كلنا نعلم ان الله تبارك وتعالى خلق عباده ابتلاء واختبار هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟ انا خلقنا الانسان من نطفة مشات نبتليه. فجعلناه سميعا بصيرا. فالاصل في انه مبتلى اما بالسراء في الصحة والعافية والغنى والجاه واما بالضراء كالفقر والذلة والحبس ونحو ذلك. اذا تيقن المرء المسلم انه في دنياه مبتلى يجعله ذلك يوطن نفسه على الصبر على البلاء الله جل وعلا يبتلي افرادا من هذه الامة بمشاء كيف شاء ويبتلي جماعات ودول وبلدان ونواحي. ابتلاءات متنوعة وكلنا نعلم ان المحن وجوهها متعددة فالحروب محن. والجوع والسنون محن والاوبئة والامراض محن وظهور الكفر والبدع محن. واذا فكانت المحن واذا كانت المحن ذا وجوه متعددة فان الممتحنين ايضا انواع والوان واشكال. منهم من يستشرف ويقرب المحنة ويظن نفسه غيورا ويظن نفسه صبورا. حتى اذا ما وضع قدمه في اول فريقها اذا هو قد انزلق واصبح متابعا لاهل الفتنة والبلاء ومنهم من يتعوذ منها ويسأل الله العافية ثم اذا بلي وابتلي وجعلته المحن والاحن ربما يصبر وربما لا يصبر فالناس في البلاء على الوان واشكال تاريخ الامة تاريخ مليء بالابتلاءات والامتحانات سواء على صورة الافراد او على صورة المجتمعات فكم من مجتمع راقد خامل لا يتصور منهم ان يكونوا قادة وعزة وعزا للامة اذا بنا نفاجئ يجعلهم الله قادة خير وعز وتمكين. ومثال واحد على هذا ان ننظر الى تاريخ التتار خرجوا من القاصي بلاد الصين حتى ابادوا الدولة الخوارزمية ثم نباد الدولة الخراسانية ثم وصلوا بغداد وابادوا الخلافة اسلامية ثم جاءوا الى الشام وسيطروا عليها سيطرة تامة ما بقي الا دويلة وليست هي بدويلة بل هي ولاية كانت تابعة للشام تسمى بدولة المماليك. ما كان يخطر ببال احد ان ان كون العزة منها هنا والنصر منها هنا على اولئكم الوحشيون البغي الذين جاءوا من البراري وكانوا يسفكون الدماء ويقتلون اهل الاسلام من التتار ومن معه. لكن الله تبارك وتعالى يحيي ما شاء بما شاء واما الابتلاء على صورة الافراد فتاريخ الامة تاريخ مجيد. ربما نجد شخصا واحدا يقف في المحنة فيجعله الله امام الحق. امام الهدى. ومن هؤلاء الذين صبروا في البلاء. وخرجوا من الامتحان والمحنة. ذهبا خالصا وسقط افلاس الناس وسقط من كان يتزيى بزي العلم يرى من البعيد ذهب فلما جاء البلاء اذا هم نحاس في لمعانهم يشبهون الذهب ولكن انهم حين البلاء وحين العرض على الفتن وعلى المحن ظهر انهم ليسوا الا متشبهين بالكرام