بسم الله الرحمن الرحيم من اسرار الاستعاذة الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله ومصطفاه اما بعد فان الله تعالى شرع لعباده ان يستعيذوا عند ارادة البدء بتلاوة هذا القرآن العظيم فقال سبحانه فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم فدعونا ايها المؤمنون نتأمل في بعض اسرار هذا الامر الالهي ان العبد عندما يستفتح لحظات الاستدرار لنور الله العظيم تلاوة لكتابه الكريم فانه يخشى ان يخطو الشيطان على قناة الاتصال بوجدانه فيجعله من الغافلين والشيطان كل متمرد على الله من الجن والانس وابليس رأس الشياطين في العالمين وهو عدو مبين فقد اقسم لرب العالمين بافساد الارض واضلال اهلها اجمعين قال ربي بما اغويتني لازينن لهم في الارض ولاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط علي مستقيم ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين وقد طرد الله جل جلاله ابليس من سماواته ورجمه بالشهب الثواقب فتفرق فتفرغ لهذا الكيد العظيم لا يدع للخير بداية الا اربكها بقافة الوساوس ونيران الفتن فجعل ربنا الرحمن الاستعاذة لعباده المؤمنين نجاة وامنا من كل شيطان رجيم وماذا اعظم من جوار الله الواحد القهار؟ سلاما للمؤمنين ومن هنا كانت صيغة الاستعاذة راجعة الى معنى قول القائل استجير بالله وحده من الشيطان المفروض من رحمة الله واعتصم به تعالى من ان يضرني في ديني او يصدني عن حق من حقوق ربي فاذا قالها الانسان بين يدي تلاوة او صلاة او نحو هذا استحضر دلالة الاستعاذة قبل بدء ذاك العمل واجتهد في تطهير مداخل نفسه تطهيرا من كل ظرف شيطاني خفي مستجيرا بربه القوي العزيز اعوذ بالله من الشيطان الرجيم فتولي الشياطين الادبار هاربة في متاهات ضلالها وظلمات كيدها بعيدا عن شلال النور الذي دفق على القارئ بمجرد طلب الغوث والامان من رب العالمين والاستعاذة بهذه الصيغة ليست اية من كتاب الله لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأها استجابة لامر الله تعالى في القرآن فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم فهي امر رباني وسنة نبوية وهذه الاية مع الطيغة النبوية في الاستعاذة كلاهما متضمن لخمس رسالات لابد للثائر الى الله جل ثناؤه عبر معراج القرآن الكريم من تلقيها جميعا الواحدة تلو الاخرى والا فلا وصول ولا قبول الرسالة الاولى انه لا بدء في طريق الله ولا فتح للعبد الطارق ابواب معارج القرآن الا باعلان الولاء لله الحق والانتظام في صف العابدين له وحده دون سواه واعلان معاداة الشيطان بما هو عدو لله رب العالمين والتبرأ منه ومن حزبه واتباعه وانما الاستعاذة فتح عين القلب على بصيرة قرآنية عظمى لا يجوز نسيانها ابدا وهي قوله ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير ان الاستعاذة ليست مجرد عبارات تلقى في الهواء فحسب ولكنها اتخاذ موقف فتدبر الرسالة الثانية في انه لا قوة للعبد على الانطلاق وبدء السير الى الله والتعرف اليه تعالى الا بالاحتماء به والالتجاء اليه ابتداء فلا وصول اليه بمجرد الجهد الخاص والكسب الذاتي بل لابد من استدرار توفيقه ورحمته الهداية والتوفيق والسداد كل ذلك انما هو بيده وحده جل علاه وذلك من صميم التوحيد والاخلاص وتحقيق معنى الاستعاذة في النفس تخلق عميق بهذا المعنى العظيم ولا صحة لعمل من حيث القصد التعبدي الخالص الا باستدراج هذا الاصل الا باستدراج هذا الاصل الايماني في بعمق القلب نية تعبدية خالصة لتخليص العمل وتصفيته من كل من ومن كل حول وقوة الا ما كان بالله وله وحده دون سواه الرسالة الثالثة بان التعبد بالقرآن تلاوة وتزكية وتعلما وتعليما لن يؤتي ثماره ولن يكشف عن انواره الا اذا تبرأ من كل حول وقوة وقدم بين يدي تلاوته علامة الافتقار الى الله الغني الحميد وهي الاستعانة ولذلك ليس كل قارئ للقرآن بقارئ ولا كل تال له بتال وانما القارئ والتالي له هو من يتلوه حق تلاوته والتحقق بمقاصد الاستعاذة شرط من شروط التلاوة الحق فمن افضى حقيقتها او استهان بها عدم الثمرة. وحرم النور فكم من قارئ يقرأ القرآن وهو عليه عمى والعياذ بالله قل هو للذين امنوا هدى وشفاء. والذين لا يؤمنون في اولئك ينادون من اكاذب بعيد الرسالة الرابعة في ان الشيطان قد يتدخل فيما يقع بقلب العبد من اثار التلاوة وهو من اشد الكيل فيفسد الفهم او يفسد نية الافتقار والتعبد عند التلقي عن الله او يصرف المال عن مشاهدة نور الهداية فلا يخرج العبد من تلاوته بشيء وربما خرج بضلال وحيرة والعياذ بالله كما حصل لاهل الضلالة قديما وحديثا عند قراءة القرآن وذلك نحو ما في قوله صلى الله عليه وسلم سيخرج في اخر الزمان قوم احداث الاسنان سفهاء الاحلام يقولون من قول خير البرية يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمي فلا ينجو المؤمن من هذا وذاك الا بطلب الغوث من الله استعانة به لتصل رسالات لتصل رسالات القرآن الى قلبه صافية خالصة لا اثر فيها لالقاءات الشيطان فهم النقط الرسالة الخامسة بان العبد المستجير امن من كل ذلك وغيره باذن الله لانه استجار بعظيم وهو جل وعلا لا يظامجه فالهدى المستنبط من الاستعاذة راجع الى كونها تعبيرا عن وصف نفسي ووجدان ايماني يقع بقلب العبد قبل ان يقع بلسانه والتحقق به هو اول الطريق وتلك هي المنزلة الاولى من منازل الايمان لمن رام الاقلاع في طريق التعرف الى الله انها كلمة الادب باعلان الافتقار الكامل الى الله الغني الحميد جل علاه والتبرأ من كل حول وقوة في العلم والعمل الا ما كان منا كريما وفضلا جميلا من الله وحده فلا انطلاق بغير التخلق بوقفها والتحقق بمقامها فان تفعل بصدق واخلاص فابشر انك امن باذن الله محروس بجنوده جل علاه فانعم مطمئنا بجواره تعالى وحمله اما كيف نحقق اثر هذه الاستعاذة عملية فان البداية تكون من مساءلة النفس بصدق ماذا تريد ماذا تريد بما هي مقبلة عليه من قراءة او عبادة احقا تريد الوصول الى الله احقا تريد القيام بحقه العظيم جل علاه والدخول في القيامة بوظيفة الخدمة الدينية وحمل ميثاق عهده وامانته وتلقي رسالات هديه وقرآنه واستدرار مدده وانواره ام انها تقرأ وكفى بلا قصد تعبدي الا قصد التعوذ والتسميع وما دون ذلك من انطلاق الاعمال الصالحة حتى اذا طالت لك حقائق الاستعاذة الايمانية خلقا وطبعا اصبح معناها بقلبك زادا ايمانيا تجده جاهزة ان شاء الله متى استدعيته بقراءتها عند كل تلاوة وعند كل تصرف تعبدي انا كانك ابشر ثمان اول ما يبعث النفس على الانطلاق السليم بعد ذلك هو تخليص الوجهة وتوحيد القبلة ومما يعين على ذلك تذكر احوال السابقين الاولين كيف سبقوا وتشاهد غبطة الواصلين الصادقين كيف وصلوا لقد قرأوا القرآن بكمال الافتقار الى الله وتلقي رسالاتي هدى وشفاء لقلوبهم فانفتحت لهم معالج الروح وارتقوا في الدنيا وفي الاخرة وتلك معارجهم لم تزل مفتوحة الابواب فاقرأ يا صاحي وارتقي فيا نفسي المغرورة الى متى تبقين هكذا شاردة عن باب الله الى متى وانت تستجيبين لاهوائك؟ تفرين الى شهواتك وملذاتك وتتلفعين بذاتك وانانيتك وما انت الا قطرة من روح في جرة من ضل متى انكسرت اه يا نفس هذه مسامك الصغيرة تتسع من حين لاخر فيتسرب منها الشيطان الى نفسك ليعيث فسادا داخل خواطرك واشواقك فيحول دون انطلاق الروح في رحلة السير الكوني الى الله عجبا كيف تصبرين على هذا الحال وها كل الطيور قد اعلنت توبتها وانطلقت تضرب باجنحتها بعيدا في رحلة المحبين ففري الى الله مستعيذة بالله واعلن الافتقار الكامل له وحده جل علاه عسى ان تكوني من اهل النجاة والفتح المبيد ذلك قول الحق ذي القوة المتين ففروا الى الله اني لكم منه نذير مبين واجعلي الى مولاتي باستغاثة للفقراء الصادقين اعوذ بالله من الشيطان الرجيم اللهم اعذنا من الشيطان الرجيم ومن كل ما يحول بيننا وبين فهم كتابك العظيم اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين