بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. وبعد فقال ابن قيم رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد فائدة قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده وهذا كما انه في الذوات والاعيان فكذلك هو في الاعتقادات والارادات فاذا كان القلب ممتلئا بالباطل اعتقادا ومحبة لم يبق فيه الاعتقاد الحق ومحبته موضع كما ان اللسان اذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه الا اذا فرغ لسانه من النطق بالباطل. وكذلك الجوارح اذا اشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شغلها بالطاعة الا اذا فرغها من ضدها فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وارادته والشوق اليه والانس به لا يمكن شغله بمحبة الله و ارادته وحبه والشوق الى لقائه. الا بتفريغه من تعلقه بغيره ولا حركة اللسان بذكره والجوارح بخدمته. الا اذا فرغها من ذكر غيره وخدمته فاذا امتلأ القلب بالشغل بالمخلوق والعلوم التي لا تنفع لم يبق فيها موضع للشغل بالله ومعرفة اسمائه وصفاته واحكامه. طيب الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد المؤلف رحمه الله ابن القيم قدم بين يدي هذه الفائدة تنبيه عام وهو يشبه ان يكون استدلالا على صحة ما سيتحدث عنه فقال رحمه الله قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده وهذي مقدمة معلومة فانه لا يمكن ان يتسع المكان للشيء وضده اذ لا يجتمع الشيء وضده في موضع واحد ولهذا قال رحمه الله قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده اي ما ينافره وينافيه ولا ولا يجامعه ثم قال وهذا كما انه في الذوات والاعيان فكذلك هو في الاعتقادات والايرادات المقصود كما انه في الذوات والاعيان فهو كذلك في المعاني فان الانسان اذا اشتغل معنى من المعاني او القلب اذا اشتغل بمعنى من المعاني لم يكن فيه فسحة ومكان غيره كما قال الشعرتان هواها قبل ان اعرف الهوى فوافق قلبا خاليا فتمكن فتمكنه ليس لجودة المحبوب وروعته او بهائه وجماله انما لخلو المكان اتاني هواها قبل ان اعرف الهوى توافق قلبا خاليا فتمكن فاذا كان الموضع خاليا وجاء اليه معنى من المعاني قر فيه وتمكن فلم يتسع لظده وما يقابله ولهذا قال فاذا كان القلب ممتلئا بالباطل اعتقادا ومحبة امتلاء اعتقاد ومحبة الاعتقاد هو القبول للشيء والمحبة امر زائد على مجرد القبول وهو محبة ذلك الشيء والميل اليه لم يبقى فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع كما ان اللسان اذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت لان اشتغال اللسان بما ليس خير بما ليس خيرا يشغله عن الخير ولهذا جعل قسمة بين الخير وغيره وغيره قد يكون خيرا وقد وغيره قد يكون شرا وقد يكون لا خيرا ولا شرا. فهو مأمور بالامساك عن هذا وذاك لاجل ان اشتغاله بما ليس خيرا ولو لم يكن شرا سيشغله عن الخير ولهذا قال من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت قال رحمه الله الا اذا فرغ لسانه من النطق بالباطل وكذلك الجوارح اذا اشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شغلها بالطاعة الا اذا تفرغها من ظدها فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وارادته والشوق اليه والانس به لا يمكن شغله بمحبة الله وارادته وحبه والشوق الى لقائه الا بتفريغه من تعلقه بغيره وهكذا في كل الامور فانه لا يمكن ان يجتمع في المكان الشيء وما ينافره ويضاده نعم وعلى هذا فانه من اراد ان يملأ قلبه بمحبة الله عز وجل فليخلق قلبه من محبة غيره والتعلق به والشوق اليه ولهذا كان من الدعاء المشروع اللهم اني اسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني الى حبك نعم قال رحمه الله وسر ذلك ان اصغاء القلب كاصغاء الاذن. هذا هذا تمثيل واستدلال لما تقدم من انه اذا اشتغل القلب بشيء انصرف عن غيره فقال في ذلك قال وسر ذلك ان اصغاء القلب يعني ميله المقصود بالاصغاء هنا الميل ولتصغى اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة وليرضوا فمعنى ولتصغى اي لتميل اليه افئدة فالاصغاء هنا هو الميل فاصغاء القلب كاصغاء الاذن واصغاء الاذن هو ميلها لاستماع ما يطرقها. يقول رحمه الله قال وسر اصغاء قال وسر ذلك ان اصغاء القلب كاصغاء الاذن فاذا صغى الى غير حديث الله لم يبق فيه اصغاء ولا فهم لحديثه. كما اذا مال الى غير محبة الله لم يبق فيه الى محبته فاذا نطق القلب بغير ذكره لم يبق فيه محل للنطق بذكره كاللسان ولهذا في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لان يمتلئ جوف احدكم لان يمتلئ لان يمتلئ جوف احدكم قيحا حتى يريه خير له من ان يمتلئ شعرا. فبين ان الجوف يمتلئ بالشعر فكذلك يمتلئ بالشبه والشكوك والخيالات والتقديرات التي لا وجود لها والعلوم التي لا تنفع والمفاكهات والمضحكات والحكايات ونحوها واذا امتلأ القلب بذلك جاءته حقائق القرآن والعلم الذي به كماله وسعادته. فلم تجد فيه فراغا لها ولا قبولا فتعدته وجاوزته الى محل سواه. كما اذا بذلت النصيحة لقلب ملآن من ضدها لا منفذ لها فيه فانه لا يقبلها ولا تلج فيه. لكن تمر مجتازة لا مستوطنة ولهذا قيل نزه فؤادك عن سوانا تلقنا. فجنابنا حل لكل منزه. والصبر تل اصم لكنز يوصالنا من حل ذا الطل اسما فاز بكنزه. وبالله التوفيق طيب على كل حال يعني كل ما ذكره رحمه الله تقرير للمعنى السابق وانه من اراد ان ينتفع ما في القرآن من مواعظ وما فيه من هدى وان يحقق كمال الايمان فليخلي قلبه للرحمن وليقبل على ما ينفعه من علوم القرآن وان اشتغاله بغير ذلك يزاحم واعطى جوابا وجيها او ربط هذه القاعدة بالاجابة عن كيف يبلغ الحق قوما مع ظهوره وقوة برهانه لكنهم لا يقبلونه الجواب ان قلوبهم امتلأت بغيره فلما ابتلغ فلما امتلأت قلوبهم بغيره لم يكن فيها مكان لقبوله ولا يتحقق ذلك اي لا يتحقق القبول الا لمن شرح الله صدره وانار بصيرته وكشف عنه عماه فطهر قلبه عن كل ما يضاده حتى يكون قلبه محلا الهدى والنور. فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام. ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يتصعد في السماء قال رحمه الله وهذا مرتبط بقاعدة المشغول لا يشغل فكلما اشتغل القلب بشيء انصرف عن غيره. وهذا معنى قول الامام الشافعي رحمه الله لو ان اهلي كلفوني شراء بصلة ما طلبت العلم يقصد بذلك ان اشتغاله بالبيع والشراء وامور الدنيا تصرفه عن طلب العلم نعم قال رحمه الله فائدة قوله تعالى الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر. كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون. كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم اخلصت هذه السورة للوعد والوعيد والتهديد. وكفى بها موعظة لمن عقلها. فقوله تعالى الهاكم اي شغلكم قم على وجه لا تعذرون فيه. فان الالهاء عن الشيء هو الاشتغال عنه فان كان بقصد فهو محل التكليف. وان كان بغير قصد كقوله صلى الله عليه وسلم في الخميصة انها الهتني انفا عن صلاتي. كان صاحبه معذورا وهو نوع من النسيان وفي الحديث فلها صلى الله عليه وسلم عن الصبي. اي ذهل عنه. ويقال لها بالشيء اي اشتغل به ولها عنه اذا انصرف عنه واللهو للقلب واللعب للجوارح ولهذا يجمع بينهما ولهذا كان قوله الهاكم التكاثر ابلغ في الذم من شغلكم. فان العامل قد يستعمل جوارحه بما يعمل وقلبه غير لا غير لاه به فاللهو هو ذهول واعراب والتكاثر تفاعل من الكثرة. اي مكاثرة بعضكم لبعض واعرض عن ذكر المتكاثر به ارادة لاطلاقه وعمومه. وان كل ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل في هذا التكاثر فالتكاثر في كل شيء من مال او جاه او رئاسة او نسوة او حديث او علم ولا سيما اذا لم يحتج اليه والتكاثر في الكتب والتصانيف وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها والتكاثر ان يطلب الرجل ان يكون اكثر من غيره. وهذا مذموم الا فيما يقرب الى الله. فالتكاثر في فيه منافسة في الخيرات ومسابقة اليها وفي صحيح مسلم من حديث عبدالله بن الشخير انه انتهى الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ الهاكم التكاثر قال يقول ابن ادم مالي مالي وهل لك من مالك الا ما تصدقت فامضيت او اكلت فافنيت او لبست فابليت هذي الفائدة في بيان معنى قوله تعالى الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر اولا وقف معنا مع قوله الهاكم وان المقصود بالالهاء هنا هو الاشغاء الاشغال على وجه لا عذر فيه للانسان ليخرج ما اذا كان الانسان قد اشتغل بشيء على وجه يعذر به ثم وبالتالي فهي قد سيقت مساق الذم والتحذير والتهديد والتنبيه الى خطورة هذا الالتهاء وهذا الاشتغال وقوله الهاكم التكاثر التكاثر هو طلب الكثرة ولم يذكر الله جل وعلا المتكاثر فيه ليعم كل ما يتكاثر به الناس من امر الدنيا ولهذا قال رحمه الله بالمتكاثر به قال والتكاثر تفاعل من الكثرة اي مكاثرة بعضكم لبعض واعرض عن ذكر المتكاثر به ارادة لاطلاقه وعمومه وهذا مبني على القاعدة ان ذكر ان عدم ذكر المعمول يفيد العموم ان عدم ذكر المعمول يفيد العموم فهو لا لم يذكر المعمول الذي وقع عليه التكاثر ففاد عمومه في كل ما يتكاثر به الناس من امور الدنيا قال رحمه الله سوى طاعة الله ورسوله سوى طاعة الله ورسوله اي سوى ما سوى امتثال ما امر الله تعالى به ورسوله اما امر ايجاب واما امر استحباب قال رحمه الله وما يعود عليه نفعه وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل في هذا التكاثر. يعني مما يلحق بالطاعة وليس طاعة في ذاته لكنه مما يعينه على طاعة الله فيأخذ حكم طاعة الله مما يحتسبه من مباحات الدنيا. قال فالتكاثر في كل شيء من مال او جاه يعني منزلة او رئاسة يعني سبق وتقدم وترأس او نسوة او حديث يعني حفظا له او علم فيما يطلب من العلوم قال بعد ان ذكر هذا قال ولا سيما اذا لم يحتج اليه يعني الحديث والعلم فهذا قيد في العلم او علم لا سيما اذا لم يحتج اليه فانه يدخل في التكاثر المذموم. ومثل لذلك قال والتكاثر في الكتب اي اقتنائها. او كتابتها او كتابتها والتصانيف وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها يكون بذلك آآ مكاثرا لغيره في التفاريع فانه مذموم والمقصود ان التكاثر في كل ما لا يبتغى به وجه الله فهو داخل في ذلك ولو كان ذلك فيما الاصل فيه ان يطلب ما عند الله عز وجل ولذلك ذكر الحديث والعلم مع ان الحديث والعلم مما يبتغى به وجه الله لكن لما كان التكاثر فيه لاجل طلب السبق طلب الكثرة فانه صار مذموما والاعمال بالنيات نعم قال رحمه الله ثم ذكر ما جاء في حديث عبد الله بن الشخير صحيح الامام مسلم قال قال انه انتهى الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ الهاكم التكاثر قال يقول ابن ادم ما لي ما لي يحكي حال الانسان باغتراره بما يملك فيقول ما لي ما لي ويذكر من صنوف ماله ما يذكر ثم يبين النبي صلى الله عليه وسلم ما الذي ينتفع به الانسان حقيقة من هذا المال؟ مهما كثر وعظم يعني ما كثرة ووفرة قال وهل لك من مالك الا ما تصدقت فامضيت وقدمه ذكرا لانه اعظمه نفعا قدمه ذكرا لانه اعظمه نفعا فهل لك من مالك الا ما تصدقت فامضيت او اكلت فافنيت او لبست فابليت فالمال مقسوم الى قسمين اما ما يكون مما يدخر الانسان في الاخرة فهذا باقي ولذلك قال فامظيت واما ما يستهلكه في الدنيا وهذا يذهب باستهلاكه في الدنيا وما زاد على هذين فليس مالا للانسان انما هو مال لمن وراءه ما زاد على هذين مما اكله افناه او لبسه فابلاه او تصدق به فامضاه فانه مال في يده يحاسب عليه ولا ينتفع به يحاسب عليه ولا ينتفع به الا ان احتسب ان يعني يبقيه لاولاده حتى لا يبقيهم فقراء فهؤلاء يؤجر على نيته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان انك ان تذر ورثتك اغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس ولهذا ينبغي ان يدرك الانسان ان ربحه في ان ينوي خيرا فيما في يده من مال والا يتكاثر في هذا المال ليسبق غيره فان ذلك لا ينفعه. الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر. يعني امتد بكم هذا الالهاء حتى جئتم الى المقابر وانظر الى قوله حتى زرتم المقابر فالمقابر ليست دار اقامة انما هي دار زيارة سرعان ما ينتقل منها الناس الى الدار الاخرة. التي يوفون فيها اعمالهم حتى زرتم المقابر ثم ذكر ما يؤول اليه الناس من ابصار ما يبصرونه من العذاب والنعيم كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون وصلى الله وسلم على نبينا محمد