الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد. يقول المصنف رحمه الله ويعفى في غير مائع وفي غير مطعوم عن يسير دم نجس ولو حيظا او نفاسا او استحاظة. وعن يسير قيح وصديد من حيوان قاهر لا نجس. هذا شروع في بيان ما يعفى عنه من يسير النجاسات. والذي قرره المؤلف رحمه الله ان العفو عن يسير النجاسات ليس عاما لانه ذكره مقيدا بنوعين من النجاسات فهو ليس عاما لكل النجاسات. وبالنظر الى ما ذكره سيتبين لنا ان العلة الجامعة فيما يعفى عنه من يسير النجاسات هو مشقة التحرز. وهذا احد اقوال اهل العلم فيما يتعلق العفو عن يسير النجاسات. انه يعفى عن بعضها وهي ما يشق التحرز منه. والحنابلة نصوا على نوعين سيأتي ذكرهما في كلام المؤلف. وذهب الحنفية الى انه يعفى عن يسير جميع النجاسات وهو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله من الحنابلة. واستدلوا لذلك بان الشريعة عفت عن يسير النجاسة في اثر الخارج من السبيل من بول وغائط فيما اذا استعملت الجمار في التطهير فدل ذلك على لانه يعفى عن يسير النجاسات دفعا للمشقة. فكذلك يسير سائر النجاسات. فالحقوا جميع النجاسات بهذا النوع من النجاسة التي اعفت الشريعة عن يسيرها وذهب جماعة من اهل العلم الى انه لا يعفى عن شيء من يسير النجاسات بالكلية ما المؤلف هنا قال واعفى في غير مائع وفي غير مطعوم الى اخره هو ذكر لاول انواع النجاسات التي يعفى عن يسيرها فقوله في غير ماع وفي غير مطعوم هذا هو النوع الاول من النجاسات التي يعفى عن يسيرها. وهو الدم النجس من حيوان طاهر في الحياة ليس من قبل ولا دبر اذا وقع في جامد غير مطعون هذا هو النوع الاول من النجاسات التي يعفى عن يسيره على المذهب. يعفى عن يسير دم نجس في غير مائع وفي غير مطعوم يعني جامد غير مأكول لكن لابد من قيد سيأتي في كلام مؤلف من حيوان طاهر في الحياة من غير وبل ولا دبر. يعني ان تكون النجاسة ليست من قبل ولا وقوله رحمه الله يعفى في غير مائع العفو هو الترك والتجاوز والصفح. فقوله يعفى في غير مائع ان يتجاوز اوز في غير المائح وفي غير المطعوم عن يسيل دم النجس. وعن احمد رواية انه لا فرق في العفو عن يسير دم بين مائع ومطعوم وغيرهما فيعفى عن يسير جميع النجاسات مطلقا في الاطعمة والمائعات ات وغيرهما فيعفى عن يسير جميع النجاسات مطلقا في الاطعمة وفي غير الاطعمة يعني لا يقيد العفو بالجامد غير المطعون بل في المائعات في المطعومات وهذا القول اقرب الى الصواب. فلا فرق في العفو عن يسير دم نجس بين ماء وغير ماء عن يسير دم النجس في جميع الاطعمة والمائعات. وقوله رحمه الله عن يسيل دم النجس يفهم من تقييد الدم بالنجس ان ان الدم ينقسم الى قسمين نجس وغير نجس. وسيأتي بيانه في كلام المؤلف. التصريح به في كلام المؤلف. لكن ما هو الدم النجس بما انه ذكر هنا في قوله عن يسير دم النجس ما ضابط الدم النجس؟ قال عن يسير دم نجس من حيوان طاهر في الحياة. فالدم من الحيوان الطاهر في الحياة هو ما كان مسفوحا وما الحق به من الدماء الخارجة في في حياة الحيوان الطاهر فالدم النجس من الحيوان الطاهر هو الدم المسفوح. ويلحق به الدم الخارج من الحيوان حال حياته قال الله تعالى قل لاجد فيما اوحي الي محرما على طاعمي اطعمه الا ان يكون ميتة او دم مسفوحا او لحم خنزير فانه رجس. والدم المسفوح والدم الخارج من الحيوان عند الذكاة والخارج منه حال الحياة ومنه دم الانسان واذا قال ولو حيظا او نفاسا او استحاضة فدم الانسان نجس على المذهب وهو قول جماهير العلماء. قال ولو حيضا او نفاسا او سحابا اي ولو كان الدم اليسير دم حيض او دم نفاس او دم استحاضة. وموجب العفو عن هذه الدماء. ما روت عائشة قالت كان يكون الدرع فيه تحييض وفيه تصيبها الجنابة. ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها. وفي لفظ قالت رضي الله تعالى عنها عنها بلته بريقها ثم قصعته بظفرها. وجه الدلالة في الحديث انها ذكرت اقتصارهم في ازالة ما يرونه من قطرة الدم دم حيض ونحوه على قصعه بالريق ومعلوم ان الريق لا يطهر وظهر قولها رضي الله تعالى عنها انه اخبار عن دوام الفعل اي ان ذلك مما يديمون فعله ودل ذلك على انه يعفى عن يسير دم نجس ولو حيضا او نفاسا او استحاضة. ولقائل ان يقول النص الذي ورد عن عائشة في الحيض يقال النفاس ملحق بالحيض والاستحاضة اخف من الحيض. فتلحق به. وقوله رحمه الله وعن يسير قيح وصديد الحق المصنف في القيح والصديد بالدم في العفو عن يسير قيح وصديد نجسين. وذلك ان القيح والصديد متولدان من الدم فيأخذان حكمه فيعفى عن يسير القيح والصديد النجس كما يعفى عن يسير الدم النجس. فهو موافق له في الحكم فيعفى عن يسيره في غير مائع وفي غير مطعون. والخلاف الذي سبق في قصر العفو على غير المائع وغير المطعوم جار على القيح والصديد النجس. وقول المصنف رحمه الله من حيوان طاهر لا نجس هذا قيد الدم النجس الذي يعفى عنه وهو ما كان من حيوان طاهر وسيأتي في كلام المؤلف رحمه الله ذكر ضابط الحيوان الطاهر في نهاية الباب عند ذكره للاعيان الطاهرة والاعيان النجسة. وقوله رحمه الله لا نجس هذا تأكيد لقوله من حيوانا طاهر فيأخذ بذلك يسيل الدم من حيوان نجس فعن يسير دم من حيوان نجس كالكلب والخنزير ونحوهما من الحيوانات النجسة غير الطاهرة. وقد ذكر في الفروع احتمالا بالعفو عن يسير دم النجس من الحيوان النجس كغيره. وذلك انه لا فرق بينهما ها في ثبوت وصف نجاسة الدم. والشريعة لا تفرق بين متماثلين. وهذا القول له حظ من النظر ان العفو عن يسير ان نجس سواء من حيوان طاهر او من حيوان غير طاهر. لان الوصفة المشترك بينهما هو النجاسة وقوله ولا ان كان لقبل او دبر هذا هو القيد الثالث فيما يعفى عنه من يسير الدم النجس وهو الا يكون الدم النجس من حيوان طاهر خارجا من سبيل من قبل او دبر. والدليل العموم في الادلة التي فيها طلب استنزاه من البول والغائط فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الدارقطني وغيره من حديث ابي هريرة اكثروا عذاب القبر في البول وهو شامل لكل بول وفي الصحيح من حديث ابن عباس في قصة صاحب القبرين الذين مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرهما وقال انهما ليعذبان ويعذبان في كبير فقال انهما ليعذبان ويعذبان في كبير اما حدبا فكان لا يستنزه من البول. فدل ذلك على ان ما يكون من القبل او الدبر لا يعفى عن يسيره بالمطلق. وهنا محل اشكال لان الذين قالوا يعفى عن اليسير من دم النجس ما استدلوا به المشقة وذكر بعضهم الدليل على ذلك بانه يعفى عن اثر الخارج من السبيلين فيما لا يزول الا بالماء وخرجوا من هذا الايراد بان قيد العفو عن يسير النجاسة في اثر الخارج من السبيلين مقيد بما اذا كان لم يتعدى المحل. قوله رحمه الله واليسير ما لا يفحش في نفس كل احد بحسبه هذا بيان لظابط اليسير وان المرجع فيه الى ما يعظم في نفس كل احد بحسبه. وهذا مما يختلف فيه الناس اختلافا كثيرا. حسب الاعمال وحسب ملابسة النجاسة من عدمها. والذي يظهر والله تعالى اعلم ان العبرة في هذا بحال اوساط الناس. فاليسير يرجع في الى ما لا يفحش في نفسه اوساط الناس. وليس كلا بحسبه. لان هذا مما يختلف اختلافا كثيرا. قوله رحمه الله وضمه متفرق بثوب لا اكثر. هذا مزيد بيان لظابط اليسير. وان المعتبر في اليسير من الدم الذي يعفى عنه اذا كان في الثوب النظر الى مجموع ما في الثوب وليس الى افراده واجزاءه المتفرقة فيضم المتفرق في الثوب وينظر اهو يسير او لا؟ لا المتفرق في الثياب هذا هو النوع الاول مما يعفى عنه من النجاسات. قوله رحمه الله ودم السمك وما لا نفس له سائلة كالبق والقمل ودم الشهيد عليه وما يبقى في اللحم وعروقه ولو ظهرت وهو طاهر لما ذكر المؤلف رحمه الله الدم النجس احتاج الى بيان الدم الطاهر فبين الدم الطاهر بذكره وتعيينه لهذا يتبين ما لا يدخل في الدم النجس. الذي يعفى عن يسيره. وقد ذكر المؤلف اربعة انواع من الدماء كلها طاهر. وقوله رحمه الله ودم هذا اول انواع الدم الطاهر الذي ذكره المؤلف وهو دم السمك على اختلاف انواعه فانه طاهر لما روى ابن عمر رضي الله قال قال النبي صلى الله عليه وسلم احلت لنا ميتتان ودمان فاما الميتتان فالحوت والجراد واما الدمان فالكبد والطحال. رواه احمد وقوله رحمه الله وما لا نفس له سائلة كالبق والقمل هذا ثاني انواع الدم الطاهر الذي ذكره المؤلف وهو ما لا نفس له سائلة فانه طاهر. وسيأتي مزيد بيان هذا الصنف في كلام المؤلف رحمه الله قال رحمه الله وما لا نفس له سائلا كالبق والقمل واصلا ما لا نفس له سائلة اي ليس له دم يسيل ولقائل يقول لماذا عده هنا؟ ومعلوم ان البق والقمل لا نفس له سائلة يعني ليس له دم سائل. فالجواب ان الدم في حيوان على نوعين ما له نفس سائلة وما لا نفس له سائلة ولا يعني هذا ان ما لا نفس له سائلة ليس له دم انما المنفذ هو الدم وليس وجوده. فالدم موجود لكنه لا يسيل عند ذبحه. ولهذا لا يستغرب احد في ما ذكره المؤلف هنا حيث قال وما لا نفس له سائلة ومعلوم ان ما لا نفس له سائلة يعني ما لا دم له سائل كما سيأتيه. فالمنفي هو السيلان لا اصل وجود الدم كالبق والقمل. قال ودم الشهيد عليه. هذا ثالث ما ذكره المؤلف رحمه الله من انواع الدماء الطاهرة وهو دم الشهيد الذي عليه. فخرج بذلك الدم الذي سال منه. فالدم الذي عليه طاهر واما ما سال منه فانه ليس والعلة في استثناء دم الشهيد ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم امر بشهداء احد ان يدفنوا في ثيابهم ولو كانت نجسة لما ابقاها عليهم وهذا التخصيص بالشاهد في كلام المؤلف على النحو الذي ذكر مبني على ان دم الادمي نجس. وقد حكى الاجماع على ذلك الا ان الصحيح ان المسألة محل خلاف فالاجماع ليس منضبطا فظاهرا مأثور عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم عدم نجاسة الدم اضافة الى انه ليس ثمة دليل بين في نجاسة الدم. ولو كان دم الادمي نجسا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لشدة الحاجة الى بيانه لعموم البلوى بذلك. فانه لا يزال الناس تصيبهم جراحات تخرج من هذه دماء ولم يؤمروا بالتحرز منها وتوقيها وغسل ما اصابهم منها. فالصواب الندم الادمي طاهر. قوله رحمه الله وما في اللحم وعروقه ولو ظهرت حمرته طاهر هذا رابع انواع الدم الطاهر الذي ذكره المؤلف وهو ما يبقى في اللحم والعروق فانه طاهر. وقوله ولو ظهرت حمرته اي ولو تبين اثناء طبخه او نقله او ملابسته فانه لا يظر. وذلك ان الله تعالى انما حكم بنجاسة الدم المسفوح وهو ما خرج من البهيمة حال الحياة او عند ذبحها ما خرج من الحيوان حال الحياة او حين ذبحه. وما كان من الدماء في العروق واللحم ليس مسبوحا. فلا يصدق عليهما ذكر الله تعالى في شأن الدم المسفوح من انه ريس كما في قوله قل لا اجد فيما اوحي الي محرما على طعام مما يطعمه الا ان يكون ميتة مسفوحا او لحم خنزير فانه رجس. وقد اجمع اهل العلم على طهارته على طهارة ما يبقى في اللحم وعروقه. وقد جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها انها قالت كنت اطبخ اللحم فتعلوا الصفرة على البرمة اي القدر من الدم فيأكل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينكره. اذا تم الان اربعة انواع من الدماء كلها طاهر وموجب ذكر هذه الانواع هو تمييزها عن الدم النجس الذي ذكر المؤلف انه يعفى عن يسيره في ماع ولا مطعوم ثم انتقل المؤلف رحمه الله الى ذكر ثاني ما يعفى عنه من يسير النجاسات فقال ويعفى عن اثر مارم بمحله بعد الانقاء واستيفاء العدد. مما يتجاوز عنه من يسير النجاسات اثر الاستجمار بمحله هذا الانقاء واستيفاء العدد فذكر في العفو عن اثر النجاسة في محل الخارج من السبيلين ثلاثة قيود الاول ان يكون اثر الاستجمار في محله اي في موضع الخارج. في القبل او الدبر فلو تعدى الى غير موضع الخارج فانه لا يعفى عنه هذا القيد الاول القيد الثاني بعد الانقاء ان يكون اثر استجمار الذي يعفى عنه بعد الانقاء اي بعد بذل في انقاء الموضع وازالة النجاسة عنه وذلك بالظابط الذي ذكره في الاستنجاء وهو الا يبقى من اثر النجاسة في المحل بعد الاستجمار الا ما لا تزول الا بالماء وهو الا يبقى من اثر النجاسة في المحل بعد الاستجمار ما لا يزيله الا الماء ما لا يزيله الا الماء الثالث استكمال العدد الواجب في الاستجمام وهو ان يمسح ثلاث مساحات بثلاثة احجار في هذه الحال ما بقي من اثر النجاسة التي لا يزيلها الا الماء في موضعه مما يعفى عنه. فاذا توافرت هذه القيود فانما بقي من اثر النجاسة التي لا يزيلها الا الماء في موضعه يعفى عنه. والدليل على ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم اذن بالاستجمار باستعمال الجمار في ازالة اثر الخارج من السبيلين ومعلوم يقينا ان استعمال الجمار لا يزيل النجاسة بالكلية. بل لابد ان يبقى اثر يسير لا يزول الا بالماء. وقد عفا عنه الشارع ولم يعتبره شيئا. فدل على العفو عن يسير النجاسة لهذا يكون قد انتهى ما يتعلق بالعفو عن قوله رحمه الله ولا يجلس الادمي بالموت لحديث المؤمن لا ينجس متفق عليه. لما كان الموت موجبا لنجاسة ما يحله من الاحياء ذكر المؤلف رحمه الله ما يستثنى من ذلك مما لا ينجس من الاحياء بالموت. فذكر جنسين من الاحياء لا ينجسان بالموت اذا حل فيهما. الاول اشار اليه بقوله ولا ينجس الادمي بالموت. ومناسبة ذكر هذا هنا انه لما ذكر ما يعفى عنه من يسير النجاسات وهو استثناء من الاصل في جزء وهو الدم. ذكر ما يستثنى من التنجس بالموت في الاعيان. فقال رحمه الله ولا ينجس الادمي بالموت لحديث المؤمن لا ينجس. متفق عليه هذا اول ما ذكره المؤلف مما لا ينجس بالموت وهو الادمي. فالادمي مسلما ام كافرا لا ينجس اذا حله الموت. فاما المسلم فدليل ما في الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه وذكره المؤلف ان النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن لا ينجس. وجه الدلالة في الحديث العموم فانها عمومه يقتضي طهارة المسلم حيا وميتا. واما الكافر فانه كذلك لا ينجس. وذلك ان ان طهارة البدن وصف للادمي وقول النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن لا ينجس خرج مخرج الغالب وما خرج مخرج الغالب طالب ليس له مفهوم مخالفة. وبالتالي الكافر ظاهر البدن كالمسلم حيا وميتا. حتى يقوم الدليل على نجاسته وقيل بل ينجس الكافر بالموت وهو احتمال ذكره ابن قدامة في المغني. والصواب ما ذكره المؤلف رحمه الله وهو المذهب انه لا يجلس الادمي بالموت مسلما كان او كافرا. وقوله وما لا نفس له وما لا نفس اي دم له سائل كالبق والعقرب وهو متولد من طاهر لا ينجس بالموت بريا كان او بحريا فلا ينجس الماء اليسير موتهما فيه. هذا ثاني ما ذكره المؤلف مما لا ينجس بالموت وهو ما لا نفس له سائلة. المتولد من طاهر سواء كان بريا يعيش في البر ام بحريا يعيش في البحر والمراد بالنفس هنا الدم كما ذكر المؤلف حيث قال وما لا نفس اي دما له سائل. فالعرب تسمي قدم نفسا ومنه سميت المرأة الوالد نفساء لجريان دمها والحيوان من حيث جريان الدم عند ذبحه هي نوعان النوع الاول الحيوان الذي له نفس سائلة وهو الذي اذا ذبح سال دمه عن موضعه كالدجاج والحمام وبهيمة الانعام فهذا لا خلاف في انه ينجس بالموت للاية التي تقدم ذكرها في قوله قل لاجد فيما اوحي الي محرما على طعم يطعمه الا ان يكون ميتة فهي شاملة لكل من مات حتف انفه. والنوع الثاني الحيوان الذي لا له سائلة وهو الذي اذا ذبح لم يصل دمه عن موضعه كالبق والعقرب والذباب ونحوها فهذا لا ينجس بالموت كما ذكر المؤلف رحمه الله والدليل على هذا ما جاء في الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا وقع الذباب في اناء احد فليغمس فان في احد جناحيه داء وفي الاخر دواء. فلما امر النبي صلى الله عليه وسلم بغمس الذباب فيما اذا وقع في الاناء مع علمه بانه يموت بالغمس غالبا دل ذلك على انه ليس بنجس. اذ لو كان نجسا لم يأمر بغمسه لانه ينجس ما في ويفسده والذباب ليس له نفس سائلة فالحق به كل ما ليس له نفس سائلة. واما قوله رحمه الله وهو متولد من طاهر هذا قيد خرج به ما كان متولدا من النجاسات. اذا هذا قيد به ما كان متولدا من النجاسات مما لا نفس له سائلة. فما لا نفس له سائلة اما ان يكون متولدا من طاهر واما ان يكون متولدا من نجس فما كان متولدا من نجس فانه نجس مثل صراصير الكنف فهذه نجسة حية وميتة لان انها متولدة من النجاسة فكانت نجسة. وقوله رحمه الله فلا ينجس الماء اليسير بموتهما فيه اي انما النفس له سائلة المتولد من طاهر لا ينجس الماء اليسير او لا ينجس الماء اليسير اذا وقع فيه. وهذا قول عامة اهل العلم حتى حكي الاجماع عليه لكن الصواب انه ليس فيه اجماع بل هو من مسائل الخلاف والدليل على انه لا ينجس الماء اليسير اذا وقع فيه. عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم اذا وقع الذباب في اناء احدكم فليغمس فانه يشمل كل شراب بارد او حار او دهن مما يموت بغمسه فيه. فلو كان ينجس الماء كان الامر بالغمس امرا بافساده ونص المؤلف على المأدون غيره من سائر المائعات لان الماء مادة الطهارة في الاحداث وازالة الاخباث ولان ما سواه ملحق به فما لا ينجس المال لا ينجس غيره. وقوله رحمه الله وبول ما يؤكل لحمه ومنيه وروثه طاهر لانه صلى الله عليه وسلم امر العرينيين ان يلحقوا بابل الصدقة فيشربوا من ابوالها والبانها. قال المؤلف النجس لا يباح شربه ولو ابيحا للضرورة لامرهم بغسل اثره اذا ارادوا الصلاة. هذا شروع في بيان الاعيان الطاهرة الان انتهى المؤلف رحمه الله من الاعيان النجسة وبدأ بذكر الاعيان الطاهرة فقال رحمه الله وبول ما يؤكل لحمه الى اخره طاهر. فاول ما ذكر المؤلف من الاعيان الطاهرة بول ما يؤكل لحمه من الحيوان وروثه ومنيه فبول ما يؤكل لحمه كالابل والبقر والغنم وغيرها من الحيوان الطاهر. واستدل له المؤلف بما في الصحيحين من ان ان النبي صلى الله عليه وسلم امر العمرانيين ان يشربوا من ابوال الابل. ووجه الدلالة بينه المؤلف رحمه الله فقال النجس لا يباح شربه. هذا بيان لوجه الدلالة في الحديث. على طهارة ابوالابل بانه لو كانت اقوال الابل نجسة لما اذن لهم صلى الله عليه وسلم في شربها. لان النجس لا يباح شربه. اقدر المؤلف اعتراظ. او جواب على هذه المناقشة بانه انما ابيح للظرورة فقال ولو ابيح للظرورة لامرهم بغسل اثره اذا ارادوا الصلاة. فالمعترظون على الاستدلال بهذا الحديث وهم القائلون بنجاسة ابوالابل قالوا ان لا دلالة في قصة العرانيين على طهارة ابوالابل لكونها انما لضرورة التداوي وهو جائز بكل النجاسات سوى الخمر والمسكرات فاجاب بانه لو كانت انما ابيحت ابواب الابل للظرورة فقط لامرهم بغسل اثرها اذا ارادوا الصلاة. فلما لم يأمرهم دل ذلك على طهارتها. وان لزم تأخير انا الان وقت الحاجة ويجاب ايضا بجواب اخر وهو لم يذكره المؤلف رحمه الله بانه لا يجوز التداوي بمحرم لا في الخمر ولا غيره الخمر. فان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله لم يجعل شفاء امتي فيما حرم عليها. فقولهم انها اوبيحت للضرورة غير سائق ويرد عليه ما تقدم. من انه لو ابيحت الضرورة لامرهم بالغسل. وان الاصل في التداوي بالمحرم لا يحل لان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله لم يجعل شفاء امتي فيما حرم عليها. ومما يستدل به على طهارة اموال الابل ان النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت البعير فلولا ان بول البعير طاهر لما فعل ذلك خشية من تلويث البيت الحرام المطلوب فيه التطهير في قوله تعالى اوطهر بيتي للطائفين. ان كان هذا تنجيسا موضع طواف وليس تطهيرا له. هذا كله فيما يتعلق بالابل. وكذلك ورد في الغنم ما يدل على طهارة ابوالها وارواثها ففي الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم وانه قال صلوا في مرابض الغنم ومعلوم انها لا تخلو مرابض الغنم من ابوالها وارواثها. واما كون منيها طاهرا لانه ذكر البول والروث والمذي. فالدليل على طهارة مني ما يؤكل لحمه انه اذا حكم بطهارة ابوالها وارواثها في حكم بطهارة منية بطريق الاولى والخلاصة ان الادلة دلت على طهارة ابوالابل وارواثها وابوال الغنم وارواثها ويلحق بهما كل ما يؤكل لحمه من الحيوان. فيحكم بطهارة ابوالها واروافها. وبنيها. وقوله رحمه الله ومني الادمي طاهر هذا ثاني ما ذكره المؤلف رحمه الله من الاعيان الطاهرة وهو مني الادمي ذكرا او انثى. واستدل المؤلف رحمه الله بذلك بما في الصحيحين من حديث عائشة انها قالت كنت افرك منية من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذهب فيصلي فيه. ووجه الدلالة في الحديث ان عائشة رضي الله تعالى عنها اكتفت في ازالة المني من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم بالفرك. ومعلوم ان الفرك لا يذهب العين بالكلية. بل لا بد ان يبقى في وبما لا يزول بالفرك فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه مع اقتصار عائشة على الفرك دل ذلك على ان ما بقي في الثوب من البني طاهر واضح هذا؟ اذا فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الثوب مع اقتصار عائشة على الفرك في ازالة المنيد دل ذلك على طهارة ما بقي في الثوب من المني. وهذا يدل على طهارته. وعلى هذا يستحب فرك يابس المني في ثوب لتخفيفه وغسل رطبه لازالة ما يستقذق والدليل ما روى الدار قطني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قد كنت افرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا كان يابسا واغسله اذا كان رطبا. وعن الامام احمد رواية ان مني الادمي نجس يجزئ الفرك في يابسه والمسح في رطبه. والاظهر والله تعالى اعلم القول الاول. ما قرره المؤلف وهو المذهب قوله رحمه الله ورطوبة فرج المرأة وهو مسلك الذكر طاهرا. هذا ثالث ما ذكره المؤلف من الاعيان الطاهرة. وهو رطوبة فرج المرأة الذي هو الذكر فالرطوبة هي البلل الكائن في مسلك الذكر. وهي طاهرة والدليل ان عائشة قالت كنت افرك المنية من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم. والمني الذي في ثوبه صلى الله عليه وسلم حاصل من جماع وهو يلاقي رطوبة فرج المرأة فدل ذلك على طهارة رطوبة فرجها. اي فرج المرأة ولانه لو حكمنا بنجاسة فرج المرأة لحكمنا بنجاسة في منيها لانه يختلط برطوبة فرجها فلما كان مني المرأة طاهرا كانت رطوبة فرجها طاهرة. وعن الامام احمد رحمه الله رواية ان رطوبة فرج المرأة نجس والاول اصوب وهو المذهب. وقوله رحمه الله كالعرق والريق والمخاط والبلغم ولو ازداد وما سال من الفم وقت النوم. هذه جملة من الاعيان الطاهرة التي ذكرها المؤلف رحمه الله. فقوله كالعرق هنا ليس من باب القياس يعني ليس المقصود قياس رطوبة فرج المرأة بالعرق بل اثبات الحكم فكما ان رطوبة فرج المرأة طاهرة فكذلك العرق والريق والمخاط والبلغم ولو ازرق وما سال من الفم وقت النوم. كله طاهر فكل هذه الدوائر الخارجة من بدن الادمي طاهرة. العرق معروف وهو الماء الذي يرشح من البدن وهو طاهر بالاجماع والريق وهو ماء الفم والمخاط وهو ماء يسيل من الانف والبلغم وهو النخامة ونحوها. من البصاق الثخين المنعقد ولو تلون وما خرج من الفم حال النوم كل هذه السوائل طاهرة. وقد ورد ما يفيد طهارة السوائل المعتادة الخارجة من الفم ففي الصحيحين من حديث انس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ان المؤمن اذا كان في الصلاة فانه يناجي ربه فلا يرزقن بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن يساره او تحت قدمه. ثم اخذ طرف ثوبه فبزق فيه. ثم رد بعضه على بعض وقال او يفعل هكذا. فالبزاق يصدق على السوائل المعتادة الخارجة من الفم. فيشمل الريق البلغم. فلولا انه طاهر لما اذن النبي صلى الله عليه وسلم ان يبصق في المسجد عن يساره او تحت قدمه. ولانه لو البزاق غير طاهر ما بزق النبي صلى الله عليه وسلم في ثوبه. ولا امر بذلك. فدل هذا على طهارة ما ذكر المؤلف رحمه الله من السوائل المعتادة الخارجة من الفم. ولا فرقها في ذلك بينما خرج في حال اليقظة وما سأل في المنام. ويلحق بها ما خرج من الانف ومنه المخاط. والاصل وفي جميع ذلك الطهارة. قوله رحمه الله وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر غير مكروه غير دجاجة مخلاة هذا من جملة ما ذكره المؤلف من الاعيان الطاهرة. سؤر الهرة وما دونها في الخلقة كالفأرة وسائر الحشرات. والمراد بالسؤر ما بقي في الاناء بعد شربه او اكله. وقد عرفه المؤلف رحمه الله بقوله والسؤر بضم السين مهموزة هروا القط قوله وسؤر هرة اي سؤر القطة وهو ما افضل بعد اكل او شرب. والدليل ما جاء في حديث ابي قتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في الهرة انها ليست بنجس انها من الطوافين عليكم والطوافات. فدل الحديث بمنطوقه على طهارة الهرة. وبتعليله على طهارة ما دون الهرة في الخلقة. لكونها مما يطوف علينا ولا يمكن التحرز منه. فهذه الحيوانات من الهرة فما دونها طاهرة في سؤرها وعرقها وغيرهما ولا كراهة في استعمال ما شرب منه القط ولذلك قال سؤر الهرة وما دونها في الخلقة غير مكروه اي غير مكروه التطهر منه. فقوله غير مكروه اي لا كراهة في استعماله في الطهارة. لكون النبي صلى الله عليه وسلم نفى عنها النجاسة واخبر بانها من الطوافين الطوافات ولم يندب الى توقيه. وقوله غير دجاجة مخلاة ايستثنى من عدم كراهة سؤر ما دون الهرة في الخلقة الدجاجة المخلة اي المتروكة في الخلا. فيكره سؤرها احتياطا. لان الظاهر نجاست سعرها وليس لهذا الاستثناء دليل فالاصل الطهارة ولذلك الصواب انه لا يستثنى مما تقدم شيء. وقوله رحمه والله وان اكل هو اي القط او طفل ونحوهما من طير او بهيمة نجاسة ثم شرب من ماء ماء او غيره فان سؤره طاهر. ولو قبل ان يغيب اي ما اكله من النجاسة. لعموم الحديث انها ليست بنجس ولمشقة التحرز منه انها من الطوافين عليكم ولا يؤثر ذلك في تنجيس المائع من الماء ونحوه لعموم بل وبه وهو من الامر الذي يعسر الانفكاك منه. قوله رحمه الله ولو وقع ما ينضم دبره في ماء ثم خرج حيا لم يؤثر اي اذا سقط حيوان ينضم دبره فلا يخرج منه شيء سواء كان صغيرا ام كبيرا في ماء ثم خرج حيا فانه لا يؤثر في المائع الذي وقع فيه فلم ينجس لعدم وصول النجاسة اليه بانضمام دبره. وكذا لو وقع في جامد وخرج حيا وانما نص علماء على ان الماء تسري فيه النجاسة اسرع من الجامد. قوله رحمه الله في اخر الباب وسباع البهائم وسباع التي هي اكبر من الهر خلقة والحمار الاهلي والبغل منه اي من الحمار الاهلي لا الوحشي نجسة. ختم المؤلف باب ازالة النجاسة بذكر الاعيان النجسة واول ما ذكر سباع البهائم والتي هي اكبر من الهر. وهي كل حيوان عاد المفترس ظالم ممتنع هذا ضابط السباع. كل حيوان عاد مفترس ظار ممتنع كالاسد والنمر والفهد بس باعوا الطير فهي الجوارح التي هي اكبر من الهر التي تصلح للصيد كالصقر والبازي والشاهين وقد ذكر دليل النجاسة نجاسة سباع البهائم. ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوب من السبح فقال اذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء. ثم قال فمفهومه ان الماء ينجس بما ينوبه من السباع. اذا لم يبلغ قلتين. وفي رواية عن احمد رحمه الله ان سباع البهائم وسباع الطير طاهرة. لما روى البيهقي والدارقطني عن جابر قال قيل يا رسول الله ان اتوضأ بما افضل الحمر؟ قال نعم وبما افظلت السباع كلها. واجابوا عن حديث ابي قتادة بان جواب النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعين ان يكون من اجل ان ان اثار السباع واعيادها نجسة لما قال اذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء. يحتمل بل ذلك لما قد يطرأ على هذا الذي ترده السباع من ابوالها وارواثها ما ينجسه. فلا يتعين ان يكون ما فهم من الحديث بان ما بلغ قلتين الا ينجس وان ما دونه ينجس بسبب اسارها. وعلى غاية ما يمكن ان يقال ان هذا يحتمل او الدليل اذا ورده ما البطل به الاستدلال. اما ما استدل به على نجاسة الحمر الاهلية فاستدل لذلك بما في حديث انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في الاهلية يوم خيبر انها رجس قالوا ورجس هو النجس كما ذكر المؤلف وفي رواية عن الامام احمد ان الحمر الاهلية والبغال طاهرة اذلوا لذلك بان النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار والبغال والصحابة كانوا يقتنونها ويصحبونها في اسفارهم فلو كانت نجسة لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. ولانه مما يشق التحرز منه فاشبهت الهرة في الحكم بطهارتها. واما ما استدلوا به من قول النبي صلى الله عليه وسلم انها رجس قالوا معنى ذلك انها نجسة فيجاب عن الحديث بان المراد بقوله صلى الله عليه وسلم فانها رجس اي انها محرمة كما ذكر الله تعالى في الخمر والميسر والانصاب حيث قال رجس من عمل الشيطان. وليس المقصود نجاسة اعيانها. ويحتمل ان المراد بقوله صلى الله تلميز اي لحمها الذي طبخوه وكان في قدورهم فان ذبح ما لا يحل اكله لا يطهره. وليس المقصود الحمر الاهلي اياه حال حياتها وبهذا يكون قد انتهى ما ذكره المؤلف رحمه الله في هذا الباب نقف على هذا والله تعالى اعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد