الحمد لله رب العالمين احمده له الحمد كله اوله واخره واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى اثره باحسان الى يوم الدين اما بعد فاسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يرزقني واياكم العلم النافع والعمل الصالح وان ييسر لنا اليسر وان يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته نقرأ ما يسر الله تعالى من الايات في سورة المائدة ثم ننظر في تفسيرها فنسأل الله العون والتيسير بسم الله الرحمن الرحيم يا ايها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا امنا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم اخرين لم يأتوك يحرفون الكلمة من بعد مواضعه. يقولون لئن اوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروه. ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا. اولئك اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم. لهم في يا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم. سماعون من كذب الكالون للسحت. فاحكم بينهم او اعرض عنهم وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسط وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم ثم يتولون من بعد ذلك. وما اولئك بالمؤمنين انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور. يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا. والربانيون احبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء الا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا باياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن ان بالسن والجروح قصاص. فمن تصدق به فهو ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك اولئك هم الظالمون وقفينا على اثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من من التوراة واتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ابي ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم. ولا تتبع اهواءهم جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنها ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة لكن يبلوكم فيما اتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون هذه الايات الكريمات في سورة المائدة يقص الله تعالى فيها عن بني اسرائيل ما كان من شأنهم ويسلي سيد الانام صلوات الله وسلامه عليه ويخفف عنه ما لقيه منهم من تكذيب فقال تعالى يا ايها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا امنا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم وهم المنافقون قال تعالى ومن الذين هادوا عاد الى اهل الكتاب فقال ومن الذين هادوا سماعون للكذب اي يكثرون سماع الكذب سمعونا لقوم اخرين لم يأتوك يحرفون الكلمة عن مواضعه يقولون ان اوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا ثم عاد الى بكر سبب ضلال هؤلاء وهو ما وقعوا فيه من الفتنة ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا مهما بذلت من الجهد في اصلاحهم وهدايتهم واخراجهم من الظلمات الى النور فانك لن تقدر على ذلك ما دام الله تعالى قد اراد فتنتهم كما قال تعالى انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء قال تعالى اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم. اعوذ بالله لم يرد الله تعالى ان يطهر قلوبهم لما فيها من الزيغ كما قال تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم قال تعالى اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي فضيحة ولهم في الاخرة عذاب عظيم ثم قال تعالى عائدا ذكرى احوالهم وما فعلوه من سيء العمل سماعونا للكذب اي يكثرون سماعه والاصغاء اليه الكالون للسحت اي يأكلون من الاموال ويأكلون من الحرام سواء كان ذلك بالربا او كان ذلك بغيره من وسائل اكل المال بالباطل ما يصدق عليه انه سحت فيكثرون اكل الحرام فان جاؤوك فاحكم بينهم او اعرض عنهم. ان جاؤوك لتحكم بينهم فلك الخيار ان تحكم بينهم او ان تعرض عنهم. ثم قال تعالى وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وان حكمت فطريق الحكم فاحكم بينهم بالقسط اي بالعدل وليحملنك ما هم عليه من سماع للكذب واكل للسحت معصية لله ورسوله ان تحكم بينهم بغير القصد بل الواجب في الحكم بينهم ان يحكم بين كل متخاصمين بالعدل ولا يجرمنكم شنئان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى ان الله يحب المقسطين اي المشتغلين بالعدل قال تعالى وكيف يحكمونك هذا رجوع الى تعجيب من حال اليهود الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم. كيف يكون منهم هذا؟ كيف يحكمونك وهم يكذبونك ويزعمون ان عندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما اولئك بالمؤمنين. اي يتحاكمون اليك فيما يشتهون ويتركون التحاكم اليك او قبول ما جئت به وهم معرضون قال تعالى وما اولئك بالمؤمنين. اذ لو صدقوا في ايمانهم وتصديقهم لكان منهم القبول فكان منهم القبول لكل ما جئت به وليس على وجه الانتقاء والاختيار. ثم قال تعالى انا انزلنا التوراة فيها ونور هكذا انزلها الله تعالى والتوراة اعظم الكتب التي انزلت على الانبياء بعد القرآن. ولذلك يشيد الله تعالى به ويقرنه بالقرآن في مواضع كثيرة. انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون وذلك ان بني اسرائيل تحكمهم الانبياء. الذين اسلموا للذين هادوا يحكمون للذين هادوا وهم اليهود والربانيون اي ويحكم به الربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله. حيث ان الله تعالى اوكل اليهم حفظ الكتاب ولم يتكفل بحفظه كما هو الشأن في القرآن العظيم حيث قال تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون. يقول الله تعالى وكانوا عليه شهداء اي كانوا على هذا الكتاب وهو التوراة شهداء في حفظه والقيام به كما امرهم الله تعالى ثم قال لرسوله فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا باياتي ثمنا قليلا. اي لا تستعيظوا عن طاعة الله والسير على وفق ما جاء في كتابه ثمن بخس وهو ما يكون من متاع الدنيا فالدنيا باسرها وما فيها وما فيها مما من ملذات ومتع كلها يصدق وعليها انها ثمن قليل ولا تشتروا باياتي ثمنا قليلا اي بالايمان بها التحاكم اليها وبالحكم بها وبغير ذلك مما يتعلق بحقوق الايات التي انزلها جل في علاه في علاه على الناس للهداية. ثم قال ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون. هذه حال من احوال الحكم بغير ما انزل الله وهي حال الكفر وذلك فيما اذا كان الحكم بغير ما انزل الله معتقدا استباحته او انه احسن من حكم الله رسوله او انه مثل حكم الله ورسوله. هذه احوال ثلاثة يكون فيها الحكم بغير ما انزل الله كفر. ان يستبيحه ويستحله ان يرى ان حكم غير الله احسن من حكم الله ان يرى ان حكم الله ان حكم غير الله ورسوله مثل حكم الله ورسوله هذه ثلاثة هذه ثلاثة هذه ثلاث احوال يكون فيها الحكم بغير ما انزل الله كفر كما قال تعالى ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون. ثم ذكر الله تعالى في اية القصاص وهي حكم قظاه الله تعالى على بني اسرائيل قال وكتبنا عليهم اي فرضنا عليهم وشرعنا لهم ان النفس بالنفس وسبب ذكرها وسبب ذكر هذا هو بيان ما كانوا عليه من تكذيب واعراض عن التوراة وعدم عمل بها حيث ان الله كتب عليهم القصاص ومع ذلك هم لا يفعلونه بل ينتقون في فعله فيقتصون من احد دون احد ويقتصون لاحد دون احد وهذا من ظلم ومخالفة ما كتب الله تعالى عليهم اذ اذ كتب الله تعالى عليهم ان النفس بالنفس النفس البشرية بالنفس البشرية فاذا جنت نفس على نفس فان الكتاب الذي كتبه الله تعالى عليهم ان يقتص من النفس الجانية. سواء كانت ذكرا او كانت انثى او ما الى ذلك مما يكون من الاوصاف الزائدة فان الله جعل المعتبر هو النفس. قال والعين بالعين اي كتب عليهم انه من اعتدى على عين احد ازالتها او فقأها او اتلافها فانه يقتص للمجني من الجاني فعل ما يذهب عينه كما اذهب عين صاحبه الذي جنى عليه. قال والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن. فذكر الله تعالى جملة. اولا ذكر النفس وهذا اتلاف اصل ما تقوم به الحياة وهو الروح ثم اتلاف اعضاء واجزاء قال والعين والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن ثم قال تعالى والجروح قصاص وهذا يشمل كل ما مضى بعد التفصيل يدخل فيه غيره يعني وغير هذه المذكورات تجري فيها الاحكام كالمذكورات في الاقتصاص. قال والجروح قصاص. والظابط فيما يقتص منه من الجروح هو كل ما امكن فيه القصاص دون حيف او زيادة. فكل ما يمكن فيه القصاص من الجروح فانه يقتص من ولا فرق في ذلك بينما انتهى الى عظب وما لم ينتهي الى عظم لا سيما مع هذا التطور الذي يعيشه الناس في وسائل امكانية نية الاقتصاص على نحو دقيق بما فتح الله على الناس من تطور في الطب ووسائله فانه اذا امكن الاقتصاص بحيث لا يكون هناك اعتداء ويؤمن الحيث والظلم اي تمكن المساواة من دون ظلم فان هذا هو الواجب لعموم قوله تعالى والجروح قصاص قال فمن تصدق به؟ يعني لم يأخذ القصاص بل عدل عنه الى الدية او العرش الدية فيما له دية من الاعضاء والنفوس والعرش وهو فرق ما بين الصحة والسلامة فيما لا دية فيه وهو الحكومة قال فهو كفارة له اي يكفر الله تعالى به من خطاياه ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الظالمون. في الاية السابقة ذكر انهم كافرون وفي هذه الاية ذكر انهم ظالمون والمقصود بالظلم هنا فيما اذا حكم القاضي بحكم يخالف فيه العدل انتصارا شخص على شخص او بخس لحقه دون اعتقاد ان حكم غير الله افضل من حكم الله او انه مثله او انه احسن منه او انه يجوز آآ الحكم بغير ما انزل الله فهذه المنزلة دون المنزلة السابقة فهي منزلة على حال مختلفة على الحالة السابقة. وقال بعض اهل العلم بل هي الحال السابقة لان الله تعالى يسمي الكفار بالظلم كما قال الله تعالى والكافرون هم الظالمون والكافرون هم الظالمون فالظلم درجات ومراتب ومنه ما يكون متعلقا بالكفر وما دونه. ثم ذكر الله تعالى ما كان من النصارى وما اوتوه من الكتاب بعد ذكر اليهود. قال وقفينا على اثارهم اي على اثار موسى وقومه من بني اسرائيل بعيسى ابن مريم ايتبعنا موسى بعيسى عليه السلام مصدقا لما بين يديه من التوراة. يعني جاء مصدقا بما في التوراة من احكام ومن اخبار قال واتيناه الانجيل اي خصه الله تعالى بالانجيل وهو الكتاب الذي اوتيه عيسى عليه السلام فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين هذا ما خص الله تعالى به عيسى قال وليحكم اهل الانجيل النصارى بما انزل الله فيه ولو حكموا بما انزل الله فيه ما كان لهم الا ان يتبعوا سيد الورى صلى الله عليه وعلى اله وسلم. اذ ان من من بقايا ما في كتبهم مما لم يحرف وصف رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم والخبر عنه. قال تعالى وليحكم اهل الانجيل بما انزل الله فيه ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون وهذه كما تقدم في الظالمين يحتمل ان تكون بمعنى الكفر لان الفسق درجات ومنه ما يكون كفرا ويحتمل ان المقصود بالفسق ما هو دون ذلك مما فيه حكم بغير ما انزل الله لشهوة او تقصير في الحكم بما انزل الله بعدم طلب الحق وعدم النظر في الواقعة على نحو تبرأ به الذمة. بعد ذلك ذكر الله الان كم كتاب من كتب الرسل كم كتاب ذكر ذكر كتابين التوراة والانجيل ثم ختم ذلك بذكر قاتم الكتب وهو القرآن الذي خص به سيد الانام قال تعالى وانزلنا اليك الكتاب وهو القرآن بالحق اي مقترنا بالحق ومؤيدا بالحق فالباء هنا للمصاحبة والمعية مصدقا لما بين يديه فالقرآن يصدق ما في الكتب السابقة من حق وهدى ولكنه فضل على ذلك بقوله ومهيمنا عليه يعني امينا على ما في الكتب السابقة فما كان في القرآن مما في الكتب السابقة فهو حق. وما كان فيها مخالفا للقرآن فهو باطل. ومما جرى في فيه التحريف قال الله تعالى فاحكم بينهم اي بين جميع من تحاكم اليك بما انزل الله ولا تتبع ولا تتبع اهواءهم اي واحذر ان تسير في ركاب ما يشتهون. فالاهواء جمع هوى وهي ما يحبه اولئك ويشتهونه ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق اي الوحي الذي ذكره جل وعلا في اول الاية لكل اي من الامم جعلنا منكم شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة قال الله جل وعلا ولو شاء لجعلكم امة واحدة اي ولو اراد الله تعالى لجمع الناس كلهم لجمع الناس كلهم على طريقة واحدة من الايمان به والاستسلام له. ولكن حكمة الله اقتضت ان يكون من البشر ان يكون من البشر مؤمن وكافر. قال الله تعالى ولكن ليبلوكم فيما اتاكم اي ليختبركم فيما اتاكم وما حصل بينكم من تفرق فاستبقوا الخيرات اي ابتدروها ولا تتلكأوا في اخذها والاقبال عليها فاستبقوا الخيرات ومما يعين الانسان على الاستباق بالخيرات والمبادرة اليها ان يذكر انه الى الله راجع الى الله مرجعكم جميعا. فاليه ترجعون وسيحاسبكم على ما كان من اعمالكم ويخبركم بما كان من احوالكم فينبئكم اي يخبركم بما كنتم فيه تختلفون وهو اخبار متظمن للحكم. اي ان الله تعالى يحكم بين الناس يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون في كل امر من الامور التي شجرت بينهم واختلفوا فيها