أم من حقه أن يقول لها: هذه مشكلتك، دبِّري حالَك! بل على وجه الإلزام وكأنه من واجباتك، هنا لا يفرض الله عليك أن تقبلي بأداء تلك الأعمال؛ بل ويَلزَمُك الحزمُ مع الأبناء لصالحك وصالحهم، بل «فأعط كل ذي حق حقه» [صحيح البخاري] وسنفهمُ معنى﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ... لتزيّنوا لنا بها العمل شغالةً في البيت؟! السلام عليكم ورحمة الله. هل المطلوب من المرأة أن تعمل شغالة عند زوجها وأولادها؟! هل تحاولون أن تضحكوا علينا بعبارة مربية الأجيال؛ هل المطلوب مني -بصفتي امرأة- أن أحترق لأنير الدرب للآخرين زوجًا كانوا أو أولادا؟! هل يَطلب الإسلام مني أن تتحول حياتي إلى طبيخٍ وغسيلٍ وجليٍ وتنظيفٍ بما يستنفد ساعات نهاري وقوة جسدي لحد الإنهاك، ثم لا أجدَ وقتًا لتثقيف نفسي والتفاعلَ مع مجتمعي، بل وربما حتى لإتقان عبادتي؟! هل مطلوب مني أن أطبُخ كلَّ يوم لزوجي وأولادي، بحيث إذا وضعت لهم خبزًا ولبنًا فمن حق الزوج أن يقول لي: قَصَّرْتِ في عملك؟! هل يحق لزوجي أن يستعليَ على خِدمة البيت، ويَعُدَّ جَلْيَ صحنه أو تنظيف ثوبه أو ترتيب ملابسه منافيًا لرجولته، ثم يلومَني إذا لم أقم بهذا كلِّه وراءَه؟! هل يحق لأولادي وبناتي الصِّغار -فضلًا عن الكبار- أن يعيشوا لشهواتهم ولهوهم ولعبهم ويُحْدِثوا الفوضى وقلةَ التَّرتيب في البيت وأنا أخدم الجميع؟! هل المطلوب من الفتاة أن تخْدم إخوانها؛ لمجرّد أنها أنثى وهم ذكور؟! هل يجب على المرأة خدمة أهل زوجها؟ هل هناك حالات يَحْرُم على المرأة فيها خدمةُ زوجها وأولادها؟ إذا ضاقت الحالة المادية للأسرة واحتاجت المرأة إلى العمل لتساعد الزوج، ألا يحمّله ذلك مسؤولية أكبر في المشاركة في أعمال البيت، ويتوقعَ منها أن تؤدّي الأدوار كلَّها ولو على حساب صحَّتها وحقِّ نفسِها؟! الكلام الذي سنقوله اليوم -أيها الكرام- هو بمقام فك الاشتباك في العلاقات الأسرية، ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ (16) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [القرآن 39: 17-18]، نبشرهم بأن هذه الكلمة ستكون مريحةً لقلوبهم ومساعِدةً على سَير مركب الأسرة بهناء بإذن الله. لسنا هنا اليومَ لنجمِّلَ لكِ عمل البيت -على ما هو عليه- حتى نُقنعكِ به، بل سنقول لك: وَضْعُ بيوت المسلمين اليوم مشوَّه حقًّا وغيرُ مُرضٍ، فتعالَي نرَى الأسباب؛ لنتعاون على إصلاح بيوتنا. - بداية القصة: خلق الله الخلق لغاية، إن عملوا لها فالحياةُ الطَّيبة، وإن عكسوها فالمعيشةُ الضَّنك. لو سألتَ أيَّ مسلمٍ: لماذا خلقك الله؟ فسيجيبك: للعبادة، وسيتلو عليك: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [القرآن 51: 56]، لكن عامة المسلمين إذا سمع (عبادة) تصوَّر سجَّادة الصَّلاة والمِسْبَحَة، ولم يفكّر في مفهوم العبادة الشامل الذي يجب أن تَنشأ عليه الأُسَر. العبوديَّة لله هي حبل من الله ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [القرآن 3: 103] فإن اعتصمنا بهذا الحبل ترتَّبت الأدوار والأولويات والعلاقات ومع ذلك لم يكن يسبب إشكالية، وعمل الجميع بانسجام، كالمغناطيس الذي تترتب القِطَع المعدنيَّة تجاهه. تنشأ المشكلات عندما يضيع هذا الهدف، فتختلط معه الأولويات والأدوار؛ وتضيع البوصلة العظمى المشتركة، فيصبح لكلٍّ بوصلتُه. يقول الرجل: أريد إثبات ذاتي. طبِيعيٌّ جِدًّا أن تسأل المرأةٌ حينئذٍ: حسنًا، وذاتي؟ - أريد تلبية رغباتي = حسنًا، ورغباتي؟ فتختلفُ الأهواء، وتَدِبُّ الفُرقة والنِّزاع والتَّهتُّك الأُسَري. بداية التآلف هي بالاجتماع على العبوديّة بمفهومها الشامل، والعبوديةُ بمفهومها الشامل تعني: كلَّ ما يحبُّه الله من الأفعال والأقوال والمعاني القلبية؛ أن نحتكمَ في أمرنا كلِّه لله، ونُقِيمَ شرعَه في حياتنا، ونتعلمَ العلم لنتلمَّس مرادَه ورضاه سبحانه، أن ننظرَ في آيات الله الكونيَّة، ونتعلمَ العلوم الطَبيعيَّة ونُتْقنَها ونحققَ الكفاية لأمتنا ونعملَ على إعزازها، ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [القرآن 11: 61]. بناءُ الأمة اقتصاديا وصناعيا وتقنيا، معالجةُ مشكلة الفقر، الإعلامُ الهادف، ابتكارُ العلاجات لاستنقاذ الأرواح ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [القرآن 5: 32]، استعادة موازين القوى لأهل الحق، عَرْضُ الدين الحق للبشريَّة ومنعُ الافتراء عليه ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ... ...وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [القرآن 2: 143]، أن نُعلِّم أبناءنا وننَشّئَ فيهم نفوسًا سويَّة عزيزة قوية متميزة الهوية بصيرة بالغايات، أن نعمل على الدفاع عن المظلومين في الأرض واستنقاذ البشرية من استعباد النِّظام الدَّولي ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ... وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [القرآن 22: 41]، أن تكون هذه الأهداف العظمى نُصْبَ أعينِنا ونبرمجَ أوقاتَنا وأهدافَنا المرحلية على أساسها، أرجلُنا على الأرض وعيونُنا تتطلع إلى السماء، نتنسَّمُ ريح الجنة، فإذا فترت همَّتنا نظرنا إلى هذه الأهداف، فأشعلت فينا الحماس من جديد. هذه هي العبودية بمفهومها الشَّامل، وهي رحمة من الله بعباده، «يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني» [صحيح مسلم] ﴿منِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾ [القرآن 17: 15] العبوديَّة لله حبلٌ من الله، ينقذهم به أن تتحول سكينة الأسرة إلى شقاء، ويتحولَ البنون -الذين يفترض أنهم زينة الحياة الدنيا- إلى عذاب إذا فهمنا هذه المقدمة -يا كرام- عرفنا سبب المشكلة وعرفنا الحل وعرفنا الإجابة عن كثير من الأسئلة. وركّز هنا على كلمة (تَرفُّع)، أيُّ تناول لموضوع عمل المرأة في البيت -بل ولأدوارها عمومًا- إذا لم يأخذ هذه المقدّمة بعين الاعتبار فإنه سيكون تناولًا قاصرًا قد يسيء أكثر مما يحسن، مثلَ السؤال التقليدي المعروف: هل يجب على المرأة القيام بحاجات زوجها وأولادها كالطبخ وتنظيف البيت وغسل الملابس وغيره؟ والذي نفعله عادةً في الجواب عن هذا السؤال هو أننا نبدأ بطرح الخلاف الفقهي، وبأقوال الشافعي وأبي حنيفة وأحمد ومالك وترجيحات من بعدهم من العلماء. لحظة! أَتِمَّ السؤال: هل يجب على المرأة خدمة زوجها الذي يمضي وقته في قضاء رغباته، ويتعالى على القيام بشيء من مهنة البيت، ويظن أن له حق الخدمة -استحقاقًا مطلقًا- لأنه الرجل وهي المرأة؟ هل يجب على المرأة خدمة أولادها الذين يعيشون لاهتمامات تافهة، يأكلون ويشربون ويمضون الساعات على الـPlaystation أو الأفلام، ويعتبرون أن على أمهم خدمتهم أثناء ذلك، وأن هذا من لوازم حنان الأمومة وتضحيتها؟ الجواب عن هذه الأسئلة وبكل وضوح: لا وألف لا، والخوض في الخلاف الفقهي قبل تحديد الصورة المسؤول عنها يعطي الانطباع بأنّ مِنْ فقهاء الأمة المتَّفَق على إمامتهم مَنْ يَقبلُ بهذه الصورة المشوَّهة، وهُم أَجَلُّ وأرفع من أن يَقبَلوا بها، لذلك -يا كرام- فانتزاع الفتاوى من واقعها الذي صدرت فيه وتركيبُها على واقعنا المشوَّهِ هو من الجهل وليس من الفقه في شيء. في المقابل إذا سألتِ: هل يجب على المرأة القيام بمهنة البيت لتكون ظهْرًا وسنَدًا لزوج منهمك في العمل لتهيئة العيش الكريم لها ولأبنائها؟ زوجٍ يريد أن يكفيَها ويُعفَّها مواجهًا بذلك قوى العالم التي تريد أن تقطع صلتها بأوليائها وَتزُجَّ بها في أجْواء مسعورة؛ لتعاني ما تعانيه المرأة الغربية من ضياع وإهدار لكرامتها وشرفها تحت عناوين (التّمكين الاقتصادي للمرأة) كما رأينا هل يجب عليها القيام بمهنة البيت بصفتها جزءًا من فريق يعمل لهدف عظيم، مستعينة في ذلك بأولادها الذين ربتهم على تحمل المسؤولية وخدمة أنفسهم وبر والديهم، ويعينها زوجها الذي لا يترفع عن عمل البيت ولا يستكبر؟ إذا طرحتِ السؤال بهذه الطريقة فلن تنتظري الجواب، بل ستجيبين نفسك بنفسك. وكلا السؤالين بدأ بـ (هل على المرأة القيام بمهنة البيت)، وشتّان بين الحالين، وبذلك تفهمين لماذا لم يكن عمل المرأة في مهنة البيت محلَ خلافٍ عام في القرون الفاضلة، وكان الرأي الفقهي موجودًا بأن مهنة البيت ليست من عقد الزوجية، كانت المرأة تشعر باللذة وهي تسند زوجها وترعى بيتها؛ فيخرج ابنها عالمًا أو قائدًا أو مجاهدًا، وتشعر أنها أنجزت وحققت ووهبت للأمة، وتستمتع فطريًا بهذا العمل، وما كان يتصور -في ظِل وجود الهدف المشترك- أن تقول المرأة: لا أريد أن أعمل شيئًا في البيت؛ لأنها بذلك كأنها تقول: لا أريد أن أعيش لغاية بل أريد أن أعيش لشهواتي وأهوائي، أو أريد أن أحقق إنجازات أخرى، وأترك إسناد زوجي وأولادي الذين يعملون لأهداف عظيمة. ما أصبح عمل البيت مشكلةً ومحلَّ نِزاع إلا لما ضاع الهدف العظيم المشترك، واضْمحَلَّ معنى العبودية في حياة الأسرة. قد تقولين: حسنًا، كلامك جميل، لكنَّ زوجي ليس كما وصفتَ ولا أولادي. دوركِ أنتِ يا مسلمة- حتى لا تكوني مجرد شغالة- أن تختاري ابتداءً الزوجَ الذي يشاركك هذه الأهداف، وإن كنتِ متزوجةً فأن تعيدي إحياء الهدف للجميع. النساء معروفات بقدرة فائقة على تحقيق الأهداف التي يضعنها نصب أعينهن، بكثرة الحديث عنها والتركيز عليها: تُريدُ ثيابا جديدة، قطعة أثاث جديدة… تصوري عندما يكون هدفك إحياءَ الأهداف الصحيحة للأسرة من جديد، ويكونَ عندك صبر وطولُ نَفَس في تحقيق هذه الأهداف. حسنًا، لم تجدي تجاوبًا من الزوج أو من الأولاد ويريدونك بالفعل مجرد شغَّالة، تخدمينهم وهم عاكفون على أهوائهم أو لديهم متطلَّباتٌ استهلاكيّةٌ عالية، أو زوجك يكلِّفك بخدمة أهله، لا على سبيل حسن العشرة وبذل المعروف والإحسان؛ وقد تصبرين على زوجك راجيةً بذلك الثواب وحسنَ العاقبة، وأن يثمر معروفك في أخلاقه، وأنت مع ذلك قائمة بالأساسيات التي تكلمنا عنها من حقّ نفسك وحقّ ربّك عليك، لا يمنعُك الشرع من ذلك ما دام باختيارك ورضاك. وفي المقابل: إذا أصبحتِ تَُحمَّلين فوق طاقتك، وأصبح أداؤك لهذه الأعمال يضُرُّ بجسمك أو يؤذي نفسَك، بل وقد يُفسد عليك أداء ما أوجبه الله عليك كصلاتكِ وطلبِك للعلم الواجب عليك، هل نقول لك حينئذ: لا بأس، اصبري وضحِّي وكوني شمعةً تحترق لتنير الدَّرب للآخرين؟ لا، بل لا يجوز لك ذلك، ونعود هنا لترتيب الأولويات الذي تكلمنا عنه في حلقة (البحث عن الذَّات)، فنفسك أولى الأولويات، وهي أول ما تحاسبين عليه؛ ﴿عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ [القرآن 5: 105]، ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [القرآن 66: 6] نفسُكِ أولا، لا يجوز لك أن تهلكي نفسكِ وتقصري في الأساسيات التي أوجبها الله عليك لرفاهية غيرك، ولو بدافع الأمومة؛ فهذا لن ينفعك يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه؛ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، فأنت وزوجك وأولادكما وحياتكم ملك لله رب العالمين، لستِ مِلكًا لأحد ليستهلك صحتك الجسديَّة أو النّفسيّة، أو يقتحم دائرة نجاحك في الأساسيات من أجل رفاهياته أو لرفض تحمّل مسئولياته. وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الطاعة في المعروف» - لكنْ -يا أخي- أحيانا لا خيار، ليس بإرادتي، يُجبِرُني زوجٌ قاسٍ على ذلك إجبارًا، وأهلي لا يكترثون بي، ولا ينصفونني إذا لجأت إليهم. أها، عليك أن تعرفي حينئذ أن هذا ظلم النّاس لك؛ لا أن الشّريعة هي التي ظلمتك، يقينك بذلك هو بداية الحل. حينما تكون الشريعة بظهرك تستندين إليها وتخاطبين بها أهلك وزوجك: أن تعالوا! أنا وأنتم مسلمون، فتعالوا إذن نرى حكم الله بيننا. ثم تتخذين قراراتك وتدرسين خياراتكِ على أساس تجاوبهم مع ذلك وقدرتِك على التَّحمل، وأنت في هذا كله مستعينةٌ بربك -سبحانه- تحسنين الظَّنَّ به وبحكمته ورحمته وعدله. عمل البيت على وضعه الحاليِّ اليومَ -في كثير من الأُسَر- ثقيل مُنَفِّر حقًّا، لسنا هنا لنزيّنه لك، ولا لنضع حمله عليك؛ بل لنرى مشكلاته ونعملَ على إصلاحها ونوزِّعَ أدوارَها يمكن أن نلخِّص أسبابَ تحوُّلِ مهنة البيت إلى مشكلة في خمسة أسباب: 1. أولا، غيابُ الهدف العظيم المشترك. وهذا نتج عنه: 2. تقصير الوالدين في تربية الأولاد على معاني البرّ، والعمل لغاية، والتَّخفُّف من الدّنيا. وهذا نتج عنه: ما زلت أحب أن أعتني ببيتي من تنظيف وغسيل للملابس وطيِّها، 3. أن يعيش البيت والأولاد -الذين جفَّت أرواحهم- حياةً مادِّيةً استهلاكيةً كثيرةَ المتطلَّبات. 4. بالاضافة إلى تَعَالِي الرِّجالِ -في كثير من الأحيان- على المشاركة في عمل البيت. 5. وعدمِ تمييز حدود الفضل والعدل، بحيث تُطالَب المرأةُ بأمور الأصلُ أن تكون مخيّرةً في عملها على سبيل الفضل والإحسان منها، ومع ذلك تُفرض عليها وتُعتبَر مُقَصِّرَة إذا لم تقم بها. لكن حَذارِ يا أختي! ليس الإسلام هو الذي أوجد هذه المشكلات، بل غيابُ الإسلام. فالإسلام، أوجد الأهداف العظمى المشتركة التي تجعل الأب والأم والأولاد كلًّا منهم يشارك في عمل البيت بسرور وهناء نفس، والإسلام أمر الآباء بإحسان تربية أبنائهم، والأبناءَ ببر والديهم وخدمتهم، والإسلام حضَّ على التخفف من الدنيا وعدمِ الاستكثار من الاستهلاكيات وما ينتج عنها من متطلبات منزلية، والإسلام حض الزوج على المشاركة في عمل البيت، والإسلام ميزَّ حدود الفضل والعدل، وأعطى المرأة الخيار في قبول أو رفض القيام بأعمال يعتبرها البعض من واجباتها وليست كذلك، كما سنرى. لما خالفنا الإسلام في هذا كله أصبح عمل البيت ثقيلًا كريهًا، وطبيعيٌّ أن لا تجدي نفسك في مثل هذا العمل. العجيب في الموضوع أننا ابتعدنا عن الإسلام في حياتنا، فنتج عن ذلك علاقات مشوَّهة ومشكلات، ثم صار البعضٌ يحاكم الإسلام وكأنه أنتج هذه المشكلات، التي ما نتجت إلا عن تغييبه. أما الأهداف العظمى فقد تكلمنا عنها، والمرأة التي تُحضِّر الأطباق لزوجها وأولادها ليأكلوا، وتهيئ لهم جوًّا مريحا نظيفًا، سوف تستمتع إذا كان هذا كله في سبيل هدف سامٍ يعمل لأجله الجميع. أعرف أسرة طيّبة تعيش لهدف، الزّوج دكتور جامعيّ في نظم المعلومات الحاسوبية، متقنٌ لعمله، يُحضِّر للأستاذية (Professorship)، صاحبُ أبحاثٍ في مجلات عالميَّة، محبوب لطلابه، يعلِّمهم العلم النَّافع، ويزرع فيهم القيم الإسلاميَّة، ويسعى -مع هذا كلِّه- على الأرامل والمساكين، وزوجته الفاضلة درست -وهي متزوجة منه- علمَ الحديث، ونالت درجة الدُّكتوراه في تخصُّصٍ دقيق منه، وأعانها زوجها على ذلك، وهما مربِّيان فاضلان كما يظهر في انسجام بيتهما، وأخلاقِ أولادِهما ونجاحِهم في الدِّين والدنيا -فيما نحسبهم. فيما يُعرف بـ(يوم المرأة العالمي) الماضي، وردَّا على النَّزعة النَّسوية، نشرت هذه الدّكتورة الفاضلة مقالًا تقول فيه: "في يوم المرأة العالمي: أعترف أنني أحب كوني امرأة، فأنا ما زلت أحب أن أرعى أسرتي، وأن أطهو لهم ما يحبونه بقلب سعيد، ما زلت أحب أن أقص أظافر صغيراتي وأن أتابع دروسهن وتحصيلهن العلمي، ما زلت أحب تهوية البيت وتعطيره وتلميع الزُّجاج، ما زلت أشعر بسعادة عندما أرتب الرفوف وأنسق الألوان، ما زلت أحب أن أجمع عائلتي حولي وأن أكون لهم ملاذًا من قسوة هذه الدنيا، ما زلت أشعر بالرضا والإنجاز عندما أوفّر لزوجي الهدوء لينام وينال قسطًا من الراحة، ما زلت أشعر بالسَّكينة عندما يكون زوجي راضيًا عني، ما زلت أعشق هذه التفاصيل، فهل أنا طبيعية أم أن سوءًا مَسَّنِي؟ كلُّ ما سبق لا يعني أنني لا أعرف حقوقي، ولا يعني إطلاقًا أن لا يكون لي إنجازات علمية ومجتمعية" وردَّ عليها زوجُها على حسابه على العلن بالثناء والوفاء والامتنان والمودة لها، وهو شيء نشجّعه ما دام بأدب؛ حتى نشيع النماذج الطيبة في هذا الوقت الذي يشيع فيه نشرُ النماذج السلبية وتنفيرُ الشباب والفتيات عن الزواجِ وبناءِ حصن الأسرة. محلُّ الشَّاهد -يا كرام- أن الأخت الفاضلة تعمل ضمن مؤسسة الأسرة لأهداف مشتركة عظيمة، فتستمتع بأعمال البيت وتجد فيها ذاتها. ثاني الأسباب لتحول عمل البيت إلى مشكلة هو: ضعف التَّربية. ستكون حلقتنا القادمة عن التربية -بإذن الله، لكن نقول هنا فيما يتعلق بعمل البيت: من واجب الوالدين أن يساعدا الولد على تحديد الأهداف وبناء الشخصية وتحمل المسؤولية ومعرفة الذّات والهوية: أنت مسلم، تطيع الله، تبَرُّ والديك وتعينهما، وتبتغي بذلك الأجر والجنة. يربيانه على الانشغال بما ينفعه وعدم الالتهاء بالتَّوافه، وكلُّ هذه التربية بالفعل والقدوة قبل القول، وهي مسؤوليَّة الوالدين المشتركة. هؤلاء الأولاد والبنات سيكونون عونًا لكِ في مهنة البيت، رُبُّوا منذ نعومة أظفارهم على تحمُّل المسؤولية، ومعرفةِ ما لهم وما عليهم من العناية بأنفسهم ومتعلَّقاتهم، لكنَّهم لن يقوموا بهذا الواجب طواعيةً إلا إذا كنت أمًّا مربية متواصلة تملئين عليهم حياتهم. لا تتوقعي أن تري هذا النوع من الأولاد إن كانوا ربُّوا على يد الشغالة أو في الحضانات بينما أنت منشغلة عن النجاح في الأساسيات ومنها رعاية الأسرة، فالمرأة التي لم تختر أن تكون مربية، هي اختارت بنفسها أن تكون مجرَّد شغّالة، خاصة إذا انضم إلى تقصيرها تقصيرُ الزوج. الولد الذي لم تغذِّه أمه بغذاء الرُّوح والعقل، ولم يجد الإشباع العاطفي منها وضَعُفَ التَّواصل معها، بدَلَ أن يشارك في مهمة البيت سيلجأ إلى الأكل الكثير والنوم الكثير واتباع أهوائه ورغباته والفيديوهات السَّخيفة، ويصبح متطلبا مستهلِكًا وحِمْلًا بدل أن يكون عونًا. وهذا يأخذنا إلى المشكلة الثالثة، ألا وهي: الاستكثار من الاستهلاكيات والانغماس في الحياة المادية وما ينتج عنها من متطلبات منزلية. في صحيح مسلم «يا عائشة هل عندكم شيء، قالت: يا رسول الله، ما عندنا شيء، قال: فإني صائم» [أخرجه مسلم]، هكذا بكُل يُسر، تسير الحياة بلا وجبة لذلك اليوم، ولا تخرب الدُّنيا إذا لم يكن هناك طبيخ جديد، بيتٌ تثور فيه مشكلة لأجل طبخة عادة ما يكون بيتًا بلا هدف عظيم يعمل لأجله الجميع. المشكلة الرَّابعة: تَرَفُّع الزوج عن عمل البيت، فما هو أهم من الجهد البدني -الذي يضعه هذا على المرأة- هو الأذى النفسي، عندما تحسُّ أن زوجها يرى من حقه أن يرمي أغراضه ويستعملَ مرافق البيت، ولا يكلفَ نفسه بالمساعدة مطلقًا على اعتبار أنه واجب الزوجة، بل نقول لهذا الزوج: روى البخاري أن أمنا عائشة -رضي الله عنها- سُئلت: «ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله -تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة» وفي الحديث الآخر قالت عنه -صلى الله عليه وسلم- «ما كان إلا بَشَرًا من البَشَرِ، كان يَفْلي ثوبه -أي ينظّف ثوبه- ويحلب شاته ويخدِم نفسه» [صحيح البخاري]، هذا وهو أعظم رجال العالمين، ولن تكون -أيها الزوج- مشغولًا بأعظم مما كان مشغولًا به صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ولم يفعلها مرة أو مرتين رفعًا للعتب؛ بل كان هذا دأبًا له، كان يكون في مهنة أهله، فهو -صلى الله عليه وسلم- القائل: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» [سنن الترمذي] فمهما كنت -أيها الزوج- مشغولًا، قم بما تراه أدنى الأعمال في البيت إذا سنحت لك الفرصة؛ تطييبًا لخاطر زوجتك وتعليمًا لأبنائك؛ ليعلموا -وتعلم زوجتك- أنك لا تترفع عن هذه الأعمال، وإنما المسألة توزيع أدوار ومسؤوليات. علّقت إحدى الأخوات على حلقة (البحث عن الذات) قائلة: "ما الذي يفرض على المرأة أساسًا أن تكون كل أعمال البيت والأولاد بل حتى -أحيانًا- أهلِ الزوج تقعُ على عاتق المرأة؟ أوليس البيت والأولاد من مسؤولية المرأة والرجل على حدٍّ سواء؟" فنقول -أيتها الكريمة: لا يَفرض الشَّرع على المرأة تحمُّلَ كلِّ شيء كما ذكرنا، وفي الوقت ذاته لا يصح أن نقول إن البيت والأولاد من مسؤولية الزَّوجين على حدٍّ سواء مناصفة، بل ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾ [القرآن 25: 67]، فالأسرة حتى تنشأ وتستمر لها متطلَّبات واحتياجات: النفقة، الحماية، المسكن، التربية، مهنة البيت… النفقة والحماية والمسكن على الزوج، التربية مسؤولية مشتركة، حسنًا، مهنة البيتِ على من؟ خاصة والزوج ينفق ساعات نهاره في واجباته، فنقول: لذلك فإنما تؤدي المرأة من أعمال البيت ما تستطيع، ويكون الزوج عونا لها فيه، ويؤدِّي لها ما لا تستطيع، على وجه تكون فيه المودَّة والسَّكينة والصُّحبة بالمعروف هي المحركَ لكلٍّ منهم. ليس من مقصود الشريعة أن تشغل المرأة بمهنة البيت كأنها عمل لازمٌ لها -كالصَّلاة والصِّيام- تأثم بتركه، إنما من مقصود الشريعة حصولُ الرعاية والعشرة بالمعروف، فأنت في ذلك مديرة عمليات، تتابعين سير الأمور داخل البيت بنفسك أو من خلال أولادك الذين هم عونٌ لك، المهم في المحصِّلة أن تحصِّل الرِّعاية بالحد الأدنى كما ذكرنا، لا وَفْق ثقافة الاستهلاك والاستكثار. بما سبق تفهمين -أيتها الكريمة- معنى قول جمهور الفقهاء أن مهنة المنزل ليست من عقد الزواج، فعقد الزواج عندهم على العلاقة الغريزية الحلال بين الزوجين وعلى التربية للأولاد إن أنجبا، وعقد الزواج عندهم لا يتضمن مهنة البيت كفرض عين عليك أنت بذاتك، لكنهم في الوقت ذاته لا يقولون للمرأة: فليحصل بعد ذلك للبيت ما يحصل ولا دخل لك به، بل يعتبرون النُّصوص العامَّة في طاعة الزَّوج، فما كان فيه منفعةٌ للمنزل والأسرة، ولا ضرر على المرأة في القيام به ولا حرام، فيصبح من حسن العشرة طاعة الزوج فيه. حسنًا، فإذا ضاقت الحالة المادية للأسرة واحتاجت المرأة إلى العمل لتساعد الزوج وبإذن -بل وأحيانا بضغط- منه، ألا يُحمِّلُه ذلك مسؤولية أكبر في المشاركة في أعمال البيت، أم من حقه أن يقول لها: (هذه مشكلتك، دبّري حالك!) ويَتوقعَ منها أن تؤدي الأدوار كلها، ولو على حساب صحّتها وقيامِها بالأساسيات من حق نفسها؟ بل نقول في هذه الحالة: إنه من إحسانها إلى زوجها وبيتها إن تحملت جزءًا من النفقة؛ لأنه ليس واجبا عليها أن تنفق على بيتها كما ذكرنا، فإن فعلت ذلك فهو من تفضلها عليه، وعلى الزوج أن يعينها على تحقيق التوازن في حياتها بما يمكنها من النجاح في الأساسيات، وأن يقابل إحسانها بالإحسان. خامس مشكلات عمل البيت: عدم تمييز حدود الفضل والعدل. الزواج والعلاقات الأسرية -أيها الكرام- قائمة في الإسلام على الفضل؛ أي: الزِّيادة في العطاء من كل طرف للآخر عن الحد الأدنى الواجب، لا على الاكتفاء بالوقوف عند حدود العدل ورفض الزّيادة عليها؛ فالإسلام لا يُعَيِّنُ شُرطِيًّا في البيت، ولا محاسبًا ولا قاضيًا ليقول: هذا واجبك يا زوج، تعال رتب هنا! هذا واجبك يا زوجة، تعالَي اعملي هذا الشَّيء هناك! لوائح وقوانين جافةً، بل الإسلام يبني البيت على قواعد البر والمودة والرحمة، فيتسابق أفراده على خدمة بعضهم البعض. لكن -في الوقت ذاته- الإسلام دينٌ يعالج الواقع بأدق تفاصيله ومختلف حالاته، فيراعي تقلُّباتِ مزاج الإنسان وفتور همته، لذلك صحيح أن كلًّا من الزوج والزوجة قد يقوم بأعمال هي فضل، لكن من الضروري أن يكون معروفًا لدى الطرفين أن هذا فضل، بحيث إذا انسحب منه لظرف ما -كفتور همته، أو كأن تُؤَثِّرَ أعمال فضلٍ كانت تقوم بها المرأة أو الرجل على النجاح الأساسيِّ في العلاقة مع الله أو في إعطاء النفس حقها - فتَوقَّفَ عن القيام بهذا الفضل، فإنه لا يُلام ولا تُلام على أنه مقصرٌ أو أنها مقصرة، وإذا حصل خلاف بينهما، عادا للعدل الذي يحدِّد الحدَّ الأدنى من واجبات كلٍّ منهما تجاه الآخر. خدمةُ أهل الزوج هذه من الفضل، إن قامت بها زوجتك فجزاها الله خيرا، وإن امتنعت فليس لك أن تغضب ولا تلومَ ولا تتَّهمَها بالتَّقصير؛ لأنه ليس واجبَها شرعًا، والشرع حاكم عليك وعليها، وإذا غضبت فغضبك غير معتبر، ولا يضرها عند ربها. كذلك هل يجب على الفتاة القيام بحاجات إخوانها الذكور؟ السؤال ناقص مرة أخرى، فإن كانت التّتمة: إخوانِها الذكور الذين يمضون أوقاتهم على الـ Playstation و(الأرجيلة) أو متابعةِ المباريات، فالجواب قولًا واحدًا: لا وألف لا، فالإسلام لم يجعل الأنثى خادمة للذكر لذكورته كما يتصور البعض، بل إن كانت هي قائمة بالأولويات وتحقيقِ الأهداف: كطلب العلم النَّافع ورعاية الصِّغار، لأصبح السؤال الذي ينبغي أن يُطرح: (ألا يجب على أخيها المتثاقل عن مسؤولياته... ويعيش لشهواته أن يقوم بشؤونها ويكفيها أعمال البيت ويلبي حاجاتها؛... لتتمكن هي من أداء أعمالها، وإن كان هو ذا شنب عريض وعريض المنكبين؟) وإن كان إخوانها قائمين بما عليهم، وأحبّت أن تكوي لهم ملابسَ أو تُهيِئَّ لهم طعاما فهذا من الفضل والإحسان والمعروف الذي يُطلب -إن طُلب منها- فضلًا لا أمرًا، دون أن تُكلَف من ذلك بما يشق عليها أو يشغلها عن شأنها الخاص من عبادة أو طلب علم أو نحو ذلك، وكذلك يطلب من الفتاة أن تعين أمها في رعاية إخوتها الصغار الذين يَضيعون إذا لم يتلقوا الرعاية. وهكذا تقوم الحياة في الإسلام على الإحسان والبر والفضل، فإن حصل الخلاف فالعودة إلى حدود العدل. عندما يكون تفضُّلك يؤذيك، فإنك تعرفين كيف تَرسُمين الحدود فلا تضيعين، فالمرأة ليست مطالَبة أن تتفانى في خدمة الأسرة وتغرق في التَّفضل على الزوج والأولاد أو إخوانها على حساب نجاحها في علاقتها مع ربها وإعطاء نفسها حقها، فلا تخرجُ إلى دائرة التَّفضُّل ما لم تُحكم دائرة أداء الواجبات. والكلام ذاته نقوله للرجال، وكما أن كثيرًّا مما يطلب من المرأة هو أعمال فضل لا توجبها الشريعة عليها، فكذلك كثير من نفقات الزوج عليها نفقاتُ فضل لا توجبها الشريعة عليه، فكم من امرأة تظن أن من واجب زوجها أن يوفر لها ما يُمَكِّنها من مُجاراة المظاهر كما يحصل في المناسبات مثلًا، وليس هذا من واجبه شرعًا، ولا يُعتبر مقصِّرًا إن رفضه، فإن رضي الزوجان أن تسير حياتهما بالفضل فبها ونعمت، وإن أصَرَّا على العدل، فليس من العدل أن يطالَب أحدُهما بالفضل والآخر بالحد الأدنى من العدل، وهذا مفتاح مهم لمن يسعى في حل مشكلات الأسر، وإذا غُفِل عنه كان سَعْيُه مرفوضًا من أحد الزوجين؛ إذ يحس بأنه مظلومٌ أو مظلومة. قد تعتب المرأة على زوجها فتتوقف عن أعمال فضل كانت تعملها، وقد يفعل هو نفسَ الشيء، وفَهْمُهما لهذا التقسيم والحدود يجعل رَدَّة فعل الطرف الآخر أقصاها أن يكف عن الفضل الذي كان يتفضل به، ولا يقصرَ في واجبات العدل وهو في ذلك غير مسيء ولا لومَ عليه. لكن المشكلة أن عدم فَهْمِهما لهذه الحدود يجعل رَدّة الفعل في ترك واجبات العدل، فيدخل كلاهما في حلقة مُفرغة من التَّصعيد وفي الفجور في الخصومة. إذا فهمنا هذا كلَّه يا كرام، أن الإسلام يقوم على التَّكامل لا الفردية، على التَّعاون لا الأنانية، وأن الإسلام يجمع القلوب على الهدف الأعظم المشترك من تحقيق العبودية لله، ويقيم الحياة الأسرية على الفضل والعدل -فإننا سنفهم الوصايا النبوية التي توصي أعضاء الفريق بعضَهم ببعض، وتُقَوِّي مؤسسة الأسرة ضد أي غزو خارجي. نبينا -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: «والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها» [صحيح الجامع] هو نفسه القائل «استوصوا بالنساء خيرا» [صحيح مسلم]. نبينا القائل للمرأة عن زوجها: «انظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك» [رواه أحمد] هو أيضا القائل: «خيركم خيركم لأهله» [سنن الترمذي] فجعل معيار الخيرية في الرجال خيريتهم لنسائهم، هكذا الإسلام، «إن الله أعطى كل ذي حق حقه» [صحيح الترمذي] إذا فهمت هذا كله فستفهمين معنى قول نبيك -صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه» [سنن الترمذي] شخص يشترك معكِ في الهدف الأعظم من تحقيق العبودية لله، ومن ثَمَّ في الأولوياتِ واحترامِ حدوده فيها وتقاسُمِ الأدوار وتحمُّلِ مسئولياته فيها. والشاب سيفهم معنى قول نبينا -صلى الله عليه وسلم: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» [صحيح البخاري]، ذاتِ الدين التي تشاركك هذا كله؛ لتقوم البيوت على أساس صحيح، ...وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [القرآن 24: 54] وكذلك معنى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ... ...لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [القرآن 6: 115]. والسَّلام عليكم ورحمة الله.