(مشهد تمثيلي) [- زوجي نعم لكن هذا لا يعني أنَّه يحقُّ له أن يتحكَّم بي ليس له أن يسألني: إلى أين أنتِ ذاهبةٌ؟ ومن أين أتيتِ؟ أنا إنسانةٌ ليَ استقلاليَّتي... أستأذنه في الخروج من منزلي؟! أنا أستأذنه؟! هل أنا قاصرٌ حتى أستأذنَه كأنَّه وصيٌّ عليّ؟! كونه زوجي لا يعني أنَّه اشتراني، لست عبدةً عنده! [في مكتب المدير] - المدير: لماذا تأخّرتِ؟ المرأة: آسفةٌ حَضْرة المدير، كان عندي ظرفٌ - المدير: لا تتأخَّري مرةً أخرى العمل تعطَّل في غيابك - المرأة: حاضر - المدير: غدًا كوني مزروعةً في المكتب الساعة الثامنة صباحًا المرأة: حاضر [في مكتبها] المرأة: أسلوب المدير كان جارِحًا لكن ربَّما معه حقٌّ عصبيَّتُه مبرَّرة؛ إنَّها مصلحة العمل وحتَّى لو تضايقتُ، لا بدَّ أن أتحمَّل هذا عملي، مصدر نجاحي واستقلاليَّتي لا أُريد أن أعتمد على أحدٍ لا أريد أن أعتمد على أحدٍ...] ما الَّذي جعلها ترفض قِوامة الزَّوج وترفضُ (تدخُّلَه) وفي المقابل تتفهَّم تدخُّل المدير، وتحترم أوامره؟! ما الَّذي يجعلُها تتقبَّل سؤالَ المدير بصدرٍ رحْبٍ إذا سألها: "ماذا عمِلتِ في ساعات العمل؟" وتقف أمامه في أدبٍ تستأذنه: "هل تسمح لي أن أغادر العمل وأرجع الساعة الفلانية؟" في الوقت الَّذي ترى فيه استئذان الزَّوج أمرًا مُهينًا؟ هذا ولن نتكلم عن المؤسَّسات والمديرين الَّذين يفرضون على الموظَّفات ماذا يلبسن وماذا لا يلبسن ما الَّذي جعلها تتفهَّم مصلحة العمل وتتحمّل عصبيَّة المدير؟ خاصةً إذا لم يكن هناك فُرْصةُ عملٍ أخرى بينما إذا غضب زوجها: استنفرت، وتحدّت، وطالبت بالانفصال، ثم نشرت على حسابها: "Celebrating divorce" أي: (أحتفلُ بالطلاق) ما الَّذي جعلها ترفض سُلطة رجلٍ واحدٍ؛ زوجِها أو أبيها، لتقبل بعدها سُلطة عددٍ من الرجال الأجانب عنها يَقِلّون أو يكثرون بحسب الهيكل الإداريِّ ويتبدَّلون ويتغيَّرون فلا يُؤْمَن أن يتحكّم فيها من قَلّت أمانتُهُ، وفَسَدت أخلاقه؟ في المحصِّلة: ما الَّذي جعلها تستبدل الَّذي هو أدنى بالَّذي هو خيرٌ؟ إذن، ما معنى القِوامة؟ هل يمكن أنْ نكون نحن -معاشر الرّجال- نُسيء فَهم القِوامة، وبالتَّالي فزوجاتنا يرفضن -أحيانًا- ما هو مرفوضٌ شرعًا بالفعل؟ إذن، ولماذا تكون هناك قِوامةٌ أصلًا؟ لماذا لا تكون كل قرارات الأسرة بالتَّشارك، ورأي المرأة بنفس وزن رأي الرجل؟ أليس الأصل أن تكون هناك مساواةٌ مُطْلقةٌ بين الرّجل والمرأة؟ هل القِوامة للرجل -هي ببساطةٍ- من أجل ذُكورته البيولوجيَّة؟ لأنَّ لديه كروموسوم (Y) بينما الأنثى كروموسوم (X)؟ حسنًا، ماذا إذا امتنع الزَّوج عن الإنفاق على زوجته ورعايتها، هل تبقى له القِوامة؟ ماذا إذا كانت الزَّوجة هي من تُنْفق على البيت وعلى زوجها ألا يحقُّ لها أن تكون القِوامة لها في هذه الحالة؟ ماذا إذا كانت الزَّوجة دكتورةً والزَّوج ليس متعلمًا أصلًا لماذا تكون له القوامة في هذه الحالة؟ ألا تَفْتح القوامة المجال لتسلّط الرّجل على المرأة؟ ما قصَّة الأخت التي ذهبت لبلد الزهور (هولندا) وما رأته هناك والرسالة التي أرسلتها إلينا؟ هذه الأسئلة كلها -يا كرام- سنجيب عنها في حلقة اليوم، وهي من أهمِّ الحلقات فتابعونا... ما الَّذي جعل المرأة تستبدل الَّذي هو أدنى بالَّذي هو خيرٌ؟ فترفضُ سُلطةَ الزّوج وقوامتَه، بينما تتقبّل سُلطةَ المدير، بل وربما مجموعةٍ من الرجال الأجانب عنها؟ المسألة ميزان؛ في إحدى كفَّتيه القوامة الشَّرعية، وفي الأخرى سُلطة المنظومة الماديّة تمَّ تزيين سلطة المنظومة الماديّة على المرأة، وفي المقابل تشويه القوامة من قِبَل أعدائنا، وبسوء ممارسات كثيرٍ من المسلمين والميزان الذي تقيس به هذه المرأة ميزانٌ مختلٌّ؛ مضبوطٌ على معيار المساواة لا العدل، فكانت النَّتيجة: أن رَجَحَتْ كفّة السلطة الماديّة، وطاشت كَفَّة القِوامة الشَّرعية في زمن تقْديس الماديّة المدير هو وليُّ نعمتها، المساعدُ لها على التّمكين الاقتصاديِّ -الذي تكلّمنا عنه- والذي خادعها به (رامبو) و(قرعاق) فسُلْطة المدير جزءٌ من المنظومة الماديّة التي تحقق للمرأة استقلال الإنسان المتألِّه؛ المؤلِّه لأهوائه، كما بيَّنا في حلقة: (المرأة المتألِّهة) بينما القِوامة أمر الله فهانت على المرأة المتألِّهة هذه المرأة تستهين بالقوامة تبعًا لاستهانتها بمؤسَّسة الأسرة في مقابل تعظيمها للمؤسَّسات التي تُحقِّق الإنتاج الماديَّ تستهين بالقيم والمعاني الإيمانيَّة والأُخرويَّة التي أُقيمت الأسرة من أجلها، في مقابل تعظيمها للقيم الماديّة ولا ننسى طغيان الماديّة لا على المرأة فحسب، بل وعلى المجتمع ورجاله أيضًا بحيث أصبح كثيرٌ من الرَّجال يُقيّمون المرأة باكتسابها للمال، وانعكس ذلك على نظرتِها لنفسها في المقابل تشوَّه لدى المرأة مفهوم القِوامة والولاية من الرَّجل عليها، أبًا كان أو أخًا أو زوجًا؛ بسوء الممارسة حينًا، وبتشويه أعداء الدِّين لهذه المفاهيم أحيانًا فأصبح لدى كثيرٍ من النِّساء منظومةٌ من صورٍ نمطيَّةٍ مكرَّسةٍ، وعاطفةٍ، ولا وعيٍ أُعيدت صياغته فهي تُحاكم الآيات والأحاديث بهذه المنظومة وهي لا تشعر تنطلق من عُقدة المظّلوميّة قد تكون ظُلمت بالفعل، لكن شعورها بالظّلم امتدَّ ليشمل جنس الرّجال كُلِّهم بل ولتحسَّ بالظّلم مِن الله تعالى! فإذا سَمِعَتْ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [القرآن 34:4] سمعتها على النحو الآتي: "الرِّجال لهم أن يتسلَّطوا عليكِ، ويتحكَّموا فيكِ لأنَّهم أفضل منكِ، ويُنفقون عليكِ، فلهم أن يشتروا حريَّتكِ وكرامتَكِ بمالهم، ويَمنُّونَ عليكِ بهذه النفقة، تحت شعار: القِوامة والولاية..." تمامًا كما يحصل مع المصابين بالفصام مما يُسمّى بـ البارانويا "Paranoia" -الشكُّ في أنَّه مُتآمَرٌ عليه، فيسمع صوتًا داخليًا يُفَسّر الكلام الَّذي يُقال له ضمن نظريّة المؤامرة- بينما الآية في الحقيقة لمن فهِمتْ أمر ربِّها، وآمنتْ بحكمته وعدله: ﴿الرِّجالُ قوَّامُون على النِّساء﴾ [القرآن 34:4] أي: متكفِّلون بأمر النِّساء، مَعْنِيّون بشؤونهنّ فهذا أمرٌ من الله للرِّجال أن يتكفَّلوا برعاية المرأة، وحِفْظها، والإنفاق عليها وكفاية حاجاتها، ولا يُعرِّضوها للمذلَّة، ولا يتركوها نهبًا للذّئاب، كما رأينا في حلقة: (تحرير المرأة الغربية) القِوامة: وظيفةٌ واجبةٌ على الرجل تِجاه المرأة زوجةً كانت أو أختًا أو بنتًا أو سواها، بحسْب التّرتيب الشَّرعي لمنزلته من المرأة وهذه الوظيفة ليست حقًّا للرجل يمكن أن يتنازل عنه، بل هو واجبٌ عليه يأثم بتركه فلا تَعْدَمُ المرأة في النِّظام الإسلاميِّ رجلًا يقوم عليها، ويكفيها الحاجةَ إلى كسب المال، إلا أن ترغب من نفسها فإن عَدِمت ذلك الرجل فالدَّولة تكفيها حاجاتها، والسلطان وليُّ مَن لا وليَّ له فالقِوامة حقُّكِ أنتِ على الرِّجال، القِوامة تعني أن يدافع عنك، وعن عِرضك، ويفديَكِ بنفسه إن تَطَلّب الأمر، وينتصرَ لكِ إن مُسَّتْ كرامتكِ بأدنى شيءٍ، لا كما يحصل في عالم الدَّيَاثة الغربيِّ (قوّامون)؛ واللاتي حرَّضهنَّ (الرَّامبوهات) و(القَرَاعيق) على رفض هذه القوامة، تحت شعار: "التّمكين الاقتصاديِّ" وقع كثيرٌ منهنَّ في الفخِّ، فاقترضنَ من (القراعيق) ثم عجَزن عن السداد، فجاءت الدَّولة -الدَّولة التي يجب عليها في النِّظام الإسلاميِّ أن تكفي المرأة إذا احتاجت- جاءت هذه الدّول لتحبس النِّساء أو تُذِلهَّن، بعدما استدرجتهنَّ لرفض القوامة الشّرعية، فلمّا اسْتَبدلت المرأة الذي هو أدنى بالّذي هو خيرٌ، أُبْدلت بقوامةِ أهلها حبسَ (قرعاق) ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النّسَاءِ﴾ [القرآن 34:4] هؤلاء الرّجال القوَّامون يجب عليهم قيادة الأسرة وهي مسؤوليةٌ قبل أن تكون حقًا ولهم -بحسْب هذه المسؤولية- طاعةُ النِّساء لهم فيما هو من حقوقهم عليهنَّ؛ كأن لا تخرج المرأة من بيتها دون إذن زوجها ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ [القرآن 34:4] ولم يقل تعالى: "بما فضّلهم عليهنَّ" ولا: "بما فضَّل الرِّجال على النِّساء" بل: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ [القرآن 34:4] ففضَّل الرجال في أحكامٍ ومهامٍّ وفضَّل النِّساء في أحكامٍ ومهامٍّ هذا التَّفْضيل فيه مراعاةٌ حكيمةٌ لما جُعِل في خِلقة المرأة من عاطفةٍ، وقدراتٍ جسميَّةٍ وذهنيَّةٍ، تجعلها مؤهَّلةً لأن تُوكَل بتربية الأولاد، ولأن تكون حُضنًا دافئًا وسكيْنةً لزوجها، كما هو لها وهذا التّفْضيّل فيه مراعاةٌ لما جُعل في خِلْقة الرّجل من قدراتٍ جسميَّةٍ وذهنيَّةٍ ونفسيَّةٍ، تجعله أقدرَ على الكسْب، وحُسْنِ اتخاذ القرار ﴿وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [القرآن 34:4] هذا الركن الثاني ليكون للرجل حقُّ ومسؤوليةُ قيادةِ الأسرة؛ فالرّجل الَّذي يُنْفق، ويتعب، ويحمي، ويرعى... هو الذي يتَّخذ القرارات في النهاية، ويتحمَّلُ مسؤوليتها، ويدفع ثمنها حسنًا، وإذا لم يُنفق الرجل؟ إذا لم يقم بالواجب عليه؟ تتعرَّض قوامتُُه للسقوط؛ أسقط واجباتِه، فتسقط معها حقوقُه -كما سنفصِّل- فالقِوامة مشروطةٌ بشرطين: 1- الرُّجولة وما معها من تفّضيلاتٍ تجعله مؤهَّلًا للقوامة 2- والإنفاق؛ يعني القيام بمقتضى هذه الرجولة والتّفضيلات وهذا مهمٌّ جدًا أن يعلمه الرِّجال والنِّساء القوامة ليست بمجرَّدِ ذُكُورتك، ولا لأنَّك حاملٌ لكروموسوم (Y)، بينما الأنثى كروموسوم (X) ولا لأن عندك هرمون (التستوستيرون)، وهي عندها (استروجين) كما يفعل بعض الخائبين المقصِّرين المتخّلين عن واجباتهم، ثم يرفعون على المرأة سيف القِوامة والولاية! القِوامةُ مرتبطةٌ بقيامك بواجبات القِوامة بعدما استعرضنا تزيين السُّلطة المادِّيَّة، وتشويهَ القِوامة الشَّرعيَّة، تعالي نرَى خَلَل الميزان الذي يوازِن بينهما... المرأة التي تنفِر من القوامة؛ لأنَّها لا تُساوي بين الرَّجل والمرأة أو عندما تقول: لماذا لا يُسمح للمرأة أن تضربَ زوجَها تأديبًا أيضًا؟ أو لماذا لا يُسمح في الإسلام للمرأة أن تتزوَّج أربعةَ رجالٍ؟ لاحظي أن المقدِّمة التي تنطلق منها في هذا كلِّه هو أنَّ المساواة هي المعيارُ الحقُّ المُطلق تنطلقُ من هذا المبدأ وكأنَّه مسلَّمةٌ لا نقاشَ فيها، ثم تقيسُ أحكامَ الإسلام إلى هذه المسطرة، ولم يخطرْ ببالها أن تسألَ إنْ كانت مسطرتُها نفسُها صحيحةً! قيمة الإسلام العليا -والتي يُحاكَمُ إليها كلُّ شيءٍ- هي طاعة الله -سبحانه- الذي جعل دينَه قائمًا بالحقِّ والعدل، وليس المساواة بالضَّرورة؛ فالمساواة تكون أحيانًا حقًّا وعدلًا، وأحيانًا أخرى ظلمًا وباطلًا لا يُنكِرُ عاقلٌ وجودَ فرقٍ بين الرَّجل والمرأة في التَّكوين الجسديّ والنَّفسيّ والعاطفيّ والقدرات والمواهب، وبالتَّالي فلكلٍّ منهما ما يناسبه من الحقوق والواجبات هذا أمرٌ عقليٌّ واضحٌ محاولة تكليف المرأة بواجبات الرَّجل وإعطائها حقوقَه سينتجُ عنها منافرةٌ لطبيعة المرأة، المرأة الغربية تعرَّضتْ لظلمٍ من الرَّجل، ولم يكنْ مطروحًا لديها الاحتكامُ إلى وحيٍ ربَّانيٍّ يوضِّح الحقوق والواجبات بعدلٍ، فاختارت المساواة، فانتهى بها الأمر أنَّها لم تحقِّقْ لنفسها حقًّا ولا عدلًا ولا حرِّيَّةً ولا مساواةً، كما بينَّا في حلقة: (تحرير المرأة) وانتقلت المرأة الغربيَّة من ظلمٍ إلى ظلمٍ فمساواة المرأة بالرَّجل ظلمٌ لها! في الإسلام ووحِيه المحفوظ الله الذي فرَّق بين الجنسين في التَّكوين الجسديِّ والنَّفسيِّ والعاطفيِّ شرع -سبحانه- لكلٍّ منهما من الأحكام ما يناسبهُ، على أساس الحقِّ والعدل ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [القرآن 14:67]، لم يساوِ الإسلام بين برِّ الأب وبرِّ الأم، بل فضَّل برَّ الأم، وكان في ذلك قائمًا بالحقِّ والعدل، لم يساوِ الإسلام حين ألزمَ الرَّجلَ بنفقة البيت كاملةً للمرأة ولأولادهما، بينما لم يُوجِبْ على المرأة أيَّة نفقةٍ فحتَّى وإن كانت غنيَّةً، وأغنى بكثيرٍ من زوجها ليس عليها نفقةٌ لم يساوِ الإسلام حينَ أوجبَ الجهادَ على الرَّجل لحمايةِ المرأة، ولم يُوجبْه على المرأةِ لحمايةِ الرَّجل لم يساوِ الإسلامُ حينَ أباحَ للمرأةِ أن تلبسَ الذَّهبَ والحرير، وحرَّمَ ذلك على الرَّجل لم يساوِ الإسلام حينَ جعل حقَّ الحضانة للأم دونَ الأب عند افتراق الزَّوجين، وكان الإسلامُ في هذا كلِّه محقِّقًا للحقِّ والعدل بعدمِ المساواةِ بين الجنسين عبادةُ الله تعالى تعني: استمدادَ المعايير من الله بينما تأليه الإنسان يؤدِّي -في المحصِّلة- إلى تضييعِ الحقِّ والعدلِ والحرِّيَّةِ والمساواة، خاصَّةً في شأنِ المرأة -كما بيَّنَّا- المؤمنة تُسَلِّمُ حبًّا وكرامةً وتعظيمًا لأمر ربِّها القائل: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [القرآن 4: 32] لا تتمنَّي أشياء خصَّ الله بها الرَّجلَ، كما لا ينبغي له هو أن يتمنَّى أشياء خُصَّتْ بها المرأة بل آمِنوا جميعًا بعدلِ الله وحكمته، ومع ذلك ففي ضمن دائرة ما أعطاكِ الله استعيني بهِ واسأليه من فضله، وانظري إلى عطايا الله بعد ذلك كيف تكون! رَبٌّ خلقَ الذَّكرَ والأنثى يأمرُ بما فيه العدل للذَّكر والأنثى قال تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ﴾ [القرآن 4: 34]. ومن معانيها: احفظي حقَّ الرَّجلِ أيَّتها المرأة مقابلَ ما حفظَ اللهُ مِن حقِّك على الرَّجل من اختلَّ عندها الميزان كانت القِوامة في حسِّها تحكُّمًا وتسلُّطًا وإهانةً وإذا وضعنا الأمورَ في نصابها علمتِ أنَّ القِوامة هي: رعايةٌ، حمايةٌ، طمأنينةٌ، راحةٌ، وانسجامٌ مع طبيعة المرأة وفِطْرتها، وحَقٌّ ممنوحٌ لها من رَبِّها إذا فَهمْتِ هذه القاعدة وانضبطَ عندَكِ الميزان فارجعي البصر إلى سماء الشَّريعة: هل تريْنَ مِن فُطُورٍ؟! هل تريْنَ من خللٍ أو نقصٍ؟! لا والله لن تريْ خللًا! فالذي أحكمَ خَلْقَه قد أحكمَ شريعتَه بعد هذا تعالَ وتعالي نُجِب عن تساؤلاتٍ كثيرةٍ نسمعُها عن الموضوع؛ لنرى كيفَ أنَّها شريعةُ حقٍّ وعدلٍ وفضلٍ بالفعل [سؤال 1] ماذا إذا اختلفَ الزَّوجانِ، وأصبحَ كلٌّ منهما يقول للآخر: افعلْ واجباتِك تجاهي لأعطيَكَ حقوقَك؟ نقول: الأصلُ أنَّ الزواج مبنيٌّ على المودَّة والرَّحمة والألفة، يُؤدِّي كلٌّ من الزَّوجين ما عليه وزيادةً بحبٍّ وعن طيب نفسٍ، وليستْ مؤسَّسةً مُحاسبيَّةً يُحاسِبُ كلُّ طرفٍ فيها الآخر كأنَّهما شريكانِ مختصمان على الحِصص فإذا حصل خلافٌ كان اللُّجوءُ إلى قاضي المودَّةِ والرَّحمةِ الذي جعلهُ اللهُ بينهما ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [القرآن 30: 21] وعندما يَكثُر استخدام كلمة: (حقِّي) و(واجبُك) فهذا دليلٌ أنَّ مؤسَّسة الزَّواج ما عادتْ تُؤدِّي ما أُقيمتْ من أجلِه، كلُّ الشَّركات يُمكن أن تقومَ بالعدل إلا شركةَ الزَّواج؛ لا تقومُ إلا بالفَضْل [سؤال 2] حسنًا كلامٌ جميلٌ، لكن إذا تَمسَّكَ كلُّ واحدٍ بموقفِه، ودخلنا في حلقةٍ مُفْرَغةِ: - اعملْ واجبكَ أنتَ.. - لا، اعملي أنتِ.. من الذي نَميلُ عليه أكثر؟ من المطالَبُ أكثرَ بالاستيعاب والمسامحة؟ نقول: المطالَبُ هم الرِّجال؛ قال الله -تعالى- في سورة [البقرة]: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [القرآن 2: 228] اسمعي ما أجملَ قول شيخ المفسِّرين الإمامِ ابن جريرٍ الطَّبريِّ بعد أن أورد الأقوال في تفسير هذه الآية: قال الطَّبريُّ -رحمه الله-: "وأَوْلى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عبَّاس: وهو أنَّ الدَّرجة التي ذَكَر اللهُ -تعالى ذِكرُه- في هذا الموضع: الصَّفحُ من الرَّجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤُه لها عنه، وأداءُ كلُّ الواجب لها عليه" إلى أن قال الطَّبريُّ: "وهذا هو المعنى الذي قصده ابن عبَّاس بقوله: ما أُحِبُّ أن أستنظِفَ جميع حقِّي عليها؛ لأن الله -تعالى ذكرُه- يقول: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [القرآن 2: 228] ومعنى الدَّرجة: الرُّتبة والمنزلة"، بمعنى: أيُّها الرَّجل سامحْ وتحمَّلْ، اصفحْ إذا قصَّرتْ زوجتك معك وتغافل عن زلَّاتها وأدِّ أنت ما عليك ولا تقلْ لها: "اعملي الذي عليكِ لأعمل الذي عليّ"، بل اكسبْ هذه الدَّرجة عند الله بالمسامحة والتَّحمُّل وأداء ما عليك، ثم قال الطبريُّ: "وهذا القولُ من الله -تعالى ذكرُه- وإن كان ظاهرُه ظاهرَ الخبر فمعناه معنى ندبِ الرِّجال إلى الأخذ على النِّساء بالفضل ليكونَ لهم عليهنَّ فضلُ درجةٍ" أيْ أنَّ الآية ليستْ خبرًا -أيُّها الرَّجل- أنَّ لك درجةً على المرأة لمجرَّد ذكورتك، ولا لأنك حاملٌ لكروموسوم (Y) وهيَ كروموسوم (X) بل تكون لك درجةٌ إذا تحلَّيتَ بهذه الأخلاق من المسامحة والاستيعاب ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [القرآن 49 : 13] وللرَّازي كلامٌ جميلٌ شبيهٌ بكلام الطَّبريِّ في أحد الوجهين لتفسير: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ فتصوَّرْ ما يفعلُه بعضُ الأزواج حين يقصِّرون في أداء ما عليهم غاية التَّقصير ويطالبون المرأة بما عليها تحت شعار: "القِوامة لي، وليَ عليكِ درجةٌ" فيعكسون مفهوم الآية! الرَّجل الذي له هذه الدَّرجة والذي يعملُ بما يرقى إلى مستواها هو الذي له الحكم والطَّاعة في إدارة مؤسَّسة الأسرة، ومؤسَّسةِ الزَّواج بهذه الدَّرجة أيضًا وهو الذي سيتحمَّل مسؤوليَّات وتبِعات القرار -مهما كانت صعبةً- بهذه الدَّرجة أيضًا [سؤال 3] حسنًا، ولماذا تكون هناك قِوامةٌ أصلًا؟ لماذا لا تكون كلُّ قراراتِ الأسرة بالتَّشارك، ورأيُ المرأة بنفسِ وزنِ رأي الرَّجل؟ - تقصدين بالتَّشاور؟ أي: يشاوركِ الزَّوج فيما يؤثِّر في حياتكما ثمَّ يقرِّر هو؟ - لا لا، بالتَّشارك - حسنًا، كيف بالتَّشارك وأنتما زوجان؟ أي رقمٌ زوجيٌّ ولا بدَّ من الحسم في المحصِّلة في كلِّ الشَّركات والمؤسَّسات والمدارس والجامعات لا بدَّ من رأسٍ، لا بدَّ من قائدٍ، وإذا كان مجلس إدارة أيَّةِ مؤسَّسةٍ زوجيَّ العدد أُضيفَ شخصٌ -ضرورةً- ليصبحَ العددُ فرديًّا؛ لأنه لا بدَّ من مرجِّحٍ في النِّهاية مِنَ النِّساء منْ تفهمُ ذلك جيِّدًا، لكنَّها لا تفهمُه في مؤسَّسة الأسرة! بل ترفض أن يكون للزَّوج القرارُ الأخير، وتصرُّ أنَّ الرَّجلَ والمرأة متساويان في تسيير الأسرة، وأنَّ كلَّ القرارات لا بدَّ أن تكون بالتَّشارك، وهو فَرَضٌ مستحيلٌ لا بدَّ عندها من الاتِّفاق على كلِّ قرارٍ وإلا كان تسلُّطًا من الزَّوج، وذكوريَّةً، وسوءَ استخدامٍ للقِوامة في نظرها! فتنهار الأسرة أو يتنغَّصُ عيشها على الجميع لأَتفه الأسباب، ويثورُ نقاشٌ على كلِّ شيءٍ بل وكم من زوجين انفصلا وتطلَّقا قُبيل الزِّفاف لخلافاتٍ من هذا النَّوع وهذا -مرَّةً أخرى- ناتجٌ عن الاستهانة بمؤسَّسة الأسرة في مقابل تعظيمها للمؤسَّسات التي تُحقِّقُ الإنتاج المادِّي تستهينُ بالأسرة لأنَّها لم تفهمْ -كما كثيرٍ من الرِّجال أيضًا- مفهومَ الأسرة في الإسلام، فيتزوَّجون إشباعًا لغرائز الميل للجنس الآخر، وغريزة الأبوَّة والأمومة فحسب، وكزينةٍ اجتماعيَّةٍ؛ لأنَّ النَّاس يتزوَّجون فأنا تزوَّجت! بينما في الإسلام: الأسرةُ لَبِنَةُ الأساس في إقامة أمر الله وعَمارة الأرض وقوَّة الأمة أمام أعدائها؛ فهي أهمُّ من كلِّ المؤسَّسات، فنقول للزَّوجة: ناقشي، أبدي رأيَكِ، وفي حديث البخاري ومسلم: أنَّ أزواج النَّبي -صلى الله عليه وسلم- كُنَّ يُراجِعْنَه، أي: يناقشْنَهُ ويُخالِفْنَهُ الرَّأي في بعض الأمور الدُّنيويَّة، لكن في المحصِّلة: تطيعُ المرأةُ زوجها فيما يتَّخذه من قرارٍ حتَّى وإنْ خالفَ رأيَها ما لم يكن معصيةً [سؤال 4] - لكن هناك من الرِّجال من يسيء استخدام مفهوم القِوامة، أو الوِلاية على المرأة... - صحيحٌ، فنقول كما قلنا في حلقة (الإسلام وضرب المرأة): سوءُ التَّطبيق هذا مَطعنٌ في المُسِيء، لا في مبدأ القِوامة ذاتِه، ولا في الشَّريعة التي جاءت به فيُمنع الزَّوج من التَّعسُّف في استخدام سلطته بالوسائل الشَّرعية، بل وقد يُحرَم في القضاء الإسلامي الصَّحيح من وِلايَتِه أو قِوامته بسلطان الشَّريعة أيضًا إن كان ساقطَ الأهليَّة لها وتبقى القِوامة مبدأ حقٍّ وعدل، مع التَّأكيد على أنَّ الأصل في العوائل السَّتر، لا القفز إلى القضاء دونَ استنفاد الحلول قبله القِوامة والوِلاية مركبٌ تُقاد به الأُسَر، إذا أساءَ سائقُ مركبةٍ -أنتِ فيها- قيادتَها وتَسبَّب في حادثٍ أضرَّ بكِ، فلنْ تذُمِّي مبدأ استخدام المواصلات، بل ستقولين: "هذا سائقٌ مسيءٌ" [سؤال 5] قد تقولين: أنا أُنفق على البيت أيضًا، فهل ليَ حقٌ في القِوامة؟ فنقول لكِ: أنتِ بإنفاقك على البيت تنازلتِ عن حقٍّ لكِ هذا تنازلٌ منكِ وإحسانٌ، لكنَّه لا ينقل القِوامة إليكِ فالقِوامة أمرٌ ثابتٌ للرجال المنفِقين إنْ تنازلت المرأة أو أحْسَنَت، فلها أجرٌ لكنْ هذا شيءٌ، وحق القِوامة شيءٌ آخرٌ ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّـهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ [القرآن 32:4 ] [سؤال 6] قد تقولين: أنا أُنفق لا على سبيل الإحسان، لكن لأنَّ زوجي مقصِّرٌ لا يُنْفق على البيت بشكلٍ كافٍ... فنقول: القِوامة مُعلَّلةٌ في القرآن بعلَّتين: ﴿بِمَا فَضَّل اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [القرآن 34:4 ] إذا الزَّوج امتنع عن النَّفقة مع قُدرته عليها، فقد أخلَّ بواجب القِوامة، وفَقَدَ سببها، وصارت قِوامتُه معلَّقةً برضا المرأةِ وقبولها - معقولٌ؟! ظننَّا أنَّه يأثم لكن تبقى القِوامة له... - لا، وهذه المسألة ليست خلافيةً بين العلماء، بل هم متَّفقون على ذلك - حسنًأ، ماذا تفعل المرأة في هذه الحالة؟ - لديها خَيارات: فلها أن تأخذ من ماله دون إذنه ما يكفيها وأولادها بالمعروف، أو لها أن تلجأ إلى القضاء الإسلاميِّ ليفّرض على الزَّوج النَّفقة رغمًا عنه، لها أن تُنْفق من مالها وتبقى النَّفقة دَيّنًا في ذمَّة زوجها، ولها أن تستدين بأمر القاضي دَيْنًا يبقى في ذمَّة الزَّوج، ولها أن تبقى على ذمَّة زوجها لكن لا تُمكّنه من معاشرتها كزوجةٍ، بل تخرج من بيته وتنتقل إلى بيت أهلها، فتكون القِوامة عليها لوالدها أو أخيها مثلًا أي أن تنتقل من قِوامةٍ لقِوامةٍ ولا تَعْدم من يتحمَّل مسؤوليَّتها، ولها أن تطلب التَّفْريق بينها وبين زوجها - ماذا يا إياد حوَّلناها إلى درس فقهٍ؟! - لا، وإنَّما هذا كلُّه تأكيدٌ على معنًى مهمٍّ جدًا أنَّ الرَّجل إذا تخلَّى عن مسؤوليَّات القِوامة، فإنَّه يتعرَّض لفقد حقوقها فالقِوامة ليست له على ذكورته فحسب، ولن تُترك المرأة لرحمته ويُقال لها: "تحمَّلي ظُلمه في الدُّنيا ولكي الأجر في الآخرة"! بل الإسلام يُنْصِفُها دُنيَا وآخرةً فما بالك بالأزواج الَّذين يُدَخِّنون، ويُقَدِّمون دُخَّانهم على نفقة زوجاتهم وعيالهم؟! القِوامة حفظٌ للزَّوجة، ودفْع ما يؤذيها عنها فما بالك عندما يكون الزَّوج هو من يؤذيها بالتَّدْخِّين بالبيت، وحُزمة الأمراض التي يتسبَّب بها للزوجة بذلك ما بالك بالعوائل التي إذا جاء المحْسِنون ليساعدوها، قالت الزوجة -محقْةً- للمُحْسِن: "بالله عليكَ لا تعطي المال لزوجي؛ فسيشتري به الدُّخَّان ويتركني وعيالي"! قال الله -تعالى-: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [القرآن 4 :5 ] والآية هي أصالةً للرِّجال ألاَّ يُعطوا المال للأطفال السُّفهاء بينما في مجتمعاتنا مِن (الرِّجال) مَنْ تنطبق عليه هذه الآية! وهم مع هذا كلِّه يظـُنُّون أنَّ لهم قِوامةً لمُجَرَّد ذكورتهم [سؤال 7] قد تقولين: زوجي لا يُؤَدِّي حقوقي الماليَّة أو غيرها، ويسيء معاملتي، ولا أستطيع اللجوء إلى أهلي، أو إلى القضاء، أو لجأت فلم يُنْصِفُوني، ومُضطرَّةٌ أنْ أعيش معه؛ فأهلي فقراءٌ، أو غير مستعدّين لاستقبالي... نقول لك في هذه الحالة: تَذكّري أنَّ الَّذي ظَلَمك ليس الشَّريعة، ولا مبْدأ القِوامة ربَّما ظَلَمكِ زوجك، أهلك، المجتمع البعيد عن الشَّريعة، القاضي، الدَّولة أمَّا الشَّريعة فهي ملاذكِ لا خصمكِ -يا أختي- فينبغي أن يدفعكِ وقوع الظُّلم عليكِ إلى نُصْرة الشَّريعة الَّتي تَنْصُركِ، وتمنع وقوع الظُّلم عليكِ، وعلى غيركِ فالشَّريعةُ ملاذكِ لا خصمكِ [سؤال 8] حسنًا، ما هي النَّفقة التي نتكلَّم عنها؟ ليست نفقةً مُرهقةً للزَّوج، بل ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّـهُ﴾ [القرآن 7:65] وليس مطلوبًا منه أن يُجاري الكماليَّات، والتَّنافس في الماديَّات، ثمَّ يُقال له: "افعل وإلا فقدت القِوامة" بل الإسلام يحارب ثقافة الاستهلاك الماديِّ، وإرهاق الأُسَر، وتهديد استقرارها به [سؤال 9] حسنًا، ماذا إذا كان الزَّوج غير قادرٍ على النَّفَقَة؛ فالوضع الاقتصاديُّ في بلاد المسلمين كما ترون، وكثيرٌ من الرِّجال يفقدون أعمالهم، وتنهار تجاراتهم؟ هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء، لكنَّنا نحُضَّ المرأة -حينئذٍ- أن تصبر على ضيق حال زوجها، وأن تَتَذكَّر قول الله -تعالى-: ﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [القرآن 2 :237] لكن، مِن وضع الأمور في نصابها أن يُذَكَّر الطَّرفان -حينئذٍ- أنَّ هذا الصَّبر فضْلٌ من المرأة، ليس واجبًا عليها، بل إحسانٌ منها فيُقَدِّرَ الزَّوج هذا الوفاء والإحسان، ويحتسب موقفها هذا في رصيدها، ويزيدَه تَحَمُّلًا لأخطائها وهِيَ عندما تعلم أنَّ إحسانَها مقدَّرٌ، فإنَّ نفسَها تَطيبُ بهذا البذل ضيقُ حالِ الرَّجل مصدر ضيقٍ نفسيٍّ للمرأة الَّتي جُبِلت فِطرةً على الاعتماد على غيرها في النَّفقة؛ فلديها حاجةٌ وجدانيَّةٌ نفسيَّةٌ لأن يكون هناك من يُنفق عليها، حتى وإن كان عندها مالٌ وعلى الزَّوج أن يَتَفهَّمَ ذلك إذا رأى منها اضطرابًا وضِيق خُلُقٍ عندما تضيق أحواله الماديّة، ويعلمَ أنَّها تعاني كما يعاني؛ فيتَّسعَ صدرُه لها ونقول لها هي أيضًا: من أسباب ضيق حال زوجك: فساد الظَّالمين، وسَرِقَةُ المجرمين لأموال المسلمين؛ فكوني عونًا لزوجك تفكيك الأُسر لن يزيد المسلمين إلا ذُلًا ومَهانةً، وتَحكُّمًا من المجرمين، الذين أعْسَروا حياتكِ وحياته «ارحموا من في الأرض، يرحمْكم من في السَّماءِ» (سنن الترمذي:حسن صحيح) وإذا تَكَرَّمَت المرأة على زوجها -في هذه الحالة-، وساعدته فلها أجرٌ عظيمٌ ففي الحديث -الَّذي رواه البخاري- أنَّ زينب -امرأة عبد الله بن مسعود- أرسلت تسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيَجْزي عنّي أن أُنْفق على زَوْجي وأَيْتَامٍ لي في حِجْرِي؟" -لم يكن زوجها يستطيع النَّفقة عليها- فقال نبيُّنا -عليه الصلاة والسَّلام-: «نَعَمْ، لَهَا أجْرَانِ؛ أجْرُ القَرَابَةِ وأَجْرُ الصَّدَقَةِ» (صحيح البخاري) أجرٌ مضاعفٌ لأنها تصدَّقت على زوجها - صدقةٌ! - نعم، صدقةٌ تُعتبر تَصدَّقت على زوجها؛ لأنَّها ليست مُلزَمةً به ومع ذلك فأجرها مضاعفٌ [سؤال 10] لكن -يا أخي- ذِكْر هذا الكلام -حتى مع كل هذه الضَّوابط- قد يُجرِّءُ بعض النِّساء! - إذن، ماذا تريدون؟! أن نسكت عن تعليم الناس حقوقَهم وواجباتِهم الشَّرعية؟ ندعهم جاهلين أفضل؟ - هي لا تعرف حقوقها وإذا عرفتها وطالبت بها، لن يعطيها زوجها؛ فلا داعيَ لأن تعرفها أصلًا؟ - لا؛ ليس هناك مصلحةٌ أعظم من أن يعرف النَّاس -رجالًا ونساءً- عظمةَ شريعةِ ربِّهم، وتطمئن نفوسهم إلى عدل ربِّهم وحكمته هذا أولى من حفظ أُسَرٍ يرافقه سوء ظنٍ بالله وشريعته تُرْضِعه المرأة أطفالَهَا عندما يُفْرَض سلطان الشَّريعة على الجميع فإنَّ الكلَّ يُنْصَف ولا يَعْتَرضُ إلا مريض القلب، ومتَّبع الهوى وما تَرك النَّاس من أمر الله شيئًا إلا أحْوَجهم الله إليه وإذا أصبح كلُّ طَرَفٍ يتمسَّك من الشَّريعة بما يحلو له، وينزعج إذا طُولب بواجباته، فإنَّه يصبح كالمنافقين المتحكِّمين الَّذين يُخضِعون النَّاس باسم الشَّريعة، وهم عنها مُعرِضون ﴿وَإِذَا دُعُو إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ [القرآن 24 : 48-49] وما سُلِّط هؤلاء على المسلمين إلَّا لمَّا فَشَت في المسلمين أنفسِهم الانتقائيَّة في التعامل مع دِين ربِّ العالمين [سؤال 11] حسنًأ، ماذا إذا كانت الزَّوجة حاملةً لشهادة الدُّكتوراة وزوجها ليس متعلمًا تعليمًا جامعيًا أصلًا، لماذا تبقى له القِوامة؟ بدايةً -يا كرام- الدِّراسة الجامعيّة ليست معيارًا للعلم النافع، ولا لسلامة التَّفكير وحتى لو افترضنا أنَّ بعض النِّساء عندهنَّ علمٌ شرعيٌ وحِكمةٌ أكثر من أزواجهنَّ، فيبقى أنَّ الإسلام يأتي بعموماتٍ تناسب البشريَّة ومع ذلك فإذا كان بعض الرجال عنده نقصٌ مخِلٌّ في هذه القدرات؛ كأمراضٍ نفسيَّةٍ تعيق بالفعل قدرته على اتخاذ القرارات المناسبة، وحاولت المرأة ستر ذلك لكنَّه لا يستجيب ممَّا يؤثر على حياتها، فإنَّ لها في هذه الحالة أن تطلب تَدخُّل العقلاء من أهلها وأهله، أو تَدَخُّل القضاء الإسلاميُّ، ويبقى له حق القِوامة فيما هو من حقِّه بالفعل ما دام مرضه، أو ضعف تفكيره، لا يُخرجه من دائرة العقلاء المُكلَّفِين ويبقى المبدأ العام على أصله من أنَّ القِوامة للرِّجال عمومًا لا تطعن فيها الحالات الخاصة، ولا نقول: لأنَّ هناك حالاتٍ استثنائيةً فإنَّ هذا يطعن في التَّشريع الإسلاميِّ بأنَّ القِوامة للرَّجل [سؤال 12] حسنًا، إذا كان الرَّجل قائمًا بما عليه -أبًا كان أو زوجًا- غير مقصِّرٍ في حقِّ المرأة، لكن يَصْدر منه ما يظهر تحكُّمًا بلا داعٍ؛ فيمنع المرأة من الخروج لمكانٍ ما دون إبداء الأسباب، بل ويرفض النِّقاش، أليس هذا سوء استخدامٍ يبيح لها معصيته؟ فنقول -يا كرام ويا كريمات-: مبدأ مناقشة الزَّوج في كلِّ قرارٍ، وكثرة جداله هو مِن أكثرِ ما يُفسد ودَّ البيوت المسلمة نعم، من حق الزَّوج ألَّا يأذن لزوجته في الخروج لمكانٍ ما دون إبداء الأسباب، وعلى زوجته طاعته ما لم يكن ذلك مانعًا لها من تعلُّم العلم الشَّرعيِّ الواجب عليها، أو صلةِ رحمها بالحدِّ الأدنى، أو تَلَقي علاجٍ مثلًا لكن فيما عدا ذلك فليس مطلوبًا منه أن يشرح ويُقنع في كلِّ مقامٍ لكن عندما يصل الأمر إلى مبالغةٍ من الزوج بالفعل، فإنَّ المشكلة لا تكون في القِوامة؛ وإنَّما تنشأ هذه المشكلات -عادةً- عند ضَعْف المودَّة ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [القرآن 21:30 ] إذا ضَعُفت المودَّة، فإنَّ الزَّوج قد يمنع زوجته ممَّا تحبُّ كأداةٍ للتعبير عن استيائه يكون دورك هنا -أيَّتها الكريمة- أن تفكِّري كيف تسترضين زوجَكِ، وبأن تدركي أنَّ هذه القِوامة بمجملها لا غنًى لكِ عنها، قد يأتي في حُزمتها ما يخالف رغباتكِ المشروعة، فيمكنك أن تحاولي تحصيل هذه الرغبات بالحسنى لكن ليس التَّخلّي عن القِوامة بجملتها خيارًا في الخلافات بين الرِّجال قد تكون مغضَبًا، منفعلًا، مستاءً، تصيح في خصمك، وتقطِّب له حاجبيك، وتنتظر أن يردَّ عليكَ؛ لتزيد انفعالًا وغضبًا، فيوجِّه لك الضَّربة القاضية! ما الضَّربة القاضية؟ يقول لك: "على كلٍّ، أنا آسفٌ إن أسأتُ إليك، فما قصدت إلا خيرًا" وينسحب بهدوءٍ ليتركك مع نفسك ضعفٌ في منتهى القوَّة يحوّلك في نظر نفسك من مظلومٍ إلى ظالمٍ، ومن متأهبٍ للقتال إلى معتذرٍ له تسترضيه هذا بين الرِّجال فما بالكم بالمرأة الحكيمة التي تعلمُ أنَّ أقوى ما فيها ضعفُها؛ فتمسك بيدِ زوجها وتتودَّد له، فتكسرُ حِدَّته، وتَكسرُ كبرياءه، وتستحوذُ عليه بضعفها وودِّها وأُنوثتها أمَّا إذا عاد الرَّجل من ضغوطات الحياة وأعباء العمل -الذي ينفق به على بيته- ثمَّ هو يرى في البيت امرأةً ندًّا تريد أن تقارعه، أو تجادله في كلِّ أمرٍ، فإنَّ الودَّ يغيب وتِحلُّ الضَّغائن هذه قِصَّة القِوامة عندما تُعْرض الصَّورة الكاملة فإنَّ المرأة تفْهمُ جيدًا قول نبيِّها -صلى الله عليه وسلَّم-: «والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه لا تؤدِّي المرأةُ حقَّ ربِّها حتى تؤدِّيَ حقَّ زوجِها» (أخرجه أحمد وابن ماجه وصحَّحه الألباني) رجلٌ يحميها، يُؤويها، يكفيها، يحفظ كرامتها، يستحقُّ منها ذلك بل، وهي تطلب قِوامته فطرةً ووجدانًا عندما تضع التَّشريع الإسلاميَّ في سياقه الصَّحيح، فإنَّ كثيرًا من النُّفوس النَّافرة تطمئن، وما كان شبهةً يصبح مفخرةً، وتدرك المسلمة أنَّها وُلدت وفي فمها هذه الملعقة من ذهبٍ فما أحسَّت بقيمتها؛ لأنَّها لم ترَ القصَّة الكاملة البائسة لمن فقدنَ نعمة القِوامة، والَّتي تكلمنا عنها في (تحرير المرأة الغربية) القِوامة الشّرعيّة -كما فرضها الله- هي حلمٌ للمرأة الغربيّة، وللمرأة الشَّرقيّة غير المسلمة، والتي كثيرًا ما تُنْفق على السَّكن مُنَاصفةً مع زوجها، أو (بالإنجليزية) صديقها الحميم وقد تُرْمى في الشَّارع إذا لم تُنْفق ختامًا.. راسلتنا فتاةٌ مسلمةٌ ذهبت إلى هولندا -بلد الزُّهور- لتتابع الدِّراسات العليا لكن تراكمت عليها الشُّبهات فراسلت زوجة أحد أصدقائي تقول لها: أنَّها فقدت قناعتها بالإسلام، وانعدمت محبَّتها لله ومرَّ على ذلك شهورٌ ثمَّ أرسلت إلينا -من أيامٍ- رسالةً طويلةً تُعبِّر عن عودتها لربِّها بعد متابعتها لـ (رحلة اليقين)، و(سلسلة المرأة) وكذلك لـ(سلسلة فقه النَّفس) لأخي الدُّكتور عبد الرحمن ذاكر وكان ممَّا قالته الأخت في رسالتها: " أنا أحبُّ الله لأنَّه خلقني مسلمةً، لأنَّه أعطاني أهلًا يحبُّونني؛ أبًا وأُمًّا وإخوةً يخافون عليَّ، ويسألون عن أقلِّ تفاصيل حياتي سلسلتك -يا دكتور إياد- عن المرأة رأيتُ كلَّ كلمةٍ منها حرفيًا، رأيتها بعيني في آخر أربعة أشهرٍ لي بهولندا سكنْتُ بسكنٍ جامعيٍّ مع بناتٍ أوروبيَّاتٍ فرأيت العَجَب من جانب حياتهنَّ الأسود وقَدَّرت قيمة العفاف والطَّهارة التي عند المسلمات، وعظيم نعمة الأهل: الأب، والأخ، والسند، الَّذين يفكِّرون بي وأنا على بُعْد قارَّاتٍ بينما الأوروبيَّة يسكن بجانبها أبوها، ولا ينظر في وجهها، ولا يسأل عنها والله إنني حزينةٌ جدًا على وضع الأوروبيَّات، ومشفقةٌ عليهنَّ كان لي صديقةٌ هولنديَّةٌ أخبرتني بأنَّها مستعجلةً في الحصول على عملٍ؛ لأنَّ أهلها متضايقون من وجودها في بيتهم وأخرى ألمانيَّة تخاصمت مع (بالإنجليزية) صديقها الحميم فطردها من بيته وأنا الآن، بعد أن كنت نسويَّةً حتى النُّخاع، أصبحتُ أُقَدِّر نعمة أن يكون لي أهلٌ أسكن بينهم معززَةً مكرَّمَةً، ويُحسّون بالمسؤولية تجاهي" بالتأكيد، بعيدًا -يا كرام- عن خطأ أن تُترك الفتاة في بلدٍ أوروبيٍّ وحدها، لكنَّ الشَّاهد: أنَّها أحسَّت بقيمة القِوامة بعد أن رأت غيابها في بلد الزُّهور! هذه الأخت -الَّتي كانت ساخطةً على الشَّريعة- خَتَمت رسالتها بسؤالها: "ماذا أفعل حتى يسامحني ربِّي على قلَّة أدبي معه حين كنت أعترضُ عليه؟ استغفرته -سبحانه- وأظنُّ أنَّه يحبُّني؛ لأنَّه هداني بعد ضياعٍ لكن انصحوني بأيِّ شيءٍ أعمله حتى يرّضى عني" فنقول للأخت الكريمة: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [القرآن 53:39 ] فنسأل الله أن يكون نشر قصَّتها وأثر ذلك سببًا لرضاه عنها اللهمَّ حَبِّب إلينا الإيمان، وزيّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الرَّاشدين والسَّلام عليكم ورحمة الله