المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي رحمه الله نصيحة في الحث على التمسك بالدين وعلومه والتحذير من ضد ذلك. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا. من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. اما بعد اعظم الفروض على الاطلاق اهم الاصلاحات واكبر وسائل السعادة الدينية والدنيوية ما عاد الى اصلاح العقائد الصحيحة. توسل به الى حفظ الاخلاق الحميدة. وحفظ به الدين والدنيا فقامت به المصالح. واستقام به المجتمع. وذلك كله راجع الى طاعة الله وطاعة رسوله بالقيام بالاصول التي دل عليها الكتاب والسنة. وعرفت اثارها الحميدة وثمراتها العاجلة والاجلة المفيدة وذلك بالرجوع والتمسك باصول وقواعد واجب على كل احد معرفتها. والعمل بها والدعوة اليها اصلها واساسها محافظ الكيانها الايمان الصادق والصحيح بان تؤمن بان الله ربنا الذي اوجدنا من العدم وانعم علينا بجميع النعم في الظاهرة والباطنة ويسر لنا جميع ما ينفعنا في ديننا ودنيانا وصرف عنا جميع ما يضرنا وهيئنا لكل خير ونشكره شكرا صادقا بان نعترف بتوحيده وتفرده بكل كمال وبكل فضل ونعمة. ونعبده وحده لا شريك له ونخلص له اعماله واقوالنا وبالقيام بحقه وحقوق خلقه الواجبة والمستحبة. وبالقيام بالامرين تحصل الرحمة. والخير والصلاح كما قال تعالى واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون. فرتب الرحمة وهو حصول كل خير على طاعة الله ورسوله المتضمنة لعبادته وحده لا شريك له. والاحسان الى خلقه بالقيام بحقهم على اختلاف حقوقهم وتنوعها. بذلك الدين كما قال صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة. كررها ثلاثة. قالوا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه لرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم. فجعل صلى الله عليه وسلم الدين محصورا بهذه الامور الخمسة التي خير الدنيا والاخرة لانها تتضمن القيام بحق الله ومعرفته وعبادته. والقيام بحق رسوله وتقديم محبته وطاعته على كل احد. واتباعه ظاهرة وباطنة. والقيام بحق ولاة امور المسلمين وعاتهم بالنصح لهم. وان يحب لهم ما يحب لنفسه ويسعى في مصالحهم كما يسعى لمصلحة نفسه. بل قيامه بمصالحهم عائد الى نفسه بالخير والسعادة فانها لا تقوم الامور الخاصة الا بقيام الامور العامة. ولا تصلح الامور الجزئية الا بصلاح الامور الكلية. ولا يمكن ذلك الا بالاجتماع والتآلف والنصح بين الراعي والرعية. وكل واحد من هؤلاء راع ومسؤول عن رعيته. فالولاة عليهم القيام بما تطيعونه من العدل والرحمة والعناية والشفقة على رعيتهم. وعنايتهم بجميع ما ينفعهم ودفع ما يضرهم. والرعية لديها السمع والطاعة ومساعدة المتولين لهم على البر والتقوى. ولزوم طاعتهم وحث الناس على ذلك. والتحذير من غشهم الذي يعود عليهم وعلى غيرهم بالشرور المتنوعة. ولذلك حث الله ورسوله على لزوم طاعة ولاة الامور والنصح لهم. حذر من غشهم والقيام عليهم بما في ذلك من ضرر الدين والدنيا. وهو من اكبر سلاح الاعداء. فان الاعداء يسعون لاثارة الفتن بين المسلمين ميم واغراء الاغرار الذين لا خلاق لهم بذلك. واحداث الثورات المهينة للاسلام والمسلمين. وتبريرهم ذلك بطلب حقوقهم هذا محادة لله ولرسوله وخيانة للدين والبلاد والمجتمع. فالشارع يحث الناس على لزوم الطاعة والسكينة معه ابذل النصيحة ويأمر بالصبر على طاعة الولاة حتى ولو جاروا ولكنه يأمر بالصبر ويأمر مع ذلك بالنصيحة لولاة الامور لان هذا اصل الخير. وبذلك تندفع شرور كثيرة. واما الثورات والقدح في الولاة والسعي فيما يتفرع عن ذلك يترتب عليه شرور كثيرة. قد رأى الناس اثارها. لهذا حذر الشارع منها اعظم تحذير. ولا يسعى بذلك الا من لا دين له ولا خلق ولا انسانية وامانة بل ولا عقل صحيح. وان لم يكن معه دين فالعقل الصحيح يأمر بالمدافعة عن القوم والاحسان والاوطان وينهى عن كل ما ينافي ذلك. كما قال تعالى عن المنافقين. وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا فان هؤلاء المنافقين نصحوا باحد الامرين اما ان يكون لهم دين صحيح. فيقاتلوا سبيل الله. او يكون لهم انسانية وعقل فيدافعوا عن احسابهم. فمن لا دين له ولا عقل فهو اضل سبيلا من الانعام فكيف مع هذا اذا اعان اعداء الاسلام والمسلمين وانخدع بتغريرهم واغرائهم واطماعهم هذا اشد الناس جرما واعظمهم ظلما وابلغهم غيا وضلالا. لهذا يجب على المسلمين الحذر والتحذير ممن هذه صفته. وقمع شره بكل وسيلة والدين لا يقوم ولا يستقيم الا بالتعاليم الدينية الصحيحة. والتربية الاخلاقية. لهذا يجب العناية التامة في جميع المدارس والمعاهد والتعاليم بهذا الامر وجعله الاساس الاعظم وتعاهد اخلاق المعلمين والمتعلمين. فلهذا اثره الفعال في حسن نتائج التعليم وثمراتها الدينية والدنيوية. وتطبيق التعاليم الاخرى على الدين ومسايرتها لها وارتباطها بها ان الدين يهدي للتي هي اقوم والتي هي اصلح في كل وقت. فكل علم صحيح نافع في الدين او في الدنيا فان الدين يحث عليه ويأمر به والناس في هذا المقام ثلاثة اقسام. قسمان في طرفي نقيض وقد غلط اشد الغلط. احدهما من يظن بجهله وقلة بصيرته ان العلوم العصرية الكونية النافعة تنافي الدين وتقاومه. فيذمها ويذم من يشتغلون بها. وهذا من جهله وضع في بصيرته بل من جنايته على الدين وجنايته على من يستجيب له. ولو عرف الدين حقيقة لعلم ان من كماله وبراهين صدقه انه يدعو الى تعلم كل علم ينفع الناس في دينهم ودنياهم. ووجد من نصوص الكتاب والسنة على هذا الاصل شيئا كثيرا القسم الثاني من قبل جميع ما قيل انه علوم عصرية. خيرها وشرها نافعها وضارها. قد احسن ظنه بها وبمن جاء بها وساء ظنه بالدين الصحيح. ومن المعلوم لكل عاقل عارف ان الصحيح منها هي علوم الكون والصناعات والهندسة وما الى ذلك ذلك مما يدركه الفهم والعمل. اما امور الغيب فجعلها خاضعة لعلومها. فجعلها خاضعة لعلومهم اكبر الاغلاط فان امور الغيب لا سبيل الى معرفتها ومعرفة كونهها والى تفاصيلها. الا من جهة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. ومن خاض فيها من غير هذا الطريق بان جهله وضلاله. ولهذا كان الايمان بالغيب هو الايمان الصحيح النافع. فهم يحاولون في ان يدخلوا فيها امور الغيب التي لا سبيل لهم الى علمها. حتى باعتراف العارفين منهم. وعندما يدخلونها في علومهم علومهم قاصرة عنها بل لا تعرفها. فمن جهلهم وضلالهم ينكرونها ويصيبهم الالحاد وانكار الخالق والبعث والجزاء فمن قبل العلوم العصرية كلها ولم يميز بين صحيحها وباطلها اصابه الشر والالحاد من هذه الناحية وليس عنده معرفة في علوم الدين وبراهينه. فجهله بعلوم الدين واحسان ظنه بهذه العلوم. خيرها وشرها جعله بهذه المثابة وعرف الدين حقيقة المعرفة لميز به بين الامور النافعة من الضارة والصادقة من الكاذبة. ولعرف ان ما جاءت به الرسل من امور الغيب وغيرها هو الحق. الذي لا يمكن ان يقوم برهان على خلافه. ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. القسم الثالث هم اهل العلم والايمان الصحيح الذين قال الله فيهم. ويرى الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك هو الحق. ويهدي الى صراط العزيز الحميد. وقال سبحانه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل فقطن علم صحيح من علوم الغيب والشهادة ومن عقائد والاخلاق والاعمال والعلوم النافعة في الدين والدنيا يؤمنون بها ويعتقدون صحتها ويحثون عليها ويقولون ان علوم الشرع وعلوم الكون كلها من باب واحد كلها من عند الله. ومن اكبر نعمه على عباده. وكلها يقوي بعضها بعضا. ويمد بعضها بعضا. لا تتم علوم الشرع ما له الا بعلوم الكون واعماله بل هي وسائل لها ومنها وهي براهين وادلة عليها. قال تعالى سنريهم ايات في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق. الله ورسوله ارشدا الى كل وسيلة بها الى خير الدنيا والاخرة. فهذا القسم وفق لاصابة الصواب. وعلم ان علوم الكون تمد علوم الشرع وعلوم الشرع روح علوم الكون وعلم خطأ القسم الاول الذي قصر نظره على الجمع بين علوم الشرع وعلوم الكون. كما علم ان القسم الثاني اشد خطأ منه حيث اغتر بما علمه من علوم الكون والطبيعة حتى توصلت به الحال الى انكار علوم الشريعة المبنية على على البراهين اليقينية والحقائق الصادقة وانه قدم الظنون الخاصة والنظريات الوهمية على الامور اليقينية. فمن اعتصم بهذا الاصل ووفق لهذه البصيرة حصلت له البصيرة التامة وازداد ايمانه ويقينه وعلم ان كمال دين الاسلام واحكامه لم يدع لنا خيرا دينيا ولا دنيويا الا دل عليه. ولا شرا الا حذر منه ولا مصلحة وعلما صحيحا وعملا نافعا الا امر به وحث عليه كما قال تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا وقال سبحانه ومن اصدق من الله قيلا. وقال عز وجل ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون ثم من نعمة الله الكبرى على اهل هذه الجزيرة سلامتهم من البدع ولزومهم لمذهب السلف واعتقادهم الصحيح وسلامتهم من مذهب ماديين الملحدين وسعي حكومتهم الحثيث لهم في فتح المدارس المتنوعة والمعاهد والعناية بعلوم الدين واختيار اساتذتي من الوطنيين ومن خيرة الازهريين وغيرهم. وحرصهم على تعليمهم وهم في بلادهم حرصا على مصالحهم. وصونا عقائدهم عن الدخول في المدارس الاجنبية التي ضررها كبير على العقائد. بل وعلى الشعب والبلاد فان دخول التلاميذ وخصوصا الذين حين لا بصيرة لهم في هذه المدارس التي جل القصد منها الدعوة الى دينهم. والتشكيكات في عقائد الدين وملء اذهان التلاميذ من تعظيم رؤساء الملحدين واحتقار سلف الامة. فلا يزالون يغذونهم بهذه السموم المنتنة. حتى اذا رجعوا الى بلادهم صاروا عونا للاعداء حصل لهم وبهم من الشر ما لا يعد ولا يحصى. لهذا يتعين على كل احد ان يحذر غاية الحذر من الاغترار بهذه المدارس التي ضررها على الاسلام اكبر ضرر. وكيف يرضى من عنده مسكت من عقل ودين لولده وفلذة كبده ان يسلمه لمدارس اجنبية قد عرف عداؤها لدين الاسلام. بل لجميع الاديان تسلمه اليهم وهو خالي الذكر من التعاليم الدينية. الى هؤلاء الذين يحشون ذهنه بالالحاد والتشكيكات. والله يقول يا ايها الذين امنوا انفسكم واهليكم نارا. اي بتعليمهم للدين وتهذيب اخلاقهم. فمن لم يعلمهم التعاليم الدينية ولم يهذبهم الاخلاق المرضية انه لم يمتثل ما فرض الله عليه من جهتهم. فكيف مع هذا اذا سعى في تعليمهم العلوم الضارة والاخلاق الرذيلة فهذا من اعظم الناس جرما واقلهم دينا واكبرهم اثما. بل وكذلك من اضعفهم عقلا. فان الاولاد اكبر مغنم ومكسب للانسان. وهذا قد خسر اولاده خسارة لا تجبر. ربما احتقروا اباءهم واقاربهم. استكبروا عليهم وغيرهم فوجدوا نموذج اعمالهم في الدنيا قبل الاخرة. فويل لهم من الهتين وويل لهم مما اهملوهم من علوم الدين واعماله. وويل لهم من جنايتهم الكبرى اذ وضعوهم بين يدي اعداء الدين. يسلونهم منه سلة كالشعرة من العجين فما ظنك بطفل او ضعيف البصيرة اذا سلمه اهله ووضعوه بين يدي معلم قد علمت عداوة للدين وحرصه الشديد الى الدعوة الى مذهبه والحاده. والحامل لوليه على هذا وضعف الدين وضعف البصيرة مع الجهل الشديد ربما ظن بجهله انه بذلك ينال المراتب الدنيوية والوظائف العالية. وهذا جهل فاضح. فان الدنيوية ونحوها لا تتوقف على التعاليم بهذه المدارس. وكثيرا ما تكون حائلا عن ذلك كما كانت حائلا عن الدين ولو فرض وقدر حصول ما يأملون من نيل الوظائف فلا خير في مراتب لا تنال الا بذهاب الدين والاخلاق. فليتق الله العبد فان اولاده عنده امانات لا يحل له ان يضيعهم ولا يهملهم ولا يحل له ان يسعى في هلاك دينهم واخلاقهم ولينظر الى المعاهد الدينية والمدارس والتعاليم النافعة. فان فيها ولله الحمد غنية عن غيرها. وفيها سلامة لدين عبدي واخلاقه مع ما يحصل له من صلاح دنياه. فان الحكومة ولله الحمد قد وفقت لترقيتها وترقية تعاليمها واخلاقها وبذلت الاموال الكثيرة في ذلك. وشاهد الناس من ثمراتها الطيبة ما شاهدوه. فكيف ترتفع انظارهم الى غيرك وفيها من الاضرار الكثيرة ما اشرنا اليه