الامر الثالث من اسباب الثبات على الدين انه عند الاختلاف تشتبه البدايات والمآلات. فاذا نظر المسلم في شأنه وجب حينئذ ان ينظر في حال الاختلاف في مآلات الاشياء لا في مبتداها لان مبتدعها لا يعني الصواب فيها بل الصواب هو غاياتها ومنتهاها. ولهذا عرف بعض العلماء الحكمة بانها وضع الامور في الموافقة للغايات المحمودة منها. والمعرفة بالمآلات اصل شرعي. ولهذا جاءت قواعد شرعية تعطل هذا المبدأ دائما الشريعة ونحتاجه للثبات على الدين في زمن الفتن. من تلك القواعد درع المفاسد مقدم على جلب المصالح. نظر فيه العلماء الى المآلات. ارتكاب ادنى المفسدتين لتفويت اعلاهما. يمكن ان يكون عندي مفسدة ومفسدة لابد ان ارتكب مفسدة منهما فاختار المفسدة الصغرى واترك المفسدة الكبرى هذا هو المتعين. ومن القواعد المتصلة بذلك قاعدة سد الذرائع فذرائع الموصلة او الموسعة او المفظية الى الفتن يجب ان تسد حتى لا يكون الناس في ريب من دينهم. ضرب ابن القيم رحمه الله في معالم الموقعين عن رب العالمين او اعلام الموقعين عن رب العالمين. طلب امثلة كثيرة لذلك ومنها اذكر مثالين منها مثال يتعلق بالمشركين وصنيع النبي صلى الله عليه وسلم معهم في مكة. ومثال يتعلم بالمنافقين وصنيع النبي صلى الله عليه وسلم معهم في المدينة. قال ان المشركين اذوا النبي صلى الله عليه وسلم واذوا الصحابة في مكة وحصروهم العام المعروف سنة عشر عام الشعر حصروهم في الشعب وضيقوا عليهم سأله طائفة من الصحابة سأل النبي صلى الله عليه وسلم في منى قالوا يا رسول الله لو شئت لملنا على اهل منى باسياقنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا او قال لم نؤمر بعد. قال ابن القيم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة الضيم مقدمة على القتال. لان مآل القتال ليس في مصلحة الدين. والمثال الثاني صنيع النبي صلى الله عليه وسلم مع المنافقين. المنافقون كانوا يكيدون لرسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا ضرارا وقالوا ما قالوا وتخلفوا عن الجهاد وكانوا يثبطون المؤمنين وسعوا بالفساد. فلم يعاقبهم النبي صلى الله عليه عليه وسلم. بل اجراهم على الظاهر. فظاهرهم مسلمون وباطنهم النفاق. فلما سئل عليه الصلاة والسلام سئل ان يقتله قال لا لا يتحدث ان محمدا يقتل اصحابه. قال ابن القيم فجعل مفسدة ترك العقوق عقوبة لهم محتملة لاجل المفسدة الكبرى وهي الا يقال ان محمدا يقتل اصحابه. وهذان سألان مهمان في هذا الصدر. فمن اسباب الثبات في على الدين في زمن الاختلاف وفي كل حال ان تنظر في الامور تنظر الى مآلاتها والا تكتفي في النظر الى مقدماتها. الناس يشترقون جميعا في معرفة المقدمات. في معرفة البدايات. لكن من يعرف اعلى وما هي المصلحة التي تتخذ تجاه هذه المآلات يعرفها اهل الرسوخ في العلم اهل العقل اهل الادراك في الامر ونحو ذلك. ولهذا قال جل وعلا في سورة النساء واذا جاءهم امر من الامن او الخوف هذاعوا به. ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته تبعتم الشيطان الا قليلا. فهنا قال اذا جاء امر من الامن او الخوف اذاعوا به لانهم لان الجميع يشترك في معرفة هذا الخبر وفي معرفة بداياته. لكن هنا نبه الله جل وعلا الى ان الرد الى الرسول والى اولي الامر يحدث استنباط مآلات هذا الامر قال لعلمه الذين يستنبطونه وخبر لكن يستنبطون ماذا؟ يستنبطون المهالات منه وما هي المصلحة تجاه ذلك. لهذا لما استلف الدخول في الفتن وامتدحوا الحرص على الدين وكف اللسان. لان المهالات تخفى اذا نظرت الى ما حدث في التاريخ من حوادث وجدتها ناتجة عن معرفة بالبدايات وجهل في النهايات