المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي رحمه الله فتاوى منصورة في اوراق النور. تأليف الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد بسم الله وصلى الله على محمد واله وصحبه وسلم. اما بعد فهذه فتاوى منثورة كنت افتيت بها سابقا. فاحببت تقييدا مقاصدها وجمعها في رسالة واحدة للتسهيل على من يريد الوقوف عليها. المسألة الاولى في اوراق النور. اعلم ان هذه المسألة بيانها من اهم المهمات. لكون عامة معاملات الخلق بها في هذه الاوقات. وقد الفت فيها رسالة ذكرت فيها اقوال اهل العلم فيها وما اخر وان الكلام فيها ينحصر في فصلين. الفصل الاول في تعلق الواجبات والمستحبات فيها من الزكوات والكفارات. ووجوب العبادات والنفقات والصدقات وما اشبه ذلك. فهذه الاحكام لا ريب ان جميع الحقوق المالية تتعلق بها. فمن عنده منها نصاب زكوي وجبت عليه فيه الزكاة. سواء قلنا انها في حكم النقود او في حكم العروض. وكذلك تجب فيها الكفارات ويحصل بها الغنى الموجب الحج والمانع من اخذ الزكاة. وتتعلق بها نفقات من تجب نفقاته. من زوجة وقريب ومملوك. وتوفى بها الديون ويلزم صاحبها باداء الحقوق كلها. وهذا متفق عليه بين اهل العلم الا من شذ. لانها داخلة في عموم النصوص من الكتاب والسنة مثل قوله تعالى خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها. ومثل قوله تعالى يا ايها الذين امنوا امنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما اخرجنا لكم من الارض. فانها داخلة في عموم الاموال والطيبات ما كسب الناس. وكذلك قوله تعالى والذين في اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم. وفي قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ فاخبرهم ان الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقرائهم. وما اشبه ذلك فمن النصوص فانها تتناول جميع الاموال المتمولة من نقود وعروض وما قام مقام ذلك من فلوس وانواط واطعمة وهذه الاحكام لم يقع فيها اشكال. الفصل الثاني هل يجري فيها الربا ام لا؟ وهذا الحكم هو الذي اختلفت فيه انظار العلماء كما ذكرت اقوالهم ومأخذ كل قول. والصحيح انه لا يجري الربا فيها. سواء بيع بعض الاموات ببعض او بيعت بنقود ذهب او فضة وكل ذلك جائز. سواء بيعت بزيادة او نقصان او تماثل ولا يمنع منها شيء الا اذا بيعت على وجه الدين والنسيئة كما اذا باع عشرة انواط باثني عشر نوطا او نحوها من النقود الى اجل. فالصواب المنع في هذه الصورة كما يمنع في فلوس النحاس معدن ونحوها. والدليل على انه لا يجري فيها ربا انها ليست منصوصا عليها من الشارع. ولا تدخل في الاموال الربوية شرعا. وذلك النبي صلى الله عليه وسلم منع من بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة الا بشرطين. التماثل بالوزن والقبض قبل تفرق ومن بيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب الا بشرط القبض قبل التفرق. وسواء في هذا المنع بينما كان منها مضروبا او تبرا او كحوليا او غيرها فكل ما شمله لفظ الذهب والفضة فهو داخل في هذا النص. ومن المعلوم لكل احد ان النوط ليس بذهب ولا فضة كيف يحكم عليه بحكم الذهب والفضة؟ وهو مخالف لها في معدنها وذاتها وحقيقتها. فغاية ما يكون انها تنوب مناب النقدين في تقويم وقيم الاشياء. وذلك لا يوجب ان يكون حكمها حكم النقدين في جريان الربا. كما لا يوجب ذلك في انواع السلع والجواهر التي ليست ذهبا ولا فضة وكما لا يوجب ذلك في كنوس النحاس والمعادن الاخر. ولو كانت تتقوم بقيمة النقود وهذه الانواط لولا تأمين الحكومات الشركات لها وكفالاتها اياها لم يكن لها قيمة بالكلية بخلاف الذهب والفضة. ومما يدل على ما ذكرنا ان بيع الذهب بالذهب والفضة فضة لا يحل الا ان يتماثل في الوزن. والانواط لا يمكن فيها الوزن. فقد يكون نوط مائة ريال او مائة روبية يقابل نوط عشرة من ذلك في الوزن والقيمة متفاوتة تفاوتا كبيرة. فتبين انها ليست بذهب ولا فضة. ولا يمكن ان يتحقق فيها الشرط الذي شرطه سارعوا في الذهب والفضة وهو التماثل في الوزن. ويؤيد ذلك ان الذين حكموا عليها بحكم الذهب والفضة معترفون انها غير داخلة في الفاظ النصوص الشرعية وانما ادخلوها من باب القياس على النقدين. لانها قائمة مقام النقدين في قيم الاشياء ومقاصدها. وهذا القياس غير صحيح لان شرط القياس مساواة الفرع للاصل بعلة جامعة بين الاصل والفرع من غير فرق. وهذا معدوم في الانواط في النقدين فان الانواط اوراق وقرطاس والنقدين ذهب وفضة. والانواط لا يمكن فيها الوزن والنقدين معيارهما الوزن هذا يتضح انه لا يمكن الحاقهما بالنقدين في جريان الربا فيها. فبقيت على الاصل كالعروض والفلوس التي يجري فيها الربا. فاذا لم تدخل في الشارع ولا يمكن قياسها على كلامه لم يحل لنا ان نحكم فيها بحكم من عندنا. ونحرم المعاملة فيها الا مثلا بمثل يدا بيد لغيره بدليل ويؤيد ذلك ان الاصل في العقود الصحة والحل. فلا يحرم منها الا ما حرمه الله ورسوله. بان ينص الشارع على تحريمه بعينه او بلفظ يشمله لفظا او معنى وما لم يكن كذلك فهو حلال. قال تعالى واحل الله البيع وحرم الربا. وقال سبحانه يا ايها الذين امنوا ثمن لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم. وبيع بعضها ببعض او بيعها بنقد بزيادة او نقصان لم يدل على تحريمه ومنعه دليل شرعي يتعين المصير اليه. فوجب بقاؤه الحل وهو المطلوب. وايضا فالفلوس من المعادن التي ليست ذهبا ولا فضة. قد قال اكثر الفقهاء انه لا يجري فيها الربا. فالانواط من باب اولى واحرى وايضا فلو فرض ان شيئا من العروض او من الجواهر كاللؤلؤ والمرجان وغيرها. اصطلح الناس على المعاملة فيه كما يتعاملون بالنقود لم يثبت لها احكام النقدين الذهب والفضة في جريان الربا. فكيف يجري ذلك في الانواط؟ وايضا فالدين يسر مرفوع عن احكام وشرائعه الحرج والضيق. ومن المعلوم اضطرار الناس في هذه الاوقات الى المعاملة بالانواط والزيادة والنقص فيها. فلو شرط فيها ما شرط في الذهب بالفضة لحصل الضيق والحرج. ولم يتمكنوا من المعاملات التي يحتاجونها. فتسهيل الامر فيها اتباعا لقاعدة الشريعة وتيسيرا من يريد التقيد بها اولى من الضيق الذي يحصر الناس. ويوجب لهم التجرؤ على ما يعتقدونه حراما. هذا لو فرضنا ان القولين يكافئان في الادلة. فكيف والادلة الصحيحة مع القول الصحيح انه لا يجري فيها الربا والله اعلم. المسألة الثانية في اعتبار العمل في البرقيات في الامور الدينية مسألة ايصال الاصوات الى المواضع البعيدة بالوسائط من تليجراف لاسلكي او هوائي او تليفون او ميكروفون او نحوها من الوسائط التي تسمع الاصوات للمواضع القريبة والبعيدة. فنقول لا ريب ان الخبر الديني او الدنيوي متى صدر من المخبر المعتبر في ووصل الى المخبرين على اي وصف يكون فانه معتبر بشروطه. فكما انه اذا اخبر مخبر بالكلام المعتاد والصوت المعتاد الذي يسمعه من قرب منه عادة ثم قد يبعد فيحتاج الى رفع الصوت بحسبه وهو في الحالتين حكمه واحد فلا يقال ان المخبر اذا وهو بعيد عن مكان المخبر ولا يبلغه صوته المعتاد حتى يستعين على ذلك برفع الصوت ان رفع الصوت الذي يوصل الخبر من المكان الذي يبعد عن مكان التخاطب القريب عادة لا يقال انه غير معتبر. بل الحكم عند الناس كلهم واحد. كذلك اذا حدث وسائط تحمل الاسقام اصوات من المواضع البعيدة الى مواضع المخاطبين فالحكم في ذلك كالمكان القريب. ولا فرق بين المواضع البعيدة الى مواضع المخاطبين. ولا بين الوساطة الداخلية لايصال الصوت بالجهر والمكان المرتفع وبين الوساطة الخارجية كالالات الكهربائية لايصالها من بعيد. المسألة تصويرها وتصورها يغني عن الاستدلال عليها فيقال لمن اشتبه عليه الامر فيها وفي العمل بها ليس عندك دليل على منع الحكم لها. الا انه احدثت اسباب غير موجودة في الزمن السابق. وهذا لا يمنع العمل بها كما انه لم يمنع وجودها. فان كان كل احد يعلم علما يقين وصول الاصوات والمخاطبات بهذه المخترعات الجديدة. ولا يتوقف في ذلك ويبني على هذا الخبر ما يترتب عليه من مخبراته متى عرف قد عرف ان الاخبار بهذه الاسباب يفيد العلم بصدور الاخبارات من مصدرها الذي صدرت عنه صار المدار على ذلك المصدر. فان كان خبر رسميا من مصدر وثيق عمل به في امور الدين. كما يعمل به في امور الدنيا لان الشارع يقبل الصدق على اي وجه يكون. ولا يرد صدقا ولا حقا وهو من نعم الله على العباد اذ يحصل به الفائدة المطلوبة العامة والخاصة في اسرع وقت. ويتمكن به من العمل الصيام والفطر وثبوت جميع الاحكام حالا وتتلافى فيه الاخطار من وقتها وتحصل به المصالح وتدفع به المضار. وهي في هذه الاوقات للحكومات والامم تدخل في باب الضروريات والكماليات لكثرة منافعها. لذلك كان حكمها حكم ما يترتب عليها من المصالح الدينية او الدنيوية لان الوسائل لها احكام المقاصد. فما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. وما لا يتم المسنون الا به فهو مسنون. والكلام الذي يدفع بهذه الوسائل هو كلام حقه حق وباطله باطل. وحسنه حسن وقبيحه قبيح. لا فرق بين الكلام الصادر من مواضع شاسعة بالوسائط الراقية له الى ابعد مكان وبين الكلام الصادر من موضع قريب من متكلم تسمعه عادة. وقد تسمعه وتراه. السبيل واحد فمن صدق به بهذا وانكر ذاك فقد انكر الحسيات وخالف ما اتفق الناس عليه وتناقض اشد المناقضة فانه لابد ان يقبله في امور الدنيا فكيف كيف لا يقبله في امور الدين؟ الامر اوضح من ان يحتاج الى هذا التوضيح. ولكن المشتبه في امره يحتاج الى توضيح كامل. وتصوير اشياء حتى يفهمها. فاذا فهمها لم يتوقف في العمل بها. واذا لم يفهمها فقد فهمها غيره من الناس. فلا يجعل جهله بالامور انكارا لها ردا لما دلت عليه والله الموفق. المسألة الثالثة في ان سبع البدنة والبقرة تقدم مقام الشاة في باب الاضاحي في باب وفي باب الاهداء. اعلم ان الكلام في هذه المسألة يتحرر في فصلين. الفصل الاول في اجزاء الشاة عن سبع البدنة واجزاء سبع البدنة عن الشاة في الاضاحي والهدي والفدية. ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قد امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نشترك في الابل والبقر كل سبعة منا ببدنة. وقد اقام صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث سبع البدنة او سبع البقرة عن شاة. فلا يجزئ سبع الا عن واحد في الهدي والاضاحي. كما لا تجزئ الشاة فيهما الا عن واحد. وكما هو مقتضى الحديث فهو مذهب جمهور العلماء خلافا لطائفة من اهل العلم كاسحاق بن راهويه وغيره حيث قالوا ان البدنة تجزء عن عشرة وعن عشر شياه. وهذا هو المتقرر في اذهان اهل للعلم ولهذا ترجم المجد في المنتقى لهذه المسألة فقال باب جزاء البدنة والبقرة عن سبع شاة. ثم ذكر حديث جابر وحديث ابن عباس في ذلك فهذا الباب لا تجزئ فيه الشاة الكاملة عن اكثر من ضحية. ولا تجزئ فيه سبع البدنة او سبع البقرة كذلك عن اكثر من ضحية الفصل الثاني في اهداء الشاة او اهداء صبع البدنة لاكثر من واحد في الاضاحي. اذا تقرر في الفصل الاول ان النبي صلى الله عليه وسلم قام سبع البدنة او سبع البقرة عن شاه فقد ثبت انه صلى الله عليه وسلم ذبح كبشا. وقال هذا عن محمد وال محمد ثواب الكبش لنفسه واله الحي منهم والميت. كذلك لو ذبح بعيرا واهدى سبعه ضحية منه لنفسه ولوالديه وغيرهم وواصلهم ثوابه. كما ثواب الشاة اذا اهداها للمذكورين او غيرهم من غير فرق. ولم يفرق الشارع بين الشاة وبين سبع البدنة في الاضاحي. فاذا فرقنا لهما وقلن الشاة يجوز اهداؤها لاكثر من واحد. وسبع البدنة لا يجوز اهداؤها لاكثر من واحد. صار هذا الفرق لا دليل عليه بل هو مناقص للدليل. وقول من قال الشارع لم يجعل البدنة لاكثر من سبعة. فيقال له ايضا الشارع لم يجعل صبع الشاة لاكثر من سبعة. وهذا في باب الاجزاء كما تقدم في الفصل الاول. واما في باب الاهداء فالامر فيه واسع. كما ان هذا مقتضى الادلة الشرعية فهو منصوص فقهاء الحنابلة في عدة مواضع. الموضع الاول في اخر كتاب الجنائز. قالوا في كتبهم المختصرة والمطولة الاقناع والمنتهى والمقنع وشروحها وغيرها واي قربة فعلها المسلم واهداها او بعضها كنصفها وثلثيها وربعها لمسلم حي او ميت نفعه ذلك. ومثلوا بالصلاة والصيام والصدقات الحج والاضحية فمنهم من صرح بنفس هذه المسألة بالاضحية في هذا الموضع ومنهم من عمم بجميع القرب. وهذا نص صريح منهم ان من اهدى اضحية سواء كانت من الغنم او من الابل او من البقر او اهدى بعضها كالنصف والثلث والربع واقل من ذلك انه يصل الى المهدي اليه وينتفع به. فاذا قال في حياته هذه اضحية عني وعن والدي وذبحها من الغنم من البدن فحكمها واحد. وكذلك لو اهداها بعد وفاته جعلها في وصيته وامر ان ينفذ له اضحية له ولوالديه او غيرها جاز. سواء كانت شاة او سبع بقرة او بقرة. ومن قال ان ضحية الشاة تصل اليهم وضحية سبع البدنة والبقرة لا يصل فقد اتى بشيء من عنده وخالف الاصحاب كما خالف دليل السنة بغير في مستند شرعي الا ان يقول في هذا المقام ان الاضحية لا تطلق الا على الشاة واما سبع البدنة وسبع البقرة فلا يسمى اضحية هذا مخالف للنص والاجماع وهذا مما يبين لك ان قول الاصحاب في باب الاضحية والهدي وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة انها تكون سبعة اضاحي وانها في باب الاجزاء لا تجزئ الا عن سبعة كسبع الشياه. ليس مرادهم ان سبع البدنة والبقرة لا يهدى لاكثر من واحد لانه لو كان كذلك لتناقض كلامهم. ولكنه ولله الحمد متفق في الموضعين. ففي باب اجزاء الاضاحي يقال ان البدنات والبقر عن سبعة وانها سبع اضاحي لا اكثر. كما دل عليه النص الشرعي. وفي باب الاهداء يجوز اهداء سبعها لاكثر من واحد كما تهدى الشاة لاكثر من واحد مع انها اضحية واحدة لا تجزئ الا عن ضحية واحدة. فالواجب الفرق في البابين والا يخلط بين البابين فيختلط الامر على صاحبه. يوضح هذا انه لو اهدى صلاة واحدة او صيام يوم واحد او صدقة بدرهم واحد ونحوه لاكثر من واحد وصل اليه فما بال الاضحية لا تصل الا اذا كانت من الغنم؟ النظر الى كلامهم في هذا الموضع جزم بلا امتراء ان الطريق واحد في الاضاحي في كلها سواء كانت من الغنم او الابل او البقر. الموضع الثاني في باب جزاء الصيد. قال في المنتهى وشرحه والاقناع وشرحه وما قبلها وما بعدها من كتب الاصحاب في اخر باب جزاء الصيد وتجزئ البدنة والبقرة عن سبع شياه كعكسه. كما تجزئ سبع الشياة عن البدنة والبقرة وكلام غيره يوافقه فانظر رحمك الله هذه العبارة فانها تدل دلالة لا تقبل الاشتباه ان البدنة جميعها تجزئ عن سبع ياه فاذا تقرر ان سبع الشيات يجوز اهداؤها لاكثر من سبعة اشخاص فالبدنة والبقرة كذلك. وكما ان هذه العبارة تدل على جملة البدن والبقرة فانها تدل على سبعها من باب اولى. وان سبع كل منهما قائم مقام الشاة في كل شيء. ومن ذلك اهداؤها لاكثر من واحد لو كان هذا لا يجزئ لاستثناوه من هذا العموم. ويدل على قصدهم تعميم هذه العبارة في كل الحالات انه اتبعوها. قولهم ولو في جزاء اشارة الى الخلاف الذي في جزاء الصيد. بل قد ورد حديث بهذا اللفظ ترجم له صاحب المنتقى بالترجمة السابقة. وهو عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان علي بدنة وانا موسر بها ولا اجدها فاشتريها فامرت رواه النبي صلى الله عليه وسلم ان يبتاع سبع شياه. رواه الامام احمد وابن ماجة وكلامهم في هذا الموضع متفق على هذا المعنى. فمن ادعى استثناء شيء من هذا العموم فعليه الدليل وانى له ذلك. الموضع الثالث في الفدية. قالوا في الكتب المختصرات والمطولة في الدماء الواجبة والدم واجبي شاة جذع ضأن او انثى معز او سبع بدنة او سبع بقرة هذا ايضا صريح ان من وجب عليه دم سواء كان لواحد كنفسه او ابيه مثلا او لعدد كوصية واجبة فيها ضحية واجبة واحدة لعدة اشخاص انه يجزئ فيها احد الامور الثلاثة. شاة او سبع من بدنة او من بقرة وهذا واضح. الموضع الرابع كلامه في الوقف والوصايا. خرجوا بوجوب اتباع لفظ الموصي. فاذا قال الموصي في وصيته فيها ضحية لوالدي ووالديهم مثلا نظرنا عند تنفيذ هذه الوصية ما سمي الاضحية الشرعية. فنجد مسماها واحدا في ثلاثة اشياء شاة او صبعا من بدنة او من بقرة. فاذا نفذنا هذه الوصية على واحد منها كنا منفذين لوصية الموصي حسب اطلاق الشارع والعرف الجاري. وخرجنا من التبعة. ودعوى ان مثل هذه الوصية تختص بالشاة دون سبع البدنة والبقرة تحكم بلا دليل بل مخالف للدليل. وقد قال الشيخ شمس الدين بن ابي عمر في الشرح الكبير. ولا بأس ان يذبح الرجل عن اهل بيته شاة واحدة او او بقرة يضحي بها نص عليه احمد. وبه قال ما لك والليث والاوزاعي واسحاق. انتهى. فصرح ان البدنة والبقرة قابلة لاهدائها لاكثر من سبعة كالشاة. والمقصود انه لا يوجد حديث صحيح ولا ضعيف ولا قول احد من الصحابة ولا قول احد من الحنابلة ولا دليل يجب المصير اليه يمنع من وصول سبع البدنة وسبع البقرة اذا اهدي لاكثر من واحد. بل الادلة خلاف ذلك كما ذكرت وليس فتوى بعض المتأخرين استنادا على عبارة الاصحاب التي ذكرناها وهو قولهم وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة توجب جدار شيء مما تقدم كما تقدم بيانه والله اعلم. المسألة الرابعة في الوصايا التي فيها عدة اضاحي ومغلها لا يكفي الجميع وفي جميع الوصايا التي لا تكفي بضحية واحدة. اما من كان عنده وصية واحدة فيها عدة اضاحي ومغلها لا يكفي الجميع. فان كان بعضها مقدما على بعض بان قال الموصي مثلا فيها ضحية لفلان فان فاضوا لا فضحية اخرى لفلان. فيلزم تقديم ما قدمه ولو لم يبقى قليل متأخر شيء وان لم يصرح الموصي بتقديم احد على احد كما هو الغالب في الوصايا. والمغل لا يكفي الجميع فانه يضحي بما حصل من والضحية واحدة. وينويها عن جميع من عينهم الموصي في وصيتهم. لان هذا غرضه ومقصوده وانما عددها بناء على ان الريع يكفي لذلك اذا تبين عدم كفايته لم تعطل لقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. ولتحصيل مقصود الموصي ولوصول الاجر للمعينين كل عام. واما من عنده وصية فاكثر فيها اضاحي وريع كل واحدة لا يكفي لواحدة. فاذا جمعت الوصيتان في اضحية واحدة فالذي ارى ان يجمع ويشترى بمغلها ضحية واحدة. تنوى عن الجميع. وكل له من الثواب بقدر ما له فيها والله يعلم مقدار ما لكل من الوصيتين فيها. وذلك اننا اذا نظرنا الى مقصود اهل الوصايا وانه تنفذ وصاياهم كل عام. وكثير منهم صرحوا بهذا المقصود فيقول ينفذ منه كل عام كذا وكذا. ومن لم يصرح منهم فهو مراده كتنصيصهم على العدد. بناء على كفاية المغلي لما عينوه. فاذا تبين انه لا يكفي عملنا بمرادهم جميعا وجمعناها مع غيرها ونفذناها كل عام. ويكون لكل ما وصيته حرصا على تنفيذ الوصايا ونفع الاموات بحسب القدرة. قال تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره فهذا مأخذ قوي جدا. ويدل على ذلك ان جمع الوصايا التي لا تكفي بضحية واحدة اقرب الى تنفيذها وابعد من اهمالها وفي تركها حتى يكمل الريع بضحية كاملة وسيلة الى عدم التنفيذ. اما بموت او نسيان او عسرة او غيرها من الموانع الواقعة ما يدل على ذلك ان الوصايا يستحقها كل عام من يستحق مغلى وقفها. فاذا كانت لا تكفي حتى تضم مع غيرها صار ضمها سببا لوصول لكل مستحق الى حقه كل عام من غير اشتباه ولا منازعة. واذا بقيت عامين او ثلاثة او اكثر ثم بعد ذلك تمت وقد انتقل الوقف الموصى به لمن بعده ونفذت صار الاولون محرومين منها والاخرون قد اخذوا ما يستحقه غيرهم. اوقع في ذلك اشكالات ومناسبات نزاعات فحسمها وتنفيذها كل عام يحسم هذه المفاسد. ويؤيد ما ذكرنا ان الموصين ينصون في وصاياهم ويسمون ما يريدون تسميته من الخيرات وانه ينفذ كل عام. فنصهم عليها كل عام يوجب عدم التعطيل. كفت او لم تكف. ولذلك اذا قدروا من الخيرات المنفذة في الوصايا معينة من دراهم او طعام او ثياب او نحوها. فلم تكفي الوصية كل المعين نفذ الحاصل من الريع بحسب ذلك. فالاضحية كذلك قال في حاشية المنتهى على قوله في الظهار اذا عتق نصفي رقبتين اجزأ لان الاشخاص كالاشخاص. قوله كالاشخاص وكذا هدي واضحية وعقيقة. واشار عثمان الى ذلك في تصحيح الفروع. فعلى ما ذكره المحشي بالحاق المذكورات بالعتق بالتشقيص يدل على هذه المسألة وان الوصيتين اذا كان كل منهما لا يكفي الا نصف اضحية مثلا فجعلناهما وجمعناهما في واحدة اجزاء وحصل به المقصود والله اعلم. المسألة الخامسة سؤال عما جرت به عادة كثير من الناس عند الفراغ من الشرب. هنيئا ولمن قدم له غائب قرت عينك. وكذلك الالفاظ الجارية بين الناس في التهاني بالاعياد والنعم وغيرها. ويجيب الاخر بما يناسب الحال. اعلم ان هذه المسائل وما اشبهها مبنية على اصل عظيم نافع. هو ان الاصل في جميع العادات القولية والفعلية الاباحة والحلم فلا يكره منها ولا يحرم الا ما نهى الشارع عنه. او تضمن مفسدة شرعية. وهذا الاصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع كثيرة وذكره اهل العلم رحمهم الله. فهذه الصور المسؤول عنها وما يشبهها من هذا القبيل. فان الناس لم يقصدوا التعبد بها وانما هي عوائد فيما بينهم وخطابات واجوبة عنها في المناسبات جرت بينهم. لا محظور فيها، بل فيها مصلحة دعاء الناس بعضهم لبعض بدعاء مناسب تلك الاحوال وسبب ايضا للمحبة وتآلف القلوب وازالة الاحقاد والاحتقان كما هو مشاهد. فالمفسدة مفقودة والمصلحة موجودة اما الاجابة في هذه الاشياء وما اشبهها لمن ابتدأ بشيء من ذلك فالذي نرى انه تجب فيجيبه بالجواب المناسب مثل الاجوبة الجارية بينهم لان ذلك من العدل الواجب ولان ترك الاجابة يحدث البغضاء والعداوة. ثم اعلم انها هنا قاعدة حسنة وهي ان العادات المباحة قد يقترن بها من المصالح والمنافع ما يلحقها بالامور المحبوبة لله بحسب ما تثمره. كما انه قد يقترن ببعضها فمن المفاسد والمضار الدينية او الدنيوية ما يلحقها بالامور الممنوعة وامثلة ذلك كثيرة والله اعلم. المسألة السادسة هل الاولى الدخول في قبول الوكالات والوصايا ونظارة الوقف ام لا؟ الجواب وبالله التوفيق اختلف اهل العلم رحمهم الله في ذلك منهم من استحب الدخول فيها لما فيها من قضاء الحاجات واجابة من تعلق به وجبر خاطره ولما يترتب على تنفيذها بطرقها الشرعية من الاجر والثواب الذي يشارك فيه المباشر والمتسبب لذلك حتى ولو كان باجرة او دعالة. ومن العلماء من يستحب السلام منها والبعد عنها لما فيها من الاخطار وخوفا من تبعة الدخول فيها. اما بعدم قيام بالواجب او خوف فتنة الخيانة ولو بالمحاكمة ابات عند المعاوضات والتبرعات المتعلقة بها. والتحقيق في هذا التفصيل. وانه يختلف باختلاف المولين والمتولين. فمن كان يعلم من نفسه عدم الكفاءة او يخشى منها الخيانة او تشغله عما هو اهم منه قوي المنع في حقه. وقد يتعين عليه الامتناع ومن كان من نفسه الكفاءة وعدم الخيانة ولا تشغله عن امر هو اهم منها وكان الذي ادلى عليه بالوكالة او الوصاية ونحوها له حق واجب عليه ولم يجد غيره قوي في حقه الاستحباب والدخول فيها. وكذلك من كان يظن انه اذا تركها تولاها من لا يصلح لعدم كفاءة او يظن خيانته او لتصريفها في غير طرقها الشرعية فدخوله فيها في هذه الحال مستحب وقد يجب. وهذا النظر في جميع ولايات صغيرها وكبيرها ينبغي ان يلاحظ فيها ما يترتب على دخوله فيها من مصالح او مفاسد. فتتبع المصلحة حيث كانت والله اعلم. المسألة التاسعة اعلم ان اشد انواع الربا هو القلب المعروف عند الناس. الذي اذا حل على مدينه الدين قال له اما ان تقضي ديني واما ان تربي. وبهذا نظر قوله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة الاية وهذا الربا الصريح الذي لا يشك احد من المسلمين في تحريمه وانه من اكبر الاثم. وقد زين لكثير من المعاملين الشيطان في هذا هذا النوع ان يتحيلوا عليه بانواع من الحيل. حذرا من شناعة صورته الصريحة بامور. منها ان يحل ما له على مدينه والمدين ليس عنده ما يوفيه او عنده موجودات كالات الفلاحة وبهائمها. وهو لا يحب ان يبيع منها شيئا لحاجة عمله اليها. ويريد صاحب الدين ان يقلبه عليه فيقول له اذهب الى فلان فاستقرض منه ما توفيني اياه. فاذا حصل الوفاء بدينك فتوفي المقرض من ذلك. وقد الثلاثة على ذلك. وقد يقول صاحب الدين للمقرض اقرضه وانا ضامن لك. او يعلمه بصورة الحال. فيثق المقرض بصاحب الدين ولا شيئا ولكنه متواطئ على انه يقرض المدين. فاذا صحح عليه رد عليه قرضه. فهذه الامور كلها حيل قريبة لقلبك الدين والله اعلم. بل الناس يعلمون ان القرض المذكور على هذا الوجه ليس قرضا حقيقيا. وانما يتوسلون بصورته الى الربا. ولذلك لو طلب المدين من ذلك المحلل قرضا حقيقيا بذهب بدراهمه. ويستعملها في اغراضه ولوازمه لم يقرضه درهما واحدة. فهذا الذي يسمونه او قرضا انما هو صلة للتوسل للحرام. وجميع الادلة من الكتاب والسنة الدالة على تحريم الحيل على اسقاط الواجبات واستحلال المحرم تدل على تحريم مثل ذلك. ونصوص الائمة المحرمين للحيل تتناول هذا. وكذلك فقهاء الحنابلة وغيرهم قالوا تحرم جميع الحيل المتوسل بها الى المحرمات. وصورتها ان يظهر عقدا صورته صورة مباحة. ومعناه ومقصوده الحرام. وهذه الحيل المذكورة من اسهل الحيل. فكل احد يريد قلب الدين على مدينه الموسر والمعسر يقدر ان يتوسل الى مراده بهذه الطريقة التي يعلمها جميعا انها غير مقصودة فان الله تعالى اوجب انذار المعسر. وهذه تنافي ذلك. ومن انواع الحيل المحرمة في قلب الدين يتواطأ اثنان على معاملة ثالث وتديينه. فكلما حل عليه دين احدهما استدان من الاخر. وكفل الاول عليه لانه مستقر كن عندهما انه اذا حل دين الاخر عامله الاخر واستدان منه ما كفله. وليست هذه الكفالة الصحيحة التي يصححها الفقهاء. لانه لم يكفل الا بهذا الشرط المعروف بينهما. فهذا ربا صريح يتداوله الغريمان. ومن انواع الحيل القريبة المستعملة في قلب الدين انه مثلا اذا حل عليه مائة لا وفاء لها واراد ان يدينه ايضا مائة جعل مصلحة المائة الجديدة مضاعفة. فاذا كانت مثلا المصلحة عوض العشرة يجعله اثني عشر. جعل الجديدة عوض العشرة اربعة عشرة مثلا. مراعاة للمئة الحالة. والمدين يلتزم الاضطراره فالواجب على العبد ان يتقي الله في احواله كلها. ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب وان يكتفي بالحلال عن الحرام ولا يتحيل على محارم الله بادنى الحيل. ونسأل الله ان يعصمنا واخواننا المسلمين من كل شر انه جواد كريم