ما بين الفريقين فقال واذا ما انزلت سورة فيها الامر والنهي والخبر عن نفسه الكريمة وعن الامور الغائبة والحث على الجهاد. فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا. اي حصل الاستفهام لمن حصل له الايمان بها من الطائفتين قال تعالى مبينا الحالة الواقعة. فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا. بالعلم بها وفهمها واعتقادها والعمل بها. والرغبة في بالخير والانكفاف عن فعل الشر. وهم يستبشرون ان يبشر بعضهم بعضا بما من الله عليهم من اياته. والتوفيق لفهمها والعمل بها وهذا دال على انشراح صدورهم لايات الله وطمأنينة قلوبهم. وسرعة انقيادهم لما تحثهم عليه انهم يفطنون في كل عام مرة او مرتين بما يصيبهم من البلايا والامراض. وبما يبتلون من الاوامر الالهية التي يراد بها اختبارهم ثم لا يتوبون عما هم عليه من الشر. ولا هم يذكرون ما ينفعهم فيفعلونه. وما يضرهم فيتركونه. فالله تعالى يبتليهم كما هي سنته في سائر الامم بالسراء والضراء وبالاوامر والنواهي. ليرجعوا اليه. ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون. وفي هذه الايات دليل على ان الايمان يزيد وينقص. وانه ينبغي للمؤمن ان يتفقد ايمانه ويتعاهده. فيجدده وينميه ليكون دائما في وعود وقوله صرف الله قلوبهن يعني ان المنافقين الذين يحذرون ان تنزل عليهم سورة تنبأهم بما في قلوبهم اذا نزلت سورة ليؤمنوا بها ويعملوا بمضمونها. نظر بعضهم الى بعض. جازمين على ترك العمل بها. ينتظرون الفرصة في الاختفاء عن اعين المؤمنين. ويقول يقولون هل يراكم من احد؟ ثم انصرفوا متسللين وانقلبوا معرضين. فجزاهم الله بعقوبة من جنس عملهم. فكما انصرفوا عن عمل صرف الله قلوبهم اي صدها عن الحق وخذلها بانهم قوم لا يفقهون فقها ينفعهم فانهم لو فقهوا لكانوا اذا نزلت سورة امنوا بها وانقادوا لامرها. والمقصود من هذا بيان شدة نفورهم عن الجهاد وغيره من شرائع الايمان. كما قال الله تعالى عنهم فاذا انزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون اليك نظر المغشي عليه من الموت لقد رسول من انفسكم عزيز عليهما عن عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم يمتن تعالى على عباده المؤمنين بما بعث فيهم النبي الامي الذي من انفسهم. يعرفون حاله ويتمكنون من الاخذ عنه ولا يأنفون عن الانقياد له. وهو صلى الله عليه وسلم في غاية النصح لهم. والسعي في مصالحهم. عزيز عليهما عن التم ان يشق عليه الامر الذي يشق عليكم ويعنقكم. حريص عليكم في حب لكم الخير ويسعى جهده في ايصاله اليكم. ويحرص على اهدايتكم الى الامام ويكره لكم الشر. ويسعى جهده في تنفيركم عنه. بالمؤمنين رؤوف رحيم. اي شديد الرأفة والرحمة بهم ارحم بهم من والديهم. ولهذا كان حقه مقدما على سائر حقوق الخلق. وواجب على الامة الايمان به وتعظيمه وتعزيره وتوقير فان امنوا فذلك حظهم وتوفيقهم وان تولوا عن الايمان والعمل فامض على سبيلك ولا تزل في دعوتك. وقل حسبي الله اي الله كافي في جميع ما اهمني. لا اله الا هو. اي لا معبود بحق سواه عليه توكلت اي اعتمدت ووثقت به في جلب ما ينفع ودفع ما يضر. وهو رب العرش العظيم الذي هو اعظم المخلوقات. واذا كان رب العرش العظيم الذي وسع المخلوقات كان ربا لما دونه من باب اولى واحرى