بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد فقال ابن قيم رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد قاعدة طالب الله والدار الاخرة لا يستقيم له سيره وطلبه الا بحبسين حبس قلبه في طلبه ومطلوبه وحبسه عن الالتفات الى غيره وحبس لسانه عما لا يفيد وحبسه على ذكر الله وما يزيد في ايمانه ومعرفته وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات وحبسها على الواجبات والمندوبات فلا يفارق الحبس حتى يلقى ربه فيخلصه من السجن فيخلصه فيخلصه من السجن الى اوسع فضاء واطيبه ومتى لم يصبر على هذين الحبسين وفر منهما الى فضاء الشهوات اعقبه ذلك الحبس الفظيع عند خروجه من الدنيا فكل خارج من الدنيا اما متخلص من الحبس واما ذاهب الى الحبس وبالله التوفيق الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد يقول المؤلف رحمه الله في هذا الفصل طالب الله والدار الاخرة يعني الساعي في ما يقربه الى الله والدار الاخرة لا يستقيم له سيره اي لا يصلح له ما يطلبه ولا يبلغ الغاية التي ينشدها الا بحبسين الحبس الاول حبس قلبه في طلبه ومطلوبه الاول حبس قلبه في طلبه والثاني حبس قلبه في مطلوبه ويمكن ان يقال الحبسان هما لان المؤلف ذكر جملة من الحبس وليس حبسا واحدا يمكن ان يقال ان الحبس عائد الى امرين الاول حبس قلبه في طلبه ومطلوبه والثاني حبسه عن الالتفات الى غيره وهذا لعله اقرب في تعيين ما ذكره المؤلف رحمه الله من الحبسين لان الاول به تمتثل الاوامر والثاني به تجتنب النواهي فحبس قلبه على طلبه ومطلوبه يعني على ما يطلبه وعلى المطلوب منه لبلوغ ذلك وحبسه عن الالتفات الى غيره يعني بالخروج عن الطلب وعن المطلوب الطلب هو رضا الله جل وعلا والمطلوب وما طلب منه لتحقيق ذلك الطلب هو عبادة الله والاخلاص له. والمطلوب وما يتحقق به ذلك واما الالتفات فهو كل خروج عن هذا ثم فصل ذلك بما ذكر رحمه الله من من التفصيل حيث قال وحبس لسانه عما لا يفيده وحبس وحبسه على ذكر الله عز وجل وما يزيده من ايمان في ايمانه ومعرفته وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات وحبسها على الواجبات والمندوبات فلا يفارق الحبس الى اخر ما ذكر فتبين من مما ذكر المؤلف رحمه الله ان الحبس دائر على امرين على فعل ما امر الله تعالى به وترك ما نهى عنه جل وعلا وتسمية هذا بالحبس هو تصوير ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الدنيا فقد جاء في صحيح الامام مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر الدنيا سجن المؤمن والسجن هو الحبس وجنة الكافر وهذه الجملة المختصرة الموجزة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في توصيف الدنيا هي ملخص ما ذكره وبينه المؤلف رحمه الله في هذا في هذه القاعدة فان الدنيا حبس وسجن يحبس الانسان فيها نفسه عما يغضب ربه ويحبس نفسه على ما يحب ربه ربه. فهو حبس بفعل ما امر الله عز وجل وحبس بترك ما نهى الله تعالى عنه ثم خروج الانسان من هذه الدنيا اما الى جنة واما الى نار فاذا كان قد حبس نفسه على طاعة الله عن معصية الله خرج الى جنة عرضها السماوات والارض واذا اطلق لشهواته وملذاته في الدنيا العنان واستوى وتزود وتزود فيها من معاصي الرحمن كان ذلك بابا له الى النار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حفت الجنة بالمكاره وحفت وحفت النار بالشهوات فهذا هذي القاعدة خلاصتها هذا الحديث الشريف حديث ابي هريرة في صحيح الامام مسلم قال صلى الله عليه وسلم دنيا سجن المؤمن وجنة الكافر نسأل الله ان يجعلنا ممن يشتغل بما امر بها وينتهي عما نهى نهي عنه وان يستعملنا فيما يحب ويرضى نعم قال رحمه الله فصل ودعى ابن عون رجلا فقال عليك بتقوى الله فان المتقي ليست عليه وحشة وقال زيد ابن اسلم كان يقال من اتقى الله احبه الناس وان كرهوا وقال الثوري لابن ابي ذئب ان اتقيت الله كفاك الناس وان اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئا وقال سليمان ابن داود اوتينا مما اوتي الناس ومما لم يؤتوا وعلمنا مما علم الناس ومما لم يعلموا فلم نجد شيئا افضل من تقوى الله في السر والعلانية والعدل في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى وفي الزهد للامام احمد اثر الهي ما من مخلوق اعتصم بمخلوق دوني الا قطعت اسباب السماوات والارض دونه فان سألني لم لم اعطه وان دعاني لم اجبه وان استغفرني لم اغفر له وما من مخلوق اعتصم بي دون خلقي الا الا ضمنت السماوات والارض رزقا فان سألني اعطيته وان دعاني اجبته. وان استغفرني غفرت له هذه الكلمات المباركات التي ذكرها رحمه الله في بيان عظيم فضل التقوى وكبير اثرها مطابقة للواقع دل عليها الكتاب والسنة. اما قول ابن عون لمن ودع عليك بتقوى الله. فان المتقي ليست عليه وحشة فدليل قول الله جل وعلا ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا وقوله جل وعلا ان للمتقين مفازا وقوله تعالى وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون وغير ذلك من الايات كثير التي تدل على انتفاء الوحشة عن المتقي بسعادته وفوزه وبهجته وانشراحه. قال الله تعالى والذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب واما قول زيد ابن اسلم كان كان يقال من اتقى الله احبه الناس وان كرهوا فدليل قول الله تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ود قوله سيجعل لهم الرحمن اي سيظع الله تعالى لهم في قلوب الخلق ودا لا يعرفون سببه ولا يدركون باعثه ولكنهم يجدونه في نفوسهم وهذا من فضل الله تعالى على عباده وبه يتحقق لاوليائه ما يؤملون من طيب الذكر والسلامة من الخلق وقول الثوري لابن ابي ذئب ان اتقيت الله كفاك الناس قول دليل قول الله عز وجل ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وقوله تعالى يا ايها النبي حسبك الله اي كافيك الله ومن اتبعك من المؤمنين. اي وكافي من اتبعك من المؤمنين والمؤمنون هم المتقون نسأل الله ان يجعلني واياكم منهم وقول سليمان بن داود عليه السلام اوتينا مما اوتي الناس ومما لم يؤتوا فقد اتاه الله ملكا لا ينبغي لاحد من بعده فذكر في اعظم ما وجد قال فلم نجد شيئا افضل من تقوى الله في السر والعلانية والعدل في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى. اذ ان هذه الخصال تجمع سعادة الانسان واما قول قوله رحمه الله في الزهد للامام احمد اثر الهي ما من مخلوق ما من مخلوق اعتصم بمخلوق دوني اي التجأ الى مخلوق وتوكل عليه وانزل به حاجته الا قطعت اسباب السماوات والارض دونه فان سألني لم اعطه وان دعاني لم اجبه وان استغفرني لم اغفر له وهذا اثر لا يصح وانما ذكره المؤلف رحمه الله استئناسا والا فانه لا يقوم له اسناد صحيح لكنه من حيث المعنى يدل له قوله صلى الله عليه وسلم من تعلق شيئا وكل له وهذا في مستند الامام احمد باسناد فيه مقال لكنه اقوى وامثل من هذا وهو مصدق لمعنى هذا الحديث من تعلق شيئا وكل اليه فهذا لما تعلق قلبه بمخلوق قطعت عنه الاسباب ووكل الى ما علق قلبه به. وما من مخلوق اعتصم بي دون قلقي الا الا ضمنت السماوات والارض رزقه والمقصود ضمنت اي فتح الله له من ابواب الرزق في السماء والارض ما تحصل له به الكفاية. كما قال تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. فان فان سألني اعطيته وان دعاني اجبته وان استغفرني غفرت له اسأل الله من فضله. نعم قال رحمه الله فائدة جليلة جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق لان تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه فتقوى الله توجب له محبة الله وحسن فتقوى الله توجب له محبة الله وحسن الخلق يدعو الناس الى محبته قال فائدة جليلة وهذا مضمون ما اوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابي ذر وحديث معاذ في السنن قال صلى الله عليه وسلم اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وهذا فيما يتصل بصلة العبد بربه جل في علاه وانها قائمة على التقوى وعلى ومن التقوى التوبة عند الخطأ اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها واما ما يتعلق بالشق الثاني مما ذكر رحمه الله في قوله وحسن الخلق فذلك في بقية الوصية حيث قال صلى الله عليه وسلم وخالق الناس بخلق حسن فبقدر ما يحقق الانسان من هاتين الخصلتين تقوى الله حيثما كان و آآ الخلق الحسن في معاملة الناس يكون متسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد جمع الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ذلك كما قال تعالى وانك لعلى خلق عظيم نعم قال رحمه الله فائدة جليلة بين العبد وبين الله والجنة قنطرة تقطع بخطوتين خطوة عن نفسه وخطوة عن الخلق فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبين الناس ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبين الله فلا يلتفت الا الى من دله على الله وعلى الطريق الموصلة اليه قوله رحمه الله بين العبد وبين الله والجنة قنطرة يعني جسر القنطرة هي الجسر الموصل تقطع بخطوتين ان يبلغوا ما يؤمله من رضا الله والفوز بالجنة بخطوتين الخطوة الاولى خطوة عن نفسه وذلك بالخروج عن هواها وملذاتها وما تشتهي وخطوة عن الخلق بان لا يجعلهم بينهم بان لا يجعلهم بينه وبين ربه قال رحمه الله فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبين الناس وذلك بمجافاة هواها ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبين الله فلا يلتفت الا الى من دله على الله وعلى الطريق الموصل اليه وذلك التجرد عن الهوى واتباع الهدى وعدم ترك ذلك لقالة الناس او ذمهم نعم صاحب الصحابة واعظ اقترب للناس حسابهم فجزع فجزعت فجزعت للخوف قلوبهم فجرت من الحذر العيون فسالت اودية بقدرها تزينت الدنيا لعلي رضي الله عنه فقال انت طالق ثلاثا لا رجعة لي فيك وكان التكفيه واحدة للسنة لكنه جمع الثلاث لئلا يتصور للهوى جواز المراجعة ودينه الصحيح وطبعه السليم يأنفان من المحلل كيف وهو احد رواة حديث لعن الله المحلل طيب قوله رحمه الله صاحب للصحابة واعظ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون فجزعت للخوف قلوبهم واقتراب الحساب هو دنو يوم القيامة فان الحساب يكون يوم البعث والنشور وقد اخبر الله تعالى في محكم كتابه بقرب القيامة في مواضع عديدة اقترب للناس حسابهم وهم في وهم في غفلة معرضون وقال تعالى وما يدريك لعل الساعة قريب وفي الاية الاخرى قال وندرك العساء وما وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا فالايات الدالة على قرب الساعة كثيرة وهذا يوقظ الانسان من الغفلة يوقظ الانسان من الغفلة وما اقرب سعة الانسان هذا فيه فيما يتعلق بالساعة العامة وهي القيامة اما ساعة كل واحد منا فهي اقرب اليه من حبل الوريد ان يخرج النفس ولا يعود فان ساعة احدنا بمفارقته الحياة ولهذا ينبغي ان يكون للانسان من نفسه واعظ بما يشاهده فان الرحيل عن هذه الدنيا لا لا يدرى متى هو وما اقربه والموت يتخطف الناس عن الايمان والشمائل فالمعتبر هو من يبصر ذلك ويستعد للرحيل قال تزينت الدنيا لعلي الى اخر ما ذكر رحمه الله في ما يتصل بي مجافاة الدنيا وعدم التعلق بها نعم قال ما في هذه الدار ما في هذه الدار موضع خلوة. فاتخذه في نفسك وقال لابد ان تجذبك الجواذب فاعرفها وكن منها على حذر ولا تضرك الشواغل اذا خلوت منها وانت فيها وقال نور الحق اضوء من الشمس فيحق ما في هذه الدار موضع خلوة فاتخذه في نفسك وهذا تنبيه مهم ان خلو الانسان عن الدنيا لا يتعلق بمكان او موضع فكل مكان ينزله الانسان يجد فيه من الشواغل ما يصرفه عن الحق اذا اشتغل به وقد تتفاوت هذه من موضع الى موضع لكن ما من موضع ينزله الانسان الا ويجد فيه شاغلا وانما الخلوة في ان يخلو الانسان بقلبه او في ان يخلو قلب الانسان من التعلق بالدنيا. ولذلك قال ما في هذه الدار موضع خلوة فاتخذه في نفسك اي اتخذه ان تجافي نفسك الدنيا وان لا تتعلق بجواذبها وشواغلها لابد ان تجذبك الجواذب حيثما نزلت وحيثما داود فاعرفها اي فكن على بصيرة بها وكن منها على حذر. ولا تضرك الشواغل اذا خلوت منها وانت فيها قدم مصداق ما ذكرنا فانه ما من انسان يكون في مكان الا ويجد فيه شاغلا لكن الرابح هو من خلى قلبه من تلك الشواغل وان كان فيها الدنيا مهما كانت في يد الانسان اذا لم اذا لم يتعلق بها قلبه كان منها خاليا ولذلك قيل ان الزهد ليس في خلو اليد من الدنيا انما الزهد في خلو القلب منها فكم من انسان ليس في يده شيء من امور الدنيا لكن الدنيا سكنت قلبه وكم من انسان جمع الله وساق له من الدنيا ما ساق كسليمان عليه السلام اتاه الله من الملك ما لم يؤت احدا من الخلق لكن خلا قلبه منها وكانت في يده فلم تصده عن ذكر الله وعباداته بل لما ورد ما يشغله من امر الدنيا في شأن عرض الخير عليه انصرف عنها بالاقبال على ربه وقال ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق نقف على هذا والله تعالى اعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد. تفسير بعد الصلاة ان شاء الله