يا رب العالمين واصلي واسلم على المبعوث رحمة للعالمين. نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد يقول المصنف رحمه الله ولا يشبه الانام وتكلمنا على هذه الجملة وقلت في شرحها ان مقصود المؤلف رحمه الله قوله ولا يشبه الانام اي لا يماثل الانام سبحانه وبحمده فعلى هذا تكون هذه الجملة اه تكرار مع قوله لا شيء مثله التأكيد للمعنى المتقدم وآآ المشابهة المنفية هنا هي بمعنى المثل واما المشابهة التي هي مطلق الاشتراك فان ذلك لا يمكن ان ينفى فان الله تعالى وصف نفسه بصفات ووصف خلقه بصفات فثبوت اصل الاشتراك في معنى الصفة هو نوع مشابهة وهذا الاشكال يرد على مثل هذه الجمل التي اه فيها اجمال كقوله ولا يشبه الانام لكنه لا يرد على مثل قوله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فانه لا يشكل على هذا نفي المثلية لان المثلية هي المطابقة ولذلك كان الاسلم نفي ما نفاه الله تعالى عن نفسه فانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلا فيه مماثلة اسلم واحكم وانما استعمل المصنف رحمه الله نفي المشابهة لتقرير معنى نفي المثلية المتقدم جريا على اصطلاح كثير من المتكلمين الذين يجعلون نفي المشابهة بمعنى نفي المماثلة فيكون هذا من استعمال الاصطلاح الجاري في اللسان والذي لا يقصد به المعنى المعنى اللفظي انما يقصد به المعنى الاصطلاحي وقوله رحمه الله حي لا يموت هذا شروع في ذكر ما وصف الله تعالى به نفسه على وجهه تفصيل فانه بعد ان ذكر جملة من صفاته على وجه الاجمال نفيا جاء ذكر ما وصف به نفسه على وجه التفصيل فقال رحمه الله حي لا يموت وبدأ المصنف رحمه الله بذكر هذا الاسم وهو الحي في اول ما ذكره من الصفات التفصيلية لله عز وجل التي تأتي على وجه الاثبات لان الحياة اصل كل صفة ولهذا قيل ان اسم الله تعالى الحي يستلزم جميع الصفات بل قيل لو اكتفي في اثبات الصفات بدليل اللزوم لاكتفي بانه الحي فانه يثبت به كل ما ذكره الله تعالى من صفاته باللزوم وقد دل على اثبات هذا الوصف لله عز وجل الكتاب والسنة والاجماع والعقل. قال الله تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت وفي صحيح الامام مسلم من حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت وبك خاصمت واليك حاكمت اللهم اني اعوذ بك بعزتك لا اله الا انت ان تضلني ثم يقول انت الحي الذي لا يموت والجن والانس يموتون فقوله صلى الله صلى الله عليه وسلم انت الحي الذي لا يموت دليل لما ذكره مصنف رحمه الله. هنا من اثبات صفة الحياة لله عز وجل وقوله رحمه الله لا يموت لاثبات كمال هذه الحياة وان الحياة لا يتطرق اليها نقص فنفي الموت عنه لانه مناقض للحياة وهذا النفي لاثبات كمال الحياة فان حياته لا يتطرق اليها نقص بوجه من الوجوه بل هي الحياة الكاملة التامة لها يعتريها عيب ولا يغشاها نقص فهي حياة دائمة باقية لا انتهاء لها ولا انقضاء وقوله رحمه الله حي لا يموت قريب مما تقدم في قوله اقديم بلا ابتداء واخر بلا انتهاء وهذا تقدم في كلام المصنف رحمه الله فان حياته ليس لها مبدأ ولا منتهى لها بل هي حياة كاملة ازلية ابدية بعد ان فرغ من ذكر هذا الاصل الذي يدل على كمال صفاته سبحانه وبحمده وهو اصل وصف الحياة انتقل الى ذكر قريب ما ذكره المؤلف في الحياة وهو القيومية فقال رحمه الله قيوم لا ينام وهذا وهذا ثاني ما ذكره من صفات الله تعالى على وجه التفصيل وهو انه قيوم لا ينام قيوم صيغة مبالغة لاثبات كمال قيوميته سبحانه وبحمده ولاجل تحقيق هذا المعنى وهو كمال القيومية نفى عن نفسه انه فقال لا ينام وهذا نظير ما ما ذكره الله في اية الكرسي الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم وقول لا تأخذه سنة ولا نوم نفي لاثبات كمال حياته وكمال قيوميته سبحانه وبحمده فلا يتطرق اليه نعاس ولا ما هو اعظم من النعاس الاستغراق وقد جاء في الصحيح من حديث ابي موسى رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله لا ينام ولا ينبغي له ان ينام يرفع القسط ويخفضه يرفع اليه عمل النهار بالليل وعمل الليل بالنهار وهذا فيه انه لا ينام ويستحيل عليه ان ينام سبحانه وبحمده وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي له ان ينام فاثبت عدم النوم وذكر امتناع ذلك عليه لكماله جل في علاه ومعنى قوله رحمه الله قيوم اي انه قائم بنفسه فلا حاجة به الى خلقه القيوم هو القائم بنفسه فهو الغني الحميد يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد ومن معاني القيوم انه مقيم لغيره فكل احد محتاج اليه ليقيمه كما قال تعالى افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت بل السماوات والارض لا قوام لا قوام لهما الا بالله عز وجل فلولا الله ما قامتا ان الله يمسك السماوات والارض ان تزول ولا ازالة ان امسكهما من احد من بعده ان امسكهما اي ما امسكهما ان هنا نافية ان امسكهما من احد من بعدي اي ليس هناك احد يمسكهما دون الله عز وجل فلا يمسك ما احد من دونه وهذان الاسمان الحي القيوم اليهما يرجع معاني الكمال في اسماء الله تعالى وصفاته ولذلك قال جماعة من اهل العلم ان جميع الاسماء والصفات ترجع الى هذين الاسمين فكل معاني الكمال ثابتة لله عز وجل وهي دائرة على هذين الوصفين الحي القيوم وصف الحياة ووصف القيومية له جل وعلا ولهذا قال بعض اهل العلم ان الحي القيوم هو الاسم الاعظم وقد قال ابن القيم رحمه الله ببيان رجوع جميع الاسماء والصفات الى هذين الاسمين قال وله الحياة كمالها فلاجل اذا ما للممات عليه من سلطان فله الحياة كمالها ولاجل ذا اي لاجل ان له الحياة الكاملة ما للممات عليه من سلطان وكذلك القيوم من اوصافه ما للمنام عليه من غشيان فلا يغشاه نوم سبحانه وبحمده وهذا بيان لمعنى الحي ومعنى القيوم وقد تقدم ثم قال وكذلك اوصاف الكمال ثبتت له ومدارها الوصفاني وكذلك اوصاف الكمال جميعها ثبتت له ومدارها الوصفاني وهذا يبين لنا ان جميع اوصاف الكمال تدور على هذين الوصفين او على هذين الاسمين. اسم الحي واسم القيوم والصفات التي يتصف بها الله تعالى نوعان صفات ذاتية وصفات فعلية جميع ما يتعلق بالصفات الذاتية يرجع الى الحي وجميع ما يتعلق بالصفات الفعلية يرجع الى القيوم ولو اردنا ان نكتفي باحدهما في الدلالة على سائر اسماء الله تعالى لقلن الحي يدل على كل اسمائه جل وعلا كما تقدم في التعليق على قوله حي لا يموت ثم قال المصنف رحمه الله خالق بلا حاجة خالق اي ان الله تعالى اوجد الخلق من عدم وابدعهم وكونهم جل في علاه من غير افتقار لهم فايجادهم وابداعهم وتكوينهم ليس ناشئا عن افتقار اليهم بل هو الغني عنهم جل في علاه هو الغني الحميد سبحانه وبحمده وهذا شامل لكل ما خلقه الله تعالى. فلم يخلق الله جل وعلا شيئا لحاجته اليه بل هو الغني عن كل شيء سبحانه وبحمده فكل الخلق في سمائه وارضه هو خلق الله قال تعالى قل الله خالق كل شيء الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ذلكم الله ربكم خالق كل شيء. لا اله الا هو فانها تؤفكون. وكل هذا الخلق على تنوعه تفنن صفاته واصنافه كله اوجده الله تعالى من غير حاجة اليه. فهو الغني وقد قال يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله الله هو الغني الحميد وهذا التقييد في قوله خالق بلا حاجة للتمييز بين خلق الله وخلق غيره فان غيره من الخلق اذا خلق وصنع فانه يخلق لحاجته الى ما يخلق والى ما يصنع اما الله فهو الغني الحميد. وقد ذكر الله اشرف ما خلق قال وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين فقول خالق بلا حاجة اي خالق من غير افتقار الى الخلق وقد يأتي في كلام المتكلمين استعمال كلمة حاجة الغرض والعلة والحكمة وهذا له اصل في استعمالات اللغة ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه لكن هذا المعنى قوله ليس له فليس لله حاجة يعني ليس له غرض ولا قصد في ان يدع طعامه وشرابه. الحاجة تطلق على ما يقصد ويراد لكن هذا المعنى ليس مرادا هنا اي ان الله تعالى خلق الخلق لغاية فليس قوله خالق بلا حاجة اي انه اوجدهم دون حكمة ودون غاية بل الله تعالى خلق الخلق لحكمة كما قال وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وكما قال الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا؟ فهذا بيان الهي للغاية التي من اجلها خلق الخلق كما ان الله تعالى بين الغاية المراد بالخلق فقال جل وعلا ولله ما في السماوات وما في الارض ليجزي الذين اساءوا بما عملوا واجزي الذين احسنوا بالحسنى فالله تعالى بين انه يملك ما في السماوات وما في الارض وان ذلك لغاية المراد بالخلق لان الغاية اما ان تراد بالخلق واما ان تراد منهم ترد منهم المراد من الخلق ايش العبادة والمراد بهم المجازاة على اعمالهم فالغاية اما مراده من الخلق او مراده بالخلق فالمراد من الخلق هو تحقيق العبودية كما قال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. اما المراد بالخلق اقامة العدل والفضل ولله ما في السماوات وما في الارض ليجزي الذين اساءوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى وكما قال تعالى ان الساعة اتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى كل هذا يدل على ان قوله رحمه الله خالق بلا حاجة لا يرد عليه انه خالق من غير حكمة او من غير غاية فان الله قد بين في كتابه الغاية المرادة من الخلق والغاية المرادة بالخلق