قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم. او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون وكذب به قومك وهو الحق. قل لست عليكم بوكيل. لكل وما عدا ذلك مما يتعلق بالغيب انما هو ظنون وتوقعات وحجز وتخمين وليس شيئا يعلم بيقين اذ اليقين لا يمكن ان يوصل اليه الا باطلاع رب العالمين فعنده سبحانه الغيب الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه احمده حق حمده واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى اثره باحسان الى يوم الدين. اما بعد فكنا قد تكلمنا على اول سورة الانعام نقرأ ما يسر الله تعالى من اياتها ثم نعلق بما يفتح الله تعالى اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو. ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها. ولا احبت في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى اجل مسمى. ثم اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون. وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة. حتى اذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه. تدعونه تضرعا وخفية. لئن انجانا من هذه لنكونن من شاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم انتم تشركون كل نبأ مستقر وسوف تعلمون واذا رأيت الذين يخوضون فيه اياتنا فاعرض عنهم فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره لانسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون وذر الذين اتخذوا من دين وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا وله وغرتهم الحياة الدنيا. وذكر به ان تبسل نفس ما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع ان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها اولئك الذين ابسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون. قل انا ادعو من دون الله ما لا ينفعنا اولا يضرنا ونرد على اعقابنا بعد اذ هدانا الله اه كالذي استهوته الشياطين في الارض. حيران له اصحاب قل ان هدى الله هو الهدى وامرنا لنسلم لرب العالمين وان اقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي اليه تحشرون وهو الذي خلق السماوات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون اكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصدور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير هذه الايات الكريمات ابتدأها في القراءة بقوله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو والامام البخاري رحمه الله في اول هذا الكتاب بتفسير سورة الانعام ذكر جملة من المعاني للكلمات التي جاءت في السورة وهذه الكلمات متفرقة نقل فيها شيئا عن ابن عباس وبين بعض معانيها فيما نقل واثر وسيأتينا بعض هذه الايات فنرجئ الحديث عن ما ذكره رحمه الله من معاني الكلمات الى مواضعها ثم اتى بباب كان اول هذه الابواب هو قول الله عز وجل وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو. هذا اول الابواب التي ذكرها ابن ذكرها الامام البخاري رحمه الله في صحيحه وهذه الاية الكريمة التي اخبر الله تعالى فيها بان عنده مفاتح الغيب. قال تعالى وعنده مفاتح الغيب وعنده تقديم الظرف على غيره في الجملة يدل على الاختصاص فهي عنده سبحانه ولا اطلاع لاحد عليها فهو قد انفرد بها سبحانه وبحمده واصل الكلام مفاتح الغيب عنده فلما قدم ما حقه التأخير وهو قوله عنده كان ذلك دليلا على التخصيص فان تقديم ما حقه التأخير يفيد الاختصاص فالله تعالى يخبر في هذه الاية بانه سبحانه المنفرد بمفاتح الغيب ومفاتح جمع مفتاح بكسر الميم وقيل جمع مفتح والفرق بين مفتاح ومفتح ان مفتاح هو الالة التي يفتح بها الباب ويزال بها غلقة واما على الفتح مفتح فهو الموضع الذي يخزن فيه الشيء وعلى كل حال اكثر اهل العلم على الوجه الاول وان مفاتح جمع مفتاح والمقصود بمفاتح الغيب اي ما يكون من مبادئه ومن كان عنده المفاتح فانه يتمكن من كل الشيء فمن عنده مفاتح الغيب كان كان علمه بالغيب محقق لان طريق الوصول الى الشيء من الابواب والابواب لا تفتح الا بمفاتح فكان هذا اشارة الى ما وراء هذه المفاتح من العلوم والمعارف التي احاط بها جل في علاه واذا كان غيره ليس له شيء من هذه المفاتيح فمن لا يملك المفتاح لا يمكن ان يلج الباب ولذلك الغيب مغلق لا سبيل الى الوصول اليه ولا الى معرفته لان الله تعالى استأثر به فلم يطلع عليه الا من شاء من عباده وفق ما اقتضته حكمته وما اطلعه عليه ليس شيئا محيطا بل هو جزء من الغيب الذي يعلمه جل في علاه كما قال تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو فنفى علمها عن غيره ثم قال تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول فالله تعالى لا يظهر على ما استأثر به من الغيب احد وانما يظهر ذلك لمن شاء ممن اصطفاهم من الرسل من الملائكة ومن الناس كما قال تعالى الله يصطفي من المال من الملائكة رسلا ومن الناس وقوله جل في علاه الغيب الغيب اسم لما غاب واستتر اسم لما استتر مما لا يمكن ادراكه الا بعلم واخبار كالغيب لا يمكن ان يتوصل اليه على وجه اليقين الا بالعلم الذي يكون بالاخبار وما عدا هذا مما يمكن ان يكون من معرفة الغيب المخفي فانه ظن وقد يكون وهما وقد وقد يكون حدسا وتخميلا الغيب لا يمكن ان يطلع عليه احد الا باطلاع الله عز وجل عنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو جل في علاه و قوله جل في علاه لا يعلمها الا هو اثبات انفراده بالغيب وقد ذكر ذلك جل في علاه في مواضع عدة من كتابه منها قوله تعالى قل لا يعلم من في السماوات والارض الغيب الا الله وما يشعرون ايانا يبعثون وكما قال ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي ارض تموت ان الله عليم خبير فالله سبحانه وبحمده احاط بكل شيء علما احاط به زمانا ومكانا هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم فلا يخفى عليه شيء من شؤون خلقه جل في علاه. ولا ولا يخفى عليه شيء من امر خلقه جل في علاه لا فيما مضى ولا في الحاضر ولا في المستقبل وهذا العلم الذي استأثر به جل في علاه هو مما يشمل كل ما يكون في الكون فعلمه بالكليات كما علمه بالجزئيات علمه بالعموم كما علمه بالتفصيل فعلمه قد احاط بكل شيء على وجه الكمال والتمام فلا يفوت من علمه شيء فلا يند عن علمه شيء سبحانه وبحمده وقد قال الله تعالى بعد ان اثبت ان مفاتح الغيب عنده ولم يبينها في هذه الاية انما ذكرها على وجه الاجمال فقال وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو قال ويعلم ما في البر والبحر وهذا تفصيل لبعض الغيب الذي يعلمه ولا يعلمه سواه جل في علاه ويعلم ما في البر والبحر وهذا لا يمكن ان يدركه احد الا الخالق جل في علاه فقد احاط بخلقه فهو بكل شيء محيط سبحانه وبحمده يعلم ما في البر من عدد الرمل والحصى والاشجار واوراقها والاغصان وسائر ما على البر من خلق الله يعلمه علما تاما عددا وحقيقة ومبدأا ومنتهى ومآل احاط سبحانه وبحمده علمه بذلك كله فاعلم ما في البر والبحر وهذا لا يمكن ان يدركه احد سواه جل في علاه ثم ذكر ان هذا العلم ليس للكليات والعموميات بل لادق التفاصيل. قال وما تسقط من ورقة الا يعلمها سقوط الاوراق يعلمه جل في علاه متى سقط واين سقط والى اي شيء ذهب؟ وكم الساقط من الاوراق ولو كلف احدنا في الخريف ان يجمع عدد ما سقط من الورق لكان في ذلك من العناء والمشقة ما قد يعجز عنه الانسان فكيف والله جل في علاه يعلم كل ورقة تسقط اين ومتى وما المآل؟ وكم العدد احصى كل شيء علمه سبحانه وبحمده وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض اي ولا حبة في ظلمات الارض اي في باطن الارض يعلمها جل في علاه يعلم مستقرها ويعلم نتاجها متى يكون ويعلم منتهاها فقد احاط بكل شيء علما وقوله في ظلمات الارض اي في باطن الارض ويمكن ان يقال في ظلمات الارض في باطنه او عليها مما علاهما على مما يظلم به من اشجار في غابات او اوراق المتساقطات او غير ذلك فهو سبحانه وتعالى يعلم الحبة في ظلمات الارض ثم قال ولا رطب ولا يابس ولا رطب اي لا يفوته ولا يند عن علمه رطب ولا يابس من خلقه سواء كان ذلك في النبات او في غيره مما يمكن ان يوصف بالرطوبة واليبسة فليس ذلك مقصورا على النبات بل شامل لكل خلق الله الذي يوصف بالرطوبة واليبسة فهو احاط علما بذلك ولتمام تأكيد احاطة علمه اخبر عن كتابته قال الا في كتاب مبين يقول ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين اي الا في مكتوب وهو اللوح المحفوظ وهذا الكتاب بين ظاهر وليس خفيا ملتبس وبيانه في مضمونه وبيانه في ظهور علومه وموافقة الوقائع لما فيه فاللوح المحفوظ حوى كل ما يكون من اقدى لله واقضيته فليس شيء من اقدار الله واقضيته الا وهو في الكتاب سبق به علم الله عز وجل وكتابته جل في علاه لذلك العلم فالاية الكريمة افادت احاطة الله تعالى علما بكل شيء الدقيق والجليلة الصغير والكبير الكلي والجزئي في كل خلقه سبحانه وبحمده وافادت معنى اخر وهو ان ذلك العلم موثق مكتوب فليس علما ليس مكتوبا او محفوظا بل هو علم مكتوب لذلك قال الا في كتاب مبين والكتاب هو اللوح المحفوظ الذي جرى القلم بكتابة ما يكون فيه الى قيام الساعة وهاتان المرتبتان اثبات علم الله المتقدم المفصل لكل الشامل لكل حوادث الارظ ووقائع الخلق وكتابة ذلك هما مرتبتان من مراتب الايمان بالقدر فالايمان بالقدر الذي هو نظام التوحيد وبه يستقيم دين المرء ويصلح لا يتحقق الا ان يؤمن باربعة امور الامر الاول علم الله السابق للحوادث وانه علم شامل لكل شيء لا يخرج عنه شيء من خلق الله تعالى او من حوادث الارض والثاني كتابة ذلك وهذا ما تظمنته هذه الاية وقد ذكر الله تعالى هذه هاتين المرتبتين في هذه الاية وذكرها في مواضع اخرى ثم بقي مرتبتان ليتم الايمان بالقدر المرتبة الثالثة انه ما ما من شيء في الكون الا بمشيئة الله فكل شيء في الكون بمشيئته ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن والثاء والرابع ان كل شيء حادث انما هو خلق الله تعالى فالله خالق كل شيء وقد جمعت وقد جمعت هذه المراتب الاربع من مراتب الايمان بالقدر في قول الحق جل في علاه ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب الا في ايش في كتاب يعني في مكتوب وهو اللوح المحفوظ فشامل لكل الحوادث ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب ثم قال من قبل ان نبرأها وهذا فيه اثبات المشيئة والخلق فالبرء هنا هو الخلق والخلق لا يكون الا بمشيئته سبحانه وبحمده من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير فسبحان من احاط علمه بالخلق الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير سبحانه وبحمده فدلت هذه الاية الكريمة على على هذا المعنى الجليل الذي يتبين به عظم قدر الرب جل في علاه ثم ذكر الله تعالى في الاية التالية شيئا من احاطته بعمل الانسان على وجه الخصوص بعد اثبات علمه بكل شيء وان عنده مفاتيح الخير الغيب قال تعالى وهو الذي يتوفاكم بالليل وهو الذي يتوفاكم بالليل اي ينيمكم في الليل فالوفاة هنا المقصود بها النوم الوفاة نوعان نوع يكون فيه مفارقة للروح بالكلية وهذا هو الموت الذي قضاه الله تعالى على كل احد انك ميت وانهم ميتون واما النوع الثاني من الوفاة فهي التي تفارق الروح فيها البدن مفارقة مؤقتة ثم تعود وهذا هو النوم وقد اخبر الله تعالى عن هذا وذاك في قوله تعالى الله يتوفى الانفس حين موتها او حين نومها ها حين موتها يعني حين نومها والتي لم تمت والله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت نعم. الله يتوفى الانفس حين موتها نعم الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى اجل مسمى فذكر الله تعالى الموت والنوم وذكر الوفاة فيهما والوفاة شاملة لهذا وذاك. الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها لم تمت في منامه مع انه قال الله يتوفى الانفس حين موتها. يعني حين نومها والتي لم تمت في من امها فيمسك التي قضى عليها الموت اي في النوم ويرسل الاخرى فيردها الى ارواح اصحابها الى ابدان اصحابها. فيستيقظون ويعيشون الى ما قدر الله تعالى من الاجال. فقوله وهو الذي يتوفاكم بالليل اي ينيمكم بالليل وهذه الوفاة الصغرى ثم قال ويعلم ما جرحتم بالنهار ويعلم يعني احاط علمه بكل ما كسبه بكل ما كسبه الانسان من عمل وسمي العمل اجتراحا لانه يصبر على الانسان ويؤثر في غيره ويعلم ما جرحتم بالنهار اي ما اكتسبتم ثم يبعثكم فيه ليقضى اجل مسمى ثم اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ثم يبعثكم فيه يعني في النهار الذي يكون فيه معاشكم ليقضى اجل مسمى وهو ما كتبه الله تعالى للانسان من المعاش ثم اليه مرجعكم اي بعد موتكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون وهذا هو الغاية والغرظ من الارجاع الحساب الذي ينتهي به حال الناس اما الى جنة واما الى نار فاثبت بهذا احاطة علمه جل في علاه بما يكون من الانسان الامام البخاري رحمه الله ذكر في هذا الباب بيان لمفاتح الغيب لان الاية اجملت ولم تفصل مفاتيح الغيب بل قال وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هي الا هو فما هي هذه المفاتح