القاعدة العشرون القرآن كله محكم باعتبار وكله متشابه باعتبار وبعضه محكم متشابه باعتبار ثالث. وبهذا التقسيم الذي ذكره المؤلف رحمه الله في وصف القرآن في الاحكام والتشابه. نعلم ان التشابه احكام ليس واردا على معنى واحد. بل على معنيين. فالاحكام الذي وصف به القرآن على وجه العموم معناه قال وذلك كقوله تعالى كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. فهذا الاحكام الذي وصف به القرآن هو الاتقان. والتشابه الذي وصف به القرآن على وجه العموم ايضا. وذلك في مثل قوله تعالى الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها. ها؟ فالمقصود بالتشابه هنا انه يصدق بعضه بعضا فمعنى التشابه تصديق بعضه لبعض وتناسب بعضه مع بعض واما الاحكام الذي وصف به بعض القرآن والتشابه الذي وصف به بعض القرآن فهو بخلاف المعنى قدم فالاحكام الذي وصف به بعض القرآن هو ظهور المعنى. فما كان معناه ظاهرا لا يشتبه على احد فهو من الايات المحكمة. واما التشابه الذي وصف به بعض القرآن فالمراد به خفاء المعنى. وذلك ان من الايات ما يخفى معناها على بعض من يقرأ كتاب الله عز وجل. فعرفنا بهذا ان التشابه الذي وصف به الكتاب اب هو غير التشابه الذي وصفت به بعض الايات. والاحكام الذي وصف به الكتاب هو غير الاحكام الذي وصف به بعض الايات فليتنبه الى هذا وسيأتي ان شاء الله تعالى بيان ذلك في كلام المؤلف. نعم. وقد وصفه الله تعالى بكل واحدة من هذه الاوصاف الثلاث فوصفه بانه محكم في عدة ايات. وانه احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ومعنى ذلك انه في غاية الاحكام ونهاية الانتظام. فاخباره كلها حق وصدق. لا تناقض فيها ولا خلاف واوامره كلها خير وبركة وصلاح. ونواهيه متعلقة بالشرور والاضرار والاخلاق الرذيلة اعمالي سيئة فهذا احكامه. ووصفه بانه متشابه في قوله. هذا الوصف يخص بعض الايات والا جميع القرآن نعم جميع القرآن. نعم. ووصفه بانه متشابه في قوله الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها اي متشابها في الحسن والصدق والحق ووروده بالمعاني النافعة المزكية للعقول المطهرة للقلوب المصلحات للاحوال فالفاظه احسن الالفاظ ومعانيه احسن المعاني. ووصفه بانه منه ايات محكمات هنم الكتاب واوخر متشابهات. فهنا وصفه بان بعضه هكذا وبعضه هكذا. وان اهل العلم بالكتاب دون المتشابه منه الى المحكم فيصير كله محكما. ويقولون كل من عند ربنا اي ما كان من عنده فلا تناقض فيه فما اشتبه منه في موضع فسره الموضع الاخر المحكم. فحصل العلم وزال الاشكال ولهذا النوع امثلة منها ما تقدم من الاخبار بانه على كل شيء قدير. وانه ما شاء كان وما لم يشأ لم وانه يهدي من يشاء ويضل من يشاء. فاذا اشتبهت على من ظن به خلاف الحكمة وان هدايته واظلاله يكون جزافا لغير سبب. وظحت هذا الاطلاق الايات الاخر الدالة على ان هدايته لها يفعلها العبد ويتصف بها مثل قوله يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام وان اظلاله لعبده له اسباب في العبد وهو توليه للشيطان. فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله. فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم. واذا اشتبهت على الجبر الذي يرى ان افعال العباد مجبورون عليها بينتها الايات الاخر الكثيرة الدالة على ان الله لم يجبر بادر وان اعمالهم واقعة باختيارهم وقدرتهم. واظافها اليهم في ايات غير منحصرة. كما انها هذه الايات التي اضاف الله فيها الاعمال الى العباد حسنها وسيئها. اذا اشتبهت على القدرية النفاة انها منقطعة عن قضاء الله وقدره. وان الله ما شاءها منهم ولا قدرها. تليت عليه الايات الكثيرة والصريحة الدالة على تناول قدرة الله لكل شيء من الاعيان والاعمال والاوصاف. وان الله خالق كل شيء ومن ذلك اعمال العباد وان العباد لا يشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين. وقيل للطائفتين يعني الجبرية والقدرية. ان المثال سيق فيهما. نعم. وقيل للطائفتين ان الايات النصوص كلها حق ويجب على كل مسلم تصديقها والايمان بها كلها وانها لا تتنافى. فهي واقعة نعم هذا هذا يسمى الجواب الاجمالي. وهذا يسلكه العلماء والمحققون في رد الشبه الواردة عليهم من كلام المشبهين يجيبون بجواب اجمالي ينتظم جميع ما يريده الخصم من شبه ثم بعد تخريج هذا الجواب الاجمالي الذي يصبح الجواب به على كل شبهة بجواب تفصيلي على افراد الشبه التي هذا الكلام المقدم في قوله وقيل للطائفتين ان الايات والنصوص كلها حق ويجب على كل مسلم تصديقها والايمان بها كلها او الايمان بها كلها هذا كله من الجواب الاجمالي. نعم. اقرأ وقيل للطائفتين ان الايات والنصوص كلها حق. ويجب على كل مسلم تصديقها والايمان بها كلها. وان لا تتنافى فهي واقعة منهم وبقدرتهم وارادتهم. وان الله تعالى خالقهم وخالق قدرتهم ارادتهم وما اجمل في بعض الايات فسرته ايات اخر. وما لم يتوظح في موظع توظح في موظع اخر وما كان معروفا بين الناس وورد فيه القرآن امرا ونهيا كالصلاة والزكاة والزنا والظلم ولم يفصل فليس مجملا لانه ارشدهم الى ما كانوا يعرفون. واحالهم على ما كانوا به متلبسين. فليس فيه بوجه والله اعلم. وهذا الكلام الاخير لرفع دعوة من يدعي الاجمال في هذه الايات ففي هذه الامور التي ذكر ذكرها المؤلف من الصلاة والزكاة والزينة والظلم فان من المبتدعة المنحرفين عن الصراط المستقيم من يفسر هذه الامور بامور غير ما عرفت شرعا ولغة. وهذا من الالحاد في القرآن والميل به عن ظاهره. فالمؤلف رحمه الله يقول الصلاة والزكاة والزينة والظلم التي ورد الامر بها والنهي عنه مجملا في كلام الله عز وجل قد رد الشرع الناس في معرفة هذه الامور الى ما كانوا يعرفونه. من معاني هذه المأمورات وهذه المنهيات. مع ان الشارع في كل هذه الامور قد اضاف اضافات لا تقتضيها اللغة لذلك تجد ان التعريف الاصطلاحي او الشرعي لهذه الامور اما ان يزيد على ما هو معروف لغة وهذا قليل واما ان يقصر على ما هو عما هو معروف لغة وهذا هو الاغلى. فالصلاة في اللغة معناها الدعاء وفي الشرع التعبد لله عز وجل بافعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة التسليم. فالمعنى اخص لكن المراد ان اصل المعنى في هذه المأمورات واصل المعنى في هذه المنهيات معروف لدى المخاطبين وانما جاء الشرع لزيادة بيان وتوضيح. نعم قبل ان ننتقلها من هذه القاعدة ان الاحكام العام معناه اتقان والتشابه العام معناه ها؟ التصديق واحكام الخاص في بعض الايات ظهور المعنى بحيث لا يشتبه والتشابه الخاص خفاء المعنى فما الواجب في المحكم والمتشابه؟ رد المتشابه الى المحكم بحيث يكون الكتاب كله محكما نعم. القاعدة الحادية والعشرون القرآن يجري في ارشاداته مع الزمان والاحوال في احكامه الراجعة للعرف والعوائد. هذه قاعدة جليلة المقدار عظيمة النفع. فان الله امر عباده بالمعروف وهو ما عرف حسنه شرعا وعقلا وعرفا. ونهاهم عن المنكر وهو ما ظهر قبحه شرعا وعقلا وامر المؤمنين بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ووصفهم بذلك. فما كان من المعروف لا يتغير في الاحوال والاوقات كالصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها من الشرائع الراتبة. فانه امر به في كل وقت. والواجب على الاخرين نظير الواجب على الاولين من هذه الامة. وما كان من المنكر لا يتغير كذلك بتغير الاوقات كالشرك والقتل بغير حق والزنا وشرب الخمر ونحوها ثبتت في كل زمان ومكان لا تتغير ولا يختلف حكمها القسم الاول مما جاء الامر به في الشرع ما لا يتغير بتغير الزمان والمكان ولا بتغير الاحوال والاشخاص فهو امر الله عز وجل بما امر به من هذه الامور. فاصلها ثابت في حق كل احد. في كل زمان وفي كل مكان القسم الثاني هو الذي يجري فيه التغير هو موضوع هذه القاعدة التي ذكرها المؤلف في قوله القرآن يجري في ارشاداته مع الزمان والاحوال في في احكامه الراجعة للعرف والعادة. نعم. اذا القسم الثاني من قوله وما كان وما كان يختلف باختلاف الامكنة والازمنة والاحوال هو المراد هنا. فان الله تعالى يرده فيه الى العرف والعادة والمصلحة المتعينة في ذلك الوقت. وذلك انه امر بالحصص شيء واحد. العرف هي العادة وهي ما يتكرر بلا موجب عقلي. هكذا عرفها بعض الاصوليين. ما تكرر بلا موجب عقلي. انما تكرر عادة والفة. واما المصلحة فالمصلحة امر اخر. اذا يكون هذا القسم رد الشرع فيه الناس الى امرين الى العادة هذا الامر الاول والثاني المصلحة المتعينة في ذلك الوقت. نعم وذلك انه امر بالاحسان الى الوالدين بالاقوال والافعال. ولم يعين لعباده شيئا مخصوصا من الاحسان والبر ليعم كل ما تجدد من الاوصاف والاحوال فقد يكون الاحسان اليهم في وقت غير الاحسان اليهم في الوقت الاخر وفي بحق شخص دون حق الشخص الاخر. فالواجب الذي اوجبه الله النظر في احسان المعروف في وقتك ومكانك في حق والدك ومثل ذلك ما امر به من الاحسان الى الاقارب والجيران والاصحاب يسأل عنه كثير من الناس كم مرة يزور والديه حتى يكون بارا بهما. مرة في الاسبوع كل يوم مرة في الشهر مرة في السنة. هذا لم يرد من الشرع فيه ضابط محدد انما هو يختلف باختلاف احوال الناس. فقد يكون في الزمن السابق لما كان الاتصال عسيرا وصعبا ومكلفا قد يكون الزيارة في في السنة او في الشهر او في فترة متباعدة من البر لكن الان لو ان الشخص لا يرى اباه في السنة الا مرة واحدة مع تيسر الوصول اليه وقرب حصول الاجتماع به؟ هل يكون هذا من البر؟ لا يكون هذا من البر. اذا مثل هذا يرجع فيه الى العورة. فما هو ضابط بر الوالدين العرف لكن الذي الظابط العام الذي تندرج تحته الصور المتعددة المتعددة للبر هو الاحسان فكل ما كان من الاحسان فهو من البر الذي امرت به. نعم. ومثل ذلك ما امر به من الاحسان الى والجيران والاصحاب ونحوهم. فان ذلك راجع في نوعه وجنسه. وافراده الى ما يتعارفون الناس احسانا وكذلك ضده. وكذلك ضده من العقوق والاساءة. ينظر فيه الى العرف وكذلك قال تعالى وعاشروهن بالمعروف ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. فرد الله الزوجين في واداء حق كل منهما على الاخر. على المعروف المعتاد عند الناس في قطرك وبلدك وحالك ذلك يختلف اختلافا عظيما لا يمكن احصاؤه عدا. فدخل ذلك كله في هذه النصوص المختصرة. وهذا من ايات القرآن وبراهين صدقه. وقال تعالى كلوا واشربوا ولا تسرفوا. يا بني ادم قد انزلنا عليكم بما سواري سوءاتكم وريشا. فامر عباده بالاكل والشرب واللباس. ولم يعين شيئا من الطعام والشراب واللباس وهو يعلم ان هذه الامور تختلف باختلاف الاحوال فيتعلق بها امره حيث كانت اينظر الى ما كان موجودا فيها وقت نزول القرآن فقط. وكذلك قوله واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن المعلوم ان السلاح والقوة الموجودة وقت نزول القرآن غير نوع القوة الموجودة بعد ذلك. فهذا يتناول كل مستطاع من القوة في كل وقت بما يناسب ويليق به. وكذلك لما قال تعالى الا ان تكون تجارة او متراض منكم لم يعين لنا نوعا من التجارة ولا جنسا ولم يحدد لنا الفاظا يحصل بها الرضا وهذا يدل على ان الله اباح كل ما عد تجارة ما لم ينهى عنه الشارع. وان كل ما حصل به الرضا من الاقوال والافعال انعقدت به التجارة. فما حقق الرضا من قول او فعل انعقدت به المعارضات تبرعات وكم في القرآن من هذا النوع شيء كثير؟ هذا من اعجاز القرآن وكونه صالحا مصلحا لكل زمان ومكان لانه اتى بهذه الجمل العامة التي يندرج تحتها ما لا يحصى ولا يحصى من الصور. وهذه الاية اصل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم اصل في جواز جميع العقود. وان الاصل في جميع العقود على اختلافها عقود المعاوظات على اختلافها الحل. فمن قال في معاملة من المعاملات انها حرام فعليه ان يقيم الدليل على تحريم هذه المعاملة فالاصل في كل معاملة تعامل بها الناس الاباحة. لكن يبقى انه يجب على الانسان ان ينظر الى اسباب تحريم التي وردت في الشرع. هل هي موجودة في هذه المعاملة او لا؟ فان سلمت المعاملة من اسباب التحريم فهم مباحة فينظر هل فيها ربا؟ فان سلمت من الربا فانها ليست محرمة لاجل الربا. ينظر الى الغرق ينظر الى الميسر. ينظر الى الظلم وما الى ذلك من الضوابط التي يرجع اليها التحريم في المعاملات. والا فالاصل ان المعاملة مباحة ولذلك اذا اشتبه على الانسان هل هذه معاملة مباحة او معاملة محرمة؟ اشتبه عليه ولم يصل الى حل او الى نتيجة فهل يقول بالتحريم ولا يقول بالاباحة؟ يقول بالاصل وهو الاباحة لكن ان شاء ان يتورع فهذا باب مفتوح في التحليل والتحريم التحليل والتحريم لابد ان يكون مستندا الى دليل واضح بين يعذر به الانسان بين يدي الله عز وجل في قوله ان هذا الشيء حرام او هذا الشيء ممنوع او هذا الشيء ليس بجائز. فالاصل في المعاملات الاباحة نعم الثانية والعشرون في مقاصد امثلة القرآن. اعلم ان القرآن بالامثلة جمع مثال وهي المثل في كتاب الله عز وجل. واصل المثل تشبيه الشيء بالشيء في الحكم. هذا اصل المثل. تشبيه الشيء شيء في الحكم وهو اما ان يكون ضربا لمعنى ضربا مثالا لمعنى معقول بامر محسوس حتى يدركه الانسان لان كثيرا من الامور المعقولة لا يدركها الانسان الا بنظيرها من المحسوس. واما ان يكون تقريب محسوس بمحسوس وسيأتي لذلك امثلة من كلام المؤلف رحمه الله. المهم ان الاصل في المثال هو تشبيه الشيء بالشيء في الحكم والمراد به التوضيح والبيان. وامثلة القرآن من انفع الامثلة. ومن احسنها واكملها وتنفع الانسان في التوصل للحكم. والتوصل تعبير الرؤى وغير ذلك من الوسائل. او من من المقاصد وغير ذلك من المقاصد. لكن كلما تعمق الانسان في فهم المثل وتدبره كلما حصل من ذلك شيئا كثيرا. نعم. اعلم ان القرآن الكريم احتوى على اعلى واكمل وانفع المواضيع. التي يحتاج الخلق في جميع الانواع فقد احتوى على احسن طرق التعليم وايصال المعاني الى القلوب بايسر شيء واوضحه فمن انواع تعاليمه العارية ضرب الامثال. وهذا النوع يذكره الباري في الامور المهمة كالتوحيد وحال واحد والشرك وحال اهله والاعمال العامة الجليلة. ويقصد بذلك كله توضيح المعاني النافعة تمثيلها بالامور المحسوسة ليصير القلب كانه يشاهد معانيها رأي عين. وهذا من عناية الباري بعباده ولطفه الحمد لله. فقد مثل الله الوحي والعلم الذي انزله على رسوله في عدة ايات. بالغيث والمطر النازل من السماء وقلوب الناس والاراضي والاودية. وان عمل الوحي والعلم في القلوب كعمل الغيث والمطر في الاراضي فمنها اراضي طيبة تقبل الماء وتنبت الكلأ والعشب الكثير. كمثل قلوب الفهمة التي تفهم عن الله ورسوله وحيه وكلامه وتعقله وتعمل به علما وتعليما بحسب حالها كالاراضي بحسب حالها ومنها اراض تمسك الماء ولا تنبت الكلام. فينتفع الناس بالماء الذي تمسكه فيشربون ويسقون مواشيهم واراضيهم كالقلوب التي تحفظ الوحي من القرآن والسنة وتلقيه الى الامة. ولكن ليس عندها من الدراية المعرفة بمعانيه ما عند الاولين وهؤلاء على خير ولكنهم دون اولئك. لماذا؟ كانوا دون اولئك؟ لان حصلوا المقصود من النصوص. وهو الفهم والادراك للمعنى. الذي يثمر العمل والاستقامة. اما الحفظ مجرد فهو خير لان به تحفظ الشريعة وبه تحفظ السنة لكن من حيث الافادة من هذه النصوص لم يحصل المقصود. ولذلك قال شيخ الاسلام رحمه الله عندي ان الفهم عن الله وعن رسوله خير من من الحفظ وهذه مسألة تخفى على كثير من مما يشتغل بطلب العلم تجده يحرص على كثرة المحفوظات حتى المحفوظات التي لا تفيده في فهم كلام الله وكلام رسوله. وليس عنده نظير ذلك من الحرص في فهم كلام الله وكلام رسوله. مع ان الاصل هو الاشتغال بالفهم لا بكثرة الحفظ. ولذلك قال ابو عبدالرحمن السلمي كان الذين يقرؤوننا القرآن عثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وغيرهما يقولون ان كانوا يقرأون عشر ايات فلا يتجاوزونها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل فقال فعلمنا العلم والعمل والايمان جميعا وذلك لادراكهم المقصود من هذه النصوص. فمن اشغل نفسه بفهم النصوص والاستنباط منها والافادة منها خير ممن اشتغل بالاستكثار من الحفظ الذي يعرى عن الفهم. لكن اذا اجتمع حفظ وفهم فذلك خير الى خير ونور على نور. نعم. ومنها راض لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. كمثل القلوب التي لا تنتفع بالوحي لا علما ولا حفظا ولا عملا. ومناسبة الاراضي للقلوب كما ترى في غاية الظهور. واما مناسبة تشبيه الوحي بالغيث فكذلك لان الغيث فيه حياة الارض والعباد وارزاقهم الحسية. والوحي فيه حياة القلوب ومادة ارزاقهم المعنوية وكذلك لما كانت هذه الامور بها حياة القلوب وحياة الخلق في معاشهم ومعادهم كان من السنة في استفتاح صلاة الليل ان تتوسل الى الله عز وجل بربوبيته لمن اختصوا بهذه الامور. اللهم رب جبرائيل معه ايش؟ حياة القلوب وهو الوحي واسرافيل. معه ايش؟ حياة الابناء الابدان وميكائيل ومعه حياة الارض بالمطر. فتوسل العبد الى الله عز وجل باسباب الحياة او وبمن معهم او كل اليهم اسباب الحياة. نعم. وكذلك مثل الله كلمة التوحيد بالشجرة الطيبة التي تؤتي اكلها كل حين باذن ربها. فكذلك شجرة التوحيد ثابتة بقلب صاحبها معرفة وتصديقا وايمانا وارادة لموجبها وتؤتي اكلها وهو منافعها كل وقت. من النيات الطيبة والاخلاق الزكية والاعمال الصالحة والهدى المستقيم. دائمة دائمة في نفع صاحبها وانتفاع الناس به وهي صاعدة الى السماء لاخلاص صاحبها وعلمه ويقينه. ومثل مادة حياة هذه الشجرة كل شجرة ولها مادة تحيا بها. ولابد من سقيها لتستقيم. وتدوم. فما هي مادة حياة هذه الشجرة شجرة التوحيد مادة حياتها هو العلم النافع والعمل الصالح فبقدر ما مع الانسان من العلم النافع والعمل الصالح بقدر ما تزكو شجرة توحيده. وترسخ وتثبت وتستقيم وتثمر وهذا من نعمة الله على العبد الذي التي تظهر بهذه العبادات الموظفة في الاوقات. فجر ظهر عصر مغرب عشاء كل هذا لماذا؟ لتحيا القلوب وتتغذى بهذه العبادات وتقوى. فمادة هذه شجرة هو العلم النافع والعمل الصالح. نعم. ومثل الشرك والمشرك بان من اتخذ مع الله الها يتعزز به ويزعم منه النفع ودفع الضرر في ضعفه ووهنه كالعنكبوت اتخذت بيتا وهو اوهن البيوت واوهاها فما ازدادت باتخاذه الا ضعفا الى ضعفها. كذلك المشرك ما ازداد باتخاذه وليا ونصيرا من دون لله الا ضعفا لان قلبه قطع عن الله. ومن انقطع قلبه عن الله حله الظعف من كل وجه تعلقه بالمخلوق زاده واهلا الى وهن. فانه اتكل عليه وظن منه حصول المنافع. فخاب ظنه وانقطع اطعام له واما ولذلك كلما قوي ركون القلب الى الله عز وجل وتوكله عليه كلما الانسان وبقدر ما يدخل على انسان من الشرك بقدر ما يدخل عليه من الوهن. قال الله جل وعلا انه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فماذا كانت النتيجة؟ فزادوهم رهقا. فالواجب على المؤمن ان يخلص توحيده. وان يتوكل الله عز وجل حق توكله. واذا كان كذلك فقد سلم من اسبابه الخوف وقوي ايمانه. وقويت نفسه واصبح راسخا ثابتا لا تستفزه الحوادث ولا تهيبه الخطوط. نعم. هو مؤمن. واما فانه قوي بالله بقوة ايمانه وتوحيده وتعلقه بالله وحده الذي بيده الامر والنفع الضرر وهو متصرف في احواله كلها. كالعبد الذي على صراط مستقيم في اقواله وافعاله الارادة حر عن رق المخلوقين غير مقيد لهم بوجه من الوجوه بخلاف المشرك فانه كالعبد الاصم الابكم الذي هو كل على مولاه. اينما يوجهه لا يأتي بخير. لان قلبه تقيد للمخلوقين مسترق لهم ليس لهم طلاق وتصرف في الخير. فمثله ايضا كالذي خر من السماء قطبته الطيور ومزقته كل ممزق. وهؤلاء الذين زعموا انهم الهات ينفعون ويدعون. لو اجتمعوا كلهم على خلق اضعف المخلوقات وهو الذباب لم يقدروا باجتماعهم على خلقه. فكيف ببعضهم؟ فكيف بفرض من مئات الالوف منهم وابلغ من ذلك ان الذباب لو يسلبهم شيئا لم يقدروا على استخلاصه منه ورده فهل فوق هذا الظافظ؟ وهل اعظم من هذا الغرور الذي وقع فيه المشركون؟ وهو مع هذا الغرور الوهن والظعف منقسم قلبه بين عدة الهة كالعبد الذي بين الشركاء المتشاكسين لا يتمكن من ارادة والله احدهم دون الاخر فهو معه في شر دائم وشقاء متراكم. فلو استحضر المشرك بعض هذه الوخيمة لربأ بنفسه عما هو عليه. ولعلم انه قد اضاع عقله ورأيه. بعدما اضاع دينه واما الموحد فانه خالص لربه لا يعبد الا هو. ولا يرجو ويخشى الا هو. وقد اطمئن ان قلبه واستراح وعلم انه على الدين الحق وان عاقبته احمد العواقب. ومآله الخير والفلاح اعادة الابدية فهو في حياة طيبة. ويطمح في حياة اطيب منها. ومثل الله الاعمال فذكر العمل الكامل الخالص له. الذي لم يعرض له ما يفسده. كبستان في احسن المواضع واعلاها تنتابه الرياح النافعة وقد ضحى وبرز للشمس. وفي خلاله الانهار الجارية المتدفقة. فان لم تكن فانها كافية له كالطل الذي ينزل من السماء. ومع ذلك فارضه اطيب الاراضي وازكاها. فمع وتوفر هذه الشروط لا تسأل عما هو عليه من زهاء الاشجار وطيب الضلال وافرك الثمار. فصاحبوا في نعيم ورغد متواصل. وهو امن عن انقطاعه وتلفه. فان كان هذا البستان لانسان قد كبر عن العمل وعنده عائلة ضعاف لا مساعدة منهم ولا كفاءة. وقد اغتبط به حيث كان مادته وما عائلته ثم انه جاءته افة واعصار احرقه واتلفه عن اخره. فكيف تكون حسرت المغرور وكيف تكون مصيبته. وهذا هو الذي جاء بعد العمل بما يبطل عمله الصالح من الشرك والنفاق المعاصي المحرقة فيا ويحا بعدما كان بستانه زاكيا زاهيا اصبح تالفا. قد ايس من عوده وبقي بحسرته مع عائلته. فهذا من احسن الامثال وانسبها. فقد ذكر الله صفة بستان من ثبته الله على الايمان والعمل وبستان من ابطل عمله بما ينافيه ويضاده. ويؤخذ من ذلك ان الذي موفق للايمان ولا للعمل اصلا انه ليس له بستان اصلا. ووجه تشبيه الاعمال بالبساتين البساتين تمدها المياه وطيب المحل وحسن الموقع. فكذلك الاعمال يمدها الوحي النازل لحياة القلوب الطيبة وقد جمع العامل جميع شروط قبول العمل من الاجتهاد والاخلاص والمتابعة فاثمر عمله كل زوج بهين ما شاء الله وقد مثل الله عمل الكافر بالسراب الذي يحسبه الظمان ماء فيأتيه وقد اشتد به الظمأ انهكه الاعياء فيجده سرابا. ومثله بالرماد الذي احرق فجاءته الرياح فذرته فلم تبق منه وهذا مناسب لحاله وبطلان عمله. فان كفره ومعاصيه بمنزلة النار المحرقة وعمله بمنزلة الرماد والسراب الذي لا حقيقة له. وهو ما كان يعتقده فيفعله. فاذا وصله ولم يجده شيئا تقطعت نفسه حسرات. ووجد الله عنده فوفاه حسابه. كما مثل نفقات مخلصين ذلك البستان الذكي الزاهي ومثل نفقات المرائين بحجر املس عليه شيء من تراب. فاصابه مطر تركه صدا لا شيء عليه. لان قلب المرائي لا ايمان فيه ولا اخلاص. بل هو قاس كالحجر طاقته حيث لم تصدر عن ايمان بل رياء وسمعة لم تؤثر في قلبه حياة ولا زكاة كهذا المطر الذي لم واثر في هذا الحجر الاملس شيئا. وهذه الامثال اذا طبقت على ممثلاتها ووضحتها وبينتها وبينت مراتبها من الخير والشر والكمال والنقصان. ومثل الله حال المنافقين بحال من هو في ظلمة فاستوقد نارا من غيره ثم لما اضاءت ما حوله وتبين له الطريق ذهب نورهم وانطفأ ضوءهم فبقوا في ظلمة عظيمة اعظم من الظلمة التي كانوا عليها اولها. وهكذا المنافق استنار بنور الايمان. فلما فتبين له الهدى غلبت عليه الشقوة واستولت عليه الحيرة. فذهب عنه نوره واحوج ما هو اليه وبقي في ظلمة متحيرا فهم لا يرجعون. لان سنة الله في عباده ان من بان له الهدى واتضح له الحق ثم رجع عنه انه لا يوفقه بعد ذلك للهداية. لانه رأى الحق فتركه وعرف الضلال فاتبعه. وهذا المثل ينطبق على المنافقين الذين تبصروا وعرفوا. ثم غلبت عليهم الاغراض فتركوا الايمان والمثال الثاني وهو قوله او كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق جعلونا اصابعهم في اذانهم من الصواريخ حذر الموت. والله محيط بالكافرين. ينطبق على المنافقين المتحيرين الذين يسمعون القرآن ولم يعرفوا المراد منه. واعرضوا عنه وكرهوا سماعه اتباعا وسادتهم. ومثل الله الحياة الدنيا وزهرتها والاغترار بها. بحالة زهرة الربيع ومثل الحياة الدنيا وزهرتها والاغترار بها بحالة زهرة الربيع تعجب الناظرين وتغر الجاهلين. ويظن بقاءها ولا يؤمنون زوالها فله بها عما خلقوا له. فاصبحت عنهم زائلة واضحوا لنعيمها مفارقين في اسرع وقت كهذا الربيع اذ اصبح بعد هشيما. وبعد الحياة يبسا وبعد الحياة يبس الرميما وهذا الوصف قد شاهده الخلق واعترف بهم البر والفاجر. ولكن ولكن سكر الشهوات وضعف داعي الايمان اقتضى ايثار العاجل على الاجل. قال الله جل وعلا في كتابه وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا كان بعض السلف اذا قرأ هذه الاية اذا قرأ مثلا لم يفهمه ولم يدرك المراد منه بكى فقيل له في ذلك فقرأ هذه الاية وذلك ان الامثال التي يضربها الله جل وعلا في كتابه لا يدركها الا من كمل علمه. وكثير من من المعاني التي مرت عليه في كلام الشيخ رحمه الله تغيب عن اكثر من يقرأ كلام الله جل وعلا. فينبغي للانسان ان يهتم بهذا الامر وان ينتفع من كلام اهل العلم في العناية بهذه الامثال المضروبة. وقد اطال الكلام على فائدة الامثال وبيان ما فيها من الاسرار ابن القيم رحمه الله في عدة مواضع من ذلك ما ذكره في كتاب اعلام الموقعين في اول الكتاب مراجعة ذلك ايه ده تنبه الانسان على غفلته عن تدبر كلام الله عز وجل والعناية بمعناه