ويعدونهم كالعبيد والاجراء. فرأيت فيهم العز الذي بهرني. والتفنن الذي ادهشني. فقلت في نفسي لولا ان هؤلاء فان قومهم القوم وانهم على الحق والمسلمون على الباطل لما كانوا على هذا الوصف الذي ذكرت لك. فرأيت ان سلوكي المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله مقالات الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي يطبع لاول مرة تنويه تحتوي هذه المقالات على اثني عشر مقالة اخذت عشرات من هذه المقالات من كتاب مقالات كبار العلماء في الصحف السعودية القديمة سنة ثلاث واربعين وثلاثمائة والف من الهجرة الى سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة والف من الهجرة. جمع وترتيب احمد بن عبدالعزيز الجماز. وعبدالعزيز بن صالح الطويل. نشرة دار طيبة الخضراء. الطبعة الاولى سنة احدى وثلاثين واربعمائة والف من الهجرة. الموافق لسنة عشر الفين من الميلاد باستثناء المقالين الاخيرين. فقد حصلنا على الاول منهما من مجلة المنار المصرية عدد رجب سنة ست اربعين وثلاثمئة والف من الهجرة. وحصلنا على الثاني منهما من مجلة اليمامة في عددها الحادي عشر سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة والف من الهجرة وهو بعنوان محاورة بين مؤمن وملحد. وجدير بالذكر انه هو موضوع المقال الثاني من هذه المجموعة الذي هو بعنوان محاورة دينية اجتماعية. وقد اثرنا نشره لسببين. الاول انه به بعض الفروقات بينه وبين قال المذكور الثاني انه نشر في مجلة غير المجلة التي نشر فيها المقال الاخر. كما يجب التنويه بان هذا المقال الاخير كنا قد نشرناه في الطبعة الاولى في المجلد السادس العقيدة من صفحة ثلاث وثمانين الى صفحة تسعين بعنوان الرد على الزنادقة والقائلين بوحدة الوجود. ولما استحدثنا قسما للمقالات لم يكن موجودا في الطبعة الاولى. فقد ضممناه لهذا القسم وهو اخر مقال في هذه المجموعة. القرآن هو الفرقان. قال الله تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. وصف الله القرآن بهذا الوصف الجليل المطابق للواقع. فان الفرقان هو العلم النافع الصحيح. الذي الحقائق ويميز بين مراتب الاشياء المتباينات. قال تعالى يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقا اي علما ومعارف عظيمة نافعة يفرقون بها بين الامور النافعة والامور الضارة. فعلوم القرآن تعطي بها فرقانا يفرق بين الحق الصحيح وبين الباطل الفاسد. فانه وضح الحق والاصول والعقائد وبينها بطرقها وبرائها تهينها فبين التوحيد والرسالة والمعاد بيانا كافيا شافيا بادلتها وبراهينها التي لا تبقي شكا ولا ريبا ولا اشكال وابطل ما يضاد ذلك وينافيه ويعارضه بالبراهين الدالة على بطلانه. وفرق بين الصراط المستقيم المتضمن معرفة الحق والانقياد له. وبين السبل الاخرى وهي سبل المذاهب الباطلة والطرائق الفاسدة. واقام الادلة على فسادها شرعا وعقلا. وفرق بين اولياء الله بذكر صفاتهم وايمانهم واخلاقهم. واعمالهم الجميلة الصالحة. وبين اعداء الله بذكر انحراف عقائدهم وضلالهم وسوء مقاصدهم واخلاقهم الرذيلة واعمالهم الفاسدة. وفرق بين دين الحق الصحيح وهو دين الاسلام الذي يدعو الى الايمان بكل رسول ارسله الله وبكل كتاب انزله الله والا نفرق بين احد من رسله وبين شيء من كتبه بل نؤمن بالحق الذي نزلت به الكتب وارسلت به الرسل كلهم. فجمع الدين الاسلامي جميعا الاديان الصحيحة وقرر الحقائق كلها. وذكر انحراف من تناقض في دينه وايمانه فامن ببعض الرسل وبعض الكتب دون بعض واخبر انه بهذا الايمان المنحرف متناقض وان كفره ببعض الكتب وبعض الرسل يعود على ايمانه الذي زعمه به الابطال فان الرسل يصدق بعضهم بعضا. ويؤمن بعضهم ببعض. والكتب السماوية كذلك. وتكذيب بعضهم تكذيب للجميع. ولهذا قال تعالى عن هؤلاء الضالين الظالمين ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ويقولون ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا. اولئك هم الكافرون حقا. وقال تعالى امرا جميع الخلق قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما ماء انزل وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق فاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون. فبهذا الايمان الذي امر الله به الخلق كلهم جمع الحق كله. والدين الصحيح كله. واحتوى على اقرار جميع الحقائق الصادقة والحث على جميع العلوم النافعة والمعارف الصحيحة والاخلاق الجميلة والاعمال الصالحة المصلحة للدين والدنيا المصلحة للعقول والقلوب والارواح واحد الدين والدنيا والاخرة. واخبر تعالى ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم اي ازكى وافضل واكمل من العقائد والاخلاق والاعمال والعلوم والمعارف والصلاح المطلق والاصلاح والفلاح. وفرق ايضا بين الحلال والحرام والطيب والخبيث فامر واباح كل طيب نافع من الاقوال والافعال الظاهرة والباطنة. ومن المآكل والمشارب والملابس والمناكح والمعاملات والاستعمالات. فكل طيب نافع اباحه وامر به بحسب حاله. وكل خبيث ضار من هذه المذكورات منعه وحرمه وحذر الخلق عنه رحمة بهم في الامرين. فيما اباحه لنفعه وخيره وبركته. وفيما حرمه لضرره وشره. وفرق بين حق الله الخاص وهو الاعتراف بوحدانيته. وانه ليس له شريك في شيء من خصائص اوصافه. والقيام عبوديته على وجه الاخلاص والاحسان. وبين حق رسوله الخاص من التوقير والتعزيز والنصرة وتوابعها. وبين الحق مشترك وهو الايمان به وبرسوله ومحبته ومحبة رسوله وطاعته وطاعة رسوله فهذه لله اصلا ولرسوله تبع كما فرق بين حقوقه من العبادات كلها. وبين حقوق خلقه على اختلاف حقوقهم ومراتبهم من الوالدين والاولاد والاقارب والاصحاب والجيران وابناء السبيل. والمساكين والمعاملين والزوجات والازواج. فذكر حقوقها هؤلاء مجملة مفصلة حصل بها الفرقان بين من قام بها. استحق الثواب الجزيل. ومن اهملها او بعضها فاستحق من العقاب بحسب حاله وفرق بين الاموال التي تؤكل بحق. وهي الحاصلة بكل طريق مباح شرعي. وبين الاموال التي تؤكل بالباطل وبغير حق من المعاملات الفاسدة والميسر والاستيلاء عليها بغير حق. فذكرها موضحة مفصلة. وبين المواريث مستحقيها واحكام الانكحة وشروطها ومحرماتها. وحقوقها والطلاق والرجعة والعدد. وبين الجنايات على النفوس والاموات موالي وموجباتها وما يترتب عليها من الديات والضمانات. وفرق بين الايمان الصحيحة المنعقدة وبين غيرها من الايمان المحرمة او غير المنعقدة والنذور. وبين الاحكام والاقضية العادلة وطرقها وبيناتها ومتعلقاتها. وذكر ما ضاد ذلك وينافيه. وفرق بين العلوم النافعة التي تعين على الدين والدنيا وتنفع في العاجل والاجل فحث عليها وامر وبها وبين العلوم الضارة التي كلها ضرر او ضررها اكثر من نفعها. ونهى عنها وحذر منها. فما من علم نافع ومعرفة صحيحة وخلق جميل. وعمل صالح وسعي نافع الا بينه وحث عليه ونهى عن ضده. فلا بقي شيء يحتاج الى وتوضيح وفرقان الا كان هذا القرآن كفيلا ببيانه كافيا للمقبلين عليه ولا تزال علومه ميسرة متذكرين وكنوزه معدة للمتدبرين. واياته ظاهرة للعالمين. محاورة دينية اجتماعية هذه صورة محاورة بين رجلين كانا متصاحبين رفيقين مسلمين يدينان بالدين الحق ويشتغلان في طلب بالعلم جميعا. فغاب احدهما عن صاحبه مدة طويلة ثم التقيا فاذا هذا الغائب قد تغيرت احواله وتبدلت اخلاقه فسأله صاحبه عن ذلك فاذا هو قد تغلبت عليه دعاية الملحدين. الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به المرسلون فحاوله صاحبه وقلبه لعله يرجع عن هذا الانقلاب الغريب فاعيته الحيلة في ذلك وعرف ان ذلك عظيمة ومرض يفتقر الى استئصال الداء ومعالجته بانفع الدواء. وعرف ان ذلك متوقف على معرفة الاسباب حولت الطرق التي اوصلته الى هذه الحالة المخيفة والى فحصها وتمحيصها وتخليصها وتوضيحها ومقابلتها بما يضادها ويقمعها على وجه الحكمة والسداد. فقال لصاحبه مستكشفا له عن الحامل له على ذلك. يا اخي ما هذه الاسباب التي حملتك على هذا الرأي ما هذه الاسباب التي حملتك على ما ارى؟ وما الذي دعاك الى نبذ ما كنت عليه ان كان خيرا كنت انا وانت شريكين. وان كان غير ذلك فاعرف من عقلك ودينك وادبك. انني وانك لا نرضى ان نقيم على ما يضرك؟ فاجابه صاحبه قائلا لا اكتمك اني قد رأيت المسلمين على حالة لا يرضاها ذوي الهمم العلية. رأيتهم في جهل وذل وخمول وامورهم مدبرة واحوالهم سيئة واخلاقهم منحلة. وقد فقدوا رح الدين والدنيا جميعا رأيت في الجانب الاخر هؤلاء الاجانب قد ترقوا في هذه الحياة وتفننوا في الفنون الراقية والمخترعات العجيبة المدهشة صناعات المتفوقة رأيتهم قد دانت لهم الامم وخضعت لهم الرقاب. وصاروا يتحكمون في الامم الضعيفة بما شاء سبيلهم واقتداء بهم خير لي واحسن عاقبة. فهذا الذي سيرني الى ما رأيت. فقال له صاحبه حين ابدى ما كان اذا كان هذا هو السبب الذي حولك الى ما ارى. هذا ليس من الاسباب التي يبني عليها اولو الالباب والعقول عقائدهم واخلاقهم واعمالهم ومستقبل امرهم. فاسمع يا صديقي تمحيص هذا الامر الذي غرك وحقيقته ان تأخر المسلمين فيما ذكرت ليس ناشئا عن دينهم. فانه قد علم كل من له ادنى نظر وبصيرة. ان دين الاسلام يدعو الى الصلاح والاصلاح في امور الدين وفي امور الدنيا. ويحث على الاستعداد من تعلم العلوم والفنون النافعة. ويدعو الى تقوية القوة المعنوية والمادية لمقاومة الاعداء. والسلامة من شرهم واضرارهم. ولم يستفد احد منفعة دنيوية فضلا عن المنافع الدينية الا من هذا الدين وهذه تعاليمه وارشاداته قائمة لدينا تنادي اهلها. هلم الى الاشتغال بجميع الاسباب التي تعليكم وترقيكم في دينكم ودنياكم. افا بتفريط المسلمين تحتج على الدين؟ ان هذا لهو الظلم المبين اليس من قصور النظر ومن الهوى والتعصب؟ النظر في احوال المسلمين في هذه الاوقات التي تدهورت فيها علومهم واعمالهم اعمالهم واخلاقهم وفقدوا فيها جميع مقومات دينهم. وترك النظر اليهم في زهرة الاسلام والدين. وترك النظر اليهم في زهرة الاسلام والدين في الصدر الاول. حيث كانوا قائمين بالدين. مستقيمين على الدين. سالكين كل طريق يدعو اليه الدين فارتقت اخلاقهم واعمالهم حتى بلغت مبلغا ما وصل اليه ولن يصل اليه احد من الاولين والاخرين. ودان لهم الدنيا من مشارقها الى مغاربها. وخضعت لهم اقوى الامم. وذلك بالدين الحق والعدل والحكمة والرحمة. وبالاوصاف في الجميلة التي كانوا عليها اليس ضعف المسلمين في هذه الاوقات يوجب لاهل البصائر والنجدة منهم ان يكون جدهم ونشاطهم وجهادهم الاكبر متضاعفا. ويقوموا بكل ما في وسعهم. لينالوا المقامات الشامخة. ولينجوا من الهوة العميقة التي وقعوا فيها اليس هذا من افرض الفرائض والزم اللازمات في هذا الحال؟ الجهاد في حال قوة المسلمين وكثرة المشاركين في له فضل عظيم يفوق سائر العبادات. فكيف اذا كانوا على هذه الحالة التي وصفت فان الجهاد لا يمكن التعبير عن فضائله وثمراته. ففي هذه الحال يكون الجهاد على قسمين. احدهما السعي في تقويم المسلمين وايقاظ هممهم. وبعث عزابهم وتعليمهم العلوم النافعة وتهذيبهم بالاخلاق الراقية. وهذا اشق الامرين وهو انفعهما وافضلهما. والثاني السعي في مقاومة الاعداء واعداد جميع العدد القولية والفعلية والسياسية الداخلية والخارجية لمناوئتهم من شرهم. افحين صار الامر على هذا الوصف الذي ذكرت وصار الموقف حرجا تتخلى عن اخوانك المسلمين وتتخلف مع الجبناء والمخالفين. فكيف مع ذلك تنضم الى حزب المحاربين؟ الله الله يا اخي لا تكن اقل ممن قيل فيهم. تعالوا فلو قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا. قاتلوا لاجل دينكم او ادفعوا لاجل قومكم ووطنكم. لا تكن مثل هؤلاء المنافقين فاعيذك يا اخي من هذه الحال التي لا يرضاها اهل الديانات ولا اهل النجدات والمروءات. فهل ترضى ان تشارك قومك في حال وقوة عددهم وعنصرهم وتفارقهم في حال ذلهم ومصائبهم وتخاذلهم في وقت اشتدت فيه الضرورة الى سورة الاولياء ورد عدوان الاعداء. هل رأيت قوما خيرا من قومك او شاهدت دينا افضل من دينك؟ فقال المنصوح الامر هو ما ذكرت لك ونفسي تتوق الى اولئك الاقوام الذين اتقنوا الفنون والصناعات وترقوا في هذه الحياة. فقال له صاحبه وهو هو يحاوره رفضت دينا قيما كامل القواعد ثابت الاركان. مشرق البرهان يدعو الى كل خير ويحث على السعادة والفلاح ويقول لاهله هلم الى كل صلاح واصلاح والى كل خير ونجاح. واسلكوا كل طريق يوصلكم الى السعادة الدنيوية والاخروية. دين مبني على الحضارة الراقية الصحيحة التي بنيت على العدل والتوحيد. واسست على الرحمة والحكمة والعلم والشفقة واداء الحقوق الواجبة والمستحبة. وسلمت من الظلم والجشع والاخلاق السافلة. وشملت بظلها الظليل واحسانها الطويل وخيرها الشامل وبهائها الكامل ما بين المشارق والمغارب. واقر بذلك الموافق والمنصف المخالف. اتتركها راضية في حضارات ومدنيات مبنية على الكفر والالحاد. مؤسسة على الطمع والجشع والقسوة وظلم العباد. فقدت لروح الايمان ورحمته عادمة لنور العلم وحكمته. حضارة ظاهرها مزخرف مزوق وباطنها خراب. وتظن تعمر الموجود وهي في الحقيقة مآلها الهلاك والتدمير. الم تر اثارها في هذه الاوقات وما احتوت عليه من الافات والويلات وما جلبته للخلائق من الهلاك والفناء والتدمير. فهل سمع الخلق منذ اوجدهم الله لهذه المجازر البشرية التي انتهت اليها شوط هذه الحضارة نظيرا او مثيلا. فهل سمع الخلق منذ اوجدهم الله بهذه المجازر البشرية التي انتهى اليها فيها شوط هذه الحضارة نظيرا او مثيلا. فهل اغنت عنهم مدنيتهم وحضارتهم من عذاب الله من شيء. لما جاء امر ربك وما زادتهم غير تدبيب. فلا يخدعنك ما ترى من المناظر المزخرفة والاقوال المموهة والدعاوى الطويلة العريضة. وانظر الى الى بواطن الامور وحقائقها. ولا يغرنك ظواهرها. وتأمل النتائج الوخيمة والثمرات الذميمة. فهل اسعدتهم هذه الحضارة في دنياهم التي لا حياة لهم يرجون غيرها. اما تراهم ينتقلون من شر الى شرور ولا يسكنون في وقت الا الا وهم يتحفزون الى شرور فظيعة ومجازر عظيمة. فالقوة والمدنية والحضارة والمادة بانواعها اذا خلت من الدين ان الحق فهذه طبيعتها. وهذه ثمراتها وويلاتها. ليس لها اصول وقواعد نافعة. ولا لها غايات صالحة ثم هب انهم متعوا في حياتهم واستدرجوا فيها بالعز والرئاسة ومظاهر القوة والحياة. فهل اذا انحزت اليهم وواليت يشركونك في حياتهم ويجعلونك كابناء قومهم كلا والله انهم اذا رضوا عنك جعلوك من ارذل خدامهم واية ذلك انك في ليلك ونهارك تكدح في خدمتهم وتتكلم وتجادل وتخاصم على حسابهم. ولم ترهم رفعوك حتى ساووا معك ادنى قومهم وبني جنسهم. فالله الله يا اخي في دينك وفي مروءتك واخلاقك وادبك. الله الله ففي بقية رمقك فالانضمام الى هؤلاء والله هو الهلاك. فقال له المنصوح لقد صدقت فيما قلت ولكن لي على هذا مذهب اصحاب مثقفون. ولي على هذا الرأي شبيبة مهذبون. قد تعاقدت معهم على التمسك بالالحاد واحتقار متمسكين بدين رب العباد قد اخذنا نصيبا وافرا من اللذات. واستبحنا ما تدعو اليه النفوس من اصناف الشهوات. فان ليبيا في مقاطعة هؤلاء السادة الغرر. وكيف لي بمباينتهم وقد اتصلت بهم غاية الاتصال. فالان يتنازعني داعيان داعي الحق بعدما بان لي سبيله واتضح دليله وداعي النفس والاتصال بهؤلاء الاصحاب المنافي للحق غاية المنافاة فكيف الطريق الذي يريحني ويشفيني؟ وما الذي عن هذا الامر يسليني؟ فقال له صاحبه الناصح الم تعلم ان من اوجب الواجبات واكبر فضائل الرجل اللبيب. ان يتبع الحق الذي تبين له ويدع ما هو فيه من الباطل. وخصوصا عند المنازعات النفسية والاغراض الدنيوية وان الموفق اذا وقع في المهالك طلب الوسيلة الى تحصيل الاسباب المنجية. اما علمت ان من نعمة الله على عبد ان يقيض له الناصحين الذين يرشدونه الى الخير ويأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر ويسعون في سعادته وفلاحه ثم من تمام هذه النعمة ان يوفق لطاعتهم ولا يتشبه بمن قال الله فيهم ولكن لا تحبون ثم اعلم انه ربما كان الانسان اذا ذاق مذهب المنحرفين وشاهد ما فيه من الغي والضلال. ثم تراجع الى الحق الذي هو وحبيب القلوب كان اعظم لوقعه واكبر لنفعه فارجع الى الحق صادقا. وثق بوعد الله ان الله لا يخلف الميعاد وقال المنصوح لا يخفى عليك يا اخي ان الباطل اذا دخل في القلوب وتمكن منها لا يخرج بسهولة. فاريد ان توضح لي تاما بطلان ما عليه هؤلاء الملحدون. فانهم يقيمون الشبه المتنوعة. في ترويج قولهم ليغتر به من لا بصيرة له. فقال له الناصح اعلم ان الحق والباطل متقابلان. وان الخير والشر متنافيان. وبمعرفة واحد من الضدين يظهر حسن الاخر او قبحه فانبئك على وجه الاجمال والتنبيه اللطيف. اذا اردت ان تقابل بين الاشياء المتباينات فانظر الى الذي اسست عليه والى قواعدها التي انبنت عليها. وانظر الى اثارها ونتائجها وثمراتها المتفرعة عنها. وانظر الى ادلتها وبراهينها التي بها ثبتت. وانظر الى ما تحتوي وتشتمل عليه من الصلاح والمنافع. ومن المفاسد والمضار. فعند اذا نظرت لهذه الامور بفهم صحيح. وعقل رجيح ظهر لك الامر عيانا. فاذا عرفت هذه الاصول فهذا الدين الحق الذي دعت اليه الرسل عموما. وخاتمهم وامامهم محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا. قد بني واسس على التوحيد والتأله الله وحده لا شريك له حبا وخوفا ورجاء واخلاصا وانقيادا. وازعانا لربوبيته واستسلاما لعبوديته. قد دل على هذا الاصل الذي هو اكبر جميع اصول الادلة العقلية والفطرية. ودلت عليه جميع الكتب السماوية فقرره جميع وقرره جميع الانبياء والمرسلين واتباعهم من اهل العلوم الراسخة والالباب الرزينة والاخلاق العالية والاداب السامية. كل اولئك اتفقوا على ان الله منفرد بالوحدانية. منعوت بكل صفة كمال. موصوف بغاية الجلال والعظمة والكبرياء والجمال. وانه رب لشيء ومليكه وانه الخالق الرازق المدبر لجميع الامور. وانه منزه عن كل صفة نقص وعن مماثلة المخلوقين وانه لا يستحق العبادة والحمد والثناء والشكر الا هو. فالدين الاسلامي على هذا الاصل اسس وعليه قام واستقام. واما عليه اهل الالحاد فانه ينافي هذا الاصل غاية المنافاة. انه مبني على انكار البارئ رأسا. فضلا عن الاعتراف له بالكمال عن القيام باوجب الواجبات وافرد الفروض وهو عبوديته وحده لا شريك له. فاهل هذا المذهب اعظم الخلق مكابرة وانكارا. لاظهر الاشياء واوضحها. فمن انكر الله فبأي شيء يعترف. فباي حديث بعد الله واياته يؤمنون. وهؤلاء ابعد الناس تاسعا عبودية الله والانابة اليه. وعن التخلق بالاخلاق الفاضلة التي تدعو اليها الشرائع وتخضع لها العقول الصحيحة ومع قلوبهم من توحيد الله والايمان به وتوابع ذلك. فهم اجهل الناس واقلهم بصيرة ومعرفة بشريعة الاسلام. واصول الدين دين وفروعه فتجدهم يكتبون ويتكلمون ويدعون لانفسهم من العلم والمعرفة والثقافة واليقين ما لا يصل اليه اكابر العلماء ولو طلب من احدهم ان يتكلم عن اصل من اصول الدين العظيمة الذي لا يسع احدا جهله او على حكم من الاحكام في العبادات والانكحة لظهر عجزه. ولم يصل الى ما وصل اليه كثير من صغار طلبة العلم الشرعي. فكيف يثق العاقل فضلا عن المؤمن اقوالهم عن الدين فاقوالهم في مسائل الدين لا قيمة لها اصلا. ولو صبرت حاصل ما عليه رؤساؤهم لرأيتهم قد اشتغلوا بشيء يسير من علوم العربية وترددوا في قراءة الصحف التي على مشربهم. وتمرنوا على الكلام الذي من جنس اساليب كثير من هذه الصحف الرديئة الساقطة فظنوا بانفسهم وظن بهم اتباعهم الاطلاع بالمعارف والعلوم. فهذا اسمى ما يصلون اليه في العلم. اما الاخلاق فلا تسأل عن اخلاق من لا يؤمن بالله ولا باليوم الاخر. ولا يعتقد الاديان الصحيحة فان الاخلاق نتائج الاعتقادات الصحيحة والفاسدة غاية ما عند هؤلاء التملق القولي والفعلي والخضوع الكاذب للمخلوقين. وهم مع هذا الخضوع السافل تجد عندهم من العجب كبر واحتقار الخلق والاستنكاف عن مخالطة من يستنقصونهم شيئا كثيرا. فهم اوضع خلق الله واعظمهم كبرا وتيها ثم انهم يستعينون على هذا الخلق المسمى عندهم بالثقافة بالتصنع والتجمل بالملابس والفرش والزخارف ويفننون كثيرا من اوقاتهم بذلك وقلوبهم خراب خالية من الهدى والاخلاق الجميلة. فالجمال الظاهر الباطن ماذا يغني عن الجمال الحقيقي ثم اذا لاحظت غاياتهم ومقاصدهم فاذا هي اغراض دنية ومقاصد سفلية ومطامع شخصية. واذا صبرت احوالهم رأيتهم اذا اجتمعوا تظنهم اصدقاء مجتمعين. فاذا افترقوا فهم الاعداء تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بانهم قوم لا يعقلون. وما وصفت لك من احوالهم وانت تعرف ذلك قليل من كثير. فكيف ترضى ان يكون هؤلاء واصدقاءك ترضى لرضاهم وتسخط لسخطهم. وتقدمهم على حظوظك الحقيقية وسعادتك الابدية. فانظر الى صفاتهم نظر التحقيق والانصاف وقارن بينها وبين نعوت البررة الاخيار. الذين امتلأت قلوبهم من محبة الله والانابة اليه. والايمان واخلاص العمل لاجله. وفاضت السنتهم بذكر الله والثناء عليه. واشتغلت جوارحهم في كل وسيلة تقربهم الى الله. وتدنيهم من رضوانه وثوابه ونفع الخلق. اشجع الناس قلوبا واصدقهم قولا واطهرهم اخلاقا وازكاهم عملا. اقربهم الى كل خير وابعدهم من كل شر يكفون عن الخلق الاذى ويبذلون لهم الندى ويصبرون منهم على الاذى. افتقدم على هؤلاء الانبياء حجاب الغرر من ملئت قلوبهم من الشك والنفاق وفاضت على ظاهرهم فاكتسوا لذلك ارذل الاخلاق. يقومون بالنفاق والرياء اقعدون بالتملق والاعجاب والكبرياء. وصفهم القسوة والطمع والجشع. ونعتهم الكذب والغش والبهرجة والخنوع. قد احسانهم لكل مخلوق. اتصفوا بكل فسوق. وقد خضعوا في بحوثهم العلمية لكل مارق وتبعوا في اخلاقهم كل رذيل وفاسق. قال المنصوح والله ما تعديت في وصفهم مثقال ذرة ولكني اريد ان تدلني على طريق يجمع بين السعادة دنيوية والسعادة الاخروية. لان نفوس من تربى وتخلق باخلاق هؤلاء لا ترجع عما الفته الا بامر قوي. اما وهوى يجذبها واما بترهيب وخوف يقمعها. فقال له صاحبه الناصح والله لقد ادركت في هذا الدين مطلوبك فيه والله كل مرادك ومرغوبك فانه الدين الذي جمع بين سعادة الدنيا والاخرة. وفيه اللذات القلبية والروحية والجسدية ولا تفقد من مطالب النفوس الحقيقية شيئا الا ادركته ولا من انواع المسرات شيئا الا حصلته ففيه ما تشتهيه الان وتلذ الاعين. وساوضح لك ذلك. فاعلم ان اصول اللذات المطلوبة اولا راحة القلب وسكونها وطمأنينتها صحتها وبهجتها وزوال همومها وغمومها. ثانيا القناعة والطمأنينة بما اوتيه العبد من المطالب الجسدية. الثالثة استعمال ذلك على وجه يحصل به السرور والاغتباط. فهذه الامور الثلاثة من رزقها واستعملها على وجهها. فقد نال كل ما يتنافس فيه المتنافسون وادرك كل ما تعلق به طمع الطامعين. فان جميع اللذات ترجع الى ما ذكرنا. فاما لذات القلوب وحصول سرورها وزوال كدرها. فانما اصل ذلك الايمان التام بما دعا الله عباده الى الايمان به من الايمان بتوحده بجميع نعوت الكمال وامتلاء القلب من تعظيمه واجلاله ومن التأله له وعبوديته والانابة اليه واخلاص العمل الظاهر والباطن لوجهه الاعلى. وما يتبع ذلك من النصح لعباد الله ومحبة الخير لهم. وبذل المقدور من نفعهم والاحسان اليهم والاكثار من ذكر الله والاستغفار والتوبة. فمن اوتي هذه الامور فقد حصل لقلبه من الهداية والرحمة والنور والسرور وزوال الاكدار والهموم والغموم. ما هو نموذج من نعيم الاخرة. واهل هذا الشأن لا يغبطون ارباب الدنيا والملوك على ورئاساتهم بل يرون ما اعطوه من هذه الامور يفوق ما اعطيه هؤلاء باضعاف مضاعفة. وهذا النعيم القلبي لا يعرفه حق المعرفة الا من ذاقه وجربه. فانه كما قيل من ذاق طعم نعيم القوم يدريه ومن دراه غدا بالروح يشريه. فهذه اشارة لطريق هذا النعيم القلبي الذي هو اصل كل نعيم. واما الامر الثاني فان الله اعطى القوة والصحة وما يتبع ذلك من مال واهل وولد وخول وغيرها. والناس بالنسبة لهذه الاشياء نوعان قسم صارت هذه النعم في حقهم محنا ونقما. وقسم صارت في حقهم نعما وخيرات ومنحا. اما اهل الدين الحقيقي فقد قابلوا هذه النعم وتلقوها على وجه الشكر لله والاغتباط بفضله. وتناولوها على وجه الاستعانة بها على طاعة المنعم. وعلموا انها من اكبر الوسائل لهم الى رضا ربهم وخيره وثوابه. اذا استعملوها فيما هيئت له وخلقت له. وقد رضوا بها عن الله كل الرضا فان فهم علموا انها من عند الله الذي له الحكمة التامة في جميع اقضيته واقداره. وله الرحمة الواسعة في جميع تدابيره. وله النعمة في كل عطاياه وهو ارحم بهم من الخلق اجمعين. فحيث علموا العلم اليقيني صدورها ممن هذا شأنه قنعوا بما اعطوه منها من قليل وكثير كل القناعة وسكنت قلوبهم عن التطلع والتطلب لما لم يقدر لهم. ومتى حصلت طمأنينة والقناعة والرضا عن الله بما اعطى. فقد حصلت الحياة الطيبة. فاذا ادركت حق الادراك نعتهم هذا عرفت ان نعيم الدنيا هي في الحقيقة هو نعيم القناعة برزق الله وطمأنينة القلوب بذكر الله وطاعته. ان الواحد من هؤلاء لو لم يكن عنده من هذه وهي القوة والصحة والمال والاهل والولد وتوابع ذلك الا الشيء القليل. لكان في راحة وسرور من جهتين. جهة القناعة تطلع النفس وتشوفها للامور التي لم تحصل. وجهة ما ترجوه من ثواب الله العاجل والاجل على هذه العبادة القلبية التي تزيد على كثير من العبادات البدنية فان التعبد لله بمعرفة نعمه والاعتراف بها والرضا بها والرجاء لله ان ويتمها ويجعلها وسيلة الى نعم اخرى. وان يجعلها طريقا للسعادة الابدية. لا ريب ان هذه الاحوال القلبية من افضل الطاعات واجل القربات. فكم بين سرور هذا الذي تعبد بروح الدين وحصلت له الحياة الطيبة وبين من تلقى النعم بالغفلة وعدم الاعتراف بنعمة المنعم. وشقي بهمومها وغمومها. وكان اذا حصل له شيء من مطالب النفوس يرض به بل تشوف الى غيره فتطلع لسواه. فهذا يتنقل من كدر الى كدر اخر. لان قلبه تعلق تعلقا شديدا بمطالب الجسد فحيث جاءت على خلاف ما يؤمله ويريده قلق اشد القلق. وهو لا يزال في قلق مستمر. لان المطالب نفسية متنوعة جدا. فلو وافقه واحد لم يوافقه الاخر ولو ارضاه واحد كدره الاخر. وربما اجتمع في الشيء الواحد سرور من وجه وحزن من وجه اخر. فصفه ممزوج بكدره وسروره مختلط بحزنه. فاين الحياة الطيبة هذا وانما الحياة الطيبة لارباب البصائر والحجى. الذين يتلقونها كلها بالقبول والقناعة والرضا. واما الامر الثالث وهو جهة استعمال هذه النعم فصاحب الدين الصحيح يتناولها على وجه الشكر لله على نعمه والفرح بفضله وينوي بها التقوي على ما خلق له من عبادة الله وطاعته وينفقها محتسبا بها رضا الله وفضله وخلفه العاجل والاجل. ويعلم انه اذا انفق على نفسه واهله او ولده او من يتصل به فانما نفقته صادفت محلها. ووقعت موقعها فلم يتثاقل كثرة النفقة في هذا الطريق بانه يقول معتقدا هذا اولى مما بذلت فيه مالي. وهذا الزم ما قمت به من الواجبات والفروض. وهذا خير ما قمت به من المستحبات. وهذا اعظم ما ارجو له الخلف من الله. حيث يقول وهو الكريم الوفي. وما انفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين. ولا يزال نصب عينيه احتساب الاجر في سعيه بكسبه وفي مصرفه في اجناس ذلك وانواعه وافراده متفطنا لقوله صلى الله عليه وسلم على انك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت عليها حتى ما تجعله في في امرأتك. فمن كان هذا وصفه فان لذاته الدنيوية التي هي اللذات الحقيقية السالمة من الاكدار مهما يرجو من الثواب العاجل والاجل من الله. ومن كانت هذه صفته سهل عليه الاخذ من حلها ووضعها في محلها ويسرت له اموره غاية التيسير. واما من استعمل هذه النعم على وجه الشره والغفلة ولم يفكر في الاعتراف بفضل الله في كل الاوقات وبنعم الله ولم يفرح بالنعم لانها من فضل الله بل فرح بها فقط لموافقة غرضه النفسي. ولكن نوى بها الاستعانة على طاعة الله ولاحتسب في نيلها وصرفها على المنفق عليهم الاجر والثواب. فمن كان هذا وصفه فان الكدر والحزن له بالمرصاد فانه اذا فاتته بعض الشهوات النفسية حزن. وان ادرك ما ادركه منها ولم يكن على ما في خاطره من كل وجه حزن. وان اراد منه ولده ومن يتصل به نفقة او كسوة واجبة او مستحبة حزن. ولم تخرج منه الا الا بشق الانفس وان خرجت منه خرجت معها بضعة من سرور قلبه لانه يحب بقاء ما له ويحزن لنقصه على اي وجه كان وليس عنده من الاحتساب ما يهون عليه الامر. هذا ان كان غير بخيل. فان كان شحيح النفس مطبوعا على البخل. فان مع اولاده واهله والمتصلين به حياة شقاء وعذاب واكدار متواصلة واحزان مستمرة. لا ايمان عنده هونوا عليه النفقات ولا نفس سخية لا تستعصي على نيل المكرمات. فيا له من عذاب حاضر وعذاب مستمر. فاين هذا من ذاك الذي حصلت له الحياة الطيبة باكملها. هذا كله بالنظر الى هذه الامور الثلاثة التي هي اصل اللذات عند العقلاء. قد اتضح لنا ان صاحب الايمان الصحيح هو الذي فاز باللذات الحقيقية وسلم من المكدرات. ثم اذا عطفنا النظر الى الطوارئ البشرية التي لا بد لكل عبد منها وهي المصيبات التي تعتري العباد من الامراض المتنوعة وموت الاحبة وفقد الاموال ونقصها ووقوع كارهي بمن تحب وزوال المحاب وغيرها من انواع المصائب دقيقها وجليلها. رأيت المؤمن حقا قد تلقاها بقوة صبر واحتساب. وقد قام لها بارتقاء الاجر والثواب. وعلم انها تقدير العزيز العليم. وانها اقضيته صدرت من الرب الرحيم فهان عليه امرها وخفت عليه وطأتها. فانه اذا فكر فيما فيها من الالام الشاقة قابلها بما تتضمنه من تكفير السيئات وتكثير الحسنات ورفعة الدرجات والتخلق باخلاق الكرام والقوة والشجاعة. واذا انهكت بدنه وماله رآها مصلحة لقلبه وروحه فان صلاح القلوب بالشكر لله على نعمائه والصبر على بلائه وانتظار الفرج من الله اذا المت الملمات واللجوء الى الله عند جميع المزعجات والمقلقات فاقل الاحوال عند هذا المؤمن ان تتقابل عنده المصائب والمحاب والافراح والاتراك وقد تصل الحال بخواص المؤمنين الى ان افراحهم ومسراتهم عند المصيبات تزيد على ما يحصل فيها من الحزن والكدر جبلت عليه النفوس. فاين هذه الحال من حال من تلقى المصيبات التي لابد للخلق منها بقلب منزعج مرعوب وخشعت المهينة لما فيها من الشدائد والكروب. فبقيت الحسرات تنتاب قلبه وروحه. وزادت مصائب قلبه على مصائب بدنه ليس عنده من الصبر وارتقاب الثواب ما يخفف عنه الاحزان. ولا من الايمان ما يهون عنه الاشجان. تعتريه المصائب فلا تجد عنده ما يخففها فتعمل عملها في قلبه وروحه وبدنه واحواله كلها. القلب مليء من الهم والغم والالم. والخوف السابق واللاحق قد ملأ نفسه فانحل لذلك لبه وانحطم. وقد ضعف توكله على الله غاية الضعف. حتى صار قلبه يتعلق بمن يرجو نفعه من المخلوقين. فيا لها من مصائب دنيوية اتصلت بالمصائب الدينية والخلقية. وتراكم بعضها فوق وبعض حتى صار عنده اعظم من الجبال الرواسي. فوالله لو علم اهل البلاء والمصائب بما في الايمان والروح والتسلية والحياة طيبة لسارعوا اليه ولو في هذه الحال التي هم فيها مضطرون الى ما يخفف عنهم الامها. ولا يجدونه الا في الايمان الصحيح حقيقي وما يدعو اليه ومما يتعلق به سرور الحياة ونعيمها او همها وغمها. معاشرة الخلق على اختلاف طبقاتهم فمن عاشرهم بما يدعو اليه الدين استراح. ومن عاشرهم بحسب ما تدعو اليه الاغراض النفسية. فلابد ان يكون عيشه كدرا منغصة وتوضيح ذلك ان الناس ثلاثة اصناف رئيس ومرؤوس ونظير. اما من له رئاسة حكم او ثروة اتباع وحاشية فله معهم حالان. حالة فيما يفعله معهم وحالة فيما يصيبه من اتباعه من خير وشر موافق للطبع ومخالف له. فان هو حكم الدين والشرع في الحالتين استراح وله اجر من الله. اذ استعمل العدل معهم واستعمل النصح والاحسان وقابل المسيء منهم بالعفو وشكرهم على فعل المعروف والخير. مبتغيا بذلك وجه الله. وايضا فانه اذا تأمل في ما فعله من خير اطمأنت نفسه وانشرح صدره. فاين هذا من الرئيس الذي لا يبالي بظلم الناس في دمائهم واموالهم واعراضهم يبالي بسلوك طرق العدل والانصاف وليس له صبر على اية اذية تصيبه من رعيته. فهو مع اتباعه في نكد مستمر قد ملئت قلوبهم من مقته وبغضه يتربصون به الدوائر والفرص. حتى اذا وقع في اقل شيء اعانوا عليه اعداء اعداء فهو معهم غير مطمئن على حياته ولا على نعمته. لا يدري متى تفجأه البلايا ليلا او نهارا. هذه حالة الرئيس على وجه الاجمال. واما حالة المرؤوس فان اطاع الدين في وظيفته واطاع حاكمه او سيده او والده. واستعمل الاداب الشرعية في معاملته والاخلاق المرضية فهو مع طاعته لله ولرسوله قد استراح واراح وطابت عنه نفس رئيسه وامن عقوبته وامل احسانه وبره ومحبته. واما من تعدى طوره وعصا متبوعه والتوى فانه لا يزال متوقعا لانواع يمشي خائفا وجلا لا يقر له قرار ولا يستريح له خاطر. واما حالة النظير المساوي فان جمهور من تعاشره من الخلق اذا خالقتهم بالخلق الحسن طمأنت نفسك وزالت عنك الهموم. لانك تكتسب بذلك مودتهم وتخمد عداوة مع ما ترجوه من عظم ثواب الله على هذه العشرة التي هي من افضل العبادات. فان العبد يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم وحسن الخلق له خاصية في فرح النفس. لا يعرف ذلك حق معرفته الا المجربون. فاين حال هذا ممن بشرى الناس باسوء الاخلاق فخيره ممنوع وشره غير مأمون وليس له اقل صبر على ما يناله من المكدرات فهذا تنغصت عليه حياته وحضرته همومه وحسراته فهو في عناء حاضر ويخشى من الشقاء الاجل. واما معاشرته مع اهله واولاده ومن يتصل به فانه يتأكد عليه القيام بالحقوق اللازمة تامة لا نقص فيها ولا تبرم. فمن عامل هؤلاء بما امر الله ورسوله راجيا بقيامه به ثواب ربه ورضاه. عاش معهم عيشة راضية. ومن كان معهم في نكد وسوء خلق الصغير والكبير يخرج من بيته غضبان ويدخل على اهله وولده متكدرا ملئان. فاي حياة لمن كانت هذه حاله وما الذي يرجوه حيث ضيع ما فيه فرحه ومسراته. واما عشرته مع معامليه فان استعمل معهم النصح والصدق فكان سمحا اذا باع سمحا اذا اشترى سمحا اذا قضى سمحا اذا اقتضى حصلت له الرحمة وفاز بالشرف والاعتبار واكتسب مودة معامليه ودوام معاملتهم. ولا يخفى ما في ذلك من طيب الحياة وسرور النفس وما في ضدها من سوء الحال وسقوط الشرف وتنغص الحياة. والفارق بين الرجلين هو الدين. فصاحب الدين منبسط النفس مطمئن القلب. فقد تبين لك ان السعادة واللذة الحقيقية بجميع انواعها تابعة للدين. واعلم يا اخي ان الدين نوعان احدهما اعمال واحوال واخلاق دينية ودنيوية. وكما ذكرنا انه لا سبيل الى حصول الحياة الطيبة الا بالدين. والثاني علوم ومعارف ونافعة وهي علوم الشرع والدين. وما يعين عليها ويتوسل اليها به. الاشتغال بها من اجل العبادات وحصول ثمرتها من اكمل اللذات ولا يشبهه شيء من اللذات الدنيوية. واعتبر ذلك بحال الراغبين في العلم. تجد اكثر اوقاتهم مصروفة في تحصيل للعلم فيمضي الوقت الطويل وصاحبه مستغرق فيه. يتمنى امتداد الزمن وهذا عنوان اللذة فان المشتاق يقصر الوقت الطويل ومن ضاق صدره بشيء يطول عليه الوقت القصير. وذلك ان صاحب العلم في كل وقت مستفيد علوما يزداد بها ايمانه وتكمل بها اخلاقه. والمتصفح للكتب النافعة لا يزال يعرض على ذهنه عقول الاولين والاخرين. ومعارفهم احوالهم الحميدة وضدها. ففي ذلك معتبر لاولي الالباب. فكم من قصة تمر عليك في الكتب تكتسب بها عقلا جديدا وتسليك عن المصائب بما جرى على الفضلاء. وكيف تلقوها بالرضا والتسليم واغتنموا الاجر من العليم الحكيم. والعلم يعرفك كطرقا تدرك بها المطالب وتدفع بها المكاره والمضار. والعقل عقلان عقل غريزي وهو ما وضعه الله في الانسان من قوة في الذهن في امور الدين والدنيا وعقل مكتسب. اذا انضم الى العقل الغريزي ازداد صاحبه. اذا انضم الى العقل الغريزي ازداد صاحبه وحزما وبصيرة. فكما ان العقل الغريزي ينمو ينمو الانسان حتى يبلغ اشده. فكذلك العقل المكتسب له مادتان للنمو مادة الاجتماع بالعقلاء والاستفادة من عقولهم وتجاربهم وتارة بمشاوراتهم ومباحثتهم. فكم ترقى الرجل بهذه الحالة الى مراقي الفلاح. ولهذا كان انزواء الرجل عن الناس يفوته خيرا كثيرا ونفعا جليلا. مع ما يحدثه الاعتزال من الخيالات وسوء الظن بالناس والاعجاب بالنفس الذي يعبر عن نقص الرجل وربما ضر البدن فان مخالطة الناس تفتح ابوابا من صالح وتسليك وتقوي قلبك وفي ضعف القلب ضرر على العقل وضرر على الدين وضرر على الاخلاق وضرر على الصحة وينبغي للانسان ان يعامل الناس بحسب احوالهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن خلقه مع الصغير والكبير. قال تعالى خذ العفو اي خذ ما صفا لك من اخلاق الخلق. ودع عنك ما تعسر منها فيجالس ابناء الدنيا بالادب والمروءة والاكابر بالتوقيت والاخوان والاصحاب بالاندساط والفقراء بالرحمة والتواضع واهل العلم والدين بما يليق بفضلهم. فصاحبها هذا الخلق الجليل تراه مبتهج النفس في حياة طيبة. واما المادة الثانية للعقل المكتسب فهي الاشتغال بالعلوم النافعة بكل قضية رأيا جديدا وعقلا سديدا. ولا يزال المشتغل بالعلم يترقى في العلم والعقل والادب. والعلم يعرفك بالله وكيف الطريق اليه؟ يعرفك كيف تتوسل بالامور المباحة الى ان تجعلها عبادة تقربك الى الله. والعلم يقوم مقام الرياسات الاموال فمن ادرك العلم فقد ادرك كل شيء. ومن فاته العلم فاته كل شيء. وكل هذا في العلوم النافعة. واما كتب الخرافات والمجون فانها تحلل الاخلاق وتفسد الافكار والقلوب. بحثها على الاقتداء باهل البشر. وهي تعمل في الايمان والقلوب عمل النار في الهشيم. فلما تلا النصيح لصاحبه هذه المواضيع وبرهن عليها قال له المنصوح والله لقد انجلى عني ما اجد في اول موضوع تلوته علي وانزاح عني الباطل في شرحك الاول. وان مجلسك يا اخي ونصيحتك بهذه الطريقة النافعة تعدل عندي الدنيا وما عليها. فاحمد الله اولا حيث قيدك لي. واشكرك شكرا كثيرا. حيث وفيت بحق الصحبة ولم تصنع مع ما يصنعه اهل العقول الضيقة الذين اذا رأوا من اصحابهم ما يسوؤهم قطعوا عنهم حبل الوداد في الحال واعانوا الشيطان عليهم فازداد بذلك الشر عليهم وضاع بينهم التفاهم. واني لا انسى جميل معروفك حيث رأيتني سادرا في المهامة مغرور بنفسي معجبا برأيي فارتني بعيني ما انا فيه واوقفتني بحكمتك على الهلاك الذي وقعت فيه. فالان استغفر الله مما مضى واتوب اليه واسأله الاعانة على سلوك مرضاته. وافزع اليه ان يختم بالصالحات اعمالي. واحمد الله اولا واخرا ظاهرا وباطنا فانه مولي النعم دافع النقم غزير الجود والكرم. الدعوة الى الحق هذه كلمة يستلذ لها كل سامع ويأنس بها كل متوحش نافر. وتوزن بها المذاهب والمقالات. وينقاد لها كل منصف قصده طلب حقيقة ويدعيها كل احد محق او غير محق. ولكن لكل حق حقيقة. ولكل دعوة برهان. قل هاتوا برهان ان كنتم صادقين. فالله هو الحق ودينه حق. وكتبه المنزلة من السماء حقا. ورسله حق. ووعد ووعيده حق. وماذا بعد الحق الا الضلال؟ والحق هو الشيء الصحيح الثابت والشيء النافع الذي له النتائج الطيبة والثمرات الصالحة. الله تعالى هو الحق الذي قامت الادلة العقلية والنقلية على وحدانيته وعظمته وسعة اوصافه. وكما المطلق الذي لا غاية فوقه. الذي لا يستحق العبادة والحمد والثناء والمجد الا هو. ودينه هو الحق الذي دارت اخباره وعلى الحقائق الصادقة والعقائد النافعة. المصلحة للقلوب والارواح. واحكامه على العدل المتنوع في العبادات والمعاملات في حقوقه وحقوق الخلق باختلاف احوالهم وحقوقهم ومراتبهم. وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. صدق في اخبارها عدلا في احكامها واوامرها ونواهيها. ورسله صلوات الله وسلامه عليهم صادقون مصدقون قد تحلوا باعلى الفضائل واكمل الصفات. وقد تخلوا عن كل خلق دنيء ووصف ناقص. وقد دلت البراهين القواطع على صدقهم وصحة ما جاءوا به. كما دلت على بطلان ما ناقض هذه الاصول. التي تأسست عليها الحقائق. فالدعوة الى هذه الاصول هي الدعوة الى الحق ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا. وقال انني من المسلمين وقال سبحانه ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن. وقال عز وجل قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني. فالدعوة الى الحق هي افرض الفروض واكمل الفضائل صاحبها مبارك اينما كان على نفسه وعلى غيره. وخصوصا اذا دعا نفسه قبل غيره واتصف بما دعا اليه كما في الاية السابقة وهي قوله سبحانه ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين. فبهذا لاحسن قولا منه ولا اكمل منه. لانه دعا الخلق الى الله وقام بما دعا اليه وانقاد للدين الطاعة من كل وجه. قد امر تعالى بالدعوة الى سبيله. وهي طريقة الرسول ودينه الذي هو الصراط المستقيم. بالحكمة اي بكل وكل وسيلة يحصل بها المقصود كله او بعضه. وذلك متوقف على علم الداعي ومعرفته وبصيرته. ولا يكفي هذا حتى يعرف كيف الطريق الى دعاية الخلق وكيف سلوك الوسائل التي يتوصل بها الى ايصال الحق الى القلوب بالعلم والرفق واحسن الوسائل الى ذلك وانجحها السبل التي دعا الرسل اليها قومهم اوليائهم واعدائهم فانهم يدعون الى الله بتوضيح الحق وبيان ادلته وبراهينه وابطال ما يناقضه. ليس عندهم معارضات لما جاء به الرسل. يبينون لهم ويخبرونهم بمواضع مراض الله ومواضع سخطه. فانما معهم من الايمان الصادق والانقياد الصحيح والاستعداد لطلب الحق اكبر داع الى سلوك سبيله اذا بان. والانقياد له اذا اتضح. ولهذا يخبر الله في كتابه في عدة ايات انه هدى ورحمة رحمة للمؤمنين وهدى للمتقين. وهدى ورحمة لقومي يوقنون. لان هؤلاء لا يحتاجون الى مجادلة. فعندهم تعداد الكامل لسلوك الصراط المستقيم. وهو الايمان واليقين بصحة ما جاء به الرسول وصدقه. واما اهل الاغراض والاهواء المالية من اتباع الحق فانهم يدعونهم مع التعليم والتوضيح للحقائق بالموعظة الحسنة. بذكر ما في الاوامر من المصالح والخيرات والثمرات العاجلة والآجلة. وكانوا يجادلون المعارضين والمعاندين بالتي هي احسن من الترغيب والترهيب في اتباع الحق بذكر فضائله ومحاسنه والترهيب من الباطل بذكر مضاره ومساوئه. واقامة الادلة والبراهين المقنعة على ذلك بحسب الحال والمقام وذلك كله بالرفق واللين وعدم المخاشنة المنفرة. لان الغرض المقصود نفع الخلق وردهم عن ما هم عليه من الباطل. قال تعالى لموسى وهارون اذهبا الى فرعون انه طغى. فقولا له قولا لينا يتذكر او يخشى وفسر ذلك بقوله اذهب الى فرعون انه طغى. فقل هل لك الى ان تزكى واهديك الى ربك فتخشى. فتأمل حسن هذا الخطاب ورقته ولينة. وكانوا مع هذا كله يصبرون على اذاهم. ويتحملون من المخالفين المعارضين ما لا تحمله الجبال الرواسي ويستعينون بالله على هدايتهم بالحلم والعفو والصفح ومقابلتهم وضد ما يقابلونهم به. لعلمهم ان العقائد الراسخة في القلوب لا تزحزحها مجرد الدعوة ومجرد النصيحة. بل لا بد من الصبر والعفو والتأني والتنقل مع المخالفين شيئا فشيئا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك وحسن تعليمه ودعوته وصبره الذي فاق به جميع الرسل يعطي المؤلفة قلوبهم شيئا من الدنيا. لانهم اذا كرهوا هذا مالوا الى هذا ويبقي سادات العشائر على مراتبهم ورياستهم في قومهم. ويأمر رسله بالدعوة الى الاهم فالاهم. كما قال لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه الى اليمن داعيا ومعلما. انك تأتي قوما من اهل الكتاب. وادعوهم ان يشهدوا ان لا اله الا الله واني رسول الله فانهم اطاعوك لذلك فاخبرهم ان الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. فان اطاعوك ذلك فاخبرهم ان الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من اغنيائهم فترد الى فقرائهم. وكان صلى الله عليه وسلم يدعو كل احد بحسب ما يناسب حاله ويليق به ويلاطف الضعفاء من الجهال والنساء والصبيان ترغيبا لهم في الخير وترهيبا لهم من الشر. فمتى كانت الدعوة الى الحق على هذا الوصف الجميل كان لها موقعها الاكبر وتأثيرها الجميل منفعتها العظيمة واجرها الكثير والله الموفق عنيزة عبدالرحمن بن ناصر السعدي. القرآن والحديث النبوي موقفهما من العلوم الكونية والفنون العصرية. قال الله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء. وقال تعالى انزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة. وقال تعالى والله خلقكم وما تعملون. وقال عز وجل اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم. وقال سبحانه ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار. واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما الناس الى اخر الاية. وقال عز وجل وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعا منه. فقال وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس. وقال سبحانه والخيل والبغال والحمير اركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون. الى غير ذلك من الايات الكثيرة الدالة على جميع علوم الكون. والحث على التفكر في المخلوقات واستخراج منافعها الدينية والدنيوية بحسب الاستطاعة. واعلم ان علوم البشر السابقة واللاحقة وما يترتب عليها من المعارف والاخلاق والاعمال والنتائج نوعان. احدهما علوم دينية تعرف العباد بالله باسمائه وصفاته وافعاله وشرائع دينه تبين الجزاء على الاعمال. وما يتبعها من الادلة والبراهين والمواعظ والقصص والترغيب والترهيب الثاني علوم كونية موضعها النظر في الكون. وما سخر الله للعباد من المنافع. وفهمها وتصويرها وابرازها بالعمل تخلق فيما يستقبل من الزمان بتعليم الخلق واقدارهم وتمكينهم من الاسباب المتنوعة ما لا يعلمه العباد وقت نزول القرآن هذا شامل لكل ما حدث ويحدث. ولم يعين هذه المخترعات باسمائها ولا اوصافها. بل اخبرهم بلوازمها الى الخارج واستخراج منافعها. والكتاب فيه بيان نوعين جملة وتفصيلا. كما قال تبيانا لكل شيء. فلم يكن شيء يحتاج اليه العباد الا وقد هدى اليه القرآن. ودعا اليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله بالعلوم الدينية. فالصلاة لها تفصيلا لا يبقى فيها لبسا ولا اشكالا. خصوصا ما يحتاجه كل فرد في كل وقت في العبادات والمعاملات. ومن احكام في هذه الشريعة ان الامور التي تتغير بتغير الازمنة والامكنة والاحوال جعل لها قواعد وضوابط ترد اليها الحوادث الجزئية فتطبق المعينات على القواعد الكلية المبنية على تحصيل المصالح ودفع المفاسد. والعلوم الكونية يرشد العقول الى التفكير فيها استخراج علومها. ويخبرهم انه اعدها وسخرها لمنافعهم المتعددة. وحثهم على معرفتها واستخراجها بكل لوسيلة وقد اخبر في هذه الايات انه خلق لنا جميع ما في الارض وسخر لنا ما في السماوات والارض به نستمتع وبه ننتفع جميع الاستمتاعات وبكل الانتفاعات. ومن لازم ذلك الحث على جميع الوسائل التي تحصل لنا هذه النعم. واخبر انه خلقنا وخلق اعمالنا بما يسر وسخر لنا من الاسباب التي ندرك بها الاعمال والنتائج. وان من كرمه انه علم الانسان ما لم يعلم وجعله قابلا لتعلم العلوم كلها الدينية والكونية. وهذا العموم والشمول في هذه الايات يأتي على جميع والفنون العصرية. كما يأتي على جميع العلوم الدينية وما يترتب على هذه وهذه من الثمرات والنتائج. وكلها نعم من الله تعالى ان الله هو الذي علم الانسان بالاسباب التي حصل له فيها العلم الديني والكوني. كما انه هو الذي رزقه بالاسباب جعل الله رزقه فيها وهو الذي اودع في الارض المنافع المتنوعة. وهو الذي يسير الاسباب التي تدرك بها هذه المنافع. وامر بالتفكر والتقدير الذي يرسلهم اليها ويهديهم الى كيفية استخراجها. وربط البشر بعضهم ببعض في علومهم ومعارفهم واثارها ونتائجها. وجعل هذا الارتباط المتنوع من اقوى الاسباب التي يدرك بها كل مقدور للبشر. وكل ما هو وفي امكانهم وهم في هذه الحالة بين امرين اما ان يستعينوا بهذه النعم على شكر المنعم وعلى القيام بحقوقه وحقوق سائر النوع الانساني بل على حقوق المخلوقات كلها. وعلى العدل والرحمة والحكمة والصلاح. والسعادة الحاضرة والمستقبلة. ان فعلوا ذلك بقيت لهم النعم وبورك لهم فيها. ولم يزالوا في صعود الى الخيرات. ومنجاة من الشرور والهلكات. وتمكنوا ان يحيوا في في هذه الدنيا حياة طيبة سعيدة هنيئة. وبهذا امر القرآن ولهذا ارشد القرآن. وحذرهم من ضده وهو الامر الثاني هو انهم اذا اشتغلوا بالنعم عن المنعم وجعلوا هذه النعم المادية غاية مطلوبهم ومرادهم. ولم يقوموا بحقوق المنعم بها ولا حنوا بها على الخلق بالرحمة والعدل كانت وبالا عليهم وضررا لازما. كانت وبالا عليهم وضررا وصارت الات ووسائل للهلاك والدمار والشقاء. ولم يمكنهم ان يعيشوا في هذه الدنيا عيشة هنيئة. بل عيشة شقاء وتنقل من شر الى اعظم منه. وبهذا نعلم ان الرقي الحقيقي الصحيح هو باستصحاب العلوم الدينية والعلوم الكونية وامتزاج كل منها بالاخر وتعاونهما وتساعدهما على سلوك طرق الصلاح المطلق والسعادة الحاضرة والمستقبلة والاستعانة بالنعم على طاعة المنعم لتتم النعم وتكمل السعادة وعلم بذلك ان هذا هو الدين بل روحه ولبه فانه خلق لعبادته وسخر لنا ما في الكون لنستعين به على عبادته وننتفع بما احله لنا واباحه. وفي اخباره سبحانه انه سخر لنا جميع ما في الكون من المنافع. دليل على امرين احدهما ان فيهما منافع عظيمة وكنوزا وخزائن قد اعدها الله الله لنا وجعلها مهيئة ممكنا استخراجها وتحصيلها. الثاني ان فيه حثا لنا على تعلم الفنون والصناعات والاسباب التي بها ندركها ونحصلها وننميها ونكملها. ففيها التصريح بوجود المنافع المتنوعة لكل الحاجات. والحث على بكل وسيلة وطريق من علوم واعمال واختبارات وتجارب. وان منافعها لا تزال توجد شيئا بعد شيء. فكلما اما ويتم للبشر من المستخرجات والمخترعات فانه داخل في هذه الايات. امتنانا وحثا على الاستكمال من نعمه التي بها المصالح وتدفع بها المضار. وقد صرح في قوله ويخلق ما لا تعلمون. حيث جاء بها في صيغة المستقبل انه الدالة على ملزومها لحكمة يفهمها كل متأمل متدبر فانه لو صرح لهم في ذلك الوقت باوصافها وقال لهم انه ستكون الطيارات بانواعها والسيارات البرية والبحرية والغواصات باجناسها. وان الناس سيتخاطبون في جميع الاقطار في لحظة واحدة انه سيكون كذا وكذا. لو اخبرهم ببعض ذلك لم يصدقوا ولا ارتابوا. لان الناس لا يصدقون امور التي لم يشاهدوها ولم يشاهدوا لها نظيرا. انظر لما اخبرهم عن الاسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى والمعراج والشجرة التي في النار وهي الشجرة الملعونة. كيف اختلفوا ولجوا في طغيانهم ونفورهم. مع ان الانبياء قد عهد الناس منها انها مخالفة لما يعهدونه. خارقة للعوائد. فكيف لو اخبرهم ان الناس في اخر الوقت سيطيرون في الهواء ويغوصون في البحار ويتخاطبون في الاقطار الشاسعة. اذا لكان من اقوى الدواعي الى تكذيبه. ولكن ولله الحمد اخبر بنصوص متعددة اخبارات عامة لتشمل جميع ما حدث ويحدث. واخبر بلوازمها على وجه عام بحيث اذا حدثت الجزئيات امكن ادخالها في تلك الكليات. وذلك من بلاغة القرآن واخباره عن الغيوب المستقبلة. وعند وقوعها المؤمنون ايمانا بالله ورسوله ويزداد المكذبون اعراضا ونفورا وتمردا. قال الله تعالى ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل اية. وقال تعالى ساصرف عن اياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق كما اخبر تعالى ان الارض فيها منافع وخزائن عظيمة سخرها للادميين. كذلك اخبر انه انزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس. ولم يعين منفعة دون اخرى ليشمل ويعم جميع المنافع التي تستخدم بالحديد سابقا لاحقا فكل منفعة استخرجت من الارض او من الحديد منفردة او مقرونة بغيرها او مساعدة بغيرها من الاسباب فانها داخلة في هذه الايات وكل تعليم حصل للبشر من العلوم الدينية والدنيوية والكونية فانه داخل في قوله علم انسان ما لم يعلم فلا يمكن ان يشذ عن هذه العمومات شيء من العلوم والفنون والمنافع والاختراعات والمستخرجات والنتائج لها والثمرات وكلها من الله بما يسره للعباد من الوسائل التي يدركونها ويستخرجونها بها. فمن الذي علمهم ما لم يكونوا يعلمون ومن الذي اقدرهم على ما عليه يقتدرون؟ ومن الذي اودع الكون المنافع والخزائن وهداهم اليها؟ فمن الذي يسر ذلك كله الا الله تعالى وكما انه هو يحيي ويميت ويرزق الخلائق ويصرفهم ويدبرهم بانواع التدابير بما خلق لهم ويسر بما خلق لهم ويسر من الاسباب التي تحصل فيها هذه الامور. فكذلك هو الذي اوصلهم الى العلوم الكونية واستخراج نتائجها ولكن الجاحد قاصر النظر يقف عند الاسباب ولا يتجاوز الى مسببها ومقدرها والمنعم بها. واعلم ان هذه الايات التي فيها الحث على التفكير في امور الكون كلها. والنظر والتدبر والايات التي فيها ان سخر للعباد جميع ما في الارض وجعلها معدة ومهيئة لمنافعهم ليس المقصود بها فقط مجرد النظر والتفكر. وانما جعل الله التفكر والنظر والتدبر مقصود لغيره مقصودا لتحصيل امرين عظيمين. احدهما ثمرة ذلك التفكر والتعقل وهو حصول العلوم والمعارف الدالة على المطالب العالية ومعرفة قدرة الله وتوحيده وسعة رحمته وكمال علمه وشمول حكمته. والدالة على ما فيها من اصناف المنافع لا تزال تستخرج شيئا فشيئا. الامر الثاني ثمرة هذه العلوم من عبودية الله واخلاص الدين له. ومن تحصيل منافعها تفيد العباد وتصلح احوالهم وتتم بها احوالهم ويستجلبون بها المصالح ويدفعون المضار. فقد وضح ان علوم الكون التي تسمى في العرف العلوم العصرية داخلة في دلالة القرآن. وان القرآن ارشد اليها وهدى العباد اليها وحثهم على اعمال افكارهم في تحقيقها وتحصيلها وان جميع الصناعات النافعة والمخترعات المتنوعة كلها داخلة في الارشادات الالهية. وان القرآن فيه لكل شيء وهدى لكل مصلحة ورحمة تشمل خيرات الدنيا والاخرة. وانه لا سبيل الى الاصلاح المطلق والسعادة والحياة الطيبة الا بالتزام هداه وانه نهى العباد عما سواه ولا يغني عنه غيره. ومن ذلك قوله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق. فهذا خبره تعالى عن امور مستقبلة انه سيري عباده من البراهين والادلة في الكون اي في الافق وفي انفسهم ما يدلهم على ان القرآن حق والرسول حق. وما جاء به هو الحق. وقد فعل ذلك فانه اراهم من اثار اختراعاتهم واعمالهم التي يسرها لهم. وخصوصا في هذه الاوقات. ما تبين به لكل منصف ان خبر والله وخبر رسوله حقا. فان مدار انكار المكذبين على استبعادات يستبعدونها في عقولهم. حيث لم تدخل تحت ادراكهم حواسهم ولا مداركهم ولا يخضعون لخبر الله وخبر رسوله. ويعلمون ان قدرة الله فوق ما يتوهمون. وانه لا يشذ عنها شيء فانه على كل شيء قدير. فهذه المخترعات الهائلة التي لو اخبروا ببعضها قبل ظهورها للجوا في تكذيبهم استهزائهم بمن اخبر عنها قد شاهدوها ولمسوها وعملوها بايديهم وكانت من ادل الدلائل على ما اخبر الله بها من الغيوب احياء الموتى وامور البعث والجزاء ونداءه يوم القيامة الذي يسمعه القريب والبعيد وتخاطب اهل الجنة والنار فيما بينهم مع البعد المفرط كل هذا وغيره سهل على هؤلاء المكذبين التصديق به اذا قصدوا الانصاف والحق. ولكن ما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون. فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. وكذبوا ما جاءت به الرسل وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه قال لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان. ومصداق هذا الحديث ما شاهده الناس من قرب المواصلات واتصال الاخبارات في جميع الاقطار. حتى ان الدنيا قطر واحد بل بلد واحد من اتصال بعضه ببعض وتقارب الزمان من لازمه تقارب المكان. وقد كان هذا الحديث مشكلا قبل ذلك. فلما تم للبشر ما تم لهم من هذا التقارب الباهر. لم يبق شك ان هذا مراد الحديث. وان من لازم اخباره صلى الله وعليه وسلم وجود الاسباب المتنوعة التي يحصل فيها هذا التقريب والتقارب لان اخبار الشارع النبي اخبار به وبما لا يتم الا به. كما ان امره بالشيء امر به وبما لا يتم الا به. والوسائل لها احكام المقاصد. وثبت في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم انه قال لا تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب مروجا وانهارا. فمن ذا الذي يخطر بقلبه قبل هذا الوقت ان هذه الجزيرة القاحلة تكون بهذا الوصف حتى ظهر مصداق ذلك ومباديه بتيسير الله امور الحراثة واستخراج المياه الالات الحديثة فخبره بذلك خبر عن الامرين عما يقع وعما به يقع اخبار عن الجزيرة انها ستكون مروجا وانهارا واخر عن حدوث الالات والوسائل التي تستخرج بها المياه وتحرث بها الاراضي وتتيسر الاعمال. وفي ضمن ذلك الحث على تعلمها وعلى العمل بها. انه حث على السعي باسباب الرزق. وهذا من الاسباب التي تكتب بها الارزاق. بل من الاسباب التي نفعها ومن ذلك قوله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. وقوله خذوا حذركم فهذا الامر باعداد المستطاع من القوة واخذ الحذر من الاعداء. يشمل كل زمان ومكان بما يليق ويناسب لذلك الوقت. ولتلك الحال. فجميع الاسلحة التي حدثت والتي ستحدث وجميع الوقايات والتحصن والحذر من الاعداء بكل وسيلة وطريق يؤدي اليها. كل ذلك في هذه الارشادات النافعة الحكيمة والامر بها امر بها وبما لا يتم ولا تحصل الا به. من تعلم الصناعات والفنون الحربية بانواعها بحسب الحال المناسبة. بل جميع الاوامر من الكتاب والسنة التي فيها الامر بدفع عدوان الاعداء والحذر منهم واعداد القوة اخوتي لهم كله داخل في الجهاد. جهاد المدافعة والمقاومة. فيكون تعلم هذه الفنون والصناعات التي لا يمكن ان يتأدى الواجب الا بها واجبة وفرضا. لان ما على الامة لا يحل لهم ان يتركوا المقدور منها. فاذا فعلوا ما يستطيعون منها زال عنهم اللوم. واعيد على عدوهم لانهم اتقوا الله ما استطاعوا. ومن ذلك امتنانه على عباده بما يسره لهم من الفلك. وانها من اكبر نعم الدينية والدنيوية فانها تحملهم وتحمل اثقالهم وامتعتهم وتجارتهم من قطر الى اخر. ويتم بها التبادل بين الاقطار بالتجارات والمنسوجات والصادرات والواردات التي تعجز الاقلام عن الاحاطة بكثرة منافعها الضرورية والكمالية. وذلك يدل دلالة واضحة ان تعلم الصناعات التي توجدها وتكملها مرغب فيها غاية الترغيب. وان بها تتم نعم الله على العباد بهذا الجنس الذي اتصلت به الاقطار وانتفع بعضها ببعض. بهذه الفلك الشاملة للسفن والمراكب البحرية والسيارات قطارات البرية والطائرات الهوائية. وما تفتقر اليه من الالات والبرقيات بانواعها. كل هذا داخل في الاخبار بانه انعم على العباد بالفلك. اما لا تتم النعم الا به فانه من النعم. والايات القرآنية في الفلك وذكر امتنان الله بها في القرآن كثيرة جدا معروفة. ولكن في القرآن اية تشارك تلك الايات بهذه المقاصد الجليلة. وتمتاز عنها بالتصريح بشمولها بجميع اصناف الفلك الهوائية والبحرية والبرية. وهي قوله تعالى واية لهم. اي واية للعباد على كمال قدرة الله وتفرده بالوحدانية وسعة رحمته وكثرة خيراته وصدق رسله. انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون. اي الثقيل المملوء من الركاب والبضائع والامتعة وغيرها. فانه لما كان القرآن خطابا لاول هذه الامة واخرها. وهو يعتني باوسع المعاني واشملها وقد علم الباري بعلمه المحيط ان الفلك ستتنوع وتتسع جدا في هذه الاوقات وما بعدها. ولا يدركها الموجود دون وقت نزول القرآن وانما تدركها ذرياتهم اذا وجدت. قال واية لهم انا حملنا ذريتهم. فاعموا معانيها واوسعها واعظمها اية انما يدركها الذرية ويشاهدونها. فالموجودون وقت الانزال قد عرفوا اصل الفلك وجنسه لكن نهايته وتوسعه انما يكون لمن بعدهم من الذرية. ولهذا فسر هذه الاية كثير من المفسرين تفاسير تخالف حتى حملوا الذرية على الاباء والاجداد. وهذا غير معروف في العربية والقرآن عربي ومعانيه في غاية الوضوح. وهو صريح فيما ذكرناه وهو ايضا جاء على اسلوب القرآن. اذ يذكر من كل نوع اعلاه واوسعه معنى. ومن ذلك امره تعالى بفعل الاسباب التي تحصل بها الارزاق من تجارات وصناعات وحراثة وحرف وغيرها. وامتنانه على العباد بتيسيرها والاستعانة بها على القيام بواجبات الله وواجبات الخلق. مثل قوله تعالى بعدما امر بالسعي الى الجمعة. فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا. وهذا شامل لجميع المكاسب من تجارة وصناعة وحراثة وغيرها اسباب الرزق. فقال تعالى هو الذي جعل لكم الارض ذلولا تمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور اي جعلها مدللة لاسفاركم مذللة لحروفكم وبنائكم. مذللة لاستخراج المعادن المودعة فيها مهيئة لكل كل ما تحتاجونه فامشوا في مناكبها. اي في طلب الرزق وتحصيله. وذلك يشمل جميع الطرق التي ينال بها الرزق من جميع المكاسب والاقتصاديات النافعة فيدخل فيها جميع الاسباب والارزاق التي كانت موجودة والتي لا تزال توجد شيئا فشيئا. كلها داخل في هذه الاوامر والامتنانات من الله تعالى على العباد. فيكون تعلمها وسلوكها مما امر الله به ورسوله حتى انه تعالى امرنا ان نحجر على السفهاء في اموالهم الخاصة ونمنعهم من التصرفات الضارة لقصر عقولهم ومعارفهم وتجاربهم حتى حتى نعلمهم ونختبرهم بالتجربة التي بها نعرف حذقهم ومهارتهم بالحفظ والكسب والمنافع. فقال ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما. اي لا تقوم مصالح العباد الا بالاموال. فهي الركن في قيام المصالح الدينية الصالح الدنيوية في طلب المنافع وفي دفع المضار لا يقوم ذلك الا بالمال. ولقد علمنا ربنا العناية التامة بحفظ الاموال وتعلم طرق مكاسبها والاقتصاد في انفاقها. ولم يحرم علينا طريقا من هذه الطرق النافعة الا الطرق التي تضرنا في ديننا ديننا ودنيانا فمن هذا عنايته بعباده ورحمته بهم. اما ما نستفيد منه انه يحب منا ان نتعلم الفنون الاقتصادية التي تنال بها الارزاق وتتم النعم بالفنون الاقتصادية والفنون الحربية والصناعات والاختراعات التي تنفع العباد تجلب لهم الخيرات وتدفع عنهم الشرور. قد علمت مرتبتها من هذا الدين. وحث الكتاب والسنة على جميع المنافع منها وجعله وسائل للمقاصد. فما كان منها واجبا فوسيلته واجبة. وما كان مندوبا فوسيلته كذلك. فان الوسائل لها احكام المقاصد الله تعالى اباح لنا كل طيب نافع. اباحه واباح السعي في تحصيله. فقد وضح وتبين ان العلوم الدينية والعلوم الكونية ممتزج بعضها ببعض محتاج بعضها الى بعض. فمتى اجتمعنا حصل الكمال وتمت السعادة؟ ومتى فقدا جميعا الشقاء وخسران الدنيا والاخرة. ومتى وجد احدهما دون الاخر حصل من النقص والخسران والشقاء بحسب ما فقد. فطبق هذا تقسيم الحاضر على احوال الامم والجماعات والافراد تجد الامر كما ذكرنا. وتعرف ان الصلاح المطلق والخير الكامل والسعادة ابدية قد جاء بها الكتاب والسنة على اكمل الوجوه واعلاها. وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما تهنئة وترحيب الى الحجاج الكرام. لا تهنئة اعظم ولا اجل ولا اكمل من قوله صلى الله عليه وسلم. من هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق. خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه. والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. وهذا في فليهني الوافدين لبيت الله ما وعدوا به من مغفرة الذنوب وستر العيوب. وليهنهم ما رتب على الحج المبرور من هذا الجزيل ورضا الرب الجليل. ليهنهم ما تضمنه هذا النسك العظيم من الخير والفضل الجسيم. وما فيه من التمتع والتعبد في تلك المشاعر الكريمة والمواقف وما احتوت عليه هذه العبادة من الاسرار والحكم واللطائف. اليس الاحرام ونزع اللباس المعتاد رفض المخيط عنوانا على الخضوع والخشوع للرب المحيط. اليس تكرار التلبية في تضاعيف النسك وجميع اوقاته برهانا على ملازمة العبد طاعة ربه في حركاته وسكناته وانه فقير اليه مضطر الى رحمته في مهماته وجميع حاجاته يقول بلسان حاله ومقاله يا رب دعوتني على لسان خليلك ونبيك محمد طه فاجبتك وناديتني مصلحتي بمنتك وفضلك فلبيتك. كلي لك. باطني وظاهري. عمري وبشري ومخي وعظمي. طالما وقعت في الذنوب والغفلات واعرضت عن سيدي وحبيبي مقبلا على الاغراض والشهوات. فالان تبت اليك من الهفوات. وانبت اليك طامعا في عفوك عن المجرمين والعصاة راجيا من كرمك ان تجيب دعوتي وان تقبل معذرتي وفدا على بيتك وحرمك طامعا في خيرك وبرك وكرمك لان رددتني من يؤويني ولئن اقصيتني فمن يقربني ويدنيني لا مانع لما اعطيت ولا منجى ولا جاء منك الا اليك ، ولا معول الا عليه. اما الطواف بالبيت وبالمروة والصفا فبرهان والتزام التردد والتقلب في طاعة المولى وفي ذلك اقتداء وتذكر للمصطفين من انبيائه واصفيائه وانهم حين تملقوا لله في هذه المواطن الشريفة غمرهم من جوده وكرمه ونعمائه في تنقلهم من عرفات الى مزدلفة. غمرهم من جوده وكرمه ونعمائه فيه تنقلهم من عرفات الى مزدلفة. ومنها الى مشاعر منى ورمي الجمرات. دليل وبرهان على خضوعهم في خدمة الرب الجليل وتزودهم من اسباب التعبدات والخير الجزيل. هناك تسكب العبرات وتضج الخليقة بالدعوات المستجابات. وينيلهم الكريم بافضل الهبات واكمل الكرامات. هنالك تنكسر النفوس وتخشع وتهيب القلوب الى ربها وتخضع. مواقف يهون النصب تعبوا متى وصل العبد اليها ومشاعره تهوي القلوب الموفقين اليها. وكرامات وخيرات تأتي وكرامات وخيرات تأتي فاز بالخير والسعادة من لها ولمثلها فليعمل العاملون. ولتلك العرصات الفاضلة فليتنافس منافسون لهذه الفضائل العظيمة تشد الرحال. ولمثلها يسهل انفاق نفائس الاموال. مع ان الله قد وعد بالخلف العاجل وحسن الثواب في المآل. هنيئا لكم ايها الوافدون لزيارة البيت العتيق. القادمون من كل فج عميق. لقد وجب اجركم على الله وحق احترامكم واكرامكم على عباد الله. فيا سكان بيت الله الحرام ويا من من عليهم بجوار المشاعر الكرام. كونوا رحمكم الله خير قدوة في الخير. ليقتدي بكم اخوانكم في فعل الخيرات وترك المنكرات. كونوا على جانب كبير من تقوى الله مع احترام بيته الكريم. فانتم احق واولى من اتصف بكل خلق جميل. اغتناما منكم لمضاعفة الاجر والثواب في هذه الشريفة واحتراما لحرمة بيته. وشكرا لنعم الله عليكم التي لا تعد ولا تحصى. واعلموا رحمكم الله ان من افضل الاعمال اشرفها مقابلة الحجاج بكل خلق جميل. ومعاملتهم بكل معاملة طيبة. واغتنام الاحسان اليهم على اختلاف مراتبهم فانهم ضيوف الله ثم ضيوفكم. ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه. فكيف بمثل هؤلاء الضيوف الكرام الذين تغتنم ادعيتهم ويرجى ما عمله العبد معهم من الاحسان القولي والاحسان الفعلي. يرجو ثوابه من الله ويرجون ان ينصرف عنهم راضين ولمعروفهم شاكرين. وبحسن افعالكم ومكارم اخلاقكم مقتدين. يا سكان بيت الله ما احسن الاحسان من كل احد وخصوصا الاحسان الصادر منكم. وما اقبح الاساءة فيه من كل احد. لا سيما اذا حصلت على الحجاج منكم وكم في هذا البلد الحرام من البررة الاخيار؟ وكم فيها من التجار الصادقين الحائزين الشرف والاعتبار؟ الذين يرون من اعظم الفرص الثمينة مراعاة حجاج بيت الله. والقيام بحقوقهم طلبا للثواب من الله. كم فيهم من يرعونهم عند البيع والشراء والاخذ والعطاء كم فيهم من يبذل للفقراء منهم الاحسان والصدقات. وييسر على الموسرين عند المعاملات. كم فيهم من يحترمون عند المشاعر الكريمة ويعتقد ان الاساءة اليهم من اقبح الخصال الذميمة. اعلموا ان الاسلام يحث على هذه الخصال وخير منها وان كل بر واحسان يقابل به الحجاج فانه مما حث عليه الدين. ومما يتقرب به الى رب العالمين. ان من اكرم اضياف الله اكرمه الله. والله يحب المحسنين. ويجزي الصادقين. واتموا الحج والعمرة لله. هذا من اعظم الاوامر الربانية واعظم الفروض الدينية. وهو الامر باتمام الحج والعمرة. وان يكون الداعي لفعل هذا المأمور وتكميله ارادة الله وحده واخلاص العمل لله. وهذا هو الحج المبرور الذي ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الحج المعتمر المبرور ليس له جزاء الا الجنة. وقال من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق. خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه وكن عليه فالحج المبرور هو الجامع لخصال البر كلها. وخصال البر هي اركانه وشروطه وواجباته ومستحباته مكملاته ولابد مع هذا ان يكون خاليا من المفسدات والمنقصات. من الرفث والفسوق والعصيان. فهذا هو تمام الحج الذي امر الله به ورسوله. وتوضيح ذلك ان الحج اذا جمع امرين تم وكمل. وترتبت عليه جميع اثاره وفضائله. الاخلاص لله المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم. اما الاخلاص لله فهو ان يقصد بحجه وجه ربه وطلب رضوانه والفوز بمغفرته وثوابه يكون العبد محتسبا في جميع حركاته وسكناته. وفي جميع ما يفعله فيه من واجبات ومكملات. في جميع ما يتركه من محظورات ومكروهات. فيكون العبد محتسبا في تعبه ونصبه. وفيما ينفق في هذا السبيل. راجيا لثواب ربه في وترحاله وسعيه وخطواته عالما انه في عبادة متصلة من خروجه من وطنه بل من عشيرته على الحج وشكرا فروعه في الاستعداد له وجمع ما يحتاج له فيه فهو في عبادة في جميع حركاته وسكناته. من مبتدأ عزمه وسعيه الى ان يرجع الى وطنه ومقره حائزا للسلامة والقبول والغنيمة الرابحة والنفقات المخلوفة ومضاعفة حسناته. وعبادة الحج تستغرق من عمر العبد وقتا طويلا. فانه في عبادة ان قام او قعد او مشى او ركب او استيقظ او قام او سار في سفر او اقام او كان في ذكر او دعاء او صلاة او في راحة واجمام نفسه ولا فرق بين كونه سائرا في الطريق واصلا للبيت العتيق او في عشرة مع الصاحب والملازم والرفيق فهو متقرب بذلك كله الى مولاه راجيا بذلك فضله ورضاه فهذا احد النوعين وهو الاخلاص الملازم له في كل احواله. واما المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم فهو ان يجتهد ان يقتدي فيه بافعال النبي صلى الله عليه وسلم واقواله وارشاداته. فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه قال خذوا مناسككم اي اقتدوا باقوالي وافعالي في جميع متعلقات المناسك. وذلك انه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في احاديث احاديث كثيرة انه لما وصل الميقات قال من شاء ان يهل بعمرة فليفعل. ومن شاء ان يهل بحج فليفعل. ومن شاء ان يهل بعمرة وحجة فليفعل. وارشد الى التنظف والاغتسال والتطيب عند الاحرام. وان يحرم الرجل في ازار ورداء ابيضين نظيف بعد ذلك يلبي فيقول لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. ولا يزال يلبي حتى يأتي البيت فيطوف للعمرة ان كان محرما بالعمرة. وللقدوم ان كان محرما بحج مفرد او بحج مع عمرة فيستلم الحجر ان كان محرما بالعمرة وللقدوم ان كان محرما بحج مفرد او بحج مع عمرة فيستحب استلموا الحجر بيده اليمنى ويكبر ويقول بسم الله ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. ويكثر في طوافه من الذكر والدعاء بكل ما احب من خير الدنيا والاخرة. وليس للطواف دعاء المقصوص الا انه يستحب ان يقول بين الركن اليماني والحجر الاسود. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. فاذا فرغ من طوافه صلى ركعتين. والافضل ان تكونا خلف مقام ابراهيم. يقرأ فيهما بعد الفاتحة قل يا ايها الكافرون وقل هو الله احد. ثم بعدما يصلي الركعتين يستلم الحجر ويقول الله اكبر. ويشير اليه ان حذر استلامه ثم يخرج المتمتع الذي احرم بالعمرة وحدها الى الصفا ليسعى سعي العمرة. واما المفرد بالحج وحده او القارن من الحج والعمرة فهو بالخيار ان شاء سعى سعي الحج بعد هذا الطواف وان شاء اخر السعي الى يوم النحر وما بعده. فاذا وصل صفا قرأ قوله تعالى ان الصفا والمروة من شعائر الله الاية فيصعد الى الصفا فيصعد على الصفا ويستقبل البيت ويكبر ويقول لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا اله الا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده. يكرر ذلك ثلاثة ثم ينزل يمشي ويسعى بين الميلين ويكثر في سعيه من ذكر لله ودعائه وليس لذلك دعاء مخصوص. بل يذكر الله ويدعو بما تيسر من الدعاء الذي يعرفه العبد. اذا وصل الى المروة استقبل البيت وقال عليها ما قال على الصفا. فاذا فرغ من سعيه وكان متمتعا حلق رأسه او قصره وحل من عمرته. فان كان الثامن احرم بالحج من مكة من المحل الذي هو فيه. وفعل عند احرامه كما فعل من الميقات ولبى. والمفرد والقارن يبقى على احرامه ثم يخرج الى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. فاذا طلعت الشمس من يوم عرفة سار منها الى عرفة فاذا صلى الظهر والعصر يوم عرفة وقف في عرفة خاشعا لله خاضعا داعيا لله مكثرا لذكره والثناء عليه حتى تغيب الشمس ثم يدفع الى مزدلفة ويبيت بها ليلة النحر. اذا صلى الفجر وقف عند المشعر الحرام داعيا مستغفرا راغبا راهبا وليس لذلك دعاء مخصوص. بل يدعو الله بما احب من خير الدنيا والاخرة. فاذا اسفر جدا دفع الى منى. فبدأ بجمرة العقبة ورماها بسبع حصيات. يكبر مع كل حصاة ويلتقط الحصى ان شاء من مزدلفة وان شاء من منى. اذا رمى وحلق حل له كل شيء ان كان محظورا بالاحرام الا النساء ويذبح هديه ان شاء في منى وان شاء في مكة ويبيت بمنى ليالي ايام التشريق. ويرمي الجمرات ايام التشريق بعد الزوال. يبتديها بالجمرة القصوى عن مكة. ويختتمها بجمرة العقبة. ويجتهد في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع ما ارشد اليه وما فعله في نسكه. فمتى اجتهد الحاج في تكميل الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول هو الحج التام المبرور الذي يكفر الله به السيئات ويرفع به الدرجات وهو الحج الذي ليس له عند الله جزاء الا الجنة ويفيض الحاج الى البيت ان شاء يوم النحر وهو الافضل وان شاء في ايام التشريق. فيطوف طواف الحج ويسعى سعي الحج ان لم يكن سعاه قبل ذلك. وبذلك يحل من احرامه الحل التام. والله اعلم. وصلى الله على محمد وسلم. ولله على الناس حج البيت. قال الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. هذه الاية هي التي صرح الله فيها بفرض في الحج على الناس فهو فرض في رقاب الناس المكلفين كلهم. فرض عليهم جميعا التزامه واعتقاد فرضيته واداءه مع القدرة والاستطاعة. فكما ان المستطيع اليه سبيلا فرض عليه هذه الامور فسائر المكلفين يجب عليهم ذلك. وان يعتبروه من اعظم من حقوق الله عليهم. ولكن الفعل والاداء يختص بالقادرين المستطيعين. وهذا المعنى من اعظم فوائد البدل في قوله من استطاع اليه سبيلا. فالمستطيع عليه الاعتقاد والالتزام والاداء بالفعل. وغير المستطيع من المكلفين عليهم الامران اولا الاعتقاد والالتزام. وهذا من بلاغة القرآن فانه لو قال ولله على المستطيعين من الناس حج البيت لم يفد هذا المعنى الجليل. هذا الحق الذي لله على الناس متعلق برقابهم. لا يقوم ايمانهم ودينهم حتى يعتقدوه التزموه ويؤديه المستطيع منهم. وهو ولله الحمد مرة واحدة في العمر. فمن زاد على ذلك فهو متطوع ومن تطوع خيرا فان الله شاكر عليم. وتأمل ما افاده هذا العموم وهو قوله من استطاع اليه سبيلا. وان ذلك شامل بطاعة السبيل في كل وقت بما يناسبه من المركوبات. وشامل لما يحصل في هذا السبيل من التسهيلات او الصعوبات. ففي وقت وبعده باوقات كثيرة يكون السبيل فيه المركوبات المعتادة في ذلك الوقت. والزاد المناسب لاحواله. ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا السبيل فسره بالزاد والراحلة. اي من الابل. وبعد ذلك لما ترقت الصناعات وظهرت المخترعات يفسر استطاعة السبيل للحج القدرة على تحصيل مركوب منها لا فرق بين المراكب البحرية والسيارات والقطاع البرية والطائرات الهوائية فكلها يشملها قوله تعالى من استطاع اليه سبيلا. وهذا من البراهين الدالة على ان عمومات القرآن وارشاداته واصوله العامة صالحة لكل زمان ومكان. فاي شيء يوصل الى البيت الحرام لا في هذا العموم والشمول. كما ان قوله تعالى في اية الجهاد واعدوا لهم ما استطعتم من قوة تشمل كل مستطاع مقدور عليه من انواع الاسلحة الحديثة والمخترعات النافعة. وتنظيمات الجيوش الوحيدة وغير ذلك من القوة المادية والمعنوية وكم في كتاب الله من الايات التي على هذا النسق الشاملة للحوادث السابقة واللاحقة ولما حدث ويحدث. وكما ان امر الشارع بالتبليغ عنه وتبليغ العلوم النافعة وتبليغ الاخبار والاذان والقراءة ونحوها. يشمل كل طريق يحصل به كمال التبليغ كالبرقيات والاذاعات والتليفونات ونحوها. مما يدفع الاصوات ويوصلها الى الامكنة البعيدة كلها. داخل في امر الله امر رسوله لهذه الامة بتبليغ كل امر نافع يقصد غنمه او حصوله وتبليغهم كل امر صار يقصد منهم معرفته الحذر منه. فمن انكر شيئا من ذلك فلجهله وسوء فهمه. وهذا امر ظاهر لا يحتاج في بيان فائدته بل فوائده الى اقامته قامت الدليل والبرهان. فالدليل الحسي والدليل الشرعي قد تطابق على ذلك. والمقصود ان قوله تعالى من استطاع اليه سبيلا يشهد جميع المركوبات الموجودة والتي ستوجد الموصلة الى البيت الحرام. ومن نعم الله على العباد وجود مركوبات تسهل لهم الى بيته باقرب وقت واسرع زمان. ولا يظن الانسان ان هذه التسهيلات تنقص من اجر الحاج شيئا. فان تسهيل العبادات من لطف الله واحسانه ومن الامور المرغبة في الخيرات وحصول كثير من العبادات. فالواجب على العباد شكرها. فالعباد ان تصعبت وشقت طردت دونها العقبات فالاجر على قدر المشقة. وان تسهلت لم ينقص من اجر صاحبها شيء. واعلم ان التسهيلات المتعلقة الطاعة نوعان احدهما في المركوبات كما ذكرنا. والنوع الثاني وهو من الامور المهمة التسهيلات للحجاج في طريقهم تسهيلات لهم بعد وصولهم الى تلك البقاع الشريفة. فاذا وفق ولاة الامور للعناية التامة والسعي في راحة الحجاج من كل وجه وفي ازالة جميع العقبات المعترضة لهم كان هذا اكبر دعوة ودعاية للمسلمين الى حج البيت الحرام. واقبل الناس على الوفود الى بيت الله افواجا بعد افواج. وكان لولاة الامور المعنيين بهذه التسهيلات من الاجر والثواب. مثل اجور العاملين من غير ان ينقص من اجورهم شيء. وهذا شيء لا يعلم فضله الا الله. وعكس هذا اذا سعوا الولاة في وضع العراقيل والصعوبات والضرائب الفادحة وعدم العناية بالحجاج فان عليهم من الجرائم والاثام والعقاب العاجل والاجل ما لا يحد ولا يوصف يدخلون في قوله تعالى ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها. اولئك كما كان لهم ان يدخلوها الا خائفين. لهم في الدنيا خزي ولهم في الاخرة عذاب عظيم. وبهذا تتفاوت الاستطاعة تفاوتا كبيرا. فانظر الى الحكومة الحاضرة. لما كانت ساعية ومهتمة اشد بكل ما فيه راحة للحجاج من التسهيلات المتعددة. وهم ولله الحمد في كل وقت يزدادون منها. كيف عند هذا اقبل الناس واقبالا كبيرا على حج بيت الله. وكل عام يزيدون عما قبله. ويؤمل اذا تمت التسهيلات كلها هي السعي في كل ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم وفي ازالة ما يضرهم في ذلك. فاذا تمت على هذا الوجه حصلت الراحة التامة والارتياح. وتم نجاح الكامل والفلاح. وكان موسم الحج مضرب المثل في حصول الخيرات والثمرات الطيبة النافعة في الدين والدنيا. وبذلك تحقق المنافع الدينية والدنيوية التي قال الله عنها ليشهدوا منافع لهم. وقد مر في المقال السابق الاشارة التفصيلية في بيان هذه المنافع والله المسؤول المرجو الاجابة ان يهيئ للمسلمين كل خير يرجونه ويدفع عنهم كل شر يحذرونه انه جواد رؤوف رحيم. وصلى الله على محمد وسلم. علامة القصيم يدعو المسلمين الى نصرة اخوانهم في مصر الحمد لله الذي ربط الاخوة الدينية بين المؤمنين. فكانوا بذلك متحابين متناصرين. واشهد ان لا اله الا الله الملك الحق المبين واشهد ان محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين. اللهم صل وسلم على محمد وعلى اله واصحابه وعلى التابعين لهم الى يوم الدين. اما بعد ايها الناس اتقوا الله فان تقواه سبب لحصول الخيرات. ودافعة للشرور والهلكات. عباد الله ان الله امركم بالجهاد بانفسكم واموالكم وبارائكم واعمالكم واقوالكم. وخصوصا الجهاد الذي هو فرض عين وهو قتال المدافعة عن الوطن والدين والمساعدة بما استطعتم لاخوانكم المسلمين. قال صلى الله عليه وسلم من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على لعبة من النفاق اي من قام بما يقدر عليه من الجهاد بنفسه او ما له او قوله فقد تم ايمانه وبرئ من النفاق. هذه الدول الكافرة الظالمة قد تكالبوا على اخوانكم المصريين واتباعهم والجزائريين وهاجموهم في عقر دارهم. وغرضهم الاستيلاء لا قدر الله على المسلمين واقطارهم يلقون عليهم القنابل المهلكة ليلا ونهارا. ويصبون عليهم العذاب والسلاح الفتاك سرا وجهارا لا ارحمونا النساء ولا الرجال ولا يرقون على الضعفاء ولا على الاطفال. ولا يبالون من وحشيتهم باهلاك الحرث والنسل والاموال ولله الحمد قد صابروهم مصابرة الابطال. وصمدوا لهم وثبتوا ثبوت الجبال. مستعينين بالصبر الجميل والتوكل على ذي العظمة والجلال يرون فقد الاموال في هذا السبيل فخرا وعزا. ويلجأون الى الثبات ويتخذونه كهفا وحرزا. والله تعالى مولاهم وناصرهم فنعم المولى ونعم النصير. والله سيخذل اعداءهم وهو على كل شيء قدير. اخواني عار علينا الا نتأثر بمصابهم وعزيز علينا وجارح لقلوبنا ما اصابهم. فمن لم يساعد بماله ومباشرته فليساعد بتوجهه الى ربه واستنصاره. ومن اتته مشاركتهم في جهادهم فليقم بما عليه من المعونة بحسب اقتداره. قال صلى الله عليه وسلم انما تنصرون وترزقون بضعفاء بتوجهكم الى الله واستنصاره ودعائه. فان الدعاء سلاح الاقوياء والضعفاء وملاذ الانبياء الاصفياء. وبه يستدفعون كل قال الله تعالى وهنوا لما اصابهم في سبيل الله. وما ضعفوا وما استكانوا الله يحب الصابرين. وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا. وثبت اقدامنا وانصرنا فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب بالاخرة والله يحب المحسنين فوصفهم بانهم جمعوا بين الصبر والثبات والتضرع الدعاء فجمع الله لهم بين خير الدنيا والاخرة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وغيره يجمع بين التحريض والعمل بنافع الاسباب وبين التضرع والاستنصار بالملك الوهاب. فاعينوا رحمكم الله اخوانكم بالتضرع وكثرة الدعاء. وسلوا ربكم ان يدفع عنكم والشرور والبلاء. اللهم من علينا بالتوبة النصوح من جميع المعاصي. واكفنا الاعداء بما شئت. انت القوي الكافي. اللهم ان هؤلاء كفرة قد اعتمدوا على قواتهم والعدد والعديد. وانت يا مولانا ملجأ المؤمنين من كل كرب شديد. اللهم يا قوي يا عزيز يا حال لما يريد يا من بيده نواصي جميع العبيد. انصر الاسلام والمسلمين. واخذل بقوتك اعداء الدين. اللهم ان المسلمين لا يعتمدون الا عليك. ولا يلجأون الا اليك. ولا يدعون ولا يرجون احدا سواك. ولا لهم ملاذ ولا معاذ ولا ناصر الا اياك. اللهم انك قلت في كتابك ان الله يدافع عن الذين امنوا. فادفع عنهم شرور الاعداء واكشف عن كل شر وبلاء فانك نعم النصير ونعم المولى. اللهم انصر عبادك المؤمنين واكشف عنهم شرور الاعداء الكافرين اعنهم على عدوهم يا نعم المعين. ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا انك انت العزيز الحكيم. اللهم صل وسلم على محمد وعلى اله امين. حقوق المال في الاسلام. لا ريب ان الشرع قد بين للعباد كل ما يحتاجونه في امور دينهم ودنياهم. وخصوصا الواجبات الكبيرة التي هي اهم المهمات. الواجبات على القلب والواجبات على البدن. وجميع الاقوال والافعال. وكذلك وضح الله ورسوله الواجبات المالية توضيحا تاما مجملا ومفصلا. فامرنا باداء الحقوق المالية والانفاق مما رزق الله واثنى على القائمين بها. وذم المانعين لها او لبعضها. وفصل ذلك. فذكر الاموال التي تجب فيها الزكاة من الحبوب الثمار والمواشي والعروض والنقود. وذكر شروطها ونصبها ومقدار الواجب منها ولمن تدفع. للمصالح المحتاج اليها وللمحتاجين فاكدوا الحقوق المالية هذا الحق الاكبر. حق الزكاة التي هي اعظم اركان الاسلام ومبانيه التي لا يتم الا بها. وفصل ايضا ما في المال من النفقات الواجبة للنفس والاهل والاولاد والمماليك من الادميين والبهائم. وبين الله ورسوله ايضا وجوب الوفاء بالمعاملات الصحيحة والعقود الشرعية على اختلاف انواعها وتباين اسبابها. وبين ايضا فيما يتعلق بالمال من الحقوق العارضة اذا وجدت اسبابها كبدل النفوس والاموال المتلفة بغير حق وما فيه من الحقوق العظيمة فريضة لحاجة الغير من ضيف ونحوه. او الاضطرار الغير. فاوجب مواساة المضطرين. ودفع اضطرارهم باطعام الجائع العاري وهذا من فروض الكفايات. اذا قام به البعض سقط عن غيره. ومن ذلك الزام الناس بالمعاوضات منها ما هو محرم كاكراههم على البيع بثمن لا يرضونه او منعهم مما اباحه الله لهم. ومنها ما هو عدل مثل اكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل. اذا وجب عليهم البيع او الشراء لسبب يقتضي الوجوب. اما اداء دين او غيره. ويجب منعهم مما يحرم عليهم من اخذ الزيادة على عوض المثل. ومثل التسعير على العمال. ومن يحتاج الناس اليهم ومنعهم من اخذ الزيادة الفاحشة كما يمنع الناس من هضمهم لحقوقهم. ففي امثال هذه المسائل يجب على الناس مراعاة العدل ومنع اسباب الظلم وهذه الامور منها اشياء واضحة لكل احد. ومنها اشياء يكون فيها اشتباه والتباس. يجب ان تفحص وتحقق تحقيق تامة لتعرف مرتبتها. فما دامت مشتبهة فالاصل تحريم اموال الغيب. والاصل ابقاء الناس على معاملاتهم واحترام حقوقهم حتى يتضح ما يوجب الخروج عن هذا الاصل لاصل شرعي اقوى منه. واما ما يهذي به كثير من الناس عندما انتشرت الشيوعية وشاعت دعاياتها واثرت على كثير من العصريين وراجت على بعض اهل العلم من انه يصوغ لاولياء الامور ان يلزموا اهل الغنى والثروة ان يواسوا بذلك اهل الحاجة والفقراء. وان يفتتوا سروتهم على اهل الحاجات يسدد بزائد ثروتهم جميع المصالح التي تحتاجها الامة بغير رضاهم بل بالقهر والقصر. فهذا معلوم فساده بالضبط ضرورة من دين الاسلام وان الاسلام بريء من هذه الحالة الشيوعية او هي مبدأ الشيوعية ونصوص الكتاب والسنة على ذلك وابطال هذا القول صريحة وكثيرة جدا. واجماع الامة يبطل هذا القول المنافي لنصوص الكتاب والسنة. والمنافق للفطرة التي فطر الله عليها العباد. والفاتحة للظلمة وارباب الجشع ابواب الظلم والشر والفساد. فالله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدره على من يشاء. وقد جعل الله العباد بعضهم فوق بعض درجات في كل الصفات. في العقل والحمق وفي العلم والجهل وفي حسن الخلق وضده حكم بذلك قدرا. ويسر كلا لما خلق له. واوجب على كل من اعطاه شيئا من هذه النعم وغيرها من واجبات حددها وفصلها تفصيلا وجعل لنيل المطالب الدنيوية والاخروية اسبابا وطرقا. من سلكها افضت به الى مسبباتها. واوصلته الى نتائجها. وهؤلاء المنحرفون يريدون ان يبطلوا قدر الله وشرعه. ويبرروا واراءهم الفاسدة بشبه لا تسمن ولا تغني من جوع. وقد يضيقون ذلك الى بعض نصوص الشريعة تحريفا منهم يعرفه كل من له ادنى معرفة بالشريعة. وكثر الدعاة الى هذه الطريقة الشنيعة تغريرا من بعضهم واغترارا من اخرين يقلدونهم على غير بصيرة. والبصير لا يخفى عليه الامر. وقد يروجون باطلهم بان تضخم المال في ايدي فئة قليلة سبب لمفسدة الطرف المفسد للاخلاق. وسبب لاثارة الاحقاد من الفقراء والمعدمين. وهذا غلط فاحش وضعف ونظر فان الغنى قد يكون سببا للطغيان. وقد يكون سببا للتواضع. والتزود من طاعة الله والقيام بحقوق المال الشرعي وعلى فرض ما فيه من الترف ونحوه. فانما حاولوه من القضاء على ثروة المثرين سبب لشرور عظيمة. لتنسب اليها اي وسبب لاثارة فتن كثيرة عكس ما قالوه هل هذه الشرور والحروب الطاحنة الا من اثار ذلك كما هو معلوم لكل في احد وما قالوه في زيادة ثروة المال يقال مثله في زيادة قوة الجسد وصحة البدن فانه قد يبعث على شرور كما قد يبعث الى خير ويتوسل به الى خيرات. فنعم الله المتنوعة على العباد اما ان يشكروها ويتوسلوا بها الى ما خلقوا له له من عبادة الله وشكره والقيام بحقه. واما ان تكون بعكس ذلك. والله تعالى قد كفى عباده اضرار الثروة بما شرعه الاموال من الحقوق الواجبة والمستحبة التي لو قام بها ارباب الاموال لكانوا من خير البرية اخلاقا واعمالا واشرفهم معظمهم اعتبارا. ولما ترتب على ذلك من الشر شيء. ولكن لما منع اكثر الخلق ما اوجب الله عليهم من اموالهم خصوصا الزكاة سلط عليهم انواع الظلمة من ولاة ظالمين. ومن فتاوى الجاهلين المتجرئين. وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون. واعلم ان الشبه التي تثار لنصر كل باطل اذا فرض صحة بعضها فانها نظرية ضئيلة جدا ونظر قاصر حيث نظروا نظرا جزئيا وحكموا حكما كليا وعموا عن الاصول التي تبنى عليها الاحكام ويعتبرها الشرع وتتولد عنها المصالح العامة الكلية وتنغمر فيها المفاسد الجزئية وتوافق الشريعة والحكمة فطرة الله التي فطر عليها العباد وتدع الخليقة هادئة. والاسباب قائمة والارتباط بين الناس وثيقا. ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون. عنيزة عبدالرحمن الناصر بن سعدي. كتاب فضيلة الشيخ عبدالرحمن الناصر السعدي. من المحب عبدالرحمن الناصر السعدي الى جناب الاخ المكرم حمد العبد الله البادي مدير مدرسة الدفاع في عنيزة وزملائه الكرام. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اما بعد فانا سررنا كثيرا حيث زرناكم في مدرسة الدفاع امس سررنا بما رأيناه من علامات الاقبال والنشاط من المعلمين والعاملين والمتعلمين. وما يرجى لهذا النشاط من النتائج الجميلة والاثار الحميدة. ذلك بان مدارس الدفاع هي قوة البلاد والحكومة. وهي روح العز والطريق الاعظم الى مقاومة الاعداء وينبوع التقدم الديني والمعنوي والمادي. والضرورة داعية اليها. والواجب الديني والاجتماعي يلجأ اليها وهي اذا تمت شروطها الدينية والمادية والتعاليم التي لا تستقيم الا بها. فهي اعظم المدارس نفعا واكبرها وقعا اكثرها فائدة اذ بها حصول كل خير واندفاع كل شر. قال الله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. فامرنا هنا ان نعد للاعداء جميع ما نستطيعه من قوة معنوية وسياسية ومادية ونظم حربية. وهذا الاعداد يختلف باختلاف ففي الاوقات والاحوال ففي هذه الاوقات من اهم الامور السعي في التعاليم والتداريب العسكرية والفنون الحربية والقوة والشجاعة وقد تكفلت هذه المدارس الحربية بكل اسرة. وان حكومتنا ايدها الله بتوفيقه قد اولتها العناية التامة من جهات عديدة. من جهة الدين والاخلاق ومن جهة حفظ التلاميذ وصيانتهم عن الامور الضارة بكل طريق. ومن جهة العناية الكبيرة بالصحة وملاحقة بالاطباء الماهرين الناصحين. ومن جهة ملاحظة النظافة في ابدانهم ولباسهم ومحالهم. فان النظافة من اهم شروط الصحة ومن جهة القيام بمؤنتهم ومعاشهم قياما تاما تطمئن له نفوسهم. ولا يتطلعون الى شيء اخر. ومن جهة المعاشات والرواتب الشهرية التي لا يوجد لها نظير في الاقطار. ومن جهة اختيار الاساتذة الماهرين والضباط الناصحين الذين جمعوا مع مهارتهم التامة الشفقة والنصح والرأفة بتلاميذهم. فما كانهم الا ابناؤهم او ابلغ واذا اجتمع الامران الكفاءة والنصح تمت الامور وصلحت الاحوال. حيث تكون التعاليم الدينية والاخلاق المرضية هي الاساس الاكبر الذي اليه يرجعون. ويعتبرون النصح للدين والنصح للحكومة والنصح للشعب والتكافل بين الجميع الذي لا صلاح الا به. ويجمعون للتلاميذ بين التعاليم القولية والدراسية والتداريب الفعلية ما يتم به نجاحهم تقوى قلوبهم وابدانهم ويكتسبون الشجاعة وعلو الهمة والترقي الى كل صلاح واصلاح. فالمدارس التي على هذا الوصف المذكور بها صلاح الدين والدنيا. وبها القيام بفرض العين وفرض الكفاية من الجهاد. اعانكم الله على القيام بهذه الامور جليلة ووفقكم لكل خير. انه جواد كريم. وصلى الله على محمد وسلم. الرد على الزنادقة والقائلين بوحي الوجود من عنيزة الى قاهرة مصر في رجب سنة ست واربعين وثلاثمائة والف من الهجرة. ابعث جزيل التحيات قوافل السلام والتشكرات لحضرة الشيخ الفاضل السيد محمد رشيد رضا المحترم. حرسه الله تعالى من جميع الشرور. ووفقه وسدده في كل احواله امين. اما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فالداعي لذلك ما اقتضاه الحب. ودفعه الود المبني على ما له من المآثر الطيبة التي تستحقون بها الشكر من جميع المسلمين. التي من اعظمها تصديكم في مناركم الاغر لنصر الاسلام والمسلمين ودفع باطل الجاهلين والمعاندين. رفع الله قدركم واعلى مقامكم. وزادكم من العلم والايمان. ما تستوي خير الدنيا والاخرة وانعم عليكم بنعمه الظاهرة والباطنة. ثم اننا نقترح على جنابكم ان تجعلوا في مناركم المنير بحثا واسعا لامر نراه اهم البحوث التي عليها تعولون. وانفعها لشدة الحاجة، بل دعاء الضرورة اليه الا وهو ما وقع فيه كثير من فضلاء المصريين وراجع عليهم من اصول الملاحدة والزنادقة من اهل وحدة الوجود والفلاسفة بسبب روجان كثير من الكتب المتضمنة لهذه الامور ممن يحسنون بهم الظن ككتب ابن سينا وابن رشد وابن عربي ورسائل اخوان الصفا بل وبعض الكتب التي تنسب للغزالي وما اشبهها من الكتب المشتملة على الكفر برب العالمين. والكفر برسله وكتبه واليوم الاخر وانكار ما علم بالضرورة من دين الاسلام. فبعض هذه الاصول انتشرت في كثير من الصحف المصرية. بل رأيت سيرا طبع اخيرا منسوبا للطنطاوي قد ذكر في مواضع كثيرة من تفسير سورة البقرة شيئا من ذلك ككلامه على استخلاف ادم وعلى قصة البقرة والطيور ونحوها. بكلام ذكر فيه من اصول وحدة الوجود واصول الفلسفة المبنية على ان الشرائع انما ها هي تخييلات وضرب امثال لا حقيقة لها. وانه يمكن لاحاد الخلق ما يحصل للانبياء. ما يجزم المؤمن البصير وانه مناقض لدين الاسلام. وتكذيب لله ورسوله. وذهاب الى معان يعلم بالضرورة ان الله ما ارادها. وان الله بريء منها ورسوله ثم مع ذلك يحث الناس والمسلمين على تعلمها وفهمها ويلومهم على اهمالها وينسب ما حصل للمسلمين من الوهن والضعف بسبب اهمال علمها وعملها. ويح من قال ذلك. وقد علم كل من عرف الحقائق ان هذه العلوم هي التي وهانت قوى المسلمين وسلطت عليهم الاعداء واضعفتهم لزنادقة الفرنج وملاحدة الفلاسفة. وكذلك يبحث كثير منهم في الملائكة والجن والشياطين ويتأولون ما في الكتاب والسنة من ذلك بتأويلات تشبه تأويلات القرامطة الذين يتأولون العقائد والشراب فيزعمون ان الملائكة هي القوى الخيرية التي في الناس فعبر عنها الشرع بالملائكة. كما ان الشياطين هي القوى الشريرة التي في انسان فعبر عنها الشرع بذلك ولا يخفى ان هذا تكذيب لله ولرسله اجمعين. ويتأولون قصة ادم وابراهيم بتأويل الين حاصله ان ما ذكر الله في كتابه عن ادم وابراهيم ونحوهما لا حقيقة له وانما قصد به ضرب الامثال. وقد ذكر لي بعض اصحابي ان مناركم فيه شيء من ذلك. والى الان ما تيسر لي مطالعته. ولكن الظن بكم انكم ما تبحثون عن مثل هذا هذه الامور الا على وجه الرد لها والابطال كما هي عادتكم في رد ما هو دونها بكثير. وهذه الامور يكفي في ردها في حق المسلم المصدق للقرآن والرسول مجرد تصورها فانه اذا تصورها كما هي يجزم ببطلانها ومناقضتها للشرع وانه لا يجتمع التصديق بالقرآن وتصديقها ابدا. وان كان غير مصدق للقرآن ولا للرسول صار الكلام معه كالكلام مع سائر الكفار في اصل الرسالة وحقيقة القرآن. وقد ثبت عندنا ان زنادقة الفلاسفة والملحدين يتأولون جميع الدين الاسلامي التوحيد والرسالة والمعاد والامر والنهي بتأويل يرجع الى ان القرآن والسنة كلها تخييلات وتمويهات اه لا حقيقة لها بالكلية ويلبسون على الناس بذلك ويتسترون بالاسلام. هم ابعد الناس عنه. كما ثبت ايضا عندنا انه يوجد ممن كان يؤمن بالله ورسوله واليوم الاخر. ويعظم الرسول وينقاد لشرعه وينكر على هؤلاء الفلاسفة ويكفرهم في اقوالهم انه يدخل عليه شيء من هذه التأويلات من غير قصد ولا شعور. لعدم علمه بما تؤول اليه ولرسوخ كثير من اصول الفلسفة في قلبه ولتقليد من يعظمه. وخضوعا ايضا ومراعاة لزنادقة علماء الفرنج الذين يتهكمون بمن لم يوافقهم على كثير من اصولهم ويخافون من نسبتهم للبلادة وانكار ما علم محسوسا بزعم. فبسبب هذه الاشياء وغيرها دخل عليهم ما دخل دخل فالامل قد تعلق بامثالكم لتحقيق هذه الامور وابطالها فانها فشت وانتشرت وعمت المصيبة بها الفضلاء فضلا عن من دونهن ولكن لن تخلو الارض من قائم لله بحجة يهتدي به الضالون. وتقوم به الحجة على المعاندين. وقد ذكرت لحضرتكم هذه الاشياء على وجه التنبيه والاشارة. لان مثلكم يتنبه بادنى تنبيه. ولعلكم تجعلونه اهم المهمات عندكم ان فيه الخطر العظيم على المسلمين. اذا لم يرى الناس لكم فيه كلاما كثيرا وتحقيقا تاما. فمن الذي يعلق به الامل من علمائه الامصار رجاء بالله ان يوفقنا واياكم لما يحبه ويرضاه. ويجعلنا واياكم من الهادين المهتدين. انه جواد كريم وصلى الله على محمد وسلم محبكم الداعي عبدالرحمن بن ناصر السعدي. رد المنار. انا لا نألوا جهدا في الرد على كل ما نطلع عليه من البدع المخالفة لكتاب الله الصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الدعوة اليهما على الوجه الذي كان عليه جمهور السلف الصالح. وفي الرد على خصومهما كما يرى في مقالة اعداء الاسلام. من هذا الجزء الذي نعلمه انه بدعة وحدة الوجود وفلسفة اليونان في الالهيات والرسالة التي فتن الناس بها الباطنية وغيرهم في عصرهم قد نسب وزالت في هذا العصر فلم يبق لها دعاة. وان كان لها اتباع قليلون. وتفسير الشيخ طنطاوي جوهري لم نطلع عليه وانما رأينا جزءا واحدا منه عند احد اصدقائنا. فتصفحت قليلا منه في بضع دقائق فرأيت ان همه منه حث مسلمين على علوم الكون وشرح الكثير من مسائلها بمناسبة الايات التي ترشد الناس الى اياته تعالى في خلقه ونعمه على عباده كما جرى عليه في كتب اخرى له. وما نعرفه الا مسلما يغار على الاسلام. ويحب ان يجمع المسلمون بين الاهتداء به والانتفاع بعلوم الكون التي تتوقف عليها قوة الدول وثروة الامم في هذا العصر. ونحن قد سبقناه بالدعوة الى هذا وبيناه بالدلائل في مواضع كثيرة من تفسيرنا ومن المنار. وان كنا اشرنا الى الانتقاد على خطة الاستاذ المذكور في تفسيره فيما بيناه من اساليب المفسرين في فاتحة الجزء الاول من تفسيرنا ولعلنا نتحرى عند سنوح الفرصة لاطلاع على تفسيره ومراجعة ما كتبه من الايات التي ذكرتموها. ويجب عليكم ان تفرقوا بين علوم الكون التي ندعو اليها وبين الفلسفة قديمها وحديثها. فالفلسفة اراء ونظريات فكرية. وعلوم الكون عبارة عن العلم بما اودع الله تعالى في خلقه من المنافع كمنافع الماء وبخاره والهواء وما تركبا منه. ومنافع الكهرباء التي منها التليجراف والتليفون وغيرهما فجميع الصناعات العجيبة والالات الحربية من برية وبحرية وهوائية وجميع العقاقير الطبية مأخوذة من هذه العلوم فهي حقائق قطعية ثابتة بالحس. فمن يزعم انها تخالف ما بعث به الله رسله فقد طعن في دين الله وصد العلماء بها عنه. لانهم لا يستطيعون ان يكذبوا حواسهم. واما كفر من يكفرون في هذا العصر فاكثره من تأثير فلسفة الافرنج المخالفة لفلسفة اليونانيين. ومن جرى على طريقتهم كالعرب. وان خالفهم في بعض النظريات كابن سينا وابن رشد وغيرهما. والرد على هؤلاء بما يرجى ان ينفعهم او يقي كثيرا من الناظرين في فلسفة العصر من اضلالهم يتوقف بيانا على تأويل بعض الايات والاحاديث تأويلا ينطبق على مداولات اللغة في مفرداتها واساليبها. ويتفق مع العلم قوى العقل وليعلم اخونا صاحب هذه الرسالة ان الملاحدة والمعطلين في مصر وامثالها قد يصرحون بكفرهم ولا يخشون عقابهم ولا اهانة فهم لا يحتاجون الى التستر بالاسلام. كزنادقة الباطنية المتقدمين. وقصارى ما يلقونه من النقد اذا صرحوا بكفرهم في الكتب او الجرائد ان يرد عليهم بعض المسلمين بالكتابة. والناس احرار فيها. فاذا ادعى بعضهم مع نشر كفر انه مؤمن وجد من ينصره ويقول ان ما كتبه لا ينافي الايمان ولا يصادم الاسلام ولم يصرح احد من المصريين في هذا العهد بالطعن في الاسلام وتكذيب القرآن بمثل ما صرح به الدكتور طه حسين. المشتغل بالجامعة المصرية تدريس وتأليفا ولم يلقى احد من التفكير والتجهيل والطعن على ذلك مثل ما لقي من الكتاب والمؤلفين من علماء الدين وعلماء الدنيا حتى اقترح بعض اعضاء مجلس النواب عزله من الجامعة فلم تعزله الحكومة لان انصاره فيها كانوا اقوى من خصومه. وكان منهم عدلي باشا رئيس الوزارة وثروة باشا وزير الخارجية الذي طرز الدكتور طرة كتاب الطعن باسمه وعلي باشا الشمسي وزير المعارف واحمد لطفي بيك السيد مدير الجامعة. وقد بينا في فاتحة تفسيرنا وفي مواضع اخرى منه مسألة التأويل ذكرنا اننا نلم بتأويل بعض الايات لاجل الدفاع عن القرآن ورد بعض الشبهات التي يوردها الفلاسفة او غيرهم عليها حتى لا يكون لهم حجة مقبولة عليها مع تصريحنا بان اعتقادنا الذي ندعو اليه ونرجو ان نموت كما نحيا عليه واتباع ومذهب السلف في كل ما يتعلق بعالم الغيب من الايمان بالله وصفاته وملائكته وجنته وناره. والتأويل قد يكون المنفذ الوحيد لبعض الناس من الكفر وتكذيب القرآن. اذ من المعلوم ان الموقن بصدق القرآن لا يخرج من الملة بفهم بعض اياته فهما مخالفا لفهم غيره اذا لم يكن في فهمه هذا جحد لشيء مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة. ونرجو ان يقرأ اخونا صاحب هذه الرسالة الجزء الاول من تفسير المنار المشتمل على هذا البحث. ويكتب الينا بما يراه فيه. اني كنت منذ سنين كثيرة اتمنى لو يطلع بعض علماء نجد على المنار ويفتح بيني وبينهم البحث والمناظرة العلمية الدينية في فيما يرونه منتقدا. لينجلي وجه الصواب فيها. وقد كنت كتبت الى امامهم بذلك. واني سارسل اليه عشر نسخ من كل جزء ليوزعها على اشهرهم. وفعلت ذلك عدة سنين. ولكن لم يأتني منه جواب حتى ترجح عندي ان تلك النسخ كانت من البريد البريطاني في سني الحرب وما بعدها