بيتر وجولي، كانا يعيشان مع بعضهما حياةً سعيدة، لكنَّ طِبَاع جولي بدأت تتغير مؤخرًا، أصبحت تتعامل مع بيتر بعصبية، استوعبها بيتر وقدَّرَ أنها قد تكون انفعالاتٍ نفسيةً مؤقتةً، لكنَّ جولي استمرت في عصبيتها، وأصبحت تتعامل مع بيتر بقلة احترام؛ تتعمد إفساد علاقتهما دون سبب. كلمها بيتر بعطفٍ، وذكَّرها بالأيام الجميلة بينهما، لكنَّ تعامل جولي ازداد حدةً، تجنبها بيتر وأصبح يتعامل معها بشيءٍ من الجفاء لتعود إلى صوابها. لكنَّ تعامل جولي ازداد سوءًا، وأصبحت تلاحق بيتر تصرخ في وجهه: (بالإنجليزية) أنا أكرهك، لن أستمع إليك، (بالإنجليزية) أنت لا تعني شيئًا بالنسبة لي. لم تُعطِه فرصة ليتجنبها، وأصبحت حياتهما في خطر. تمالك بيتر نفسه؛ حتى لا يتصرف هو أيضًا بعصبية، فهو يحب جولي، ولا يريد أن تنتهي علاقتهما، يريد فقط أن يوقظها من تمردها هذا. وبينما هو ضابط لأعصابه وجولي تصرخ به، ضرب بيتر بيديه على ساعديها، هزها وقال لها: (بالإنجليزية) هذا يكفي جولي، توقفي أرجوكِ هذا يكفي. هنا بكت جولي، وألقت بنفسها على بيتر، فهدَّأها ومسح دمعتها. هدأت جولي بعدها وعادا إلى حياتهما السعيدة. المشهد الرومانسي لبيتر وجولي هو في الحقيقة المشهد الشرعيُّ في الحالات الاضطرارية في الإسلام، كحلٍّ استثنائي لما يمكن أن ينشأ في بعض الأسر، والمشهد المرعب لأبو زعبل وفتحية هو المشهد الَّذي يحصل حقيقة في الغرب خارج أسوار هوليوود، وهو الذي تؤدي إليه العلاقات الغرامية المحرمة. لكن عندما يكون الإسلام غير مطبق على مستوى الدول، وغير مطبق على مستوى عامة المسلمين، وعندما يشتغل شياطين الإنس والجن ليلَ نهار في تشويه الإسلام وتزيين الجاهلية الحديثة، فإن المفاهيم تنقلب، والصور الذِّهنية تصبح معكوسةً تمامًا. نحن هنا اليوم لنوقظ المسلمين أزواجًا وزوجاتٍ، لا لندافع عن ممارسات منحرفة لدى المسلمين، ولا لنقارن أخلاق المسلمين بأخلاق الأمم الأخرى. مع أننا لو أجرينا هذه المقارنة على كل ما فينا، لن يكونوا أحسن منا بالمناسبة. لكن، مع ذلك نحن هنا اليوم لنرسم معًا المسطرة الإسلامية الصحيحة، لنرى جمال ديننا. فعندما نحل مشاكلنا، لا نحلها بتقليد الغرب أو الشرق، بل بالرُّجوع لكلام ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-. تعالوا -إخواني وأخواتي- نُعيد بناء و تشكيل نفسياتنا، نتخلص من أي صورة ذهنية متراكمة ومسربة لعقلنا الباطن عبر السنوات من الإعلام والتطبيقات السيئة في مجتمعاتنا، ومن الأفلام والأغاني غير الواقعية. ونرى معًا ما هو الإسلام، وما هي الجاهلية فيما يتعلق بمسألة ضرب المرأة. مسطرة الإسلام محفوظة في الآيات والأحاديث، عنها سنتكلم لا عن المسلمين الَّذين انحرفوا عن المسطرة. في الإسلام ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [القرآن 19:4] ربك يأمرك أن تحسن إلى زوجتك وتعاشرها بالمعروف. ما المقصود بـ "المعروف"؟ تذهب تسأل أمنا عائشة -رضي الله عنها- الَّتي قالت في زوجها -صلى الله عليه وسلم- كان خُلُقه القرآن. اسألها عن اللفتات الجميلة التي ملأت حياتهما، والَّتي ذكرنا العشرات منها في حلقة (ندى تشتكي لعائشة) إنك تُؤكِّل زوجتك بيدك هذا من السنة، قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إلى في امْرَأَتِكَ) (صحيح البخاري) أي: إلى فم امرأتك. إنك تشرب مع زوجتك من نفس الكأس، هذا قريب مما كان يفعله نبيك -صلى الله عليه وسلم- عندما كانت عائشة تشرب وهي حائض فيتناول النَّبيَُ الكأس، ويضع فمه موضع فمها ويشرب، جفاف العلاقات الأسرية ليس من الإسلام، التَّصحر الَّذي يعيشه كثير من الأزواج ليس من الإسلام، فياليت عندما تقارن، تقارن الإسلام كما في القرآن والسنة ليس المسلمين. في الإسلام ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [القرآن 228:1] لكِ على زوجك مثل الَّذي له عليك، لا بدَّ أن يتجمل لك ويراعي مشاعرك، ولا يخونكِ مثلما هو متوقع منك أيضًا تمامًا. هذا هو الأصل في العلاقات الزوجية. حسنَا، امرأةٌ ما تصرفت بأسلوبٍ سيء، يأتي الإسلام فيُذكِّر الزَّوج أن يحفظ الود ويطول باله ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [القرأن 19:4] تمادت المرأة واستمرت في هدِّم بيتها. ما الَّذي تريدينه يا بنت النَّاس؟ لا أريدك. إذن، اختلعي منه. أرجعي له مهره أو جزءًا منه وانفصلا، فالزَّواج ليس سجنًا لا مهرب منه. هِيَّ لا تريد الخلع ومع ذلك تصِرَّ أن تجعل الحياة صعبة. أمام الزوج خيار التَّطليق. الطَّلاق الواعي الَّذي له شروطٌ تفصيلية كحل لا كانتقام، وحتى الطَّلاق لا بدَّ أن يكون طلاقًا بإحسان، ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [القرآن 229:1] أي: التَّعامل مع المرأة دائرٌ بين المعروف والإحسان، ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [القرآن 49:33] الإسلام جميل في كل شيء حتَّى في أوقات الخصومة، حتَّى لو ظلمتك وأساءت إليك. فهذه العلاقة تنهيها بإحسان وبجمال، ليس مثل الخيبات الكثيرة المنتشرة بين المسلمين للأسف. من التَّفنن في الفجور في الطَّلاق من الزَّوجين وعائلتيهما. حسنًا، الزَّوج لا يهون عليه أن ينهي هذه العلاقة يسمع قول ربنا عز وجل: ﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [القرآن 239:1] وحافظ لزوجته الذَّكريات الحلوة، وخائف على الأولاد وتشتتهم، وخائف على زوجته نفسها أنها تندم بعد أن تخرب بيتها بيديها. تأتي الحلول الإسلامية هنا. ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ﴾ [القرآن 34:4] هذا هو الأصل. هذه هي الحياة الزَّوجية العادية في الإسلام، سيدة محترمة صالحة تحفظ نفسها وبيتها في غيبة زوجها. نعم، لكن هناك دائما حالات شاذة ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [القرآن 34:4] هناك نشوز يُخاف من عواقبه؛ تمرد وأذية وعدم احترام لكيان الأسرة، ما الحل؟ ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ [القرآن 34:4] ألم تروا بيتر حينما كان يعاتب جولي؟ فالزوج يعظ زوجته ويذكرها بحق الله وبآثار تمرُّدها هذا على الجميع. ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ [القرآن 34:4] لا يقيم علاقة زوجية لكي يجتنب نكدها، ويقصر الشَّر، ولأنه مضطر أن يُريها نوعًا من الجفاء. إذا لم ينفع هذا كله فما العمل؟ ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [القرآن 34:4] ضرب انتقام وتنفيس غضب؟! لا، حرام بالإجماع؛ لأنه حتى الضرب له ضوابطه وآدابه وإحسانه وجماله كما في الطلاق. ألم تسمع قول نبيك -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ) (صحيح مسلم) على كل شيء بما في ذلك الضرب الاضطراري. ألم تسمع قول نبيك: (ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه ، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه) ( صحيح الجامع)، فحتَّى الضرب الاضطراري لا بدَّ أن يكون ضربًا رفيقًا، حسنًا، مالمقصود بـ " آداب الضرب الجميل المحسن الرَّفيق"؟ بدايةً، ستجد في سيرة النَّبِّي العملية عشرات الشواهد عن اللفتات اللطيفة في المعاملة. لكن، لن تجد كيفية ضرب الزَّوجة لأنه -صلى الله عليه وسلم- كما قالت زوجته عائشة: (ما ضرَبَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بيَدِه امْرَأةً له قَطُّ، ولا خادِمًا، ولا ضرَبَ بيَدِه شَيئًا قَطُّ إلَّا أنْ يُجاهِدَ في سَبيلِ اللهِ) (صحيح - تخريج المسند) لكنَّه -صلى الله عليه وسلم- حدَّ حدودًا في هذا الضَّرب يحرم تجاوزها. بلا شك، الحملان الغربية الوديعة البيترات الحقيقيين والمسلمون الهاجرون لدينهم (أبو زعبلات)، أول ما ينشأ خلاف، يضرب الوجه مباشرة، كف مُهين يرن في أذنها. ممنوع شرعًا الاقتراب من الوجه، قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: ( ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت) (الصحيح المسند-صححه الوداعي وأحمد شاكر)، الوجه محل تكريم وأنت لا تريد أن تهينها، بل أن تضع لها حدًا وتنقظها من خطئها. ولا تقبِّح أي: ممنوع تقول لها قبحك الله، أي: الله يجعلك بشعة لا، حرام، أينك يا رسول الله.. لو رأيت ليس فقط قبحك الله بل السَّب والكلام المهين أيضًا، وهذا حرامٌ طبعًا من بابِ أولى. فما بالك بمن يسب أهلها وأهل أهلها والخيبات الثقيلة التي تحصل والَّتي الإسلام منها براء. فالضَّرب الَّذي في الآية ليس ضرب إنسان خارجٍ عن طوره، بل ضرب رجلٍ متَّزنٍ حكيمٍ ضابطٍ لأعصابه يضعُ حدًا للخطأ بهذا الضرب. قال نبينا: (ولا تهجر إلا في البيت) (الصحيح المسند-صححه الوداعي وأحمد شاكر) يعني: لا يجوز لك أن تعاقبها بترك البيت. ولكنها تنكِّد عليَّ ولا تدعني وشأني... حتَّى ولو، هناك خيارات أخرى تدفن المشكلة. أما خيار الهجران خارج البيت فيحدث لزوجتك وحشة وتزيد الجفوة بينكما. حسنًا، هل الضَّرب مسموحٌ أن يكون موجعًا حتى يؤدبها؟ لا، أبدًا؛ قال نبيُّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إلَّا أنْ يأتين بفاحشةٍ مبيِّنةٍ فإن فعلْنَ فاهْجُرُوهنَّ في المضاجع واضْربوهنَّ ضرْبًا غير مبرِّحٍ، فإنْ أطَعْنَكُمْ فلا تَبْغوا عليهنَّ سبيلًا) (الترمذي - حسن صحيح) إذن، على الوجه ممنوعٌ، مع سِبابٍ وشتائمٍ ممنوعٌ، ضربٌ موجعٌ ممنوعٌ، في حالة ثوران الزَّوج وعدم سيطرتِه ممنوعٌ، ماذا بَقيَ إذن؟ بقي مثلُ ضرب بيتر لجولي. إذن، هذا الضَّرب ما المقصود منه؟ ما دام ليس للتَّشفِّي ولا للانتقام؟ مطلوبٌ منه أنْ تعود إلى رُشدها وتكفَّ عن تمرُّدها. حسنًا، إذا حصل هذا المقصود، هل يجوز للزَّوج أن يستمرَّ ولو بخبطةٍ على السَّاعدين كخبطة بيتر؟ لا، بدهًا، لأنَّه حصل المقصود: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيْلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [القرآن 4: 34] بمجرَّد أنْ يْحصُلَ المقصودُ ممنوعٌ أن تمد يدك عليها وتذكَّر أنَّ الله عليٌ كبيرٌ، قادرٌ على أن يقتصَّ لها منك في الدُّنيا أو في الآخرة وتعود الأمور بعد ذلك إلى المعروف والإحسان، وحسن العشرة واللَّفتات اللَّطيفة التي علَّمنا إيَّاها رسول الرِّفق محمَّد -صلى الله عليه وسلم-. هذا هو الكلام الَّذي دلَّت عليه أدلَّة القرآن والسُّنة. حسنًا، هل فهِم العلماء المسلمون في القرون السَّابقة مثلَ هذا الفهم؟ كان يمكن أن آتيك بأقوالٍ لعلماءَ معتبرين -لكنها لا تمثِّل عامَّة العلماء- كلامٍ رجَّحوا فيه في المحصِّلة تحريمَ الضَّرب، أو السَّماح به في بيئاتٍ اجتماعيَّةٍ دون بيئاتٍ أخرى، لكن ليس من منهجِنا أنْ نأتيَ بأقوالٍ تُوافِقُ أهواءَ النَّاس وكأنَّنا نخبِّىء عنهم شيئًا، وإنَّما سنذكرُ لكَ هنا بعضَ أقوال العلماء التي نراها تمثِّل عامَّتهم؛ أقوالِ فقهاء لمذاهب معتَبَرين. قال ابنُ شاس من -فقهاء المالكيَّة- في (عقد الجواهر): "فإن غلب على ظنِّه أنَّها لا تتركُ النُّشوزَ إلَّا بضربٍ مُخَوِّفٍ لم يَجُزْ تعزيرُها أصلًا"؛ "لمْ يَجُزْ تعزيرُها أصلًا" يعني: إذا كان لا ينفعُ معها إلَّا الضَّربُ المخيفُ لمْ يَجُزْ للزَّوج أن يعاقبَها؛ لا بضربٍ مخيفٍ ولا بضربٍ أقلَّ منه، لأنَّ المسألة ليست مسألة عقابٍ ولا تنفيس غضبٍ وإنَّما تأديبٌ للمخطئ، إن لم تكن لتتأدب، إذن فلا فائدةَ من الضرب؛ فلا يَضْرب. إذن، ما الحل؟ هناك خياراتٌ أخرى: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ [القرآن 4: 35] هناك الطَّلاق، الخُلْعُ، لكن الضَّرب؟ لا، ما دام الضَّرب الشَّرعيُّ لن يفيد. وقال ابنُ عرفة -من المالكيَّة- في (الشَّرح الكبير): "فإن جزم أو ظنَّ عدمها -أي عدم إفادة الهجر- "ضربها إنْ جزم بالإفادة أو ظنَّها، لا إن شكَّ فيها". أي يُشرع له الضَّرب إذا غلب على ظنِّه أو تأكَّد أنَّه نافعٌ، لا إذا شكَّ أنَّه نافعٌ، هذا من مذهب المالكية. أمَّا من الحنابلة فقال البُهوتي في (كشف القناع): "والأَوْلى تركُ ضربِها إبقاءً للمودَّة" أي: حتَّى وإن استحقَّت الضَّرب فالأولى تركُ الضَّرب. من الشَّافعيَّة قال ابن حَجَر الهيثميُّ في (تحفة المحتاج): "أمَّا إذا علم أنَّه لا يُفيد فيحرُم". أي أن الكلام كلَّه -يا إخواننَا- عن ضربٍ واعٍ تربويٍّ له مقصدٌ واحدٌ: تصحيحُ الخطأ، والحفاظُ على هذا البيت والعلاقةِ بين الزَّوجين. حسنًا، ماذا إذا كانت الزَّوجة تخلُّ لا بحقِّ الزَّوج فحسب، بل وبحقِّ الله -تعالى-؟ "سألَ ابنُ هانئٍ الإمامَ أحمدَ بنَ حنبلٍ عن الرَّجل له امرأةٌ لا تُصلِّي هل يضرِبُها؟ فقال الإمامُ أحمد: نعم، يضرِبُها ضرْبًا رفيقًا غيرَ مُبرِّحٍ؛ لعلَّها ترجِع". هذا مع أنَّ الزَّوج يريد أنْ يُلزمَها بحقِّ الله بلْ وَبِأَهَمّ أركان الإسلام: الصلاة. ستقول هنا: عن أي شئٍ تتحدث؟! ما بيتر وما جولي يا رجل؟ الواقعُ غيرُ ذلك تمامًا؛ كثيرٌ من الأزواج يضربون ضرب أبو زعبل! فأقول لك للمرَّة الألف: الواقعُ غيرُ ذلك لِخَيْبَة كثيرٍ من المسلمين وبعدِهم عن دينهم، لا لأنَّ الشَّريعةَ أمَرَتهم بهذا الضَّرب. ستقول: لكنَّ سماحَ الشَّريعةِ بالضَّرب سيؤدِّي بالتَّأكيد لسوءِ استخدامِ هذا التَّشريعِ من الأزواج. فأقول لك: ضربُ المرأة انتشر في الماضي والحاضر، في الجاهليَّات القديمة والحديثة، وفي الغرب والشرق، وفي أكثر المجتمعات تقدُّمًا ماديًّا وأقلِّها تقدُّمًا، وبِنَسَبٍ مخيفةٍ، وأشكالٍ بشعةٍ. لكنَّ الإسلامَ جاءَ فحرَّمَ هذا الضربَ أصالةً، وحصَرَهُ في حالاتٍ اضْطراريَّةٍ وغيَّرَ دوافعَهُ في هذه الحالات؛ غيَّرها من الانتقام والتَّشفِّي، والعدوانِ والتَّنمُّر إلى التَّأديب والحفاظِ على العلاقة. والإسلام جعل الضَّربَ للزَّوجة المتمرِّدةِ المخطئةِ حَصْرًا. وحتَّى في هذه الحالة وَضَعَ لَهُ آدابًا ليجعله ضربَ رفقٍ وإحسانٍ كضرب بيتر لجولي. حسنا، لماذا يضربها أصلًا؟ يطلِّقها وحسب! هذا -يا حبيبي- حينما تكون هناك استهانة بكيان الأسرة، كما تدعو الجاهليَّةُ الحديثة الَّتي تسعى لتخريب البيوت وتدمير الأسر وتربية الأولاد على ما يريده النَّظام الدَّولي ومن ثَمَّ قضاء الشَّهوات بالزِّنا والشُّذوذ. أي أنك تريد أن تقول، ما عليك دع الزوجة تتحملْ حتَّى لو تجاوز زوجها هذه الآدابَ كلَّها؛ وضربها على وجهها وسبَّها ، وأوجعها وسبَّ أهلَها، يِضيع حقُّ المرأة وحسب؟! ونقول لها لكِ الآخرة والجنَّة؟! نقول لك يا صديقي: لا، لن يضيعَ حقُّها لا في الدنيا ولا في الآخرة في النِّظام الإسلاميُّ، بل الإسلام يوفِّرُ الحلولَ لهذه الحالات. الإسلام لمْ يترُك المسألةَ لتَقوى الزَّوجِ فقط، بل إذا أساءَ بعضُ الأزواج التَّطبيقَ لهذا الضَّرب فإنَّهم يعاقَبون بسلطةِ الشَّريعة أيضًا. فسوء التَّطبيق لا يَطعنُ في الحكم الشَّرعيِّ نفسِه من إباحة الضرب، إذا طبيبٌ أهملَ فأضرَّ بمرضاه فلا نقول أنَّ الطِّبَّ كلَّه خطأٌ، وإنَّما يُعاقَبُ هذا الطَّبيبُ على إهمالِه ويبقى الطِّبُّ على أصلِه. قال ابنُ حزمٍ في (المُحلَّى): "فصَحَّ أنَّه إنْ اعتدى عليها بغير حقٍ فالقِصاصُ عليه". قصاصٌ، أي: يُقتصُّ من الزَّوج ويُضرَبُ كما ضرَب زوجتَه تمامًا. وقال أحمد الدَّرديريُّ المالكيُّ في (الشَّرح الكبير): "ولا يجوزُ الضَّربُ المبرِّح ولو علم أنَّها لا تترك النُّشوزَ إلَّا به، فإنْ وقَع فلها التَّطليقُ عليه والقِصاصُ". الكلام عن مَن؟ عن امرأةٍ ناشزٍ متمرِّدةٍ مسيئةٍ، ومع ذلك لا يجوز له أن يضربها ضربًا مبرِّحًا بدعوى تأديبها، وإذا فعل تلجأُ إلى القضاءِ الإسلاميِّ في الدَّولةِ المسلمة. يُحضروا الزُّوج، ويُضرب كما ضربها، وتُطلَّق منه إنْ أرادَتْ. حسنًا، ضربها ضربًا غيرَ مبرِّحٍ لكنَّه كان بغير حقٍّ؛ لم يكن هناك داعٍ أصلًا لضربها. ما العمل؟ قال الدُّسوقيُّ من المالكيَّة: "إِذا ثبَتَ تعدِّيه عليها يزجرُه الحاكمُ، ثمَّ يضرِبُه حيث لمْ تُرِد التَّطليقَ منه، بل أرادَتْ زجرَه وإبقاءَها معه". يعني أن تذهب الزَّوجة للحاكم، تقول له: زوجي ضربني بغير حقٍّ. حقَّقَ الحاكم فوجدَ كلامَها صحيحًا. هذا الزَّوج الشَّابُّ ليس متزنًا ولا يُحْسِن ممارسةَ القِوامة بل تعدَّى؛ يقول لها: أنا زوجُك وحقَّي عليكِ، ولا هُوَ فاهم حقَّه ولا حقَّها، ولا فاهم دينَه. يسألُ الحاكمُ الزَّوجة: حسنًا يا بنتي، تريدين أنْ تُطلَّقي منه؟ لا، أريدُ أنْ أبقَى معه لكن أريد أن يُعاقَبَ لأنَّه ظلمَني. يوبخه الحاكم يزجرُه في هذه الحالة ثم يضربه، ويقول له: رُحْ يا ولد، اِفهمْ دينَك قبلما تضرب، واعْلمْ أنَّ الَّذي يضربُ زوجتَه ويستقوي عليها بهذا الشَّكل ناقصُ الرُّجولة. حسنًا، إذا ضرب الزَّوجُ زوجتَه، وادَّعى كلُّ واحدٍ منهما شيئًا، قال الدَّسوقي: "وإن ضربها فادَّعتْ العداءَ وادَّعى الأدبَ، فإنها تصدَّق. وحينئذٍ يعزِّرُه الحاكمُ على ذلك العداء". يعني إن ثبَت أنَّ الزَّوجَ ضربَها، وهو يقولُ: ضربتُها تأديبًا على ذنبٍ، وهي تقولُ: بل اعْتدَى. تصدقْ هي، و ربما يُضرب هو بضع ضرباتٍ تعزيرًا والمسألةُ فيها خلافٌ، مثلًا: قال عبد السلام سحنون المالكي: "أنَّه في هذه الحالة يُسْأَلُ جيرانُ الزَّوجين فإنْ ثبتَ أنَّه يتكرَّر أذاه عُذِّب الزَّوجُ وحُبِس. وأشار بدر الدِّين العينيُّ من الأحناف إلى أنَّه "إنْ شكَتْ المرأةُ أنَّ زوجها يضرِبُها فإنَّ من حقِّها أنْ يُسكِنها زوجُها بجوار قومٍ صالحين لِيشهدوا لها، فيزجُرَ القاضي الزَّوجَ إن اعتدى على زوجته". يعني أن تُتَّخذ إجراءاتٌ خاصةٌ كنقل السَّكن ضمانًا لحقِّ المرأة. ومثله كلامٌ لمحمَّد بن جمالٍ الخرشيِّ المالكيِّ: أنَّ الَّتي ضربها زوجُها ضربًا مؤلمًا فلها أن تطلِّق نفسَها منه بطلقةٍ واحدةٍ، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا ضَرَرَ ولا ضِرَار» (الألباني : صحيح) ويأتيك بعد ذلك كلِّه مجموعة ببغاوات يقولون لكِ: الفقه على مرِّ التَّاريخ الإسلاميِّ كان فقهًا ذكوريًّا منحازًا للرَّجل ويجب تجديدُ الفقه الإسلاميِّ. اذهبي بالله عليك اسألي أيَّ واحدةٍ من هؤلاء إذا كانت تعرف أيَّ شيءٍ عن هذه الأقوال الَّتي ذكرناها للعلماء. لكي تعرفي كم هي البغبغاويَّة بجهلٍ مؤذيةٌ. لكن أليس الأصل في العلاقات الزوجيَّة أن تكون مستورةً؟ وألا يطلب الزوجان تدخُّل الدَّولة المسلمة؟ بلى، هذا هو الأصل، والأصل أنَّ الضَّرب نادرٌ، وأنَّ الأزواجَ حكماءٌ؛ أسودٌ في الدِّفاع عن الدِّين رُحماءٌ بزوجاتهم، والأصلُ كذلك أن: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكًَما مِّنْ أَهْلِهَا﴾ [القرآن 4 :35] ستَحُلُّ المشكلةُ إذا تفاقمَتْ لأنَّ العوائل لا تخلو من عقلاء. لكنَّ النِّظام الإسلاميَّ المتكامل يعالج الحالات كلَّها ولا يسمحُ بظلم أحدٍ لأحدٍ، ولا يترك الزَّوجةَ لرحمة الزَّوجِ إذا كان لا يتَّقي اللهَ فيها: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ ﴿وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ [القرآن 16 :90] والبغي: الظلم ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [القرآن 6 :115] لكن -يا أخي- نحن لَسْنا في دولٍ إسلاميَّةٍ تُقيم شَرْع الله، وإذا ضرب الرَّجل المرأة فإنَّ حقَّها قد يضيع! صحيحٌ مئة بالمئة، لكن يجب أن نفهم جيِّدًا جدًّا أنَّه ليس الإسلامُ الَّذي ظلَمها في هذه الحالة بل الجاهليَّة: جاهليَّةُ مجتمعاتِنا وبعضِ الأزواج بشريعة الله وجمالِها وكمالِها، وجاهليَّة تَنْحِيَةِ شريعة الله عن الحكم. يجب أن تفهمي جيِّدا أنَّه ليس الإسلام الَّذي ضربكِ، الضَّربُ الغاضب الموجعُ الانتقاميُّ مع السُّباب هذا من الجاهليَّة، الَّتي جاء الإسلام لينقذكِ منها، والتي عُدتِ تُعانين -أنت ونساء العالم- منها لمَّا غاب الإسلام. يجب أن تفهمي -حضرتك- حينما تقرئين آية: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [القرآن 4 :34] وتقولي لنفسك: أي أن زوجي هذا يضربني أنا! زوجي الذي عينُه تنظر للحرام، ويتعامل بحرية مع زميلاته في العمل، ويُظهِر للنَّاس الطِّيبة والْأدب، بينما في البيت العنف وسرعة الغضب. زوجي الذي حينما يَمْرض ولدٌ من أولادنا باللَّيل يقول لي: أنا تعبان، اخرجي أنتِ بالسَّيَّارة، و ليس خائفًا عليَّ باللَّيل، هذا يضربُني؟! - لا، يا سيدتي! ليس هذا الزَّوج هو المعنيَّ؛ ليس هذا الزَّوج الَّذي لمْ يفهم: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [القرآن 1 :228] ليس هذا الزَّوج الَّذي يظنُّ أنَّ الذُّكورةَ بحدِّ ذاتها ميزةٌ، حتَّى لو لمْ يتحمَّل تكاليفَ القِوامة وأعباءَها. حينما تقرئين الآية ضعيها في السِّياق الصَّحيحِ والصُّورة الذِّهنيَّة المناسبة، الله يكرمكِ! حسنًا، ماذا تفعلُ المرأةُ في أيَّامنا إذا ظُلِمتْ؟ هل تشكو للقضاء؟ هل تطلُب تدخُّلَ الدُّولِ القائمة في أيامِنا هذه؟ فأقول: ليس المسلمون في دولٍ ترعى حقَّ الله، وتحفظُ كرامةَ الإنسان وتحترمُ كيانَ الأسرة، فمن يطلبُ تدخُّلَهم هو كالمستجير من الرَّمضاء بالنَّار. ولذلك فخطابي هو لكِ أيَّتُها الزَّوجة ولكَ أيُّها الزَّوج، ويا عوائلهم لِنَحُلَّ مشاكلَنا بأنفسنا. وكما ذكرتُ في حلقة (المرأة والCBT) لستُ هنا لأُفصِّل فقهيًّا كلَّ حالةٍ بحالتها لكن لنعلمَ عظمةَ ديننا فلا نطلب الشِّفاء إلَّا بهِ ولنسعى لإقامته كاملًا في حياتنا، فهو كفيلٌ بحلِّ المشاكل بعدلٍ وإحسانٍ وتوازنٍ. سوف يجيء أحدهم يقول: يا أخي، تنظيرٌ في تنظيرٍ! هل هذا الكلامُ ينجحُ على أرض الواقعِ؟! حسنَا، تعالَ نرى التَّطبيقَ على أرض الواقع عندما كان الإسلامُ مُقامًا بالفعل. رأينا من الكتاب، ومن السُّنَّة، ومن أقوال الفقهاء، والآن تعالَ نرى التَّاريخ... هل عندما كان هناك نظامٌ إسلاميٌّ متكاملٌ، هل كانت إساءة استخدام الضَّرب ظاهرةً منتشرةً؟ هل أنتجتْ لنا الآياتُ امرأةً مضروبةً معقَّدةً ضعيفة الشَّخصيَّة؟ من هذه المرأة المعقدَّة؟! معلِّمة الأُمَّة أمُّنا عائشة -رضي الله عنها- أَمْ صفيَّة الشَّيبانيُّ أمُّ أحمد بن حنبل أمْ خديجة خاتون أمُّ محمَّد الفاتح أمْ أمَّهات الجنود الَّذين داسوا تيجان كسرى وقيصر وأخرجوا الشُّعوب من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد. الأمَّهات اللَّاتي يَصدُق فيهنَّ حقًا وراء كلِّ رجلٍ عظيمٍ امْرأة واللَّواتي كان لهنَّ إنجازاتٌ أخرى منوَّعةٌ نتكلَّم عنها لاحقًا بإذن الله. دوَّنتْ كتبُ التَّاريخ تلك المراحلَ بتفاصيلِها، هل سمعتَ فيها عن ظاهرة ضرب النِّساء؟ حسنًا، إذا كان هذا هو وضع الضَّرب في القرآن والسُّنَّة والفقه والتَّاريخ فمن أين تقفز إلى أذهاننا صورة (أبو زعبل وفتحيَّة)؟ تقفز إلينا من غسيل العقول عبر السَّنوات بالأفلام التي تأتي بعمي الحاجّ الَّذي يضرب زوجته ويقول لها سوف أجبرك على بيت الطَّاعة قال الله... قال رسول الله... ثم إذا بأبناء الحاجّ يجدونه في ملهى مع راقصة!ٍ تقفز إلينا من ممارساتٍ مشوَّهةٍ من المسلمين أنفسِهم؛ وقد صدق من قال: لا يبلغ الأعداء من جاهلٍ ما يبلغ الجاهلُ من نفسه. تقفز إلينا من مقاطع يعمل عليها أعداء البشريَّة ليلَ نهار ليشوِّهوا الإسلام، هل تعلمون من أين أخذتُ صورة أبي زعبل يضرب فتحية؟ من فيديو منتشرٍ على اليوتيوب"Youtube" ترعاه مؤسساتٌ أوروبيَّةٌ، والمقطع يشجِّع الفتاةَ المسلمة الَّتي تميل جنسيًّا للفتيات مثلها، يشجِّعها على التَّمرُّد على عائلتها المسلمة واللِّقاء بالمسؤولين الَّذين سيحمونها من أبيها الشِّرير، ويمكِّنونها من العيش بأمانٍ مع عشيقتها الشَّاذة (بالإنجليزية) مثليَّة مثلها. مجتمعاتٌ فيها نساءٌ مشوَّهاتٌ نفسيًّا؛ أصابتْهنَّ العقد من إهانة الرَّجل للمرأة وتسلُّطه عليها، واغتصابه لها وتحرُّشه بها في مجتمعاتهم، فأصابتهنَّ عقد النَّسويَّة ولجأْنَ للشُّذوذ لمقاطعة الجنس الذِّكوريِّ، وَيُرِدْنَ أن يَنقُلْنَ عُقَدَهُنَّ إليكِ أنتِ -أيَّتُها المسلمة- وينفِّروكِ عن دينكِ. بعض النِّساء لا يعجبها هذا الكلام كلُّه؛ تقول: حتَّى لو ناشز وحتَّى لو متمرِّدة، وحتَّى لو من زَوْجٍ عاقلٍ حكيمٍ -كما تقولون- وحتَّى لو بآدابٍ ورفقٍ وإحسانٍ، وحتَّى لو برعاية دولةٍ مسلمةٍ تعاقب الزَّوج الظَّالم، وحتَّى لو المرأة في التَّاريخ الإسلاميِّ كانت عزيزةً ومصدر عزَّةٍ؛ أنا معترضةٌ! معترضةٌ على ماذا؟! ليس للزَّوج أيُّ حقٍّ في ضرب زوجته، وهذا ظلمٌ للمرأة. نقول لها: إذن! الآية تجرحكِ لأنَّك تضعين نفسكِ في خانة اللَّاتي يُخاف نشوزُهنَّ؛ يعني كأنَّكِ تقولين: لا! أريدُ أنْ أتمرَّد وأُخرب بيتي ولا أحد يمنعني! كالَّذي يقول أريد أنْ أسرق وأشرب الخمر و معترضٌ على الشَّريعة الَّتي تعاقبني على هذا؛ ويكاد المريب يقول خذوني. ألا ترين -حضرتك- أنَّكِ إذن لازلتِ متأثِّرةً بالصُّور النَّمطيَّة والعقد النَّفسيَّة أو أنَّ عندكِ نوعًا من التَّألُّه؛ فكرة المرأة المتألِّهة -الَّتي تكلَّمنا عنها في الحلقة الماضية- لا، المرأة لا تُضرَب ولا تُعاقَب ولا تُمَسُّ مهما أساءَتْ؛ وكأنَّها إلهةٌ لا تُسأَل عمَّا تفعل! نفس المرأة المتألِّهة هي الَّتي كانت منسجمةً وعيناها ممتلئتان بالدموع من مشهد (بيتر وجولي)، وربما كانت تتمنَّى -أيضا- لو كانت محلَّ جولي حتى يهزَّها بيتر الوسيم، ويقول لها: (بالانجليزيَّة) هذا يكفي، جولي! توقفي، من فضلكِ! بل وربما أيضا لاتعترض لو أن بيتر صفعها مِن باب كل ما يفعله الحبيب..حبيب، و على قلبي مثل العسل. نفس الشَّباب والشَّابات الَّذين استاءوا عندما قطعتُ عليهم لحظاتِ الرُّّومانسيَّة في مشهد بيتر وجولي لم يهتموا كثيرًا لو كانت علاقة بيتر و جولي بالحرام أَمْ بالحلال بل على العكس؛ لأنَّ فكرة الزَّواج شوِّهتْ لدى كثيرٍ من شبابنا وفتياتنا، فربما سيتعاطفوا أكثر مع مشهد عشيقين من مشهد زوجين. انتبهوا يا شباب! وانتبهوا يا بنات! العلاقات المحرَّمة قبيحةٌ، بشعةٌ، بغيضة، الَّذي يجمِّلها أشياءٌ خارجةٌ عنها؛ تزيين الشَّيطان: وسامة الممثِّل والممثِّلة وطلاء الزينة والموسيقى. أمَّا الحرام نفسُه فبغيضٌ بشعٌ جدًا. بإمكانكم -ولو كنتم أقلَّ وسامةً- أنْ تجعلوا حياتكم جميلةً رقيقةً، يحفُّها الإحسان والرُّومانسيَّة الحلال إذا اتَّبعتم هدي نبيِّكم صلَّى الله عليه وسلم. بيتر الحقيقيُّ وجولي الحقيقيَّة -يا شباب- لا بنتهي بِهمُ الأمر إلى هزَّه وارتماء في الأحضان كما في الأفلام، وإنَّما النِّهايات الحقيقيَّة هي ما أخبرناكِ عنه في حلقة تحرير المرأة الغربيَّة بالإحصائيَّات الرَّسميَّة الغربيَّة. عندما تصبح جولي أبشع أو عندما تحمل من بيتر بالحرام لأنَّها تعمَّدت ألا تأخد حبوب منع الحمل وبحب أن يكون عندها طفل، بينما هو لا يريد إلَّا المتعة الجنسيَّة ولا يريد أيَّة مسؤوليَّة، أوعندما يكتشف بيتر أنَّها تخونه مع شابّ آخر، أو عندما يكون بيتر الحقيقيُّ سكرانًا، أو محشِّشًا أو محبّ بالمخدرات، فإنَّه لن يهزَّها برفقٍ وعقلانيَّةٍ، بل سيأتيها باللَّكمِ والرَّكل، اللَّكم الرُّومانسي الَّذي تخفيه عنكِ هوليود. إذا كنَّا أتينا لكِ بالإحصائيَّات الرَّسميَّة أنَّ واحدةً من كلِّ أربعة نساءٍ تتعرَّض لعنفٍ شديدٍ من الشَّريك الحميم فما بالكِ بنسبة النِّساء اللَّواتي تُصفع الواحدة فيهن صفعة تلو الأخرى وتُشتم وتٌهان لكن لا تصل المسألة إلى العنف الشَّديد لكي تُضاف إلى إحصائيات الواحدة من كلِّ أربع نساء، كم ستكون نسبة هؤلاء النِّساء المُبهدَلات؟ فأكثر النِّساء يتعرَّضن لنوع من أنواع الامتهان وقلَّة القيمة في الغرب، تعالي الآن نريكِ بعض النَّماذج ممَّا يحصل خارج أسوار هوليود، تعالي نريكِ الجزء الثَّاني غير المنشور من القصص الغراميَّة، تعالي نريكِ نماذج ممَّا يحصل مع ملايين النِّساء حسب الإحصائيَّات الرَّسميَّة: هذه أبي "Abbie" الَّتي حطَّم (بالإنجليزية) صديقها الحميم شاشة التِّلفاز على مؤخِّرة رأسها وضربها مرارًا على وجهها. وهذه جيد"Jade" الَّتي قام (بالإنجليزية) صَّديقها الحميم بلكمها ثمَّ جرَّها في الشَّارع وواصل ضربها وهو تحت تأثير الخمر والكوكايين، وهذه ميليسا من جامعة ساوث فلوريدا بأمريكا والَّتي كانت مع (بالإنجليزية) صَّديقها الحميم في يوم من الأيام فشرب الكثير من الخمر والوسكي ثم بدأ يضربها وألقاها على الأرض وركلها برجله ثم أصبح يجرُّها من شعرها حول الغرفة ويضربها بزجاجةٍ في وجهها حتى فتح فيها جرحًا. وهذه ميجان في أوهايو بأمريكا والتي كانت تشرب الخمرة مع (بالإنجليزية) صَّديقها الحميم في احتفاليَّة رأس السَّنة قبل الماضية في 2019 وفجأة ضربها الصَّديق الحميم فركلته فانهال عليها ضربًا حتَّى الإغماء. وهذه بريتني والَّتي ضُربتْ على إثر مشادةٍ مع رجلٍ -أقصد ذكر لا رجل- في ملهىً ليليٍّ باستراليا. وهذه البريطانية كاري الَّتي ضربها زوجها بعد ثلاثة أيَّامٍ من إنجابها لمولودٍ جديدٍ يعني وهي في قمة ضعفها. وهذه كارلي من إنديانابولس في أمريكا والَّتي هشَّمها الصَّديق الحميم وأحدث كسورًا في جمجمتها وعضَّات شرسة في جسمها، وحاول أن يخلع لسانها بعد مشادةٍ بينهما. وهذه أنجيلا من ولاية تينيسي بأمريكا والَّتي قام صَّديقها الحميم بضربها لأنَّها تجرَّأت أن تطلب الانفصال عنه بعد علاقةٍ استمرَّت ستَّة أشهر. هذه عيِّناتٌ من المآسي الَّتي تحصل بالملايين سنويًا. الأخت التي طلبتُ منها أن تحصِّل بعض الصُّور وتكتب موجزًا عنها قالت لي: أنا بالعافية قدرت أخرج هذه الحالات ولا أستطيع أن أنظر إلى هذه البشاعات أكثر من ذلك وبالمناسبة كلُّ هؤلاء النِّساء والفتيات -تقريبًا- تجد لهن صورًا غراميَّة مع (بالانجليزية) أصدقائهن الحميمين قبل أن يتعرضن للضرب. الأفلام والأغاني تريك النِّصف الأوَّل من القصَّة ولا تريك تتمَّة القصَّة عنفٌ أوَّل ما يتَّجه يتَّجه للوجه للإهانة والتَّحقير، عنفٌ يكسِّر العظام والأسنان ويفتح الجروح، ويقتل إلى حدٍّ جعل المسيرات تخرج في أوروبا، فما بالك بما يحصل في البيئات الفقيرة حيث ضيق الفقر وضنَك العيش. بعد حلقة تحرير المرأة علَّق أحد الإخوة بأنَّه كان يسير في الشَّارع في ألمانيا فرأى رجلًا ماشيًا رأى سيدة فضربها على وجهها وأكمل طريقه، فقال الأخ لصاحبه: كيف يفعل ذلك؟! فردَّ عليه أليست هيَّ من أرادتْ المساواة مع الرَّجل فلتدافع عن نفسها؛ لن يدافع عنها أحد، إلى أن تشتكي للشرطة فيأتوا ويبحثوا عن الرَّجل يضيع حقُّها بين الأقدام. في المقابل المجتمع النَّبويُّ ومجتمعات القرون الفاضلة بعده، والَّتي قامت على (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ) [القرآن 4 :34] وعلى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [القرآن 4 :19] وعلى (لا تُؤدِّي المرأةُ حقَّ ربِّها حتَّى تؤدِّيَ حقَّ زوجِها) (حسن صحيح - الترغيب والترهيب) وعلى (خيرُكم خيرُكم لأهلِه) (الطبري - صحيح) على خطابٍ متوازنٍ للجميع. ماذا كانت النَّتيجة فيها؟! العنف الأسريُّ وضرب المرأة؟! هل سمعتم أو قرأتم في كتب التَّاريخ -الَّتي دوَّنت تلك المرحلة بتفاصيلها- عن نساءٍ كُسِرتْ عظامهنَّ أو أسنانهنَّ؟! أو أُحدِثتْ فيهنَّ العاهات؟! كما يحصل عند العاهات الَّذين يتطاولون على ديننا ويدَّعون أنَّهم يريدون إنقاذ المرأة منهم. أمَا وقد عرفنا جمال ديننا وكم نحن عنه غافلون، وكم تعاني المرأة في الجاهليَّة الحديثة َّالغربيَّة والجاهليَّة الجزئيَّة في المجتمعات المسلمة، فقد حُقَّ لنا أن نتعلَّم ديننا، وننشر الوعي بهذه القضايا في أمتنا بحيث عندما تقع حوادث الاعتداء على النِّساء نكون نحن أوَّل من ينصف المرأة ويطالب بحقِّها باسم الإسلام لا أن يخرج الغِربان والغرابات ليلصقوا التُّهمة بالإسلام ويطالبوا بالقضاء على البقيَّة المتبقِّية منه. ديننا عظيمٌ وجميل. لكن نحن الَّذين نحتاج أن نفهمه فاذهبي يا كريمة، يا من كرَّمك الله بالإسلام، واقرئي كتاب ربِّك وأنت تحسنين الظَّنَّ بحكمته وعدله ورحمته، والسلام عليكم ورحمة الله.