تبارك وتعالى وقد قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما ما شيء اجده في صدري قال ما هو قال والله لا اتكلم به قال ابن عباس شيء من شك قال بلى بهذه الدنيا وكذلك ايضا لا يحاط به في الاخرة وان كان اهل الايمان يرونه لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار بمعنى لا تحيط به والله اجل من ان يحاط به ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته بهذه الليلة اتحدث عن اسمين كريمين من اسماء الله تبارك وتعالى وهما الظاهر والباطن وهذا الحديث له اتصال بالحديث عن الاسمين قبلهما وهما الاول والاخر فهذه الاسماء الاربعة بينها ارتباط من جهة المعنى اذ ان ذلك جميعا يرجع الى معنى الاحاطة ان الله محيط بكل شيء هذا الحديث ايها الاحبة عن هذين الاسمين الكريمين ينتظم اربع قضايا الاولى في معنى هذين الاسمين والثانية في دلائلهما والثالثة فيما يدلان عليه والرابعة بالاثار المترتبة على الايمان بهما اما الاول وهو ما يتعلق بمعنى هذين الاسمين الكريمين فان الظاهر من جهة اللغة كما هو ظاهر من لفظه اسم فاعل لمن اتصف بالظهور وهو يقابل الباطن والظهور يرد لمعان متعددة منها العلو والارتفاع في اللغة فما اسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا ان يظهروه اي اي يعلوه اي السد الذي بناه ذو القرنين وكذلك ايضا الظهور يأتي بمعنى الغلبة تقول ظهر المسلمون على عدوهم بمعنى غلبوه فايدنا الذين امنوا على عدوهم فاصبحوا ظاهرين يعني فاصبحوا غالبين وكذلك يأتي الظهر بمعنى السند والحماية تقول فلان له ظهر يعني له سند يقويه ويعتمد عليه ويؤيده ونحو ذلك وهكذا ما يركن اليه من المال وكما جاء في الصحيح من حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى فالمال يعتمد عليه ويركن اليه بعد الله تبارك وتعالى ويأتي ايظا الظهور بمعنى البدو والبيان وما يقابل الخفاء وكذلك ايضا فان الظهر يقال لما غاب يعني لم يكن مشاهدا تقول حفظ القرآن عن ظهر قلب وفي الحديث عند النسائي هل تقرأهن عن ظهر قلب والمظاهرة ايضا تكون بمعنى المعاونة الظهير هو المعين وظهر بعضهم بعضا يعني اعانه وظاهروا على اخراجكم يعني اعانوا على اخراجكم هذا المعنى اللغوي يشتمل هذه المعاني مجتمعة وان كان اولها في التبادر و بمعنى الارتفاع والعلو ولكن ايضا الظهور يأتي للمعاني الاخرى. فاذا اردنا ان نبين معنى هذا الاسم الكريم بالنسبة لله جل جلاله وتقدست اسماؤه الظاهر فما المراد به بناء على ما سبق من المعاني اللغوية يمكن ان نقول و من يتصف بعلو الذات والفوقية وعلو الغلبة والقهر وعلو المرتبة والمنزلة والشأن وانتفاء المثيل والنظير والشبيه فهو الظاهر في كل معاني الكمال وكذلك هو البين المبين الذي ابدى في خلقه هذا الخلق الذي نشاهده دلائل قدرته واظهر براهين توحيده وانه قد احاط بكل شيء علما واحصى كل شيء عددا ولهذا قال ابن الاثير رحمه الله الظاهر في اسماء الله هو الذي ظهر فوق كل شيء. وعلى عليه فعبارات العلماء اذا جمعت تنتظم هذه المعاني التي ذكرتها انفا فهو الذي اقام الخلائق واعانهم ورزقهم ودبر امرهم وهداهم سبلهم فهو المعين للخلائق وهو مصير المؤمنين فهو ظهير ظهير لهم واحسن ما يفسر به وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم اللهم وانت الظاهر فليس فوقك شيء كما في صحيح مسلم فهو ظاهر في وجوده ظاهر في كمال صفاته بما بث من الادلة والبراهين في مخلوقاته كل شيء في هذا الكون ودليل على وحدانيته وقدرته وعلمه وحكمته الى غير ذلك من اوصاف الكمال وفي كل شيء له اية تدل على انه واحد ولكن قد يعشى من اعشى الله بصيرته او اعماها ولا يرى ذلك وهذا لا يضر ما ضر ضوء الشمس الا يراها من كان في ابصار الرمداء حينما لا يراها الارمد او الاعمى فان ذلك لا يضر الشمس شيئا وفسره ابو جعفر ابن جرير رحمه الله بانه الظاهر على كل شيء دونه والعالي فوق كل شيء فلا شيء اعلى منه وهكذا قال بعض اصحاب المعاني كالزجاج بانه ظهر للعقول بحججه وبراهين وجوده وادلة وحدانيته وهكذا معنى العلو على خلقه وهكذا ايضا الخطابي فقد فسره بالظاهر بحججه الباهرة وبراهينه النيرة وبشواهد اعلامه الدالة على ثبوت ربوبيته وصحة وحدانيته وهو الظاهر فوق كل شيء بقدرته وكذلك الظهور بمعنى العلو وبمعنى الغلبة هذه المعاني التي يذكرها العلماء من مجموعها يفسر الظاهر فله الظهور المطلق من كل وجه قد قال الحافظ ابن القيم رحمه الله معبرا عن بعض هذه المعاني في سياق طويل في نونيته اكتفي منه ببيتين او نحو ذلك يقول والظاهر العالي الذي ما فوقه شيء كما قد قال ذو البرهان حقا رسول الله ذا تفسيره ولقد رواه مسلم بضمانه. الحديث الذي اخرجه الامام مسلم في صحيحه والظاهر الذي ليس اللهم وانت الظاهر فليس فوقك شيء الى اخر ما ذكر الحافظ ابن القيم رحمه الله وفسره الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي رحمه الله بما يدل على عظمة صفاته واضمحلال كل شيء عند عظمته من الذوات والصفات وانه يدل ايضا على علوه. هذا هو الظاهر ظهور العلو علو الذات والقدر والمنزلة والقهر ظهور بمعنى انه من قد ابان واظهر دلائل الوحدانية والقدرة وما الى ذلك واما الباطن فهو في اللغة ايضا اسم فاعل لمن اتصف بالبطون والبطون يقابل الظهور والبطن من كل شيء هو جوفه والله عز وجل يقول والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا والبطون ايضا يقال للخفاء والاحتجاب وعدم الظهور ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن. يعني ما كان في الخفاء على قول مشهور بالتفسير وبطن الشيء اساسه المحتجب الذي تستقر به وعليه الاشياء وفي الحديث جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي والله تبارك وتعالى يقول وهو الذي كفى ايديهم عنكم وايديكم عنهم ببطن مكة والبطنان جمع البطن وهو الغامض من الارض. بطمان الجنة وسطها وتقول بطنت هذا الامر اذا عرفت باطنه وبطنت بفلان يعني اذا صرت من خواصه ولهذا يقال البطانة بطانة الرجل هم وليجته كبطانة الثوب مما يلي الجسد فهو اقرب ما يليه وهكذا ايضا يمكن ان نفسر الباطن في حق الله تبارك وتعالى اذا عرفنا هذه المعاني في كلام العرب وابو جعفر ابن جرير رحمه الله يقول هو الباطن لجميع الاشياء فلا شيء اقرب الى شيء منه كما قال تعالى ونحن اقرب اليه من حبل الوريد وهكذا يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله بان ذلك يدل على اطلاعه على السرائر والضمائر والخبايا والخفايا ودقائق الاشياء كما يدل على كمال قربه ودنوه فهو ظاهر ومع ذلك هو ايضا باطن فهو باطن مع ظهوره ومن هنا تدرك معنى الاحاطة في اوصافه تبارك وتعالى وهو ايضا الباطن المحتجب عن ابصار الخلق ولهذا فسره مثل النووي رحمه الله بانه المحتجب عن خلقه وبعضهم يقول العالم بالخفيات وهذه المعاني مما يدخل فيه. والله تعالى اعلم فهو كما قال ابن جرير رحمه الله من انه اقرب وكذلك هو الباطن لجميع الاشياء فلا شيء اقرب منه وكذلك ايضا هو العالم ببطانة الشيء يعني الذي يعلم باطنه يعلم الخفايا والخبايا والاسرار وحركات النفوس وما يدور في الصدور وما يختلج فيها وما يخفيه الانسان عن غيره في سره وخلوته فالله تبارك وتعالى مطلع على ذلك وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وانت الباطن فليس دونك شيء وهذا الاسم الذي تضمن هذا الوصف لله تبارك وتعالى لا يقتضي السفول فالله منزه عن ذلك فهو العلي الاعلى ولا يقتضي انه مخالط لخلقه فهو على عرشه استوى ثانيا في الكلام على دلائل هذا الاسم الكريم. جاء هذا في كتاب الله تبارك وتعالى في موضع واحد وهو قوله هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم واما في السنة فالحديث الذي اشرت اليه انفا وانت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء لاحظ هذا الاقتران بين الظاهر والباطن. وقد تحدثت في المرة الماضية بشيء من وجه الاقتران بين الاول والاخر. فهذه الاسماء الاربعة جاءت مقترنة بالاية والحديث ذلك معرفة هذا كما يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله ان هذه الاسماء الاربعة هي اركان العلم والمعرفة وانه جدير بالعبد ان يبلغ جهده من اجل ان يعرف معانيها وان يتفهمها بحسب بقواه المدركة لان ذلك يكون انفع ما يكون للعبد الحافظ ابن القيم يقول اعلم ان لك اولا واخرا وظاهرا وباطنا بل يقول كل شيء له اول واخر اظاهر وباطن حتى الخطرة قطرات النفوس لها اول واخر وظاهر وباطن واللحظة والنفس وادنى من ذلك واكثر فاولية الله عز وجل سابقة على اولية كل ما سواه واخريته ثابتة بعد اخرية كل ما سواه فاوليته سبقه لكل شيء واخريته بقاؤه بعد كل شيء. وظاهريته فوقيته وعلوه على كل شيء كذلك ايضا بطونه واحاطته بكل شيء بحيث يكون اقرب اليه من نفسه يقول مدار هذه الاسماء الاربعة على الاحاطة وهما احاطتان زمانية الاول و الاخر ومكانية والظاهر و الباطن يقول احاطة اوليته واخريته بالقبل والبعد فكل سابق انتهى الى اوليته. وكل اخر انتهى الى اخريته فاحاطت اوليته واخريته بالاوائل والاواخر واحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن فما من ظاهر الا والله فوقه وما من باطن الا والله دونه وما من اول الا والله قبله وما من اخر الا والله بعده فالاول قدمه كما يقول ابن القيم رحمه الله. والاخر دوامه وبقاؤه. والظاهر علوه وعظمته والباطن قربه ودنوه فسبق كل شيء باوليته وبقي بعد كل شيء باخريته وعلا على كل شيء بظهوره ودنا من كل شيء ببطونه فلا تواري منه سماء سماء ولا ارض ارضى ولا يحجب عنه ظاهر باطنا بل الباطن له ظاهر والغيب عنده شهادة والبعيد منه قريب والسر عنده علانية فهذه الاسماء الاربعة تشتمل على اركان توحيد فهو الاول في اخريته والاخر في اوليته والظاهر في بطونه والباطن في ظهوره. لم يزل اولا واخرا وظاهرا وباطنا فهذا معاني هذه الاسماء الكريمة بعد ذلك ننتقل الى ما تدل عليه هذه الاسماء الظاهر يدل بدلالة المطابقة على الذات وعلى الصفة صفة الظهور ويدل بدلالة التضمن على احدهما. ويدل بدلالة اللزوم على ما لا يتحقق ذلك الا به كالحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والغنى والقوة العزة والعظمة والعلو والاحاطة الى غير ذلك واما الباطن فانه يدل بدلالة المطابقة ايضا على الاسم والصفة البطون ويدل بالتضمن على احدهما. لان دلالة التضمن كما عرفنا هي دلالة اللفظ على بعض معناها ودلالته بالمطابقة هي دلالته على كامل المعنى فاذا استعمل ببعض معناه فهذه يقال لها دلالة التضمن واما بدلالة اللزوم فهذا ايضا يدل على الحياة والقيومية والجلال والقدسية جمال الذات والصفات الالهية وغير ذلك من صفات الكمال بعد ذلك انتقل الى الرابع وهو اثر الايمان بهذين الاسمين الكريمين اذا امن العبد بان ربه تبارك وتعالى هو الظاهر فانه يدعوه دعاء مسألة كما في الحديث حديث ابي هريرة الذي ذكرته وهو قوله صلى الله عليه وسلم وانت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء اقضي عنا الدين واغننا من الفقر هذا دعاء مسألة وهكذا يمكن ان يذكر بعض المعنى الذي يتضمنه هذا الاسم الكريم يعني حينما نقول من معانيه المعين والسند والظهير والنصير والملجأ وما الى ذلك وكما جاء في الصحيح من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا اتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الايمن ثم قل اللهم اسلمت وجهي اليك وفوضت امري اليك والجأت ظهري اليك رغبة ورهبة اليك لا ملجأ ولا منجى منك الا اليك الى اخر ما قال صلى الله عليه وسلم هذا دعاء المسألة واما دعاء العبادة وهو اثر هذا الاسم على الاعتقاد والعمل والسلوك وذلك ان المؤمن اذا عرف ان الله تبارك وتعالى هو الظاهر فانه يوقن بان الله على كل شيء قدير وانه فوق خلقه له الفوقية المطلقة توقية الذات وفوقية القدر والقهر والمنزلة تقول فلان فوق فلان واصل الله فوق الجميع الله فوق الجميع. الله مولانا الذي نعبده ونتقرب اليه واليه نسجد وفوق الجميع فوق قل لي من علا شأنه وارتفع من الاشخاص والدول وغير ذلك مما يمكن ان يوصف بالظهور والعلو والله فوق الجميع الذي يظلم الناس وان من يد الا يد الله فوقها ولا ظالم الا سيبلى بظالمي فيد الله فوق الجميع اينما يكون الانسان ممكنا او يكون تحت يده من لا يستطيع ان يرد مظلمته من خادم او عامل او اجير او فقير او ولد او زوجة او غير ذلك ويتسلط عليه ظلما وقهرا ويتذكر ان الله فوقه فيحجزه ذلك عن هذه المظالم ويعلم ان الله تبارك وتعالى اعز واعلى واعظم فالله جل جلاله و المتفرد بالخلق والتدبير وهو صاحب الملك والتقدير وهو المهيمن على السائر الاشياء فيمتلئ قلب المؤمن تعظيما ورهبة ومهابة واجلالا ومحبة لمن اتصف بهذه الاوصاف الكاملة فيخضع له ويجله ويعظمه ويقدسه ويراقبه ويلجأ اليه ويركن ومن هنا يجتمع القلب على المعبود وهذا اثر الاعتقاد الصحيح على اصحابه او هذا من اثاره فيكون له رب يقصده وصمد يصمد اليه في حوائجه وملجأ يلجأ اليه فتستقيم له عبوديته وتصير له وجهة ويكون عنده موئل ومعقل يلجأ اليه ويفر اليه في كل وقت وحين بخلاف ذاك المشتت الضائع الذي ليس له رب يعبده او له رب يعبده لكنه عنده في كل مكان فاذا توجه قلبه تشتت وتفرق هذا القلب لانه يعتقد ان ربه في الاعلى والاسفل وفي كل مكان بلا استثناء وهؤلاء اصحاب هذه العقائد الفاسدة الذين لا يثبتون لله عز وجل العلو والظهور كيف يتوجهون اليه ويصمدون اليه في حوائجهم من لا يؤمن بان الله تبارك وتعالى هو الظاهر بمعنى ظهور القدر والمنزلة والمعين والنصير وما الى ذلك يركن الى من ويلجأ الى من ويعتمد على من ويثق بمن اذا كان يعتقد ان العبد يخلق فعله كما يقول القدرية ومعنى ذلك ان هؤلاء ممن يفنون الخلق ويفسدون في الارض ان هؤلاء يصنعون افعالهم بعيدا عن تقدير الله وقدرته وارادته وخلقه فهذا من ابطل الاعتقاد ومن اسوأه اثرا. لكن حينما يعلم الانسان ان ربه تبارك وتعالى لا يكون شيء الا بتقديره وتدبيره وارادته فانه يلجأ اليه في السراء والضراء ويعلم ان نواصي الخلق بيده والله تبارك وتعالى يقول عن نفسه يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه ويقول اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فيصير لقلب المؤمن يصير له رب يقصده واله يتوجه اليه بخلاف ذاك الضائع المشتت كذلك ايضا الباطن فانه يدعى دعاء المسألة ويتعبد له بهذا الاسم الكريم كما في الحديث وانت الظاهر الذي ليس فوقك شيء وانت الباطن الذي ليس دونك شيء وكذلك ايضا ما يناسب هذا مما يقرب من معناه مما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك ما ينشئه المؤمن من الادعية التي تتصل بهذا المعنى بحسب حاجاته ومقاماته وكذلك اذا ايقن العبد بان ربه تبارك وتعالى متصف بهذه الصفة البطون ويعلم انه عليم قريب يعلم السر واخفى ومن هنا فانه يسأل ربه تبارك وتعالى جميع حاجاته في سره ونجواه ويعلم ان الله تبارك وتعالى يسمع هذه المسألة والدعاء اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخررت وما اسررت وما اعلنت وما اسرفت وما انت اعلم به مني انت المقدم وانت المؤخر لا اله الا انت كذلك ايضا اذا عرف ان ربه تبارك وتعالى هو الباطن فهنا يعلم ان ربه قريب وان البعيد قريب منه وان البواطن كالظواهر بالنسبة اليه وان السرائر بادية مكشوفة فيعامله بمقتضى هذا الشهود فيطهر سريرته فلا يكون في قلبه شيء او اشياء بخلاف ما في ظاهره ولا يكون الانسان في حال خلوته على غير ما هو في جلوته وانما يكون على حال مستوية ليس له الا وجه واحد لا يلقى الناس بوجه ثم بعد ذلك ينكفئ عنهم بوجه اخر كلامه فيهم بالعلانية ككلامه فيهم في السر حاله اذا خلا كحاله اذا بدا لا يستخفه الشيطان ولا يستهويه ولا يتلاعب به فيضيع حظه عند ربه تبارك وتعالى فالسر عنده علانية ويصلح الانسان حاله في غيبته والله عز وجل يقول من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ويقول الا من اتى الله بقلب سليم سليم من الشرك وسليم من الكفر وسليم من الشك وسليم من الشبهات وسليم من سوء الظن بربه ومن سوء الظن بالناس وسليم ايضا من الغل والحقد والحسد والشحناء وما الى ذلك من الامور التي تدنسه وتفسده فيكون طاهرا في ظاهره وفي باطنه وثيابك فطهر الثياب هنا تشمل الباطن تطهير الباطن فالعرب تعبر عن الباطن بالثياب يقال فلان طاهر الثوب يعني زكي النفس وكذلك طهارة الظاهر والله تبارك وتعالى يجمع بين الظاهر والباطن فليس الشأن ايها الاحبة باصلاح الظواهر مع اغفال البواطن تفتك بها الافات النفسية او الشكوك والشبهات التي تعصف بها وليس الشأن ايها الاحبة بدعوى اصلاح البواطن مع اهمال الظواهر فان هذه الامور متلازمة وللرب تبارك وتعالى عبوديات فيما يتصل بالظاهر وفيما يتصل بالباطن فالعبودية الحقة هي التي يتقرب بها ويتعبد مع ملاحظة هذه الاسماء ان الله تبارك وتعالى هو الظاهر والباطن وهذه قضية ايها الاحبة نحن احوج ما نكون الى تأملها والوقوف عندها وكذلك ايضا ما يؤثره الايمان بهذين الاسمين مجتمعين فاذا عرف العبد ان ربه تبارك وتعالى هو الظاهر والباطن يعلم ان ربه تبارك وتعالى محيط بالعالم العلوي والسفلي وان العوالم جميعا في قبضته وان السماوات السبع في يده كخردلة بيدي العبد واذ قلنا لك ان ربك احاط بالناس احاط بالناس والله من ورائهم محيط ولهذا يقرن تبارك وتعالى بين هذين الاسمين الدالين على هذين المعنيين الدال على العلو وهو الظاهر فليس فوقه شيء واسم العظمة الدال على الاحاطة وانه لا شيء دونه وهو العلي العظيم وهو العلي الكبير ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه الله ان الله واسع واسع عليم وكذلك ايضا اذا امن العبد بهذه الاسماء الكريمة انتفت عنه الوساوس والشكوك التي تقلق قلبه وتزعجه كثير من الناس يأتيه الشيطان كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول من خلق كذا من خلق كذا من خلق كذا الى ان يصل الى الله فقال ما نجى من ذلك احد حتى انزل الله فان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك فاذا وجدت في نفسك شيئا فقل هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم يعني هذا التسلسل في الحوادث ينقطع وينقضي فالله هو الاول الذي ليس قبله شيء طيب والبقاء؟ بقاء اهل الجنة البقاء الابدي السرمدي فالله هو الاخر الذي ليس بعده شيء فتنقطع عنه الشكوك والاوهام وكذلك في علوه ان يرى خلقه؟ هل يطلع على سرهم؟ يطلع على احوالهم هو الظاهر و الباطن فهنا تنجلي الشكوك والاوهام والوساوس المقلقة التي لربما بددت راحة الانسان وازعجته صار الى حال من الضيق والحزن بسبب ما يلقيه الشيطان من هذه الخواطر وساوس السيئة التي ينبغي ان لا يلتفت اليها بحال من الاحوال اذا ايها الاحبة من مجموع هذه الاسماء الاربعة اعلم ان كل ما يصل اليك وما يصل الى غيرك من خير ونعمة وعافية وغنى فالله هو المبتدئ بذلك هو الاول ما حصل للاولين والاخرين على تقادم الدهور فان الله هو الاول هو الذي ابتدأ خلقهم واوجدهم واعطاهم ومنحهم ورزقهم هو الذي امدهم بالقوى والقدر والامكانات وادر عليهم الارزاق تقول فلان له مال تليد وتالت قديم ورثه عن ابائه واجداده الله هو الاول فالذي اعطاه قادر على ان يعطيك لان بيده خزائن السماوات والارض ما بيدك فهو من الله ليس بامكاناتك ولا قدراتك ولا ذكائك ولا حرفك انما الله تبارك وتعالى هو المبتدئ بذلك هو الاول اذا رأيت من تعجب بعلمه او خبرته او فصاحته او بنعمة اعطاها الله عز وجل له. فاعلم ان الله هو الاول هو الذي ابتدأ بذلك وهو احق بصفات الكمال فينبغي ان يكون التعظيم له والاجلال والمحبة والخوف والرجاء. كما انه هو الاخر فهذه التي تكون بيد الخلق من الملك والغنى والقوة والمنعة والامكانات الله هو الاخر امم مكنت منذ خلق الله الخليقة اخبرنا عن هؤلاء الاقوام من قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وقوم ابراهيم وقومي لوط وكذلك من جاء بعدهم لا يحصيهم الا الله تبارك وتعالى كل هؤلاء قد طويت صحائف تلك الاقوام والامم وبقي الله وحده اين قارون وامواله واين فرعون واملاكه واين النمرود واين الذين ملكوا الدنيا كما يقال اين هؤلاء الذين طافوا البلاد وعمروها وانتصروا وغلبوا وحازوا على الملك والاموال وصار لهم مكانة ومنزلة ومهابة ثم بعد ذلك ذهبوا وزالوا وبقي الله وحده لا شريك له جاء بنو امية ثم طويت صفحتهم كانهم لم يكونوا فالله هو الاول والاخر اعطاهم ثم سلب منه وجاء بنو العباس في غاية القوة والاندفاع ثم بعد ذلك بمحله وزالوا فالله هو الاول والاخر وجاء العثمانيون بعدهم القمر نراه في اوله هلالا ضئيلا صغيرا ثم ما يلبث ان يكتمل ثم بعد ذلك يزول نرى الشاب اليافع يمتلك قوة وحيوية ونشاطا ثم ما يلبث ان يكتمل وتكتمل قواه حتى يصير بمنتهى الاشد والقوة ثم يبدأ بالتلاشي فيغزو رأسه الشيب ثم بعد ذلك يبدأ بالذبول والضعف حتى يصير الى حال من الهرم والعجز بعد ان كان مدركا كامل الادراك والحفظ كثير العلم والمعرفة حتى لا يعلم من بعد علم شيئا. يذهب العلم ويضمحل وتذهب قوة البدن وتذهب قوى الادراك والذكاء والعقل الوافر وتموت خلايا المخ وتتلاشى ثم بعد ذلك ينسى اسمه وينسى اولاده وينسى زوجته واذا خرج من الباب لم يحسن يرجع اليه فالله هو الاول والاخر فاذا رأيت شيئا تعاظمته فاعلم ان الله تبارك وتعالى هو الذي اعطى وانه لا بقاء لشيء في هذه الحياة الدنيا فان ذلك سيؤول الى اضمحلال وزوال فليكن المعظم في قلبك هو الله لا يكن في قلبك شيء اظهر ولا اعلى ولا اعظم ولا اخوف ولا اجل من الله مهما كانت الامكانات هذه الامم التي تتكالب على المسلمين اليوم. من ينظر بنظر قاصر بساعته وايامه التي يعيش فيها لربما تنغلق الدنيا في عينه. ويرى ان هذه نهاية المطاف ثم بعد ذلك يغلب عليه اليأس والقنوط والاحباط. لكن لو نظر من اعلى لوجد ان ذلك عما قريب يزول وينقشع كما انقشع من قبله اين هولاكو اين هؤلاء من كبار العتات هؤلاء التتر الذين ابادوا وافسدوا كل شيء وارهب الناس حتى بلغ الامر في بغداد ان يأتي الرجل الواحد من هؤلاء من جندهم فيأتي الى الجمع يقربون من المئة يزيدون او ينقصون ثم بعد ذلك يتبين انه قد نسي سيفه فيشير اليهم فيذهب ويأتي بالسيف لم يتحرك احد من شدة الخوف الذي ملأ قلوبهم من هؤلاء ثم يذبحهم جميعا بسيفه مع انهم لو دفعوه بايديهم لهلك فهؤلاء كانوا يتصورون ان هؤلاء التتر لا قبل لاحد بهم وتعرفون مواقف شيخ الاسلام مع اهل الشام. اراد الناس ان يفروا الامراء والتجار والوجهاء وعامة الناس ويتفرق الجند فثبتهم شيخ الاسلام. اين التتر؟ اخبروني بربكم؟ هل رأيتم تتريا قط؟ من رأى منكم احدا من التتر زالوا واضمحلوا وانتهوا وسيزول غيرهم فالبقاء لله وحده هؤلاء الذين كادوا وعادوا وافسدوا وحاربوا دين الله تبارك وتعالى عبر القرون الممتدة منذ بعث الله نوحا صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا اين هم هل تعرفون من عاصر نوحا صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكفار باسمائهم هل تعرفون الملأ من قوم نوح باسمائهم؟ هل تعرفون الملأ من قوم هود باسمائهم هل تعرفون الملأ من قوم صالح باسمائهم؟ هل تعرفون الملأ من قوم شعيب باسمائهم كل هؤلاء زالوا وانتهوا وصاروا خبرا بعد عين وبقي دين الله هو الظاهر وكلمة الله هي العليا ارتد العرب بعد الاسلام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم. وما بقي الا اهل مكة وبعض اهل هذا الساحل واهل المدينة ثم ماذا ذهب اولئك من اهل الردة وكذلك ايضا جاء الصليبيون وجاء قبلهم التتر وجاء ما يسمى بالاستعمار وما تركوا بلدا الا دخلوها الا هذه البلاد حتى تركيا التي كانت عاصمة السلطنة العثمانية دخلوها الى عاصمتها بخيل بفرس ابيض جيء به من اليونان باعتبار ان محمد الفاتح حينما فتح القسطنطينية دخلها بخيل ابيظ بفرس ابيض. نكاية مثلا بمثل وسواء بسواء حتى بلون الخيل من شدة حقدهم وحنقهم ثم ماذا ذهب هؤلاء وعاد المسلمون من جديد وبقيت كلمة الله هي العليا وان كان مكرهم لتزول منه الجبال لكن دين الله بقي فايها الاحبة اثبتوا على الحق ولا تيأسوا ولا تبتئسوا فالله هو الاول وهو الاخر ولكنه يبلو بعض الخلق ببعض وهي احيان وازمان واوقات في اعمارنا قد تطول. ولكنها في معيار الله عز وجل ليست بشيء هي كأحلام تنتهي التتر حينما دخلوا بلاد الشام ماذا فعلوا بحلب ودمشق وغيرها بدمشق فعلوا الافاعيل كانوا قد اعطوا اهلها الامان. فلما دخلوها عاثوا بها فسادا ثم اباحها لجيشه ثم بعد ذلك اطلق فيها من معه من السوق والمماليك والاراذل فكان النساء والاطفال والصبيان قد اجتمعوا في الجوامع فاتوهم وقد اوثقوا الرجال فصاروا يفجرون بالاطفال والنساء على مرأى من الرجال في الجوامع ولا تسمع الا الصياح والصراخ والعويل ثم قتلوهم يقول المؤرخون لا ترى في شوارع وطرقات دمشق الا صبيا ليس له ام ليس له اب ليس له احد فصارت خرابا ثم احرقوها وكانت من افضل واحصن وامنع البلاد اعني دمشق في ذلك الوقت احرقوها احراقا ثم ماذا ثم انقشعوا وزالوا وبادوا وبقي دين الله عاد المسلمون من جديد وعاد اسلامهم وارتفعت اصوات المآذن مصطفى كمال اراد ان ينقل العاصمة الى بلد لا يوجد فيها مئذنة. ولا يسمع فيها صوت الاذان ثم تحولت تلك المدينة الى بلدة هي من اكثر البلاد مآذن واين هو؟ فهذا دين الله تبارك وتعالى. هو الاول والاخر. فلا تبتأس ولا تقنط واذا اصابك نعمة فلا تضطر واذا اصابك بلوى فلا تجزع اثبت واصبر فان الله تبارك وتعالى هو المبتدئ وهو الوارث وهذا ما سنتحدث عنه في الدرس القادم ان شاء الله تبارك وتعالى اعني اسم الله الوارث اسأل الله عز وجل ان ينفعنا واياكم بما سمعنا وان يجعلنا واياكم هداة مهتدين والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه