الحمد لله رب العالمين نحمده جل وعلا على نعمه نسأله المزيد من فضله ونسأله جل وعلا رفع انواع الاوبئة والامراض عن الخلق اجمعين واصلي واسلم على نبيه الامين محمد صلى الله عليه وعلى اله واصحابه واتباعه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين اما بعد فهذه دروس نتدارسها في الحرم الشريف في عام الف واربع مئة وواحد واربعين من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا هو اليوم الاول من شهر رمضان اسأل الله جل وعلا ان يجعله سبب خير علينا وعلى الناس اجمعين كما اسأله جل وعلا ان يعين الجميع فيه على الصيام والقيام وسائر الطاعات وان يتقبل من العباد اعمالهم الصالحة وان يرزقهم الصوم والقيام ايمانا واحتسابا فمثاله جل وعلا ان يكفر عنا سيئاتنا وان يغفر لنا ذنوبنا وزلاتنا بفضله واحسانه وبعد هذا درس من دروسنا في سنن الامام ابي داود وقد من الله جل وعلا بدراسته في سنوات ماظيات ولم يبق معنا من هذا الكتاب سنن ابي داود الا كتاب الادب من هذه السنن هذا الباب الذي يعقد في كتب السنة النبوية يعنى فيه بالاخلاق الفاضلات ويعنى فيه ما جاءت به الشريعة من الامر بسلوكيات معينة في عدد من اجزاء الحياة الادب يراد به ما يكون محمودا عند الناس مثنى عليه عند عندهم ولذا سمي الشعر ادبا لما فيه من اشعار يثنى بها على الاخرين ولان الثناء من اشهر انواع المقاصد في الشعر وقيل لان الشعر يمدح ويثنى عليه ولذا سمي بهذا وقيل لان كثيرا من من الاشعار اشتملت على الاداب التي تكون سببا في اصلاح سلوكيات الناس وافعالهم وقد جاءت الشريعة بالترغيب في العديد من الاخلاق الفاضلة والاداب الطيبة من اجل ان تلوح احوال الناس وهنا انبه على ثلاثة امور اولها ان هذه الشريعة شريعة كاملة لم تترك شيئا من احوال الناس الا وقد جاءت بتنظيمه وببيان ما يكون مصلحا لاحوالي الناس والثاني انه ينبغي عند ممارسة الاداب الواردة في الشريعة ان يقصد الانسان بذلك ان يرضي الله جل وعلا وان يحصل على اجر الاخرة فليس التزامه للاخلاق والاداب على جهة المقابلة والمجازات وليس التزامه بالاخلاق والاداب من اجل ان يثنى عليه وان يمدحه الاخرون وليس التزام بهذه الاداب من اجل ان يتعامل الناس معه بما يعود عليه بالفوائد الدنيوية. وانما مراد الانسان بهذه الاداب حينما يلتزمها ان يرضي رب العزة والجلال سبحانه وتعالى والامر الثالث الذي اؤكد عليه في هذا الباب ان الشريعة التي جاءت بتعليم هذه في غالب احكامها ان تكون معقولة المعنى. قد عرف وجه المناسبة بين تلك وبين ما يتحقق بها من المصالح. ولكن في مرات قد يخفى وجه المصلحة على بعض الناس ومرة قد يطعنون في تلك الاداب لانها لم تلقى فهما صحيحا في عقولهم ومرة قد يشككون فيها او قد لا يلتزمونها ينبغي ان يكون الدافع لنا لالتزام هذه الاداب انها قد وردت في الشرع المبارك وحينئذ نلتزمها طاعة لله ورغبة في رضاه واملا في رفعة الدرجة عنده وسواء عقل المعنى او لم نعقله. ونحن نجزم يقينا بانه ما من امر في الشريعة الا وشرعنا المطهر قد ورد فيه باحسن الاداب وافظلها واما الامر الاخر الذي اشير اليه فهو ان هذا الباب وهو باب الادب يماثل بقية الابواب فيما يتعلق بطرائق الاستنباط منه وحينئذ نعلم خطأ اولئك الذين يقولون بان الاوامر في باب الاداب لا تحمل على الوجوب وذلك لان الاوامر او لان التوجيهات الشرعية التي جاءت بحمل الاوامر على الوجوب كما تشمل الاحكام تشمل الاداب. فقوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم شامل لجميع الابواب ثم ما المفرق بينما كان حكما وما كان ادبا. فقد يأتي من يقول بان قوله تعالى اقيموا الصلاة انما هو ادب مع الله. وبالتالي يقعد له من القواعد ما يتنافى مع ما هو مجمع عليه من وجوب الصلاة. فالمقصود ان الانسان ينبغي به ان يتعلم هذه الاداب في الشرع المطهر وقد اورد المؤلف في هذا الباب في هذا الكتاب عددا من الابواب التي فيها فاضلة فكان اول ذلك باب في الحلم واخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الالفاظ وحسن الخلق باب في الحلم وحسن الخلق وحسن الهدي وقوله وفي الحلم في المراد به تأني الانسان وتفكره فيما يريد ان يقدم عليه من الافعال حيث لا يكون مستعجلا في اتخاذ قراراته واما اه الكلام عن اخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نعلم انه على افضل الاخلاق واحسنها كما قال تعالى وانك لعلى خلق عظيم. وكما قال سبحانه فبما رحمة من الله لن تلهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وحينئذ نقتدي بهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في اخلاقه وقد امرنا بالاقتداء به كما فقال تعالى وما اتاكم الرسول فخذوه وكما قال جل وعلا لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله الاخر وذكر الله كثيرا ربط الله جل وعلا محبته للعبد باتباع هذا النبي الكريم. كما قال جل وعلا قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. وقد اورد المؤلف في هذا الباب عددا من الاحاديث. قال المؤلف رحمه الله حدثنا مخلد بن خالد الشعيري حدثنا عمرو بن يونس قال اخبرنا عكرمة يعني ابن عمار حدثني اسحاق يعني ابن عبد الله ابن ابي طلحة قال قال انس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من احسن الناس خلقا فارسلني يوما لحاجة فقلت والله لا اذهب وفي نفسي ان اذهب لما امرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم قال فخرجت حتى امر على صبيان وهم يلعبون في السوق فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفايا من ورائي فنظرت اليه وهو يظحك فقال يا انيس اذهب حيث امرتك. قلت نعم انا اذهب الى رسول الله. قال انس والله لقد خدمته سبع سنين او تسع سنين ما علمت قال لشيء صنعت لم فعلت كذا وكذا؟ ولا لشيء ان تركت هلا فعلت كذا وكذا هذا الحديث قد اخرجه الامام مسلم. وفيه خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين بدون اه شك من الراوي. وهذا الحديث فيه عدد من الفوائد و الاحكام فقوله قال انس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من احسن الناس خلقا قوله منه هنا للبيان وليست للتسوية بينه وبين غيره في هذا الباب والمراد بهذا ان اخلاقه صلى الله عليه وسلم تمدح عند الناس ويعرف حسنها وما فيها من الفظيلة قوله فارسلني يوما لحاجة اي بعثني من اجل قضاء حاجة من الحوائج وفيه جواز ارسال لابنائه ومن يكون بمثابتهم في حوائجه. قال فقلت والله لا اذهب في هذا اللفظ ظاهره ان انسا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولكن الذي يظهر انه قد قاله في نفسه ولم يقله لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قال بعضهم بان هذا اللفظ او ذكر اليمين في هذا اللفظ على جهة التأكيد وليس على جهة الحلف بالله وبالتالي اه كان هذا اللفظ او كان هذا في نفسي اه انس رضي الله عنه قال وفي نفسي ان اذهب لما امرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم يعني انني سامتثل امره وساسير على وفق ما امرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انس فخرجت حتى امر على صبيان وهم يلعبون في السوق في هذا جواز لعب الاطفال في السوق اذا لم يكن هناك اذية ولا مضرة بمن يمر في الاسواق وفي قوله هنا حتى مر اي خرجت فمررت بالصبيان قال فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفاء القفا مؤخرة العنق اه من وراء قال فنظرت اليه اي انه اه قلب نظره ليرى النبي صلى الله عليه وسلم فنظرت اليه وهو يضحك فقال يا انيس فيه تصغير آآ الاسماء المناداة قال يا انيس اذهب حيث امرتك وقد ورد في رواية مسلم اذهبت حيث امرتك؟ قال قلت نعم انا اذهب يا رسول الله اي ساذهب فيما يأتي من الوقت؟ قال انس والله لقد خدمته سبع سنين او تسعة سنين كما تقدم انها في صحيح مسلم تسع سنين بدون شك ما علمت قال لشيء صنعت لم فعلت كذا؟ وكذا؟ يعني ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفوضه فيما يأمره به ولا يلومه ولا يوبخه على طريقة امتثاله لي الامر ولا لشيء يعني ولا يقول لي لشيء آآ تركت هلا فعلت كذا وكذا قال المؤلف رحمه الله حدثنا عبد الله ابن مسلمة اخبرنا سليمان يعني ابن المغيرة عن ثابت عن انس قال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين بالمدينة وانا غلام ليس كل امري كما يشتهي صاحبي ان عليه ما قال لي فيها اف قط وما قال لي لم فعلت هذا؟ ام الا فعلت هذا لا هذا الحديث قد اخرجه الامام ابو داوود باسناد جيد صحيح قوله خدمت النبي صلى الله وعليه وسلم اي كنت في حاجته وفي امره وقوله عشر سنين آآ جبر السنة فهو قد خذمه تسع سنين واشهر. فان النبي صلى الله عليه وسلم اقام بالمدينة عشرة سنين وقد فات بعض الاشهر من السنة الاولى من قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم في الرواية الاولى حسبت السنوات التسع في الرواية الثانية جبر النقص الحاصل في السنة العاشرة. واعتبرها سنة كاملة وقوله هنا وانا غلام لانه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم كان عمر انس رضي الله عنه عشر سنين وبقي معه هذه المدة. وقوله ليس كل امري كما تشتهي صاحبي يعني لست اه قائما اه جميع الافعال على وفق ايرضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل بان الرواية ليس كل امرئ كما يشتهي صاحبي اي ليس كل خدمة من التي خدمت بها النبي صلى الله عليه وسلم على ما يشتهي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذا تسمية كبير السن بالصاحب لانه قد صاحبه وبقي معه قوله كما ان يكون عليه كما ما قال لي اف قط اي انه لم يقم بتأنيبه ولا توبيخه على اي فعل فعله. والاف الكلمة التي تدل على آآ عدم القبول للفعل وقوله وما قال لي لم فعلت هذا؟ ام الا فعلت هذا؟ ام يعني على جهة اه التنويع ثم اورد المؤلف حديثا ثالثا في هذا الباب فقال حدثنا هارون ابن عبد الله اخبرنا ابو عامر اخبرنا ابن هلال انه سمع اباه يحدث قال قال ابو هريرة وهو يحدثنا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا في المسجد وفي لفظ المجلس يحدثنا فاذا قام قمنا قياما حتى نراه قد دخل قضى بيوت ازواجه. فحدثنا يوما فقمنا حين اوحت حين قام فنظرنا الى اعرابي قد ادركه فجبذه برداءه فحمر رقبته. قال ابو هريرة وكان رداء خشنا فالتفت. فقال له الاعرابي احمل على بعيري وفي لفظ احملني على بعيري على بعيري هذين فانك لا تحمل لي من مالك لا من مال ابيك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا واستغفر الله لا واستغفر الله لا استغفروا الله لا احملك وفي لفظ لا احمل لك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني فكل ذلك يقول له الاعرابي والله لا اقيدك ها. فذكر الحديث. قال ثم دعا رجلا فقال له احمل الا هو على بعيريه هذين على بعير شعيرا وعلى الاخر تمرا. ثم التفت الينا فقال انصرفوا على بركة الله. هذا الحديث قد اخرجه ابو داوود واخرجه النسائي. وقد اه وهو من رواية محمد بن هلال عن ابيه عن ابي هريرة وقد سئل الامام احمد عن محمد ابن هلال فقال ثقة وقال ولما سئل عن ابيه قال لا اعرفه. وسئل ابو حاتم الرازعا عن محمد بن هلال. فقال صالح وابوه ليس بالمشهور ولذلك فهذا خبر فيه هذه الجهالة وقوله هنا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا في المسجد فيه جلوس صاحب المكانة وصاحب العلم مع الناس. وقوله فاذا قام قمنا وذلك لان المجلس قد انفض. وليس مراد انهم كانوا يقومون من اجل قيامه قال حتى نراه قد دخل بعض بيوت ازواجه لانهم كانوا ينتظرونه ان يكون له حاجة يريدها من بعضهم او لاحتمال ان يرجع الى المجلس. ولذا كان ينتظرونه حتى يدخل بعض بيوت ازواجه قال فقمنا حين قام فنظرنا الى اعرابي قد ادركه اي ان الاعرابي قد لحق النبي صلى الله عليه وسلم فجبذه برداءه اي سحبه سحبا شديدا والرداء ما يلبس لاعلى قال فحمر رقبته اي ان لون الرقبة قد اصبح لونا احمرا وذلك من شدة جبذة ذلك الاعرابي. قال ابو هريرة وكان رداء خشنا. يعني ثوب الذي لبسه النبي صلى الله عليه وسلم كان رداء خشنة. قال فالتفت يعني النبي صلى الله عليه وسلم الى الاعراب فقال له الاعرابي احمل لي على بعيري هذين يعني اعطني من الحاجيات ما احمله واجعله على ظهر هذين البعيرين لاعود به الى اهلي قال الاعرابي فانك يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم لا تحمل لي يعني ما وضعته من طعام على بعيري ليس من مالك ولا من مال ابيك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا واستغفر الله يحتمل ان يكون المراد لا يعني ليس هذا الذي ساضعه على بعيريك من ما لي ولا من مال ابي ويحتمل انه قال لا احمل لك والاحتمال الاول اقرب بدلالة الاستغفار بعده. ولذا قال واستغفر الله يعني استغفره ومن ان انسب نعمه الي او الى ابي. وانما هي نعم رب العزة والجلال نعم رب العزة والجلال ثم قال لا لا احملك حتى تقيدني. اي انني انك قد اخطأت علي بما فعلته معي ولذلك اولا ساقتص منك وسافعل بك كما فعلت بي حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني. فكل ذلك يقول له الاعرابي والله لا اقيد يعني ان الاعرابي قال للنبي صلى الله عليه وسلم لن امكنك من ان تفعل بي فعلا مثل فعلي بك بحيث تجذب ردائي حتى تحمر رقبتي وذلك لعل الاعرابي عرف كرم النبي صلى الله عليه وسلم وعرف ما يتخلق به من العفو ولذا قال هذه الكلمة في قال فذكر الحديث يعني انه ذكر ذلك ثلاث مرات كل ذلك يقول لا والله لا اقيدك وقد ذكر النسائي تتمة لهذا الحديث قال فلما سمعت قول الاعرابي اقبلنا اليه سراعا فالتفت الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عزمت على من سمع كلامي الا يبرح فمقامه حتى اذن له قال ثم دعا يعني ان النبي صلى الله عليه وسلم طلب من رجل ان يحمل على بعيري هذا الاعرابي قال ثم دعا رجلا فقال له احمل له على بعيريه هذين على بعير عيرة وعلى الاخر تمرا. وفي هذا كمال خلقه صلى الله عليه وسلم. وما اتصف به من صفات العفو والحلم لم يبادر اليه ان يفعل به كما فعل هو بفعله. وانما كان منه التأني والحلم صلى الله عليه وسلم ثم التفت الينا يعني الى ابي هريرة ومن معه من الصحابة فقال انصرفوا على بركة الله اراد منهم ان يشاهدوا بقية هذه القصة حتى يكون ذلك اه درسا تعليميا لهم. بارك الله فيكم ووفقكم الله لكل خير وجعلنا الله واياكم من الهداة المهتدين. كما نسأله جل وعلا ان يرفع الوباء عن الخلق اجمعين اللهم يا حي يا قيوم تقبل منا صيام شهر رمضان وقيامه. اللهم اعنا فيه على الصيام والقيام الى الطاعات بفظلك واحسانك يا ذا الجلال والاكرام. هذا والله اعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله واصحابه واتباعه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين